إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٣

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

__________________

«ومنهم» عبد الله بن أحمد عن شريح بن يونس والحسين بن عرفة عن أبى حفص الأبار عن الحكم بن عبد الملك عن الحارث بن الحصيرة

«ومنهم» ابن الصلت عن ابن عقدة عن محمد بن على الحسيني عن جعفر بن محمد بن عيسى عن عبيد الله بن على الرضا عن آبائه عن على عليه‌السلام

«ومنهم» الوكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن أبى صادق عن أبى الأعز عن سلمان الفارسي (كما في البحار ج ٩ ص ٦٢ ط كمبانى)

«ومنهم» أحمد بن القاسم قال أخبرنا عبادة يعنى ابن زيادة عن محمد بن كثير عن الحارث بن الحصيرة عن أبى صادق عن ربيعة بن ناجد عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب (كما في البحار ج ٩ ص ٦٢ ط كمبانى)

«ومنهم» العلامة الشيخ سليمان القندوزى في ينابيع المودة (ص ١٠٩ ط اسلامبول)

أخرج موفق بن أحمد الخوارزمي المكي عن عمر بن اذينة عن جعفر الصادق عليه‌السلام عن آبائه عن على رضى الله عنهم قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا على مثلك في أمتي مثل عيسى بن مريم افترق قومه ثلاث فرق فرقة مؤمنون وهم الحواريون ، وفرقة عادوه وهم اليهود ، وفرقة غلوا فيه فخرجوا عن دين الله وهم النصارى ، وان أمتي ستفترق فيك ثلاث فرق ، فرقة اتبعوك وأحبوك وهم المؤمنون ، وفرقة عادوك وهم الناكثون والمارقون والقاسطون ، وفرقة غلوا فيك وهم الضالون ، يا على انك واتباعك في الجنة وعدوك والغالي فيك في النار

وأخرج في مشكاة المصابيح عن على رضى الله عنه فذكر ما قدمناه

وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين على عليه‌السلام هلك في رجلان محب غال ومبغض قال

٤٠١

قال النّاصب خفضه الله

أقول الآية نزلت في عبد الله بن الزّبعرى (١) حين نزل (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) ، فقال ابن الزّبعرى : عيسى عبد فهو يدخل جهنّم ، فقال رسول الله : صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أجهلك بلغة قومك؟! فانّ ما لا يراد به ذو والعقول وعيسى عليه‌السلام من ذوى العقول ، فانزل الله تعالى (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) ، وإن صحّ فهو في حكم أخواتها «انتهى»

أقول

قد ذكر (٢) فخر الدين الرّازى في هذه الآية أقوالا ثلاثة : أحدها ما ذكره النّاصب حيث قال : إنّ لفظ الآية لا يدلّ إلّا على أنّه (لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) أخذ القوم يصيحون ويرفعون أصواتهم وأمّا انّ ذلك المثل كيف كان؟ فاللّفظ لا يدلّ عليه ، والمفسّرون ذكروا وجوها محتملة ، فالأول أنّ الكفّار لمّا سمعوا انّ النصارى يعبدون عيسى على نبيّنا وآله وعليه‌السلام قالوا : إذا عبد وا عيسى فآلهتنا خير من عيسى وإنّما قالوا ذلك ، لأنهم كانوا يعبدون الله والملائكة. الثاني روى أنّه لما نزل قوله تعالى. (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) ، قال

__________________

(١) هو عبد الله بن الزبعرى بن قيس السهمي القرشي من مشاهير بلغاء العرب وفصحائها اسلم وحسن إسلامه وقبلت توبته وقال في مقام الاعتذار مخاطبا إياه صلى‌الله‌عليه‌وآله

انى لمعتذر إليك من الذي

أسديت إذ أنا في الضلال اهيم

فاغفر فدا لك والداى كلاهما

زلى فإنك راحم مرحوم

ولقد شهدت بان دينك صادق

حق وانك في العباد جسيم

وزبعرى بكسر الاول وفتح الثاني ثم الالف المقصورة في آخرها فراجع الريحانة (ج ٥ ص ٣٥٤ طبع طهران)

(٢) فراجع التفسير الكبير للفخر الرازي (ج ٢٧ ص ٢٢٠ ط عبد الرحمن محمد بمصر)

٤٠٢

عبد الله بن الزّبعرى إلى آخره ، الوجه الثّالث في التّأويل هو أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما حكى أنّ النّصارى عبد وا المسيح وجعلوه إلها لأنفسهم ، قال كفّار مكّة : إنّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد أن نجعله لنا إلها كما جعل النّصارى المسيح الها لأنفسهم ثمّ عند هذا قالوا : (أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ)؟ يعنى آلهتنا خير أم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ذكروا ذلك لأجل انّهم قالوا : إنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعونا إلى عبادة نفسه ، وآبائنا زعموا انّه يجب عبادة هذه الأصنام فإذا كان لا بدّ من أحد هذين الأمرين ، فعبادة هذه الأصنام أولى ، لأنّ آبائنا وأسلافنا كانوا متطابقين عليه ، وأما محمّد عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ، فإنّه متّهم في أمرنا بعبادته ، فكان الإشتغال بعبادة الأصنام أولى «انتهى» وقد ظهر من كلامه انّ ما ذكره في تأويل الآية وجوه محتملة ، قالوها رجما بالغيب من غير استناد إلى حديث مخبر عن سبب النزول ، فيكون ما رواه المصنّف أولى بالاعتبار كما لا يخفى ، وأيضا كل من أخبار الثّلاثة خال عن المعنى الذي يقتضيه أسلوب ضرب المثل وعن ذكر من ضرب له المثل ، بخلاف المعنى المستفاد من رواية المصنّف فإنّه مقرّر لاسلوب المثل ومبين لمن ضرب له وهو عليّ عليه‌السلام ، (ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ) (١) ، فيكون أفضل ، أو نقول : قد دلت الآية مع الرّواية دلالة صريحة على أنّ حكمه عليه‌السلام حكم عيسى على نبيّنا وآله وعليه‌السلام ، فلا أقلّ من دلالته على الأفضلية ، وبالجملة ما ذكره المصنّف من الأدلة وإن كانت أخوات ، إلّا أنّها من نجب الأدلة ونخبها ، وما من آية إلّا وهي أكبر من أختها.

