طلوع سعد السّعود - ج ١

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ١

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

كلمة شكر وتقدير

إن كتاب طلوع سعد السعود الذي نقدمه اليوم للقراء ، عبارة عن موسوعة كبيرة تاريخية ، وثقافية وجغرافية ، واجتماعية ، لعدد من بلدان العالم القديم على مستوى قاراته الأربعة : إفريقيا ، وأوروبا ، وآسيا ، وأوقيانيا.

فقد توسّع مؤلفه الآغا إسماعيل بن عودة المزاري في التأريخ لمدينة وهران ، والجزائر ، والغرب الوهراني ، وإسبانيا ، وفرانسا ، والأتراك العثمانيين ، من غابر العصور إلى عهده عام ١٨٩٠ م. فأرخ لسير أجيال من العلماء ، والأولياء ، والأمراء ، والسلاطين ، والملوك ، والخلفاء. وأسهب في الحديث عن النظام الإداري للأتراك في بلادهم ، وفي الجزائر ، وبلدان المغرب ، وعن قبائل المخزن في الغرب الوهراني ، مع تتبع أصولها ، وفروعها ، وأدوارها السياسية والعسكرية خلال عهد الأتراك ، وقبلهم ، وبعدهم إلى عهده هو. وسلك طريق وأسلوب ابن خلدون في وضع شجرات الأنساب لها.

كما أسهب في التأريخ لأجناس أوروبا ، وسكان إسبانيا ، وفرنسا ، وأقاليم الأرض الجغرافية ، والجزر ، والأودية ، والأنهار ، والخلجان ، والمدن ، والموانىء ، وفي التأريخ لملوك اسبانيا الكاثوليكية الحديثة ، وملوك فرنسا من غابر الأزمان إلى نهاية القرن التاسع عشر.

وتوسع في الحديث عن أصل جنس الأتراك في آسيا. ونزوحهم إلى آسيا الصغرى وتكوينهم لدولتهم ، واستعرض ملوكهم وسلاطينهم جميعا إلى عهده أواخر القرن ١٩ م. كما توسع في التأريخ لبايليك الغرب الوهراني ، وباياته ،

٢

وصراعهم ضد الوجود الإسباني في وهران والمرسى الكبير ، واستعرض الحكام الأتراك في الجزائر. وتفرغ بعد ذلك لاستعراض مقاومة الأمير عبد القادر بتوسع ، وقدم لنا قراءة جديدة لها سوف تسمح بأعادة النظر في فهم وتفسير الكثير من أحداثها. خاصة مواقف قبائل المخزن من الأمير عبد القادر ، ومواقفه هو منها.

وأوجز في التاريخ للأندلس الإسلامية ، وأورد قوائم للخلفاء الأمويين في الشرق ، والأندلس ، والخلفاء الفاطميين ، وسلاطين المرابطين ، والموحدين ، والزيانيين ، والمرينيين ، والسعديين ، في الجزائر ، والمغرب الأقصى ، وتتبع غارات الإسبان والفرنسيين ، على الجزائر وتونس ، في العصر الحديث ، وتحدث عن الحروب الصليبية خلال حديثه عن ملوك فرنسا.

وخلال كل هذا ، تحدث المؤلف على قضايا كثيرة ، تاريخية ، وفكرية وأدبية ، وثقافية ، واعتمد على مصادر كثيرة نثرية ، وشعرية ، مخطوطة ، ومطبوعة. مما أضفى على المخطوط القيمة العلمية المطلوبة. وهذا بغض النظر على أسلوب السجع الممل الذي اتبعه ، وركاكة اللغة في بعض الأحيان.

وإخراج هذا المخطوط إلى حيز الساحة الثقافية بعد مضي قرن كامل على تأليفه ، يدخل في إطار إحياء التراث الفكري بمفهومه الواسع للبلدان المغاربية أساسا ، والإسلامية بصفة عامة.

وهذا ما تقوم به مؤسسة : دار الغرب الإسلامي بقيادة رئيسها الفاضل السيد الحبيب اللمسي ، الحريص على أن يكون المثل والنموذج لعملية الإحياء هذه ، التي بدأها منذ عدة سنوات ، وأخرج إلى الساحة الثقافية تراثا حضاريا هاما ومتنوعا : في العلوم ، والآداب ، والتاريخ ، والسير ، واللغة ، والدين ، وغيرها ، وزوّد المكتبات العربية والعالمية بنصيب وافر ، من أمهات الكتب ، ونفائس المخطوطات ، وقدم للأجيال الصاعدة جهود الأجداد الضخم الذي شاركوا به في خدمة العلم ، والفكر ، والثقافة العربية الإسلامية ، والإنسانية العالمية.

