طلوع سعد السّعود - ج ١

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ١

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

الفرانسيس سنة ست وعشرين من القرن الثالث عشر (١) ثم برشلونة وهي ذات مرسى كبيرة على البحر الأوسط من أكبر مراسي إسبانيا وأخص مراسي البحر الأوسط. ثم بلنسية ثم إشبيلية ثم مالقة ثم سرقسطة ثم قادس ويقال لها قالس باللّام بدل الدال وهي على البحر المحيط المغربي ولها مرسي عظيمة حصينة. وقد استولى عليها الفرانسيس سنة أربعين (٢) من القرن الثاني عشر / ثم غرناطة ، (ص ١٤١) وكانت قاعدة أحد ملوك الإسلام ، ثم السهلة ، وشاطبة ، وشريش ، وطليطلة ، وروندة ، وطرطوشة ، وقرطبة ، وطريف ، وميورقة ، ومنورقة ، ويابسة (٣) ، وبطليوس ، وقطلان ، وصقلية ، وهي سلسلة وغيرهم. وبها جبال كثيرة أكبرها جبل بريني ثم سيارنقادا ، ثم سياربونيل ، ثم سياركوادلوب ، ثم جبال الأستورية ، ثم جبال طليطلة.

وبها أودية كثيرة أكبرها نهر إبرة ، ثم دوروا ، ثم ناغوا ، ثم مينوا ، ثم الواد الكبر ، ثم كراديانا.

أنهار الشمال الإفريقي والعالم

وأما هذه العدوة وغيرها (٤) فقال الحافظ أبو راس في الشماريخ ، ونهر المغرب الأقصى وادي الربيع ويمتنع عبوره أيام الأمطار فتنظره داخلا في البحر المغربي نحو السبعين ميلا عند أزمّور ومنبعه من جبال درن. وينبع منها نهر آخر ببلاد درعة إلى أن يغوص في الرمال قبلة سوس الأقصى. ونهر ملوية منبعه من جبال قبلة تازة ويصبّ في البحر الرومي عند غسّاسة. ونهر المغرب الأوسط شلف وهو لبني واتيل ويقال لهم بنوا واطيل منبعه من جبال راشد وهو جبل العمور ويدخل إلى التل من بلاد حصين ثم يمر إلى أن يصبّ في البحر الرومي

__________________

(١) الموافق ١٨١١ ـ ١٨١٢ م.

(٢) الموافق ١٧٢٧ ـ ١٧٢٨ م.

(٣) اعتبر كلا من صقلية ، وميوقة ، ومينورقة ، ويابسة ، مدنا وهي جزر.

(٤) من هنا إلى نهاية صفحة ١٤٣ استطراد خارج عن موضوع إسبانيا وفيه كثير من المبالغات البعيدة عن الحقيقة.

٢٠١

ما بين كلميتوا وجبل عياشة أحد بطون مغراوة. ونهر المغرب الأدنا مجردة يصب في البحر الرومي عند بنزرت على مرحلة من تونس. ثم قال صاحب بهجة الناظرين وآية المستدلين ، أن عدد أنهار الدنيا الكبار مائتان وسبعون نهرا. وعدد العيون الكبار مائتان وثلاثون عينا وهي في الأرض كالعرق في البدن. وقال صاحب الخريدة أنّ بهذا الرّبع المسكون مائتي نهر كل نهر منها طوله خمسون فرسخا إلى ألف فرسخ. فمنها ما يجري من المشرق إلى المغرب وعكسه ومنها ما يجري من الشمال إلى الجنوب وعكسه وكلها تنبع من الجبال وتصب في البحر. فمن الأنهار العظيمة بالمشرق النيل ، والفرات ، والدجلة ، وسيحون ، وجيحون ، وأن النيل المبارك ليس في الدنيا أطول منه لأنه مسيرة شهرين في الإسلام ، وشهرين في الكفر ، وشهرين في البرية ، وأربعة أشهر في الخراب ، (ص ١٤٢) / ومخرجه من جبل القمر خط الاستواء. وسمي بذلك لأن القمر لا يطلع على ذلك الجبل أصلا لخروجه عن الخطّ ، وميله عن نوره وضوئه ، فيخرج من بحر الظلمات من تحت جبل القمر وأنه ينبع من اثنتا عشرة عينا ، وقيل مبدؤه من خلف خط الاستواء بإحدى عشر درجة. وذهب بعضهم إلى أن مجراه من جبال الثلج وهي بجبل قاف. وأنه يخترق البحر الأخضر بقدرة الله تعالى ويمرّ على معادن الذهب والياقوت فيسير ما شاء الله إلى أن يأتي لبحيرة الزنج. قال حاكيه ولو لا دخوله في البحر المالح واختلاطه به لما كان يستطاع أن يشرب منه لشدة حلاوته وأنّ الله تعالى سخر للنيل كل نهر على وجه الأرض في المشرق والمغرب وذلّله له فإذا أراد الله تعالى أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده فإذا انتهى جريه إلى ما قدّره الله تعالى أمر كل نهر أن يجري إلى عنصره. ومصداق هذا أنك ترى النيل مخالفا لكل نهر على وجه الأرض لأنه يزيد إذا نقصت وينقص إذا زادت لأنها تمدّه بما بها والله أعلم. قال صاحب الخريدة وقد حملت الشياطين مقرس الأول وهو عبقام إلى هذا الجبل فرأى النيل كيف يخرج من البحر الأسود ومن تحت جبل القصر فبنا (كذا) في صفح (كذا) ذلك الجبل قصرا فيه خمس وثمانون تمثالا من نحاس جعلها جامعة لما يخرج من هذا الماء من هذا الجبل بقدر مصاب في أحكام مديدة يجري الماء منه إلى تلك التماثيل فيخرج من حلوقها على قياس معلوم وأذرع قدرها ثمانية عشر ذرعا في كل ذراع

