طلوع سعد السّعود - ج ١

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ١

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

الثاني : في ذكر بعض أوليائها بحسب الاستطاعة والتعرض بالذكر إلى من هو منهم شريف.

الثالث : في ذكر بعض علمائها من حيث بنيت إلى الآن.

الرابع : في ذكر دولها على سبيل الترتيب من حيث بنيت إلى هذا الزمان ، وما أذكر من غيرهم فذلك رغبة لإتمام الفائدة.

الخامس : في ذكر مخزنها وهو عين المراد والتعرض إلى سيرته الجميلة التي لا يكون فيها الانتقاد.

ويتضح من هذا التقسيم أن المزاري قلد شيخه الزياني في عناويه ونقلها عنه حرفيا وخالفه فقط في إطلاقه على الفصل اسم المقصد ، ثم أن المزاري أدمج الفصلين : الأول والثاني من دليل الحيران ، في مقصد واحد بكتابه ، وعكسهما فقدم الثاني وأخر الأول. وأهمل الفقرة التي خصها الزياني لاستعراض الأقوال السبعة التي تخص تسمية المدينة بوهران.

وعلى العكس من ذلك قام المزاري بتقسيم الفصل الثالث من دليل الحيران إلى مقصدين اثنين في كتابه : واحد تحدث فيه عن أولياء وهران ، والآخر عن علمائها. ونقل ذلك حرفيا عن الزياني ، وأهمل التفاصيل التي أوردها الزياني عن ركن الدين ابن مجرز وهراني.

أما الفصل الرابع : فقد اتبع فيه المزاري نفس التقسيم الذي وضعه الزياني في دليل الحيران ، ونقله عنه حرفيا. وقد قال الزياني : «اعلم أنّ الذين ملكوا وهران من حين اختطت إلى هذا الزمن تسع دول وأما الأدارسة ، والسليمانيون فلم أذكرهم لأنهم لم يملكوا وهران».

ثم أخذ الزياني يستعرض الدول التسعة على الشكل التالي :

الدولة الأولى : مغراوة عمال الأمويين أمراء الأندلس والكلام عليهم في خمسة مواضيع:

الأول : في التعريف بهم وذكر نسبهم.

الثاني : في بطونهم.

الثالث : في ذكر علمائهم وأوليائهم.

٤١

الرابع : في ذكر سبب إسلامهم وصيرورتهم موالي لبني أمية.

الخامس : في ذكر من ملك منهم وهران.

وقد نقل المزاري نفس عنوان الزياني ، وأغفل الموضوعات الأربعة الأولى ونقل حرفيا الموضوع الخامس بحذافيره.

الدولة الثانية : العبيديون ، وهم الشيعة ويقال لهم الرافضة والكلام عليهم في خمسة مواضيع :

الأول : في ذكر أنسابهم.

الثانية : في ذكر أصحاب الإمامة المعدين للمهدي منهم.

الثالث : في سبب تسميتهم بالشيعة.

الرابع : في سبب مصير الملك إليهم.

الخامس : في ذكر ملوكهم ومن ملك منهم وهران.

وقد اختصر المزاري الموضوعات الأربعة الأولى في نصف صفحة ، ونقل الموضوع الخامس بحذافيره مع بعض التصرفات الطفيفة ، تحت نفس العنوان من الزياني.

الدولة الثالثة : المرابطون ، ويقال لهم لمتونة والملثمون وصنهاجة.

والكلام عليهم في خمسة مواضيع :

الأول : في نسبهم.

الثاني : في وقت مسيرهم للمغرب.

الثالث : في ذكر قبائلهم وبطونهم.

الرابع : في ذكر علمائهم.

الخامس : في ذكر فرقهم ، ومن ملك منهم وهران.

وقد نقل المزاري نفس العنوان ، واختصر الموضوعات الأربعة الأولى في نصف صفحة ، ونقل الخامس على ما يبدو بحذافره أو على الأقل ما بقي منه. لأن نسخة دليل الحيران مبتورة هنا ابتداء من قوله : الفرقة الثانية من صنهاجة لمتونة وهم الملثمون. كما ضاع منها موضوع : الدولة السادسة في أولها وهم بنو

٤٢

مرين. فأما أن يكون المزاري قد انتزع هذه الأقسام من دليل الحيران وأدخلها وأدمجها بعينها في كتابه ، وأما أن يكون قد نقلها من نسخة أخرى كاملة.

وقد اختصر المزاري موضوع تسمية المرابطين وأصل موطنهم وبلادهم في أربع صفحات ، وتوسع في الحديث عن ملوكهم وأمرائهم على عادته وبنفس الأسلوب وختم حديثه عنهم باستعراض الفرق الثلاثة التي انحدروا منها.

الدولة السابعة : الاسبانيون نسبة لاسبانيا ، والكلام عليهم في ستة مواضيع :

الأول : في ذكر نسبهم.

الثاني : في بيان أرض الاسبانيين وحدودها.

الثالث : في بيان مساحتها ، وعدد سكانها الآن ، وأقسام ولاياتها ، وأشهر مدنها ، وجبالها ، وأوديتها.

الرابع : في بيان محلها من أوروبا.

الخامس : في بيان من ملك تلك العدوة سابقا.

