طلوع سعد السّعود - ج ٢

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ٢

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الدولة التاسعة : الفرانسيس

أصل جنس الفرنسيس :

ثم ملك وهران الدولة التاسعة وهي الفرنسيس ، ويقال لهم أيضا الفرنج ، فتسميتهم بالفرنج قديمة التأسيس ، ثم سمتهم العامة بعدها بالفرانسيس ، نسبة إلى بلدة افرانسا بقطع الهمزة المفتوحة وهي قاعدتهم القديمة ، وملك دارهم القويمة ، وتقرأ بالجيم بدل السين أيضا لا حرجا ، كما في ابن خلدون وغيره فيقال لها افرنجا. وعلى كل حال فهم منسوبون إلى قاعدتهم القديمة بلاد الرّنج ، سواء قلنا الفرانسيس أو الفرنج.

واختلف في نسبهم على قولين مع اتفاقهم على أنهم من ولد يافث بن نوح عليه‌السلام. فقال أبو الفوز محمد أمين السويدي في سبائك الذهب بالإلمام ، أنهم من ولد طوبال بن يافث بن نوح عليه‌السلام ، فهم إخوة الألمان بفتح اللّام. وقال الحافظ المحقّق أبو راس الراشدي في زهرة الشماريخ باحتكام ، أنهم من ولد كومر بن يافث بن نوح عليه‌السلام ، ثم اختلفوا في هذا القول على قولين ، بغير حدس ومين. فقال أبو الفوز السويدي في سبائك الذهب أنهم من أريغ أو أريغات بن كومر بن يافث بن نوح وحكاه بصيغة قيل في التاريخ ، وبه قال الحافظ أبو راس في أحد قوليه في كتاب الشماريخ. وقال فيه في القول الآخر ، أنهم من ولد عصرة بن كومر بن يافث بن نوح ، فهم إخوة الصقالبة وغيرهم كما مر بالمفاخر. وهم من الأمم المنتصرة التي يقال لها نصارى كالإسبانيين والروم والأرمن والقرج بالبيان ، والجركس والروس والبلغار والألمان والبرجان ، والباشقرد والجلالقة والبنادقة والإنقليز ، والبربر والفلاميك والدينمرك ، المشتهرة ، والذوبرة

٥

والماعون والبرتقال والطليان والنامسة إلى غير ذلك من الأمم المنتصرة التابعة لدين المسيح عليه‌السلام ، وعلى إخوته الأنبياء الكرام خصوصا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.

موقع فرنسا الجغرافي وسكانها ومساحتها وديانتها

ومملكة افرانسا كانت تسمى في السابق ببلد القولية ، وأرضهم بين الأندلس وخليج القسطنطينية يجاورون الروم من المشرق ، وبإزائهم جليقة من المغرب في القول المشرق وإليها تنسب الجلالقة بتحقيق الأمر ، وكماله ، فهم في / بسائط على عدوة البحر الرومي من شماله ، يفصل بينها وبين الأندلس جبال متوعرة ذات مسالك ضيقة يقال لها البرت يسكنها الجلالقة من شعوبهم المفترقة ، وقد استولوا على قطعة من الأندلس إلى برشلونة كما مرّ ويأتي في المعلومة ، ويحد بلدهم غربا البحر المحيط وقبلة جبل يسمى البريني والبحر المتوسط وشرقا وجوفا جبل يسمى بالألب وواد الرين في العلانية. وكانت الروم غلبتهم قديما كغيرهم من الأمم المارة وحملتهم على دين النصرانية وكانت البربر تؤدي الجباية لهرقل ملك الروم فولى الفرنج أمر إفريقية في المعلوم ، ولم يكن للروم بها ولاية ، ومن كان بها منهم فإنما هو من جملة الفرنج بالدراية ، وما في كتب الفتح من ذكر الروم في فتح إفريقية فمن باب التغليب وإلّا فجرجير الذي قتله الصحابة إنما هو من الفرنج بالتجليب ، وأجازوا البحر قبل الإسلام إلى إفريقية ، ملكوا أمصارها العظيمة مثل جلولا وسبيطلية وقرطاجنة ومياروقة (؟) وغيرهم ، فلما جاء الإسلام نزع العرب كل ذلك من أيديهم ما بين خيرهم وضيرهم ، ثم رجع لهم الآن كل ذلك. فهم فيه كاوّلا بجميع المسالك. وقاعدتهم الآن يقال لها البريز التي هي عندهم أفضل من اللجين والإبريز. ومحل فرانسا من الأقسام الأروبية هو الجزء الخامس كما مرّ في الدولة الاسبنيولية. وموقعها في غرب أروبا الوسطى في القول المحقق المجسطي. وعائلتهم من عيال الشعوب اللاتانية التي لهم أسوة. كاهل إسبانيا وإسيانيا وبرتغال وطليان وغيرهم كما مر لأنهم أخوة. وديانتهم قسمان في السرّ والعلانية ، وهما : الكاثوليكية والبرستانية ، فالقسم الأول هو عمومهم وأهله هم المتبعون

