طلوع سعد السّعود - ج ١

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ١

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

منصة الرضوان والمشيد رايات الإيمان والباسط مهد العدل والأمان ، الباي السيد محمد بن عثمان ، باي الإيالة الغربية وتلمسان أتحفه الله برضاه ، وجدد له اللطف وأمضاه سنة خمس ومائتين وألف من هجرة من حاز للكمال والشرف والوصف ، جيشا حصل له به النصر والسرور والاطمئنان (كذا) فخرج به من المعسكر قاصدا بحول الله وقوته فتح وهران وقدم أمامه / البارود في عدّة صناديق وجعله ذخرا ببرج (ص ١٩٦) شلابي التركي بوادي سيق. ثم نزل بجيشه بوادي الحمام ورحل منه مرتجيا النصر له من المالك العلام. فنزل بسيق وهو كالليث الضرغام وارتحل بقصد قتال النصارى بغير الملام. فنزل بوادي تليلات واشتاقت نفسه لدخول روضات الجنات ثم ارتحل من الغد وهو بفعله كالغانج فنزل بوطاء وادي الهايج ، واجتمعت عنده الأعراش بالتمكين وجاءه المخزن والنصر بلوح عليه من رب العالمين. وكان الوقت وقت الحصاد ، والذي فيه تجمع قوت سنتها سائر العباد ، فتفاوضوا معه في الأمر وتشاوروا ، وتجاوبوا معه في القول وتحاوروا ، وقالوا له يا نعم الأمير الرأي الذي لنا ولك فيه العزّ المنيف ، أن تدع هذا القتال وتؤخره إلى وقت الخريف ، لتذهب الناس لجمع عيشها ، وتتفرغ لقتال العدو بجيشها ، فأجابهم بقوله رأيكم فيه الحكمة والصواب ولاكن (كذا) أنتم ونحن في رأي الأولياء والعلماء أولى الألباب فهم أدرى بالأمور ، وبإشارتهم يكون الفوز والسرور فبعثوا فورا للولي الشهير ، بسيدي محمد أبي دية الضرير ، وهو بزاويته بجبل تاسّالة ، فأتوه به في أكمل حالة لحالة كمّاله ، فاجتمع هو وأعيانه به فشاوروه ، وتردّد القول بينه وبينهم وحاوروه ، فقا الولي لهم قولته الكاملة أنك لا تفتحها في سنتك هذه وإنما تفتحها في محرم السنة القابلة. فسّر الباي وفرح واطمأن قلبه وانشرح. وكان الباي معتمدا على كلام الولي الصوفي سيدي الأكحل ابن عبد الله الخلوفي وكان أبو دية مأذونا له في الكلام ، ومشهورا بذلك عند الخاص والعام ، حتى صار يقول من أبي دية الخبّار ، لم يبق من يعط الأخبار. وعند موته باع الولاية لأبي عمامة ، فقام مقامه في التكلم بأحسن استقامة ، ولما سمع الباي كلام أبي دية ارتحل من حينه ولأمّ عسكر رجع. وصار يراصد الوقت الذي له أنفع ، ولما دخلت سنة ست من الثالث عشر (١) بالإثبات قدم لفتحها في

__________________

(١) الموافق ١٧٩١ ـ ١٧٩٢ م.

٢٦١

مائة فسطاط إلى أن نزل بوادي تليلات. وبها جاءه وليّ بهلول من غير خلف من أولياء الله المفتوح لهم حجاب الكشف وصار يدور في المحلة ويقول يا أمير (ص ١٩٧) المؤمنين / إذا أردت أن تفتح وهران فجيء لها (كذا) على طريق جنين مسكين ، وكان الجنين ببلاد أولاد علي قريبا إليه ، فلما سمع الباي ذلك أحضره لديه ، وقال له أيها السيد ماذا نقوله في مقالك فقال له القول هو ذلك ، وإلا فأيّس من فتحها بتحقيق الخبر ، فساعده الباي ورجع للمعسكر ثم خرج بمحلته المنصورة ونزل بحمام أبي الحنيفة ثم بالزفيزف وبعده بالقعدة ، فنزل بجنين مسكين ، وقلبه مطمئن بالفتح آمين ، ثم تقدم لتليلات ، فجاءه الولي بها بالبشارات قائلا له إنك تفتحها بإذن الله. ويكون لك فيها العزّ والجاه ، ثم ارتحل ونزل بالضاية ، قبلتها في صحيح الرواية ، ثم ارتحل ونزل عليها وحاصرها ، وضايقها شديدا وقاهرها. وكان القتال له عليها مترادفا ، والحصار لها من كل جهة متخالفا ، وحضر لقتاله بها عدد من الطلبة يزيد على الخمسمائة ، رائسهم (كذا) الشيخ محمد ابن المولود المخيسي المعدد لهم عدد الحيسي ، وفيهم العلامة الأجل ، المازوني صاحب الحاشية على الخرشي المسمّة بدرة الحواشي ، في حلّ ألفاظ الخراشي ، وقد باشر هذا الأمير حربها بنفسه ، مدخرا ثواب ذلك لرمسه ، ولم يكن رحمه‌الله وأدام وجوده ، وخلّد ذكره ووفى معهوده ، إلا في محلته المعهودة له في سائر الأيام وهي مائة فسطاط ، ولم يمده محمد باشا بمدد يظهر منه في هذا الأمر النشاط وقد توفي هذا الباشا أثناء الحصار وتولى بعده حسن باشا في صحيح الأخبار ، فأقرّ الأمور على ما كان عليه ولم يزده حامية إلا ما كان لديه ، حتى فتح الله هذا الفتح المبين ، الذي أضاء به للإسلام الجبين ، وتبسّم به في الثغر وجه الدين بعد عبوسه واستبدل النعيم بعد ضنكه وبؤسه ، لا كما وقع للسيد مصطفى أبي الشلاغم ابن يوسف المسراتي في فتحها الأول المزيل به لكربها ، فإن الباشا محمد بكداش رحمه‌الله وجّه له من الجزائر الجيوش لحربها ، وأمّر عليها من عرفت نجدته ، وظهرت في المضايق شجاعته وشدته ، رديفه ووزيره وصهره وخبيره السيد أوزن حسن رحم الله الجميع برحمته التي ليس فيها ثبط والأمير (ص ١٩٨) مصطفى فهو / على محلته فقط. وتحرك لها الأمير محمد في العام الثالث عشر من ولايته ، رايما النجح (كذا) والتوفيق من الله في عمله وسعايته. ورأيت في بعض