وما إقدام هذه الدار ، ورئيسها الفاضل ، على طبع هذا المخطوط ، ونشره ، إلا دليل آخر على مدى الجهد الذي يبذله في هذا الميدان.

٣

هذا وقد أدخلنا تحويرا جزئيا على اسم المخطوط في ظهر الغلاف الخارجي فقط ، ليكون أكثر دلالة على محتواه ، وهو «طلوع سعد السعود ، أو تاريخ وهران ، والجزائر ، وإسبانيا ، وفرنسا ، من غابر الأزمان إلى نهاية القرن ١٩ م».

فإلى الأخ الفاضل السيد الحبيب اللمسي ، وإلى داره العامرة : دار الغرب الإسلامي ، نقدم كل التحية ، والشكر ، والتقدير ، والسلام.

والله الموفق

وهران ـ حي جمال الجمعة

٢٥ رمضان ١٤١٠ ه‍.

٢٠ أبريل ١٩٩٠ م.

د. يحيى بو عزيز

(جامعة وهران)

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تقديم وتوضيح

إن مخطوط طلوع سعد السعود في تاريخ وهران ومخزنها الأسود. الذي نقدمه اليوم للقراء. قد استنفد منا عملا شاقا وطويلا ، بسبب كبر حجمه ، وتعقد إجراءات الحصول على إذن لتصويره. والوقت الطويل الذي استغرق في نقله باليد ، وضربه على الآلة الكاتبة ، ومراجعته ، والتعليق عليه.

فقد استغرق الحصول على إذن لتصويره من طرف وزارة الثقافة والسياحة ، أكثر من ستة شهور ، وكان السبب في ذلك المسؤول عن متحف زبانا بوهران الذي تلكأ وراوغ في تنفيذ أمر الوزارة لأمور لا نعلمها ، سامحه الله.

واستغرق نسخه باليد قرابة عام كامل ، بسبب ضخامة حجمه ، وصعوبة ضربه على الآلة الكاتبة مباشرة. وبذل الأخ الطالب صديقي سليمان القنادسي. جهودا مشكورة في نسخه. وتحمل ذلك وتطوع رغم انشغاله بمتابعة دروسه. لتحضير شهادة الليسانس في التاريخ ، ولو لا جهوده هذه ، لتأخر إعداد المخطوط للطبع سنوات أخرى. أو تعذر إطلاقا.

وتطلبت قراءته وتصحيحه ، والتعليق عليه ، وتبويبه أوقاتا طويلة. واستغرق ضربه على الآلة الراقنة قرابة عام كامل كذلك مع إعادة قراءته وتصحيحه وترتيبه ، وفهرسته ، كل ذلك وسط الأشغال والاهتمامات اليومية التربوية وغيرها. وهنا لا بد من التنبيه على عدة أمور :

أولا : توحد بالمخطوط أخطاء كثيرة جدا. ولا تخلو منها أية صفحة في

٥

اللغة وقواعد اللغة ، والرسم ، والإنشاء ، والصياغة ، فاكتفينا بالإشارة والتنبيه على البعض منها وتركنا الباقي على حالها ، لأن الإشارة إليها كلها. سيؤدي إلى تضخيم حجم المخطوط. ثم إنها لا تؤدي إلى عدم فهم المعلومات والحوادث.

ثانيا : إن التعليقات والهوامش التي وضعناها للمقاصد الثلاثة الأولى ، أثبتت أن المواصلة على ذلك النهج سيؤدي إلى مضاعفة حجم المخطوط مرة أو أكثر ، ولذلك خففنا منها كثيرا في المقصدين الباقيين والطويلين : الرابع ، والخامس. واكتفينا فقط بالضروري منها.

ثالثا : أورد المؤلف قوائم كثيرة وطويلة لأسماء الأعلام الأجنبية الرومانية ، واليونانية ، والإسبانية ، والفرنسية ، وغيرها ، فكتب البعض صحيحا ، وحرف أخرى ، ولذلك حاولنا نحن تصحيح بعضها بكتابتها بالحروف اللاتينية أمامها. أو في الهامش. وتركنا الباقي إلى حين التعرف عليها.