٦

للقسيسين والرهبان ، المتخذين للصوامع والمساجد بغاية الإمكان ، واستعمال الصليب والصور في المساجد لنيل المسالك ، وضرب الناقوس وغير ذلك ، والقسم الثاني هو خصوصهم (؟) وأهله هم المجتنبون لكل ما ذكر ولا يرون شيئا من ذلك وإنما هو بمنزلة الضير ، وليس لهم تصديق لقسيسهم ورهبانهم في شيء من ذلك وغيرها وينكرون عليهم العزوبة والكل من أهل معرفة الوجود لا غير. ومساحة افرانسا قبل فقدها للورين وألزاس خمسمائة وثلاثة وأربعون ألف ألف كيل متر (كذا) / وأما الآن فهي خمسمائة وثلاثون ألف ألف كيل ميتر (كذا) مع جزيرة كروسا (١) اللاحقة وهي من أكبر أقسام أروبا السّابقة. وسكانها يبلغ عددهم سبعا وثلاثين مليونا ونصفا بالتبايين. دون سكان مستعمراتها البالغين نحو الستة ملايين. والمليون هو ألف ألف كما مرّ بالتغاير.

مستعمرات فرنسا

ومستعمراتها في إفريقية تونس والجزائر ثم سنغال وكابون (٢) يقتفيها ، وبرلون وهايوت وما يليها. وفي إيسيّا بنديشري وتوابعها إلى شرقي الهند المرغوب وسيكون مع توابعها في امام الجنوب. وفي أوقيانيا كليدونيا الجديدة والجزائر المركزية وطايطي (طاهيتي) الفريرة. وفي أمريكا كويانا الفرنسية وغوادلوب ومرتينيك وهما من الجزائر الأنيليات العديدة ، وجزيرتا سان بيار القديس بطرس وميقلون بقرب تارنف الأرض الجديدة ، وهؤلاء زيادة على افرانسا ، فانظر لعظمة هذه الدولة التي قاعدتها سابقا افرانسا.

أشهر مدن فرنسا

وأشهر مدنها مدينا باريز وهي موضوعة على واد سين محصّنة بغاية التحصين فأسوارها صحيحة غريقة ، وفناديقها (كذا) كثيرة غميقة. وفيها ما يزيد على ألفي سكة نافذة عريضة ، مبنية على صفين مستقيمين وكل صف مزيّن بديار

__________________

(١) يقصد كورسيكا على ما يبدو.

(٢) يقصد قابون ، أما برلون وهايوت فلم ندر ما هما.

٧

عجيبة بالحقيقة بالفريضة بأسافلهن دكاكين للتجارة لبيع السلع المختلفة الأصناف في غاية الصناعة بالأبنية الظّراف ، وبداخلها اثنان وعشرون قنطرة بلا المزيد ، بعضها من الحجر وبعضها من الحديد. ثم مدينة ليل وهي على حدود افرانسا من جهة الشمال بالبيان ، فهي حصينة بالغاية يستعمل بها الخيط والكتان. ثم مدينة روان بالتبيين موضوعة على وادي سين وبها التجارة العظيمة المختصة بها ، ولو كانت بعيدة من البحر لأمكن وصول المراكب إليها لغمق الوادي الذي يمر بها ، ويستعمل بها أقمشة الصوف والكتان ، لكثرة مصانعها ذات البيان. ثم مدينة ليون وهي على وادي رون حيث اجتمع مع وادي سون وهي بعد باريز من أكبر مدن افرانسا بالتحرير ، لكثرة أنواع الصنائع التي بها والعمارة والتجارة وصنعة الحرير. ثم مدينة مرسيلية وهي مدينة جسيمة على البحر الأوسط ذات مرسى عظيمة ، تسع اثنا عشر مائة مركب ، ومرساها ذات أمن لا ذات عطب / ، وقد امتدت تجارتها في جميع البلاد ، وهي أقدم مدن افرانسا بغير الانتقاد. ثم مدينة بوردو وهي على وادي جيرنود ولها مرسى كبيرة تسع ألف مركب حال الورود وهي أغنا (كذا) مدن افرانسا وأعظمها تجارة ، لقربها من البحر وصناعة أهلها وجودة الشراب الذي ينتج من عنبها لما في عمالتها من الغزارة ، ثم مدينة سرط سبور (٣) ذات الخير المشرق ، وهي قريبة من وادي الريّن على حدود افرانسا من المشرق ، فهي من أحصن مدن افرانسا في المشتهر. والذي ادخلها في حكم افرانسا سلطانهم لويز الرابع عشر وفيها آلة الصناعة لجميع الصنائع الجسيمة ، وبها التجارة العظيمة.

أشهر مواني فرنسا العسكرية

وبافرانسا من المراسي الحربية خمسة في القول الأربط ، وهم شربور وبريست ولوريان ورشفور جاء على البحر المحيط المغربي وطولون جاء على البحر الأوسط.

__________________

(٣) يقصد ستراسبورق.

٨

أشهر مواني فرنسا وجبالها ووديانها

وخلجانها وجزرها

وأعظم مراسيها التجارية ثلاثة بالأحوط ، وهي : هافر ، وبوردو ، جاء على البحر المحيط المغربي ، ومرسيلية جاءت على البحر الأوسط. وأشهر جبالها خمسة وهي الأصول عندهم في المحقق ، وهم جبل ألب في الجانب الشرقي ، وجبل البيريني في الجنوب ، وسفيان في الوسط ، وفوج في الجهة الشرقية ، وجورة في المشرق. وأشهر أوديتها خمسة بالبحث والنبش ، وهي وادي سين يجري من المشرق للمغرب ويصب في خليج المنش ويمر بثلاث مدن عظام وهي باريز وروان وهافر و (كذا) وطول مجراه ثلاثمائة كيل ميتر (كذا) والكيل ميتر يماثل الميل عندنا فيما حاوروا.

