طلوع سعد السّعود - ج ١

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ١

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

في الستين وكانت تلمسان معمورة وهي حرثت في حياته وقت تخريبه لها. وكان أبو عنان عالما كبيرا يقرأ القرآن بالسبع (١). وقال الحافظ أبو راس في الشماريخ : أنه كان يقرأه (كذا) بالعشر ، وأن أباه كان يقرأه (كذا) بالسبع وكان أديبا كثير الاعتناء بشعر ابن خميس التلمساني فهو علم الأعلام ، ومستخدم السيف والأقلام ، وله بطش وبغض شديد في الأمور حتى أنه حبس الإمام ابن مرزوق الخطيب لاتهامه في تقصيره خطبة حفصة بنت سلطان تونس حتى قدم عليه شيوخ إفريقية بالخراج فقالوا له سمعنا في بلادنا أنك حبست عالما كبيرا فأمر بإطلاقه وقيل أطلق بعد موته وهو أول من اعتنا (كذا) بتعظيم المولد النبوي في البلاد الغربية فاقتدا (كذا) به أبو حمّ موسى بن يوسف الزياني أحد الأعياص وبنوا حفص بتونس لا سيما أبو فارس عبد العزيز الحفصي وتوفي يوم الأربعاء رابع عشرين ذي الحجة الحرام سنة تسع وخمسين من الثامن (٢) وقد عاهد (كذا) بالملك لابنه أبي زيان فأبى أهل المجلس ذلك وعقدوا البيعة لأخيه السعيد ابن أبي عنان وكان صغيرا ابن خمس سنين وجزموا على الفتك بأبي زيان فأجبروه على البيعة لأخيه فبايع له وتلفت مهجته. واستقل بالأمر الحسن بن عمر كافل الخليفة السعيد بن أبي عنان فصارت الخلافة للسعيد وبقي تسعة أشعر ثم خلعه منها عمه أبو سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني في منتصف شعبان سنة ستين من الثامن (٣).

عودة وهران للدولة الخامسة الزيانية

ثم رجع ملك وهران للدولة الخامسة الزيانية فملكها أبو حمّ موسى ابن يوسف الزياني وذلك أنه لما خلص من واقعة أبي عنان وذهب لتونس / فاستقر (ص ١٢٣) بها عند الملك الحفصي أبي إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى زكرياء في نعمة شاملة إلى أن جاءه من المغرب سقير بن عامر الهلالي رئيس بني عامر بقبيله

__________________

(١) يقصد أنه كان يقرأ القرآن بالروايات السبع المشهورة والعشر كذلك.

(٢) الموافق ٢٧ نوفمبر ١٣٥٨ م.

(٣) الموافق ١٢ جويلية ١٣٥٩ م.

١٨١

ومعه مغراوة فجاؤوا مغرّبين به لجبل عياض ومنه للزاب وريغة ووارقلا وجبل مزاب وواد زرقون وغزوا أولاد عريف ساروا إليهم عشرة أيام بلياليها (كذا) فصبحوهم بواد ملّال فاستباحوا مالهم وقتلوا كثيرا من رجالهم من جملتهم عثمان ابن وزمار بن عريف السويدي فهذه الواقعة هي باكورة السّعد. ثم جاءهم البشير بموت أبي عنان فاستبشروا بنيل المراد. ثم بايعوه في خامس محرم سنة ستين من الثامن (١) وجاؤوا مغربين إلى أن وصلوا إلى مكرّة فسمع أهل وطن تلمسان فأتوه من كل حدب ينسلون (كذا) ثم زادوا لتلمسان وبها محمد بن أبي عنان فنزلها وحاصرها ثم دخل أقادير بعد حروب فسأل منه بنوا مرين الأمان فأمّنوا وأسلموا البلد. وبايعوا أبا حمّ فدخلها بعد صلاة ظهر يوم الخميس غرة ربيع الأول تلك السنة (٢) ولما جلس على كرسي المملكة أنشأ يقول قصيدته الميمية التي من الطويل الذاكر فيها أحواله من حين مجيئه من تونس إلى حال دخوله تلمسان مطلعها :

جرت أدمعي بين الرّسوم الطّواسم

لما شطحتها من هبوب الرّواكم

وقفت بها مستفهما لخطابها

وأي خطاب للصعاب الصلادم

وانظر تمامها في الدر والعقيان ، أو بغية الرواد ، أو زهر البستان ، أو دليل الحيران ، أو لباب اللباب ، وكان أهم ما بدأ به الإحسان إلى أنصار الدولة ثم لوفود التهنئة ثم التفت إلى قبيله فاستركب منهم في يوم واحد ألفي فارس وضبط ملكه وأسّسه واجتمع بأبيه أبي يعقوب وابنه أبي تاشفين في عام الستين من الثامن فجهّز لأبيه جيشا دوّخ به المشرق وأخذ يحيى البطيوي بوانسريس أخذا وبيلا وفتح المدية ومليانة عنوة وأسر ما فيها من شيعة بني مرين واصطلح مع أبي سالم المريني لما أفضت الخلافة إليه في عام الستين المار وجهز لابنه أبي تاشفين في (ص ١٢٤) عام إحدى وستين من الثامن / جيشا (٣) لحرب أبي زيان بن أبي يحيى الراشدي ففرّ أبو زيان واستولى أبو تاشفين على المال والذراري ، ولوزيره أبي محمد

__________________

(١) الموافق ٧ ديسمبر ١٣٥٨ م.

(٢) الموافق ٣١ جانفي ١٣٥٩ م.

(٣) الموافق ١٣٥٩ ـ ١٣٦٠ م.

١٨٢

عبد الله بن مسلم جيشا لحرب محمد بن عثمان فهزمه الوزير هزيمة بليغة وجاءته البشارتان بالهزيمتين وفيها بايعته أهل البطحاء ، ومستغانيم ومزغران وجهز جيشا بعثه مع وزيره موسى بن برغوث لفتح وهران فكانت الدائرة على وزيره وهر جيشه وكبّ به فرسه فأخذ أسيرا وبعث به للمغرب وحرك عليه فيها أبو سالم المريني بجنود كالجراد المنتشر فدخل تلمسان وخرج أبو حمّ وتوجه للمغرب فدوّخه وبعد أربعين يوما فتح تلمسان من يد أبي سالم ودوّخ بني وطاط كثيرا ومات في تلك الواقعة سقير بن عامر فحمله بجنازة الملوك ودفنه بالعبّاد وكان في موته راحة له لأنه خادعه غفلة وأراد غدره لميله لبني مرين فأراحه الله منه وتلك عادة بني عامر بكبيرهم وصغيرهم. ثم نهض للجبهة الشرقية فدوّخها وفي سنة اثنين وستين من الثامن (١) فتح وهران عنوة على يد أبي موسى عمران فارس الولادي وسلّم له أبو سالم المريني الجزائر فاجتمعت له الجهة الشرقية وجاءه محمد بن موسى اليزناسي طريدا فآواه وأحسن إليه ولله درّ القائل :