وقد نقل المزاري هذه الموضوعات نقلا يكاد يكون حرفيا بنفس الترتيب مع إهمال ذلك التقسيم.

الدولة الثامنة : الترك ويقال لهم الأتراك والكلام عليهم في ستة مواضيع :

الأول : في ذكر نسبهم وبطونهم ومسكنهم.

الثاني : في سبب انتشارهم في الأرض.

الثالث : في سبب مجيئهم إلى الجزائر وأي وقت جاؤوا وكم مكثوا بالجزائر.

الرابع : في ذكر ملوكهم في الإسلام ومن ملك منهم وهران.

الخامس : في ذكر باشاتهم بالجزائر ، ومنهم من يجمعهم على باشوات ، ومن ملك منهم وهران.

السادس : في ذكر معنى الباي وكيفية تصرفه وعمله بالعوائد.

وقد نقل المزاري نفس عنوان الزياني : وتحدث عن هذه الموضوعات الستة بنفس الترتيب دون الإشارة إلى ذلك التقسيم. ويكاد يكون النقل حرفيا.

٤٣

الدولة التاسعة : الفرنسيس ، ويقال لهم الفرنج ، والكلام عليهم في سبعة مواضيع. الأول. ا. ه. وقد توقف الزياني عند هذا العنوان وبهذين الحرفين ألف وهاء ، دليلا على انتهائه ، وعدم اكماله للفصل الرابع كما وعد في بدايته.

أما المزاري فبعد أن نقل هذا العنوان كما هو في دليل الحيران ، أرخ لهذه الدولة حسب مخطط الزياني بالتتابع وبالترتيب ، دون أن يشير إلى ذلك التقسيم كما هي عادته في الأقسام الماضية ، وتوسع في هذه الدولة توسعا كبيرا استغرق (٢٠٨) مائتين وثماني صفحات وهو ما يعادل أكثر من ثلث المخطوط. وحاول أن يؤرخ لتاريخ فرنسا ، وأغرق نفسه في مواضيع ليست في متناوله. وذلك رغبة منه على ما يبدو في التقرب من الإدارة الفرنسية التي كان يعمل تحت إمرتها ، ووفق أوامرها ، وتعليماتها.

إن هذه المقارنة تثبت بما لا يدع مجالا للشك ، بأن مخطوط : طلوع سعد السعود ، إما أن يكون للزياني نفسه ونسبه المزاري لنفسه لظرف من الظروف التي حكى منها شيئا ، مارسيل بودان ، أو يكون المزاري نقله حرفيا من كتاب دليل الحيران للزياني ، وتصرف فيه قليلا بالحذف ، والاختصار ، والتقديم والتأخير ، واستغل مركزه كآغا ليقنع شيخه الزياني ، أو يرغمه على السكوت ، وقبول الأمر الواقع ، وليس هناك تفسيرا آخر غير هذين الافتراضين.

وللشيخ المهدي البو عبدلّي البطيوي الذي حقق ونشر مخطوط دليل الحيران للزياني ، رأي آخر فيما يخص القسم الأخير الذي عنون له المؤلف ، ولم يكمله. فقد قال في المقدمة التي وضعها للكتاب : إن التأليف الذي يحمل اسم «أقوال التأسيس عما وقع وسيقع من الفرنسيس». ونسب إلى أبي راس المعسكري ، ووضع ضمن قائمة مؤلفاته ، ليس له «لأن المتأمل فيه يدرك من أول وهلة أنه كتب بعد الاحتلال الفرنسي ، وأبو راس كما نعلم توفي حوالي سنة ١٢٣٧ (١) أي قبل الاحتلال الفرنسي بسنوات».

__________________

(١) الصحيح أن أبو راس توفي يوم ١٥ شعبان ١٢٣٨ الموافق لشهر أبريل ١٨٢٣ م. وقد حصلنا على قائمة تآليف الشيخ أبي راس التي وضعها بنفسه تحت عنوان : شمس معارف التكاليف في أسماء ما أنعم الله به علينا من التآليف. تحمل رقم ١٣٦ ، وتاريخها ٢٢ ـ

٤٤

ومن رأي الشيخ المهدي البو عبدللي أن مؤلف هذا الكتاب هو الشيخ محمد بن يوسف الزياني أو أحد سكان قرية البرج مقر أسرة المخفي.