قال في القادية فإن هذا المحل الغريب يشقه أحد الأودية العظام في الدنيا المسمى لا سين قيل هو المعروف بجيحون قنطرته المعتادة تسع مرور أربع عربات محاذية لبعضها. ووادي لوار ويجري من المشرق للمغرب ويصب في البحر المحيط المغربي فيستتر ويمر بثلاث مدن عظام وهي ورليان. وطور ، ونانط ، وطول مجراه ألف وأربعون كيل ميتر (كذا). ووادي جيروند ويجري من المشرق للمغرب ويصب في البحر المحيط المغربي ويمر بمدينة عظيمة وهي بوردو وطول مجراه سبعمائة وخمسون كيل ميتر (كذا) بلا ريبي. ووادي رون ويجري من الشمال للجنوب ويصب في البحر الأوسط بقرب مرسيلية ، ويمرّ بمدينتين عظيمتين وهما ليون وأفنيون وطول مجراه / ثمانية ثمانمائة (كذا) وأربعون كيل ميتر تحقيقة. وواد الرين ويجري من الشمال للجنوب منبعه من بلد سويس ومصبّه في بلد هولاند باشتهار ، ويمرّ بمدينتين عظيمتين وهما سطرسبور وقلمار وطول مجراه ألف ومائة وخمسون كيل ميتر (كذا) بلا زيادة غيرها ، منها مائتان وعشرون كيل ميتر في أرض افرانسا والباقي في غيرها. وغير هذه الأودية فيما راويا (كذا) ، مائتان واثنان وعشرون واديا ، فالتي تحمل منها المراكب ثلاثة مشهورة وهي وادي مارن ومزيل وقارون مسطورة ، وأما الأودية الصغار (كذا) في المقترب فإنها كثيرة العدد ولا تحسب. وأشهر خلجانها أربعة وهي خليج نمرمنديا وسان مالوا وكلاهما في بحر النمش (المانش) كما حكيا. وغسكونيا

٩

وهو في الأوقيانوس الاتلنتيكي بالمرتبط. وليون وهو في البحر المتوسط. واخصّ بواغزها اثنان أحدهما بوغاز يادكالة وهو بين افرانسا وانقلتيرة ، والآخر بوغاز بوتيفاشوا وهو بين كورسيا وسردينيا شهيرة. وأشهر جزائرها تسعة فيما يروه ، وهي سّان ، وبلّيل ، ونوارموتية ، ويّو وريّ والرّون وكلها في الأنتلنتيك وكورسيا الكبيرة ذات المتاسع ، وهي إحدى أقسام افرانسا الستّ والثمانين التي يقال لها المقاطع. وهيا وكرنيس كلهم في البحر المتوسط بغير تخليس.

الأجناس التي تعاقبت على فرنسا

قال شيخنا الزياني في دليل الحيران ، وكانت افرانسا في السابق قبل الفرانسيس في حيازة ثلاثة أمم وهم البلج والأكيتون والقوليون باليقين ، فكان البلج في الجهة الجوفية بين وادي السين ووادي المارن ووادي الرين وأصل هؤلاء من الجرمانية وهي بلد الألمان ، وكان الأكيتون في الجهة القبلية بانحراف إلى المغرب بين واد القارون والبريني بالبيان ، وكان القوليون فيما بقي من افرانسا حوالا ، إلا أن المملكة كانت للقسمين الأخيرين ولا يعلم أصلهما إلا الله تعالى. ثم قدمت قبل نبوة المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام ستمائة لافرانسا بالتزام. طائفة من اليونانيين يقال لهم القوسيون. ونزلوا بالقول وصاروا فيه بما شاؤوا. يتزيون. فتزوج أميرها بابنة سلطان / القول وأقطعه أبوها أرضا بشاطىء البحر فبنا (كذا) بها مدينة مرسيلية في المنقول. وكان القوليون أهل شجاعة وجرأة في المسطور غير أنهم لا ينتظرون عواقب الأمور ، وكانوا يعبدون الأصنام ويحملون السلاح للنزال ، ومعيشتهم في الصيد وما قلّ من المواشي ولا يتركون على الأبد القتال ولم يظهر فيهم دين المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام ، إلا في القرن الثاني المسيحي وذلك قبل الهجرة بجملة مائة من الأعوام حيث استلاء (كذا) الرومان على ملكهم بالطول والعرض وجال هؤلاء الفوسيون جولانا عظيما في الأرض إلى أن استولوا على الإنقليز ، وبعض بلاد الإسبانيين. بالتبريز. ثم على الجهة الجوفية الطليانية باتقان ، ثم بنوا في بلاد الجرمانية ودخلوا لإفريقية والشام وبلد اليونان ، ثم تخطوا الرومية (٤) كرسي مملكة جنس

__________________

(٤) يقصد مدينة روما.

١٠

الرومان فاستولوا عليها وحرقوها بالمشاهدة والعيان ، وذلك قبل نبوءة المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام ، بثلاثمائة وتسعين من الأعوام ولما كبر خلافهم وحلّ بهم النقض ، ضعف حالهم فتفرقوا في الأرض.