ختم وإتمام

قد روى (٢) احمد بن حنبل في مسنده ما في معنى الحديث المذكور من طرق

__________________

(١) اقتباس من قوله تعالى في سورة يس. الآية ٧٨ ،

(٢) فراجع إلى مسند ابن حنبل (ج ١ ص ١٦٠ ط مصر) وغيره مما تقدم ذكره في ذيل الآية الشريفة.

٤٠٣

ثمانية منها ما رواه مسندا إلى عليّ عليه‌السلام ، قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا عليّ إنّ فيك مثلا من عيسى أبغضه اليهود حتى بهتوا امه ، وأحبته النّصارى حتّى أنزلوه المنزل الذي ليس له ، قال : قال عليّ يهلك فيّ رجلان محبّ يفرطنى بما ليس فيّ ومبغض يحمله شنآنى على أن يبهتني وقوله عليه‌السلام : حتّى بهتوا امّه أى جعلوه ولد زنية وكذا ابن المغازلي (١) في كتاب المناقب والشيخ عبد الواحد (٢) الآمدى التميمي في الجزء الثّالث من جواهر (٣) الكلام في حروف ياء النداء وابن (٤)

__________________

(١) قد تقدم النقل عن كتابه بواسطة العمدة لابن بطريق الحلي والينابيع للقندوزى البلخي الحنفي وبحر المناقب للشيخ برهان الدين والأربعمائة الحديث للكاشى والرياض النضرة للمحب الطبري وذخائر العقبى له أيضا فراجع.

(٢) هو العلامة المفسر المحدث الفقيه المتكلم الأديب الشيخ عبد الواحد بن القاضي أبى نصر محمد بن عبد الواحد الآمدي التميمي صاحب الكتب النافعة الكثيرة ككتاب غرر الحكم ودرر الكلم في كلمات مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام القصار رتبها على الحروف الهجائية وغيره يروى عنه العلامة ابن شهر آشوب السروي وغيره وكان المترجم من علماء الامامية واجلائهم فراجع كتاب الكنى والألقاب للعلامة المحدث القمي (ج ٢ ص ٥ طبع النجف الأشرف)

(٣) هو كتاب جواهر الكلام في الحكم والاحكام من قصة سيد الأنام اوله الحمد لله استمطار سحائب كرمه إلخ انتخبه متونا مجردة ورتبه على حروف المعجم ليسهل حفظه وهي من مسموعاته عن والده ومروياته عن الشيخ أحمد الغزالي بآمد وأبى بكر الآجري والقاضي أبى نصر ودعان الموصليّ وأبى الليث السمرقندي وأبى بكر محمد بن أحمد الشاشي وغيرهم كما في كشف الظنون (ج ١ ص ٤١٠ الطبع القديم بالاستانة).

(٤) هو العلامة أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي القرطبي أبو عمرو المورخ المحدث الأديب المتوفى سنة ٣٢٨ ببلدة قرطبة ودفن في مقبرة بنى العباس له كتب كثيرة.

٤٠٤

عبد ربّه في كتاب العقد (١) ، ذكروا ما في معناه ، ومعلوم أنّ خصائصه الباهرة (٢) ومعجزاته القاهرة وآياته النّاطقة مثل قلع الباب وقلع الصخرة (٣) وإخباره بالمغيبات (٤) على ما سيجيء قد بلغت شرف الكمال ، حتّى التبس أمره على كثير من العقلاء ، واعتقدوا أنّه فاطر الأرض والسّماء وخالق الأموات والأحياء كما بلغ الأمر في عيسى عليه‌السلام هل هو معبود أو عبد؟ ولعل الله سبحانه تعالى لمّا سبق في علمه ما يجري عليه حال عليّ عليه‌السلام من كثرة الباغضين والمعاندين ، وما يبلغون إليه من مساواته لمن لا يجرى مجراه ، كساه الله من حلل الأنوار وجليل المنار ما يبلغ به إلى غاية يقوم بها الحجّة البالغة لله سبحانه على الخلائق ، ولا يبقى لهم عذر يعتذرون به في ولاية وليّه عليه الصّلاة والسّلام ، وقد جعل النّاس في كلامه عليه‌السلام ثلاث مراتب قوم أفرطوا في حبّه فهلكوا وهم النصيرّية (٥) لأنّهم يعتقدون أنّه إله يحيي ويميت

__________________

(١) هو كتاب عقد الفريد المطبوع المشهور وقد ذكر في (ج ٢ ص ١٩٤ ط مصر ١٣١٦ ه‍) أن الشعبي قال : كان على بن أبي طالب في هذه الامة مثل المسيح بن مريم في بنى إسرائيل أحبه قوم فكفروا في حبه ، وأبغضه قوم فكفروا في بغضه.

(٢) وذلك كايثاره عليه‌السلام كل ما ملك من حطام الدنيا وتمثله بالشعر المعروف

هذا جناي وخياره فيه

وكل جان يده في فيه

وخصائصه الأخر من الشجاعة والفتوة والزهد والورع والعلم وغيرها مما سنذكرها في باب الفضائل.