ومما قاله : «وفي آخر الجزء الثاني عقد المؤلف عنوانا للعهد الفرنسي فقال : «الدولة التاسعة الفرنسيس ويقال لهم الفرنج والكلام عليهم في سبع مواضع». لكنه أنهى تأليفه عند هذا العنوان. ولا شك أنه لم يرد أن يتورط ، فاختار طريقة أخرى سجل فيها الأحداث الهامة في العهد الأول من الاحتلال وحذر مواطنيه من عواقبها وأفرغ ذلك كله في قالب التنبؤات التي كان أفراد الشعب خصوصا المتدين يؤمن بها ، إذ لم تفارق عقيدة المهدي المنتظر «الذي يملأ الدنيا عدلا» الطبقات المؤمنة في بلاد المغرب العربي ، ومؤلفنا أمكنه أن يتخلص من الورطة فينسب تأليفه الذي هو عبارة عن صفحات للمؤرخ أبي راس المعسكري الناصري ، كما أمكنه أن يسجل هذا التأليف أي عنوانه في آخر رحلة أبي راس التي ذكر فيها تأليفه وقد تناقل هذا التأليف معظم المثقفين ، وقد بلغ خبره للسلطات فبذلت جهودا للتحصيل عليه خصوصا في الحرب العالمية الأولى ، فقد فتشوا المنازل وسجنوا كثيرا من الطلبة الذين كانوا يشكون أنهم يملكونه ، كما أمكن لمؤلفه الحقيقي أن يحتفظ بسره حيث لم يعرف نسبته إليه إلا أقلية واسم الكتاب : «أقوال التأسيس عما وقع وسيقع من الفرنسيس». وقال أيضا «وهذا التأليف تختلف كثير من نسخه وإن كانت تتفق في جوهر الموضوع الذي هو شبه مذكرات لرجل عاش في الفترة الأولى من عهد الاحتلال الفرنسي واطلع على نوايا الاستعمار وأهدافه ، فسجلها بعد ما أفرغها في قالب التكهنات أو التنبؤات» ثم قال : «وهذه الرسالة هامة تحتاج إلى دراسة خاصة ، فالذي نتحققه أن نسبتها للمؤرخ أبي راس مستحيلة فقد كتبت بعد الاحتلال الفرنسي بمدة طويلة وبعد إنهاء الأمير عبد القادر المقاومة ، وقد ذكره صاحب الرسالة وفي نفسه منه شيء فخصه بسطور نسب فيها لأعوانه الظلم والفوضى ، ولا شك أن

__________________

ـ رجب ١٢٣٢ ه‍ (٤ أبريل ١٨٢٣ م). وبها ، ١٣٦ عنوانا آخرها هذه القائمة. ومن ضمنها عنوان : أقوال التأسيس عما وقع أو سيقع من الفرنسيس .. ويحمل رقم ٨٥. وقد استعملت الأرقام الغبارية في تعداد هذه القائمة مما يوحي بأنها منسوخة ، وليست الأصلية التي كتبها الشيخ أبو راس نفسه.

٤٥

المؤلف الذي كان من سكان البرج وكان البرج مقر أسرة المخفي ، حتى لا زالت تحمل اسمه الآن ، الذين كانوا من أعوان الأتراك ثم انضموا إلى الفرنسيس وحاربوا الأمير ، فانتقم منهم الأمير شرّ انتقام. فقد أوقد فيها النيران وسجن جل سكانها ، فلربما بقي في نفس القاضي البرجي شيء».

وقال كذلك : «وأقل ما نستفيده من هذه الرسالة أو التأليف ، بقطع النظر عن مقصد مؤلفه الحقيقي ، هو الاطلاع على صفحات من تاريخ الجزائر ، تصور انطباعات شاهد عيان ، اطلع على أحداث أوائل الاحتلال ، إذ المصادر العربية المسجلة لذلك العهد قليلة. ولنرجع إلى الحديث عن النسخة الثانية من : «قول التأسيس مما وقع وسيقع من الفرنسيس» وهي وإن كانت تتفق مع الأولى في جوهرها. يظهر أن صاحبها اختصرها وزاد فيها وتأخرت كتابتها إلى أوائل الحرب العالمية الأولى واعترف صاحبها بأنه لا يريد أن يطلق العنان لتنبؤه إذ أمر بذلك» (١).

وقد ذكر الشيخ المهدي البو عبدللي بأن مؤلف دليل الحيران الشيخ محمد ابن يوسف الزياني البرجي ، ينتمي إلى أسر علمية بنواحي مدينة برج عياش المشهور الآن ببرج ولد المخفي قرب معسكر. وأن جدّه أحمد بن يوسف الزياني كان من العلماء المستشارين عند الباي إبراهيم الملياني (١١٧٠ ه‍). وقد تولى مؤلف دليل الحيران القضاء بمدينة البرج سنة ١٨٦١ حسبما وجد ذلك في وثيقة رسمية كاتبه بها الحاكم العسكري الفرنسي للناحية ، ثم انتقل عام ١٨٨٣ إلى مدينة تليلات ليتولى نفس الوظيفة ، قبل أن ينقل إلى مدينة سيق كذلك لنفس الوظيفة : قاضيا.

وكان ما يزال حيا في مطلع القرنين : الرابع عشر الهجري ، والعشرين ميلادي. وذكر الشيخ المهدي أنه اطلع على كثير من فتاواه وتعاليقه على بعض الكتب ، وعلى مراسلاته لبعض علماء البلد ، ومنهم العالم علي بن عبد الرحمن الجزائري مفتي وهران الشهير الذي كاتبه عام ١٣٢٠ ه‍ (١٩٠٢ ـ ١٩٠٣ م).

__________________

(١) محمد بن يوسف الزياني : دليل الحيران وأنس السهران في أخبار مدينة وهران. تقديم وتعليق المهدي البو عبدللي (الجزائر ـ ١٩٧٨) ص ١٣ ـ ١٧.