فرنسا الرومانية

ثم استولى عليها الرومان بخمسين عاما قبل مبعث المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام ، إلزاما ، وأمير هم وقتذاك جول سيزار وحصل القتال بين الفريقين مدة تسعة أعوام باحتراز ، إلى أن ضعفوا فأذعنوا للطاعة ، وانسحب عليهم الحكم بالجبر والاستطاعة ، فاشتغلوا بتعليم الصنائع والعلوم والقوانين العقلية بالجد والتحتيم ، فحصل لهم في ذلك الاستلاء عليهم النفع العظيم واستقر الرومانيون بالقول نحو الخمسمائة سنة ، وعمروها بالغرس والبناء للبيوت المحصنة. قال ولا زال أثر ذلك بافرانسا واضح البيان ، من القناطر والقنوات والأبراج وغيرها للآن. ولما ضعف الرومانيون هجم عليهم أمم عديدة من الجرمانية ، واستولوا على بعض الأرض فعمّروها بالبناء في القولة البيانية. وكان ذلك في ابتداء القرن الخامس المسيحي ، وهو قبل الهجرة بعد مائة أعوام بالتصحيح وكان منهم السويف ، والفندال ، والألين ، والبوركينيّون ، والفيزكوت والاسكلافون والفريسيّون والبفورة والنورمان والفرنك ، وغيرهم مما حصل لنا به الترك. غير أنّ الثلاثة الأولين منهم لم يستقروا في الملك ولا اشتهروا به ، بل رحلوا إلى برّ الإسبانيين وتوطّنوا به / وكان بين هؤلاء الأجناس من العداوة ما لا يحصى ، حتى صار كل واحد منهم مستقلا بنفسه ومستقصى. وقد حصل منهم قبل ذلك الغارة الكثيرة ، المتعددة على بلاد القول الشهيرة واطردهم الرومانيون بالتبيين ، ولم يبق إلا البعض من الفرنك تركوا بين وادي الموزو ووادي الرين وذلك سنة ثمان وخمسين من القرن الرابع من ميلاد المسيح ، وهو قبل الهجرة بسنين كثيرة ذات قرون في الصحيح. قال وأصل مجيء الفرانسيس لإفرانسا أن أمة اسمها الفرنك خرجت من بلادهم لضيقها وكثرتهم ، وعدم معرفتهم بتدمير ما تكون به المعيشة من الفلاحة وغيرها مع قوّتهم وشهرتهم وليس لهم ببلادهم اقتيات إلّا بألبان المواشي ونحوها من عروق الأرض الرواشي ، فهجمت مع جملة من الأمم على بلاد القول كما مرّ في القولة المروية وكانت هذه الأمة الفرنكية مشتملة على

١١

جملة من القبائل البربرية ومحلهم في الجهة الجوفية بالانحراف إلى المغرب من الجرمانية بالاستبان ، وقطعت من هجومها وادي الرين الفاصل بينها وبين افرانسا الآن. وكان ذلك سنة عشرين من القرن الخامس من ميلاد عيسى بن مريم عليه‌السلام ، والذي هو قبل الهجرة بقرون وأعوام ، واستقرت ببلاد القول وعمرتها بالبناء والغرس والجولان ، وتعاشرت مع الأمة القولية معاشرة الإحسان ، واختلطت هاتان الأمتان بالأنساب ، فصارت جنسا واحدا بالارتساب ، تسمى بالفرانسيس ، وعلا واستفحل بالتأسيس وكانت بلاد القول وقت نزول الفرنك بها تحت الرومان ، بأمد يزيد على الأربعة قرون ، والسبعين سنة بالبيان ، وكان سلطانهم يقال له فرامون كما سيأتي قريبا. وكانت كل قبيلة تحت حكم كبير منها ترتيبا.

الطبقات الأربعة للملوك الفرانسيس

قال شيخنا في دليل الحيران : واعلم أن جملة سلاطين الفرانسيس من أول أمرهم إلى الآن ، هم اثنان وسبعون سلطانا ، غير الرؤساء الجمهورية بيانا. وهم على أربع طبقات سلكا ، الأولى يقال لها بلغتهم الميرفينجيان وملكوها اثنان وعشرون ملكا ، والثانية يقال لها الكارلوفينجيين وملكوها ثلاثة عشر ملكا بالتبيين ، والثالثة يقال لها الكبيسيان ، وانقسمت إلى ستة فروع بالبيان ، الفرع الأول يقال له بلغتهم الكابي ، وملوكه أربعة عشر بغير الارتكابي والثاني يقال له روميارد فالوا وملوكه سبعة فيما قالوا / ، والثالث يقال له دورليان وملكه واحد بالعيان. والرابع يقال له سيقوا بذ ديفيالوا وملوكه خمسة قد جالوا ، والخامس يقال له دوربون وملوكه خمسة معربون ، والسادس يقال له أرليان وملوكه اثنان بالبيان ، والرابعة يقال لها النابليونون وملوكها ثلاثة معينون.

الملك فرامون

فأول ملوك الفرانسيس يقال له فرامون تولى في عشرين من القرن الخامس المسيحي الذي هو قبل الهجرة بقرن وعدة أعوام مرامون ، وبقي في الملك ثمانية أعوام ومات بالبيان ، وكان وقت ذلك سلطان الفرنك يقال له السّاليان وفي الحقيقة ليس هو سلطان وإنما هو كبير قبيلة بالعيان.

