معجم البلدان - ج ٢

شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي

معجم البلدان - ج ٢

المؤلف:

شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار صادر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٩

راشدة ، فلما قصد عمرو بن العاص فتح مصر نفرت منه بنو راشدة من جبل الحلال.

حِلالٌ : بالكسر ، وتخفيف اللام : من نواحي اليمن ، والحلال : جماعة بيوت الناس ، واحدتها حلّة ، وهي حلال أي كثيرة ، والحلال : متاع الرجل.

حُلامات : بالضم ، قال أبو محمد الأعرابي ونزل باللعين المنقري ابن أرض المرّيّ فذبح له كلبا ، فقال :

دعاني ابن أرض يبتغي الزاد بعد ما

ترامى حلامات به وأجارد

ومن ذات أصفاء سهوب كأنها

مزاحف هزلى ، بيتها متباعد (١)

رأى ضوء نار من بعيد فأمّها ،

تلوح كما لاحت نجوم الفراقد

فقلت لعبديّ : اقتلا داء بطنه

وأعفاجه العظمى ذوات الزوائد

فجاءا بخرشاوي شعير ، عليهما

كراديس من أوصال أكدر سافد

فما نام حتى نازع الشحم أنفه ،

وبتنا نعلّي استه بالوسائد

فبات بشرّ غير ضرّ ، وبطنه

يعجّ عجيج المعصرات الرواعد

الحَلاوَةُ : بلفظ ضد الحموضة : موضع ، عن ابن دريد.

الحِلاءَةُ : بالكسر ويروى بالفتح ، وبعد الألف همزة ، يجوز أن يكون من حلأت الأديم إذا قشرته ، قال الأزهري والخارزنجي : الحلاءة موضع شديد البرد ، وأنشدا لصخر الغي الهذلي :

كأني أراه بالحلاءة شاتيا ،

تقشّر أعلى أنفه أمّ مرزم

وأمّ مرزم : الريح الباردة بلغة هذيل ، فأجابه أبو المثلّم :

أعيّرتني قرّ الحلاءة شاتيا ،

وأنت بأرض قرّها غير منجم؟

وقال عرّام : يقابل ميطان من جبال المدينة جبل يقال له السّنّ وجبال كبار شواهق يقال لها الحلاءة ، واحدها حلاء ، لا تنبت شيئا ولا ينتفع بها إلا ما يقطع للأرحاء ويحمل إلى المدينة وما حواليها ، وأنشد الزمخشري لعديّ بن الرقاع :

كانت تحلّ ، إذا ما الغيث أصبحها ،

بطن الحلاءة فالأمرار فالسّررا

كذا أنشده بفتح الحاء ، وقال طفيل الغنوي :

ولو سئلت عنا فزارة نبّأت

بطعن لنا ، يوم الحلاءة ، صائب

الحَلَّاءة : بتشديد اللام والفتح : موضع ، عن ابن دريد.

الحَلائِقُ : كأنه جمع حليقة أو حالق : في غزاة ذي العشيرة ، قال ابن إسحاق : ثم ارتحل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن بطحاء ابن أزهر فنزل الحلائق يسارا ، ورواه بعضهم الخلائق ، بالخاء المعجمة ، وهي آبار معلومة ، وفسرها من رواها بالخاء المعجمة أنها جمع خليقة ، وهي البئر التي لا ماء فيها.

حَلَبَانُ : بالتحريك : موضع باليمن قرب نجران ، قال جرير :

لله درّ يزيد يوم دعاكم ،

والخيل محلبة على حلبان

والمحلب ، بالحاء المهملة : الناصر ، قال : لا يأتيه للنصر محلب ، وقال زياد : من مياه بني قشير حلبان ، وفيه مثل من أمثال العرب وهو قولهم :

__________________

(١) هذان البيتان مرفوعا الرويّ وما بقي من القصيدة مجرورة.

٢٨١

تروّ فإنك وارد حلبان ، وذلك أن حلبان قليل الماء خبيثة ، وهو لبني معاوية بن قشير.

حَلَبُ : بالتحريك : مدينة عظيمة واسعة كثيرة الخيرات طيبة الهواء صحيحة الأديم والماء ، وهي قصبة جند قنّسرين في أيامنا هذه ، والحلب في اللغة : مصدر قولك حلبت أحلب حلبا وهربت هربا وطربت طربا ، والحلب أيضا : اللبن الحليب ، يقال : حلبنا وشربنا لبنا حليبا وحلبا ، والحلب من الجباية مثل الصدقة ونحوها ، قال الزّجّاجي : سمّيت حلب لأن إبراهيم ، عليه السلام ، كان يحلب فيها غنمه في الجمعات ويتصدّق به فيقول الفقراء حلب حلب ، فسمي به ، قلت أنا : وهذا فيه نظر لأن إبراهيم ، عليه السلام ، وأهل الشام في أيامه لم يكونوا عربا إنما العربية في ولد ابنه إسماعيل ، عليه السلام ، وقحطان ، على أن إبراهيم في قلعة حلب مقامين يزاران إلى الآن ، فإن كان لهذه اللفظة ، أعني حلب ، أصل في العبرانية أو السريانية لجاز ذلك لأن كثيرا من كلامهم يشبه كلام العرب لا يفارقه إلا بعجمة يسيرة كقولهم كهنّم في جهنم ، وقال قوم : إن حلب وحمص وبرذعة كانوا إخوة من بني عمليق فبنى كلّ واحد منهم مدينة فسمّيت به ، وهم بنو مهر بن حيص بن جان بن مكنّف ، وقال الشرقي : عمليق بن يلمع بن عائذ ابن اسليخ بن لوذ بن سام ، وقال غيره : عمليق بن لوذ بن سام ، وكانت العرب تسميه غريبا وتقول في مثل : من يطع غريبا يمس غريبا ، يعنون عمليق ابن لوذ ، ويقال : إن لهم بقية في العرب لأنهم كانوا قد اختلطوا بهم ، ومنهم الزّبّاء ، فعلى هذا يصحّ أن يكون أهل هذه المدينة كانوا يتكلمون بالعربية فيقولون حلب إذا حلب إبراهيم ، عليه السلام.

قال بطليموس : طول مدينة حلب تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة ، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة ، داخلة في الإقليم الرابع ، طالعها العقرب ، وبيت حياتها إحدى وعشرون درجة من القوس ، لها شركة في النسر الطائر تحت إحدى عشرة درجة من السرطان ، وخمس وثلاثون دقيقة ، يقابلها مثلها من الجدي ، بيت ملكها مثلها من الحمل ، عاقبتها مثلها من الميزان ، قال أبو عون في زيجه : طول حلب ثلاث وستون درجة ، وعرضها أربع وثلاثون درجة وثلث ، وهي في الإقليم الرابع ، وذكر أبو نصر يحيى بن جرير الطبيب التكريتي النصراني في كتاب ألّفه أن سلوقوس الموصلي ملك خمسا وأربعين سنة ، وأول ملكه كان في سنة ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسع وخمسين لآدم ، عليه السلام ، قال : وفي سنة تسع وخمسين من مملكته ، وهي سنة أربعة آلاف وثماني عشرة لآدم ، ملك طوسا المسمّاة سميرم مع أبيها وهو الذي بنى حلب بعد دولة الإسكندر وموته باثنتي عشرة سنة ، وقال في موضع آخر : كان الملك على سوريا وبابل والبلاد العليا سلوقوس نيقطور ، وهو سريانيّ ، وملك في السنة الثالثة عشرة لبطليموس بن لاغوس بعد ممات الإسكندر ، وفي السنة الثالثة عشرة من مملكته بنى سلوقوس اللاذقية وسلوقية وأفامية وباروّا وهي حلب واداسا وهي الرّها وكمل بناء أنطاكية ، وكان بناها قبله ، يعني أنطاكية ، انطيقوس في السنة السادسة من موت الإسكندر ، وذكر آخرون في سبب عمارة حلب أن العماليق لما استولوا على البلاد الشامية وتقاسموها بينهم استوطن ملوكهم مدينة عمّان ومدينة أريحا الغور ودعاهم الناس الجبارين ، وكانت قنّسرين مدينة عامرة ولم يكن يومئذ اسمها قنّسرين وإنما كان اسمها صوبا ، وكان هذا الجبل المعروف الآن بسمعان