٢٦٢

التقاييد أنه من حين قصدها في العام الخامس. لم يرجع عنها إلى أن أكمل له الأمر بالفتح واندحض كل جالس. وقد أفرد ابنه الأمير عثمان في هذا القتال ، بمحلة فكثر منها على الأعداء النّزال وصار الحرب بين الأمير والنصارى سجال. وقد أثخن الطلبة في النصارى إثخانا عظيما حل به على النصارى التبديد والنكال. يقال في صحيح الحكاية الموذنة للنصارى بالنكاية. أنّ من شدة قتال الطلبة للنصارى ، تقدموا لهم من غير توان ولا قصارى إلى أن سبق طالب لنصراني وارتمى على ظهره ، ولم يخش من بأسه ومكره ، بل صيّره لنفسه مطيّة ، وقال هذا إليّ من الله عطية. وكان الطالب لطيفا ، وفي جسمه نحيفا ، فذهب به ذلك النصراني وهو على ظهره فارا للمدينة ، وترك القتال وحلّت به الغبينة لم ينزل الطالب عن ظهره ، ولا حاجة له في نهبه وأمره ، وإنما استخرج من جيبه سكينا صغيرا وصار يجرحه به تجريحا مترادفا كثيرا ، والنصراني لا يبالي بذلك وقصد به البلد ، ولما رأى بعض الطلبة ذلك جرى في أثره بالقوة والجد ، إلى أن لحقه فضربه للعراقيب بالسكين فخر النصراني صريعا وقرب أجله في الحين ، فقتله الثاني واجتزّ رأسه وأتيا به معا لمحلتهما في غاية الاقتباس ، وكل ما فعلاه فهو لمرءات الناس.

ويحكى أن الطبجية الذين بمرجاجوا حققوا النيشان بغير اشتباه ، وضربوا بكورهم فسطاط الأمير وهو بوسطه فكسروا ركيزته ، ونجاه الله ، فجاء أحد الطبجية الذين بمحلة الأمير إلى محل اختاره وهو في غيظ كبير ، وجعل نيشانا صحيحا نحو المدفع الذي جاءت منه الكورة ، وكوى مدفعه فذهبت منه بسرعة الكورة ، إلى أن دخلت جوف المدفع الأول فعطّله ونال حالة مشكورة ، قيل ولم يخدم ذلك المدفع المعطل للآن. ورحل الباي من منزله ونزل بالمبرك غربي وهران ، ولا زال رحمه‌الله يحرض النّاس على قتالها ، ويتقدم لفتحها وزوالها فعدل نصره الله عن طرق عواقبها ، فلم يعتبرها ولم يعبأ بثواقبها ، ولم يلتفت لقول المرجفين من أنها ذات بأس شديد ، وجند كثير / عتيد ، وأنّ اعتناءه بها فهو (ص ١٩٩) من قبل اللعب واللهو ، لكونها أمنع بعقاب الجو ، وأن عاقبة أمره معها عدم الظفر بها وقتل جنده بلا طائل ، لا حصول قوة ونايل ، بل نبذ ذلك كله وراء ظهره ، ولم يعمل إلا برأيه وأمره ولم يستشر في ذلك أحدا خوفا من تثبيطه وعدم شدته

٢٦٣

وتنشيطه ، لما فيه من رشده ونجحه سوى سيفه ورمحه ، ودام حصاره لها بالقتل ، الصادر منه ومن جنوده ، وشدة صواعقه ومدافعه وكوره وباروده ، إلى أن فتحها في أوائل المحرم سنة ست من القرن الثالث عشر (١) بقتاله الذريع ، ودخلها في اليوم الخامس من رجب الفرد ضحى يوم الإثنين من سنته (٢) في فصل الربيع. وقد أقام النصارى بها في هذه المرة الثانية التي صارت بعد الفتح كالسنة ثلاثا وستين سنة ، وفي الأولى خمسا ومائتي سنة ، ولما دخلها في ذلك اليوم المبارك ، أناخ بها راحلته ولا له فيها معاند ولا مشارك.

واختلف في كيفية فتحها على ثلاثة أقوال : قال بعضهم أن الأمير فتحها عنوة ودخلها بعد الزوال. وقال آخر أنها فتحت بشدّة الزلازل الحالة بها في كل حين (٣) ففرّ منها النصارى دون علم من المسلمين ولما ذهب لها الطلبة ليلا للاختلاس والتجسيس. لم يجدوا أحدا عند أبوابها ولا بها حس ولا حسيس. فتسوروا عليها من جهة رأس العين ودخلوها ، فوجدوها خاوية على عروشها ثم جالوها مفرقي أحدهم المنارة ورجع صوته بالأذان. وكان جهير الصوت ذا تطريب وألحان ، فسمع المسلمون ذلك وتحققوا من الطلبة أنقامهم ، فأتوها والأمير المؤيد بالنصر أمامهم ، فألفوا الطلبة مقبلين على تلاوة القرآن ، فدخلها الأمير رحمه‌الله في أمن وآمان.

وقال الحافظ أبو راس أن أمير المؤمنين السيد محمد بن عثمان باي الإيالة الغربية وتلمسان ، لما ضايق وهران أشد التضييق ، سأل منه النصارى السلم والتوثيق ، وراودوه عليه فأعطاهم الأمان ، على أمتعتهم وأنفسهم من غير امتهان ، (ص ٢٠٠) فذهبوا منها وتركوا كل ما فيها للأمير فأخذه منهم بالقيمة بلا تجميح ، / وقيل تركوها خاوية والأول منهما هو الصحيح.

قال الحافظ أبو راس في السينية :

حتى تداركها الله برأفته

من بعد ما مضى لها مدة العنس

__________________

(١) الموافق سبتمبر ١٧٩١ م.

(٢) الموافق فيفري ١٧٩٢ م.

(٣) حدث زلزال مروع بها يومي ٩ و ١٠ أكتوبر ١٧٩٠ م.