٢٠٢

اثنان وثلاثون أصبعا والزائد يغيض إلى الرمال ثم يصب إلى أنهار فيصل لبطحتين ويخرج منهما للبطحة المجمعة فيشق جبالها المعترضة ويخرج نحو الشمال مغربا فيخرج منه نهر واحد ويفترق في أرض النوبة فتصب منه فرقة إلى أقصى المغرب والأخرى إلى مصر منحدرا منها إلى أسوان ثم ينقسم في صحاري البلاد على أربعة فرق كل فرقة إلى ناحية ثم يصب في بحر الإسكندرية. وأن رجلا من ولد العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه‌السلام يسمى حايد لما دخل مصر ورأى عجائبهاءالا (كذا) على نفسه أن لا يفارق النيل إلى منتهاه أو يموت فسار ثلاثين / سنة في العمران ومثلها في الخراب حتى انتهى إلى بحر أخضر فرأى النيل يشقّه (ص ١٤٣) فركب به دابة سخرها الله له وعدت زمانا فوقع في أرض حديد جبالها وأشجارها حديدا ثم أخرى نحاسا جبالها وأشجارها كذلك ، ثم على ثالثة فضة جبالها وأشجارها فضّة ، ثم رابعة ذهبا جبالها وأشجارها كذلك ، ثم انتهى إلى سور متّسع من ذهب وفيه قبّة عالية من ذهب لها أربعة أبواب : ثلاثة تغيض في الأرض وهي سيحون ، وحيحون ، والفرات ، والرابع يجري على الأرض وهو النّيل وأنه أتاه ملك حسن الهيئة فسلم عليه وقال له هذه الجنة سيأتيك رزقك منها فلا تؤثر عليه شيئا من الدنيا فبينما هو في ذلك إذ أتاه عنقود عنب له ثلاثة ألوان أحدها كاللؤلؤ ، والثاني كالزبرجد الأخضر ، والثالث كالياقوت الأحمر ، فقال له الملك يا حايد هذا من حصرم الجنة فأخذه ورجع فوجد شيخا تحت شجرة تفاح فحدّثه وأنّسه وقال له يا حايد خذا هذا التفاح وكله فقال إن معي طعاما أغناني عن تفاحك فقال صدقت إني أعلم به وبمن أتاك به وهو أخي وهذا من الجنة أيضا ولم يزل به الشيخ إلى أن أكل منه وحين عضّ على التفاحة رأى الملك يعضّ على أصبعه ويقول له أتعرف هذا هو الذي أخرج أباك من الجنة ولو قنعت بالعنقود لأكل منه أهل الدنيا ولم ينفذ وهو الآن مجهودك إلى مكانك فبكى حايد وندم وسار حتى دخل مصر وصار يحدّث بما رأى في سفره من العجائب. ه.

جبال العالم

وجملة جبال الأرض سبعمائة وتسعون جبلا وكلها طويلة عظيمة وارتفع عليها جبل بالشام باثنا عشر ميلا. وإلى عدد هذه الجبال وارتفاعها وارتفاع جبل

٢٠٣

الشام عليها أشار الشيخ : أبو زكرياء يحيى بن سعيد السوسي ، ثم السملالي ، في رجزه : خبر الزمان بقوله :

وعن مقاتل فلما دوّرت

الأرض بالجبال حيث ثبتت

كانت على الماء تميد دائرة

إلى اليمين والشمال سائره

فسلّط الريح على الماء يضربه

حتى أعاد زبده ولعبه

فأمر عزوجل رجعت

جميع موجه جبالا جمدت

١٤٤) / عدّتها خاء كذا يقال

قاف وظاء بعدها مشال

إلى أن قال :

جبال الأرض كلها طول عظام

وجبل بالشام من فوقها قام

زاد عليها يا أخي للأعلا

وطوله عنها بييا ميلا

موقع إسبانيا والأقاليم الأرضية

ومحل إسبانيا من مماليك أوربا هو الجزء الثامن عشر وذلك أن الأقدمين من أهل الجغرافية كالإدريسي قسموا معمور الأرض إلى سبعة أقسام وسموها أقاليم جمع إقليم ، كل إقليم بكسر الهمزة كقنديل فيه سبعمائة فرسخ في سبعمائة فرسخ من غير أن يدخل ذلك جبل ولا واد. والبحر الأعظم محيط بذلك كله ويحيط به جبل قاف. نصّ عليه ابن الجوزي ، ونقله عنه الشيخ إبراهيم الشبرخيتي في شرحه المختصر الشيخ خليل المالكي في باب الجهاد منه لدى قوله كتأمين غيره إقليما فجعلوا السند والهند إقليما واحدا ، والحجاز إقليما ، ومصر بشامه وغربه إقليما واحدا ، لاتحاد دينه وميقاته ، وبابل إقليما ، والروم إقليما ، وأضاف له بعضهم الشام والترك وياجوج وماجوج إقليما واحدا والصين إقليم ، وأضاف له بعضهم ما ولاها من ياجوج وماجوج. وأن المتأخرين منهم ، ومنهم النصارى ، قسموه إلى خمسة أقسام أصلية وهي : أوربا ، وآسيا ، وإفريقيا ، وأمريكا ؛ وجزائر أوقيانوسيا ، فأما أوربا فجزؤها على ثمانية عشر مملكة ، فمنها ثلاثة في شمالها وهي جزائر الإنكليز ، ومملكة سويد ، مع نرفيج ، ومملكة دينرمك ، ومنها واحدة في شرقها وهي الموسك. ومنها ستة في وسطها وهي:

٢٠٤

افرانسا ، والبلجيك ، وهلاند ، والممالك المعاهدة ويقال لهم الألمان ، ولتريش وهم النامسة ، وسويس (١). ومنها ثمانية في جنوبها وهي : إسبانيا ، وبرتقال ، وطليان ، ومملكة القريق ، وهم اليونان ، ونصف مملكة الترك ، والرملي ، والسّرب ، والجبل الأسود. وهذا القسم هو الصغير بالنسبة للأربعة الباقية. وأما إيسيّا (٢) فجزؤها على تسعة مماليك وهي : بلاد سبري ، ونصف مملكة الترك أيضا ، وبلاد / التتار ، ومملكة العجم ، وأرض الصين ، وأرض يافون ، وبلاد (ص ١٤٥) الهند ، وبلاد السند ، وجزير العرب. وأما إفريقيا فجزؤها على ستة مماليك وهي : مملكة مراكش ، وبر الجزائر ، ومملكة تونس ، ومملكة طرابلس ، ومملكة مصر ، وبلاد الصحراء. وأما أمريكا فإنها شمالية وجنوبية فالشمالية جزؤها إلى أربعة مماليك وهي : أمريكا المسكوبية وبيرثانيا الجديدة ، وبلاد الليتانوزي ، وبلاد المكسيك. والجنوبية جزؤها إلى ثلاثة مماليك وهي : بلاد قلوسبيا ، وبلاد بير ، ومملكة بريزيل. وأما جزائر أوقيانوسيا فإنها لا تضبط كغيرها لكثرة جزائرها ، وفي كل من هذه الأقسام عدّة حصن ، وقرى ، ومدن ، وشعاب وأودية ممتدين بين أوربا وإفريقيا وأمريكا. والبحر المحيط الأكبر وهو ممتد بين آسيا وأمريكا والبحر المحيط الهندي وهو ممتد بين إفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا.