١٢

الملك كلوديون : CLODION

وثانيهم هو ابنه كلوديون تولى يوم موت أبيه فيما قال الراويون ، وذلك سنة ثمان وعشرين وأربعمائة من ميلاد المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وهو قبل الهجرة بعدة من الأعوام ، ولقبه قومه بذي الشعور لطول شعر رأسه ، غير أنه لا يختص بهذا في نفسه ، لكون عادة ملوكهم يتميزون على غيرهم بطول شعر الرؤوس حتى أنّ الذي لا يوافق أمتهم منهم للمملكة يحلقون رأسه لما يريدون اطراده وإبعاده عن الإيوان في الجلوس ، ووقع بينه وبين ايسيوس أمير الرومان الحرب الكبير وكان له فيه الانتصار على قبيل الرومان وتجدد الحرب بينه وبينهم وانتصر أيضا عليهم ، واستولى على مدنهم إلى أن بلغ وادي السوم فيما لديهم وعمّرت بوقته قبيلة الفرنك ما بين وادي الرين ووادي الموز وأذعنت إليه إلى أن نالت من فضله الفوز ، وتوفي بمدينة أميان حزنا على موت ولده بعد ما ملك عشرين سنة بالبيان.

الملك ميروفي : ME ? ROVE ? E

وثالثهم ميروفي أحد أمراء الفرنك وأصله مجهول ، تولى سنة ثمان وأربعين من القرن الخامس المسيحي وهو قبل الهجرة بعد أعوام ، في المنقول ، وصارت بلد القول في أيامه في حيازة أربعة أمم عظيمة ، وهم : الفرنك ، والبوركينيون ، والفيزيكونت ، والرومان ، بحالة جسيمة وغزاهم سلطان الإنس وهو أتيلة التتاري الذين شرقي الموسكو بجيوش تبلغ خمسمائة ألف يروم الاستلاء فدخل البلاد وأفسد زرعها وضرعها واحتطب بساتينها وخرّب عدة مدنها ومنها ما عنها لأهلها أجلا ، وكان / قاسي القلب ذا سطوة مهاب ، كثير التعدي والجور والاغتصاب ، فاجتمعت الأجناس على قتاله ، وتبديد شمله وإفساد نواله ، فوقع المصاف بنواحي شالون المار على وادي المارن المظنون ، واشتد القتال فهزموه ، وقتلوا من جيشه مائتي ألف ومنهم من سبوه وغنموه وفرّ هو لبلاد الألمان ، ومات بها بعامين بعد الواقعة وأراح الله منه العباد والبلاد بنزول الموت الصاعقة ، وكان الساعي في انهزامة ميروفي السلطان فسميت ذريته بالميروفنجيان ، لخلود ذكره

١٣

على الأزمنة وظهورها على لسان كل إنسان ، فبعد عشر سنين من ملكه حلّ به الموت وأدركه بغتة الفوت.

الملك تشيلديريك : CHILDERIC

ورابعهم ابنه شيلديريك بترتيب التحريك ، تولى يوم موت أبيه وهو عام ثمان وخمسين من الخامس المسيحي ، الذي هو قبل الهجرة بعدة أعوام التصريحي وكان ظلوما غشوما خبيث السريرة رديء الطبيعة جسوما ، فأطردته الأمة من الملك بلا توان وجعلت مكانه ايجيديوس وهو من الرومان ، فذهب عند ذلك للألمان واستقرّ عند التورنج بأمان ، ثم أنّ الفرنك نفرت من غير جنسهم ، وبعثوا بالرجوع لشيلديريك لنحسهم فجاءهم مصاحبا لزوجة مجيرة وتزوجها ، وأحسن إليها وبهرجها ووقع بينه وبين ملك الرومان الحرب الشديد ، فغلبهم وجلس على كرسيه لعتيد ، ومات بعد ما ملك ثلاثا وعشرين سنة معددة محسوبة مبيّنة.

الملك كلوفيس الأول : CLOVIS.١

وخامسهم ابنه كلوفيس الأول المغرر المعلل ، تولى يوم موت أبيه وهو عام إحدى وثمانين وأربعة مائة مسيحية التي هي قبل الهجرة بسنين عديدة صريحية وهو ابن خمسة عشر سنة فألفى الملك غير مؤسّس فأسّسه وأتقنه واستولى على أكثر بلاد القول بما عمله وبيّنه وحل الحرب بينه وبين ملك الرومان بمدينة سواسون فقتل ملكهم سياكريوس واطردهم من القول وصارت قومه هم الجواسون. وكان من الذين يعبدون الأصنام ، وقد تزوّج بامرأة نصرانية تابعة لدين المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام. يقال لها كلوتياد مجتنبة لعبادة الأصنام وعابدة لخالق جميع العباد ، فغزاه الألمان / بقصد الاستيلاء على بلده وقاتلوه شديدا ، فأصيب من جيشه سيحيبر أمير الربيوبر من الفرنك بجرح في ركبته وانهزمت العساكر فاشتد حزنه شديدا ، وقال إن نصرني إلاه (كذا) زوجتي لا تديّن بدينها القويم ثم شجع نفسه وقومه وثبت عزمه ، وهجم بهم عليهم فأحاطوا بهم إلى أن ظفروا منهم بالظفر الجسيم ، ومات سلطان الألمان وأذعن قومه فبر

