طلوع سعد السّعود - ج ١

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ١

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

ولو رءاها الغزالي صاحب الرحلة ، لما اعتنا (كذا) بوصف سبتة وطيلطلة (١) ، ولو أخبر بها صاحب كتاب اللباب الواصف لضخامة بنيان البلدان لما قال : الدار داران : إيوان ، وغمدان (٢) ، ولو رءا (كذا) الغزالي مسجدها الجامع الأعظم ، وما اشتمل عليه من السعة والأساطين واتقانه في الهواء بالبناء الأحكم ، والتراويق المرونقة ، والاحتكامات المحققة ، وخاصته الدافقة بالماء ، وصومعته التي علت لجو السماء ، تروم منه النزول لها بالهيكلة ، لما وصف الجامع الأعظم الذي بمدينة طيلطلة (٣). واجتمعت العجائب بالبرج الأحمر ، فإنه يفوق حصون بني

__________________

(١) هكذا كتب المؤلف طليطلة. أما الغزالي الذي يشير إليه فليس هو أبا حامد الغزالي لأنه لم يزر المغرب والأندلس ، ولم يكتب في التاريخ ، ولعله يقصد به أبا العباس أحمد ابن المهدي الغزال الفاسي الأندلسي الذي كان أمين سر المخزن بالمغرب الأقصى ، وألف رحلة عام ١١٧٩ ه‍ (جوان ١٧٦٥ ـ جوان ١٧٦٦ م) سماها : نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد ، وقام بسفارة إلى إسبانيا ثم إلى الجزائر صحبة خاليه : عمارة ابن موسى ، ومحمد بن ناصر ، في مهمة لافتداء الأسرى الإسبان ، والجزائريين ، وذلك عام ١١٨٢ ه‍ (١٧٦٨ ـ ١٧٦٩ م). وقد توفي بفاس عام ١١٩١ ه‍ (١٧٧٧ م). وقام الأستاذ إسماعيل العربي بتحقيق رحلته ونشرها في دار الغرب الإسلامي ، والجزائر.

(٢) صاحب كتاب : اللباب في معرفة الأنساب ، هو عز الدين أبو الحسن علي ابن الأثير (١١٦٠ ـ ١٢٣٤ م). وقد اختصره من كتاب : الأنساب ، للقاضي أبي سعيد محمد السمعاني (١١١٤ ـ ١١٦٦ م) ، الذي تجول في معظم أنحاء المعمورة وأخذ العلم على حوالي أربعة آلاف شيخ. وقد طبع كتاب اللباب : وستنفلد عام ١٨٣٥ بغوتا. أما إيوان كسرى فهو بناء عظيم في جنوب بغداد ، كان على ما يظن قصرا لملوك الفرس. وبه عدد كبير من الصور والتماثيل. وأما غمدان فهو قصر في مدينة صنعاء باليمن ، وكان من عجائب الدنيا. خربه الأحباش عندما غزوا بلاد اليمن عام ١٢٥٢ م.

(٣) المسجد الذي يشير إليه هو مسجد الباشا ، الذي أسسه الباي محمد بن عثمان الكبير عام ١٧٩٦ م بأمر من الداي الباشا حسن بالجزائر ، وذلك تخليدا لتحرير وهران من الاستعمار الإسباني ، وهو مسجد كبير يقع على الضفة الشرقية لواد الرحى في مواجهة حي القصبة بوهران القديمة ، وله منارة عالية ومثمنة الشكل وقد تحدّثنا عنه في مخطوطنا : في بيوت أذن الله أن ترفع. ويمكن العودة إلى كتابنا : وهران ، ص ١٥٩ ـ ١٦٤ كذلك. وقد قمت بزيارة خاصة دامت ثلاثة أيام لكل قلاع وهران وأبراجها ، ومساجدها ضمن وفد من صحافي الجمهورية ووضعت عنها دراسات موجزة أثبتها في كتابنا : وهران ، المشار إليه. أما المساجد العتيقة فقد وضعت عنها دراسات مطولة ما تزال مخطوطة.

٦١

الأحمر ، ولو رءاه المطماطي سليمان بن سابق لقال لا يقدر على مثله لاحق ولا سابق (١) وزادت له بالابتهاج والرونقة مقلته التي صعدت للجو مشرقة. ولو رءا (كذا) يوسف بن قريون مؤرخ اليهود ، برج اليهود ، لما وصف قلاع أمصيا التي هي ملك بني يهود (٢).

وأين مرجاج المتقدم ، وبرج المرسى ، وبرج الحمارات ، والإصبايحية ، ومرية ، والحرسى (كذا) والقصبة ، والمرستانات ، والمدرسة ، وبرجا (كذا) رأس العين والمكنسة ، وأبوابها التسعة المفترقة بحسب النواحي ، والمدن ، والقرى ، والضواحي (٣) ولو وصفت لك مصانعها على التمام ، وما تحت أراهيها (كذا) من

__________________

(١) البرج الأحمر الذي يشير إليه يطلق عليه كذلك اسم برج الأمحال ويقع على الضفة الشرقية لواد الرحى ، على هضبة عالية تشرف على البحر شمالا ، وتقابل جبل المائدة أو مرجاجو ، أو هيدور ، غربا وقد أسس هذا البرج عام ١٣٣١ م ويبدو أن نواته تعود إلى أيام الفينيقيين لأن موقعه استراتيجي ، وعند ما احتل الإسبان وهران بنوا داخله قلعة كبيرة للحراسة ، وسلحوه بحوالي ٣٠٠ مدفعا كذلك للدفاع ، وهو برج ضخم جدا وواسع به قصر البايات شرقا ، والقلاع الإسبانية غربا ، وللمزيد من المعلومات انظر كتابنا : وهران ، ص ١٤٧ ـ ١٤٩. أما سليمان بن سابق المطماطي هذا فلم نجد من ترجم له حاليا.

(٢) برج اليهود الذي يشير إليه ما يزال موجودا حتى اليوم شيّد على لسان بري داخل البحر عام ١٥٠٩ في المكان الذي دخل منه الإسبان إلى مدينة وهران بواسطة مساعدة المكاس اليهودي شطورة الأشبيلي ولذلك سمي ببرج اليهودي ، وقد زرناه عام ١٩٨١ صحبة وفد من صحافي جريدة الجمهورية ، ووجدنا به مدافع منصوبة للدفاع البحري من أواخر القرن الماضي. أما المؤرخ اليهودي يوسف بن قوريون فلم نجد من ترجم له. انظر كتابنا : وهران : ص ١٤٩ ـ ١٥٠.

(٣) أبواب وهران المعروفة من الخرائط ، والباقية حتى اليوم ثمانية هي ، في الشرق : باب السوق وما يزال قائما حتى اليوم وسماه الفرنسيون باب نابليون. ويطل شرقا على مجرى عين واد روينة ، ويؤدي إلى خنق النطاح ، وكاناستيل ، وأرزيو. وتم بناؤه عام ١٧٤٠ م. وباب الجيارة شمال برج الصبايحية وما يزال قائما حتى اليوم.