محيط الدائرة الأرضية

وحاصله أن دور الأرض في كتب الأوائل أربعة وعشرون وألف ميل ولما بلغ المأمون العباسي ذلك أراد تحقيقه أمر بني موسى الذين ينسب إليهم جبل بني موسى المشهورين وهم محمد بن موسى ابن شاكر وأخواه أحمد والحسين وكان لهم همم عالية في تحصيل العلوم القديمة وكان الغالب عليهم الهندسة ، والحيل ، والموسيقى بتحرير ذلك فسألوا عن الأراضي المتساوية فأخبروا بصحراء سنجار ووطأة الكوفة فأرسل معهم المأمون جماعة يثق إلى أقوالهم فساروا إلى

__________________

(١) يقصد بلاد سويسرا ، والنمسا.

(٢) يقصد قارة آسيا.

٢٠٥

صحراء سنجار وحققوا ارتفاع القطب الشمالي وضربوا هناك وتدا وربطوا فيه حبلا طويلا ومشوا إلى الجهة الشمالية على الاستواء من غير انحراف حسب الإمكان وبقي كلما فرغ حبل نصبوا في الأرض وتدا آخر وربطوا فيه حبلا آخر كفعلهم الأول حتى انتهوا كذلك إلى موضع قد زاد فيه ارتفاع القطب الشمالي المذكور درجة محققة ومسحوا ذلك القدر فكان ستة وستين ميلا وثلثي ميل ثم وقفوا عند موقفهم الأول وربطوا في الوتد حبلا ومشوا إلى جهة الجنوب من غير (ص ١٤٦) انحراف وفعلوا ما شرحناه / حتى انتهوا إلى موضع قد انحطّ فيه ارتفاع القطب الشمالي درجة ومسحوا ذلك القدر فكان ستة وستين ميلا وثلثي ميل ثم عادوا إلى المأمون وأخبروه بذلك فأراد المأمون تحقيق ذلك في موضع آخر فسيّرهم إلى أرض الكوفة فساروا إليها وفعلوا كما فعلوا في أرض سنجار فوافق الحسابات وعادوا إلى المأمون فتحقق صحة ذلك وصحة ما نقل من كتب الأوائل لمطابقة ما اعتبره ثم ضربوا الأميال المذكورة في ثلاثمائة وستين وهي درج الفلك فكان الحاصل أربعة وعشرين ألف ميل وهو دور الأرض. قال أبو الفدا أقول كذا نقله ابن خلكان ونقل غيره من المؤرخين أن الذي وجد في أيام المأمون لحصة الدرجة الستة وستون ميلا وثلثا ميل وهو غير صحيح فإن ذلك هو حصة الدرجة على رأي المتقدمين وأما في أيام المأمون فإنه وجد حصة الدرجة ستة وخمسين ميلا وقد تحقق ذلك في علم الهيئة ه. ثم اقتدى النصارى بذلك في جعلهم لمعرفة مساحة الأرض علامتين أحدهما (كذا) للتحقيق وهي سلسلة الحديد والأخرى للتقريب وهي البوصلة والجبر.

أصل الإسبان

وأعلم أنه لا خلاف في أن الإسبانيين من ولد يافث بن نوح عليه‌السلام. وإنما الخلاف في كونهم من ولد يافث لصلبه أو من ولد حفيده وهل هم إخوة الفرنج أو من الروم. فقال الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار ، والإسبانيون هؤلاء من الليطنيين (١) وهم الكتيم وكانوا من أعظم ملوك العالم. وقال أيضا في

__________________

(١) يقصد اللاتينيين.

٢٠٦

الشماريخ والليطنيون من ولد ليطن بن يونان. وقال في موضع آخر منه أن الليطنّيين وهم الكتيم المعروفون بالروم من بني يونان. وقال في موضع آخر أيضا منه والمحققون ينسبون الروم جميعا إلى يونان الإغريقيين ، والليطنيين. ويونان معدود في التورية من ولد يافث لصلبه واسمه فيها ياقمان. وعن البيهقي أن يونان ابن علجان بن يافث ولذا يقال لهم العلوج وأن الشعوب الثلاثة وهم الإغريقيون والليطنيون والعلوج من يونان ، والليطنيون من ولد ليطن بن يونان كما مرّ وأن الإسكندري الرومي منهم ه. وفي الإصحاح العاشر من التورية / أن الليطنيين (ص ١٤٧) وهم الكتّيم من ولد كتّيم بن يونان بن يافث بن نوح. قال شيخنا الزياني في دليل الحيران فأنت ترى أنهم من ولد يافث بلا خلاف وإنما الخلاف في وجه اتصالهم به على ثلاثة أقوال ومرجعها إلى قولين وهما كون يونان ولد يافث لصلبه أو حفيده. والصحيح أنه حفيده ، لأن يافث له اثنا عشر ولدا على الصحيح وهم : كومر ، وياوان ، وماغوغ ، وطوبال ، وماسخ وطيراش ، وماذاي ، وشئويل ، وعلجان ، وأندس ، وست ، وسوس ، وأن الإسبانيين أخوة الفرنج وهم الفرنسيس ، والطليان ، والبرتقال ، لاشتراكهم في اللتانة والكتوليكية وهي اتباعهم للبطرك وهو الباب وضربهم للناقوس واعتكافهم على الأصنام في البيع.

وقال الحافظ أبو راس في عجائب الأخبار ، لا شك أنهم فرقة من الروم لا من الفرنج بدليل ما ذكره شهاب الدين الخفاجي على الشفا من أن كتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي كتبه إلى هرقل عظيم الروم يقال له بالرومية أراقليوش يدعوه للإسلام هو الآن عند ملك طليطلة. وقد أراه لابن الصائغ النحوي لما أوفده عليه سلطان مصر قلاوون ، ثم قال أيضا وقد سمعت أنه عند النامسة (١) المجاورين للموسك ه. ومعلوم أن الإسبانيين هم الذين أخذوا منا طليطلة. وفي الأنيس المطرب أن الناصر بن المنصور لما غزى (كذا) الأندلس بجيش يضيق عنه الفضاء وسمع الفنش (الفونسو) وملوك النصارى بذلك واهتزمت منه ملوك الروم جاءه منهم بيونة لإشبيلية مستسلما خاضعا بهدية عظيمة مقدما بين يديه كتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي كتبه لهرقل عظيم الروم يستشفع به ويعلمه أن الملك عنده

__________________

(١) يقصد النمسا.

٢٠٧

موروث لأكابر عن أكابر وأن هذا الكتاب عندهم يتوارثونه محفوظا مطيبا في حلة خضراء في وسط صندوق من ذهب مملوء مسكا وطيبا تعظيما وإجلالا لحقه ، فقضى له أمير المؤمنين مآربه وذلك سنة سبع وستمائة ه (١). والروم هم بنوا الأصفر وسمّوا بذلك إما لكون جدهم اسمه الأصفر أو لأنه كان أصفر اللون أو لأنه كان بخديه خاصة صفورة ، أقوال ثلاثة. وكان اجتماع الإسبانيين على ملك واحد سنة ثمان وثمانين وثمانمائة من الهجرة (٢).