٢٦٤

بتقليد المغرب الوسط لعمدتنا

أضاء شمسه بعد حالك القلس

ملك تقلدت الأملاك سيرته

دنيا وأخرى تراه محسن السيس

مؤيد لو رمى نجما لأثبته

ولود عاد بلا لبّ وما احتبس

شهم شجاع بحزم الملك متّزر

ومرتد النصر وفي الحلم ذو طخس

فملك آل منديل تحت سلطانه

قد كان مدّ من واجر إلى تنس

كذاك ملك تجين في إيالته

كذا الجدار القديم المتقن الأسس

ملك لآل يغمور فيه نصرتهم

كذاك ملك ابن يعلا اليفريني الرئيس

لشعنب ومصاب مدّت طاعته

على مسافات شتّى من أبي الضّرس

فمهّد الكل برخص وعافية

قد آمنوا كلهم عواقب الفلس

محمد بن عثمان نجم سعدهم

رصد من كلّف يصع ومن سجس

مدة ست وسبع من إمارته

حلّ بأهل وهران الويل في التعس

عمّر كل مرصد كان مسلكهم

بالخيل والراجل مع حلق العسس

طلبة أثخنوا فيهم وعاثوا فلا

تفسهم بقيس عبس ولا بيهس

أحيوا مراسم عفت من شيوخهم

أحمدا ومحمدا وابن يونس

سنة خمس أتى لها بكلكه

جند عظيم ما بين الشهم والحوس

مدافعا وعرادات أحاط بها

كأنها بينهم كحلقة الجلس

يكاد يصدع الشامخات باروده

رعد سحاب مديم الصعق والجرس

يفني الفناء ولا تفنى له حروب

كأنّه من صروف الدهر لم تيس

يشيب من حربه رأس الغراب ولا

يشيب رأس نهار دايم الغلس

يسودّ مبيض وجه لرجاه ـ ولا

يبيضّ مسوده من شدة الدمس

بنقع خيله ودخان باروده

يوم حليمة أو كرج لأرمنس

فحار بطريقهم من بأسه فرقا

وقلبه مملوء بالرعب والوجس

/ أخبارها قد طارت في الأرض قاطبة

لقتنا في أمدوجات من ورا قابس

(ص ٢٠١) أوبة حجّنا فقلنا هنيئا لنا

وصلنا حجّ جمع بالجهاد النفس

وجدنا سوسة والمنستير قد سمعا

مدينة اللخمي وجربة مع تونس

عدة أشهر الحرب يساجلها

طالع سعد له عليهم بالنحس

فطلبوا السلم من بعد مراودة

فأعطوا الأمان على الأمتع والنفس

٢٦٥

فكانت مدتهم في هذه كمج

جرى بذا القلم قدما في الطّرس

هم يخربون بيوتهم بأيديهم

فاعتبروا يا أولي الأبصار والنفس

بنوا النضير في المشر سبقوهم بذا

فكيف بالروم بفعل اليهود تس

نصارى وهران تركوها عامرة

فالحمد لله آمنا من الهجس

بأبي عثمان وعثمان قد رجعا

إلينا ما يسلّي عن أرض أندلس

رماهم الله بالملك أميرنا

رمية سهم أتتهم على غير قس

أقام أحوالا للأعدا منوّعة

بالمكر والكيد والأنفاض والدسس

إلى أن قال :

في خامس الفرد ضحى يوم اثنينه

كان الدخول بعون الملك القدّس

سنة ستّ ثم الحمد لخالقنا

وصل أيضا على المنقى من الرجس

وقال في بقائهم بها في الأولى كما مرّ :

ففتحت عنوة في تسع عاشرة

من بعد سكنى؟؟؟ والدين في وكس

ولما اصطلح الأمير محمد بن عثمان مع نصارى وهران ، على رفع القتال (ص ٢٠٢) / عنهم يخرجون منها في أمان ، صاروا يخربون بنيانها بالألغام. نكاية منهم للمسلمين بالاحتكام ، كفعل بني النضير أحد فرق اليهود الذين بإزاء المدينة المنورة ، لما عزموا على الجلاء بالمشتهرة لما حاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسليما ، وشرفه وكرمه تشريفا وتكريما.

ثم أن وهران لما منّ الله تعالى بمنه وفضله على المسلمين بفتحها من الإسبانيين بالبيان ، على يد الأمير المؤيد بنصر الله السيد محمد بن عثمان ، باي الأيالة الغربية وتلمسان ، طار خبرها للمشارق والمغارب وحصل السرور للمسلمين الأباعد والأقارب ، واستبشروا بالفوز والربح والنجح والحبور ، «وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إنّ ربنا لغفور شكور».

من اخترع البارود؟

قال شيخنا الزياني في دليل الحيران واختلف في أول من عمل البارود على ثلاثة أقوال. فقيل اخترع ببر الصين في الزمان القديم ونقله المسلمون عنهم

٢٦٦

لهذه الأماكن وقيل اخترعه الروم لما نزلوا بقرب تونس لأخذها في سنة تسع وستين وستمائة (١) وقيل أحدث في نيف وستين وسبعمائة (٢) أحدثه حكماء المسلمين وهو المشهور وذلك أن حكيما كان يعالج صنعة الكيمياء فعالج ذلك ففرقع له فأعجبه فاتخذه لآلة الحرب وهو قول الحافظ البناني في حاشيته على الزرقاني في باب الذكات والحافظ أبي راس في كتبه والحافظ الرباصي علي العمل الفاسي. وأما المدافع والبنادق فأحدثهم النصارى بإسبانيا وإفرانسا سنة أربعين وسبعمائة.

تتميم لملوك / الإسبانيين

(ص ٢٠٣) ثم ززاف الفرانسوي صنو سلطان الفرانسيس (كذا) نابليون بونبارت (كذا) تولى سنة خمس وعشرين ومائتين وألف (٣) وبقي في الملك خمس سنين. ثم فردينة السابع تولى مرة ثانية سنة ثلاثين ومائتين وألف (٤) وبقي عشرين سنة. ثم إيزابلة الثانية تولت سنة خمسين ومائتين وألف (٥) وبقيت في الملك خمسا وثلاثين سنة. وفي سنة ست وسبعين ومائتين وألف (٦) جهزت جيشا لغزو تيطاون بهذه العدوة من المغرب الأقصا (كذا) فحصل بينهم وبين المسلمين قتال ذريع ثم استولوا عليها وبقوا بها نحو ثلاثة أشهر ثم خرجوا منها مختارين على أخذ مال معيّن من سلطان المغرب. ثم صار حكمهم للجماعة الجمهورية الشورية بينهم سنة خمس وثمانين ومائتين وألف وبقوا على ذلك سنتين. ثم أمادى تولى سنة سبع وثمانين ومائتين وألف (٧) وبقي في الملك

__________________

(١) الموافق ١٢٧٠ ـ ١٢٧١ م خلال حملة لويس التاسع عليها.

(٢) الموافق ١٣٥٩ ـ ١٣٦٩ م.

(٣) يقصد جوزيف وهو يوسف وتولى عام ١٨١٠ م.

(٤) يقصد فرناندو السابع وتولى عام ١٨١٣ م إلى عام ١٨٣٣ م.

(٥) الموافق ١٨٣٣ م.

(٦) الموافق ١٨٥٩ ـ ١٨٦٠ ودام حكمها إلى عام ١٨٦٨ م.

(٧) الموافق ١٨٧٠ ـ ١٨٧١ من والمقصود به أماديودوسابويا.