تطاول دائي فاستفزّ منامي

وطال سهادي واستطال سقامي

وحرمت سبعا ليس للنفس بعدها

مقام بطيب وجدّ حزامي

منامي وعقلي والفؤادي وعبرتي

وقلبي ولبّي والتذاذ طعامي

واصطلح مع أبي سالم المريني أمير المغرب فردّ كلّ واحد الأسارى لصاحبه وذهب وزيره أبو محمد عبد الله بن مسلم للجهة الشرقية فمهدها ومات والده أبو يعقوب بالجزائر في شعبان تلك السنة فحمله ودفنه بباب أيلان وبنا (كذا) عليه المدرسة اليعقوبية ونقله لجوار أخويه أبي سعيد وأبي ثابت ولما كملت المدرسة نقل الثلاثة لها وجعل أطعمة ورتب أوقافا ، وأتاه خالد بن عامر صحبة محمد بن عمر للاختلاس فبعث لهما ابنه أبا تاشفين وعمران بن موسى فهزمهما ببني ورنيد ورجع أبو تاشفين منصورا ، وفي أربع وستين (٢) من الثامن / جهز جيشا كثيفا لوزيره وأمره بطرد أبي زيان الراشدي أو الفتك به وبخالد (ص ١٢٥) ابن عامر القاتل لأخيه شعيب بن عامر غدرا ففرّا وأطردا عن الوطن. وفي خمس

__________________

(١) الموافق ١٣٦٠ ـ ١٣٦١ م.

(٢) الموافق ١٣٦٢ ـ ١٣٦٣ م.

١٨٣

وستين منه (١) جهز لوزيره جيشا لإطراد المنافقين فأزعجهم إلى المسيلة ومات وولّى بموضعه أخاه عثمان بن مسلم فاجتمعت عليه الحشود فأرسل ابنه أبا تاشفين ثم لحقه في جيشه ولما حل بالبطحاء نزل العدوّ بغليزان ووقع الحرب بينهما يوما كاملا وأبو حمّ بمحلته ينظر ففرّ عنه الناس ولم يشعر إلى أن وجد نفسه منفردا بخاصته فارتحل لحضرته وتكالب عليه العدو وزاد معه إلى سيق كأنه جراد منتشر واشتدّ القتال في الثنية فقطع رأس بعض أعيانهم فرجعوا منهزمين وذهب لحضرته. ولقد انتكب ثلاث نكبات : واحدة بناحية بجاية ، والأخرى بتسكاله ، وأخرى بوانسريس ، والأمر لله وحده. وفي سنة ست وستين منه (٢) اجتمعت عليه العرب لأمر لم يرده الله فذهبوا خائبين وأذعنوا بالطاعة ، وأتى سويد لبابه الكريم يتلمسون الرضى فأصفح (كذا) عنهم وعفا ، وحضرت ليلة الميلاد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام فاحتفل لها كعادته وأنشد قصيدته الجيمية المسمّة (كذا) بالمنفرجة المحتوية على أربعين بيتا من بحر البسيط مطلعها بتمامها للفائدة فيها بالتوسل :

يا من يجيب دعا المضطر في الدّيج

ويكشف الكرب عند الضيق والهرج

ولطف رحمته يأتي على قنط

إذا القنوط دعا يا أزمة الفرج

ومن إذا حلّ خطب واعترى توب

أبدا (كذا) من اللطف ما لم يجر في المهج

إني دعوتك جنح الليل يا املي

دعاء مبتهل بالعفو مبتهج

يا كاشف الضر عن أيوب حين دعا

قد مسّني الضر فاكشف ضرّ كل شجّ

أنت المنجي لنوح في سفينته

ومخرج يونس من ضيقة اللّجج

يا من وقى يوسف الصّديق كلّ أذى

لما رموه بجبّ ضيّق حرج

أجاب يعقوب لمّا أن بكا وشكا

وجاءه منه لطف لم يخله يج

وعاد بعد بصيرا حين هبّ له

نسيم نشر القميص الطّيب الأرج

(ص ١٢٦) / نجّا من النّار إبراهيم حين رمي

فيها وعادت سلاما دون ما وهج

يا من تكفّل موسى وهو منتبذ

باليمّ في جوف تابوت على لجج

__________________

(١) الموافق ١٣٦٣ ـ ١٣٦٤ م.

(٢) الموافق ١٣٦٤ ـ ١٣٦٥ م.