وفي الجنوب : باب البليل ، أو باب الواد ، على حافة واد الرحى الغربية وفي الغرب : باب المرسى ، وما يزال قائما حتى اليوم ، وباب القصبة في أعلى باب المرسى وقد اندثر. وفي الشمال : باب عمارة ولم نعرف مكانه وباب كاناستيل وما يزال قائما. حتى اليوم ، وباب الميناء ولم يبق له أثر. أما الباب التاسع فلم نتعرف عليه ولا على مكانه ، ـ

٦٢

الأبنية العظام ، لقلت يعجز عنه «سور ديب» المفتخير ببناء الأهرام ، ولعجز بالاشتهار ، واصف قصر الجمّ والبديع والأجدار / وسائر بنيانها المرصوص (١) (ص ١٠) ومياهها العذبة المتدفقة التي تعلو للسماء ثم تنبسط على الأرض وتتفرق على الرخام الملون ثم تجتمع في سيح تحت الأرض بالبناء المحكم فتذهب معه للبحر ففيه تنصب وتغوص. ولقد عظمت مساحتها في النفل والفرض. حتى صارت لا تحمى في الطول والعرض فأحاط بها سورها الجديد ببرود شتى فصارت عظيمة العدّ ، والتعديد ومن أين يطيق عدّ ولبة العدس ، أو غيره من الدخنة والعلس. وما خرج عن سورها من البنيان ، فلا يضبطه لسان ، وقول الحافظ الشيخ عبد الرحمان الجامعي في شرحه لرجز الحلفاوي : هي مدينة صغيرة غير ظاهر كما في شروح الحافظ أبي راس لسينيته. وما قيل في مدحها من الكلام ما بين النظم والسجع والنشر فإنه مما لا يضبط بعصر فمن ذلك قول بعض علماء الراشدية الأذكياء ، السادات الكرام الأصفياء وهو العلامة الأجل والقدوة الأبجل ، مؤلف كتاب : فتح وهران النقاد الراوي الخالي من سائر المساوي ، أحد شرفاء غريس الشريف الحسني السيد مصطفى بن عبد الله الدحاوي (٢) في مدحها ومدح

__________________

ـ انظر كتابنا : وهران ، ص ١٤٠ ـ ١٤٢.

(١) قصر الجم من آثار الرومان بوسط بلاد تونس ، والأجدار مدينة أثرية بالجزائر جنوب مدينة تيهرت المشهورة ، وليس هناك اتفاق على تاريخ تأسيسها. أما قصر البديع فيبدو أنه قصر الرياض البديع الذي يقع غرب مدينة قلعة بني حماد وقال عنه ابن خلدون إنه كان من آنق الرياض وأحفلها. حطمه المرينيون عام ٧٠١ ه‍ (١٣٠١ م) انظر الجيلالي. ج ١. ويمكن أيضا أن يكون أراد به قصر البديع الذي أنشأه أحمد المنصور السعدي الذهبي بمراكش عام ١٥٧٨ ، واستغرق بناؤه ١٤ عاما لغاية ١٥٩٤ م.

(٢) اسم المؤلف بالكامل هو : محمد المصطفى بن عبد الله بن زرفة الدحاوي. واسم مؤلفه بالكامل : فتح وهران وجامع الجوامع الحسان. وكان كاتبا لدى الباي محمد بن عثمان الكبير الكردي وعين مساعدا لرئيس رباط إيفري بوهران خلال الحصار الثاني عليها ، عام ١٢٠٦ ه‍ (١٧٩١ ـ ١٧٩٢ م) وكلفه الباي بتسجيل حوادث الفتح كلها ، فسجلها ، وجمعها في كتاب سماه : الرحلة القمرية في السيرة المحمدية ، أتمه في نفس العام ، ونعتقد أنه هو نفسه كتاب : فتح وهران. لأن موضوعهما واحد على ما يبدو. وبعد فتح هذه المدينة وتحريرها ، عين المؤلف قاضيا بها إلى أن توفي بالطاعون عام ١٢١٥ ه‍ (١٨٠٠ ـ ١٨٠١ م) ، ـ

٦٣

أميرها السيد محمد بن عثمان ، صاحب العدل والرفق والجهاد والإنصاف والإحسان ، باي الإيالة الغربية وتلمسان في قصيدته القافية التي من بحر (ص ١١) الطويل ، فريدة القصائد ونفيحة الجواهر في غاية التكميل / ذات الصدر في وهران والعجوز ، في الأمير الجليل ، المشتملة على ثلاث وعشرين بيتا بالجملة والتفصيل :

عراني أحبّتي سهاد مورق

ومن ذاليك السّهاد قلبي يخفق

ورقّ فؤادي من حلول ضبابة

وعم دواخل الميزاج تعلّق

أتاني هو نجد وطيب نسميها

وصرت كسيف البال إذ أتشوّق

ورمت انضماما نحوها برياضها

بها غرف وسلسبيل مدفّق

وأزهارها تفوح منها رياحين

ونور يلوح منه للعين رونق

وأشجارها ترنّ فيها بلابل

بمختلف الأصوات تربى التعشّق

وأفنانها ملمّة لفواكه

ألا كلّ غصن منها غض مورق

فما شئت من ذوق لذيذ ومنظر

تنعّم فيه العين ثم موفق

وأعظم شيء في اشتياقي لكامل

يلوذ بأنسه المعنّى المشوق

له في معالي المجد أرفع همة

وأوفر حظ وهو بالمدح أليق

وإثبات ذهن في العلوم بأسرها

وزان ارتفاع القدر منه تحقّق

بطلعته وهران ثمّ نعيمها

وطاب بها النّوى وبان التأنّق

انظر تمامها في دليل الحيران وأنيس السهران (١).

__________________

ـ ودرس أبو راس الناصر المعسكري الراشدي عليه.

وقد لخص هوداس هذه الرحلة وقدمها في بحث إلى مؤتمر المستشرقين بالجزائر عام ١٩٠٥ ، ونشرها في وقائع المستشرقين هؤلاء ، ولابن زرفة هذا كتاب آخر اسمه : كتاب الاكتفاء في حكم جوائر الأمراء والخلفاء لخصه إرنست ميرسي ، ونشره في مجلة روكوي القسنطينة عام ١٨٩٨ م.

(١) يوجد باقي القصيدة في صفحة ٢٩ من النسخة التي حققها ونشرها الشيخ المهدي البو عبدلي.

٦٤

المقصد الثاني

في ذكر بعض أوليائها

٦٥
٦٦

اعلم / أيدني الله وإياك بأنواره ، ونفعني وإياك بأسراره أن أولياءها عددهم (ص ١٢) كثير ، وحصرهم عسير ولا كنّي أذكر منهم المشاهير ، كما ذكرها (كذا) شيخنا الزياني في الفصل الثالث من دليل الحيران وأنيس السهران فنقول : إن من أولياء وهران : الولي المشهور ، المتعبد بأسماء الشكور ، القطب الواضح سيدي هيدور صاحب جبل وهران المشهور (١) ، كثير العظامة (كذا) والجلالة ، دفين بلاد أسلافه تاسّالة ، وكان من أهل متم القرن الثالث ونسب له جبل وهران لتعبّده به وكان له وارث (٢).

ومنهم ذو النور الباهر ، كثير الأسرار والجواهر ، والإحسان والعوارف (كذا) والإكمال والمعارف ، صاحب البرهان الساطع ، سيدي دادّ أيوب المغراوي الذي كان من أهل القرن الرابع (٣) وهو بينها وبين المرسى الكبير ، بمكان على البحر

__________________

(١) تاسالة قرية صغيرة في منطقة جبلية عالية تحمل نفس الاسم جنوب سهل ملاته ، وسبخة وهران الكبيرة جنوب وهران كذلك. وتتوسط الطريق الرابط بين سيدي بالعباس شرقا ، وحمام بو حجر في الشمال الغربي ، وعين تموشنت في الغرب.