٢٨٢

يعرف بجبل بني صنم ، وبنو صنم كانوا يعبدونه في موضع يعرف اليوم بكفرنبو ، والعمائر الموجودة في هذا الجبل إلى اليوم هي آثار المقيمين في جوار هذا الصنم ، وقيل : إن بلعام بن باعور البالسي إنما بعثه الله إلى عبّاد هذا الصنم لينهاهم عن عبادته ، وقد جاء ذكر هذا الصنم في بعض كتب بني إسرائيل ، وأمر الله بعض أنبيائهم بكسره ، ولما ملك بلقورس الأثوري الموصل وقصبتها يومئذ نينوى كان المستولي على خطّة قنسرين حلب بن المهر أحد بني الجان بن مكنّف من العماليق ، فاختط مدينة سمّيت به ، وكان ذلك على مضي ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسعين سنة لآدم ، وكانت مدة ملك بلقورس هذا ثلاثين عاما ، وكان بناها بعد ورود إبراهيم ، عليه السلام ، إلى الديار الشامية بخمسمائة وتسع وأربعين سنة لأن إبراهيم ابتلي بما ابتلي به من نمرود زمانه ، واسمه راميس ، وهو الرابع من ملوك أثورا ، ومدة ملكه تسع وثلاثون سنة ، ومدة ما بينه وبين آدم ، عليه السلام ، ثلاثة آلاف وأربعمائة وثلاث عشرة سنة ، وفي السنة الرابعة والعشرين من ملكه ابتلي به إبراهيم فهرب منه مع عشيرته إلى ناحية حرّان ثم انتقل إلى جبل البيت المقدس ، وكانت عمارتها بعد خروج موسى ، عليه السلام ، من مصر ببني إسرائيل إلى التيه وغرق فرعون بمائة وعشرة أعوام ، وكان أكبر الأسباب في عمارتها ما حل بالعماليق في البلاد الشامية من خلفاء موسى ، وذلك أن يوشع بن نون ، عليه السلام ، لما خلف موسى قاتل أريحا الغور وافتتحها وسبى وأحرق وأخرب ثم افتتح بعد ذلك مدينة عمّان ، وارتفع العماليق عن تلك الديار إلى أرض صوبا ، وهي قنّسرين ، وبنوا حلب وجعلوها حصنا لأنفسهم وأموالهم ثم اختطوا بعد ذلك العواصم ، ولم يزل الجبارون مستولين عليها متحصّنين بعواصمها إلى أن بعث الله داود ، عليه السلام ، فانتزعهم عنها.

وقرأت في رسالة كتبها ابن بطلان المتطبّب إلى هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابي في نحو سنة ٤٤٠ في دولة بني مرداس فقال : دخلنا من الرّصافة إلى حلب في أربع مراحل ، وحلب بلد مسوّر بحجر أبيض وفيه ستة أبواب وفي جانب السور قلعة في أعلاها مسجد وكنيستان وفي إحداهما كان المذبح الذي قرّب عليه إبراهيم ، عليه السلام ، وفي أسفل القلعة مغارة كان يخبئ بها غنمه ، وكان إذا حلبها أضاف الناس بلبنها ، فكانوا يقولون حلب أم لا؟ ويسأل بعضهم بعضا عن ذلك ، فسميت لذلك حلبا ، وفي البلد جامع وست بيع وبيمارستان صغير ، والفقهاء يفتون على مذهب الإمامية ، وشرب أهل البلد من صهاريج فيه مملوءة بماء المطر ، وعلى بابه نهر يعرف بقويق يمد في الشتاء وينضب في الصيف ، وفي وسط البلد دار علوة صاحبة البحتري ، وهو بلد قليل الفواكه والبقول والنبيذ إلا ما يأتيه من بلاد الروم ، وفيها من الشعراء جماعة ، منهم : شاعر يعرف بأبي الفتح بن أبي حصينة ، ومن جملة شعره قوله :

ولما التقينا للوداع ، ودمعها

ودمعي يفيضان الصبابة والوجدا

بكت لؤلؤا رطبا ، ففاضت مدامعي

عقيقا ، فصار الكل في نحرها عقدا

وفيها كاتب نصراني له في قطعة في الخمر أظنه صاعد بن شمّامة :

خافت صوارم أيدي المازجين لها ،

فألبست جسمها درعا من الحبب

٢٨٣

وفيها حدث يعرف بأبي محمد بن سنان قد ناهز العشرين وعلا في الشعر طبقة المحنّكين ، فمن قوله :

إذا هجوتكم لم أخش صولتكم ،

وإن مدحت فكيف الريّ باللهب

فحين لم ألق لا خوفا ولا طمعا

رغبت في الهجو ، إشفاقا من الكذب

وفيها شاعر يعرف بأبي العباس يكنى بأبي المشكور ، مليح الشعر سريع الجواب حلو الشمائل ، له في المجون بضاعة قوية وفي الخلاعة يد باسطة ، وله أبيات إلى والده :

يا أبا العباس والفضل!

أبا العباس تكنى

أنت مع أمّي ، بلا شكّ ،

تحاكي الكركدّنا

أنبتت ، في كل مجرى

شعرة في الرأس ، قرنا

فأجابه أبوه :

أنت أولى بأبي المذمو

م بين الناس تكنى

ليت لي بنتا ، ولا أنت ،

ولو بنت يحنّا

بنت يحنّا : مغنية بأنطاكية تحنّ إلى القرباء وتضيف الغرباء مشهورة بالعهر ، قال : ومن عجائب حلب أن في قيسارية البزّ عشرين. دكانا للوكلاء يبيعون فيها كل يوم متاعا قدره عشرون ألف دينار مستمرّ ذلك منذ عشرين سنة وإلى الآن ، وما في حلب موضع خراب أصلا ، وخرجنا من حلب طالبين أنطاكية ، وبينها وبين حلب يوم وليلة ، آخر ما ذكر ابن بطلان.

وقلعة حلب مقام إبراهيم الخليل ، وفيه صندوق به قطعة من رأس يحيى بن زكرياء ، عليه السلام ، ظهرت سنة ٤٣٥ ، وعند باب الجنان مشهد علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، رؤي فيه في النوم ، وداخل باب العراق مسجد غوث فيه حجر عليه كتابة زعموا أنه خطّ علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، وفي غربي البلد في سفح جبل جوشن قبر المحسن بن الحسين يزعمون أنه سقط لما جيء بالسّبي من العراق ليحمل إلى دمشق أو طفل كان معهم بحلب فدفن هنالك ، وبالقرب منه مشهد مليح العمارة تعصّب الحلبيّون وبنوه أحكم بناء وأنفقوا عليه أموالا ، يزعمون أنهم رأوا عليّا ، رضي الله عنه ، في المنام في ذلك المكان ، وفي قبلي الجبل جبّانة واحدة يسمونها المقام ، بها مقام لإبراهيم ، عليه السلام ، وبظاهر باب اليهود حجر على الطريق ينذر له ويصبّ عليه ماء الورد والطيب ويشترك المسلمون واليهود والنصارى في زيارته ، يقال إن تحته قبر بعض الأنبياء.

وأما المسافات فمنها إلى قنّسرين يوم وإلى المعرّة يومان وإلى أنطاكية ثلاثة أيام وإلى الرّقّة أربعة أيام وإلى الأثارب يوم وإلى توزين يوم وإلى منبج يومان وإلى بالس يومان وإلى خناصرة يومان وإلى حماة ثلاثة أيام وإلى حمص أربعة أيام وإلى حرّان خمسة أيام وإلى اللاذقية ثلاثة أيام وإلى جبلة ثلاثة أيام وإلى طرابلس أربعة أيام وإلى دمشق تسعة أيام ، قال المؤلف ، رحمة الله عليه : وشاهدت من حلب وأعمالها ما استدللت به على أن الله تعالى خصّها بالبركة وفضّلها على جميع البلاد ، فمن ذلك أنه يزرع في أراضيها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدخن والكروم والذرة والمشمش والتين والتفاح عذيا لا يسقى إلا بماء المطر ويجيء مع ذلك رخصا