١٨٤

يا من أعاد لللّام بعد ما يئست

موسى وقرّبه في المرسلين نج

يا من كفى المصطفى كيد الذي كفروا

إذ جاءهم بكتاب غير ذي عوج

يا من وقاه الرّدا في الغار إذ نسجت

ببابه عنكبوت خير منتسج

وكلّ ما حاولوا مكرا به انقلبوا

بالرعب ما بين مكبوت ومرتعج

من قد أتى رحمة للعالمين وقد

أحيا القلوب بوحي واضح الحجج

من عطّر الكون طيبا عند مولده

وأشرق الأفق من نور له بهج

من أنزلت فيه آيات مطهّرة

أنوارها كمصباح لاح منبلج

يبلي الجديدين أخلاقا وجدناهما

مع الجديدين في نور وفي بهج

في طيها كل علم ظلّ مندرجا

وأي علم لديها غير مندرج

وكم له معجزات ما لها عدد

جلّت عن الحصر من فرد ومزدوج

عمّت شفاعته للخلق أجمعهم

فبالوسيلة ترقى أرفع الدّرج

محمد خير خلق الله قاطبة

نور الهدى وإمام الرسل ذي السّرج

يا حادي العيس عرّج نحو أربعة

بالله عج بي على ذاك المحلّ عج

لله قوم إلى معناه قد وصلوا

بالعزم إذ وصلوا الروحة بالدّلج

ساروا فزاروا وفرط الذنب أقعدني

وقد مزجت بدمعي دمي ممتزج

فالجسم منتحل والدمع منهمل

والقلب مشتعل من حرّه الوهج

وقد تقلّدت ما لا نستطيع له

من الخلافة أوهنت قوّى حجج

يا ربّ عبدك موسى قد دعاك عسى

تنيله نفحة من نصرك الأرج

فكن نصيري فقد أصبحت مكتئبا

فالقلب من نكد الأوزار في السيرج

قد ضقت ذرعا بزلتي وكثرتها

فما اعتذاري إذ ذاك نبت بالحجج

فكم قطعت من الأيام في لعب

وفي ضلال وكم ضيعت من حجج

/ وفي البطالة لهوا قد مضى عمري

آه لتضييعه في اللهو والمرج

(ص ١٢٧) وكم عصيتك جهلا ثم تسترني

وباب فضلك عني غير مرتتج

منّي الإساءة والإحسان منك بدا

منّي الذنوب وكل العفو منك زج

كم جدت بالفضل والإحسان منك وكم

سترت بالفضل عن أفاعلي السمج

إني سألتك بالسرّ الذي ارتفعت

به السموات والأراضي لم تمج

أصلح بفضلك ما قد كان من خلل

واجبر بحلمك ما قد بان من عوج

١٨٥

واجعل لنا مخرجا في أثره فرجا

فكم تعامل بعد الضيق بالفرج

وصل صلاة على المختار من مضر

ما لاحت الشّهب في الأفق كالسرج

وتحرك لتدويخ المغرب بجميع عساكره شرقا وغربا فنزل جبل دبدوجاس خلال دياره ثم لثنية تيزى ، ثم فرط ، ثم لثنية بلزوز ، وقرية تابريد ، وغارت خيله لتازة ثم كرّ قافلا لتاوريرت فهدم أسوارها وخربها وعاد لحضرته العالية فدخلها سنة سبع وستين منه (١) وصرف إلى كوّر قطره جميع قواده فبعث إلى تجين راشد ابن أبي يحيى ، وإلى منداس ونزمار ، وإلى وانسريس إبراهيم بن محمد ، وإلى شلف عطية بن موسى ، وإلى المدية وادفل بن عبّ ، وإلى تدلس ابن راشد ، وإلى وجدة موسى بن خالد. وحرك عليه في سنة إحدى وسبعين من الثامن (٢) أبو فارس عبد العزيز أبي الحسن المريني بجيوش عظيمة فأفرج له عن تلمسان وقصد نحو المشرق بجنوده فدخل لتلمسان أبو بكر بن غازي وزير أبي فارس ثم دخلها أبو فارس المريني في أثره في عاشوراء سنة اثنين وسبعين من الثامن (٣) ولما حل بقصر الإمارة ألفى مكتوبا بحائطه هذه الأبيات من شعر أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني ونصّها :

ساكناها ليالي آمنينا

وأياما تسرّ الناظرينا

(ص ١٢٨) / بناها جدّنا الملك المعلّا

وكنا نحن بعض الوارثينا

فلما أن جلانا الدّهر منها

تركناها لقوم آخرينا

فأمر عبد العزيز بتبديلها فقالوا في تغييرها :

سكنّاها ليالي خائفينا

وأياما تسوء الناظرينا

بناها جدّنا شيخ المعاصي

وكنّا نحن شرّ الوارثينا

فلمّا أن جلانا السيف عنها

تركناها لقوم غالبينا

ونظير هذا ما وقع للعلامة الشيخ أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي رضي‌الله‌عنه فإنه لما رأى البيت التي (كذا) قيلت في مدح مسيلمة الكذاب وهي :

__________________

(١) الموافق ١٣٦٤ ـ ١٣٦٦ م.

(٢) الموافق ١٣٦٩ ـ ١٣٧٠ م.

(٣) الموافق ٤ أوت ١٣٧٠ م.

١٨٦

علوت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا

وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا

أبدلها بقوله :

سفلت بالكفر يا ابن الأرذلين أبا

وأنت شرّ الورى لا زلت شيطانا

قال التنسي في نظم الدر والعقيان : وما قاله المولى أبو حمّ وقيل فيه من الشعر فكثير. وأما حروبه ووقائعه في العرب وزناتة وسوق عمال بني مرين إليه في السلاسل وحركته إلى بلادهم وتحركه عليهم وما كان بينه وبينهم من الوقائع ، فأمر لا يحاط به. وقد تولى ذلك صاحب بغية الرواد وصاحب زهر البستان ه. وكان رحمه‌الله له اعتناء بالعلم وأهله في الغاية. وفي وقته كان شريف العلماء وعالم الشرفاء أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن يحيى بن محمد بن القاسم ابن حمّو فكان له محبا ومعظما ودرّس التفسير بالمدرسة اليعقوبية وحضر الخليفة أبو حمّ للختم وأطعم الناس فكان موسما عظيما. وقول الحافظ أبي راس في عجائب الأسفار أن أبا عبد الله الشريف وابني الإمام أبا زيد وأبا موسى وفدوا على أبي حمّ موسى بن يوسف فإنه صحيح بالنسبة لشريف العلماء ، وسبق قلم بالنسبة لابني الإمام لأنهما كانا في وقت أبي حم الأول في الوفود ، لا الثاني فكلامه فيه تلفيف رحمه‌الله وصنف رضي‌الله‌عنه كتابا أدبيا لولده خليفة عهده أبي تاشفين سمّاه : نظم السلوك في سياسة الملوك ، أتى فيه بالعجب العجاب (١) وأودعه من رائق نظمه ما يزري بأولي الألباب. ثم حصلت السعاية الخبيثة بينه وبين ولده أبي تاشفين الخليفة من بعده فعمد أبو تاشفين لأبيه أبي حمّ وخلعه من الملك وأسكنه بعض حجر القصر ووكّل به من لا يدعه يخرج ثم استلبه من الأموال والذخائر وبعثه لقصبة وهران فاعتقله بها واعتقل سائر إخوته بتلمسان ثم / قتلهم (ص ١٢٩) سنة ثمان وثمانين من الثامن (٢) وبعث لأبيه بوهران من يقتله فأغلق الباب في وجوههم وصعد لجدران القصبة واستصرخ أهل البلد فأتوه من كل جهة وتدلّى لهم بعمامته والرهط واقف بباب القصبة فسألوا الأمان وطلبوا النجاة واجتمع أهل البلد عليه

__________________

(١) حقق هذا الكتاب ونشره الأستاذ عبد الحميد حاجيات ضمن كتابه : أبو حمو موسى الثاني.

(٢) الموافق ١٣٨٦ ـ ١٣٨٧ م.