٢٦٧

ثلاثة أعوام. ثم رجع حكمهم جمهوريا أيضا مرة ثانية سنة تسعين ومائتين وألف (١) وبقوا عليه سنتين أيضا. ثم الفونص الثاني عشر وتسمّيه (كذا) المسلمون الفنش تولى سنة اثنين وتسعين ومائتين وألف (٢) وبقي في الملك عشرة أعوام ومات ملكا. ثم ابنه الفونص الثالث عشر تولى يوم موت أبيه وهو عام اثنين وثلاثمائة وألف (٣) وهو طفل صغير في كفالة أمه فهي المديرة لحكمه وهو الموجود الآن في الملك والله يؤتي ملكه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

قائمة أباطرة الرومان

(ص ٢٠٤) / وجملة ملوك الروم المشتهرين قبل الإسلام إلى أن ظهر الإسلام ، ستة وخمسون ملكا. وأول من اشتهر منهم غانيوس ثم يوليوس ثم أغسطس وأصله بشينين معجمتين ثمّ عرب بسينين مهملتين ولقبه قيصر ومعناه بلغتهم المبقور عنه لأن أمه ماتت بالطلق فأبقر عليه وأخرج فلقّب بقيصر وصار لقبا لملوك الروم وكان يفتخر به فيقول إني لم أخرج من الفرنج كغيري ثم طيباربوس ثم غانيوس ثم قلوذونس ثم نارون ثم ساسيانوس ثم طيطوس وملك سبعة أعوام وغزى اليهود وأسرهم وباعهم ثم ذو مطينوس ثم نارواس ثم طرايانوس وقيل غراطيانوس ثم إذريانوس ومات مجذوما ثم أنطونينوس الأول ثم مرقوس وقيل قوموذوس وشركاؤه في المملكة ثم قوموذوس وخنق نفسه فمات بغتة ثم فرطنجوس ثم سيوارس ثم أنطونينوس الثاني ثم الإسكندروس ثم مكسيمينوس ثم غورذ بانوس ثم دقيوس ويقال له دقيانوس ثم غاليوس ثم علينوس ولريانوس وقيل اسمه ولوسينوس ثم انفرد ولريانوس بالملك ثم قلوذيوس ثم أردفاس وقيل أورليانوس ومات بصاعقة ثم قلرونوس ثم قاروس ثم دقيطيانوس وهو آخر عبّادة الأصنام من ملوك الروم ثم قسطنطين المظفر ومات تابعا لدين المسيح عليه‌السلام بعد ما ملك إحدى (ص ٢٠٥) وثلاثين سنة في منتصف سنة ست وعشرين وستمائة / للإسكندر ولما مات انقسم

__________________

(١) الموافق ١٨٧٣ م.

(٢) الموافق ١٨٧٥ م. والمقصود به الفونسو.

(٣) الموافق ١٨٨٥ م.

٢٦٨

ملكه بين أولاده الثلاثة ، وكان الحاكم عليهم منهم قسطس ثم لليانوس وارتدّ إلى عبادة الأصنام وقاتل سابور ذا الأكتاف وانتصر عليه ثم قتل في أرض الفرس بسهم ثم يونيانوس واصطلح مع سابور ذي الأكتاف ثم والنطيانوس ثم أنونبانوس ثم خرطيانوس ثم ثاودسيوس الكبير ثم أرقاذبوس ملك بقسنطينة وشريكه أوثوربوس برومية ثم ثاوذسيوس الصغير وفي أيامه غزت فارس الروم وانتبه أصحاب الكهف من كهفهم ثم مرقيانوس ثم والطيس ثم لاون الكبير ثم لاون الصغير ثم زبنون ثم اسطيثيانوس ثم يسطينينوس الأول ثم يسطينينوس الثاني ثم يسطينينوس الثالث ثم طبريوس الأول ثم طبريوس الثاني ثم ماريقوس الأول ثم ماريقوس الثاني ثم قوقاس ثم هرقل عظيم الروم واسمه بالرومية أراقليوس وكانت الهجرة النبوية في السنة الثانية عشر من ملكه وهو الذي بعث له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع صاحبه دحية الكلبي رضي‌الله‌عنه كتابه يدعوه إلى الإسلام وأتيت بهذا استطرادا تتميما للفائدة في ملك الروم (١).

عودة وهران لحكم الدولة الثامنة التركية

والألقاب والرتب التركية

ثم رجع ملك وهران للدولة الثامنة وهي دولة الترك فملك وهران منهم الأمير المنصور / الأسد الهصور ، وثاني بايات وهران الثمان ، المجاهد في سبيل الله السيد محمد (ص ٢٠٦) ابن عثمان ، باي الإيالة الغربية وتلمسان ، بعد فتحها من أهل التثليث والأوثان. اعلم أن الباي عند أتراك الجزائر لقب لمن ولّي أحد الإيالات الثلاث وهو : تلمسان ، وتيطرى ، وقسنطينة فقط. والباشا لقب للذي يولّي البايات الثلاث ولذا يقال له باشا باي وباي البايات ودولاتلي قال الحافظ أبو عبد الله محمد الصغير اليفريني في كتابه نزهة الحادي : ومعنى الباي بلغة الأتراك قايد القياد ويختص به قايد الصبايحية. ولما يعظمونه يقولون له الباي لار. وقال الحافظ أبو راس في

__________________

(١) لقد أورد المؤلف قائمة أباطرة الرومان بأسماء محرفة ويتطلب تصحيحها إعادة كتابتها كلها من جديد. وبما أنها معروفة في كتب التاريخ فلا فائدة هنا من إيرادها ، وسنوردها كملحق في نهاية الكتاب ، مرتبة ، ومنظمة بتواريخها المعروفة في كتب التاريخ المتخصصة.

٢٦٩

الخبر المعرب : والباي هو الذي يوليه الباشا ناحية كبيرة في عرفنا. والحاصل أنّ أمراء الإسلام أعلاهم رتبة الخليفة وقد انقطع هذا الاسم أوائل القرن العاشر. ثم السلطان وهو الموجود الآن في إسطنبول والمغرب الأقصا. ثم الوزير وهو المتولي الحروب بإسطنبول. ثم الباشا وهو الذي يوليه السلطان قاعدة كبيرة كالجزائر وتونس وطرابلس ومصر والشام وبغداد في عرفنا الآن. ثم الباي وهو عندنا من يولّيه باشا الجزائر جهة مخصوصة مثل قسنطينة ، والمغرب الأوسط وغير ذلك. ولار بمعنى جميع ومن ذلك يولضاش لار فيولضاش بمعنى الجندي ولار بمعنى الجميع. ودأب العجم إضافة المضاف إليه للمضاف عكس العرب لأن (ص ٢٠٧) معنى هذه الكلمة بالعربية جميع يولضاش. والانقشرية /. العسكر الجديد وذلك أن السلطان مراد بن أورخان بن عثمان خان الخاقاني اتخذ مماليك سنة إحدى وستين وسبعمائة (١) فسمّاهم بهذا الاسم فهو أول من سمى به والرأي بمعنى الراءيس (كذا) والأودباشية لار الواحد أودباش ومعناه رايس الدار على عادتهم في الإضافة فلفظ أود هي الدار وباش هي الرايس. وأعلا منه البلكباشية. فالبلك اسم الجماعة والباش الرايس كما مرّ ومعناه رايس الجماعة. وأعلا منه آغا. ومواطن الباي ثلاثة :

بايليكات الجزائر وأقسامها

أولهم باي تيطرى وهو أكبر البايات اسما لأنه أول من ولته الدولة التركية بذلك المحل. وقاعدته المدية. وثانيهم باي الشرق يعني الجهة الشرقية وقاعدته قسنطينة. وثالثهم باي الغرب يعني الجهة الغربية.