قائمة ملوك الإسبان

وأول ملوكهم المجتمعة عليه تلك السنة فردنند وزوجته إيزابيلة مشتركين (ص ١٤٨) في المملكة / وبقي في الملك خمسا وثلاثين سنة وخلع. ولما استقر في الملك غزى (كذا) غراطة في رجب سنة خمس وتسعين من التاسع (٣) وبها سلطانها أبو عبد الله محمد حسن فنزل بمرجها وأفسد زرعها ورجع ثم جهز لها جيشا عظيما في ثاني عشر جمادى الثانية ست وتسعين منه (٤) فنزل بمرجها أيضا وحاصرها وضيق عليها إلى أن أخذها صلحا على سبعة وستين شرطا وقعت بينه وبين أهلها منها : أن يكون التأمين بجملة الناس ، وأن يكون بقاؤهم في أماكنهم ، وأن يقيموا (كذا) شريعتهم كما كانت ، وأن لا يتعرضوا لها بتغيير ولا استثناء أمور ، وأن تبقى المساجد على حالها ، وأن تبقى الأوقاف على حالها ، وأن تكون الحرية لجميع المسلمين مؤبدة ، وأن لا يدخل نصراني دار مسلم ، وأن لا يغصبوا أحدا ، وأن لا يتولى على المسلمين يهودي ولا نصراني ، وأن يطلقوا جميع أسارى غرناطة ، وأن من هرب من أسارى غيرها لها لا يرد لمالكه بل يأخذ ثمنه من عند السلطان ، وأن من أراد الانتقال لا يمنع ، وأن الذهاب يكون في مدة معينة في مراكب السلطان بلا كراء ، ومن زاول الأجل فيلزمه الكراء مع تعشير ماله ، وأن لا يؤخذ أحد بذنب غيره ، وأنّ من أسلم من النصارى لا يلزم

__________________

(١) الموافق ١٢١٠ ـ ١٢١١ م.

(٢) الموافق ١٤٨٣ ـ ١٤٨٤ م.

(٣) الموافق ١٤٨٩ ـ ١٤٩٠ م.

(٤) الموافق ماي جوان ١٤٩٠ م.

٢٠٨

بالرجوع لذلك الدين ، وأنّ من تنصّر من المسلمين يوقف حتى يظهر حاله ، وأنه لا عقاب على من قتل نصرانيا أيام الحرب ، وأن لا يؤخذ منه ما سلبه منهم أيام العداوة ، وأن لا يكلف المسلم بضيافة أجناد النصارى ، وأنهم لا يزيدون في المقام على العتاد ، وأن ترفع عن المسلمين جميع المظالم ، وأن ترفع عنهم جميع المغارم ، وأن لا يطلع النصراني للسور ، وأن لا يتطلع على دور المسلمين ، وأن لا يستطلع على عوراتهم ، وأن لا يدخل لمساجدهم ، وأن يسير المسلم في بلاد النصارى آمنا من كل شيء ، وأن لا يجعل المسلم علامة كما يجعلها اليهودي ، وأن لا يمنع المؤذن من الأذان ، وأن لا يمنع المصلي من الصلاة ، وأن لا يمنع الصائم من الصيام ، وأن لا يمنع الحاج من الحج ، وأن لا يمنعوا المسلمين من إقامة المواسم ، وأن لا يتعرضوا لهم في النكاح وغيره ، وأنّ من ضحك من النصارى على المسلمين يعاقب ، وأن لا يحجروا عليهم في مقابرهم ، وأن يوافق على كل شرط من الشروط صاحب رومة ، وأن تكون موافقته بخط يده ، وخاتمه معا ، إلى غير ذلك من بقية الشروط. ودخل أهل البشرات في ذلك وكان / دخوله لها في ربيع الأول سنة سبع وتسعين منه (١) وذهب سلطان (ص ١٤٩) غرناطة لفاس بأن خرج على مليلية فاستقر به إلى أن مات وذهب عمه أبو عبد الله محمد الزغلي صاحب إش (كذا) للمغرب الأوسط فخرج على وهران ونزل بتلمسان واستقر بها إلى أن مات وكان خروجها في آخر شوال تلك السنة وصفت الأندلس بأجمعها للنصارى ولا حول ولا قوة إلّا بالله. فكان أول ما أخذوا لنا مدينة طليطلة سنة ثمان وتسعين من الخامس أخذها اذفونش بن فراند بن هراند صلحا من يد الأمير الظاهر من ولد إسماعيل بن عبد الرحمن ناصر الدولة الهواري. وآخر ما أخذوا لنا مدينة غرناطة سنة سبع وتسعين من التاسع وإنا لله وإنّا إليه راجعون. وإلى ذلك أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :

طليطلة هي باكورة فتحهم

من الهواري رجعت لأذفنس

ءاخر ذلك غرناطة حلّ بها

ما لقت شقرة من الويل والركس

من بعد عزّ بني نصر ومواقها

طاغية ينظرهم نظر الشوس

__________________

(١) الموافق جانفي ١٤٩٢ م.

٢٠٩

٢١٠

غزو المرسى الكبير ووهران

ثم جهز جيشا لوهران وغزاها فملك برج مرساها في أول ربيع الثاني سنة إحدى عشر من العاشر (١) قاله الحافظ أبو محمد عبد الله قاضي نهر بني راشد. ولما ملكوها استقروا بها إلى أن تقدموا لوهران فدخلوها في آخر المحرم سنة أربع عشر من العاشر (٢) وهو العام الذي مات فيه صاحب المعيار ، قاله التغريري ، والشيخ أحمد بابا ، والمديوني ، واليفريني ، وقال الحافظان : الصباغ ، وأبو راس ، وغيرهما كان ذلك في صفر سنة خمسة عشر من العاشر ، بمداخلة يهودي غدار للمسلمين وذلك أن اليهود الذين بوهران تحت ذمة المسلمين أتى واحد منهم يقال له زاوي بن كبيسة المعروف بابن زهو بجيش النصارى للمدينة غفلة وأدخلهم لها سرا بالحيلة فقام الجيش لباب المدينة الموالي للمرسى ففتحه ليلا وأخذ العساسين وهما : عيسى بن غريب العريبي ، والغناس بن طاهر العبدلّاوي ، وصار الجيش يدخل ويخرج ونكبوا المسلمين قتلا وسبيا وكان ذلك وقت أبي قلموس الزياني. / وقد عجز عن دفاعهم عجزا كليا وإلى ذلك أشار الحافظ (ص ١٥٠) أبو راس في سينيته بقوله :

خامس عشر من عاشر أناخ بها

الإسبانيون أهل الشرك والرجس

جحافل الكفر قد حموا جوانبها

وعن دفاعهم عجز أبو قلمس

ولما مكنوهم من المدينة شرطوا عليهم برج المرسى فأنزلوهم به وفاء بالعهد وإليهم ينسب برج اليهودي الذي بهيدور وجعلوا لهم الصولة العظيمة التي لا توصف على المسلمين فكانوا يخرجون لبني عامر لقبض الضريبة كالملوك ثم تخيّل منهم النصارى بعد ثمانين سنة ما يكرهونه فأخبروا سلطانهم بذلك فأمرهم بطردهم مخافة أن يفعلوا بهم ما فعلوا بالمسلمين من الخديعة.