١٨٧

وجدّدوا له البيعة وارتحل من حينه لتلمسان فدخلها أوائل سنة تسع وثمانين منه (١) وأقام بملكه فسمع ابنه أبو تاشفين وهو بتيطرى فجاءه مغلغلا قبل تمام الأمر فدخل عليه وأحيط به ففرّ للصومعة واستعصم فسأل عنه فأخبر به فأخرجه منها وأدركه الندم وبكا (كذا) ثم عاد به للقصر وربطه مع حجرة أعوذ بالله من هذا العقوق فخلع أبوه نفسه وسلم له في الملك وسأل منه التوجه للمشرق في البحر بقصد الحج فجاء به لوهران وركبه من مرساها مع نصارى القطلان مكبّلا للإسكندرية فلما وصل بجاية سأل من رايس السفينة إخراجه لها فأخرجه ولما حلّ بها جددت له البيعة وجاء متوجها لتلمسان مستجيشا كل من ببلدة الشرقية من عرب وزناتة ثم ذهب مع الصحراء إلى ناحية المغرب فنزل بوادي زا ثم جاء لتلمسان وفرّ أبو تاشفين أمامه لفاس خائفا عاديته لأمور وقعت منه في إخوته فاستجاش بني مرين فبعث معه السلطان أبو العباس أحمد المريني زيان بن محمد الوطاسي بجيوش عظيمة وجاءوا لتلمسان فلقيهم أبو حمّ بجيشه بجبل بني ورنيد فاقتتلوا شديدا وكبّ به فرسه فاستشهد رحمه‌الله بموضع يقال له الغيران من بني ورنيد غرة ذي الحجة الحرام سنة إحدى وتسعين وسبعمائة (٢) عن ثمان وستين سنة بعد ما ملك إحدى وثلاثين سنة. وهذا العجب الكبير في ملوك بني زيان كل خليفة اسمه أبي (كذا) حمّ يقتله ولده اسمه أبي (كذا) تاشفين على الرئاسة. ثم ابنه أبو تاشفين عبد الرحمن بن أبي حم موسى بن يوسف الزياني أحد الأعياص فهو تاسع الزيانيين وثالث عشر القاسميين. فاستقرّ في الملك ودوخ البربر والعربان وملك من ملوية إلى جبل الزبان. وكان عين الجود والكرم ومعدن النزاهة وعلو (ص ١٣٠) الهمم ، فهو ليث النزال ، وغيث النوال ، / فشمل الرعية عدله وأمانه ، وعمهم فضله وامتنانه وتوفي على سرير ملك سابع عشر ربيع الثاني وقيل رمضان سنة خمس وتسعين من الثامن (٣).

__________________

(١) الموافق ١٣٨٧ م.

(٢) الموافق ٢١ نوفمبر ١٣٨٩ م.

(٣) الموافق ٢ مارس ١٣٩٣ م.

١٨٨

عودة وهران للدولة السادسة

ثم رجع ملك وهران للدولة السادسة المرينية فملكها أبو العباس أحمد ابن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني سلطان المغرب وذلك أنه لما سمع بموت السلطان أبي تاشفين الزياني خرج من فاس لتازة وبعث ابنه أبا فارس لتلمسان فاستولى عليها وأقام بها دعوة أبيه ثم زاد لوهران ومليانة وما وراءها من الجزائر ودلس إلى حدود بجاية فملكها تلك السنة وانقرضت دولة بني عبد الواد من المغرب الأوسط أمدا والله غالب على أمره. ولا زال السلطان أبو العباس بتازة إلى أن اعتراه مرض كان فيه حتفه فتوفي في المحرم سنة ست وتسعين من الثامن (١).

ثم استدعى المرينيون ابنه أبا فارس من تلمسان فلما جاءهم بايعوه بتازة ورجعوا به إلى فاس فاستقل بالملك وتمهد له المغرب ومنه ذهب ما تعلّق بحفظي من ملوك المرينيين إلى أبي سعيد ثم منه إلى محمد بن أبي ظريف بن أبي عنان ثم منه إلى آخر ملوكهم عبد الحق بن أبي سعيد الذي خلعه السيد محمد بن علي بن عمران الإدريسي الجوطي وتولى مكانه سنة خمس وسبعين من التاسع (٢) فلذلك لم أذكرهم ولكون وهران خرجت عن ملكهم بالكلية بل لم يملكها إلّا من تقدّم ذكره منهم.

عودة وهران للدولة الخامسة

ثم رجع ملك وهران للدولة الخامسة الزيانية فملكها أبو زيان محمد ابن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني وبه انقطع ملك بني مرين بالمغرب الأوسط فلم يملكه أحد منهم. وذلك أن أبا تاشفين بن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني لما توفي على سرير الملك كما مرّ ، تولى بموضعه ابنه أبو ثابت فبقي في الملك أربعين يوما ودخل عليه عمّه أبو الحجاج فاغتاله. ثم تولى عمه أبو الحجاج

__________________

(١) الموافق ١٣٩٣ ـ ١٣٩٤ م.

(٢) الموافق ١٤٧٠ ـ ١٤٧١ م.

١٨٩

المذكور يوسف بن أبي حم موسى بن يوسف الزياني منسلخ جمادى الأولى سنة خمس وتسعين من الثامن (١) فجنّد الجنود وعقد الألوية والبنود. فلم تسامحه (ص ١٣١) / الأيام في ملكه بامتداد الأوان بل أوغرت عليه صدور بني مرين ففوّقوا له سهم أخيه أبي زيان ، فخلعه لعشرة أشهر مضت من أيامه ، وتركته مخاصما مع أحلامه ، وذهب لبني عامر واستقرّ في أمان فوجه له من جرّعه كأس الحمام وكما تدين تدان.

ثم تولى أبو زيان المار غرة ربيع الثاني سنة ست وتسعين من الثامن (٢) وتولّع بالعلم فلم تخل حضرته من مناظرة ، ولا عمرت إلّا بمذاكرة ومحاضرة ، فلاحت للعلم في أيامه شموس ، وارتاحت للاستغراق فيه نفوس بعد نفوس ، وصنّف كتابا نحا فيه منحا التصوف سمّاه : كتاب الإشارة في حكم العقل بين النفسين المطمئنة والأمارة ، ونسخ بيده نسخا من القرآن ونسخا من الشفا لأبي الفضل القاضي عياض ونسخة من صحيح البخاري وحبّسها كلّها بخزانته التي بمقدّم الجامع الأعظم بتلمسان وأتته هدية من ملك مصر أبي سعيد برقوق فوجّه له هدية جليلة ومعها قصيدة لامية من نظمه عدد أبياتها خمس وستون بيتا مطلعها :

لمن الركاب سيرهنّ خميل

فالصّبر إليّ بعدهنّ جميل

وانظر تمامها في نظم الدرر والعقيان للتنسي ، ولم يزل في دار ملكه مطاعا مديد الاطناب ، مهابا مرهوب الجناب ، إلى سنة واحد من التاسع (٣) تحرك عليه لتلافته ، أخوه أبو محمد عبد الله مستجيشا ببني مرين وكثيرا من أهل الوطن ففرّ منه وانخلع من خلافته ، وتوجه للمشرق يلتمس معينا أو منجدا ويطلب ناصرا ومؤيدا ، والدهر يمنيه بالآمال المكذوب ويعده مواعد عرقوب. وهو في العرب والبرابر يتقلب من فئة لفئة ، ودام إلى سنة خمس وثمانمائة (٤) سنة ، فاغتاله محمد

__________________

(١) الموافق ١٣ أبريل ١٣٩٣ م.