(٢) الشيخ هيدور عاش في أواخر القرنين : ٣ ه‍ و ٩ م ، وأوائل القرنين المواليين ، ولم نجد من ترجم له في كتب التراجم ، وأطلق اسمه على الجبل الذي يشرف على وهران غربا حتى القرن العاشر الهجري (١٦ م) ثم أطلق عليه اسم : مرجاجو كما مر ويطلق عليه حاليا اسم : جبل المائدة. وجبل سيدي عبد القادر. لأن قمته العالية مسطحة على شكل مائدة ، وبنيت عليه قبّة وضريح باسم سيدي عبد القادر ، ولكن هذه القبة والضريح أزيلا عام ١٩٨٠ م.

(٣) القرن الرابع الهجري يوافق العاشر الميلادي. والشيخ داده أيوب هذا لم نجد من ترجم ـ

٦٧

في محلّ فيه متعبّدون وصالحون وحمامه مقصود للتبرك فيه نفع كبير (١) ومعنى دادّ في لغة زناتة هو الأب الكبير. وليس هو بهذا المحل مدفون وإنما المحل محل تعبّده فيما يعرفون.

ومنهم الشريف الحسني النقاد الراوي ، المقطوع بولايته على الإطلاق سيدي محمد بن عمر الهواري ثم المغراوي (٢) فهو قطب الأولياء ، ورايس الزّهاد الأتقياء ، صاحب الكرامة الظاهرة ، والأحوال الباهرة كان كثير السياحة والنجابة (ص ١٣) والنجاحة. أخذ بفاس عن العبدوسي والقبّاب ، / وببجاية عن الشيخ أحمد ابن إدريس (٣) ، والوغليسي ، كثير الأتباع والأصحاب (٤) وبمصر عن العراف

__________________

ـ له ، مثل الشيخ هيدور تماما ، وهو مغراوي على أي حال ، وقد يكون من بلاد الشيخ الهواري ، المغراوي بكلميتو شرق مدينة مستغانم.

(١) حمام الشيخ داده أيوب كان ما يزال موجودا بعد الحرب العالمية الثانية على شاطىء البحر بين مينائي وهران والمرسى الكبير غربا ، وله لافتة ترشد إليه وطريق يؤدي إليه كذلك. أما الآن فلا أثر له وقد يكون اندثر ، إذ ذهبت صباح يوم الخميس ١٨ ذو الحجة ١٤٠٧ ه‍ (١٣ أوت ١٩٨٧ م) فلم أجد له ولا للافتة أثرا كما لم أجد من يرشدني ويدلني على مكانه.

(٢) الشيخ محمد بن عمر الهواري المغراوي ولد بكلميتو على بعد عشرين كلم شرق مدينة مستغانم عام ٧٥١ ه‍ (١٣٥٠ ـ ١٣٥١ م) ، وتوفي بوهران صباح السبت ٢٠ ربيع الثاني عام ٨٤٣ ه‍ (١٢ سبتمبر ١٤٣٩ م) ، وهو رجل متصوف ، ترجم له كثيرون أمثال : الغبريني في عنوان الدراية ، وابن مريم في البستان ، وابن صعد في روضة النسرين ، وأبي راس في رحلته ، والحفناوي في تعريف الخلف ، والزياني في دليل الحيران ، ودلبيش في المجلة الإفريقية (١٨٨٤) ، وبارجيس في كومبليمانت : (تتمة) ، وكازاناف في مجلة جمعية الجغرافية والآثار لمدينة وهران ، وديستيق في المجلة الآسيوية وغيرهم. وقد وضعنا له ترجمة سوف تصدر ضمن الطبعة الثانية لكتابنا وهران بحول الله وقوته.

(٣) أحمد بن إدريس البجائي من علماء القرن الثامن الهجري (٨٤٣١٤ م) توفي بعد عام ٧٦٠ ه‍. (١٣٥٩ م) درس عليه ابن خلدون وأخوه يحيى ، وعبد الرحمن الوغليسي ، وهو صاحب مدرسة صوفية مشهورة وزاوية ببجاية وأحوازها. ألّف عدة شروح نقل عنها ابن زاغو التلمساني ، ومحمد المشدالي ، ويحيى الرهوني ، وابن عرفة وعيسى بن سلامة البسكري.

(٤) أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد الوغليسي من علماء القرن الثامن الهجري (١٤ م) ـ.

٦٨

وغيره. وجاور بالحرمين الشريفين وسافر للقدس فجال بالشام لنيل خيره ومكث بدمشق بالجامع الأموي ما شاء الله. وكانت تأتيه الوحوش وعادية السّباع في سياحته لقضاء أوطارها فتقضى لها بإذن الله ، ومكث آخر عمره بوهران بلد أسلافه بالتحرير ، مثابرا فيها على العلم والعمل إلى أن انتفع به الخلق الكثير. ولما قرب أجله كثر كلامه الذي يدل على سعة عفو الله بالتبشير. وألف كتاب : «السهو والتّنبيه ، للفقراء أهل الفضل النبيه». وله تآليف عديدة في طريق القوم النجاية ، وكان كثيرا الثناء على أهل بجاية. وقد نص على شرفه صاحب كتاب : جواهر الأسرار ، في معرفة آل النبي المختار (١) وكذا الفاسي في أثمد الأبصار ، وكانت له كرامات عديدة ، وخوارق عادة مديدة منها أن بعض طغاة الأعراب أخذ مال بعض أصحابه لما أراد الله به النكال فبعث إليه الشيخ رسوله ليرد ذلك المال ، فأخذ الظالم الرسول وقيّده ومقته ، فبلغ الشيخ أمره فقام من مجلسه مغاضبا وقد اسودّ وجهه من شدة الغضب ودخل خلوته. قال تلميذه التازي فسمعته جهارا ، يقول مفرطح ، مفرطح ، يكرره مرارا ، وفي الوقت قام الظالم يلعب في عرس والناس ينظرون إليه تفرّسا / فإذا برجل أبيض الثياب نزعه من (ص ١٤) فوق فرسه وضرب به الأرض فإذا هو مفرطح دخل رأسه في جوفه من شدة ضربه منكّسا. فأطلقت أمه رسول الشيخ وخاطبت ولدها الميت خطاب البوم : يا ولدي حذّرتك دعوة الشيخ فأبيت فلا حيلة فيك اليوم.

ومنها أن امرأة أسر ولدها فأتت إليه فقال لها إيتيني بقصعة من ثريد ولحم

__________________

ـ ولد وتربى في بني وغليس على بعد حوالي ميل من قرية سيدي عيش جنوب بجاية ، على الضفة اليسرى لواد الصومام. تضلع في العلوم والمعارف العربية الإسلامية خاصة الفقة ، وتولى وظيفة الإفتاء ، والإمامة ببجاية ، ولقب بشيخ الجماعة ، وتتلمذ على الشيخ أحمد ابن إدريس. درس عليه الخلدونيان ، وأبو القاسم المشدالي ومحمد بن عمر الهواري الوهراني ، وعبد الرحمن الثعالبي. ومن تآليفه : منظومة «الوغليسية» في الفقه التي شرحها أحمد زروق البرنوسي ، ومحمد السنوسي ، ويحيى العيدلي ، وعبد الرحمن الصباغ ، وقد توفي الوغليسي عام ٧٨٦ ه‍ (١٣٨٤ م).