٤٦

وقد خلف بعد وفاته ابنا فقيها تولى إمامة مسجد بناه له صهره بمدينة سيق وبقي به حتى توفي ، كما خلف بنتا ذات شهرة في مدينة وهران وولايتها ، لأنها تمردت على عادات البلاد ، وصارت تخرج سافرة ، وتمارس أعمال الفلاحة لأسرتها وتشارك زوجها في أعماله وكان غنيا ويملك أراضي شاسعة. ويعمل موظفا لدى الإدارة الفرنسية كذلك ، لأن أسرته من أسر المخزن في عهد الأتراك ، وأقرها الفرنسيون على ذلك في عهدهم.

وبما أنها كانت تركب الخيل وتشارك في ألعاب الفروسية ، وتستقبل زوار زوجها وتشارك في الحفلات التي كان يقيمها الولاة العامون بالجزائر لأعيان البلاد ، فإن الناس كانوا يدعونها : «القايدة حليمة». وعند ما حجت أصبحت تدعى : «الحاجة حليمة» ، وتوفيت أوائل الحرب العالمية الأولى.

إن النسخة التي حققها ونشرها الشيخ المهدي البو عبدلّي لدليل الحيران ، ناقصة ومبتورة في الوسط ، ينقصها جزء من الدولة الثانية وهم المرابطون ، وكل الدولة الرابعة وهم الموحدون ، وكل الدولة الخامسة وهم بنو زيان.

وهذا القسم المبتور موجود كله في مخطوط : طلوع سعد السعود. وينقصها في الأخير ، الدولة التاسعة ويقال لهم الفرنج والكلام عليهم في ستة مواضيع. الأول. ا. ه.

وهذا القسم طويل جدا في مخطوط طلوع سعد السعود. يقع في مائتين وثمانية من الصفحات. ألا يكون المزاري أخذ هذه الأقسام الناقصة والمبتورة من مخطوط : دليل الحيران لأستاذه الزياني ، وضمها إلى مخطوطه بعنوانه الجديد ، طلوع سعد السعود.

سؤال مطروح. وسيبقى كذلك مطروحا إلى أن يتم العثور على النسخة الكاملة لدليل الحيران ، وعلى بعض الوثائق التي تسمح بالمقارنة والاستنتاج ، والخروج برأي صحيح ونهائي.

بقيت بعد هذا كلمة أخيرة حول المقصد الأخير من كتاب طلوع سعد السعود الذي خصصه المزاري للتأريخ لمخزن وهران ، وهذا المقصد لم يشر

٤٧

إليه الزياني وهو المقصد الوحيد الذي لربما يكون من تأليف المزاري باعتباره من رجال المخزن. أو أحد أقاربه المثقفين من رجال المخزن كذلك ، إذا لم يكن الزياني نفسه ، لأنه من بلد المزاري ، ومن العائلات العلمية المشهورة بالمنطقة ، له خبرة ودارية بتاريخ العائلات المخزنية.

وهران ـ حي الصادقية

الأربعاء ٦ شوال ١٤٠٧ ه

٣ جوان ١٩٨٧ م

د. يحيى بو عزيز

جامعة وهران

٤٨

٤٩
٥٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

اللهم صلّ على الحبيب محمد وآله وصحبه وسلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما يقول العبد الضعيف الراجي عفو ربه وغفران سائر المساوي أبو إسماعيل بن عودة الساري بن الحاج محمد المزري البحثاوي. أمنه الله بمنه وكرمه ولطفه آمين ، آمين ، آمين ، آمين.

الحمد لله الذي فضل العلماء على الجهلاء بتفضيل العلم على الجهل ، وصيرهم أمناء على خلقه يقومون بحفظ شريعته في كل الفرد والحفل وجعل بالعلم تعرف الفرائض والسنن وسائر ما يكون به التكليف وتعرف به الملل ، وكذا الماضي والآتي وسائر الدول ، والأنساب ، وما قل منها وجل لا سيما علم التاريخ الذي تكفّل بأخبار القرون والأمم ودولها ومن مضى منها أو حل أو هو آت في المستقبل. فحقه الاعتناء به بتدوينه كي لا يضيع فيهمل ، والصلاة والسلام التامان على سيدنا ومولانا محمد أشرف المخلوقات ومنبع الكون وخاتم الأنبياء والرسل وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته وأمته والتابعين ومن تبعهم بإحسان / (ص ٣) إلى يوم يتبين فيه المفضول من الفاضل والشقي من السعيد والثاني من الأول ، وبعد:

فإني لما طالعت كتب التاريخ واجتمعت عندي منه رقائع جليلة.

تاقت نفسي إلى جمع تأليف جليل في أخبار وهران ، ومخزنها القساور

٥١

(كذا) الذين بهم فاقت ما عداها من المدون (كذا) فهم أهل الخصائل الجميلة. فجمعته بحمد الله تعالى في كتاب جليل الفرائد ورتبته بإذن الله تعالى على خمسة مقاصد :

ـ المقصد الأول : فيمن بنا (كذا) وهران وأي وقت بنيت فيه ، ووصفها بالتعريف.

ـ المقصد الثاني : في ذكر بعض أوليائها بحسب الاستطاعة والتعرض بالذكر إلى من هو منهم شريف.

ـ المقصد الثالث : في ذكر بعض علمائها من حين بنيت للآن (كذا).

المقصد الرابع : في ذكر دولها على سبيل الترتيب من حين بنيت إلى هذا الزمان. وما أذكره من غيرهم (كذا) فذالك (كذا) رغبة في إتمام الفائدة بزيادة البيان.