(٣) وكحديث البساط وحديث السطل والماء والمنديل وغير ذلك من معجزاته الباهرة التي ستجيء في باب فضائله عليه‌السلام.

(٤) وذلك كاخباره عليه‌السلام شهادته بيد أشقى الأشقياء في رمضان المبارك وغيره من اخباره بالمغيبات التي ستجيء في موضعها.

(٥) النصيرية ويقال لها النميرية ، أحدثها محمد بن نصير النميري وهو من أتباع الشريعي

٤٠٥

ويمنع ويرزق لما عاينوا من أفعاله الباهرة التي يؤيّد الله تعالى بها أنبياءه وأوصياء أنبيائه ليصحّ (ليتضح خ ل) بها صدق دعوتهم في النّبوة والخلافة ، فلمّا أهملوا وظيفة النّظر في الدّليل هلكوا حيث شبهوا الصانع بالمصنوع والرّب بالمربوب ، وقوم (١) افرطوا في بغضه حتّى نصبوا له العداوة وحاربوه ودفعوه عن مقامه الذي نصبه الله تعالى فيه ، ونبّه عليه بالآيات في كتابه ، ونصّ عليه الرّسول في مواضع لا تحصى كثرة (٢) وأفرطوا في بغضه حتّى كتموا من النّصوص ما قدروا عليه ، وتوعدوا

__________________

وبينهم خلاف في كيفية اطلاق اسم الالهية على الأئمة من أهل البيت :

قالوا : ظهور الروحاني بالجسد الجسماني امر لا ينكره عاقل كظهور جبرئيل عليه‌السلام ببعض الاشخاص ، والتصور بصورة أعرابى والتمثل بصورة البشر وقالوا : ان الله تعالى ظهر بصورة أشخاص ، ولما لم يكن بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شخص أفضل من على عليه‌السلام وبعده أولاده المخصوصون وهم خير البرية فظهر الحق بصورتهم ونطق بلسانهم وأخذ بأيديهم ولهذا قالوا : كان على عليه‌السلام موجودا قبل خلق السماوات والأرض إلى غير ذلك من مقالاتهم الغريبة البعيدة التي نشأت من كراماته الباهرة التي أجرى الله تعالى بايديه تعظيما له عليه‌السلام.

(١) وذلك كالخوارج والعجاردة والنصاب وسائر أعداء أهل البيت عليهم‌السلام الذين يبغضون عليا وأولاده وينصبونهم.

(٢) وقد أخفوا ما ورد من النصوص الدالة على علو مكانه وشرفه وفضيلته وأرادوا (أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) وأقلامهم (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)

قد أخفت الأعداء مناقبه التي

ما ذاع منها لا تعدو تكتب

قيل لخليل بن أحمد امدح عليا قال كيف اقدم في مدح من كتمت أحبائه فضائله خوفا وأعدائه حسدا وظهر بين الكتمانين ما ملاء الخافقين ، وقال ابن حنبل لابنه عبد الله يا بنى : ان أعداء على قد فتشوا فيه ما يشينه فما وجدوا فيه شيئا.

(٢ مكرر) ذكر هذا الحديث مضافا إلى ما تقدم منا في ذيل الآية عدة من أعلام القوم :

٤٠٦

النّاس على نشر مناقبه وسبوه (١) على المنابر ، بل قادوه كما يقاد الجمل

__________________

«منهم» الحافظ أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل في «مسنده» (ج ١ ص ١٦٠ طبع مصر) نقل الحديث بلفظه.

«ومنهم» الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في كتابه «المستدرك» (ج ٣ ص ١٢٣ طبع حيدرآباد) نقل الحديث بلفظ آخر.

«ومنهم» الحافظ محب الدين الطبري في كتابه «الرياض النضرة» (ج ٢ ص ٢١٧ ط مصر) نقل الحديث بلفظه.

«ومنهم» الحافظ المذكور في كتابه «ذخائر العقبى» (ص ٩٢ ط مصر)

«ومنهم» الشيخ الجليل سليمان الحسيني القندوزى في ينابيع المودة (ج ١ ص ٣٩ ط صيداء) نقل الحديث بلفظه.

(١) فممن ذكر ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (ج ٧ ص ٥٧ ط مصر) حيث قال ما لفظه : ثم اشتد الخطب فتنقصوه واتخذوا لعنه على المنابر سنة ووافقهم الخوارج على بغضه فصار الناس ثلاثة إلى ان قال والمحاربين له من بنى أمية واتباعهم إلخ وكذا (في ص ٦٠ ج ٧) حيث قال ما لفظه : ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبى وقاص عند مسلم والترمذي قال قال معاوية لسعد ما منعك ان تسب أبا تراب ، قال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله فلن اسبه فذكر هذا الحديث اى قوله (اما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى)

«ومنهم» العلامة المحدث المفسر ابن الجوزي في كتابه «تذكرة الخواص» (ص ١١٤ ط طهران) حيث قال وهذا لفظه فألحوا عليه فأرسل الحسن عليه‌السلام فاستزاره فلما حضر شرعوا فتناولوا عليا عليه‌السلام والحسن عليه‌السلام ساكت إلخ.