رابعا : ليس للمخطوط عناوين ولذلك وضعنا نحن له عناوين فرعية مستقلة ليسهل التعرف على موضوعاته ، والعودة إليها بدون مشقة ، وصعوبة ، ووضعنا أرقام الصفحات بين قوسين داخل النص.

خامسا : نظرا لطول المخطوط وكبر حجمه ، فقد قسمناه إلى جزئين : الجزء الأول : يشمل المقاصد الثلاثة الأولى. والقسم الأكبر من المقصد الرابع ، وينتهي عند نهاية الدولة الثامنة أو دولة الأتراك العثمانيين عام ١٨٣٠ م ، ويحوي ٣١٧ صفحة من المخطوط.

الجزء الثاني : يشمل القسم الأخير من المقصد الرابع ، والمقصد الخامس والأخير ويحتل باقي صفحات المخطوط إلى صفحة ٥٨٢.

سادسا : بذلنا جهودا مكثفة للحصول على سيرة المؤلف الآغا بن عودة المزاري. فلم نوفق ، فقد راجعنا مجلة الجمعية الجغرافية والأثرية لمدينة وهران. ورجعنا إلى ما كتبه مارسيل بودان عن المخطوط ، ولم نحصل على شيء ، وزرنا أفراد عائلة المزاري في سبدو ، ومغنية ، واستجوبناهم فلم يفيدونا بشيء ويجهلون أصلا هذا الرجل.

٦

وسألنا المسنين في مدينة وهران ، الذين لهم صلة بالعائلات المخزنية فلم يفيدونا بشيء.

وقد سجل المؤلف حياته وسيرته في مخطوطه ، خلال تأريخه لرجال المخزن ، بعد أن سجل سيرة والده الحاج محمد المزاري ، وعمه مصطفى ابن إسماعيل. في المقصد الخامس والأخير من مقاصد الكتاب من صفحة ٥٣٨ إلى صفحة ٥٤٥. ولكن هذه الصفحات بترت من المخطوط ويبدو أن ذلك تم عن عمد ، وقصد. ولذلك بقيت حياة هذا الرجل ثغرة. ولم نجد حاليا ما يملؤها. فأرجأنا ذلك إلى حين العثور على معلومات جديدة عنه ، أو العثور على الصفحات المبتورة من المخطوط. وقد قال في صفحة ٥٤٦ التي بقيت لم تبتر : «ولي في هذا الوقت ولدان بلامين أكبرهما إسماعيل ، والآخر الحسين». والشيء المعروف عنه حاليا هو أنه ابن الحاج محمد المزاري الذي هو ابن أخ مصطفى بن إسماعيل ، وكلاهما تولى وظيفة للأمير عبد القادر ، ثم للفرنسيين بعد أن انضما إليهم في حدود عام ١٨٣٥ م. ومن بعدهما تولى المؤلف ابن عودة المزاري وظيفة الآغا للفرنسيين ، ولكن لا ندري متى تولى هذه الوظيفة ، ومتى ولد ، ومتى توفي كذلك ، والمؤكد هو أنه توفي بعد عام ١٨٩٧ م.

وقد يكون عاش إلى مطلع القرن الحالي ولا ندري أيضا أين توفي ، وأين دفن ، ولعلنا نكتشف في يوم ما الأجوبة على هذه الأسئلة والتساؤلات. فنضمها للطبعة التالية إن شاء الله تعالى.

سابعا : وضعنا للمخطوط فهارس ، للأعلام ، والقبائل ، والجماعات ، والأماكن الجغرافية ، وأسماء الكتب. كل جزء بفهارسه الخاصة.

ثامنا : أضفنا إلى المخطوط في الأخير قائمة المراجع ذات الصلة بالموضوع ، ومنها المراجع التي اعتمد عليها المؤلف وأشار إليها داخل النص.

تاسعا : إذا كان ما بد من شكر أحد فهو الناسخ للمخطوط الأخ الطالب والأستاذ صديقي سليمان ، والمسؤولون عن مديرية التراث بوزارة الثقافة وعلى رأسهم الأخ عبد الله بالسرياني ، ثم الأخ الضابط الصديق إيمخلاف رئيس القطاع العسكري بولاية النعامة والأخ قاسمي الهاشمي بالإذاعة الجهوية بوهران اللذان

٧

ساعداني في ضرب المخطوط على الآلة الراقنة ، فإليهم وإلى غيرهم شكري وتقدري.