ـ المقصد الخامس : في ذكر مخزنها وهو عين المراد. والتعرّض إلى سيرته الجميلة التي لا يكون فيها الانتقاد.

وسمّيته :

طلوع سعد السعود في أخبار وهران

ومخزنها الأسود

فأقول : بحسب ما رزقت من نصيب ، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

٥٢

المقصد الأول

فيمن بنى وهران

٥٣
٥٤

/ اعلم أيدني الله وإياك بنوره. ورزقني وإياك خيره ووقاني وإياك من (ص ٤) شروره. أنه لا خلاف في أن وهران بنيت في القرن الثالث من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وإنما الخلاف فيمن بناها والعام الذي بنيت فيه والخليفة الذي بنيت بأمره بالتلزيم (كذا) (١).

فقال الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار على السينية له ، بنتها مغراوة بإذن أمراء الأندلس الأمويين وأن الذي بناها من مغراوة هو خزر بن حفص ابن صولات بن وزمار بن صقلاب بن مغراو بن يصلين بن مسروق بن زاكين ابن ورسيخ بن جانا ابن زنات. وكان صقلاب في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأن الخليفة الأموي الذي أمر ببنائها هو عبد الرحمان بن الحاكم (كذا) بن هشام بن عبد الرحمان الداخل الخليفة بالأندلس ا ه. بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى (٢).

فيفهم من أنها بنيت في وسط القرن الثالث لأن عبد الرحمان بن الحاكم

__________________

(١) عن التاريخ الذي بنيت فيه مدينة وهران ، والأقوال التي وردت في ذلك ، انظر كتابنا : وهران ، (الجزائر ١٩٨٥) ص ٥ ـ ٣٢.

(٢) محمد بن أحمد بن عبد القادر الراشدي المعروف بأبي راس الناصر ، ولد عام ١١٥٠ ه‍ (١٧٣٧ م) بقلعة بني راشد قرب مدينة معسكر بالغرب الجزائري ، وتنقل في صغره بين مسقط رأسه ، ومتيجة ، وتنس ، والمغرب الأقصى. وحفظ القرآن الكريم ، واستوعب العلوم العربية الإسلامية على علماء وفقهاء عصره ، وعلى رأسهم الشيخ عبد القادر المشرفي. ثم تصدى للتدريس ، والإفتاء في مدينة معسكر زهاء ست وثلاثين عاما ، وتولى مناصب القضاء ، والإفتاء ، وحج مرتين ، واشتهر بالحافظ لغزارة علمه ، وكتب وألف في مختلف الأغراض والفنون ، شعرا ونثرا ، وخلف مائة وستة وثلاثين مخطوطة ، (١٣٦) ، بين طويلة وقصيرة ، بعضها موجود ، والبعض مفقود ، وتوفي يوم ١٥ شعبان ١٢٣٨ ه‍ ، (١٧ أبريل ١٨٢٣ م). وترجم له عديدون ، أمثال : د. أبو القاسم سعد الله : مؤرخ جزائري معاصر للجبرتي. أبو راس ـ

٥٥

(كذا) تول سنة ست ومائتين وتوفي في ربيع الأخير سنة ثمان وثلاثين ومائتين كما في المختصر لأبي الفداء صاحب حماة (١) وهذا القول لا يوافق بوجه ولا حال. وذكر الحافظ أبو زيد عبد الرحمن الجامعي في شرحه لرجز الحلفاوي أنها بنتها مغراوة في أيامهم وأطلق (٢). وقال الحفّاظ الخمسة وهم : محمد بن يوسف (ص ٥) القيراوني والبكري / وابن خلكان ، والرشاطي ، والصفدي (٣) كل في تاريخه أن الذي بناها محمد بن أبي عون ، ومحمد بن عبدون ، وجماعة من الأندلسيين البحريين الذين ينتجعون مرسى وهران مع نفزة وبني «مسقن» وهم بنو مسرقين من أزديجة ، وكانوا أصحاب القرشي وهو الخليفة الأموي بالأندلس وذلك سنة تسعين ومائتين.

وقال الحافظ أبو راس في كتابيه : عجائب الأخبار ، والخبر المعرب ، على

__________________

ـ الناصري ، مجلة تاريخ وحضارة المغرب ، عدد ١٢ (الجزائر ـ ١٩٧٤) ص ٢٢ وما بعدها. وكذلك في كتابه: أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر ، وتاريخ الجزائر الثقافي ج ٢. والشيخ عبد الرحمن الجيلالي : تاريخ الجزائر العام ج ٤. ط ٤. (الجزائر ـ ١٩٨٢ م). ومحمد سي يوسف : دراسة مخطوط عجائب الأسفار ولطائف الأخبار لأبي راس الناصري. مجلة الدراسات التاريخية. عدد ٢ (الجزائر ـ ١٩٨٦) ص ١٣٤ ـ ١٥٥.

(١) سنة ٢٠٦ ه‍ يوافقها مسيحيا : جوان ٨٢١ ـ ماي ٨٢٢ م. وشهر ربيع الأخير لعام ٢٣٨ ه‍ يوافقه : ٢٠ سبتمبر ـ ١٨ أكتوبر ـ ٨٥٢ م ، وأبو الفؤاد عماد الدين إسماعيل المؤيد (١٢٧٣ ـ ١٣٣١ م) صاحب حماة ، من علماء الجغرافيا العرب ، ألّف كتاب : تقويم البلدان ، وكتاب : المختصر في تاريخ البشر. وهو الكتاب الذي أشار له صاحب المخطوط.