(٢) الموافق ٣ فيفري ١٣٩٤ م.

(٣) الموافق ١٣٩٨ ـ ١٣٩٩ م.

(٤) الموافق ١٤٠٢ ـ ١٤٠٣ م.

١٩٠

ابن مسعود الوعزاني بعد أن أظهر له الخدمة ، وقتله في بيته منتهكا منه أعظم الحرمة فعاجله الله بانتهاكها بأعظم النعمة والشدّة ، وكانت مدته خمس سنين بالعدة.

ثم أخوه أبو محمد عبد الله بن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني فخافه أرباب دولته ، وشرفت به بنوا مرين بعد أن كانوا من شيعته ، فدبّر / الجميع في (ص ١٣٢) خلعه أمرا أبرموه بالليل فلم يشعر إلى أن دهمته في مملكته من مرين الرجال والخيل فأسلمته أحبابه الذين ركن إليهم ، وكان يعوّل في المهمات عليهم فاعتقل وأخرج في هيئة توجب النحيس والغولة (كذا) وعوض مكانه محمد بن خولة ، وحمل من حينه للمغرب وحيدا ، مستوحشا فقيدا. ثم أبو عبد الله محمد بن خولة ابن أبي حمّ بن يوسف البارع سنة أربعة من التاسع (١) فكانت أيامه خير أيام ، ودولته خير دولة وعزّ وإحكام فهو عقدهم الثمين ومغناهم التام المكين. ولما توفي في ثالث عشر من التاس (٢) بإثبات كتب على قبره هذه الثلاثة الأبيات (كذا) :

يا زائرين لقبري فيقوا

يسكن في القبر زائرا ومزورا

تركنا ما قد كسبنا تراثا

وسكنّا بعد القصور قبورا

يا إله الخلق فالطف بعبد

عاد بعد الغنا إليك فقيرا

ثم ابنه أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن أبي حمّ موسى وهو ممّن لم تمد له الأزمان. ولا كان له عليها معوان ، ولا ساعده على ما تقلّده إخوان ، فانقض عليه عمه السعيد ليث العرين المفلت من أشراك بني مرين ، وهجم عليه في قصر إمارته وخلعه لشهرين وأيام من ولايته ، فصح فيه قول الشاعر من البسيط ، المقتضى لكل معنى مركب وبسيط :

لا تطمئن إلى حظّ حظيت به

ولا تقل باغترار صحّ لي وثبت

فما الليالي وإن أعطت مقادتها

إلّا عدا المرء مهما استمكنت وثبت

ثم عمه السعيد بن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني فوجد حضرة الملك

__________________

(١) الموافق ١٤٠١ ـ ١٤٠٢ م.

(٢) الموافق ١٤١٠ ـ ١٤١١ م.

١٩١

مملوءة معمّمة ، من بدرات نقود متمّمة وسلع مرزّمة ، وعتاق خيل مسوّمة ، وجالت فيها يد الجود إلى أن صيرته للعدم بعد الوجود ، وبقي في أثوابه رافلا وعن عواقب أموره غافلا إذا بأهل فاس من كل معاند وجّهوا له غفلة أخاه عبد الواحد ، بعد ما مكث خمسة أشهر ونصفا فأسرع به أخوه تلفا وخرج السعيد (ص ١٣٣) للقائه. وكان ذلك سببا لشقائه ولما استقر في بسيط / واحد أدلج ليلا عبد الواحد بعد إبرامه الأمر مع الرؤساء والرعية فأدخلته البلد ليلا جماعة الرحويّة ، وأقام لهم النذيرة على الأسوار مشاعيل النيران علامة لمن هو بالمحلة على الإقامة ، ولما سمعوا أصحاب السعيد انصرفوا عنه وبقي كالوحيد ولم يتأمل في السابق قول الشاعر القائل بتحذيره لكل عارف ماهر :

إنّ الليالي لم تحسن إلى أحد

إلّا أساءت إليه بعد إحسان

ثم أخوه الهمام الماجد أبو مالك عبد الواحد بن أبي حمّ ، موسى الشائع ، سادس عشر رجب سنة أربعة عشر من القرن التاسع (١) فنفق في أيامه سوق الأدب ، وجاء بنوه إليه ينسلون من كل حدب ، فينقلبون بخير الحقائب ظافرين بجزيل الرغائب. ولما قصده من الأندلس محمد بن أبي طريق بن أبي عنان المريني قال له وقت التسليم والاقتباس أنا في حسب يغمراسن بن زيان حتى تعينني على فاس ، فقال له وصلت وجهز له الجيوش وأعطاه الأموال وآلة الملك وأرسل معه العمال حتى استولى على فاس وملكه في قصّته المشهورة ، ودوّخ مملكة المغرب الأقصى ، فكانت من مناقبه المأثورة ، واستمرّ عبد الواحد في الملك إلى سنة سبع وعشرين وثمانمائة (٢) فخلعه ابن أخيه محمد بن أبي تاشفين المعروف بابن الحمرا على يد أبي فارس الحفصي صاحب تونس فخرج من تلمسان متوجها للغرب. ثم ابن أخيه أبو عبد الله محمد بن أبي تاشفين بن أبي حمّ موسى بن يوسف فقابل الدّهر أيامه بالإسعاد ، حتى صارت كالمواسم والأعياد. ثم فسد ما بينه وبين أبي فارس فأبدل سعيده بالناحس. وسببه أن

__________________

(١) الموافق ١٤١١ ـ ١٤١٢ م.

(٢) الموافق ١٤٢٣ ـ ١٤٢٤ م.