عاشرا : وقد زودنا هذه الدراسة في الأخير بقوائم لأسماء أباطرة الرومان والبيزنطيين ، وملوك فرنسا ، وإسبانيا ، وحكام وهران الأوائل ، والسلاطين العثمانيين ، وحكام الجزائر في العهد العثماني ، وبثلاثة خرائط لوهران ؛ والمنطقة الوهرانية التي شهدت أحداث الإسبان ، والمرسى الكبير.

حادي عشر : لقد أدخلنا تحويرا جزئيا على عنوان المخطوط الأصلي ليكون أكثر دلالة على محتواه ، وذلك على ظهر الغلاف الخارجي فقط ، وأصبح هكذا : «طلوع سعد السعود أو تاريخ وهران والجزائر وإسبانيا وفرنسا». (من غابر العصور إلى نهاية القرن ٢١٩). أما في الداخل فقد أبقينا على العنوان الأصلي للأمانة التاريخية.

وأرجو أن يجد الطلاب والباحثون ، والأساتذة في المعاهد والجامعات ، ضالتهم في هذا المخطوط الذي لا شك أنه سيزودهم بمعلومات واسعة ، عن تاريخ وهران ، والغرب الوهراني والجزائر ، وإسبانيا وفرنسا ، وعبر التاريخ خاصة خلال عهد الأتراك العثمانيين وعهد الاحتلال الفرنسي إلى عام ١٨٩٠ م.

والله الموفق :

وهران ـ حي الصديقية

الخميس ٢٩ شعبان ١٤٠٩ ه‍

٠٦ أبريل ١٩٨٩ م

د. يحيى بو عزيز

٨

المخطوطات

٩
١٠

١١

١٢

تمهيد في التعريف بمخطوط

طلوع سعد السعود في أخبار وهران ومخزنها الأسود

للآغا بن عودة المزاري

مؤلف هذا المخطوط هو أبو إسماعيل ابن عودة بن الحاج محمد المزري البحثاوي ، كما جاء في مطلع الصفحة الأولى منه التي تحمل رقم ٢. ويعرف عن الناس في الناحية الغربية بالآغا المزاري. وكان أبوه الحاج محمد المزاري ، وعم أبيه مصطفى بن إسماعيل ، قد توليا منصب : ووظيفة «الآغا» عند الأمير عبد القادر أولا ، ثم عند الفرنسيين بعد أن انضما إليهم في حدود ديسمبر ١٨٣٥ م الموافق لأواخر شعبان ١٢٥١ ه‍. كما جاء في صفحات ٤٣١ ـ ٤٣٤ من المخطوط نفسه.

ويقع هذا المخطوط في مجلد كبير يحتوي على ٥٨٢ صفحة من مقاس ١٩* ٢٥ ، وتتراوح أسطرها بين ١٨ و ٣٠ سطرا ، وكتب بخط مغربي واضح ، وسهل القراءة على طريقة المصحف الكريم المغربي ، بحيث تنقط الفاء من أسفل والقاف من أعلى بنقطة واحدة.

ليس للمخطوط عنوان على ظهره بالصفحة الأولى ، ولكن ذكر داخل الصفحة الثالثة وفي آخرها. وقد بدئى بالصفحة الثانية ، بينما أبقيت الصفحة الأولى بيضاء ، ولا توجد به صفحة رقم ٥٠٥ ، وذلك لخطأ في الترقيم فقط ، إذا انتقل المؤلف من رقم ٥٠٤ إلى رقم ٥٠٦ مباشرة. ولكن المخطوط تنقصه ثماني صفحات من رقم ٥٣٨ إلى رقم ٥٤٥ ، إذ اقتلعت منه أربعة أوراق ، وذلك في المقصد الأخير منه. ومن سوء الصدف أن الصفحات الناقصة هي التي تتصل

١٣

بحياة المؤلف نفسه ، وموقفه من الأمير والمقاومة الوطنية. ويبدو لنا أن هذه الصفحات انتزعت عن قصد ولغرض معين كذلك ، وكل صفحة من صفحات المخطوط يبدؤها المؤلف بالعبارة التالية :

«اللهم صلّ على الحبيب محمد وآله وصحبه وسلم». وذلك على يمين صفحة اليمين ، ويسار صفحة اليسار.

ويوجد هذا المخطوط في مكتبة متحف زبانا بمدينة وهران تحت رقم ٤٦٦ ، وجلد بغلاف من الورق المقوى ذي اللون البني المائل إلى الخضورة ، وكتب على ظهر حاشيته القاعدية الجلدية الحمراء بالحروف اللاتينية ، المزري. تاريخ وهران. وليس له نظير على ما نعرف ، بحيث تتفرد به مكتبة هذا المتحف دون غيرها (١).