__________________

(١) الموافق ٢ أوت ١٥٠٥ م.

(٢) الموافق ٣١ ماي ١٥٠٨ وهو خطأ ، لأن الإسبان احتلوا وهران في ماي ١٥٠٩ م.

٢١١

غارات الإسبان على أحواز وهران

وكان طاغية النصارى بوهران اسمه دك ، ولما استقل قدمه بها صار يشن الغارات على المسلمين إلى أن دخل في طاعته كرشتل ، وبنو زيّان ، والونازرة ، وقيزة ، وغمرة ، وحميان ، وشافع ، وأولاد عبد الله ، وأولاد علي ، وغيرهم من بني عامر ولم يخرج عن طاعتهم من المجاورين لهم بوهران إلّا مخيس والرّفافة المستقرين بين البحر وجبل هيدور مع جبل قيزة. وصار الداخلون في طاعته شيعته الذين ينصرونه ويعتمد عليهم في جلب الأخبار والمسير بهم في الطرق في الليل والنهار. واتخذ منهم الجواسيس الذين يقال لهم المغاطيس ، فقويت شوكته ، واشتدت قوته وتعددت غزواته على الأقربين والأبعدين والأنزلين والأصعدين وخلا له الجوّ إلى أن صارت ملاتة وسيرات من جملة بلاده التي تحت يده وشداده ، يتردد بها في ليله ونهاره. ولا منازع له فيها باضطراره واختياره وتكرّرت غزواته على هبرة والحرب بينه وبينهم سجال ، إلى أن تلاشوا وحل بهم الاضمحلال ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ، وإلى هذا أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :

وعاث دك ببطحتيها مجتلبا

على الإيمان فلم يبل بمفترس

ورجّ أرجاءها لما أحاط بها

فأبدلت شمّ أعلامها بالفطس

(ص ١٥١) / وشحنت بخنزيرهم وصلبانهم

مواضع الإيمان بها ذو توس

كم توليت بها من آية محكمة

فبعد طهرها قد ملئت بالنجس

كأنها ما حوت شمسا ولا قمرا

لم يدر في الناس والعالي من النّدس

خلا له الجوّ فامتدت يداه إلى

إدراك ما لم تنل رجلاه مختلس

عمّرها بعدنا بخبث مالقة

شناضيض كاليعافرة والتيس

وسار سيرته فينا من أعقبه

وكلهم مقتف آرغون وإفرانس

فغزوا هبرة بموضع يقال له يعلوا من جبال سيرات وذلك أن هبرة كانوا نازلين بيعلوا فغزاهم دك بها وتقاتلوا شديدا قتل من الطلابة (كذا) ثلاثون ومقبرتهم بها تسمّى للآن بمقبرة الطلبة بالطريق لأنها اندرست ومن هبرة تسعون شجاعا وانجرح أربعون. ومن إسبنيول ثلاثمائة وانجرح ثلاثون وتركوا ثقالهم وفرّوا هاربين وارتكب هبرة ظهورهم إلى حجار الروم بالجانب البحري من وادي

٢١٢

سيق فرجعوا عنهم. ثم غزوهم بسيدي الأخضر من بلاد حميان فكان القتال بين الفريقين شديدا وصبر لهم هبرة صبر الكرام انجلا الأمر فيه على موت مائتي شجاع من هبرة وانجراح ثلاثين وموت ما يزيد على الستين من السبنيول وانجراح ما يزيد على السبعين. ثم غزوهم بيعلوا ثانيا وكان المصاف أسفل العقبة ونشبت نار الحرب بينهما وقت الضحى فلا ترى إلا رجال هبرة كأنها أسود هائجة في القتال يكرّون عليهم الكرّة الهلالية مرة بعد أخرى وحصلت الدائرة على الإسبنيول وأعان هبرة رجال شداد من بني شقران ومع السبنيول خيول أولاد علي ، وحصلت الهزيمة في الإسبانيين بسبب أولاد علي بعد ما مات من الإسبانيين عدد كثير ومن أولاد علي ما يزيد على الخمسين وركبت هبرة وبنوا شقران أكتافهم إلى وادي سيق وغنم هبرة وبنوا شقران جميع الأثقال وذاع الخبر في ذلك اليوم بفعل هبرة بالسبنيول. ثم غزوهم بعوينت الزيتون من بلد العبيد ، الشراقة خرج لهم من مزغران غفلة / فأثخن فيهم كثيرا ومات منهم ما بين الرجال (ص ١٥٢) والنساء والذراري ما يزيد على السبعمائة فضلا عمن انجرح ، وأخذ لهم النصارى جميع ما وجدوه عندهم من الدواب وغيرها وكان ذلك بإعانة أولاد حمدان من مجاهر فصار عدد هبرة يقل. ثم غزوهم بسيدي مبارك وذلك أن هبرة كانت مفترقة في النزول ما بين سيرات الشرقية والغربية والساحل والجبال ولم يكن منهم إلا البعض من أولاد هدّاج بن هبرة بسيدي مبارك بن بخباخ فصكّهم السبنيول ومعه جيشه من قيزة ، والونازرة ، وغمرة ، وشافع ، وحميان ، وكرشتل ، وبني زيان ، وأولاد عبد الله ، وأولاد علي ، وأحاط بهم إلى أن أسرهم عن آخرهم فبلغ الخبر لأخوتهم فأتوهم مسرعين وحصل القتال بينهم وبين العدو ففكوا جميع الأسارى من يده بعد أن مات من رجالهم في ذلك اليوم ما لا يعدّ وضعف بذلك حالهم ودخلهم التلاشي فذهب السبنيول بغنيمة الأموال ورجع هبرة بأسارى أخوتهم من الصبيان والنساء والرجال. ثم غزوهم بسيدي عبد المؤمن من مزغران وكان خندقا عظيما بالطرفا وغيره فكانت الدائرة لهبرة عليهم ومنحهم الله النصر فقتلوهم مقتلا شنيعا وظفروا بهم وبأموالهم بحيث ناب للواحد من هبرة من النّاضّ (١) ما يزيد على الثلاثين ريالا كبيرا وفضلا عن غيره. ثم غزوهم به ثانيا

__________________

(١) يبدو أن الناض عبارة عن قطع ذهبية ، وفضية ذات قيمة مهمة.