١٩٢

عبد الواحد لما توجه للمغرب حاول الحركة لتلمسان ، فلم يتمّ له الأمر ولم يكن المعان ، ووجه ابنه لتونس عند أبي فارس فأكرمه وكتب معه لأبيه بالقدوم فأرصده أبو عبد الله وأوتي به إليه فقتله ونظر مكاتب التونسي فهذا سبب الأمر مع ما تقدم بينهما من الكلام. ثم توجه عبد الواحد لتونس وواعده الحفصي بالانتصار وهو ذاهب للجريد فاستعمل ابن أبي حامد / وزير عبد الواحد مكاتب على ألسنة رؤساء (ص ١٣٤) الوطن يسئلونه القدوم نحوهم وذهب بها لأبي فارس وقال له أنّ أهل بلدنا يحبوننا وإذا كانت رائحتك معنا ولو فارسا نلنا المراد وهذه مكاتبتهم فأراها له فقال له نحن متحركون وإذا وصلنا لقسنطينة بعثنا معكم قائدها جاء الخير فرجع الوزير لعبد الواحد وأخبره فقال له هلكتنا فقال له أن الحفصي قد أفسد في المرة الأولى أموالا ولم يدرك شيئا منها وإذا ذهب معنا صاحبه فإن ربح فذلك وإن خسر فيأتي لثأر ما ضاع له فبعث معهم العلج وأخذ أخذا شنيعا فتحرك أبو فارس مع عبد الواحد وحصر تلمسان شديدا فخرج أبو عبد الله لجهة الغرب ودخلها عبد الواحد ورجع التونسي لبلده وبقي أبو عبد الله في الجهة الغربية ثم توجه للشرقية فدخل بركش وتنس ثم توجّه لتلمسان في جيش عظيم فدخلها وفرّ عبد الواحد صبيحة تلك الليلة فطلع عليه النهار ونزل على جواده ودخل شيشة بقرب باب كشوط بالمطمر فنظرته عجوز من أكابر عبد الوادي فدخلت عليه وجرّدته من ثيابه وصاحت بعبد الواد فدخلوا عليه وذبحوه وجرّوه إلى حمام الطبول ورموه هنالك. ولما استقرّ أبو عبد الله بحضرة ملكه وجّه عماله للنواحي فطار الخبر لأبي فارس فحرك له من فوره ولما قرب تلمسان خرج أبو عبد الله وذهب لبني يزناسن فأقام أبو فارس بعض قواده الأعلاج بتلمسان ولحقه لبني يزناسن وحاصره فزيّن له بعض أصحابه الرجوع لأبي فارس فرجع وأظهر له أبو فارس السرور والبشرى والترحب (كذا) ثم قبض عليه وعلى أصحابه فكان آخر العهد بهم ثم رجع أبو فارس لتلمسان وأخذ مشرقا فقيل له من يقوم بها فقال ما لها إلّا أحمد العاقل فأخرج منها عامله وانصرف للشرق.

ثم الماجد الفاضل الحليم الكامل النحرير الباسل ، أبو العباس أحمد العاقل بن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني فأظهر العدل في الرعيّة ، وسار فيما تملكه بالسيرة المحمودة المرضيّة وبانت شهامته ونجدته ، وقوّته وشدّته ، ثم عجز

١٩٣

عن النهوض وكلّ ، وتلاشا (كذا) ماله واضمحلّ واستولى المتغلبون على (ص ١٣٥) الأوطان ، وعثوا الثّرى زناتة والعربان ، ودامت / دولته على هذه الحالة اثنين وثلاثين سنة حتى استوفت أيامه المكتوبة بأتمّ سنة. فقام عليه أخوه أبو يحيى زكرياء ابن أبي حمّ موسى بن يوسف سنة ثمان وثلاثين من التاسع (١) فبايعه موسى ابن حمزة وسليمان بن موسى وعبد الله بن عثمان وتوجه لتلمسان فلم يتم له المراد ، وانعطف بوهران ، فاستولى عليها وكانت بينه وبين أخيه أحمد العاقل حروب استمرت بيده إلى سنة اثنين وخمسين من التاسع (٢) فاقتحمها عمّال أخيه أحمد ودخلوها فهرب أبو يحيى في البحر بما خفّ ونزل ببجاية ثم زاد لتونس إلى أن مات بها. وقام عليه أيضا حفيد أخيه وهو أبو زيان محمد المستعين بن أبي ثابت بن أبي تاشفين بن أبي حم في أواخر إحدى وأربعين من التاسع (٣) من تونس وتوجه للمغرب وبايعه بوطن حمزة أولاد بالليل ثم مليكش ثم ابن عمر موسى أهل أيليلي ، ثم الثعالية وبعض حصين ، ثم زاد للجزائر فحاصرها إلى أن أقرّ بعضها وأذعن البعض فدخلها أولا ابنه المتوكل سنة اثنين وأربعين منه (٤) ثم دخلها أبوه المستعين عشية ذلك اليوم وذهب ابنه المتوكل فمهّد متيجة وفتح المدية ومليانة وتنس وخطب له بجميعها استقلالا وقصدته الناس حتى من تلمسان وعظم أمره على أحمد العاقل حتى نسي أمر أخيه أبي يحيى ثم ثقلت وطأته على أهل الجزائر والعرب فقاموا عليه في ثلاث وأربعين منه (٥) وحاربوه فاستشهد مع جماعة من أصحابه ونجا ابنه المتوكل لكونه بتنس لأمر أراده الله. وقام عليه أيضا ابن أخيه أحمد بن الناصر بن أبي حمّ موسى سنة خمسين من التاسع (٦) مع جماعة فلم ينجح له الأمر وأوتي به لأحمد العاقل فقتله وكان ذلك سبب بناء السور العظيم المدير على القصر الزائد لتلمسان حسنا. وحرك عليه

__________________

(١) الموافق ١٤٣٤ ـ ١٤٣٥ م.

(٢) الموافق ١٤٤٨ ـ ١٤٤٩ م.

(٣) الموافق ١٤٣٨ م.

(٤) الموافق ١٤٣٨ ـ ١٤٣٩ م.

(٥) الموافق ١٤٣٩ ـ ١٤٤٠ م.

(٦) الموافق ١٤٤٦ ـ ١٤٤٧ م.

١٩٤

أبو فارس الحفصي من تونس بالبحر الزاخر من الجيوش ومات قبل أن يصله بوانسريس كما مرّ.

ثم نهض أبو عبد الله محمد المتوكل على الله بن محمد المستعين بن أبي ثابت بن أبي تاشفين بن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني سنة ست وستين من التاسع (١) من مليانة ثائرا عليه وتوجه للمغرب والنصر يلوح أمامه فاستولى / على بني راشد ثم هوارة ثم مستغانيم ومزغران ثم فتح وهران ثم زاد لتلمسان (ص ١٣٦) فأقام عليها يومين ودخلها في الثالث وهرب أحمد العاقل لسيدي أبي مدين فأوتي له به فمنّ عليه وصرفه للأندلس واستقلّ بالملك. ثم حرك عليه أحمد العاقل لما رجع لهذه العدوة في جمع من الناس وحاصره بتلمسان فانتصر عليه المتوكل وعاجله بأمنيته سنة سبع وستين من التاسع (٢) ودفنه بالعبّاد ونجا صاحبه محمد ابن غالية بن عبد الرحمن بن أبي عثمان بن أبي تاشفين فبقي في الغوغاء عليه محاصرا للبلد إلى أن قام عليه أهل البلد فقتلوا البعض من جمعه وفرّ الباقي وذهب محمد بن غالية لوجدة واستقرّ بها لقصد الضرر وصار يأتي مرة بعد أخرى للضواحي إلى أن جاء به حتفه مرة مع الأوباش بجبل بني ورنيد فسمع به المتوكل وبعث له جندا وحصل مصاف القتال بالجبل المذكور ووقع القتال الذريع فتفرق الجمع وأوقع الجند فيهم فكان ابن غالية من جملة الصرعى فقتل سنة ثمان وستين من التاسع (٣) وجيء برأسه للمتوكل فوضعه في طست أصفر ودعا بمن يعرفه فميزوه وعرفوا عينه ثم جيء من الغد بجسده فدفن مع العاقل بالعبّاد. ونظم الحافظ التنسي في هذه القضية ومدح المتوكل وأولاده قصيدة طائية مشتملة على مائة بيت وأربعة أبيات عدد الكتب المنزلة انتخبها من بحر الطويل مطلعها :