٢٨٤

غضّا رويّا يفوق ما يسقى بالمياه والسيح في جميع البلاد ، وهذا لم أره فيما طوّفت من البلاد في غير أرضها ، ومن ذلك أن مسافة ما بيد مالكها في أيامنا هذه ، وهو الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر يوسف بن أيوب ومدبّر دولته والقائم بجميع أموره شهاب الدين طغرل ، وهو خادم روميّ زاهد متعبّد ، حسن العدل والرأفة برعيته ، لا نظير له في أيامه في جميع أقطار الأرض ، حاشا الإمام المستنصر بالله أبي جعفر المنصور بن الظاهر ابن الناصر لدين الله ، فإن كرمه وعدله ورأفته قد تجاوزت الحدّ فالله بكرمه يرحم رعيتهما بطول بقائمها ، من المشرق إلى المغرب مسيرة خمسة أيام ، ومن الجنوب إلى الشمال مثل ذلك ، وفيها ثمانمائة ونيف وعشرون قرية ملك لأهلها ليس للسلطان فيها إلا مقاطعات يسيرة ، ونحو مائتين ونيف قرية مشتركة بين الرعية والسلطان ، وقفني الوزير الصاحب القاضي الأكرم جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي ، أدام الله تعالى أيامه وختم بالصالحات أعماله ، وهو يومئذ وزير صاحبها ومدبر دواوينها ، على الجريدة بذلك وأسماء القرى وأسماء ملّاكها ، وهي بعد ذلك تقوم برزق خمسة آلاف فارس مراخي الغلة موسع عليهم ، قال لي الوزير الأكرم ، أدام الله تعالى علوّه : لو لم يقع إسراف في خواصّ الأمراء وجماعة من أعيان المفاريد لقامت بأرزاق سبعة آلاف فارس لأن فيها من الطواشية المفاريد ما يزيد على ألف فارس يحصل للواحد منهم في العام من عشرة آلاف درهم إلى خمسة عشر ألف درهم ، ويمكن أن يستخدم من فضلات خواصّ الأمراء ألف فارس ، وفي أعمالها إحدى وعشرون قلعة ، يقام بذخائرها وأرزاق مستحفظيها خارجا عن جميع ما ذكرناه ، وهو جملة أخرى كثيرة ، ثم يرتفع بعد ذلك كله من فضلات الإقطاعات الخاصة بالسلطان من سائر الجبايات إلى قلعتها عنبا وحبوبا ما يقارب في كل يوم عشرة آلاف درهم ، وقد ارتفع إليها في العام الماضي ، وهو سنة ٦٢٥ ، من جهة واحدة ، وهي دار الزكاة التي يجبى فيها العشور من الأفرنج والزكاة من المسلمين وحق البيع ، سبعمائة ألف درهم ، وهذا مع العدل الكامل والرفق الشامل بحيث لا يرى فيها متظلّم ولا متهضّم ولا مهتضم ، وهذا من بركة العدل وحسن النية.

وأما فتحها فذكر البلاذري أن أبا عبيدة رحل إلى حلب وعلى مقدمته عياض بن غنم الفهري ، وكان أبوه يسمّى عبد غنم ، فلما أسلم عياض كره أن يقال له ابن عبد غنم فقال : أنا عياض بن غنم ، فوجد أهلها قد تحصنوا ، فنزل عليها فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح والأمان على أنفسهم وأولادهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم والحصن الذي بها ، فأعطوا ذلك واستثنى عليهم موضع المسجد ، وكان الذي صالحهم عياض ، فأنفذ أبو عبيدة صلحه ، وقيل : بل صالحوا على حقن دمائهم وأن يقاسموا أنصاف منازلهم وكنائسهم ، وقيل : إن أبا عبيدة لم يصادف بحلب أحدا لأن أهلها انتقلوا إلى أنطاكية وأنهم إنما صالحوا على مدينتهم بها ثم رجعوا إليها.

وأما قلعتها فبها يضرب المثل في الحسن والحصانة لأن مدينة حلب في وطاء من الأرض وفي وسط ذلك الوطإ جبل عال مدوّر صحيح التدوير مهندم بتراب صح به تدويره ، والقلعة مبنيّة في رأسه ، ولها خندق عظيم وصل بحفره إلى الماء ، وفي وسط هذه القلعة مصانع تصل إلى الماء المعين ، وفيها جامع وميدان وبساتين ودور كثيرة ، وكان الملك الظاهر غازي بن

٢٨٥

صلاح الدين يوسف بن أيوب قد اعتنى بها بهمّته العالية فعمّرها بعمارة عادية وحفر خندقها وبنى رصيفها بالحجارة المهندمة فجاءت عجبا للناظرين إليها ، لكن المنية حالت بينه وبين تتمّتها ، ولها في أيامنا هذه سبعة أبواب : باب الأربعين ، وباب اليهود ، وكان الملك الظاهر قد جدّد عمارته وسمّاه باب النصر ، وباب الجنان ، وباب أنطاكية ، وباب قنّسرين ، وباب العراق ، وباب السرّ ، وما زال فيها على قديم الزمان وحديثه أدباء وشعراء ، ولأهلها عناية بإصلاح أنفسهم وتثمير الأموال ، فقلّ ما ترى من نشئها من لم يتقيل أخلاق آبائه في مثل ذلك ، فلذلك فيها بيوتات قديمة معروفة بالثّروة ويتوارثونها ويحافظون على حفظ قديمهم بخلاف سائر البلدان ، وقد أكثر الشعراء من ذكرها ووصفها والحنين إليها ، وأنا أقتنع من ذلك بقصيدة لأبي بكر محمد بن الحسن بن مرّار الصّنوبري وقد أجاد فيها ووصف متنزهاتها وقراها القريبة منها فقال :

احبسا العيس احبساها ،

وسلا الدار سلاها

واسألا أين ظباء ال

دّار أم أين مهاها

أين قطّان محاهم

ريب دهر ومحاها

صمّت الدار عن السا

ئل ، لا صمّ صداها

بليت بعدهم الدا

ر ، وأبلاني بلاها

آية شطّت نوى الإظ

عان ، لا شطّت نواها

من بدور من دجاها ،

وشموس من ضحاها

ليس ينهى النفس ناه

ما أطاعت من عصاها

بأبي من عرسها وسخ

طي ، ومن عرسي رضاها

دمية إن جلّيت كا

نت حلى الحسن حلاها

دمية ألقت إليها

راية الحسن دماها

دمية تسقيك عينا

ها ، كما تسقي مداها

أعطيت لونا من الور

د ، وزيدت وجنتاها

حبّذا الباءات باءت ،

وقويق ورباها

بانقوساها بها با

هي المباهي ، حين باهى

وبباصفرا وبابل

لا ربا مثلي وتاها

لا قلى صحراء نافر

قلّ شوقي ، لا قلاها (١)

لا سلا أجبال باسل

لين قلبي ، لا سلاها

وبباسلّين فليب

غ ركابي من بغاها

وإلى باشقلّيشا

ذو التناهي يتناهى

__________________

(١) قوله : نافر ، بسكون الراء ، هكذا في الأصل.

٢٨٦

وبعاذين ، فواها

لبعاذين ، وواها

بين نهر وقناة

قد تلته وتلاها

ومجاري برك ، يجلو

همومي مجتلاها

ورياض تلتقي آ

مالنا في ملتقاها

زاد أعلاها علوّا

جوشنا لمّا علاها

وازدهت برج أبي الحا

رث حسنا وازدهاها

واطّبت مستشرف الحص

ن ، اشتياقا ، واطّباها

وأرى المنية فازت

كلّ نفس بمناها

إذ هواي العوجان السا

لب النفس هواها

ومقيلي بركة التّل

ل وسيبات رحاها

بركة تربتها الكا

فوز ، والدّرّ حصاها

كم غراني طربي حي

تانها لما غراها

إذ تلى مطبّخ الحي

تان منها مشتواها

بمروج اللهو ألقت

عير لذّاتي عصاها

وبمغنى الكامليّ اس

تكملت نفسي مناها

وغرت ذا الجوهريّ ال

مزن غيثا ، وغراها

كلأ الراموسة الحس

ناء ربي ، وكلاها

وجزى الجنّات بالسّع

دى بنعمى ، وجزاها

وفدى البستان من فا

رس صبّ وفداها

وغرت ذا الجوهريّ ال

مزن ، محلولا عراها

واذكرا دار السّليما

نيّة اليوم ، اذكراها

حيث عجنا نحوها العي

س تبارى في براها

وصفا العافية المو

سومة الوصف صفاها

فهي في معنى اسمها حذ

وبحذو ، وكفاها

وصلا سطحي وأحوا

ضي ، خليليّ ، صلاها

وردا ساحة صهري

جي على سوق رداها

وامزجا الراح بماء

منه ، أو لا تمزجاها

حلب بدر دجّى ، أن

جمها الزّهر قراها

٢٨٧

حبّذا جامعها الجا

مع للنفس تقاها

موطن مرسي دور ألب

رّ بمرساة حباها (١)

شهوات الطرف فيه ،

فوق ما كان اشتهاها

قبلة كرّمها الل

ه بنور ، وحباها

ورآها ذهبا في

لازورد من رآها

ومراقي منبر ، أع

ظم شيء مرتقاها

وذرى مئذنة ، طا

لت ذرى النجم ذراها

والنّواريّة ما لا

ترياه لسواها

قصعة ما عدت الكع

ب ، ولا الكعب عداها

أبدا ، يستقبل السّح

ب بسحب من حشاها

فهي تسقي الغيث إن لم

يسقها ، أو إن سقاها

كنفتها قبّة يض

حك عنها كنفاها

قبّة أبدع بانى

ها بناء ، إذ بناها

ضاهت الوشي نقوشا ،

فحكته وحكاها

لو رآها مبتني قب

بة كسرى ما ابتناها

فبذا الجامع سرو

يتباهى من تباهي

جنّبا السارية الخض

راء منه ، جنّباها

قبلة المستشرف الأع

لى ، إذا قابلتماها

حيث يأتي خلفه الآ

داب منها من أتاها

من رجالات حبّى لم

يحلل الجهل حباها

من رآهم من سفيه

باع بالعلم السفاها

وعلى ذاك سرور ال

نفس منّي وأساها

شجو نفسي باب قنّس

رين ، وهنا ، وشجاها

حدث أبكي التي في

ه ، ومثلي من بكاها

أنا أحمي حلبا دا

را ، وأحمي من حماها

أيّ حسن ما حوته

حلب ، أو ما حواها

سروها الداني ، كما تد

نو فتاة من فتاها

آسها الثاني القدود ال

هيف ، لمّا أن ثناها

__________________

(١) هذا البيت مختل الوزن ولعل فيه تصحيفا.