(١) صاحب أثمد الأبصار في آل النبي المختار ، ومؤلفه ، هو أبو عبد الله محمد الفاسي ، وأما صاحب جواهر الأسرار في معرفة آل النبي المختار فلم نهتد لصاحبه.

٦٩

فأتته بها فدفعها لسلوقية كانت عنده ترضّع أولادها فلما فرغت قال لها اذهبي لموضع كذا من عدوة النصارى وايتيني بابن هذه المرأة فذهبت وجازت البحر فوجدته فوجدته اشترى دوارة للنصرانية التي ملكته فخطفتها من يده وصار يتبعها خوفا من النصرانية إلى أن عرضت له ساقية فقطعها وهي البحر ثم تبعها إلى أن دخلت به على أمه في وهران وهذا قليل في حق الأولياء.

ومنها أن السلطان أبا فارس عزوز بن السلطان أبي العباس أحمد الحفصي الملك العادل الذي قال فيه ابن عرفة إنه كعمر بن عبد العزيز بحسب الزمان قد زحف من تونس بجنود عظام لتلمسان لأمر له فيه حق فرغبه ملكها أحمد العاقل بواسطة الشيخ أبي علي الحسن أبركان بن مخلوف المزيلي الراشدي دفين تلمسان فبعث خديمه للشيخ الهواري في كفّ أبي فارس فقال الهواري مالي وللملوك ولمّا اشتدت الرغبة والإلحاح دعا عليه وقد نزل آخر رمضان من سنة سبع وثلاثين (ص ١٥) وثمانمائة (١) بفج السدر حذو جبل ونسريس (٢) فمات / فجأة ضحوة عيد الفطر فانتظره الناس لصلاة العيد حتى خشوا خروج وقتها فذهب ابنه للسرادق والفساطيط فوجده ميتا فجعله في محفة وانقلب إلى تونس وأخفى أمره ، إلى غير ذلك من كراماته. وهو القائل لتلميذه لا تخف من النار فإن صاحبي أدخله في بطني كي لا تراه النار. ولما سمع هذا القول بعده سيدي أحمد بن يوسف

__________________

(١) آخر شهر رمضان من عام ٨٣٧ ه‍ يوافق أوائل ماي ١٤٣٤ م.

(٢) جبال الونشريس تكتب بالشين المثلثة في الأول والسين المهملة في الأخير ، ولكن المؤلف كتب بالسين المهملة في الوسط والأخير ، وقد يكون سبق قلم منه أو من الناسخ. وتقع هذه الجبال (الونشريس) على الضفة الجنوبية لنهر الشلف ، وتشرف على هضبة السرسو والهضاب العليا جنوبا ، ويقابلها في الضفة الشمالية لنهر الشلف سلسلة جبال الظهرة ، وزكار ، المشرفة على ساحل البحر المتوسط. وتمتد من جبال الأطلس البليدي شرقا إلى تيارت وفرندة وزمورة غربا.

وتولى السلطان أبو فارس عزوز الحفصي السلطة بتونس من يوم ٣ شعبان ٧٩٦ ه‍ إلى ١ شوال ٨٣٧ ه‍ (٣ جوان ١٣٩٤ م ـ ١١ ماي ١٤٣٤ م). وتولى السلطان أحمد العاقل السلطة بتلمسان من يوم ١ رجب ٨٣٤ ه‍ إلى ذي الحجة ٨٦٧ ه‍ (١٥ مارس ١٤٣١ ـ أوت ١٤٦٣ م).

٧٠

ابن عبّاد بن مصباح الوامودي الراشدي قال إن البطن تلقي ما دخلها وتطرحه وأنا أدخل صاحبي في قلبي كي لا تمسّه النار. ا ه. فانظر ما بينهما من البون في المعنى. وتوفي رحمه‌الله في صبيحة يوم السبت ثاني عشر ربيع الثاني سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة (١) في وقت الملك أحمد العاقل بن أبي حمّ موسى ابن يوسف الزياني ووقت القائم عليه وهو أخوه أبو يحيى زكرياء بن أبي حمّ (٢) موسى بن يوسف الزياني وهذا القائم هو الذي اتخذ وهران دار ملكه وسكناه. وقول الحافظ أبي راس في عجائب الأسفار : أحمد العاقل الذي جعل وهران دار ملكه سبق قلم ، ولما مات الشيخ الهواري دفن بوهران وضريحه بها مشهور مقصود للتبرك ويؤيده قول العلامة أبي عبد الله محمد بن عبد المؤمن قاضي المالكية بالجزائر يحرّض أمير وقته حسن باشا رحمه‌الله على غزو وهران في قصيدته الهائية /.

نادتك وهران فلبّ نداها

وانزل بها لا تقصدن سواها

واحلل بتلك الأباطح والرّبى

واستصرخنّ دفينها ـ الأوّاها

إلخ. وأراد به الشيخ الهواري نفعنا الله به ، ولا تلتفت لمن يقول أنه مدفون بسيدي المسعود بتارقة ، وبسيدي سعيد بشافع ، فإن ذلك من خرافات العامة (٣)

__________________

(١) يوم ١٢ ربيع الثاني عام ٨٤٣ ه‍ يوافق ٢٢ سبتمبر ١٤٣٩ م. وهذا التاريخ خطأ على ما يبدو لأن الشيخ الهواري توفي يوم ٢ ربيع الثاني وليس يوم ١٢ وذلك يوافق ١٢ وليس ٢٢ سبتمبر.

(٢) أبو حمّو يكتب هكذا بالميم المضمومة ، والمشددة بعدها واو ، ولكن المؤلف اكتفى بالشدة والضمة ، وحذف الواو ، وهو خطأ في الرسم طبعا. وفعل نفس الشيء بكلمة الشيخ معاشو. فاكتفى بالضمة والشدة على الشين وحذف الواو.

(٣) هناك عدة روايات متضاربة حول مدفن الشيخ الهواري ، فزعم كازاناف في مجلة جمعية الجغرافية والآثار لمدينة وهران عام ١٩٢٦ بأن حوش الشيخ الهواري المحاط بسور ما يزال موجودا وقائما في قرية بني تالة قرب مدينة وهران ، ولكنه لم يحدد مكانه ومكان القرية بالضبط. وأورد المقدم ديديي في الجزء الرابع من كتابه : وهران عام ١٩٣١ م صورا لأفراد أسرة زعم أنهم من أعقاب الشيخ الهواري ، عددهم أربعة ، أخذت لهم يوم ٩ أوت ـ

٧١

__________________

ـ ١٩٣١ م ، وهم : الهواري ، وحامد ، محمد ، وبدرة ، يحملون جميعا لقب بن ستي البشير بن الهواري ، وروى عنهم بأن جدّهم الشيخ الهواري مدفون في ضريح صديقه الشيخ سيدي سعيد بقرية حاسي الغلة غرب مدينة وهران على الطريق المؤدي إلى عين تيموشنت وتلمسان ، وأما الضريح والمسجد الحاليان اللذان يحملان اسمه بوهران فقد أسسهما حفيداه : الحاج حاجي ، وحمو بو يعزار عام ١٧٩٣ م ، أي بعد عام من تحرير المدينة من الإسبان.