«ومنهم» الحافظ الكبير العلامة الحاكم النيسابوري في كتابه «المستدرك» (ج ٣ ص ١٢١ ط حيدرآباد) أورد فيه حديثين عن ام سلمة حيث قال ما هذا لفظه بعد

٤٠٧

__________________

ذكر السند : دخلت على ام سلمة رضى الله عنها فقال لي أيسب رسول الله فيكم؟ فقلت معاذ الله او سبحان الله ، فقالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول من سب عليا سبني

قال هذا حديث صحيح الاسناد وكذا الحافظ المحدث شمس الدين الذهبي صاحب تلخيص المستدرك في ذيل المستدرك (ج ٣ ص ١٢١ ط حيدرآباد الدكن)

«ومنهم» العلامة المعاصر السيد علوي الحداد في كتاب «القول الفصل» (ج ٢ ص ٣٨٤ ط جاوة) حيث قال : ما هذا لفظه : وكنداء أهل الشام وصياحهم لعمر بن عبد العزيز لما ترك لعن على عليه‌السلام في الخطبة السنة السنة تركت السنة يا أمير المؤمنين وقال بعد ذلك وتلك قاعدة الجوزجاني الشامي فيمن لا يلعن عليا عليه‌السلام

«ومنهم» العلامة الحافظ المحدث ابن حجر الهيتمى في كتابه الصواعق المحرقة (ص ٧٢ ط مصر) حيث قال ما هذا لفظه : ثم لما اشتد الخطب واشتغلت طائفة من بنى أمية بتنقيصه وسبه على المنابر ووافقهم الخوارج لعنهم الله إلخ فراجع.

«ومنهم» الحافظ أبو عبد الله مسلم بن الحجاج النيسابوري في صحيحه على ما في «التاج الجامع للأصول» (ج ٣ ص ٣٢٩ ط مصر) حيث قال عن سعد بن أبى وقاص قال : أمرني معاوية ان اسب أبا التراب

«ومنهم» الحافظ الترمذي في صحيحه على ما في (التاج) (ج ٣ ص ٣٢٩ ط مصر)

«ومنهم» العلامة أبو الحسن على بن الأثير الجزري الموصليّ في كتابه «اسد الغابة» (ج ٤ ص ٢٥ ط القديم بمصر) حيث قال عن أبيه عامر بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه قال : امر معاوية سعدا ان يسب أبا تراب.

«ومنهم» الحافظ ابن عبد البر الأندلسي في الاستيعاب (ج ٢ ص ٤٥)

حيث نقل بسنده عن عبد العزيز بن أبى حازم انه امر بعض المتأمرين سهل بن سعد الساعدي

٤٠٨

__________________

بسب على عليه‌السلام فامتنع من ذلك

«ومنهم» الحافظ أبو الحسن على بن الأثير في اسد الغابة (ج ١ ص ١٣٤) قال فيه بعد إنهاء السند إلى شهر بن حوشب ما لفظه : اقام فلان خطباء يشتمون عليا ويقعون فيه «ومنهم» العلامة محب الدين الطبري في كتابه (الرياض النضرة ج ٢ ص ١٨٨ طبع مصر) روى عن سعد انه قال امر معاوية سعدا ان يسب أبا تراب فأبى

«ومنهم» أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه الشهير (ج ٢ ص ١٢٤) نقل امر امير المدينة سهل بن سعد بسب على عليه‌السلام وامتناعه عن ذلك

«ومنهم» الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق (ج ١ ص ٣٥١ طبع دمشق) بسنده المنتهى إلى عبد الرزاق انه قال سمعت معمرا يقول دخلت مسجد حمص فإذا انا بقوم لهم رباء فظننت بخير فجلست إليهم فإذا هم ينتقصون على بن أبي طالب ويقعون فيه فقمت من عندهم فإذا شيخ يصلّى ظننت به خيرا فجلست اليه فلما حس بى جلس وسلم فقلت له يا عبد الله ما ترى هؤلاء القوم يشتمون على بن أبي طالب وينتقصونه وجعلت أحدثه بمناقب على بن أبى طالب وانه زوج فاطمة بنت رسول الله وأبو الحسن والحسين وابن عم رسول الله إلخ إلى غير ذلك من كلماتهم المصرحة بان المخالفين كانوا يسبون ويشتمون صنو الرسول وابن عمه والذاب عنه والفادي بنفسه في الدفاع عنه حتى انى رأيت في بعض المجاميع المخطوطة : أن أهل بعض البلدان استمهلوا ستة أشهر عمر بن عبد العزيز في سب مولانا أمير المؤمنين روحي له الفداء لما منع عن ذلك وعاقب من اقترف تلك الموبقة فبالله عليك أيها اللاحظ المنصف هل يليق معاوية ومن يحذو حذوه ان يتمكن على سرير الخلافة الإسلامية كلا وكلا حاشا ثم حاشا ، وتعسا لامثال ابن حجر الهيتمى الجار السوء لبيت الله تعالى في تأليفه كتاب تطهير الجنان المطبوع بهامش كتابه الصواعق المحرقة لمؤلفه المتعصب النابذ للحق وراء الظهر ومن سبر كلماته راى أن

٤٠٩

__________________

المسكين المحامى لابن أبى سفيان لا يملك نفسه في الغمض والغض عن الحقائق ويتفوه بمعاذير تضحك منها الثكلى ويبكى العريس مع أنه قد ثبت عندهم بالطرق الصحيحة والأسانيد القوية ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من سب عليا فقد سبني

وغيره من الأحاديث الواردة بهذا المضمون والمؤدى.