أرقت لدمع من جفوني ينحطّ

كنثر نفيس الدّرّ أن خانه السّمط

وانظر تمامها في الدر والعقيان للتنسي. وتوفي يوم الأحد ثالث عشر

__________________

(١) الموافق ١٤٦١ ـ ١٤٦٢ م.

(٢) الموافق ١٤٦٢ ـ ١٤٦٣ م.

(٣) الموافق ١٤٦٣ ـ ١٤٦٤ م.

١٩٥

ربيع الثاني سنة إحدى عشر من العاشر (١) بعد ما ملك خمسا وأربعين سنة واثنين وعشرين يوما.

ثم أخوه أبو حمّ ويقال له أبو قلموس (٢) عبد الله بن محمد فقام عليه (ص ١٣٧) الإسبانيون وأخذوا من يده وهران ثم الأتراك وأخذوا من يده الجزائر / وغيرها فهو ممن لم يهن له في الملك قرار ، ولا استقرت في المملكة عمارة ولا دار ، آخر ملوك بني زيان الذين يشار إليهم بالملك جسما ، ولمن تغلب عليهم رسما ، وعجز عجزا كليا عن الدفاع ، وصار غير نافذ الكلمة ولا مطاع.

__________________

(١) الموافق ١١ سبتمبر ١٥٠٥ م.

(٢) الحقيقة أنه يلقب بأبي قلمون بالنون في الأخير ، وليس بالسين ، وذلك في مختلف المصادر. ولعلّه سبق قلم من المؤلف.

١٩٦

الدولة السابعة : الإسبان

ثم ملك وهران الدولة السابعة ، وهم الإسبانيون ويقال لهم السبنيول سموا بذلك نسبة لمدينة إسبانيا بقطع الهمزة المكسورة وسكون السّين المهملة وفتح الباء الموحدة من أسفل بعدها ألف ساكن ثم نون موحّدة من أعلا مكسورة ثم ياء مثنات من تحت بعدها ألف مقصورة. وخالف أبو الفداء في ضبط غير الهمزة والسين المهملة فقال وإسبينيا بقطع الهمزة المكسورة من تحت وسكون السين المهملة وكسر الباء الموحدة من أسفل وبعدها ياء مثنات من تحت ساكنة وكسر النون الموحدة من فوق وفتح الياء المثنات من تحت وفي آخرها ألف مقصورة وهي قاعدتهم القديمة ودار ملكهم القويمة ، وقد تلاشت وبقي الاسم لها كما في عجائب الأسفار لأبي راس الحافظ ، وبهجة الناظر للشيخ المشرفي شيخ الحافظ أبي راس. وأما الآن فقاعدة ملكهم مدينة مادريد باللام وهي مدينة الطاغية ويقال لها مادريد بالدال. وكان يقال لها سابقا ما تريج بالتاء والجيم وهي حذاء طليطلة. ومسكنهم كما في كتب الحافظ أبي راس وكتاب شيخه الشيخ المشرفي ، بأرض الأندلس من قطلان وبرشلونة من جهة الشرق إلى إسبونة في جهة الغرب ، ويجاورونهم (كذا) الدبرقيز وهم البرتغير ببعض الغرب ، والفرانسيس من جهة الشرق ، وجبل الطار داخل في تخومهم إلّا أنه بيد الإنكليز. وقال صاحب الجغرافيا جاءت إسبانيا بين إفرانسا والبحر الأوسط والبرتقال والأوقيانوسيا (١) فتحدها إفرانسا في شمالها الشرقي ويحدّها البحر الأوسط في شرقها وجنوبها ويحدّها البرتقال في غربها ويحدّها الأقيانوسيا (١) في

__________________

(١) يقصد بالأقيانوسيا هنا المحيط الأطلسي.

(١) يقصد بالأقيانوسيا هنا المحيط الأطلسي.

١٩٧

(ص ١٣٨) غربي شمالها وجنوبها ، فهي جزيرة / غير كاملة لكونها لا تتصل بالبر إلّا بجبل البريني الفاصل بينها وبين إفرانسا فهي في أقصا جنوب أوروبا الغربي وليس بينها وبين عدوة الغرب إلا بوغاز جبل طارق القليل العرض. ومساحتها خمسمائة ألف كيل متر وهي خمسمائة ألف ميل يزيد أو ينقص شيئا لأن الكيل متر عند النصارى يشابه الميل عندنا تقريبا. وملكهم منذ مدة مديدة وهو يلقب بالملك الكثوليكي ومعناه المتبع للبطرك وهو الباب (١) وابتداء ملكهم في القرن الخامس من الميلاد المسيحي على صاحبه وعلى نبينا وكافة الأنبياء الصلاة والسلام وكانوا على عدة ملوك.

واختلف في أول من ملك أرض الاسبانيين وهي الأندلس للآن على أربعة أقوال. فقال بعض مؤرخي النصارى أن أول من ملك أرض الإسبانيين هم الإبريّون نسبة إلى جدهم الابر مجهول الأصل ، ثم الفنيسيان ، قيل أنهم الفرس وملوكها مدة ثم اليونانيون نسبة لجدّهم يونان بن يافث ، ثم القرطاجيون ، وبنوا بها مدينة يقال لها قرطاجنة ، ثم الرومان ومنهم الروم ، ثم الفندال وهم أمة من الجهة الجوفية من بر الافرنج خرجوا من بلدهم الكائنة بقرب بحر البلطيك ومرّوا ببلد الجرمانية وهي بلد النامسة (٢) وبلد الغول وهي إفرانسا وتوجهوا في أوائل القرن الخامس المسيحي إلى اسبانيا وهي بلد الأندلس فاستقروا بها وتدينوا بدين المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام. غير أنهم كانوا يعدون من الروافض المتبعين لشيخ يقال له أريوس ، ثم الإفرنج ، ثم القبريقوا (٣) ، ثم العرب في آخر القرن الأول من الهجرة ، ثم الإسبانيون استقلالا للآن بعد أن حاربوا المسلمين عليها نحو الثمانمائة سنة. وقال آخر منهم أن المملكة الإسبانية كانت تحت حكم الرومان ، فيما مضى من قديم الزمان ، وفي آخر القرن الأول من الهجرة فتحها الإسلام وبقيت ملوك النصارى مع الإسلام في حروب متتابعة مدة ثمانمائة سنة إلى أن غلبت النصارى المسلمين عليها سنة سبع وتسعين وسبعمائة من

__________________

(١) يقصد الباب في روما.