ومن أجل الزيادة في التحري ، والتحقيق قمنا بزيارة إلى ضريح سيدي المسعود قرب قرية تارقة شمال قرية المالح على بعد حوالي ٦٥ كلم من وهران صباح الخميس ٥ ذو الحجة ١٤٠٧ ه‍ (٣٠ جويلية ١٩٧٨ م) ولم نجد في الضريح سوى قبر واحد ، وبجواره مسجد صغير بدأ ينهار سقفه. ولكن هناك على بعد بضعة أمتار آثار لقبر داخل حويطة محاطة بثلاث جدران ، ولم يحدثنا أحد لمن. ثم قمنا بزيارة لضريح آخر غرب قرية تارقة بحوالي أربعة كلم يحمل اسم سيدي الهواري صباح الخميس ٢٥ ذو الحجة ١٤٠٧ ه‍ (٢٠ أوت ١٩٨٧) ووجدناه داخل ضريح تهدم سقفه بفعل السلطات الاستعمارية خلال الثورة على ما قال لنا أحد الرجال هناك. وأكد لنا رجل آخر في ثارقة بأن هذا الولي ليس هو الشيخ الهواري الوهراني ، وإنما هو رجل آخر كان صديقا وتلميذا للشيخ بختي بن عياد دفين قرية سيدي بختي ببلاد غمرة شمال قرية حمو بوتليليس ، كما أكد لنا بأن بني تالة يوجدون بين قرية زفيزف ، وحمام بو حجر ، قرب سيدي بلعباس ، وأن سيدي شافع يوجد قرب قرية عين البيضاء بجوار حاسي الغلة على طريق حمام بو حجر.

إن الحقيقة ضائعة بين هذه الأقوال والروايات ، فالإسبان الذين احتلوا وهران ما يقرب من ثلاثة قرون حولوها إلى محتشد للجنود الإسبان ولم يبقوا فيها أي أثر للمعالم العربية الإسلامية. فكيف سلم قبر الشيخ الهواري ومسجده من التخريب ، اللهم ، إلا إذا بلغتهم دعوته عليها باحتلالهم لها ، وعندما تحقق لهم ذلك كرموه بالإبقاء على قبره وضريحه ومسجده. ولو أن هذه الدعوة مشكوك في صحتها ، لأنه مهما بلغ غضب الشيخ الهواري على سكانها فلا يعقل بأن يرضى بأن يحتلها النصارى الكفار المسيحيون ، وهو رجل مربي ، وعالم ، وولي متصوف ، وإلّا فلا معنى لعلمه ، وتدينه وتصوفه ، وتزعمه لعلماء عصره.

والروايات العديدة المتواترة عن دفنه بوهران ، يصعب تكذيبها خاصة وأنه عاش بها ، وشهرت به ، ونقل ذلك تلاميذه ومنهم الشيخ إبراهيم التازي وآخرون ومع ذلك فالرأي الذي أورده ديديي جدير بالدراسة ، والبحث والتدقيق. والله أعلم في الأخير بحقيقة ـ

٧٢

ولم يدخل النصارى الإسبانيّون لوهران في حياته وإنما دخلوها بعد وفاته باثنين وسبعين عاما لأن دخولهم إياها كان سنة أربعة أو خمسة عشر من القرن العاشر (١) وسبب دخولهم لها وتملكهم بها دعاء الشيخ الهواري عليها وعلى أهلها وذلك أن أهل وهران بغوا على ولده سيدي أحمد الهايج وقتلوه ظلما وعدوانا بالمحل المسمى به للآن (كذا) وهو الهايج وواديه يقال له واد الهايج (٢) وادّعوا أنه هايج عليهم بغير حق وسمع بذلك الشيخ وسكت فحرّضته زوجته أم الولد على أخذ ثأر ولده بالانتقام من أهل وهران فلم يلتفت لها فذهبت إلى دجاجة كانت عندها ذات فلا ليس صغار وأخذت فلّوسا منهم والشيخ ينظر فجاءت الدجاجة وصارت تضاربها على ولدها لتخلّصه منها ولها صياح فقالت له يا هواري انظر لهذه الدجاجة كيف أخذتها الغيرة على ولدها وكيف بك لم تأخذك الغيرة على ولدك القتيل ظلما وعدوانا فعند ذلك غضب الشيخ / وقال لأهل وهران لأي شيء قتلتم (ص ١٧) ولدي فإنه قرت (كذا) عيني وثمرة فؤادي وبضعة مني فقالوا له لأنه ارتكب ذنبا وثبت عليه وقتلته الشريعة فقال لهم من حكم بقتله من ساداتها العلماء فقالوا له لا نحتاجوا (كذا) في ذالك إلى حكم وإنما رأينا الشريعة قتلته فقتلناه فقال لهم أنتم قلتم بزعمكم أنّ الشريعة قتلت ولدي الهواري وأن الهواري لا يجوز ولده لعدم تحقيق دعواكم وإن كان قولكم بزعمكم في الظاهر مقبول. ففي باطن الأمر الذي لا اطّلاع لكم عليه ولدي ناج وكلامه محمول. فأسلمها رحمه‌الله للنصارى لأنه سلطان مصرها ، ومتولي أمرها ، وكان من الذين لو أقسموا على الله لأبر قسمهم. ونص دعائه «روحي يا وهران الفاسقة ، يا كثيرة الجور والبغي والطارقة ، يا ذات الأهل الباغية السارقة إني بعتك بالبيعة الموافقة ، لنصارى مالقة والجالقة ، إلى يوم البعث والتالقة ، مهمي (كذا) ترجعي فأنت الطالقة». فلما

__________________

ـ الأمر. أما القاضي بن عبد المؤمن الذي حرض الباشا حسن على غزو وهران فقد توفي عام ١١٠١ ه‍ (١٦٩٠ م) والقصيدة موجودة في كتاب التحفة المرضية لابن ميمون ص ٣٠١ ـ ٣٠٤ ، ويوجد قسم منها بدليل الخيران للزياني ص ٤٣.

(١) تم احتلال الإسبان لمدينة وهران في شهر صفر عام ٩١٥ ه‍ (ماي ١٩٠٩ م).

(٢) الواد الهائج لم نجد له أثرا في الخرائط ، ولم نجد من يعرفه من كبار السن ، ولكنه على أي حال يوجد ما بين وهران وسيق لأن المزاري يتحدث عنه عند ذكره لحوادث المنطقة.

٧٣

قال الشيخ ذلك قال له بعض تلامذته الحاضرين لدعوته : وأظنه الشيخ إبراهيم التازي «يا سيدي والفرج لاحقة» ، فقال الشيخ «والفرج لا حقة». وحضر لدعوته على وهران الشيخ سيدي أبي الحسن علي الأصفر التلمساني وأنذر تلميذه الشيخ إبراهيم التازي أهل وهران بقصيدة تاءية (كذا) مع ما انضم لتلك الدعوة من (ص ١٨) دعوة الشيخ / أبي العباس سيدي أحمد بن يوسف الراشدي أحد الأولياء الكبار ، والأتقياء الأخيار الأبرار ، الهواري وطنا الوامودي أصلا نفعنا الله بالجميع ، آمين فإنه في وقته ذهب مرة لوهران فعظمه أهلها أشدّ التعظيم فكتب قائدها للأمير أبي عبد الله الزياني ، «آه رجل بأرض هوارة يخشى منه الملك فكتب الأمير ، إلى القائد ابعثه إليّ أو اقتله لما أتى الشيخ أهله برأس الماء ، بعث العامل لأمير هوارة أحمد بن غانم في الشيخ فأطلع الشيخ على ذلك وارتحل من وطنه وقال شوّشونا شوّشهم الله من البحر والبر فلم يك إلا قليل حتى شوّش الله بني زيان من البحر بالكفرة فأخذوا وهران ومن البر الأتراك فأخذوا تلمسان فذهب الشيخ قاصدا بني غدو فاعترضه محاربون من سويد (١) فقبض على ثلاثة أحجار من الصمّ وحكّهم في يده فصاروا رمادا وقال لهم إن تعرضتم لنا يسحقكم الله مثل هذه الأحجار فأتوه تائبين مذعنين. وذكر الشيخ صالح القلعي أنّ له حينئذ ابنت (كذا) اسمها عائشة. وتوفي رحمه‌الله سنة ، إحدى وثلاثين على ما للحافظين : أبي راس والصباغ ، وأربعة وعشرين على ما للحافظ الغول في وافيته ، اللّاميّة ، من القرن العاشر (٢) وقبره بمليانة من أعظم المزارات ، وله كرامات لا تحصى:

__________________

(١) بنو غدّو قبيلة قرب قلعة هوارة شرق مدينة معسكر التي تعرف اليوم بالقلعة ، وعرفت قبل ذلك بقلعة سيدي راشد. وسويد قبيلة مشهورة تقطن بالمنطقة الممتدة بين مستغانم والأصنام ، وتحدث عنها ابن خلدون كثيرا في تاريخه ، كما تحدث عنها صاحب القول الأعم. ويطلق عليها حاليا اسم المحال.

(٢) توفي أحمد بن يوسف الراشدي الملياني عام ٩٢٧ ه‍ (١٥٢١ م) حسب رواية الحفناوي ، وهي رواية تتوسط الروايتين اللتين أوردهما المؤلف عن الصباغ القلعي ، والحافظ الغول ، وهو صوفي شاذلي الطريقة ، ساعد عروج وخير الدين على الاستقرار بمدينة الجزائر ، وترجم له كثيرون. وألف عنه قاضي قلعة الاستقرار هوارة محمد الصباغ القلعي كتابا بعنوان : بستان الأزهار في مناقب زمزم الأبرار ومعدن الأنوار سيد أحمد بن يوسف ـ

٧٤

منها أن شابا قال له أطعمني مشماشا وذلك في زمان الشتاء وبإزائه شجرة فهزّها الشيخ فتساقط منها المشماش ، فتاب الشابّ وحسن حاله / ومنها قضيته مع (ص ١٩) المحاربين المتقدمين (كذا) الذكر ، ومنها أن أمير تلمسان أبا حمّ سجن الشيخ بتلمسان وفعل له دجاجة ميتة على الطعام وأخرى مذكاة فقال هذه حلال وهذه حرام ، وبعث الأمير الذباح فدخل البيت الذي فيه الشيخ فلم يجد أحدا قال الشيخ وأنا أنظر إليه فرجع وقال لم أجد أحدا فرده ثانيا وثالثا ولم يجد أحدا ثم أتى الأمير بنفسه فلم ير شيئا وأخذ الله بأبصارهم ، ولما رجع الأمير لقصره بعث للشيخ بالتسريح. فقال الشيخ للرسول لا أخرج حتى نخرجا (كذا) جميعا. ثم بعد أيام قدم المسعودي حاركا على أخيه فهرب أبو حمّ لوهران وولي المسعودي فحينئذ خرج الشيخ بلا إذن لتوكّله على مولاه. ومنها أن خديمه علي بن أحمد الكثيري كان أبوه خديم الشيخ عبد الرحمن الغلامي وتفاخرا فأرى الأب لابنه الكعبة تلعب بأستارها فذهب الولد للشيخ وأخبره فقال له اذهب قد أعطاك الله الدنيا والآخرة فكثر ماله. ومنها أن بعض أصحابه قالوا عن الشيخ الثعالبي أنه قال من رءا (كذا) من رآني لا تأكله النار إلى ثلاثة فقال الشيخ وأنا إلى عشرة. ومنها أنه أخبر بإمارة الأمير محمد علي تلمسان قبل أن يكون فكان كما قال. ومنها أن الشيخ علي الندرومي كان (كذا) له منزلة في الولاية وتأتيه الناس فاعترض على الشيخ فسلب. قال الشيخ يحيى بن علي المغراوي القاطن بمسراتة شاهدت الرجل تضحك منه العامّة. ومنها / ما حدّث به محمد (ص ٢٠) ابن الهواري المسراتي أن الشيخ كان بكرشتل (١) قبل أخذ النصارى وهران فإذا

__________________

ـ الراشدي النسب والدار. وطبعه محمد بن عبد الله الهاشمي بالجزائر عام ١٩٢٧ ضمن كتاب : جواهر الأسرار. والوامودي نسبة إلى قرية وامود بتوات.

(١) قرية كريشتل تقع على بعد حوالي عشرين كلم من وهران شرقا على ساحل بحري صخري في سفح جبل كسيكسو ، وتشتهر بحقولها وخضرواتها وثمارها خاصة ، التين ، والرمان ، وبمياهها العذبة المتدفقة من الصخر وسوقها الذي يتدفق عليه الناس بسياراتهم للتسوق ، ومصيفها الجميل على الشاطىء ، وبها ميناء صغير لصيد الأسماك. وقد ترددنا عليها مرات عديدة للفسحة والتسوق مع أفراد العائلة ، ومع الأحباب والأصدقاء من الأساتذة.

٧٥

بعروج التركي رسى سفينته بالقرب منه وكان مع عرّوج رجل مراكشي شجاع فقال لعروج سر بنا نتبرك بهذا الشيخ فقال عروج إن خرج على ما في ضميري فذهبا وسلما على الشيخ فقال لعروج أنت عزمت على الغدر بأصحابك فقبّل رجل الشيخ فقال المراكشي قل لعروج يطلقني فسرحه ودعا له وقال إن أصابك هول في البحر فقل يا أحمد بن يوسف فأغيثك (١) ، ومنها أن شيخه زروق قال له لك ثلاثة أرباع الدنيا وشاركت الناس في الرابع إلى غير ذلك من كراماته وهو شريف حسني نص عليه صاحب كتاب الاعتبار ، وصاحب كتاب أثمد الأبصار (٢).

ومنهم الشريف الحسني الذي علمه بمنزلة الرّازي ، تلميذ الهواري أبو إسحاق الشيخ إبراهيم بن علي بن مالك التازي. نصّ على شرفه بالإجهار صاحب جواهر الأسرار ، وصاحب أثمد الأبصار ، وصاحب كتاب : الاعتبار. وله ولشيخه نسل مبارك. كان رضي‌الله‌عنه ريحان الدين والأدب ، وإكسير اللجين والذهب فقيها بارعا علّامة ، جامعا ، مع حسب وفضل ، وسخاء وعدل ، ونزاهة وأمانة وعفة وديانة ، فهو نبيل جليل ، ذو معارف وتحصيل ، محدّث لغوي ، بياني ، أصولي ، نحوي ، صوفي ، سني ، بديعي معاني ، خاشي خاشع حجة لا يدافع ، إمام العبّاد ، وملحق العوام ، بالأفراد ، والأحفاد بالأجداد من أكابر الفقهاء (ص ٢١) والمحدثين ، وجهابذة العلماء الراسخين الوارثين الموروثين ، / وكان جامعا بين العلم والعمل ، والزهد والورع ، والفضل والكمل (كذا). ذا تصانيف صحيحة ، وقصائد ظريفة مليحة ، وخطب بديعة. ومنح صنيعة ، عارفا بالأولياء وأخبارهم ،

__________________

(١) المعروف أن عروج وخير الدين استقرا بمدينة الجزائر عام ١٥١٦ م ، والإسبان احتلوا وهران عام ١٥٠٩. وحسب هذه الرواية فإن عروج كان يرتاد الشواطىء الغربية قبل سقوط المدينة في أيدي الإسبان ولا غرابة في ذلك لأن الأخوين استقرا في جربة وشواطىء تونس منذ عام ١٥٠٢ تقريبا ، ودخلا في صراع محموم ضدّ القراصنة الإسبان والأوربيين في كل حوض البحر المتوسط الغربي ، وشاركا في إنقاذ عشرات الآلاف من مسلمي الأندلس المطرودين والمطاردين.