١٤

يمينه ووفى بنذره فاتبعه من قومه نحو الثلاثة آلاف وزال لومه ، وغزى الفيزيكوت وقاتلهم بمدينة بواطي إلى أن قتل نفسه سلطانهم الأريك الثاني فاشتد بهم الطلب والعواطي وحمل عليه من العدو فرسان وضرباه بالرماح ، إلى أن انجرح جسده ، وفرّ به فرسه لجنسه فزال كمده ، وفرّ باقي العدو للإسبانيين واستولى من فورهم على ملكهم الأكيتين ، ثم استولى على سائر البلدان التي كانت بيد الحكام ، ما بين القتل والنفي والظفر وغير ذلك بالاحتكام ، وأقطع للعساكر ما شاء من الأراضين ، بغير توظيف وتوريث للنساء منها فعد هذا الفعل من جملة ما وضعه من القوانين ، ثم بعده بثمانية قرون حدث القانون العام الذي لا تتولى الأنثى المملكة خشية دخول من ليس من الجنس بذلك فهم له حافظون ومحررون ، وحدثته نفسه بالاستيلاء على البوركينيين ، فخرمته منيته قبل ما وقع من التعيين ، ومات بمدينة بريز ذات اللجين والابريز في انسلاخ يونيه وهو اجوان بلغتهم سنة إحدى عشر من القرن السادس ، من ميلاد المسيح عيسى بن مريم الرسول المقدس القادس وهو قبل الهجرة بجملة من الأعوام ، ليست ببالغة في الكثرة بالأقوام ، بعد ما ملك ثلاثين سنة بالالتزام.

الملك شيلديبير الأول : CHILDEBERT.١

وسادسهم ابنه شيلديبير الأول الملك المقوّل تولى يوم موت أبيه كما مرّ ذلك قريبا ، وكان الملك في عادتهم وقت ذاك يقسم بين الأولاد كالمال المتروك وكان الأمر غريبا ، وكان كلوفيس خلف أربعة أولاد ثلاثة كالثوار ، وهم شيلديبير وكلوتير وكلودمير ، وتيار ، ولم تبطل قسمة الملك عندهم في الميراث ، إلا عند انقطاع الطبقة الثانية ذات التراث ، فكان الذي ناب لشيلديبير الأول في القسمة البريز وناب لغيره غيره بالتحرير والتبريز ، وبقي في الملك إلى أن مات سنة ثمان وخمسين وخمسمائة قواما ، بعد ما ملك سبعا وأربعين عاما. /.

الملك كلوتير الأول : CLOTAIRE.I

وسابعهم أخوه كلوتير الأول تولى يوم موت أخيه وهو العام المار ، وذلك قيل الهجرة بأعوام يسيرة بالاشتهار ، فحاز جميع الملك ، ودخلت الناس فيما

١٥

بيده من السلك ، وفرّ منه ابنه شرامن بأهله وأولاده للبروتون وغزى مع أميرهم أباه في غاية الهتون ، فلقيهما أبوه بجيوشه واشتدّ الحرب إلى أن مات أمير البروتون ، وانهزمت جيوشه بالهزيمة الشرورة ، وآوى شرامن بأهله إلى دار فظفر بهم أبوه فقيدهم وتركهم ثم أمر بإحراقهم في تلك الدّار المذكورة وبقي في الملك إلى أن مات سنة إحدى وستين من القرن السادس المسيحي الحرام ، بعد ما ملك أربعة أعوام.

الملك كاريبير : CAREBERT

وثامنهم ابنه كاريبير تولى يوم موت أبيه وهو عام إحدى وستين وخمسمائة من سنين المسيح ، الذي هو قبل الهجرة بأعوام ليست بكثيرة في الصحيح ، ولما مات والده خلّف أربعة أولاد كلهم مشاهير وهم : سيجبير وشيلبيريك وكونطان وكاريير فاقتسموا ملك أبيهم على العادة وأباه شيلبيريك ، ورام الملك بأجمعه بالمشادة ، وجاء فورا إلى منزل أبيه فأخذ ما به من الأموال وفرقها على الأعيان وأرباب القول ليبايعونه ويدرك المنوال ، ففعلوا ذلك وذهب بمحلته لبريز فلقيته إخوته بالجنود الطامة بالسرعة ، وحصل الحرب إلى أن ألزموه القسمة فرضي بماله بالقرعة فنابه في حظه البريز ، ونال كلا منهم ربع مملكة الفرك بالتبريز ، وتزوج بست نسوة ، منهن اثنتان في غاية الرذالة في النسب وشدة القسوة ، إحداهما بنت الراعي والأخرى بنت الحيّاك ووقعت العداوة بين الأخوة رغبة في الملك واشتد الاشتباك ، واجتنب كاريير تلك الحروب وأعرض عنها ، وفارقها وأبعد نفسه منها ، وبقي في ملكه إلى أن مات سنة سبع وستين من القرن السادس من الميلاد ، ولم يعقّب ولدا فتنازع إخوته على الملك وأخذ الطارف والتيلاد ، ثم اتفقوا على إبقاء بريز بينهم شركية ، ولا يختص به واحد منهم بل يبقى بينهم شركة قوية مراضات وجبرية.