بايليك الغرب الوهراني وعواصمه وباياته

وفي الحقيقة أنه هو الثاني في المرتبة لكون الترك تولوا على الجهة الغربية وجعلوا فيها باي قبل الجهة الشرقية. وقاعدته وهران. وهذا الثالث كان منوّعا على نوعين أحدهما مازونة وأول باياتها حسن بن خير الدين باشا وسلم في

__________________

(١) الموافق ١٣٦٠ م.

٢٧٠

وظيفة. ثم أبو خديجة ، ثم صواق ومات مسموما من سم سقته له زوجته. ثم السايح وبقي في الملك إحدى عشر سنة ومات. ثم ساعد. ومنه إلى محمد ابن عيسى تولى بمازونة عشرة بايات وذهب عن حفظي ما تعلّق به منهم. ثم محمد بن عيسى وهو السادس عشر من باياتها. ثم شعبان الزناقي الذي توفي بالجهاد في وهران. وثانيهما تلمسان ولم يبق بحفظي من باياتها إلا عصمان ، ويوسف / المسراني. ثم جمعا في الثامن وتسعين وألف (١) لواحد وصارت القاعدة (ص ٢٠٨) قلعة بني راشد ، ثم صارت المعسكر ، ثم صارت وهران في الفتح الأول ، ثم صارت مستغانيم ، ثم صارت المعسكر ، ثم صارت وهران في الفتح الثاني واستمر الحال على ذلك إلى انقطاعهم.

طبيعة حكم البايات وموظفوهم ونوابهم

ولبايات هؤلاء القواعد الثلاث التصرف المطلق في الرعية العربية بكل وجه من القتل والقطع والضرب والسجن والعقوبة بالمال المسمّة (كذا) بالخطيّة إلى غير ذلك دون متعرّض لهم في شيء ، ولا يقدر الباي على قتل أحد من الأتراك إلّا بمشاورة الباشا بالجزائر ولما يؤذن له في قتله ويقتله يقال فيه أنّ الباي قد اشتراه من الباشا. وللباي خليفتان من الترك أحدهما ينوب عنه في الخروج للرعية بالجهة الشرقية خاصة لأخذ مال الدولة منها ويتصرف فيها بما شاء على إرادة الباي وفي القدوم إلى الجزائر عند الافتقار ويقال له خليفة الشرق. والآخر ينوب عنه في قاعدته بالجلوس على الكرسي إذا غاب الباي في الرعية أو حالة الدنش ويقال له خليفة الكرسي. وله كاتبان عربيان يكتبان له جميع الأوامر والنواهي أحدهما كاتب السر وهو الكبير ويقال له باش تافتار ، والآخر يكتب الرسايل ويسجلها إلى غير ذلك وهو الصغير. وله وزيران من العرب أحدهما كبير وهو من أعيان الدواير ويقال له قايد آغا وعلى يده ما سوى المدن والزمالة والغرابة ومجاهر وفليتة ورعية خليفة الشرق واليعقوبية فله دايرة كبيرة. والآخر صغير وهو / من أعيان الزمالة ويقال له قايد كبير وعلى يده الزمالة (ص ٢٠٩)

__________________

(١) الموافق ١٦٨٦ م.

٢٧١

والغرابة واليعقوبية ومجاهر وحميان فله دايرة صغيرة لكون آغا على يده الدواير وبني عامر وجميع الجهة الغربية إلى وجدة ما عدا تلمسان وحوزها كما على يده بني وعزان وأولاده الميمون وأولاد بالغ وبني مطهر والجعافرة الغرابة وساير الحشم ورزيو وبني شقران والبرجية جبلا ووطاء وزدامة والحوارث وخلافة وفرندة والكسانة والأحرار في بعض الأحيان وأولاد الشريف وأولاد الأكرد وأولاد خليف وساير سويد وأولاد عايد وأولاد عياد وبني أمديان وساير من بالجبال. وحاصله أنه يمتد حكمه إلى ثنية الحد فله دايرة كبيرة بخلاف قايد الزمالة فله الخمسة الأعراش المذكورة. ولا آغا الدواير مشورة في رعية خليفة الشرق وهذا المنصب لا يتولاه من الناس إلّا من كان من أبناء البيوت الكبار المتأهلين له غاية التأهل. ومن جملة الأعيان المعتمد عليهم في ساير الأمور ، ويشترى من الباي بمبلغ وافر من المال وكان قبل أن يتولاه المزاري يبلغ عشرة آلاف فرنك بل ريال أو عشرة ماية شك من الراوي ولما تولاه المزاري أبلغه إلى عشرين ألفا أو عشرين مائة شك منه أيضا. وهاذان (كذا) الوزيران هما الذان (كذا) يقبال (كذا) دعاوى العرب وشكاياتها كل فيما يليه ثم يعرضانها على الباي للتنفيذ ولهما مدخل عظيم في ذلك فلا بد للباي من مشاورتهما كل فيما يليه وتارة يجمعهما للمشورة. وله ثمانية شواش أعوان أربعة من الترك ولباسهم مخالف للباس شواش الباشا فهم عند الباي كسائر العسكر لكون خدمتهم ليست موظّفة من عند الباشا وإنما هي موظفة من عند الباي خاصة فله أن يأخذ من شاء (ص ٢١٠) لقطع الرأس ونحوه. ويسمون شواشا ما داموا / في الخدمة لا غير. وأربعة من العرب للتقديم والتأخير وضبط أحوال الباي وأموره ويقال لهم شواش بني عرب وله سبعة طبول وغوايط وناغرات وعدة سناجيق يحملهم معه حال ركوبه وله فسطاط كبير جدا يقال له الوتاق يحمله اثنا عشر جملا فضلا عن البغال. والمتولي أمور داره يقال له قايد الدار وأمور سلاقه يقال له قايد السلاق ، وأمور سبسيه يقال له قايد السبسي ، وأمور ظليلته يقال له قايد الظليلة وأمور كرسيه يقال له قايد الكرسي ، وأمور طابعه يقال له قايد الطابع ، وأمور جنانه ومنزهه يقال له قايد الجنان ، وأمور مكاحليته يقال له قايد المكاحلية ، وأمور خزنته يقال له خزندار وخزناجي ، والقاطع للرأس بأمره يقال له طزبير إلى غير ذلك.