(٢) صاحب كتاب الاعتبار والتعريف بآل النبي المختار ، هو الشيخ أحمد العشماوي ، كما ورد في كتاب حاشية رياض النزهة للشيخ بلهاشمي بن بكار ص ١٤٧.

٧٦

وأيام العرب وأشعارهم ، والأدب والأدباء ونوادرهم ، والبلغاء ومواردهم ومصادرهم ، صاحب اللسان ، حافظا للحديث وفصوله ، بصيرا في الفقه وأصوله ، له خط رايق ، وحفظ فايق ، لا يعادله في فهمه وحفظه سابق ولا لاحق معروفا بجودة النظر وثقوب (كذا) الفهم في جميع الحقائق ، لا نظير له في التمكّن والمعارف وبلوغ الدرجات العليا ، والهمة التي نيطت هامتها بالثّريّا لا يقوم بمعرفة كلامه في التصرّف ومعاني العرفان إلّا من تمكّنت معرفته ، وذاق من طعم الحبّ ما توفرت به مادته. وكان له تصرف في الولاية وكرامات ، وأمور باطنية وخوارق عادات. فله كرامة عجيبة ، وأحوال غريبة ، وكلام موشح بالحكمة في غاية الاقتباس ، وقصائد جليلة مشهورة عند الناس. وكان شديدا على الملحدين ، لين الجانب على المتقين والمرشدين. وصار يضرب به المثل ، حتى إذا بالغ أحد في وصف غيره قال كأنه التازي الأكمل. وإذا امتلأ غيظا ، قال لو كنت في منزلة إبراهيم التازي ما صبرت لهذا ولو لحظا. فهو ممّن أظهره الله / لهداية الخلق ، (ص ٢٢) وألحقه برود المحبّة والمهابة عند الخاصّة والعامّة بالأسبق.

وكان أحسن الناس صوتا وتجويدا ، حتى إنه إذا قرأ البخاري أيّام مجاورته لمكة انحاش (كذا) الناس إليه ويسئلون (كذا) منه مزيدا. وانتشر صيته إلى مشارق الأرض ومغاربها ، ومباعدها ومقاربها ، حتى حدث عنه من يوثق به أنه وجد بمكة المشرفة تأليفا مشتملا على قصائد تتعلق بطريق القوم من تأليف الشيخ المذكور ، ومع ذلك أن بائعه عراقي مشهور (١) وكان الوازعي يقول للطلبة

__________________

(١) لقد أورد الحفناوي في تعريف الخلف حوالي سبع مقطوعات شعرية للشيخ إبراهيم التازي في الوصف ، والمدح ، والتصوف ، بعضها طويلة ، والبعض قصيرة ، ولهذا ليس غريبا أن يوجد كناش له في قصائده الصوفية لدى أحد الباعة في مكة. وله قصيدة مشهورة في التصوف تعرف بالمورداية بدأها بقوله :

مرادي من المولي وغاية آمالي

دوام الرضى والعفو عن سوء أحوالي

شرحها ممد الصباغ القلعي في القرن العاشر الهجري (١٦ م) وسمى شرحه عليها : شفاء الغليل والفؤاد في شرح النظم الشهير بالمراد. وما يزال مخطوطا ، وقد ترجم للتازي معظم من ترجموا لشيخه الهواري. وهو من بني لنت في تازة بالمغرب الأقصى.

٧٧

هذا عالمكم وصالحكم فهو ذو العزّ الشامخ ، لبس الخرقة ، عن المزاغي ، والشيخ صالح الزواوي بسنده إلى أبي مدين شعيب شيخ المشايخ. وأخذ بمكة عن تقي الدين الفاسي الحدوسي ، وبالمدينة عن أبي بكر القرشي ، وبتونس عن الحافظ العبدوسي ، وبلتمسان عن ابن مرزوق الحفيد الساري ، وبوهران عن الشيخ محمد الهواري ، فتلمّذه ولازمه فنال بركاته ومقامه وقاومه ، إلى أن كان في غالب أمره في طريقه يذهب ، وعلى قالبه في جميع أحواله يضرب (١).

قال الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار : لما حكى ما للتازي من المآثر الكبار ، وأني رأيت في تأليف منسوب له أنه بعث من وهران إلى أهله بالمغرب مكتوبا بلفظ موجز موضوح (كذا) يقول فيه فقد ظهر فضل الشيخ عليّ والحمد لله أنّي أدرّس في مختصر الشيخ خليل ولا أحتاج لنظر شروح.

__________________

(١) الوازعي هو أبو زكريا يحيى الوازعي من علماء وأولياء مدينة تازة أشرف على تربية وتعليم إبراهيم التازي في صغره ، ورعاه وحفظه القرآن الكريم وعددا من المتون. والمزاغي هو شرف الدين الداعي. والحدوسي هو تقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسي الذي نبغ في الفقه ، وتولى قضاء المالكية بمكة بعد أن هاجر إليها. والقرشي هو أبو الفتح ابن أبي بكر إمام الأئمة. والحافظ العبدوسي هو أبو القاسم عبد العزيز العبدوسي الفاسي الذي هاجر إلى تونس واستقر بها. أما ابن أخيه عبد الله العبدوسي فلم يهاجر إلى تونس بل عاش بفاس. وتوفي بها. والزواوي هو أبو محمد الشيخ مجد الدين صالح بن محمد الحسني الزواوي. ولد ليلة الأربعاء ١٢ رجب ٧٦٠ ه‍ (٩ جوان ١٣٥٠ م) وتوفي يوم ١٦ رجب ٨٣٩ ه‍ ـ (٤ فيفرى ١٤٣٦ م). وأما أبو مدين شعيب بن الحسين دفين العباد بتلمسان فهو أشهر من أن يعرف ، وترجم له أغلب الكتاب والباحثين المسلمين والمستشرقين قديما وحديثا. وتوفي عام ٥٩٥ ه‍ (١١٩٩ م). وأما محمد بن مرزوق الحفيد العجيسي التلمساني فهو أحد علماء المرازقة الستة ، ولد بتلمسان ليلة الاثنين ١٤ ربيع الأول عام ٧٦٦ ه‍ (٩ ديسمبر ١٣٦٤ م) وتوفي بها يوم الخميس ١٤ شعبان ٨٤٢ ه‍ (٣٠ جانفي ١٤٣٩ م). وهو عالم متضلع في العلوم والمعارف الإسلامية. تخرج عليه جيل من العلماء ، وألف في كثير من الأغراض ، وترجم له كثيرون أمثال : ابن مريم في البستان ، والحفناوي في تعريف الخلف ، والتنبكتي في نيل الابتهاج ، والمازوني في نوازله ، والقلصاوي في رحلته ، والحافظ التنسي ، والثعالبي ، والسخاوي في الضوء اللامع ، ودائرة المعارف الإسلامية ، عن أبي مدين وعلماء المرازقة انظر كتابنا : أعلام الفكر والثقافة بمدينة تلمسان. (تحت الطبع).