١٦

الملك شيلبيريك الأول : CHILPERIC.I

وتاسعهم أخوه شيلبيريك الأول ، كما عليه القول المعوّل ، تولى يوم موت أخيه وهو سنة سبع وستين وخمسمائة / مسيحية ، وذلك قبل الهجرة بأعوام قليلة صريحية ، فنقض ما بينه وبين إخوته من الاتفاق واستولى على بريز ، قهرا وغصبا ، ومكر بالناس قتلا وأخذا ونهبا ، وكان جبارا ذا مكر ودهاء في الظّعن والمقام ، حتى اشتهر بذلك عند الخاص والعام ، فنفرت منه الأمة ، وزالت عنه الأهمّة واشتد جوره وظلمه للرعية ، بسبب زوجته فريديكوند المتعدية ، فقتلت أخا زوجها سيجبيرا ، ثم تحيّلت على قتل زوجها شيلبيريك إلى أن قتله شهيرا ، بحكاية أعرضنا عن ذكرها ، لشدّة دهائها وظلمها ومكرها ، وذلك سنة أربع وثمانين وخمسمائة مسيحية بعد ما ملك سبعة عشر سنة ، محقّقة مدقّقة معيّنة.

الملك كلوتير الثاني

وعاشرهم ابنه كلوتير الثاني المشهور عند الفرادى والمثاني ، تولّى يوم موت أبيه وهي السنة المارة ، وذلك في السنة الأولى من الهجرة القارة ، التي لم يبق لنا إلّا بها التوريخ وإضرابا عن المسيحية بالتصريح ، وهو ابن سنة واحدة فيما حكي عليه ، فتصرّفت أمه فريديكوند بالنيابة عليه فكثر ظلمها وقامت عليها الأمة بالقيام السّديد وحصل بينهم وبينها الحرب الشديد ، فانتصرت والدته عليهم ، وأذعنوا لها بالطاعة فمالت إليهم ، وكثر الحرب بينها وبين برونهو حليلة سيجبير النائية عن استازى والبوركونيو حفيديها وكل منهما صغير وصارت تدير ملكه إلى أن مات سنة أربعة عشر هجرية (٥) إضرابا عن ما هي مسيحية ، فقامت عليه في حياته برونهو وحاربته طويلا إلى أن ظفر بها سنة ثلاثين فطيف بها بالجيوش ، وهي محمولة على جمل كأنها العهن المنفوش ، ثم ربطت بذنب دابة كثيرة الجموح ، فاسحبتها على الحجارة إلى أن ماتت أشرّ قتلة بالحال

__________________

(٥) الموافق ٦٣٥ م. إن تواريخ هؤلاء الملوك لا تتوافق مع ما في قاموس لاروس. وكذلك ترتيبهم.

١٧

المفضوح. وقسّم في سنة أربع وثلاثين ماله على أولاده (٦) فأعطى لداكوبير وهو ابن خمسة عشر سنة الاسترازي بأفراده ، وكان رايس الوطن بيبان فلم يحصل منه ما يخالف الإذعان ، ثم خرج السكسون عن داكوبير وامتنعوا من إعطاء الضريبة فحاربهم بجيوشه فلم يطق عليهم واستصرخ بأبيه فجاءهم بجيوشه القوية ، فهزمهم وأسّر بعضهم ثم ركز سيفه بالأرض بعد ما صقله ، وأوقف الناس الأسارى معه فكل من جاوزه قتله ، وكان كلوتير عالما بحسب زمانه ، ووقته وأوانه لكنه كان مشغوفا / بقنص الصيد ، متولعا بالنساء ، وصاغ لوساوسهن وهن ذات الكيد ، وبقي على حاله إلى أن مات سنة خمس وأربعين (٧) بعد ما ملك أربعا وأربعين من السنين.

الملك داكوبير الأول : DAGOBERT.I

وحادي عاشرهم ابنه داكوبير الأول ، الذي عندهم في الالتحام المعول ، تولي في اليوم الذي مات فيه أبوه كما سبق ، ونقل كرسي المملكة من الاسترازي إلى بريز لمن حقّق ، فعظم على أهل مملكته الانتقال عنهم ، وبعده منهم وكان ذا أمور حسنة ، ومسائل مستحسنة منها جولانه وفحصه عن الرعية ، ونظره في أمورهم المفيدة المرعية ، فمهدت له البلاد وأذعنت له العباد ، خشية سطوته وما رأوا منه من الإحسان ، ودعت له بالنصر على العدوان فهمّ أخوه كاريير بالتعرض له في ملكه ، فقهره وأبقاه على الأكيتين بفلكه وفي العام الثالث من توليته حصل له بالحرب مع الفنيد المستقرين بالأيلب ، من الألمان العتيد ، لما نهبوا قافلة من رعيته وقتلوا بعضها ، فأرسل بعض خواصه لسلطانهم برسالته فلم ينظر لفظها ، ورجع الرسول خائبا ، ولمالكه ذميما كائبا ، فجهز لهم محالا ثلاثة ما بين الألمان واللومبار والاسترازي وساروا حثاثة ، وتحارب الفريقان ثلاثة أيام فظهر من الألمان واللومبار القتال الذي لا فيه لئام (كذا) ولا احتشام وهزموا العدو وأذاقوه نكال الدوام ، وظهر من الأسترازي جر الهزيمة لكون داكوبير سلب

__________________

(٦) الموافق ٦٥٤ ـ ٦٥٥ م.

(٧) الموافق ٦٦٥ ـ ٦٦٦ م.