(٢) أبو زيد عبد الرحمن الجامعي الفاسي ، رحالة مغربي تنقل في الجزائر وبلدان المغرب ، وأعجب برجز شيخه أبي عبد الله محمد بن أحمد الحلفاوي مفتي تلمسان الذي نظمه في أحداث الفتح الأول لمدينة وهران عام ١١١٩ ه‍ (١٧٠٧ ـ ١٧٠٨ م) فطلب منه شيخه أن يشرحه نثرا وعدد أبياته ٧٢ بيتا شعريا فشرحها وأضاف إليها معلومات عن السلطان العثماني أحمد الأول (١٧٠٣ ـ ١٧٣٣ م) الذي تم في عهده هذا الفتح ، فأصبح هذا الشرح مع الرجز من أهم المصادر عن هذا الفتح ، وما يزال مخطوطا ، وتوجد نسخة من هذا الرجز في مكتبة المتحف بميدنة وهران ، وللجامعي هذا ، رحلة سماها : التاريخ المشرق الجامع ليواقيت المغرب والمشرق.

(٣) أبو عبد الله البكري جغرافي أندلسي توفي بقرطبة عام ٤٩٠ ه‍ (١٠٩٧ م) له كتاب : المسالك والممالك ، وصف فيه البلدان التي يعرفها المسلمون في القرن ١١ م. ومنه أخذ القسم الذي ـ

٥٦

السينية أن الذي بناها هو خزر بن حفص المار ، وأن الذي أمره ببنائها هو الخليفة الأموي بالأندلس أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحاكم (كذا) ابن هشام بن عبد الرحمن الداخل وذلك سنة تسعين ومائتين وقيل إحدى وتسعين وقيل اثنين وتسعين ا ه (١) والصحيح من هذه الأقوال التي ذكرها الحافظ في كتابيه ، الأول ، لكون الخليفة المذكور تولى سنة خمس وسبعين ومائتين وتوفي في ربيع الأول سنة ثلاثمائة (٢) كما في مختصر أبي الفداء صاحب حماة. وقد بناها قبل وفاته بعشرة أعوام كما في دليل الحيران وأنيس السهران ، في أخبار مدينة وهران (٣) وإلى من بناها ووقت بنائها أشار الحافظ أبو راس في سينيته التي تسمى بالحلل السندسية ويقال لها إنها نفيسة الجمان بقوله :

/ بنتها مغراوة بإذن مواليهم

الأمويين أمراء أندلس

(ص ٥) ثالث قرن خزر منهم قد أسسها

وملكهم في غاية العز والشمس

__________________

ـ أصبح يعرف باسم : «المغرب في ذكر بلاد إفريقيا والمغرب». طبعة دي سلان (باريس ـ ١٩١١ م). وابن خلكان أحمد البرمكي الأربيلي (١٢١١ ـ ١٢٨١ م) مؤرخ كبير تعلم ودرس في حلب ، ودمشق ، والقاهرة ، وتولى القضاء والتدريس. ومن مؤلفاته : وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، في التراجم والآداب العربية. والصفدي صلاح الدين خليل (١٢٦٢ ـ ١٣٦٢ م) الذي يعرف بالصلاح الصفدي ، ولد بصفد وتعلم بها ، وتولى رئاسة ديوان الإنشاء في صفد ، والقاهرة ، وحلب ، وقيل إنه ألف ٥٠٠ مجلدا منها : الوافي بالوفيات ، الذي هو قاموس تراجم من ٣٠ جزءا. أما محمد بن يوسف القيرواني فلم نعرف ترجمته والرشاطي هو أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله الرشاطي. ولد عام ٤٦٦ ه‍ (١٠٧٣ ـ ١٠٧٤ م) بقرية من أعمال مرسية الأندلسية يقال لها : أوريوالة. وتوفي شهيدا بالمرية عام ٥٤٢ ه‍ (١١٤٧ ـ ١١٤٨ م) كما في وفيات الأعيان ج ١. ص ٣٣٧. وفي نفح الطيب ج ٤ ص ٤٦٢.

(١) سنة ٢٩٠ ه‍ يوافقها : ديسمبر ٩٠٢ ـ نوفمبر ٩٠٣ م. وسنة ٢٩١ ه‍ يوافقها : نوفمبر ٩٠٣ ـ نوفمبر ٩٠٤ م. وسنة ٢٩٢ ه‍ يوافقها : نوفمبر ٩٠٤ ـ نوفمبر ٩٠٥ م. والحقيقة أن هذا التاريخ يمثل المرحلة الثانية من تاريخ وهران ، لأن المدينة قديمة جدا ، تعود نواتها إلى عهد الفينيقيين ، وتمثل قرية إيفري نواتها الأولى عند البعض ، انظر كتابنا : وهران. ص ٥ ـ ٣٢.

(٢) سنة ٢٧٥ ه‍ يوافقها : ماي ٨٨٨ ـ ماي ٨٨٩ م. وربيع الأول عام ٣٠٠ ه‍ يوافقه : ١٦ أكتوبر ـ ١٤ نوفمبر ٩١٢ م.