٢٨٨

نخلها زيتونها ، أو

لا فأرطاها عصاها

قبجها درّاجها ، أو

فحباراها قطاها

ضحكت دبسيّتاها ،

وبكت قمريّتاها

بين أفنان ، تناجي

طائريها طائراها

تدرجاها حبرجاها

صلصلاها بلبلاها

ربّ ملقي الرّحل منها ،

حيث تلقى بيعتاها

طيّرت عنه الكرى طا

ئرة ، طار كراها

ودّ ، إذ فاه بشجو ،

أنه قبّل فاها

صبّة تندب صبّا ،

قد شجته وشجاها

زيّنت ، حتى انتهت

في زينة في منتهاها

فهي مرجان شواها ،

لازورد دفّتاها

وهي تبر منتهاها ،

فضّة قرطمتاها

قلّدت بالجزع ، لمّا

قلّدت ، سالفتاها

حلب أكرم مأوى ،

وكريم من أواها

بسط الغيث عليها

بسط نور ، ما طواها

وكساها حللا ، أب

دع فيها إذ كساها

حللا لحمتها السّو

سن ، والورد سداها

إجن خيرياتها بال

لحظ ، لا تحرم جناها

وعيون النرجس المن

هلّ ، كالدمع نداها

وخدودا من شقيق ،

كاللظى الحمر لظاها

وثنايا أقحوانا

ت ، سنا الدّرّ سناها

ضاع آذريونها ، إذ

ضاء ، من تبر ، ثراها

وطلى الطّلّ خزاما

ها بمسك ، إذ طلاها

وانتشى النّيلوفر الشّو

ق قلوبا ، واقتضاها

بحواش قد حشاها

كلّ طيب ، إذ حشاها

وبأوساط على حذ

والزنابير حذاها

فاخري ، يا حلب ، المد

ن يزد جاهك جاها

إنه إن لم تك المد

ن رخاخا ، كنت شاها

٢٨٩

وقال كشاجم :

أرتك ندى الغيث آثارها ،

وأخرجت الأرض أزهارها

وما أمتعت جارها بلدة

كما أمتعت حلب جارها

هي الخلد يجمع ما تشتهي ،

فزرها ، فطوبى لمن زارها!

وكفر حلب : من قرى حلب. وحلب الساجور : في نواحي حلب ، ذكرها في نواحي الفتوح ، قال : وأتى أبو عبيدة بن الجرّاح ، رضي الله عنه ، حلب الساجور بعد فتح حلب وقدم عياض بن غنم إلى منبج.

وحلب أيضا : محلّة كبيرة في شارع القاهرة بينها وبين الفسطاط ، رأيتها غير مرّة.

حُلْبَةُ : حصن في جبل برع من أعمال زبيد باليمن.

حَلْبَةُ : بالفتح ، وهي في أصل اللغة الخيل تجتمع للسباق من كل أوب ، وحلبة : واد بتهامة أعلاه لهذيل وأسفله لكنانة ، كذا ضبطه الحازمي ، وهو سهو وغلط إنما هو حلية ، بالياء تحتها نقطتان ، وقد ذكر في موضعه. والحلبة : محلة كبيرة واسعة في شرقي بغداد عند باب الأزج وفي مواضع أخر.

حَلْحَلُ : بفتح الحاءين ، وسكون اللام : جبل من جبال عمان ، وهو في شعر الأخطل مصغّر ، قال :

قبح الإله من اليهود عصابة

بالجزع بين حليحل وصحار

حَلْحُولُ : بالفتح ثم السكون ، وضم الحاء الثانية ، وسكون الواو ، ولام : قرية بين البيت المقدس وقبر إبراهيم الخليل ، وبها قبر يونس بن متى ، عليهما السلام ، وإليها ينسب عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن الحلحولي الجعدي ، محدث زاهد ، ولد بحلب ونشأ بها وسار إلى الآفاق وكان آخر أمره أنه انقطع بمسجد في ظاهر دمشق ، ففي سنة ٥٤٣ نزل الأفرنج على دمشق محاصرين فخرج هذا الشيخ في جماعة فقتل ، رحمه الله وإيانا.

حَلِفٌ : بالفتح ثم الكسر ، والفاء ، وهو اليمين : موضع ، قال أبو وجزة :

فذي حلف فالروض روض فلاجة

فأجزاعه من كلّ عيص وغيطل

وقد ألحق ابن هرمة الهاء فقال :

عوجا نقضّ الدموع بالوقفة

على رسوم ، كالبرد ، منتسفة

بادت ، كما باد منزل خلق ،

بين ربى أريم فذي الحلفة

حلْفَبَلْتا : من قرى دمشق ، وبالقرب منها قبر كنّاز أحد الصحابة ، وهو أبو مرثد بن الحصين ، وقيل مات بالمدينة.

الحَلَمَتان : بالتحريك ، والتثنية : موضع كانت به وقعة للعرب.

حُلْوانُ : بالضم ثم السكون ، والحلوان في اللغة الهبة ، يقال : حلوت فلانا كذا مالا أحلوه حلوا وحلوانا إذا وهبت له شيئا على شيء يفعله غير الأجر ، وفي الحديث : نهي عن حلوان الكاهن ، والحلوان : أن يأخذ الرجل من مهر ابنته لنفسه. وحلوان في عدة مواضع : حلوان العراق ، وهي في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد ، وقيل : إنها سميت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة كان بعض الملوك أقطعه إياها فسميت به.

وفي كتاب الملحمة المنسوب إلى بطليموس : حلوان

٢٩٠

طولها إحدى وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة ، وعرضها أربع وثلاثون درجة ، بيت حياتها أول درجة من الأسد ، طالعها الذراع اليماني تحت عشر درج من السرطان ، يقابلها مثلها من الجدي ، بيت ملكها من الحمل ، عاقبتها مثلها من الميزان ، وهي في الإقليم الرابع ، وكانت مدينة كبيرة عامرة ، قال أبو زيد : أما حلوان فإنها مدينة عامرة ليس بأرض العراق بعد الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وسرّ من رأى أكبر منها ، وأكثر ثمارها التين ، وهي بقرب الجبل ، وليس للعراق مدينة بقرب الجبل غيرها ، وربما يسقط بها الثلج ، وأما أعلى جبلها فإن الثلج يسقط به دائما ، وهي وبئة ردية الماء وكبريتيته ، ينبت الدفلى على مياهها ، وبها رمان ليس في الدنيا مثله وتين في غاية من الجودة ويسمونه لجودته شاه انجير أي ملك التين ، وحواليها عدة عيون كبريتية ينتفع بها من عدة أدواء.