٢٧٢

كيفية حمل الدنوش إلى الجزائر

وللباي شرط في الدخول للجزائر في كل ثلاث سنين إن لم يكن به عذر من مرض ونحوه وإلّا بعث خليفة الأول وهو خليفة الشرق عوضا عنه ويسمى هذا الدخول بالدنوش وسببه في كل ثلاث سنين الإعطاء لمال الدولة بيد الخزناجي والإعطاء للعوايد الجارية وفي يوم دخوله يقع المهرجان العظيم بالجزائر تخرج فيه أكثر الناس من البلاد لملاقاته والتفرج في ذلك المهرجان وصفته : أن الباي إذا قدم للجزائر لما يبقى بينه وبينها مسافة سير الاربع سوايع (كذا) ينزل في محل معزولة (كذا) يقال له حوش الباي ومنه يقدم للجزائر فيصل قبل الفجر لمحل يقال له عين الربط فينزل به إلى ارتفاع النهار وانفتاح الأبواب فيركب أرباب الدولة من الخزناجيات والأغوات وخوجة الخيل والديوان وغيرهم ويخرجون للقائه ومعهم نوبة الباشا تضرب عليهم فإذا وصلوا لقربه ركب / الباي (ص ٢١١) ومن معه تحت الألوية والرايات وتضرب نوبته ويتوجه نحوهم ولما يقرب منهم تسكت نوبته وتبقى نوبة الباشا تضرب ثم ينزل الباي ومن معه على خيولهم ويمشي خطوات ثم ينزل الخزناجي ومن معه ويسلم كل فريق على صاحبه ويجلسون في محل مرتفع هناك فتتسابق الخيل في جريها أمامهم عليها فرسانها ويضرب البارود ويسمى هذا بالملعب واللعب ثم يركبون جميعا ويقصدون الباشا ومن حين الركوب يشتغل الباي بتفرقة الدراهم ورميها على رؤوس الناس الواقفين يمينا وشمالا إلى أن يصل لمقر الباشا فينزل ويدخل على الباشا فيحييه بأحسن التحية ويؤدي له الطاعة بالمبايعة ويجلس هنيئة معه ثم ينصرف للمحل المعد من طرف الدولة لنزول الباي فينزل به ثم يباشر خدمته وكيله المقيم بالجزائر المسمى بوكيل الباي وتلك الرتبة لا تعطى إلّا لمن كان هو أهل لها فتأتيه في يومه الأول الأطعمة بما يتبعها ثم يشتغل في اليوم الثاني بتوزيع العوايد الجارية فأول ما يبدأ به الباشا فإذا كان باي الشرق فإنه يدفع بعد مبلغ وافر من المال ، البرانس ، والحياك ، والمصوغ ، وإذا كان باي الغرب فإنه يعطي بعد وافر المال ، العبيد والإيماء ، والحياك ، وريش النعام ، وبيضه ، والزرابي ، القلعية ، ثم يعطي لأرباب الدولة وأصحاب المناصب حتى الشواش وغيرهم عوايدهم. وبعد دفع العوايد اللازمة وغيرها تضيفه أرباب الدولة وأكابرها ويعطي فيها مالاءاخر (كذا)

٢٧٣

لخدام المحل على سبيل الإكرام زيادة على ما يدفعه للخزنة ويمكث في البلد (ص ٢١٢) ثمانية أيام لا غير ويرجع لمحل عمله وإذا خرج للرجوع لأهله فإنه لا يخرج / معه من أرباب الدولة إلّاءاغا لا غير فيشيعه على مسافة نحو الساعتين والثلاث ويرجع عنه بعد أن يدفع له في تشييعه قدرا جليلا من المال إكراما له. ثم إن الباشا إذا أراد قتله يبعث له من يقتله بمحل القتل وكذلك إذا أراد قتله قبل لقائه فإنه يبعث له من يقتله في الطريق قبل الوصول بحسب ما اقتضاه أمر الباشا من خنق وغيره. ولا يتولى باي ، أو خليفته ، أو قيادة المدينة ، أو المرسى ، أو فليتة ، إلّا من كان تركيا أو قرغليا.

أقسام بايليك وهران الستة

ولباي وهران في دائرته تقسيم : فالقسم الأول المرس يكونون على يد قايد المرسى وهو أعلا (كذا) رتبة من سائر القواد لكون وسق البحر على يده مدخولا ومخروجا وعلمه بمن يأتي من الأفاقيين وغيرهم واطلاعه على إتيان العدو للاختلاس. والقسم الثاني دائرة آغا الدواير غربا وبحرا وشرقا وقبلة. والقسم الثالث دائرة قايد الزمالة وهي الأعراش الخمسة المارة. والقسم الرابع دايرة خليفة الشرق وذلك من مينا إلى انتهاء رعيته وهران شرقا وبحرا وطاء (كذا) وجبالا ومخزنه المكاحلية وأولاد سيدي عريبي ومن انخرط في سلكهما من أهل الفضاء وغيرهم نائبة له كما أن ما عدا الدواير والزمالة والغرابة والبرجية نايبة للأكابر وهم رؤساء الدواير والزمالة وغيرهم من أعيان الدولة المخزنية بوهران.

والقسم الخامس المدن كوهران وتلمسان والمعسكر والقلعة ومستغانيم ومازونة وأحوازهم وهؤلاء على يد قايد البلد ، وتحته شيخ عرفي يقال له شيخ البلد. والقسم السادس فليتة وهم على يد قايد فليتة ، ومن يتولى قيادة فليتة وتلمسان فإنه يسوغ له أن يتولى بايا إذا كانت له إعانة بالجزائر.

الباي مصطفى بوشلاغم المسراتي

(ص ٢١٣) وأول بايات وهران مصطفى أبو الشلاغم / ابن يوسف بن محمد ابن إسحاق المسراتي الذي جمع له في توليته بين الإيالة الشرقية والغربية تولى

٢٧٤

بايا على مازونة وتلمسان فهو أول من جمعت له الإيالة الغربية بتمامها سنة ثمانية وتسعين وألف (١) ونقل كرسي المملكة من مازونة وتلمسان معا للقلعة ، ثم للمعسكر ، وجعلها قاعدته لكونها وسطا بين مازونة وتلمسان. ولما غزى وهران وأمدّه الباشا السيد محمد بكداش بالجيوش العديدة لنظر وزيره أوزن حسن وفتحها عنوة صبيحة يوم الجمعة السادس والعشرين من شوال سنة تسعة عشر ومائة وألف (٢) نقل كرسي المملكة من المعسكر لوهران فسكنها بأهله وجعلها قاعدة ملكه. وبنا (كذا) بها وقيل بمستغانيم قبّة جليلة وروضة جميلة ، في آخر (كذا) شعبان سنة ست وعشرين ومائة وألف وحبّسها للدفن على عقبه وعقب عقبه وكتب فيها اسمه وتاريخ بنائها وتحبيسها بما نصّه : حبّس هذه القبّة المباركة والروضة المرونقة أمير المؤمنين ، العاشق المحب في سيد المرسلين ، الباي مصطفى بن يوسف محي الدين رزقه الله كمال اليقين ، وأفاض عليه من كرامة الصالحين ، آمين يا رب العالمين على عقبه وعقب عقبه بأن لا يدفن فيها غيرهم ومن بدّل أو غيّر فالله حسبه ويتولى الانتقام منه وأتممت وكملت هذه القبّة على يد المعلم أسطى أحمد أعراب الجزائري بتاريخ أواخر شهر الله شعبان عام ستة وعشرين / ومائة وألف ثم هاتين البيتين من الرجز :

يا داخل القبّة الله يرعاك

أبشر بما ترجه من خير مولاك

وكتب لهذه الأسطار

أسطى أحمد صفه بالنجّار

وعلى القول بأنه بناها بمستغانيم فهي التي بمدينة المطمر من مستغانيم وهي التي دفن بها لما مات. ثم بنا (كذا) الأقواس التي بالبلانصة من وهران وكتب عليها اسمه وتاريخ البناء بما نصّه : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيء بعده ، أمر ببناء هذه الأقواس المجاهد في سبيل الله السيد مصطفى ابن يوسف عام ثمانية وثلاثين ومائة وألف (٣) ولما دخل وهران بقي بها إلى

__________________

(١) الموافق ١٦٨٦ م.