ويضم هذا المجلد بين دفتيه ثلاثين كرّاسا ، كل منها يتألف من عشرة أوراق ما عدا :

كراس رقم ٢٦ الذي يحتوي على ١٢ ورقة من صفحة ، ٤٨٠ إلى ٥٠٤.

وكراس رقم ٢٧ الذي يحتوي على ١٢ ورقة كذلك من صفحة ٥٠٦ إلى ٥٢٩.

وكراس رقم ٢٨ الذي يحتوي فقط على ٨ ورقات من صفحة ٥٣٠ إلى ٥٥٣ ، وهو الكرّاس الذي تنقص به الصفحات التي تخص حياة المؤلف وبعض أفراد أسرته.

وكراس رقم ٣٠ الأخير الذي يحتوي فقط على ٥ ورقات من ٥٧٤ إلى ٥٨٢.

__________________

(١) توجد لدى الأستاذ محمد بن عبد الكريم نسخة مصورة من النسخة الأصلية الموجودة بهذا المتحف. وهي مبتورة كذلك على ما ذكره لي الشيخ عبد الرحمن الجيلالي الذي اعتمد عليها. وقد راسلته فلم يجبني أصلا ، رغم إلحاح الدكتور سعد الله عليه في ذلك.

١٤

أقسام المخطوط وتاريخه

ويتألف هذه المخطوط من خمسة أقسام يحمل كل منها اسم المقصد :

ـ المقصد الأول : فيمن بنى وهران ، وفيمن أمر ببنائها وأي تاريخ بنيت فيه.

وبه ٨ صفحات من ٤ إلى ١١.

المقصد الثاني : في ذكر بعض أوليائها والتعريف بهم ، وبه ٢٠ صفحة من ١١ إلى ٣٠.

ـ المقصد الثالث : في ذكر بعض علمائها والتعريف بهم ، وبه ٩ صفحات من ٣٠ إلى ٣٨.

ـ المقصد الرابع : في ذكر الدول التي حكمتها وهي تسعة وبه ٤٨٦ صفحة من ٣٨ إلى ٥٢٣.

ـ المقصد الخامس : في ذكر مخزنها وهو عين المراد ، وبه ٥٩ صفحة من ٥٢٣ إلى ٥٨٢. وتنقص به ثماني صفحات من ٥٣٨ ـ ٥٤٥.

وليس لهذا المخطوط تاريخ محدد لتأليفه ، ولكنه ألف في نهاية عقد الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن التاسع عشر ، وذلك استنادا إلى كلام المؤلف نفسه فيما أورده في صفحتي ٥٢٠ و ٥٢١ حول تواريخ حكام الجزائر ووهران. فقد قال عن الحاكم العام تيرمان بأنه «تولى يوم ١٦ نوفمبر ١٨٨١ م وما يزال عليها حتى الآن سنة ١٨٩٠ م». وقال عن سعدية كارنو الذي يحكم وهران بأنه «تولى سنة التسليم (وهي ١٨٨٨) وهذا الرايس هو الموجود الآن في عام التسعين والثمانمائة والألف الموافق للعام الثامن والثلاثمائة والألف».

واستنادا كذلك إلى التقريظ الذي وضعه للمخطوط في صفحته الأخيرة السيد عبد العالي شبكه وأثبت في نهايته التاريخين ١٨٩٧ م و ١٣١٤ ه‍ وأذن له في طبعه. وإلى التقريظ الذي وضعه له كذلك بعد التقرظ الأول ، السيد عبد الرحمن بن سليمان المصري المالكي ، ولكنه لم يضع له تاريخا على أي حال.

ليس للمخطوط عناوين مستقلة ، ما عدا في المقاصد الثلاثة الأولى وجزء من المقصد الرابع صفحة ٥٧ فإن له عناوين على هوامش الصفحات توضع دائما

١٥

تحت كلمة : قف ، غير أن المؤلف يبرز عناوينه داخل الصفحات بكتابتها بالخط الغليظ ، ويستعمل المداد الأحمر في كتابة الكلمات الأولى أو الحروف الأولى للكلمات في بداية الجمل والفقرات التي من المفروض أن تكون في بداية السطر ، لأنه لا يتوقف اطلاقا قبل تمام السطر ليبدأ في الآخر ، كما هو متعارف حاليا ، غير أنه يستعمل النقط الغليظة للفصل بين الجمل والفقرات حتى ولو مع عدم تمام المعنى ، ويستعمل المداد الأحمر كذلك لوضع سطور تحت الكلمات ، والحروف ، وكل عناوين الكتاب من وضعنا نحن.