وأما فتحها فإن المسلمين لما فرغوا من جلولاء ضمّ هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وكان عمه سعد قد سيّره على مقدمته إلى جرير بن عبد الله في خيل ورتبه بجلولاء ، فنهض إلى حلوان فهرب يزدجرد إلى أصبهان وفتح جرير حلوان صلحا على أن كفّ عنهم وآمنهم على ديارهم وأموالهم ثم مضى نحو الدينور فلم يفتحها وفتح قرميسين على مثل ما فتح عليه حلوان وعاد إلى حلوان فأقام بها واليا إلى أن قدم عمار بن ياسر ، فكتب إليه من الكوفة أن عمر قد أمره أن يمد به أبا موسى الأشعري بالأهواز ، فسار حتى لحق بأبي موسى في سنة ١٩ ، قال الواقدي : بحلوان عقب لجرير بن عبد الله البجلي ، وكان قد فتح حلوان في سنة ١٩ ، وفي كتاب سيف : في سنة ١٦ ، وقال القعقاع بن عمرو التميمي :

وهل تذكرون ، إذ نزلنا وأنتم

منازل كسرى ، والأمور حوائل

فصرنا لكم ردءا بحلوان بعد ما

نزلنا جميعا ، والجميع نوازل

فنحن الأولى فزنا بحلوان بعد ما

أرنّت ، على كسرى ، الإما والحلائل

وقال بعض المتأخرين يذم أهل حلوان :

ما إن رأيت جواميسا مقرّنة ،

إلا ذكرت ثناء عند حلوان

قوم ، إذا ما أتى الأضياف دارهم

لم ينزلوهم ودلوهم على الخان

وينسب إلى حلوان هذه خلق كثير من أهل العلم ، منهم : أبو محمد الحسن بن عليّ الخلّال الحلواني ، يروي عن يزيد بن هرون وعبد الرزاق وغيرهما ، روى عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، توفي سنة ٢٤٢ ، وقال أعرابيّ :

تلفّتّ من حلوان ، والدمع غالب ،

إلى روض نجد ، أين حلوان من نجد؟

لحصباء نجد ، حين يضربها الندى ،

ألذّ وأشفى للعليل من الورد

ألا ليت شعري! هل أناس بكيتهم

لفقدهم هل يبكينّهم فقدي؟

أداوي ببرد الماء حرّ صبابة ،

وما للحشا والقلب غيرك من برد

وأما نخلتا حلوان فأول من ذكرهما في شعره فيما علمنا مطيع بن إياس الليثي ، وكان من أهل فلسطين من أصحاب الحجاج بن يوسف ، ذكر أبو الفرج عن أبي الحسن الأسدي حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه

٢٩١

عن سعيد بن سلم قال : أخبرني مطيع بن إياس أنه كان مع سلم بن قتيبة بالرّيّ ، فلما خرج إبراهيم بن الحسن كتب إليه المنصور يأمره باستخلاف رجل على عمله والقدوم عليه في خاصته على البريد ، قال مطيع ابن إياس : وكانت لي جارية يقال لها جوذابة كنت أحبّها ، فأمرني سلم بالخروج معه فاضطررت إلى بيع الجارية فبعتها وندمت على ذلك بعد خروجي وتتبعتها نفسي ، فنزلنا حلوان فجلست على العقبة أنتظر ثقلي وعنان دابتي في يدي وأنا مستند إلى نخلة على العقبة وإلى جانبها نخلة أخرى فتذكرت الجارية واشتقت إليها فأنشدت أقول :

أسعداني يا نخلتي حلوان ،

وابكياني من ريب هذا الزمان

واعلما أن ريبه لم يزل يف

رق بين الألّاف والجيران

ولعمري ، لو ذقتما ألم الفر

قة أبكاكما الذي أبكاني

أسعداني ، وأيقنا أن نحسا

سوف يأتيكما فتفترقان

كم رمتني صروف هذي الليالي

بفراق الأحباب والخلّان

غير أني لم تلق نفسي كما لا

قيت من فرقة ابنة الدهقان

جارة لي بالريّ تذهب همّي ،

ويسلّي دنوّها أحزاني

فجعتني الأيام ، أغبط ما كن

ت ، بصدع للبين غير مدان

وبزعمي أن أصبحت لا تراها ال

عين مني ، وأصبحت لا تراني

وعن سعيد بن سلم عن مطيع قال : كانت لي بالرّيّ ، جارية أيام مقامي بها مع سلم بن قتيبة ، فكنت أتستر بها وأتعشق امرأة من بنات الدهاقين ، وكنت نازلا إلى جنبها في دار لها ، فلما خرجنا بعت الجارية وبقيت في نفسي علاقة من المرأة ، فلما نزلنا بعقبة حلوان جلست مستندا إلى إحدى النخلتين اللتين على العقبة وقلت ، وذكر الأبيات ، فقال لي سلم : فيمن هذه الأبيات ، أفي جاريتك؟ فاستحييت أن أصدقه فقلت : نعم ، فكتب من وقته إلى خليفته أن يبتاعها لي ، فلم يلبث أن ورد كتابه بأني قد وجدتها وقد تداولها الرجال وقد بلغت خمسة آلاف درهم فإن أمرت أن أشتريها ، فأخبرني بذلك سلم وقال : أيما أحب إليك هي أم خمسة آلاف درهم؟ فقلت : أما إن كانت قد تداولها الرجال فقد عزفت نفسي عنها ، فأمر لي بخمسة آلاف درهم ، فقلت : والله ما كان في نفسي منها شيء ولو كنت أحبها لم أبال إذا رجعت إلي بمن تداولها ولا أبالي لو ناكها أهل منى كلهم ، وذكر المدائني أن المنصور اجتاز بنخلتي حلوان وكانت إحداهما على الطريق وكانت تضيّقه وتزدحم الأثقال عليه فأمر بقطعها ، فأنشد قول مطيع :

واعلما إن بقيتما أن نحسا

سوف يلقاكما فتفترقان

فقال : لا والله لا كنت ذلك النحس الذي يفرق بينهما! فانصرف وتركهما ، وذكر أحمد بن إبراهيم عن أبيه عن جده إسماعيل بن داود أن المهدي قال : أكثر الشعراء في ذكر نخلتي حلوان ولهممت بقطعهما فبلغ قولي المنصور فكتب إليّ : بلغني أنك هممت بقطع نخلتي حلوان ولا فائدة لك في قطعهما ولا ضرر عليك في بقائهما وأنا أعيذك بالله أن تكون

٢٩٢

النحس الذي يلقاهما فيفرق بينهما ، يريد بيت مطيع ، وعن أبي نمير عبد الله بن أيوب قال : لما خرج المهدي فصار بعقبة حلوان استطاب الموضع فتغدّى به ودعا بحسنة فقال لها : ما ترين طيب هذا الموضع! غنيني بحياتي حتى أشرب ههنا أقداحا ، فأخذت محكّة كانت في يده فأوقعت على فخذه وغنته فقالت:

أيا نخلتي وادي بوانة حبّذا ،

إذا نام حرّاس النخيل ، جناكما

فقال : أحسنت! لقد هممت بقطع هاتين النخلتين ، يعني نخلتي حلوان ، فمنعني منهما هذا الصوت ، فقالت له حسنة : أعيذك بالله أن تكون النحس المفرق بينهما! وأنشدته بيت مطيع ، فقال : أحسنت والله فيما فعلت إذ نبّهتني على هذا ، والله لا أقطعهما أبدا ولأوكلن بهما من يحفظهما ويسقيهما أينما حييت! ثم أمر بأن يفعل ذلك ، فلم تزالا في حياته على ما رسمه إلى أن مات ، وذكر أحمد بن أبي طاهر عن عبد الله ابن أبي سعد عن محمد بن المفضل الهاشمي عن سلام الأبرش قال : لما خرج الرشيد إلى طوس هاج به الدم بحلوان فأشار عليه الطبيب بأكل جمّار ، فأحضر دهقان حلوان وطلب منه ، فأعلمه أن بلادهم ليس بها نخل ولكن على العقبة نخلتان ، فأمر بقطع إحداهما ، فلما نظر إلى النخلتين بعد أن انتهى إليهما فوجد إحداهما مقطوعة والأخرى قائمة وعلى القائمة مكتوب ، وذكر البيت ، فأعلم الرشيد وقال : لقد عز عليّ أن كنت نحسكما ولو كنت سمعت هذا البيت ما قطعت هذه النخلة ولو قتلني الدم ، ومما قيل في نخلتي حلوان من الشعر قول حمّاد عجرد :

جعل الله سدرتي قصر شي

رين فداء لنخلتي حلوان

جئت مستسعدا فلم تسع داني ،

ومطيع بكت له النخلتان

وروى حماد عن أبيه لبعض الشعراء في نخلتي حلوان :

أيها العاذلان لا تعذلاني ،

ودعاني من الملام دعاني

وابكيا لي ، فإنني مستحقّ

منكما بالبكاء أن تسعداني

إنني منكما بذلك أولى

من مطيع بنخلتي حلوان

فهما تجهلان ما كان يشكو

من هواه ، وأنتما تعلمان

وقال فيهما أحمد بن إبراهيم الكاتب من قصيدة :