(٢) الموافق ٢٠ جانفي ١٧٠٨ م.

(٣) الموافق ١٧٢٥ ـ ١٧٢٦ م.

٢٧٥

أن أخرجه الإسبانيون منها ودخلوها مرة ثانية سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف (١) فخرج منها وسكن مستغانيم وصيّرها قاعدة ملكه وبقي بها إلى أن توفي سنة ست وأربعين ومائة وألف (٢) بعد ما ملك ستا وأربعين سنة فدفن بها وعلى ضريحه قبّة مرونقة يجاوره بها قبرءاغته الفارس الباسل الشجاع الكامل ، البطل الصنديد ، الهمام العتيد ، الذي لا يطرق ساحة جاره الهم الملزومي ، السيد البشير بن أحمد نجد المخزومي جد البحايثية ، أصحاب الأقوال الصادقة والعطاء الحايثية. ولما حل أبو الشلاغم بمستغانيم ومعهءاغته البشير المذكور بنا (كذا) كل واحد منهما بها برجا جليلا فما بناه الباي يقال له برج الترك الأبطال ، وما بناهءاغته يقال له برج (ص ٢١٥) المحال. وتوفيءاغته المذكور ، صاحب الاسم المشهور ، ضحى يوم / الاثنين رابع عشر من أول الربيعين سنة خمسين ومائة وألف (٣) من هجرة حائز كمال الوصف. ولما مات رثاه العلامة الربّاني السيد يوسف بن بغداد الزياني ، بهذه الأبيات :

هنيئا لك الجنان لا السّعير

يا كافل الأرامل يا بشير

لقد عشت سعيدا في رغد عيش

وفزت بالشهادة يا أمير

ببلدة مستغانيم كان المثوى

فنعم السكنى سكناك يا نحرير

وجاورت بالضريح خير إمام

وبالمطمر ضريحك مستنير

فمن للأرامل واليتامى

ومن إلى العلماء نصير

لقد بكا (كذا) هذا القطر عليك

وصار رونق القدر دثير

وفي ضحى الإثنين في نقط يدّ

من أول الربيعين مسير

سنة نشق كان الارتحال

وحلّ بنا من الفراق تدمير

ه ، ولم يمت حتى أخّر نفسه عن الخدمة وصير أكبر أولاده بن عودة بمحله بموافقة باي الوقت على ذلك. ومحمد بن إسحاق المسراتي جدّ أبي الشلاغم هو الذي بنا (كذا) قصبة القلعة التي يقال لها قصبة المسارتية ويقال

__________________

(١) الموافق ١٧٣٠ ـ ١٧٣١. والحقيقة أن هذا الاحتلال تم عام ١٧٣٢ م.

(٢) الموافق ١٧٣٤ م.

(٣) الموافق ١٢ جويلية ١٧٣٧ م.

٢٧٦

لها أيضا قصبة بني يوسف (١). وكان للمسارتية رياسة وعزة كاملة بمسراتة والقلعة وانقطعت بموت محمد بن إسحاق جد أبي الشلاغم ولما مات محمد خلّف زوجة حاملا فأتت بولد ذكر وسمته يوسف ثم ماتت عنه وخلّفته في كفالة أمها. وكان بمسراتة ولي كبير من أولياء الله المشاهير يقال له سيدي عابد / ابن الزرقاء (ص ٢١٦) يتعبد بمغاراتها التي بواديها وأصله من أولياء غريس فاشتهى يوما دشيشا باللّحم فسمعت به جدة يوسف المسراتي فصنعت ذلك وأتته به لمحل تعبده ومعها مكفولها حفيدها يوسف ولما أكل ورأت منه الإقبال عليها قالت له يا سيدي أدع الله لخديمك هذا اليتيم من الأبوين فقال لها ، هو خليفة على خليفة إلى ما شاء الله ، وإن تعدّ الحدود زالت عنه ضمانتي ، وخرج من دعاوتي. ولما كبر يوسف قدم إلى الجزائر وانكتب جنديا وكان بنواحي قسنطينة رجل يقال له يونس قاطع للطريق لا ينجوا (كذا) منه أحد مشهور بالحرابة وقد نهب أموالا عظيمة ولما بلغ خبره للباشا بالجزائر وتكررت عليه الشكاية به جمع جنده وأرباب دولته وقال لهم يا قوم إن يونس القاطع للطريق كثر ضرره للمسلمين وتعطلت السبل بسببه ألم يأتكم عيب تدعوني أغزوه بجيشي وهو رجل واحد فقال له يوسف المسراتي أنا أكفك أمره يا سيدي فذهب له وقتله واجتز رأسه وأتى به للباشا ففرح به كثيرا وأعزّه شديدا وقال له اختر أي عمالة من هؤلاء (كذا) الثلاث أجعلك بها بايا فأبى واختار أن يكون خليفة ببلد قسنطينة فذهل لها وبقي بها مدة طويلة ثم جاء للناحية الغربية فسكن بمستغانيم ثم انتقل للقلعة بلد أسلافه وبقي بها خليفة إلى أن مات وترك ثمانية أولاد ذكور وبنتا وهم مصطفى أبو الشلاغم ، ويوسف ، ومصطفى الأحمر ، ومصطفى قايد ، ومحمد زرق العين ، ومحمد أبو طالب المجاجي ، ومحمد بن الزرقا ، وعابد ، وخروفة. فأول / من تولى منهم بايا (ص ٢١٧) بالإيالة الغربية مصطفى أبو الشلاغم بن يوسف بن محمد بن إسحاق المسراتي كما مرّ.

__________________

(١) يقصد قلعة بني راشد.

٢٧٧

الباي يوسف المسراتي

ثم أخوه يوسف بن يوسف بن محمد بن إسحاق المسراتي تولى يوم موت أخيه مصطفى أبي الشلاغم وبقي في الملك سنة واحدة ومات بتلمسان بالوباء سنة سبع وأربعين ومائة وألف (١) ودفن بها وكانءاغته الصنديد الكامل ، الحائز للفضايل والفواضل ، من في العطاء لا يعدّ وإنما يحث السيد بن عودة بن البشير ابن بحث.