والعجب بعد ذلك كله من الآلوسى ابى الثناء صاحب التفسير حيث لا يرى مساغا لسب بشر بل والحيوانات العجم في كتابيه تلخيص التحفة والرسالة اللاهورية ومع هذا يغض الطرف عن وقيعة مولانا أمير المؤمنين وسبابه وهو ينتمي نسبا إلى الامام محمد التقى الجواد عليه‌السلام ، فما أجدر أن يقال في حقه :

أترى القاضي أعمى

أم تراه يتعامى

وكذا لا ينقضي تعجبي من الملا أحمد الكردستانى المدرس (بپاوه) من اعمال كردستان في رسالته التي ألفها في الرد على الامامية حيث يعتذر عن هذه السيئة التي اقترفها الأولون المتقمصون بأمور ما أشبهها بمقالات الصبيان ومحاوراتهم في ملاعبهم ، وكم لهذين الرجلين من نظير بين علمائهم حيث تراهم لما عجزوا عن رد السند والتصرف في الدلالة وهم غرقى في بحر العناد والعصبية الجاهلية تشبثوا بحشيش الاعتذار ، كما فعله الشيخ محمد مردوخ الكردي المعاصر في رسائله (دانش ودين) و (ناله اسلام) و (نداى اتحاد) فانه جزاء الله بصنيعه لم يكتف بالمعاذير ، بل جاوز حد الدين ولوح في كلامه إلى جواز ما صدرت من طواغيت السلف في حق صنو الرسول ومن قام الدين بمتاعبه خذله الرحمن ما أجرأه على انتهاك حرمة من نفسه نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم اهد الجماعة حتى يتدبرون.

ثم انى وقفت على كتاب (الفوائد النورية) في الرد على الرسالة اللاهورية المذكورة تاليف العلامة المجاهد المحامى الشيخ محمد المدرس الطهراني نزيل كرمانشاه ، وكذا كتاب (رفع البغض والعداوة) في الرد على مدرس پاوه له أيضا ، ولله دره وقدس‌سره

٤١٠

المخشوش (١) واضرموا النّار في بيته (٢) وسفكوا دماء ذرّيته الطاهرة (٣) وقوم مقتصدون أولئك جعلوا عليا عليه‌السلام إماما ولم يتعدّوا به ما جعله الله له ، ومعلوم أن التميز من الامّة قليل ، والعمى فيها كثير ، وعلى ذلك مضى جمهورها ، ألم تر أنّ قوم موسى على نبيّنا وآله وعليه‌السلام حال صعودهم من البحر قد شاهدوا الآية العظمى (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى : اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ، قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ، فلا عجب حينئذ أن تنقلب الامة بعد نبيّها ، وتختلف في وصيّه (وصيّته خ) ومعلوم أنّ أبا بكر لم يقل أحد من الامّة بأسرها إنّه إله يحيي ويميت ، بل قوم يرون إمامته ، وقوم لا يرونها أصلا والامة بأسرها قائلة بامامة عليّ عليه‌السلام لكنهم منهم من جعله رابعا ، والخلاف حينئذ في علي عليه‌السلام بين الإلهيّة والإمامة ، والخلاف في أبي بكر هل هو إمام أم لا؟ وهذا تباين عظيم وتباعد مفرط قد بلغ إلى الغاية وارتفع في النّهاية كما أشار اليه الفرزدق (٤) رحمه‌الله بقوله :

__________________

أزاح العلل وأجاب عنهما بما يشفى القلوب ويكشف الكروب جزاء الله خير الجزاء والنسختان مخطوطتان وهما عندي بخطه الشريف ، من على بهما العلامة الموالي لأهل البيت عليهم‌السلام المفسر الفلكي الحيسوب الرياضي المتكلم الشاعر المحدث حجة الإسلام الشيخ حيدر قلى خان المشتهر بسردار الكابلي قدس الله سره وأجزل تشريفه ، وأرجو من فضله تعالى ان يقيض الهمم في طبعهما ونشر هما آمين آمين.

(١) الخشاش بالكسر ما يدخل في عظم انف البعير والخش : البعير المخشوش ق.

(٢) كما سيجيء ذكر مداركه في باب المطاعن إن شاء الله.

(٣) كالحسين الشهيد المظلوم وساير الأئمة الاطهار عليهم‌السلام.

(٤) هو ابو فراس همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع ابن دارم التميمي الشاعر الشهير والناظم النحرير امه ليلى بنت حابس اخت الأقرع بن حابس وأبوه من أشراف قومه وجده صعصعة صحابى ، وكان المترجم من الشعراء

٤١١

شعر :

تبّا لناصبة الامام لقد تها

فتوا في الضلال بل تاهوا قاسوا ع

تيقا بحيدر سخنت (١)

عيونهم بالذي به فاهوا كم بين

من شك في إمامته

وبين من قيل إنّه الله؟!

وقد اشتهر عن الشافعي ما مضى (٢) من قوله :

لو أنّ المرتضى أبدى محله

لأضحى النّاس طرا سجدا له

__________________

المجاهرين في حب اهل البيت عليهم‌السلام وله ديوان شعر معروف شرحه جماعة ومن غرر منظوماته ما قاله في مدح مولانا سيد الساجدين وزين العابدين سلام الله عليه بمحضر من هشام بن عبد الملك تلك الأبيات الشريفة العزيزة النفيسة السائرة الدائرة التي مطلعها.

هذا الذي تعرف البطحاء ووطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقى النقي الطاهر العلم

الى ان قال

ما قال لاقط الا في تشهده

لو لا التشهد كانت لاؤه نعم

إلخ وقد شرحها جمع من أدباء الفريقين كما انه خمسها ثلة وضمنها بعض

وبالجملة جلالة المترجم مما لا ينكر توفى بالبصرة سنة ١١٠ رضوان الله عليه وحشره مع مواليه الطاهرين فراجع الكنى والألقاب للمحدث القمي (ج ٢ ص ٢٠ طبع الغرى الشريف) والريحانة للعلامة المدرس الخيابانى وابن خلكان والطليعة في شعراء الشيعة للعلامة المعاصر فقيد العلم والأدب الشيخ محمد بن طاهر السماوي النجفي والأغاني لأبي الفرج والروضات وغيرها ثم ان للمترجم عقب فيهم العلماء والأدباء قد ذكر بعضهم في معاجم التراجم فليراجع.