وكذاك الزمان ليس ، وإن أل

لف ، يبقى عليه مؤتلفان

سلبت كفّه العزيز أخاه ،

ثم ثنّى بنخلتي حلوان

فكأنّ العزيز مذ كان فردا ،

وكأن لم تجاور النخلتان

وحلوان أَيضاً : قرية من أعمال مصر ، بينها وبين الفسطاط نحو فرسخين من جهة الصعيد مشرفة على النيل ، وبها دير ذكر في الديرة ، وكان أول من اختطها عبد العزيز بن مروان لما ولي مصر ، وضرب بها الدنانير ، وكان له كل يوم ألف جفنة للناس حول داره ، ولذلك قال الشاعر :

كلّ يوم كأنه عيد أضحى

عند عبد العزيز ، أو يوم فطر

وله ألف جفنة مترعات ،

كلّ يوم ، يمدّها ألف قدر

٢٩٣

وكان قد وقع بمصر طاعون في سنة ٧٠ وواليها عبد العزيز فخرج هاربا من مصر ، فلما وصل حلوان هذه استحسن موضعها فبنى بها دورا وقصورا واستوطنها وزرع بها بساتين وغرس كروما ونخلا ، فلذلك يقول عبيد الله بن قيس الرّقيّات :

سقيا لحلوان ذي الكروم ، وما

صنّف من تينه ومن عنبه

نخل مواقير بالقناء من ال

برنيّ ، يهتز ثم في سربه

أسود ، سكانه الحمام ، فما

تنفكّ غربانه على رطبه

وقال سعد بن شريح مولى نجيب يهجو حفص بن الوليد الحضرمي والي مصر ويمدح زبّان بن عبد العزيز ابن مروان :

يا باعث الخيل ، تردي في أعنّتها ،

من المقطّم في أكناف حلوان

لا زال بغضي ينمّى في صدوركم ،

إن كان ذلك من حيّ لزبّان

وحلوان أيضا : بليدة بقوهستان نيسابور ، وهي آخر حدود خراسان مما يلي أصبهان.

حُلْوَة : بالضم ثم السكون ، وفتح الواو : ماء بأسفل الثلبوت لبني نعامة ، وذلك حيث يدفع الثلبوت في الرّمّة على الطريق. وحلوة أيضا : بئر بين سميراء والحاجر على سبعة أميال من العباسية ، عذبة الماء ، ورشاؤها عشرة أذرع ، ثم الحاجر والحامضة تناوحها.

وعين حلوة : بوادي الستار ، عن الأزهري.

وحلوة أيضا : موضع بمصر نزل فيه عمرو بن العاص أيام الفتوح.

الحِلَّةُ : بالكسر ثم التشديد ، وهو في اللغة القوم النزول وفيهم كثرة ، قال الأعشى :

لقد كان في شيبان ، لو كنت عالما ،

قباب وحيّ حلّة وذراهم

والحلة أيضا : شجرة شاكة أصغر من العوسج ، قال :

يأكل من خصب سيال وسلم

وحلّة لمّا يوطّئها النعم

والحلة : علم لعدة مواضع ، وأشهرها حلة بني مزيد : مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد كانت تسمّى الجامعين ، طولها سبع وستون درجة وسدس ، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة ، تعديل نهارها خمس عشرة درجة ، وأطول نهارها أربع عشرة ساعة وربع ، وكان أول من عمرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي ، وكانت منازل آبائه الدور من النيل ، فلما قوي أمره واشتد أزره وكثرت أمواله لاشتغال الملوك السلجوقية بركياروق ومحمد وسنجر أولاد ملك شاه بن ألب أرسلان بما تواتر بينهم من الحروب انتقل إلى الجامعين موضع في غربي الفرات ليبعد عن الطالب ، وذلك في محرم سنة ٤٩٥ ، وكانت أجمة تأوي إليها السباع فنزل بها بأهله وعساكره وبنى بها المساكن الجليلة والدور الفاخرة وتأنق أصحابه في مثل ذلك فصارت ملجأ ، وقد قصدها التجار فصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدة حياة سيف الدولة ، فلما قتل بقيت على عمارتها ، فهي اليوم قصبة تلك الكورة ، وللشعراء فيها أشعار كثيرة ، منها قول إبراهيم بن عثمان الغزّيّ وكان قدمها فلم يحمدها:

أنا في الحلة ، الغداة ، كأني

علويّ في قبضة الحجّاج

٢٩٤

بين عرب لا يعرفون كلاما ،

طبعهم خارج عن المنهاج

وصدور لا يشرحون صدورا ،

شغلتهم عنها صدور الدّجاج

والمليك الذي يخاطبه النا

س بسيف ماض وفخر وتاج

ما له ناصح ، ولا يعلم الغي

ب ، وقد طال في مقامي لجاجي

قصة ما وجدت غير ابن فخر ال

دين طبّا لها لطيف العلاج

وإذا سلّطت صروف الليالي

كسرت صخر تدمر كالزجاج

والحلّة أيضا : حلّة بني قيلة بشارع ميسان بين واسط والبصرة. والحلة أيضا : حلة بني دبيس بن عفيف الأسدي قرب الحويزة من ميسان بين واسط والبصرة ، والأهواز في موضع آخر.

الحَلَّةُ : بالفتح ، وهو في اللغة المرة الواحدة من الحلول : وهو اسم قفّ من الشّريف بناحية أضاخ بين ضرية واليمامة ، وفي شعر عويف القوافي حلة الشّوك. والحلة أيضا : قرية مشهورة في طرف دجيل بغداد من ناحية البرّية ، بينها وبين بغداد ثلاثة فراسخ ، تنزلها القفول.

حِلّيتُ : بالكسر ، وتشديد ثانيه وكسره أيضا ، وياء ساكنة ، وتاء فوقها نقطتان ، يجوز أن يكون من حلتّ الصوف عن الشاة إذا أنزلته ، وهذا من أبنية الملازمة للتكثير نحو سكّير وشرّيب وخمّير لتكثير السّكر والشرب ومدمن الخمر ، قال الأصمعي : حلّيت بوزن خرّيت معدن وقرية ، وقال نصر : حلّيت جبال من أخيلة حمى ضرية عظيمة كثيرة القنان ، كان فيه معدن ذهب ، وهو من ديار بني كلاب ، وقال أبو زياد : حلّيت ماء بالحمى للضباب ، وبحليت معدن حليت ، كذا في كتابه ، وقال الراعي :

بحلّيت أقوت منهم وتبدّلت

ويروى : بحلية.

حُلَيْتٌ : بالتصغير ، والحلت : لزوم ظهر الخيل ، قال الأصمعي في قول أبي ضبّ الهذلي :

هل لا علمت أبا إياس مشهدي

أيام أنت إلى الموالي تصخد

وأخذت بزّي واتّبعت عدوّكم ،

والقوم دونهم الحليت فأرثد

قال : لا يقال الحليت إلّا بالتصغير.

الحُلَيْسية : بالتصغير : ماء لبني الحليس قوم من بجيلة يجاورون بني سلول.

الحُلَيْفَات : بالتصغير : موضع ، عن عليّ بن عيسى بن حمزة بن وهّاس الحسني العلوي.

الحُلَيف : تصغير الحلف : موضع بنجد ، قال أبو زياد : يخرج عامل بني كلاب من المدينة فأول منزل يصدق عليه الأريكة ثم العناقة ثم مدعا ثم المصلوق ثم الرّنية ثم يرد الحليف لبني أبي بكر بن كلاب ثم الدّخول ثم الحصّاء ثم يرد الحوأب ثم سجى ثم الجديلة ثم ينصرف إلى المدينة ، ويصدق على الحليف بطونا من بطون أبي بكر بن عبد الله بن كلاب وسلول وعمرو ابن كلاب.

الحُلَيْفَةُ : بالتصغير أيضا ، والفاء ، ذو الحليفة : قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة ، ومنها ميقات أهل المدينة ، وهو من مياه جشم بينهم وبين بني

٢٩٥

خفاجة من عقيل. وهو الحليفة أيضا الذي في حديث رافع بن خديج قال : كنا مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بذي الحليفة من تهامة فأصبنا نهب غنم ، فهو موضع بين حاذة وذات عرق من أرض تهامة وليس بالمهد الذي قرب المدينة.

الحُلَيْقَةُ : مثل الذي قبله إلّا أنه بالقاف ، كأنه تصغير حلقة : موضع عند مدفع الملحاء ، وقال أبو زياد:من مياه بني العجلان الحليقة يردها طريق اليمامة إلى مكة وعليها نخل ، وهي من أرض القعاقع المذكورة في موضعها ، وقرأت بخط الأزدي بن المعلّى في شعر تميم بن أبي بن مقبل العجلاني وصيغته وجمعه :

إنّ الحليفة ماء لست قاربه

مع الثناء الذي خبّرت ياتيها

لا ليّن الله للمعروف حاضرها ،

ولا يزل مفلسا ما عاش باديها

قال : الحليفة ماء لا أقربه ولا أغتر بالثناء عليه ، فكتب في الموضعين بالفاء.