٢١٣

من وهران بأن أتوهم مع الساحل وخرجوا لسيدي عبد الرحمن الصّماش وهبرة في غفلة إلى أن كادوا يصلونهم وهم مفترقون في النزول ولما بلغهم الخبر بغتة فزعوا لسيدي عبد المؤمن بن عبد الرحمن وأعلموه بذلك فقال لهم لا خوف عليكم هم غنيمة لكم. وكان هبرة بشرق وادي هبرة العدوّ بغربه وهو حاجز بينهم ولم يخرج السيد من خلوته فبينما هم في الرجاء والخوف وإذا بوادي الحمام أتى حاملا حملة منكرة وكذلك وادي سيق وصار العدوّ بين الوادين في الغرق فركبت هبرة ظهورهم أخذا وقتلا ولم ينج منهم إلا القليل وقد غرق أكثر الإسبانيين بالماء وأخذت هبرة دوابهم وأثقالهم ومن ثم سمي سيدي عبد المؤمن بحمّال الويدان (ص ١٥٣) للآن. ووقائع هبرة مع الإسبانيين كثيرة ومن أراد استفاءها فليراجع الكتاب / الذي اسمه : القول اليقين في وقائع هبرة مع الإسبانيين للحافظ أبي العباس أحمد ابن محمد الشقراني. وكان هبرة في القتال مع الإسبانيين وسويد غير عامرة ولذلك ضعف حالهم وتلاشا (كذا) أمرهم. وسبب مقاتلتهم مع سويد أن هبرة كانوا يتعرضون للمسلمين الفارين من الأندلس لهذه العدوة لما تغلب عليهم الإسبانيون بها وحيث ينزلون بمرسى رزيو يذهبون لهم هبرة فيأخذون ما بأيدهم حتى أنهم يشقون بطون المهاجرين ظنّا منهم أنهم يبتلعون الناض أو غيره ، فسمع بذلك ولي الله الأكبر سيدي محمد أقدار التجيني الذي ضريحه بسدّار مينا المتوفى سنة خمس وستين وألف (١) فامتلأ غيضا وحرّض أحميد العبد كبير سويد وقيل حرض ابنه أحمد بن أحمد العبد على غزو هبرة المنتهكين لحرمة المهاجرين فأتاه من السّرسو بجنود سويد ووافق ذلك ختم صحيح البخاري في يوم الجمعة فزحف إلى هبرة وكافة بطونهم بتلك الجنود الكثيرة العدد ووقع المصاف بسدار العامري المسمى الآن بالغمرى ووقعت بين الفريقين حروب عظام فانهزمت جموع هبرة وركبت سويد أكتافهم فقتلوا منهم كيف شاؤا وكان جملة من قتل من هبرة مائتان وعشرون من الأبطال فمن ثم انكسرت شوكتهم وقلّ عددهم واضمحلّ جمعهم وافترقوا في الأعراش فلم يبق بمحلهم إلا دوار واحد يسمى بهبرة للآن مع تسلط الإسبانيين عليهم أيضا. ولما تراكمت عليهم

__________________

(١) الموافق ١٦٥٤ ـ ١٦٥٥ م.

٢١٤

المحن من الإسبانيين وسويد صارت نساؤهم تجتمعن ليلا في وسط الحلل وتقلن برفع الصوت تداولا كلام فصيحهم (كذا) ويسمون ذلك بالتبواش ومن جملة كلام فصيحهم (كذا) :

فينا بين النار يا رب والنار

بين انصارت دك وانصارت قدّار

أنت المعين بالعزيز القهّار

يا رب علينا دبّر

ميتين وعشرين قعدت في مشوار

دوار من الملاح ما عزّه دوّار

الموت من الإله والسّبّ قدّار

لا بد الحي يفتكر

وهبرة هؤلاء هم على الصحيح أولاد المقداد بن مهاجر بن سويد بن عمارة ابن مالك بن زغبة بن أبي ربيعة بن هلال بن صعصعة بن معاوية بن بكر ابن هوازين بن منصور بن عكرمة بن زيد بن حفصة بن قيس ابن / غيلان بن إلياس (ص ١٥٤) ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، فهم عرب هلاليون مضريون من بطون زغبة كما في الجزء السادس من ابن خلدون في ترجمة مالك بن زغبة في شجرته. فهم سويد خلافا لابن الخطيب الحكيم التلمساني القرشي القائل بإنهم ملتقطون. وبطونهم تسعة وهم الدّعامشة أولاد دعماش بن هبرة ، والهدادجة أولاد هداج بن هبرة ، والملايلة أولاد ملّال بن هبرة ، والمكاثرية أولاد مكثر ابن هبرة ، والفطانسة ويقال لهم فطناسة أولاد فطناس بن هبرة ، والدعاعنة أولاد دعنان بن هبرة ، والصواوقة أولاد صواق بن هبرة ، والعزايزة أولاد العزيز ويقال له عبد العزيز بن هبرة ، والدواودية أولاد داوود بن هبرة ومنهم السيد محمد ابن داودءاغة الدواير وأخوه السيد عبد القادر بن داوودءاغة سعيدة وأبناؤهما فهم من أعيان المخزن وقتئذ بوهران. ثم غزا الإسبانيون بني شقران برمال عين أبوس الشرقية على يد جبور بن حسنة من أولاد سيدي محمد بن حسنة بحيث صعد لهم مع وادي فرقوق والحمام ووادي تخوارت إلى أن وصلهم فأثخن فيهم بالقتل والسبي إثخانا عظيما إلى أن أذعنوا له بالطاعة.

ثم فردينة فيليب الأول تولى سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة (١) بعد خلع الذي قبله وبقي في الحكم عشر سنين وخلع ولما تولى أقرّ دكّ بوهران على حاله

__________________

(١) الموافق ١٥١٧ م.