ويختلف عدد أسطر الصفحات ، وشكل الخط ، حسب الكيفية التالية :

ـ فالصفحات الأولى لغاية صفحة ١٢٠ تقريبا ، عدد أسطرها بين ١٨ و ١٩ وخطها واسع.

ـ الصفحات من ١٢٠ إلى ٢٩٨ عدد أسطرها بين ١٩ و ٢٠. وخطها مضغوط نوعا ما.

ـ والصفحات الباقية من ٢٩٩ إلى نهاية المخطوط عدد أسطرها بين ٢٤ و ٣٠ وكتابتها مضغوطة جدا ودقيقة.

أغلب الصفحات استعمل فيها المؤلف المداد الأحمر ، والباقي لم يستعمل فيها ، وهناك بعض الأوراق يقطعها ، ويستبدلها بغيرها ويلصقها الصاقا. وهذا واضح في عدة مواطن من المخطوط. وبما أن المخطوط يتألف من ٣٠ كرّاسا فإن المؤلف رقمها كلها في بدايتها على اليسار بالتتابع من ١ إلى ٣٠ وذلك بوضع الرقم فوق حرف الكاف هكذا : ك ٢. ويعني كراس ٢.

ومما تجدر ملاحظته هنا أن كل عناوين الكتاب من وضعنا نحن ولم نحاول أن نشير لكل أخطاء الكتاب اللغوية ، والرسم ، لأنها كثيرة جدا. وتتطلب الإشارة إليها زيادة لا أقل من ربع حجم الكتاب. كذلك تجنبنا التعقيب والتدخل كثيرا في المعلومات لأن ذلك يتطلب زيادة حجم الكتاب بالنصف على الأقل.

وقد كانت تجربة التعليقات في المقاصد : الأول ، والثاني ، والثالث ، خير دليل على هذا. إذ زادت على حجم كل مقصد على حدة.

١٦

محتويات المقاصد الخمسة

ـ المقصد الأول : يقع في عشر صفحات ، وموضوعه فيمن بنى وهران وأي وقت بنيت ، ومن أمر ببنائها ، ومن أشرف على ذلك ، وفي وصف الرحالة والمؤرخين لها. وقد ذكر المزري أنها بنيت في القرن الثالث الهجري ، ولكن هناك خلاف في السنة. فالحافظ أبوراس له روايتان :

الأولى : في كتابه ، عجائب الأسفار ، مفادها أن مغراوة هي التي بنتها بأمر من الخليفة الأموي بالأندلس عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ، والذي أشرف على بنائها هو خزر بن حفصى بن صولات بن وزمار ابن صقلاب ، بن مغراو الزناتي المغراوي. وهذا يعني أنها بنيت في وسط القرن الثالث لأن عبد الرحمن بن الحكم تولى الخلافة عام ٢٠٦ ه‍ ، وتوفي في ربيع الآخر عام ٢٨٨ ه‍ ، كما في المختصر لأبي الفداء.

الثانية : في كتابيه : عجائب الأخبار ، والخبر المعرب ، وتفيد أن الذي بناها هو خزر بن حفص حقيقة ، ولكن الذي أمر ببنائها هو الخليفة الأموي بالأندلس أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ، وذلك اما سنة ٢٩٠ أو ٢٩١ أو ٢٩٢. وقد رجح الزياني الذي نقل عليه ، التاريخ الثالث والأخير لأن هذا الخليفة تولى الخلافة عام ٢٧٥ وتوفي عام ٣٠٠ ه‍ كما في مختصر أبي الفداء. وقد بناها قبل وفاته بعشر سنوات كما في دليل الحيران.

أما عبد الرحمن الجامعي فقد ذكر في شرحه على الحلفاوية أنها بنيت من طرف مغراوة وفي أيام أمرائها ، ولكنه لم يحدد السنة وتجنب ذلك حتى لا يقع في حرج أو خطأ. بينما أكد كل من محمد بن يوسف القيرواني ، وأبي عبيد الله البكري ، وابن خلكان ، والرشاطي ، والصفدي ، كل في تاريخه بأن الذين بنوها هم : محمد بن أبي عون ، ومحمد بن عبدوس ، ومحمد بن عبدون ، وجماعة من البحارة الأندلسيين الذين كانوا ينتجعون مرسى وهران ، مع نفزة وبني مسقن ، وهم بنو مسرغين من أزديجة وكانوا أصحاب القرشي ، وهو الخليفة الأموي بالأندلس ، وذلك عام ٢٩٠ ه‍.