(١) اسخن الله بعينه : أبكاه.

(٢) قد مر نقله من كتاب المناقب المرتضوية للترمذي فراجع.

٤١٢

كفى في فضل مولانا عليّ

وقوع الشكّ فيه أنّه الله

قال المصنّف رفع الله درجته

الثالثة والستون (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ* يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (١) قال عليّ عليه‌السلام هم أنا وشيعتي (٢) «انتهى»

__________________

(١) الأعراف ١٨٤

(٢) أورده من حفاظ القوم واعلامهم جمع فلا باس بالاشارة إلى بعضهم فنقول :

«منهم» العلامة السيوطي في الدر المنثور (ج ٣ ص ١٤٩ ط مصر) حيث قال :

أخرج ابو الشيخ عن على بن أبي طالب قال لتفترقن هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقه كلها في النار الا فرقة يقول الله : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) فهذه هي التي تنجو من هذه الامة.

وفي (ج ٣ ص ١٣٦ ط مصر) ما لفظه : أخرج ابن أبى حاتم عن على بن أبي طالب قال : افترقت بنو إسرائيل بعد موسى إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى بعد عيسى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار الا فرقة وتفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا فرقة إلى ان قال : واما نحن فيقول (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) فهذه التي تنجو من هذه الامة.

«ومنهم» العلامة المير محمد صالح الكشفى الترمذي في مناقب مرتضوى (ص ٥٢ ط بمبئى بمطبعة المحمدي)

نقل عن بحر المناقب ومناقب ابن مردويه عن زاذان رضى الله عنه قال : قال على كرم الله وجهه : تفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهم الذين قال الله تعالى : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) وهم أنا وشيعتي «ومنهم» الشيخ سليمان القندوزى في ينابيع المودة (ص ١٠٩ ط اسلامبول)

٤١٣

قال النّاصب خفضه الله

أقول هذه من رواياته ومدعياته ، والله أعلم وليس فيه دليل على المدعى «انتهى».

أقول

هذه الرّواية ممّا اختصرها المصنّف عن رواية رواها الحافظ ابن مردويه عن زاذان (١) عن علي عليه‌السلام ، قال : تفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون

__________________

أخرج موفق بن احمد الخوارزمي المكي عن زاذان عن على رضى الله عنه قال تفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الذين قال الله عزوجل في حقهم (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) وهم انا ومحبي وأتباعى.

«ومنهم» الحافظ ابو بكر بن مردويه في كتاب «المناقب» (كما في كشف الغمة ص ٩٥).

روى عن زاذان عن على عليه‌السلام قال : تفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهم الذين قال الله تعالى (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) وهم انا وشيعتي.

(١) هو زاذان الكندي مولاهم ابو عمرو البزار الكوفي شهد الجابية عن على وابن مسعود وعائشة وطائفة وعنه ابو الصالح السمان وعمرو بن مرة ومحمد بن جحادة وثقه ابن معين قال خليفة مات سنة (٨٢) هكذا قال الخزرجي في الخلاصة ص ١١٠ وأورده شيخنا الأستاذ العلامة آية الله الحاج الشيخ عبد الله المامقاني في كتاب الرجال (ج ١ ص ٤٣٦ طبع الغرى) وعده في أعلى درجات الحسن والقبول إلى آخر ما قال وبالجملة جلالته وكونه من حوارى مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام مما لا ينكر ورأيت في بعض التعاليق انه كان من أقرباء سلمان الفارسي الصحابي الجليل الشهير وبخط بعض الأفاضل انه كان من أقرباء أبى لؤلؤ وأبى خالد الكابلي والله اعلم.

٤١٤

في النّار وواحدة في الجنّة وهم الذين قال الله تعالى : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) وهم أنا وشيعتي «انتهى» وقال فخر الدّين الرّازى : أكثر المفسّرين على أنّ المراد من الامّة هاهنا قوم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم روى قتادة وابن جريح عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّها هذه الامّة وروى أيضا أنّه عليه‌السلام قال هذه لكم وقد أعطى الله قوم موسى على نبيّنا وآله وعليه‌السلام مثلها ، وعن الرّبيع عن أنس أنّه قرء النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية فقال إنّ من امّتى قوما على الحقّ حتّى ينزل عيسى بن مريم ، وقال ابن عباس رضى الله عنه : يريد امّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من المهاجرين والأنصار «انتهى»

والرّواية الأخيرة مما ذكرها الرّازى صريحة في تخصيص بعض الامّة بكونه على الحقّ ، وهذا هو الحق ، كما دلّ عليه أيضا ما اشتهر من حديث افتراق الامّة ، والجمع بينه وبين حديث ابن مردويه يقتضى أن يكون المراد بالقوم المذكور عليا عليه‌السلام وشيعته ، ومن البيّن انّ الخلفاء الثلاثة وأتباعهم من أهل السنة ليسوا من شيعة عليّ عليه‌السلام لما عرفت من المباينة والمخالفة بينهم وبين عليّ عليه‌السلام ، وقد ذكر (١) القاضي ابن خلّكان في احوال عليّ بن جهم القرشىّ عليه ما عليه ، إنّه كان معذورا في

__________________

ثم ان المشهور في اسمه ما ذكرناه وهو كونه بالزاء والذال المعجمتين وفي بعض الكتب بالذالين المعجمتين والمعتمد الاول.