١٨

أموالهم وسجن أعيانهم وانتقل عنهم فدسّوا ذلك لوقت الجزيمة. ولما كثر فساد الفنيد ودام ثلاث سنين تحير داكوبير من ذلك وصار في حدس وتخمين إلى أن أشار عليه بعض الأسترازي بأن يرسل ولده سيجبير ، سلطانا على الاسترازي ففعل واطمأنت نفوس الأستراز وبادروا لقتال الفنيد ومنعوه من الدخول للفرانسيس. لملاسقة الفنيد لهم في الملك الجسيس ورام داكوبير الاستلاء (كذا) على ملك أخيه كلوتير لما مات فمنعه السكسون كما حقّه الرّوات ، وقصد بجيوشه للقتال فجمع داكوبير جيوشه الكثيرة الأثقال ، وقسّمها على عشرة أقسام ، وجعل على كل قسم أميرا لا يخالف المرام وخرجوا للقتال فهجموا على مدينة بواطي وجميع ما انضم للسكسون ، واستولوا عليها واستخدموا الاكيتين وهزموا السكسون / فسأل كبراؤهم منه الأمان فأمّنهم وألزمهم الإذعان وهدنهم ، وقدّمت جيوشه للبروتون لما خلعوا طاعة السلطان فحاربهم وهزمهم بما لا يصفه لسان ، وقدم أميرهم إليه بهدايا عظيمة ذات أموال جسيمة وكان لداكوبير وزير صائغا (كذا) فصاغ له كرسيا من خالص الإبريز ، وهو الذي بنا (كذا) الموضع المعروف بساندي بالدير الكبير بالبريز وأقطعه أملاكا لا تحصى في العدد ، ولا تحصر في المدد ، بحيث أقطعه في يوم واحد خمسا وعشرين مدينة ، وصيّره محلا لدفن الملوك الفرانسوية تصييرا موبدا مدينة. ومات بأواسط ينيّر (كذا) سنة الخمسة والخمسين (٨) بعد مالك (كذا) عشرة من السنين. قالوا ولم تقع منه إلّا الفلتة التي قتل فيها نحو التسعة آلاف من التتار المؤتمنين.

الملك كلوفيس الثاني

وثاني عاشرهم ابنه كلوفيس الثاني المعروف عند القاصي والداني ، تولى يوم موت أبيه لأن أباه لما مات خلف ولدين وهما سيجبير وكلوفيس بغير مين ، فبايع رؤساء الدولة كلوفيس على البوركينو والنستري وجعلوا وزيره لإدارة ملكه

__________________

(٨) الموافق ٦٧٥ م. والغريب أنه استعمل اسم الشهر الفرنجي ، في السنة الهجرية. وسنورد في آخر الكتاب قائمة الملوك الفرنسيين مرتبين بتواريخهم التي ضبطها قاموس لاروس الكبير طبعة ١٩٨٤ م.

١٩

وأمره إيكا البهتري ، وتركوا الاسترازي لأخيه سيجبير ووزروا عليه لإدارة الملك بيبان لما كان كل منهما صغير ، فمات بيبان وتوزّر ابنه كريمولد ، ثم مات سيجبير وترك ابنا من سبع سنين ليس له قوة ولا جهد ، فراع وزيره الاستلاء (كذا) على الملك وحلق رأس الولد وأرسله لجزيرة الإيرلند في الفلك فمنعته الأمة وقبضته ثم مكنته مع ولده من كلوفيس فقتلهما وانفرد بالملك الأنيس ومات سنة ثلاث وسبعين (٩) بعد ما ملك ثماني عشرة من السنين ، وخلّف ثلاثة أولاد بالأكمل ، وهم كلوتير الثالث وشيلديريك الثاني وتياري الأول.

الملك كلوتير الثالث

وثالث عاشرهم ابنه كلوتير الثالث الذي لملك أبيه وارث وحالث ، تولى يوم موت أبيه على الملك بالتمام ، وهو صغير ابن ستة الأعوام (كذا) وتوزّر عليه لإدارة أموره ايركيفولد ومات وتوزّر بعده ايبروين الرند وهو من عقلاء الوزراء والأعيان الكبراء ، فجعل شيلديريك الثاني سلطانا على الاستراز لطلبهم ذلك ومراده وضع الوزراء وإدخالهم في حكم السلطنة للاحتراز ، غير أنه علا قدرهم وطما / (كذا) وانتشر صيتهم وسما ، ومات كلوتير سنة سبع وثمانين (١٠) بعد ما ملك أربعة عشر سنة بالتبيين.

الملك شيلديريك الثاني

ورابع عاشره أخوه شيلديريك الثاني تولى يوم موت أخيه ذي البياني وهو ابن تسعة عشر سنة ، محررة محقّقة معيّنة. وسببه أن إبيروين الوزير أقعد تياري الأول على الكرسي من تلقاء نفسه ، من غير مشاورة أبناء جنسه ، فأنفت الأمة وغضبت واتفقت على العناد وله طلبت وبايعت شيلديريك المار ، وخرجت بجيوشها لمحاربة الوزير وسلطانه المشهار ، ولمّا رأى الناس ذلك تأخروا عن الفتنة وتمكّنت الأعيان من الوزير وسلطانه فحلقوا رأسيهما وأرسلوهما لبعض

__________________

(٩) الموافق ٦٩٢ م.

(١٠) الموافق ٧٠٦ م.

٢٠