٢١٥

وأمره بالغزو على المسلمين الذين بهذه العدوة فاشتدت شوكته عليهم وأبلاهم بلاء عظيما واقتدى به من أتى بعده من عمال النصارى بوهران مثل إفراسيسك (١) وابن يالبة وأجوان JUAN وغيرهم من الإسبانيين الذين لم يحضروا حفظي وقتئذ. فغزى سنة خمس وعشرين من العاشر (٢) قلعة بني راشد لما سأل منه الإعانة عليها أبو قلموس وقصدها في جيش عرمرم (كذا) ما بين جيشه وجيش أبي قلموس فنزل ببراقها وهو الجبل المطل عليها من ناحية البحر ونصب به مدافعه ورمى الكور على القلعة فخرج أهلها ومعهم أميرها إسحاق الإسكندر شقيق خير الدين باشة الجزائر فسألوا الأمان فأمنوا ولما تمكن النصارى منهم قتلوهم عن آخرهم والأمر لله وحده. قال الحافظ أبو راس في الحاوي وكان (ص ١٥٥) الشيخ / سيدي محمد الشريف الزهار دفين الجزائر أحد تلامذة القطب سيدي أحمد بن يوسف الراشدي بالقلعة قبل مجيء الإسكندر والأتراك إليها يدخل المسجد حافيا ويقول أنا أنجسه قبل أن ينجسه الكفّار فلم يكن إلا قليل حتى قدم عروج والإسكندر والأتراك فذهبوا لتلمسان فبقي فيها عروج ورجع الإسكندر للقلعة فحصر بها ودخل النصارى للجامع الأعظم ونجّسوه كما قال. ثم كارلوص وهو شارل الأول تولى سنة ثلاث وثلاثين من العاشر (٣) وبقي في الملك أربعين سنة واستمرت وهران في حكمه. فجهّز جيشا عظيما لغزو مزغران ففتحها عنوة في أواسط الستين من القرن العاشر (٤) تحت رئاسة الطاغية الفرطاس (٥) ولما سمع بذلك خير الدين باشة الجزائر (٦) تألم كثيرا وجمع جيوشا من كل جهة وقصد مزغران فنزل عليها وقاتلها شديدا وأمنحه الله النصر فأثخن فيهم قتلا وأسرا وسبيا إلى أن فتحها عنوة زوال يوم الجمعة خامس عشر ذي القعدة الحرام سنة خمس

__________________

(١) يقصد فرانسيسكو.

(٢) الموافق ١٥١٩ م.

(٣) الموافق ١٥٢٣ ـ ١٥٢٤ م.

(٤) الموافق ١٥٥٨ م.

(٥) يقصد الكونت الكوديت وكان أقرع الرأس.

(٦) الحقيقة أن باشا الجزائر في هذه الفترة هو حسن بن خير الدين وليس أبوه خير الدين وهو الذي واجه الإسبان بمزغران.

٢١٦

وستين من العاشر (١) ولما فرغ من القتال أمر بجمع الرؤوس فجعلت تلا إلى أن رءاها (كذا) نصارى مرجاجو بوهران. وفي هذا الفتح قال بعضهم من بحر الرّجز :

فتح خير الدين مزغران

مرتجيا لفتحه وهران

في يهّ قعدة زوال الجمعة

سنة هرّ قصخ فاستمعه

وهذه القصة عند الناس

مشهورة بقصة الفرطاس

غارات الإسبان على تلمسان ومعسكر

وغزوا سابقا تلمسان سنة تسع وأربعين من العاشر (٢) فدخلوها عنوة وربطوا دوابهم بجامعها الأعظم حتى خرجوا مختارين بعد إقامة نحو الثلاثة عشر يوما ويقال أن قراب الخالفي جد القراريب الذين منهم الحاج بالضيف آغة مستغانيم ومحمد ولد علي الشريف بن يوسف التحلايتي وكيل محكمة سيق هو الذي أتى بهم في الفترة الكائنة بين بني عبد الوادي والأتراك وقصته متواترة على ألسنة الناس. وغزوها أيضا سنة خمسين وإحدى وخمسين من العاشر (٣) مع أميرها أبي عبد الله محمد بن المسعودي حفيد رضوان العلج في أربعة عشر ألفا فدخلوها عنوة ومكثوا بها نحو الشهرين وخرجوا مختارين. قال الحافظ أبو راس في الحاوي أن / السيد محمد الشريف الزهار المار الذكر قال للمرابط عبد الله الملقب (ص ١٥٦) إخلّال ، النصارى يأخذون تلمسان فقال له كيف وأبو مدين فيها فقال يطوّق على بطنه ونحو هذا الكلام فكان كما قال أخذوها الكفار وأسروا حرمها وأفسدوها وخربوها وقت قدوم أبي عبد الله بهم من وهران سنة خمسين وتسعمائة ه. وقد حرك لها أبو عبد الله بالنصارى على أحمد أبي زيان مرارا. ففي الأولى أتاها سنة سبع وأربعين من العاشر (٤) ولم يحصل على طايل ، وفي الثانية أتاها سنة ثمان وأربعين من العاشر (٥) ولما سمع به أخوه أحمد جهز لقتاله جيشا لنظر

__________________

(١) الموافق ٢٩ أوت ١٥٥٨ م.

(٢) الموافق ١٥٤٢ ـ ١٥٤٣ م.

(٣) الموافق ١٥٤٣ ـ ١٥٤٥ م.

(٤) الموافق ١٥٤٠ ـ ١٥٤١ م.

(٥) الموافق ١٥٤١ ـ ١٥٤٢ م.

٢١٧

المزوار بن غانم كبير بني راشد فنزل أبو عبد الله بمحلته بمشرع الزواش ثم بواد سنان ثم بحمام سيدي العبدلي فلقيه المزوار بجيشه وحصر محلتهم في خربة هناك ودارت بهم العرب فانهزم النصارى بعد ما مات منهم خلق كثير ورجعوا لوهران. ثم سألهم في الثالثة الحركة فأبوا فذهب لمالكهم كارلوس بإسبانيا وسأله الإعانة فأمرهم بالخروج معه فخرج بالجيوش النصرانية في سنة خمسين من العاشر (١) وذهب لتلمسان فدخلها كما مرّ وتزوّج ببنات أكابرها وخرج أحمد منها ثم رجع له حاركا ، ولما خرج أبو عبد الله لقتاله ورام الرجوع منعه أهل البلد من الدخول وقالوا له يا خذيم الروم اذهب عندهم فدخلها أحمد وفرّ هو إلى أن قتله العرب غدرا وبقي أحمد في الملك إلى أن مات فتولى أخوه حسن وكان بينه وبين صالح باشة بالجزائر محبة عظيمة ثم بعد أربعة أعوام فسد ما بينهما وسأل الإعانة من النصارى وهرب لوهران فمات بها في دار الملك بالوباء وتنصّر ولده بعده والأمر لله وحده.