وفي هامش منتهى المقال لشيخنا العلامة أبى على الحائرى بخطه نقل عن كتاب الخرائج والجرائح قضية حفظ القرآن بكرامة مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام روى ذلك الخبر عن زاذان سعد الخفاف ، وقال سعد : فقصصت قصة زاذان وتلك الكرامة التي كان ينقلها عن الأمير عليه‌السلام على أبى جعفر الباقر عليه‌السلام قال : صدق زاذان ان أمير المؤمنين عليه‌السلام دعا لزاذان بالاسم الأعظم الذي لا يرد ، انتهى.

(١) قد ذكرت ترجمة ابن الجهم وانحرافه عن امير المؤمنين عليه‌السلام في وفيات الأعيان لابن خلكان ج ٣ ص ٣٩ الطبع الجديد بالقاهرة

٤١٥

بغض عليّ عليه‌السلام والانحراف عنه ، لأنّ محبّة عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام لا تجتمع مع التسنّن «انتهى» فيكونون على الباطل ، لأنّ الحقّ لا يكون في جهتين مختلفتين وكفى فيه دليلا على المدّعى كما لا يخفى.

قال المصنّف رفع الله درجته

الرابعة والستون (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) (١) ، نزلت (٢) في عليّ عليه‌السلام «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : إن صحّ فلا دلالة له على النّص «انتهى»

أقول

تمام الآية قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ

__________________

(١) الفتح الآية ٢٩

(٢) ذكره من أعلام القوم جماعة.

«منهم» المير محمد صالح الكشفى الترمذي الحنفي في مناقب مرتضوى (ص ٦٦ ط بمبئى بمطبعة المحمدي)

نقل عن أهل السنة : أن (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) في شأن على عليه‌السلام.

ونقل عن كتاب صفوة الزلال عن على عليه‌السلام قال صليت مع رسول الله سبعة سنة قبل أن يسلم أحد او يصلّى احد

«ومنهم» العلامة الآلوسى في روح المعاني (ج ٢٦ ص ١١٧ ط المنيريه بمصر) أخرج ابن مردويه والقاضي احمد بن محمد الزهري في فضائل الخلفاء الأربعة والشيرازي في الألقاب عن ابن عباس (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) على كرم الله تعالى وجهه.

٤١٦

الآية ولعل استدلال المصنف بتمام الآية ، وإنّما اكتفى بذكر البعض اختصارا واعتمادا على انصراف ذهن من فاز بتلاوة القرآن إلى الباقي ، وكون باقى الصّفات المذكورة فيها إنّما يرتبط بعلي عليه‌السلام دون الخلفاء الثّلاثة ، وبالجملة قوله تعالى : (رُكَّعاً سُجَّداً) إخبار عن كثرة صلاته عليه‌السلام ومداومته عليها ، وسيجيء من الأحاديث والأخبار ما يدلّ على أنّه عليه‌السلام بلغ في ذلك مبلغا لم ينله غيره من الصحابة ، فيكون أعبدهم كما أشار إليه أيضا أفضل المحقّقين «قدس‌سره» في التّجريد (١) فيكون أفضل وهذا ما ادّعاه المصنّف.

قال المصنّف رفع الله درجته

الخامسة والستون (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) (٢) ، نزلت في (٣) عليّ عليه‌السلام ، لأنّ نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه «انتهى».

__________________

(١) ذكره في المقصد الخامس عند تعرضه لكونه عليه‌السلام ازهد الناس وأعبدهم وأحلمهم وأشرفهم واطلقهم وجها وأقدمهم ايمانا حيث قال وروى انه قال عليه‌السلام على المنبر بمشهد من الصحابة أنا الصديق الأكبر آمنت قبل ايمان أبى بكر وأسلمت قبل أن اسلم ولم ينكر عليه منكر فيكون افضل من أبى بكر

(٢) الأحزاب. الآية ٥٨.

(٣) نقله جم غفير وجمع كثير ونورد هنا اسماء من وقفنا على كلامه في حال التحرير «فمنهم» العلامة أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المتوفى سنة ٦٧١ أورد في تفسيره المشهور (الجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ٢٤٠ ط القاهرة ١٣٥٧ ه‍) رواية تدل على أن الآية الشريفة نزلت في على ، فان المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه «ومنهم» البيضاوي في تفسيره (ج ٤ ص ٤٧ ط مصطفى محمد بمصر) ذكر نزولها في المنافقين الذين يؤذون عليا رضى الله عنه

٤١٧

قال النّاصب خفضه الله

أقول : الظاهر العموم ، وإن خصّ فلا دلالة له على النّص المقصود «انتهى»

أقول

وجه استدلال المصنّف بهذه الآية على الأفضلية أنّ هذه الآية مرتبطة بما قبلها ، وهو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ، إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) الآية ، والحاصل كما ذكره فخر الدين الرّازى في تفسيره انّه لما كان الله مصلّيا على نبيّه لم ينفك إيذاء الله عن إيذائه ، فإنّ من آذى الله ، فقد آذى الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبين الله للمؤمنين أنّكم إن أتيتم بما أمرتكم وصليتم على النّبي كما صليت عليه لا ينفك إيذاؤكم عن إيذاء الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما يكون على الأصدقاء الصّادقين في الصداقة «انتهى» ففي الآية بمقتضى الرّواية التي ذكرها المصنّف قدّس سره دلالة على أن إيذاء عليّ عليه‌السلام لا ينفك عن إيذاء الرسولّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