١٧

وقد استعرض أوصاف الرحالة والمؤرخين لها كالزياني ، وابن خلكان ، وأبي راس المعسكري ، كل ذلك نقلا حرفيا عن دليل الحيران لشيخه محمد ابن يوسف الزياني في ست صفحات كاملة.

ـ المقصد الثاني : في ذكر بعض أوليائها بحسب الاستطاعة والتعرض بالذكر لمن هو منهم شريف ، وقد اعتمد فيه على دليل الحيران حرفيا ومما قاله بالحرف الواحد : «اعلم أيدني الله وإياك بأنواره ونفعني وإياك بأسراره أن أولياءها عددهم كثير ، وحصرهم عسير ولكني أذكر منهم المشاهير كما ذكرهم شيخنا الزياني في الفصل الثالث من دليل الحيران وأنيس السهران.

وقد استعرض المؤلف في هذا المقصد سير ومناقب ، وحياة عدد من أولياء وهران عددهم حوالي ٥٣ وليا صالحا ، وتوسع في ترجمة البعض مثل الشيخ محمد بن عمر الهواري ، الذي خصه بثماني صفحات وتلميذه إبراهيم التازي الذي خصه بأربع صفحات ونصف الصفحة. أما الباقي فقد اختصر تراجمهم في ما بين نصف الصفحة ، وثلثها وربعها وسطر ، ونصف السطر ، بل أن عددا كبيرا منهم أوردهم بأسمائهم فقط ، وذلك لقلة المعلومات عنهم لديه على ما يبدو.

ومن ضمن من ترجم لهم إلى جانب من ذكر : سيدي هيدور ، ودادة أيوب ، ومحمد بن يبقي ، وسيدي غانم ، وعبد الله بن خطاب ، وأحمد بن أبي جمعة الوهراني ، وبلخير الجماعي ، وسيدي الغريب ، وسيدي البشير بن يحيى ، وبدر الدين ، وسيدي السنوسي ، والخروطي ، ومحمد بن يعزي ، وسيدي قتادة بالمختار ، وعبد الله رحو التيجيني ، وفرقان الفليتي ، وسيدي أحمد الفيلالي الضرير. كل ذلك في ٢٠ صفحة من المخطوط.

ـ المقصد الثالث : في ذكر بعض علمائها من حيث بنيت للآن. اعتمد فيه كذلك على دليل الحيران للزياني ، وقال : «اعلم أيدني الله وإياك بنوره ، ونفعني وإياك بسره ، ووقانا من ضروره أن علماءها عددهم كثير وحصرهم شديد عسير ، ولكني أذكر منهم إن شاء الله تعالى المشاهير كما ذكرهم شيخنا الحافظ المحقق سيدي ومولاي ، وسمط محياي العالم الرباني الشريف الحسن أبو عبد الله محمد ابن يوسف الزياني في الفصل الثالث من كتابه دليل الحيران».

١٨

وقد ترجم لحوالي ٦٣ عالما ، توسع في البعض منهم واختصر في الباقي كما فعل في مقصد الأولياء. وكرر في هذا المقصد ذكر عدد من أولياء وهران عدهم من العلماء كذلك ، وهم : الشيخ الهواري ، وإبراهيم التازي وسيدي يحيى البوعناني ، وسيدي محمد بن يبقى ، وسيدي غانم ، وأحمد بن أبي جمعة المغراوي.

ومن العلماء الذين ترجم لهم كذلك : أبو إسحاق إبراهيم الوهراني وأبو تميم الواعظ ، وأبو زيد عبد الرحمن مقلاش ، وأبو عبد الله محمد بن أبي جمعة الوهراني المغراوي ، والكاتب المستغانمي محمد بن حسن ، والسيد أحمد ابن الخوجة ، ومصطفى بن عبد الله الدحاوي ، والشيخ الطاهر بن الشيخ المشرفي ، ومحمد بن عبد الله سقاط المشرفي ، والحاج عبد القادر بن مصطفى المشرفي ، والخوجة السيد مسلم بن عبد القادر الذي كان كاتبا لدى الباي الباهي حسن آخر بايات وهران. كل ذلك في تسع صفحات.