وتكرر غزو النصارى لتلمسان بسبب اختلاف كلمة أمرائها حتى صار كل منهم يستعين على الآخر بالنصارى. فمن ذلك أن المزوار منصور بن غانم الحشمي. كبير بني راشد سأل من النصارى في سنة ثلاث وخمسين من العاشر (٢) الإعانة وغزى بهم تلمسان بعد أن أعطاهم ولده عليا رهنا وشرط معهم شروطا فخرجت محلتهم بجيش وهران وكرشتلة ونزلوا بغبال فأتتهم العرب بالخيول المسوّمة والهدايا المقوّمة ورأى رجل أعرابي منهم اسمه برقون جيش الترك ذاهبا لتلمسان فطلب منهم الإغارة عليهم فأبوا فذهب وحده ثم اتبعوه ونشأ القتال (ص ١٥٧) فكانت الدائرة / على الأتراك ولم ينج إلّا القليل وذهب محلة النصارى بمن معها على رابطة الزواش وخيمت به ستة عشر يوما وزادت لواد سنان ولما عبرته جاءها الخبر بأن الترك خرجوا من الجزائر في الجيش العظيم لطلب الثأر فرجع النصارى وأخذوا على عرب دمليون وهم أولاد عبد الله سمّوا بذلك لأنهم كانوا يطلبون منهم العدد الكثير فيقول أحدهم للنصارى دمليون بمعنى أيها الروم

__________________

(١) الموافق ١٥٤٣ ـ ١٥٤٤ م.

(٢) الموافق ١٥٤٦ ـ ١٥٤٧ م.

٢١٨

أعطونا عشرة ملايين (كذا) أي عددا كثيرا فيه عشرة ألف ألف ثم لإغبال ووادي تليلات وبه جاء الرسول للمزوال منصور بن عالم من عند كبير ترك تلمسان يسئله (كذا) أن يدع جيش الترك يذهب من تلمسان للجزائر ولا يتعرض له أحد وله ما شاء من المال فوافقه على ذلك ورجع لأهله بجيشه وذهبت المحلة النصرانية لمستغانم فمرت بالشيخ الزناقي ووادي هبرة وفرنكة وحلت بمزغران في ثالث عشرين جمادى الثانية تلك السنة (١) وخاب رأي كبيرها وفسد أمره ورجع لوهران ثم غزوا الرابطة والكرط على يد كبير الجيوش العربية وهو رابح بن صولة أحد أولاد علي بطن من بني عامر وأولاده يقال لهم الصوالة وهم الآن دوّار فخرجوا من وهران ومرّوا بالكرمة وبتنازات فنزلوا بأبيارها ثم صعد بهم مع وادي التفراوي إلى جبل غدالة ببلد ماخوخ ومشى على القطّارة إلى أن وصلوا لأزبوجة الكبيرة المطلة على واد للحمام المنفردة وحدها فاستراحوا بها ثم صعد بهم مع شعاب تيفرورة إلى الرابطة بأعلاها فترك بها بعض الجيش وذهب بالبعض للكرط ففعل بهاتين القريتين ما أراد الله فعله. وتكرّر غزوهم على الكرط إلى أن استاصلوا (كذا) أهله فهرب من بقي به وهم سبب خرابه إلى أن عمر بظهور الإسلام للآن ولما كبر رابح بن صولة وعمي تقعّد عن الغزو فأغار الحشم على أولاد علي فألفوه بالمراح فقتلوه. ثم غزوا فروحة بغريس أرض الشيخ سيدي محمد ابن يحيى مقري الجن فلقوا خيولا من أولاد عباد أحد بطون الحشم هنالك فاقتتلوا معهم إلى أن استشهد من أعيانهم العروسي أحد الأجواد بغريس قبلة كدية عظيمة فأخذوا رأسه وفرسه وانقلبوا لوهران. وغزوا غريسا أيضا وتخطوا فيه إلى أسفل / نسمط أرض لواتة بأراضي بني راشد. ثم في وسط الستين من (ص ١٥٨) العاشرة (٢) غزوا زاوية الشيخ أبي مهدي سيدي عيسى بن موسى التجيني ثم الزنداوي وهو نازل شرقي واد التاغية فأتته قنبرة وهي القوبع وجلست أمامه وصارت تذري التراب على رأسها وتصوّت شديدا وكان الشيخ عارفا بزجر الطير فأمر زاويته وأهله بالرحيل فورا فارتحلوا وعبروا النهر ودخلوا في غيظة كبيرة يقال

__________________

(١) الموافق ٢١ أوت ١٥٤٦ م.

(٢) الموافق حوالي جوان جويلية ١٥٥٣ م.

٢١٩

لها دار الهناء فلم يكن إلا يسير وإذا بجند النصارى واقف في حافة الواد الشرقية ومعهم بني عامر ولما لم يروا أحدا رجعوا من غير عبور للنّهر ثم أولاد سيدي العبدلي المرة بعد الأخرى ولم ينتج لهم شيء من ذلك. قال الحافظ أبو زيد عبد الرحمان الجامعي في شرحه لرجز الحلفاوي وحدثني المرابط أبو الحسن علي بن حسّون العبدلي إنهم كانوا لا يهنأ لهم نوم إلّا إذا جعلوا حارسا ومهمى (كذا) ينم أحدهم نجده يهذوا (كذا) بإغارة النصارى ويصرخ في نومه من شدة خوفهم.

غارات الإسبان على مدينة الجزائر

وقد غزوا الجزائر مرات. ففي الأولى غزوها قبل دخول الترك لها وتملكهم بها فملكوا برج مرساها الذي بوسط البحر في الجزيرة حيث برج الفنار الآن وصار لهم جباية حجيجة ، وضرائب على أهل متيجة ، وبقوا على تلك الحالة إلى أن دخلها الأتراك فنشأ معهم السيد حسن خير الدين بن المدلية أول باشة بالجزائر الحرب وأدامه معهم إلى أن فتح البرج عنوة سنة ست وأربعين من العاشر (١) وجعل في البحر طريقا تصل للبرج. وفي الثانية غزوها سنة ثمان وأربعين من العاشرة (٢).

حملة شاركان الكبرى على الجزائر عام ١٥٤١ م

وسبب قدوم البلادور لها أنه كان عمّر مركبا من مراكبه وأوسقه بالمال والسعة وبعثه لوهران فأخذه رايس من رؤساء الجزائر يقال له كجك علي ودخل به للجزائر بعد ما وقع الحرب بينهما فوجد فيه رايسا (كذا) عظيما مع جملة الرؤساء ودخل في شهرة عظيمة ثم أن كجك أحضر هذا الرايس إلى حسن آغة

__________________

(١) الموافق ١٥٣٩ ـ ١٥٤٠ وهذا التاريخ خطأ ، لأن برج البينيون هذا أنشأه الإسبان في حدود عام ١٥١١ ـ ١٥١٢ واستعاده خير الدين في شهر ماي ١٥٢٩ م ، الموافق لرمضان عام ٩٣٥ ه‍.

(٢) الموافق ١٥٤١ م.

٢٢٠