«ومنهم» الحافظ أبو بكر بن مردويه في كتاب «المناقب» (كما في كشف الغمة ص ٩٥)

روى عن مقاتل بن سليمان في قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) الآية ، انها نزلت في على بن أبي طالب ، وذلك أن نفرا من قريش كانوا يؤذونه ويكذبون عليه

«ومنهم» المير محمد صالح الكشفى الترمذي في مناقب مرتضوى (ص ٦٠ ط بمبئى بمطبعة المحمدي) قال مقاتل بن سليمان أنها نزلت في على عليه‌السلام

«ومنهم» العلامة الخازن البغدادي الخطيب المفسر المحدث في تفسيره (ج ٥ ص ٢٢٧ ط مصر) قيل : انها نزلت في على بن أبي طالب كانوا يؤذونه ويكتمونه «ومنهم» العلامة البغوي صاحب معالم التنزيل المطبوع بهامش تفسير الخازن ما لفظه : وقال مقاتل : نزلت في على بن أبي طالب عليه‌السلام كانوا يؤذونه ويكتمونه «ومنهم» العلامة الحافظ الواحدي في اسباب النزول (ج ٢٧٣ ط الهندية بمصر) قال مقاتل نزلت في على بن أبي طالب

٤١٨

ولم يرد في الآية والرّواية الصحيحة المتفق عليها ما يدلّ على كون أحد من الخلفاء الثّلاثة ، أو غيرهم من كبائر الصحابة كذلك ، فيكون أفضل.

قال المصنّف رفع الله درجته

السادسة والستون (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) (١) في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين (٢) وهو عليّ عليه‌السلام ، لأنّه كان مؤمنا مهاجرا ذا رحم (٣) «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : ظاهر الآية العموم ، ولم يذكر المفسرون تخصيصا بأحد ، ولو خصّ فلا دلالة على النّص ، والاستدلال بأنّه مؤمن مهاجر ذو رحم لا يوجب التخصيص ، لشمول الأوصاف المذكورة غيره «انتهى».

أقول

ليس مقصود المصنّف ولا مقتضى ما ذكره من الرّواية (الدلالة خ ل) نفى عموم الآية ،

__________________

(١) الأحزاب. الآية ٦.

(٢) ذكره من أئمة الحديث جمع غير قليل

«فمنهم» المير محمد صالح الكشفى الترمذي الحنفي في «مناقب مرتضوى» (ص ٦٢ ط بمبئى بمطبعة محمدي) نقل اتفاق المفسرين على ان الآية نزلت في على لأنه الذي كان مؤمنا ومهاجرا وابن عمه

«ومنهم» الحافظ أبو بكر بن مردويه في كتاب «المناقب» (كما في كشف الغمة ص ٩٥)

قال في قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) الآية. قيل ذلك على عليه‌السلام لأنه كان مؤمنا مهاجرا ذا رحم

(٣) لأنه ابن عمه الابوينى باتفاق الكل

٤١٩

بل المراد أنّ ذلك العام مع ما اعتبر معه من الأوصاف إنّما يتحقّق بين أرحام النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّ عليه‌السلام ، ولكن النّاصب البليد لم يفهم المقصود والمرام ، والحاصل أنّ الآية نصّ في إمامة عليّ عليه‌السلام ، لدلالتها على أنّ الأولى بالنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا من اولى الأرحام من كان مستجمعا للأمور الثّلاثة ، كما أشار إليه المصنّف ، وقد أجمع أهل الإسلام على انحصار الإمام بعد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي عليه‌السلام والعباس وأبي بكر ، والعباس وإن كان مؤمنا ومن اولى الأرحام ، لكن لم يكن مهاجرا (١) بل كان طليقا ، ولاتّفاق أصحاب النّاصب معنا في أنّه طلب مبايعة عليّ عليه‌السلام في أوّل الأمر ، ولم يكن ذلك إلا لعلمه بالنّص على عليّ عليه‌السلام كما نقوله ، أو بالأفضليّة كما يقولون ، بل قد حدث القول بامامة عبّاس بعد الإجماع الثّنائي (الصناعى خ ل) وانقراض القائل به بعد زمان العباسيّة فافهم ، وأبو بكر على تقدير صحّة إيمانه وهجرته لم يكن من اولى الأرحام ، فتعين أن يكون الأولى بالإمامة والخلافة بعد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عليّ عليه‌السلام لاستجماعه الأمور الثّلاثة ، فتثبت (فثبت خ ل) ما ادّعيناه بحمد الله تعالى وبما قرّرناه قد اضمحلّ ، ما أجاب به المشكّك الرّازى في تفسيره الكبير عن تمسك بعض اكابر الذّرية الطاهرة بالآية المذكورة على المتقلب الدوانيقي العبّاسى ، حيث قال : تمسّك محمّد بن (٢) عبد الله بن الحسن بن الحسن عليهم‌السلام

__________________

وقد استدل مولانا الكاظم عليه‌السلام بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا) مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ، روى ذلك الفاضل الطبرسي في كتاب الاحتجاج. منه قدس‌سره.

(٢) هو أبو عبد الله محمد النفس الزكية ابن عبد الله المحض ابن الحسن المثنى ابن الامام مولانا الحسن السبط عليه‌السلام ، كان من وجوه آل أبى طالب وأعيانهم علما وزهدا وشهامة وشجاعة وكرما وسوددا ونبلا ، خرج ايام المنصور وحاربه بحروب اظهر فيها شجاعة أجداده الطاهرين ، قال الخزرجي في الخلاصة (ص ٢٨٣ طبع مصر) انه يروى

٤٢٠