(٣) للشيخ محمد بن يوسف الزياني. وقد حققه وطبعه الشيخ المهدي البو عبدلي عام ١٩٧٨ م.

٥٧

وقال في وصفها والتعريف لها الشريف الحسني الرباني ، شيخنا العلامة الحافظ السيد محمد بن يوسف الزياني ، في تاريخه : دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران ـ في الفصل الأول منه ما نصه بطوله : اعلم أن وهران بفتح الواو ، وكما لابن خلكان في كتابه : وفيات الأعيان ، وأنباء أبناء الزمان ، والحافظ أبي راس في كتبه : عجائب الأخبار ، وعجائب الأسفار ، والخبر المعرب ، وروضة السلوان ، لا بكسرها وغلط من كسرها. هي مدينة من مدن المغرب الأوسط بساحل البحر الرومي (١) عظيمة ، ذات مساحة وفخامة جسيمة ، وبساتين وأشجار ، ومياه عذبة وأطيار ، وحبوب عديدة ، وفواكه وخضر جديدة ، وبروج مشيّدة وقصور معددة ، من طبقتين فأعلا (كذا) ببناء التحكيم ، وأرحية ماء ونار وريح وطحونات (كذا) وسور فخيم (كذا) ، وفنادق وحمامات ، وشوارع ورياضات ، ومدافع وأبراج ، ومنافذ ، وسبل فجاج ، وأتكية ، وغنى لكل محتاج ، (ص ٧) متبحرة في العمران ، وسارت بأخبارها لكل ناحية الركبان ، معدودة / من أمصار المغرب التي عن نفسها تدافع ولا تدافع ، ومن أحسن معاقله التي تطاع ولا تنازع ، مقصودة للعلماء والتجار وسائر أرباب البضائع ، لها صيت بالمغرب والمشرق وسائر الآفاق ، وقد ذكرها صاحب الدرر المكنونة المازونية في نوازل الطلاق (٢) ، وجاءت لها الملوك من أقاصي الأقطار ، وتزاحمت عليها لنيل الأوطار ورحل لسكانها الأخيار والأشرار ، والعبيد والأحرار ، والمسلمون والكفار ، فكانت مفتخمة (كذا) على غيرها من المدون (كذا). بمخزنها السادات الأسود ، أهل العناية والشجاعة والعطاء الممدود والحياء ، والرياسة ، والبسالة والسياسة ، مقصودة للعفات (كذا) والوجود ، والعساكر والجيوش والحشود. مؤسسة في أسفل جبل

__________________

(١) يقصد بالبحر الرومي : البحر الأبيض المتوسط ، وكانت تطلق عليه هذه التسمية في العهود القديمة خلال السيطرة الرومانية على بلدان الشمال الإفريقي ، أما اليوم فلا.

(٢) يقصد بذلك كتاب : الدرر المكنونة في نوازل مازونة. لمؤلفه : يحيى بن أبي عمران موسى ابن عيسى بن يحيى المغيلي المازوني ، الذي تولى القضاء بمازونة ، وكان فقيها علامة ، اعتمد في كتابه على فتاوى المتأخرين من علماء تونس ، وبجاية والجزائر ، وتلمسان. وعليه اعتمد كل من أحمد الونشريسي في كتابه : المعيار ، والبرزلي في نوازله. توفي يحيى المازوني بتلمسان عام ٨٨٣ ه‍ (١٤٧٨ ـ ١٤٧٩ م).

٥٨

هيدور الأشم (١) ، الذي اختط الإسبانيون بقمته بالبناء الأحكم ، برج مرجاج (كذا) الشامخ العتيد ، وقطب رحا حربها الشديد ، الصعب المسلك البعيد المدرك ، الضيق الفجاج ، المشرف على المدينة والمرسى والأبراج ، الذي غص منه الجو في الصعود ، وعاد يلمس بيده الأفلاك بالقعود ، ذهب في السماء بفروعه وكلاكله ، وملأ الجو بقرونه وهياكله ، ونظّم النجوم في مفرقه واستوى كالملك في جلسته وترقية ومرتفقه ، وترفع بمروط (كذا) السحاب ، فضرب بينه وبين الناس بحجاب ، رعده / صوت المدافع ، وبرقة شعلتها التي ليس لها مدافع ، كأن (ص ٨) الرياح آوت (كذا) إلى جوه بإذنه ، وأصغا (كذا) لها ملاقيا إلى حيز السماء بأذنيه وأطل على البحر بشماريخه وجعله يحاكي معاني تواريخه ، واستدبر البر بظهره ، وأناخ سائر الجبال بمنيعه وحجره ، حتى صارت جبال قيزة ، وبنى مخوخ ، وتاسالة ، تبايعه وله تنوخ ، وتسمى باسم الرجل الذي كان به من غير مناكث ، وهل هو الرجل الزناتي ، أو الإسبنيولي ، أو الحمياني؟ أقوال ، أصحها الثالث (٢) وطال ما ارتفع للسماء جبل كهر ، فانخفض له وبعلوه عليه أقر ، تراه وأنت أسفله كأنه في الجو قلامة ، في قنّة غمامة أو باز أو عقاب ، على ظهر سحاب ، وقد قال في وصفه بعض الفصحاء في ملحون :