الباي مصطفى الأحمر المسراتي

ثم أخوه مصطفى الأحمر المسراتي تولى سنة سبع وأربعين ومائة وألف (١) وسقي السمّ فمات بمستغانيم ودفن مع أخيه أبي الشلاغم. وكانءاغته الجواد الذي في العطاء لا يعرف العدد بل فيه يحث ، الشجاع الوجيه منتشر الصيت ومسموع الكلمة بالجزائر دار الملك السيد بن عودة بن البشير بن بحث ، ومات بمستغانيم ودفن مع أبيه بقبّة المسارتية. ولما تولى السيد ابن عودة المذكور مدحه العلامة السيد عدة بن داوود العفيفي بهذه الأبيات التي مسكها دفور ، فقال :

ترونقت بحسنها البهيج

مستغانيم صارت في التّبريج

لما حلّ السهم بها بن عودة

ءاغة من أقواله محمودة

كالأفعال فإنها مرضيّة

وأنه نسبه بحثيّة

وابتهجت عن جميع المدون

وجميع القرى مع الحصون

أكرم به من وزير جليل

وءاغة معظم جميل

فاق بفضله جميع الوزرا

ونال عزّا كاملا ليس يرا

أنخبه عن غير المسراتي

مصطفى الأحمر له المواتي

__________________

(١) الموافق ١٧٣٤ ـ ١٧٣٥ م.

(١) الموافق ١٧٣٤ ـ ١٧٣٥ م.

٢٧٨

الباي محمد أبو طالب المجاجي المسراتي

ثم أخوه محمد أبو طالب المجاجي تولى بموضع أخيه مصطفى وبقي في الملك تسعة أعوام ومات قتيلا من الدولة ، وهو الذي ترك زيارة أولاد سيدي عابد ابن الزرقا واشتغل بزيارة ولي الله أخي حمّ العياشي المغراوي بعياشة أحد بطون مغراوة بشلف فذهب وزاره بتسعة دنانير ذهبا وسأل منه المملكة فقال له هي لك وتبقى فيها بعدد ما أعطيت ولو زدت في العدد لزيد لك فيه أيضا ولما سمع ولد سيدي عابد بذلك قال إن أبي صرّهم في صرّة وإني قطعتهم في مرة ، لم يملك بعد هذا إلا قايد صاحب المقبرة ، ولينفعهم العياشي لما تركوا خدمة صاحب الدشاشي ، وهذا سيدي عابد هو مدفون بمقبرة البراق وهو الجبل المطل على القلعة. وكانءاغته الطود الأعظم والكنز المطلسم ، ذو الأقوال والأفعال المحمودة ، البحثاوي السيد ابن عودة ، وقتله المجاجي المذكور بسبب أنه رءا (كذا) كلمته قد علت عند العرب والأتراك ، وخاف منه التولية بموضعه أو توقيعه في بعض الأشراك ، فقتله غدرا ، ولما لم يطلع أحد على ذلك ذهب دمه هدرا ، وفرّ أخوه إسماعيل بأخوته وأمه إلى الغرابة فاستقر عند أبي علام بن الحبوشي رايس الغرابة في أمن وأمان ، وعزّ واطمئنان (كذا) ثم قال له أبو علام في بعض الأيام يا إسماعيل قد اشتد الطلب عليكم وقد خشيت على نفسي وعليكم من الوشاة أن يتملقوا / بكلامهم عند الباي فيمكر بالجميع والآن إني أبعثكم عند (ص ٢١٩) دموش ولد لشحط العلياوي رايس أولاد علي فتمكثون عنده في الأمان على نظري حتى ننظر في عواقبكم بما قدره الله تعالى ولا يكون إلا خيرا فساعده إسماعيل على ذلك وارتحل بأمه وأخوته لأولاد علي وقد زوده أبو علام بكل ما يريد فنزل عند دموش وبقي هناك إلى أن تزوج دمّوش بأم إسماعيل فصاروا في أمان مع نظر أبي علام ثم إن إسماعيل لما كبر واشتهر بالشجاعة ركب فرسه وذهب لأم عسكر لسوقها خفية فقضى مئاربه (كذا) ولما رجع ألفى بالطريق أسدا فقتله ثم تعرّض به بعض المغاطيس بطريقه وهم ثلاثة فقتلهم وحين وصل لبيته تحدّث في الدوار بما وقع له فمن الناس من صدق ومنهم من ضحك ومنهم من كذب فقال لهم مربيه وكان رجلا عارفا بالأمور من جملة أعيان أولاد علي لا تكذبوا ولدي في قوله ولا تضحكوا عليه فإنه صادق في

٢٧٩

ذلك وتعرفون بسالته وشهامته وإن تماديتم على ذلك فإني أعلم والده دموشا بذلك ويحل بكم الانتقام ثم أنه قال لإسماعيل اركب فرسك وامش بي لذلك فركب كل منهما فرسه ومعهما أصحابهما وذهبوا للمحل فألفوا الأسد والمغاطيس قتلى فسلخ مربيه الأسد وأخذ جلده به رأسه واجتزّ رؤوس المغاطيس وحملهم على أعمدة وذهب بهم للمعسكر فأعطاهم للباي وهم عصمان صهر المسارتية فقال له من فعل هذا فقال له إسماعيل ولد آغا البشير ابن بحث وأخو آغا بن عودة ولد البشير بن بحث فال عصمان نحبك تأتيني به لما الأثر لم ينقطع فالحمد لله (ص ٢٢٠) على ذلك فأتاه به فجعله / خليفة على آغا المخزن وهو الشريف الكرطي التّلاوي.

الباي مصطفى قائد الذهب المسراتي

ثم أخوه مصطفى قائد الذهب لقّب بذلك كثرة جوده وإعطائه الذهب للناس ويقال له باي المحال تولى يوم موت أخيه المجاجي ، وهو سنة خمس وخمسين ومائة وألف (١) وبقي في الملك ستة أعوام ثم قام عليه صهره زوج أخته خروفة وهو الحاج عصمان بن إبراهيم ففرّ منه لوهران عند الإسبانيين. وسببه أن أخاه محمد زرق العين كان متزوجا بابنة دلّة الحشمي أحد أجواد الحشم وكان أكبر من قايد وخليفة عليه فقال قايد لأخ زوجة أخيه زرق العين أقتله غدرا ولك ما تحب من المال ونوليك شيخا على عرشك فذهب له صهره وقتله غدرا وأخبر قايدا بذلك ثم خشي من قايد وفرّ لعرشه فندم قايد على قتل أخيه ولما اعتدت زوجة أخيه تزوجها فبقيت عنده مدة ولم ير منها إحسانا فقال لها ذات يوم أيتها الزوجة كيف لا تحسني به وأنا قائد المسراتي فقالت له إن كنت قائدا كما يحكى عنك وتقوله أنت فطلقني لأنك لا توافقني وأنا لا أوافقك بعد قتلك لأخيك ولا شك أن الله ينتقم منك كما قتلته غدرا فطلقها ثم أنه نظر من المسارتية والرعية ما يكرهه وانتشرت الأقاويل بأنه قتل أخاه لأجل زوجته مع قيام عصمان عليه ففرّ لوهران وبقي بها إلى أن لحقه المحال بنجوعهم فارين من عصمان لما صال

__________________

(١) الموافق ١٧٤٢ ـ ١٧٤٣ م.

٢٨٠