٧٨

قال القلصادي لقيت إبراهيم التازي خليفة الهواري بوهران ، وله اعتناء / (ص ٢٣) بكلام شيخه في السرّ والإعلان. ا ه. (١) وقد أخذ عنه جماعة ففازوا بنيل خيرهم منهم التونسي ، والحافظ التّنسي (٢) والتالوتي (٣) وزروق (٤) ...

__________________

(١) علي بن محمد بن علي القرشي ، البسطي ، الشهير بالقلصادي ، رحالة أندلسي كبير ، كثير التجوال ، ألف في كثير من الأغراض الدينية ، والعلمية كالحساب والفرائض ، انتقل من بلدته بسطة إلى غرناطة ، ثم إلى تلمسان حيث تتلمذ على عدد من علمائها ومنهم ابن مرزوق الكفيف ، وبعد ذلك رحل إلى المشرق عبر الجزائر وتونس ، وطرابلس ، ومصر. وأدّى فريضة الحج ، ثم عاد إلى غرناطة ولم تسعده الظروف فرحل عنها إلى تونس ، وأدركته الوفاة في مدينة باجة التونسية في منتصف شهر ذي الحجة عام ٨٩١ ه‍ (منتصف ديسمبر ١٤٨٦ م). ومن أهم كتبه رحلته التي قام بتحقيقها الأستاذ التونسي الفاضل أبو الأجفان الذي راسلني عدة مرات في شأن تحقيق بعض الأسماء والأماكن بتلمسان ذات الصلة بها. وقد ترجم له ابن مريم ، والسخاوي ، والمقري ، وأبو راس ، وغيرهم.

(٢) لم ندر من هو التونسي الذي يعنيه ، أما التنسي فهو محمد بن عبد الجليل التنسي الملقب بالحافظ ولد بمدينة تنس بين شرشال ومستغانم ، وانتقل إلى تلمسان وتتلمذ على ابن مرزوق ، وقاسم العقباني ، وابن الإمام ، والنجاري ، وإبراهيم التازي. وتبحر في العلوم والمعارف حتى قال فيه أحمد بن داود الأندلسي : العلم مع التنسي. والصلاح مع السنوسي ، والرياسة مع ابن زكرى ، ومن أهم مؤلفاته : نظم الدر والعقيان في شرف بني زيان وذكر ملوكهم الأعيان ومن ملك من أسلافهم فيما مضى من الزمان. وقد انتصر للعالم المجاهد عبد الكريم المغيلي في قضية يهود توات وتمنطيط توفي في شهر جمادى الأولى عام ١٨٩٩ ه‍ (فيفرى ـ مارس ١٤٩٤ م) وترجم له أحمد بابا ، وابن مريم ، وغيرهما.

(٣) علي بن محمد التالوتي هو أخ الشيخ محمد بن يوسف السنوسي من أمه ، تتلمذ على الحسن أبركان. ودرس عليه أخوه من أمه الشيخ السنوسي. توفي في صفر عام ٨٩٥ ه‍ (ديسمبر ١٤٨٩ ـ جانففي ١٤٩٠ م). وترجم له ابن مريم ، والحفناوي ، وغيرهما.

(٤) أحمد بن محمد بن عيسى البرنوسي الفاسي الشهير بزروق ولد صباح الخميس ٢٨ محرم عام ٨٤٦ ه‍ (١٧ ماي ١٤٤٤ م) وتنقل بين تلمسان ، وبجاية وقسنطينة ، للدراسة والتحصيل ، وتتلمذ على الشيخ عبد الرحمن الثعالبي ، وألف عدّة كتب في علم التصوف وشرح عدة منظومات منها : منظومة الوغليسية للشيخ عبد الرحمن الوغليسي في الفقه المالكي. وقد حاول أن يوفق بين التصوف والفلسفة وحج عدة مرات ، وأدركته الوفاة في ـ

٧٩

والسنوسي (١) إلى غير ذلك من غيرهم. ولما مات شيخه الهواري رضي‌الله‌عنهما قام بوهران مقامه ، وتقلّد حسامه ، ونصب راية العلوم وشيّد بنيانها ، ورفع قواعدها ودعّم أركانها ، فابتهج به المحل والأوان ، وحاز رئاسة الفضل بثغر وهران ، فهو المطاع وليس بذي سلطان ، والنافذ الكلمة من غير أعوان.

وهو الذي جلب الماء العظيم لوهران. قد جمعه لها من محاله بغاية الصيانة ، فاخترعه بتدبير عجيب وابتدعه بتوفيق من الله والإعانة. وقد كان أهل وهران قبل ذلك في غاية الإهمال ، بحيث تذهب المرأة بكرة لسقي الماء ، فلا تروج لبيتها إلّا بعد الزوال لكون الماء بيض قليلا قليلا وعليه نوبة وزحام. ويقال إنه لما وصله للموضع المعروف برأس العين من وهران طلسم عليه فلا يعرف من أين مجيئه (كذا) باحتكام ، وبديع تدبيره لمائه ، يدل على عظيم فراسته ودهائه. وكان يقترض الدراهم الكثيرة من التجار بتحقيق المسالك. ويصرفها في إصلاح هذا الماء فلا يدرى من أين يوفي ذلك. ولما أتمّ بنيانه ، وصوّب ميزانه ، وأرصد مكانه ، وأفخم عرفانه ، أخرج الأطمعة المختلفة الألوان ، فشبع كل من

__________________

ـ قرية تكرين بضواحي مسراته قرب مدينة طرابلس الليبية في شهر صفر عام ٣٩٩ ه‍ (نوفمبر ـ ديسمبر ١٤٩٣ م). فدفن هناك وبني على قبره ضريح يحتفل به الناس كل سنة. وفي عام ١٩٧٩ م احتفل المصراتيون بذكرى مرور خمسمائة عام على وفاته وكنت آنذاك بمدينة طرابلس أشارك في ملتقى دولي حول تجارة القوافل الصحراوية نظمه مركز جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي. ولا حظت تهجم الإذاعة على فكرة الاحتفال بمثل تلك الشخصيات وذكرياتهم ، وكذلك الصحافة.

(١) محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي التلمساني ، ولد بتلمسان بعد عام ٨٣٠ ه‍ (١٤٢٦ م) ، ونشأ بها واشتهر بتبحره وتضلعه ، وتخصصه في علم التوحيد ، والتصوف ، وألّف متون السنوسية : الكبرى ، والصغرى ، والوسطى ، التي كانت تدرس في القرويين ، والزيتونة ، والأزهر ، وقسنطينة ، والجزائر ، وفاس ، وفي معظم المعاهد والزوايا العلمية لغاية نهاية عقد الستينات من هذا القرن العشرين الميلادي. واشتهر بتزعمه لمدرسة تلمسان الصوفية. وتوفي يوم الأحد ١٨ جمادى الثاني عام ٨٩٥ ه‍ (١٨ أبريل ١٤٩٠ م) ، ودفن بمقبرة العباد ، وما يزال قبره وضريحه قائمين. كما أن مسجده ما يزال أيضا قائما حتى اليوم في حي القيصرية بتلمسان. وقد ترجم له ابن مريم وأحمد بابا ، والحفناوي ، ودائرة المعارف الإسلامية.

٨٠