(٢) يقصد بلاد النمسا.

(٣) يقصد القريقواريون نسبة إلى قريقوار.

١٩٨

الهجرة (١) فبقيت في ملك / الإسبانيين للآن .. وكانت إسبانيا في السابق من دول (ص ١٣٩) أوربا الكبار لكونها كانت لها أملاك كبيرة في أمريكا الجنوبية وقد تملكوا عليها سنة سبع وتسعين وسبعمائة من الهجرة (٢) بسبب ظهور ذي معرفة منهم من العلماء البحريين المنجمين يقال له كريستوف قلومب (كولومب) فكشف على أمريكا التي لا معرفة لهم بها قبله فتملكوا على أعظم جزء منها وعلى عدة أجزاء بجوانبها واستمرت بأيديهم إلى أن نزعت منهم سنة سبعة عشر ومائتين وألف (٣) من الهجرة لاجتماع أهلها على الحكومة الجمهورية التي هم عليها للآن وخرجوا عن حكمهم فلم يبق لهم بأمريكا إلا جزيرة كوبا (٤) ولذا لا تعدّ مملكة إسبانيا من كبار دول أوربا الآن لانحطاطها عن مقامها الأول ه.

وقال ابن خلدون أول من سكن الأندلس بعد الطوفان الأوربيون نسبة لجدهم أوروب من ولد طوبال بن يافت ودخلوا في طاعة الروم. ثم ملكها القوط نسبة لجدهم قوط من ولد ماغوغ بن يافت ثم لحق بهم القلنش من الروم الإغريقيين وباسم القلنش سمّيت الأندلس لما عرّبت. وقال ابن سعيد المغربي والحافظ أبو راس في الشماريخ أول من عمّر الأندلس أندس بن يافث بن نوح وأخوه سبت بن يافت بن نوح بالعدوة المقابلة لها وإليه تنسب مدينة سبتة فبقي أولاد أندس به ملوكا دهرا. ثم ملكها إشبيلان بن طيطش الرومي وبه سمّيت إشبيلية لما عرّبت. وطيطش هذا هو الذي فتك ببني إسرائيل وجلاهم الجلوة العظيمة التي سلّط الله عليهم بها الذلّ حتى انقطع ملكهم انقطاعا كليا للآن. ونقل من آثار الهيكل المبارك بالقدس إلى طليطلة حتى وجد ذلك موسى بن نصير بها فبعثه إلى الوليد بن عبد المالك الأموي بدمشق. ثم أنّ الأندلس تغلب عليهم الاغريق وهم الاغريقيون من الروم فبقوا دهرا ثم أخذها منهم القوط ملك

__________________

(١) هذا التاريخ خطأ لأن تاريخ المسلمين النهائي من الأندلس هو ٨٩٧ ه‍ الموافق ١٤٩٢ م. ولعله سهو أو تصحيف من المؤلف. لأن الفرق هو قرن بكامله وكذلك الأمر بالنسبة لاكتشاف أمريكا.

(٢) الموافق ١٣٩٦ ـ ١٣٩٧ م وهو خطأ كذلك والصحيح ١٤٩٢ وما بعده.

(٣) فقدت إسبانيا كوبا عام ١٨٩٨ وانتزعتها منها الولايات المتحدة الأمريكية.

١٩٩

منهم بطليطلة أحد قواعد الأندلس ستة وعشرون ملكا. وآخرهم لذريق (١) الذي قتله طارق بن زياد غلام موسى بن نصير في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة اثنين وتسعين من الهجرة (٢) وتزّوج امرأته ، ومن بقايا ذرية ملوكهم صارة بنت المنذر والدة اللغوي النحوي العلامة أبي عبد الله محمد بن عبد الله المعروف (ص ١٤٠) بابن القوطية / بضم الواو المتوفى سنة سبع وستين وثلاثمائة (٣) بقرطبة وأصله من مرسية مدينة بالأندلس. قال الشبراملسي وقوط هذا هو أبو السّودان والسّند والهند. وقال شيخنا الزياني في دليل الحيران ثم أن إسبانيا لما تملكها الرومان انقسمت مملكتها على خمسة أقسام. فقسم يقال له الأقاسط لتملّكهم عليه وقسم يقال له الألى ، وقسم يقال له الأراق ، والقسم القبليّ يقال له النفار ، وقسم يقال له القطلان ، وجملة الأقسام الخمسة يقال لها إبيرى. ثم قال لها ها إسبانيا ثم قيل لها إسبانيا بترك الهاء ، وكانت تسميتها بإسبانيا وقت اجتماعهم على ملك واحد وذلك سنة ثمان وثمانين وثمانمائة من الهجرة (٤) وقيل غير ذلك. وسكّانها وقتئذ ستة عشر مليونا ونصفا ، والمليون ألف ألف. وأرضهم جيّدة للغراسة لا للفلاحة ، وما يستنبت. ولذلك عظمت فاكهتها. ويوجد بها من الخيل المسومة والبغال المقوّمة ، والحمر الفارهة ما يرتضى. كما يوجد بها معادن الحديد والنحاس والرصاص والزواق إلّا أن الغالب على أهلها الفقر لقلة الصناعة عندهم كما غلب عليهم القساوة والفظاظة ، وشدة البغض ، والحقد ، والضل ، والعداوة ، وكثرة سفك الدماء والجهل. وتنقسم مملكتهم إلى ثلاثة عشر ولاية ، منها ثمانية ساحلية بشاطىء البحر وهي : غليسيا وإستوريا وقسطيلية القديمة والأقاليم البسكية وكتسالونيا ، وبلنسية ومرسية وأندلسية مع غرناطة القديمة ومنها خمسة داخلية وهي : أرغون ونافرا وليوني واسترمارودة وقسطيلية الجديدة.

وأشهر مدنها مادريد التي هي الآن قاعدة ملكهم وقد استولى عليها

__________________

(١) اسمه الحقيقي باللاتينية رودريك : REDRIC.

(٢) الموافق ٧١٠ ـ ١٧١١ م.

(٣) الموافق ٩٧٧ ـ ٩٧٨ م.

(٤) الموافق ١٤٨٣ ـ ١٤٨٤ م.

٢٠٠