ـ المقصد الرابع : وهو أطول مقاصد الكتاب يحتل خمسة أسداس المخطوط تقريبا. ويشغل ٤٨٦ صفحة كاملة. وقد تحدث فيه المزاري على الدول التي حكمت وهران والمغربين الأوسط والأقصى على سبيل الترتيب من يوم بنيت إلى زمن المؤلف وعددها تسعة كما في دليل الحيران دائما ، وهي :

١ ـ دولة الأمويين بالأندلس القائمين بأمور زناتة وعمالهم مغراوة وأولهم خزر ، وذلك في ٤ صفحات من ٣٨ إلى ٤١

٢ ـ والعبيديون وهم الشيعة في ١٥ صفحة من ٤١ إلى ٥٦

٣ ـ والمرابطون وهم الملثمون في ١٢ صفحة من ٥٧ إلى ٦٨

٤ ـ والموحدون في ٢٣ صفحة من ٦٨ إلى ٩١

٥ ـ والزيانيون وهم بنو عبد الواد في ١٣ صفحة من ٩١ إلى ١٠٤

٦ ـ والمرينيون بنو أحمامة ثم الزيانيون في ٣٣ صفحة من ١٠٤ إلى ١٣٧

٧ ـ والإسبانيون في ٣٩ صفحة من ١٣٧ إلى ١٧٦

٨ ـ والأتراك وهم الترك في ١٤١ صفحة من ١٧٦ إلى ٣١٧

٩ ـ والفرنسيين في ٢٠٨ صفحة من ٣١٧ إلى ٥٢٣.

١٩

وقد أكثر المؤلف في هذا المقصد من الاستطرادات التي أخرجته تماما عن موضوعه الأصلي ، وأغرقت تاريخ وهران في محيط تاريخ العالم كله تقريبا وخاصة بلدان المغرب ، والأندلس ، وفرنسا ، والبلاد العثمانية بالمشرق ، وسنحاول أن نقدم فيما يلي موجزات ومختصرات ، لما توسع فيه من تاريخ هذه الدول أو العهود التسعة ، للتعريف بمحتوياتها ، والتنبيه إلى ما هو مهم منها :

أولا : الدولة الأولى بنو أمية وعمالهم مغراوة وأولهم خزر بن حفص الذي اختطها وبناها في القرن الهجري الثالث ، وكان جده الأعلى وزمار بن صقلاب ابن مغراو ، قد أسلم على أيدي عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فأرسله ضمن وفد إلى المدينة لمقابلة الخليفة الثالث لرسول الله ، سيدنا عثمان بن عفان ، فجدد إسلامه على يديه كذلك ، ومن ثم بقيت مغراوة موالية لبني أمية ، مثلما فعلت صنهاجة عند ما بقيت موالية للعلويين العبيديين بإفريقيا.

وقد أورد المؤلف تفاصيل عدة عن أحداث وهران وولاتها المغراويين بعد خزر مثل ابنه محمد ، والخير بن محمد ، وتحدث عن إحراقها عام ٢٩٧ ه‍ وتجديدها في العام الموالي وعن حروب محمد بن خزر مع أزديجة وعجيسة ، وصلات ابنه الخير بالمروانيين بالأندلس خاصة عبد الرحمن الناصر ، واتساع ملكه على معظم المغربين الأوسط والأقصى إلى السوس الأدنى ، والصحراء ، وحروبه مع الشيعة ، وغزوه لبسكرة والزاب والمسيلة وتدويخه للمغرب الأوسط تدويخا كاملا إلى أن حصل خلاف له مع أبيه ، شديد ، فأرسل الخليفة الناصر من الأندلس قاضي قرطبة الفقيه منذر بن سعيد الولهاصي البلوطي ليصلح بينهما ، ويبقى الأمر هكذا حتى سيطر الشيعة العبيديون على وهران. وقد استغرق ذلك أربع صفحات نقلها من دليل الحيران.

ثانيا : دولة الشيعة الرافضة ، والعبيديون ، والعلويون ، والفاطميون ، وقد شرح فيها أسباب تسميتهم بهذه الأسماء والألقاب وسيطرتهم على وهران. وانتقال الحكم فيها إلى بني يفرن ، وقيام يعلي بن محمد اليفريني ببناء مدينة إيفكان عام ٣٣٨ ه‍ ، في ضواحي بني راشد بسفح جبل أوسلاس ، ونقله سكان وهران إليها بعد أن خربها ، ونقل مقر حكمه إليها كذلك ، ثم شرح بعد ذلك

٢٠