الحُلَيْلُ : تصغير حلّ : موضع في ديار بني سليم لهم فيه وقائع ، ذكره في أيام العرب.

حُلَيماتٌ : تصغير جمع حلمة الثدي : وهي أكمات ببطن فلج ، قال الزمخشري : حليمات أنقاء بالدّهناء ، وأنشد :

دعاني ابن أرض يبتغي الزاد ، بعد ما

ترامي حليمات به وأجارد

ومن ذات أصفاء سهوب كأنها

مزاحف هزلى ، بيتها متباعد

ويروى حلامات ، وقد تقدم ، وأنشد ابن الأعرابي يقول :

كأنّ أعناق الجمال البزل ،

بين حليمات وبين الجبل ،

من آخر الليل ، جذوع النخل

حَلِيمَةُ : بالفتح ثم الكسر ، قال العمراني : وهو موضع كانت فيه وقعة ، ومنه : ما يوم حليمة بسرّ ، وهذا غلط إنما حليمة اسم امرأة بنت الحارث الغساني نائب قيصر بدمشق ، وهو يوم سار فيه المنذر بن المنذر بعرب العراق إلى الحارث الأعرج الغسّاني وهو الأكبر ، وسار الحارث في عرب الشام فالتقوا بعين أباغ ، وهو من أشهر أيام العرب ، فيقال : إن الغبار يوم حليمة سدّ عين الشمس فظهرت الكواكب المتباعدة من مطلع الشمس ، وقيل : بل كان الضجاعمة وهم عرب من قضاعة عمّالا للروم بالشام ، فلما خرجت غسان من مأرب ، كما ذكرناه في مأرب ، نزلت الشام ، وكانت الضجاعمة يأخذون من كل رجل دينارا ، فأتى العامل جذعا ، وهو رجل من غسان ، وطالبه بدينار فاستمهله فلم يفعل فقتله ، فثارت الحرب بين غسّان والضجاعم ، فضربت العرب جذعا مثلا وقالوا : خذ من جذع ما أعطاك ، وكان لرئيس غسّان ابنة جميلة يقال لها حليمة فأعطاها تورا فيه خلوق وقال لها : خلّقي به قومك ، فلما خلّقتهم تناوحوا وأجلوا الضجاعم وملكوا الشام ، فقالوا : ما يوم حليمة بسرّ ، وقيل : إن يوم حليمة هو اليوم الذي قتل فيه الحارث بن أبي شمر الغساني المنذر بن ماء السماء ، وجعلت حليمة بنت الحارث تخلّق قومها وتحرضهم على القتال فمرّ بها شابّ فلما خلّقته تناولها وقبلها فصاحت وشكت ذلك إلى أبويها فقالا لها : اسكتي فما في القوم أجلد منه حين اجترأ وفعل هذا بك ، فإما إن يبل غدا بلاء حسنا فأنت امرأته ، وإما إن يقتل فتنالي الذي تريدين منه ، فأبلى الفتى بلاء عظيما ورجع سالما فزوجوه حليمة ،

٢٩٦

وقال النابغة :

تخيّرن من أزمان يوم حليمة

إلى اليوم قد جرّبن كلّ التجارب

حَلْيَة : بالفتح ثم السكون ، وياء خفيفة ، وهاء : مأسدة بناحية اليمن ، قال بعضهم :

كأنهم يخشون منك مدرّبا

بحلية ، مشبوح الذراعين مهزعا

وقيل : حلية واد بين أعيار وعليب يفرغ في السّرّين ، وقيل : هو من أرض اليمن ، وقيل : حلية موضع بنواحي الطائف ، وقال الزمخشري :

حلية واد بتهامة أعلاه لهذيل وأسفله لكنانة ، وقال أبو المنذر : ظعنت بجيلة وخثعم إلى جبال السراة فنزلوها وسكنوا فيها فنزلت قسر بن عبقر بن أنمار ابن أراش جبال حلية وأسالم وما صاقبها ، وأهلها يومئذ من العاربة الأولى يقال لهم بنو ثابر ، فأجلوهم عنها وحلّوا مساكنهم ثم قاتلوهم فغلبوهم على السراة ونفوهم وقاتلوا بعد ذلك خثعم فنفوهم عن بلادهم ، فقال سويد بن جدعة أحد بني أفصى بن نذير بن قسر :

ونحن أزحنا ثابرا عن بلادهم

بحلية أغناما ، ونحن أسودها

إذا سنة طالت وطال طوالها

وأقحط عنها القطر وابيضّ عودها

وجدنا سراة لا يحوّل ضيفنا ،

إذا خطّة تعيا بقوم نكيدها

ونحن نفينا خثعما عن بلادهم

تقتّل ، حتى عاد مولى سنيدها

فريقين : فرق باليمامة منهم ،

وفرق يخيف الخيل تترى حدودها

وحلية أيضا : حصن من حصون تعزّ في جبل صبر من أرض اليمن أيضا.

حُلَيَّةُ : بالضم ثم الفتح ، وياء مشددة : ماء بضريّة لغنيّ ، وعندها كان اجتماع غنيّ للخصومة في عين نفي ، قال أمية بن أبي عائذ الهذلي :

وكأنها ، وسط النساء ، غمامة

فرعت بريّقها نشيء نشاص

أو مغزل بالخلّ ، أو بحليّة ،

تقر والسلام بشادن مخماص

وأنشد أبو عمرو الشيباني في نوادره :

فقلت اسقياني من حليّة شربة

بحسي سقته ، حين سال سجالها

وسلّم على الأظبي الأوالف بطنها ،

وعبريها أجنى لهنّ وضالها

أجنى أي أثمر ، والعبريّ : العظام من السّدر.

حَلْيٌ : بالفتح ثم السكون ، بوزن ظبي ، قال عمارة اليمني : حلي مدينة باليمن على ساحل البحر ، بينها وبين السّرين يوم واحد ، وبينها وبين مكة ثمانية أيام ، وهي حلية المقدّم ذكرها ، قال أعرابيّ :

خليليّ حبّي سدر حلية موردي

حياض المنايا ، أو مقيدي الأعاديا

خليليّ ، إن أسعدتما ، فهممتما

بأنّى ظلال السّدر فاستتبعانيا

فو الله ما أحببت سدرا ببلدة

من الأرض ، حتى سدر حلي اليمانيا

باب الحاء والميم وما يليهما

الحما : مقصور ، ذكر في آخر هذا الباب لأنه يكتب بالياء.

٢٩٧

حَماتا : بالفتح ، وبين الألفين تاء فوقها نقطتان : موضع في قول النابغة :

كأنّ التاج معقود عليه

بأغنام ، أخذن بذي أبان

وأعيار صوادر عن حماتا

لبين الكفر ، والبرق الدواني

الحَماتان : موضع بنواحي المدينة ، قال كثيّر :

وقد حال من حزم الحماتين دونهم ،

وأعرض من وادي بليد شجون

الحَمَادَةُ : بالفتح ، والدال : ناحية باليمامة لبني عدي ابن عبد مناة ، عن محمد بن إدريس بن أبي حفصة.

حِمارُ : بلفظ الحمار من الدوابّ : واد باليمن.

حَمَّار : بالفتح ، وتشديد الميم ، بوزن عطّار : موضع بالجزيرة.

الحِمَارَةُ : تأنيث الحمار من الدوابّ : حرّة في بلادهم.

حَماساء : بالفتح ، والمد : موضع ، واشتقاقه بعده.

حِماسُ : بالكسر ، جمع حميس ، وهو المكان الصّلب : وهو موضع.

حَماطانُ : بالفتح : جبل من الرمل من جبال الدّهناء ، قال :

يا دار سلمى في حماطان أسلمي

وحماطان : موضع فيما قيل.

حَماطُ : بالفتح ، وهو في اللغة شجر غليظ على البادية ، قال :

كأمثال العصيّ من الحماط

قال أبو منصور : حماط موضع ذكره ذو الرّمة فقال :

فلما لحقنا بالحمول ، وقد علت

حماط ، وحرباء الضّحى متشاوس

وفي كتاب هذيل : خرجت غازية من بني قريم من هذيل يريدون فهما حتى أصبحوا على ماء يقال له ذو حماط من صدر اللّيث ، وخرجت غازية من فهم يريدون بني صاهلة حتى طلعوا بذي حماط ، فالتقاهم بنو قريم وهم رهط تأبّط شرّا بنو عدي فقتلتهم بنو قريم فلم يبق منهم غير رجل واحد أعجز عريانا ، فقال سلمى بن المقعد القرمي :

فأفلت منّا العلقميّ تزحّفا ،

وقد خفقت بالظهر واللّمّة اليد

جريضا ، وقد ألقى الرّداء وراءه ،

وقد ندر السيف الذي يتقلّد

بطعن وضرب واعتناق ، كأنما

يلفّهم بين الحمائط أبرد

الحماط : شجر ، وجمعه حمائط.