سلوا عليه مرجاج ليس أهيانا

وامراقب البحر وأبراج تلمسان

شيخ الجبال عالي يا فطانا

كل الجبال خرّت له سجدان

ولما دخلها ابن خميس أحد العلماء الكبار ، والفقهاء السادات الأخيار ، في آخر القرن الرابع ، وقعت منه كل موقع بعد ما دخل الجزائر في الخبر الشائع ، وكانت الجزائر إذ ذاك قريبة عهد بالبناء والتمدين ، فقال : أعجبني بالمغرب

__________________

(١) أسست مدينة وهران على السفح الشرقي للجبل الذي يحمل عدة أسماء منها : هيدور ، وهو اسم لعالم لا نعرف عنه شيئا حاليا ، ومرجاجو ، وهو اسم لشخص كذلك كما سيأتي. والمائدة وهي صفة لقمته المنبسطة على شكل مائدة. كما يحمل اسم : جبل سيدي عبد القادر.

(٢) البرج الذي يتحدث عنه ما يزال قائما وشامخا حتى اليوم على القمة الشرقية الصغيرة المفصولة بمنخفض عن القمة الكبرى الغربية ، ويسمى حاليا برج سانتاكروز وهو يتألف من ثلاثة أقسام كبرى ، كان مزودا في عهد الإسبان بثلاثمائة مدفع ، وهناك خلاف حول اسم ـ

٥٩

مدينتان بثغرين : وهران خزر وجزاير بلكّين (١). وكيف لا تكون من ذخائر النفائش ، وهي أول مدينة ملكها عبد المؤمن بن علي الكومي الموحّدي سنة تسع وثلاثين من القرن السادس (٢) ولو رءا (كذا) بناءها صاحب تاريخ مصر (ص ٩) والقاهرة ، / لعده من أعجوبات البناء التي ذكرها في كتابه : حسن المحاضرة (٣) ،

__________________

ـ مرجاجو : هل هو اسم لرجل زناتي ، أو للرجل الاسباني الذي أشرف على بناء الحصن ، أو للشيخ الحمياني الذي ساعد الاسبان على بنائه ، وهو رأي صاحب المخطوط. وكان هذا الشيخ الحمياني قد أمر رجال قومه الحميانيين أن يتجندوا جميعا ويحملوا الماء في قربهم وعلى أكتافهم إلى البنائين في قمة الجبل. ولذلك هجاهم أحد شعراء الملحون وقال :

لا تكب الماء من قربة

لمن يقول أنا حمياني

ادفع الكلب مع ربيبه

وقل قلبه ما زال نصراني

وقال آخر :

قيزة وشافع وحميان

جارهم ما يتهنّى وميتهم ما يدخل جنّة

وقد تم بناء هذا البرج وهذه القلعة الضخمة عام ١٥٦٧ م ، وزرته بنفسي عام ١٩٨١ مع وفد من صحافي جريدة الجمهورية ، وقد وضعت له السلطات المحلية حاليا أضواء كاشفة في الليل بحيث يراه القريب والبعيد ، انظر كتابنا : وهران. ص ١٥٥ ـ ١٥٦.

(١) أبو عبد الله محمد بن عمر بن خميس التلمساني ولد عام ٥٦٠ ه‍ (١٢٥٢ م) ونبغ منذ صغره في الأدب ، والحكمة ، والتاريخ ، وقول الشعر ، حتى لقب بشيخ الأدباء ، ولاه السلطان الزياني أبو سعيد بن يغمراسن رئاسة ديوان الإنشاء ، وأمانة السرّ ، وتجول في أقطار المغرب وعواصمها ، وتراسل مع عدد من الشعراء ، والعلماء ، والقضاة والأمراء ، ثم ذهب إلى غرناطة عام ٧٠٣ ه‍ (١٣٠٤ م) وضم إلى مجلس الوزير ، واغتيل هناك ضحوة عيد الفطر لعام ٧٠٨ ه‍ (١٤ مارس ١٣٠٩ م) على يد علي بن نصر الأبكم إثر الانقلاب الذي حصل على الأمير ، وقيل إن قتله كان خطأ.

(٢) سنة ٥٣٩ ه‍ يوافقها : (جويلية ١١٤٤ ـ جوان ١١٤٥ م). وسيطر عبد المؤمن على مدينة وهران عام ١١٤٥ م. وسوف تأتي ترجمته عند الحديث عن دولته في المقصد الرابع.

(٣) يقصد به جلال الدين السيوطي (١٤٤٥ ـ ١٥٠٥ م) الذي ولد بالقاهرة ونبغ في التفسير ، والحديث ، والفقه ، وعلوم اللغة ، وتجول في الشام ، والحجاز ، واليمن ، والهند ، وبلدان المغرب ، وإفريقيا ما وراء الصحراء ، وألف على ما قيل أكثر من ٥٠٠ كتابا منها : طبقات الحفاظ. وطبقات المفسرين ، وحسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ، وتحاور شعرا مع العالم التلمساني محمد بن عبد الكريم المغيلي حول المنطق اليوناني ، وذلك خلال تواجدهما في بلاد التكرور بنيجيريا أواخر القرن الخامس عشر الميلادي.

٦٠