حَماكُ : بالفتح ، والتخفيف ، وآخره كاف : حصن لبني زبيد باليمن.

حَمَّالُ : بالفتح ، وتشديد الميم ، وألف ، ولام : جبل في ديار بني كلاب من يناصيب.

حُمام : بالضم ، والتخفيف ، والحمام في اللغة حمّى الإبل ، قال نصر : ذات الحمام موضع بين مكة والمدينة. والحمام أيضا : ماء في ديار قشير قرب اليمامة. والحمام : ماء جاهليّ بضريّة. وغميس الحمام مضاف إلى الحمام الطير المعروف : وهو من مرّ بين ملل وصخيرات اليمام ، اجتاز به رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يوم بدر. وحمام : موضع بالبحرين قطعه ثور بن عزرة القشيري. والحمام :

٢٩٨

صنم في بني هند بن حرام بن ضنّة بن عبد بن كبير ابن عذرة ، سمع منه صوت بظهور الإسلام.

حَمامٌ : بالفتح ، وتخفيف الميم : موضع في قول جرير :

عفا ذو حمام بعدنا وحفير ،

وبالسرّ مبدّى منهم ومصير

حَمَّامُ أعْيَنَ : بتشديد الميم : بالكوفة ، ذكره في الأخبار مشهور ، منسوب إلى أعين مولى سعد ابن أبي وقاص.

حَمَّامُ بَلْج : بفتح الباء الموحدة ، وسكون اللام ، وجيم : بالبصرة ، مرّ ذكره في بلج.

حَمَّامُ سَعد : موضع في طريق الحاجّ بالكوفة.

حَمَّامُ عليٍّ : باصطلاح أهل الموصل : وهي بين الموصل وجهينة قرب عين القار غربي دجلة ، وهي عين ماؤها حارّ كبريتيّ ، يقول أهل الموصل إن بها منافع ، والله أعلم.

حَمَّام فِيلٍ : بكسر الفاء ، وياء ساكنة ، ولام : بالبصرة ، نسب إلى فيل مولى زياد ابن أبيه وكان حاجبه ، وكان أهل البصرة يضربون المثل بحمّامه ، وركب فيل يوما ومعه أبو الأسود الدؤلي وكان فيل على برذون هملاج ، فقال :

لعمر أبيك ما حمّام كسرى

على الثّلثين من حمّام فيل

فقال أبو الأسود :

ولا إرقاصنا ، خلف الموالي ،

بسنّتنا على عهد الرسول

وقال يزيد بن مفرّغ لطلحة الطلحات :

تمنّيني ، طليحة ، ألف ألف ،

لقد منّيتني أملا بعيدا

فلست لماجد حرّ ، ولكن

لسمراء التي تلد العبيدا

ولو أدخلت في حمّام فيل ،

وألبست المطارف والبرودا

حَمَّام مِنْجاب : بكسر الميم : بالبصرة ، ينسب إلى منجاب بن راشد الضبي ، قرأت بخط ابن برد الخيّار الصولي قال ابن سيرين : مرّت امرأة برجل فقالت : يا رجل كيف الطريق إلى حمّام منجاب؟ فقال : ههنا ، وأرشدها إلى خربة ثم قام في أثرها وراودها عن نفسها فأبت ، فلم يلبث الرجل أن حضرته الوفاة فقيل له : قل لا إله إلّا الله ، فأنشأ يقول :

يا ربّ قائلة يوما وقد لغبت :

كيف الطريق إلى حمّام منجاب؟

ذاتُ الحَمَّام : بلد بين الإسكندرية وإفريقية ، له ذكر في الفتوح ، وهو إلى إفريقية أقرب.

حَمامَةُ : بالفتح ، واحد الحمام من الطيور : ماء لبني سليم من جانب اللعباء القبلي ، قال ابن السكيت ذلك في تفسير قول كثير عزّة :

مولّية أيسارها قطر الحمى ،

تواعدن شربا من حمامة معلما

وإيّاه عنى فيما أحسب حاجب بن ذبيان المازني مازن ابن عمرو بن تميم بقوله :

هل رام نهي حمامتين مكانه ،

أم هل تغيّر بعدنا الأحفار؟

يا ليت شعري غير منية باطل ،

والدهر فيه عواطف أطوار

هل ترسمنّ بي المطيّة بعد ما

يحدي القطين ، وترفع الأخدار؟

٢٩٩

وقيل : حمامة ماء لبني سعد بن زيد مناة بن تميم بالعرمة ، وينشد قول جرير :

أمّا الفؤاد ، فلا يزال موكلا

بهوى حمامة ، أو بريّا العاقر

والمشهور بهوى جمانة ، وقد تقدم.

حِمَّانُ : بالكسر ، وتشديد الميم ، وألف ، ونون : محلّة بالبصرة سميت بالقبيلة ، وهم بنو حمّان بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، واسم حمّان عبد العزّى ، وقد سكن هذه المحلّة من نسب إليها وإن لم يكن من القبيلة.

حَماةُ : بالفتح ، بلفظ حماة المرأة ، وهي أمّ زوجها لا لغة فيه غير هذه ، وكلّ شيء من قبل الزوج نحو الأب والأخ فهم الأحماء ، واحدهم حما ، وفيه أربع لغات : حما مثل قفا ، وحمو مثل أبو ، وحمء ، ساكنة الميم بعدها همزة ، وحم ، بغير همزة. وحماة أيضا : عصبة الساق. وحماة : مدينة كبيرة عظيمة كثيرة الخيرات رخيصة الأسعار واسعة الرّقعة حفلة الأسواق ، يحيط بها سور محكم ، وبظاهر السور حاضر كبير جدّا ، فيه أسواق كثيرة وجامع مفرد مشرف على نهرها المعروف بالعاصي ، عليه عدة نواعير تستقي الماء من العاصي فتسقي بساتينها وتصبّ إلى بركة جامعها ، ويقال لهذا الحاضر السوق الأسفل لأنه منحط عن المدينة ، ويسمون المسوّر السوق الأعلى ، وفي طرف المدينة قلعة عظيمة عجيبة في حصنها وإتقان عمارتها وحفر خندقها نحو مائة ذراع وأكثر للملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ، وهي مدينة قديمة جاهلية ، ذكرها امرؤ القيس في شعره فقال :

تقطّع أسباب اللّبانة والهوى ،

عشيّة جاوزنا حماة وشيزرا

بسير يضجّ العود منه ، يمنّه

أخو الجهد ، لا يلوي على من تعذّرا

إلا أنها لم تكن قديما مثل ما هي اليوم من العظم بسلطان مفرد بل كانت من عمل حمص ، قال أحمد ابن الطيب فيما ذكره من البقاع التي شاهدها في مسيره من بغداد مع المعتضد إلى الطواحين فقال بعد ذكره حمص : وحماة قرية عليها سور حجارة وفيها بناء بالحجارة واسع والعاصي يجري أمامها ويسقي بساتينها ويدير نواعيرها ، وكان قوله هذا في سنة ٢٧١ فسماها قرية ، وقال المنجمون : طول حماة اثنتان وستون درجة وثلثان ، وعرضها خمس وثلاثون درجة وثلثان وربع ، وقال أحمد بن يحيى بن جابر : ولما افتتح أبو عبيدة حمص وفرغ في سنة ١٧ خلّف بها عبادة بن الصامت ومضى نحو حماة فتلقاه أهلها مذعنين فصالحهم على الجزية في رؤوسهم والخراج على أرضهم ومضى إلى شيزر ، فكان حالها حال حماة ، وقال عبد الرحمن بن المستخف يهجو الملك المنصور محمد بن تقي الدين صاحب حماة :

ما كان يصلح أن يكون محمد

بسوى حماة ، لقلّة في دينه

قد أشبهت منه الصفات : فهرّها

من جنسه ، وقرونها كقرونه

قرون حماة : قلّتان متقابلتان ، جبل يشرف عليها ونهرها العاصي ، وبين كلّ واحد من حماة وحمص والمعرّة وسلمية وبين صاحبه يوم ، وبينها وبين شيزر نصف يوم ، وبينها وبين دمشق خمسة أيام للقوافل ، وبينها وبين حلب أربعة أيام ، وقد نسب إليها جماعة من العلماء ، منهم : قاضي القضاة ببغداد أبو بكر محمد بن المظفّر بن بكران بن

٣٠٠