طلوع سعد السّعود - ج ١

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ١

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

عليهم فنزلوا بقرب وهران وأمّروه عليهم ، ولما حصل الصلح بينهم وبين عصمان رجعوا لأماكنهم بين مينا وشلف / وأتوا بقائد الذهب معهم فولوه عليهم وخرجوا (ص ٢٢١) عن حكم عصمان بموافقة باشا الجزائر على ذلك ثم فر لتونس وسببه أنه سمع من الباشا ما يكرهه ، ورءا (كذا) المحال قد اتفقوا على تمكينه بيد عصمان ليقتله ويبقوا تحت حكم عصمان لكون قايدا صار إذا ميّزوا عليه فرحا يعطيهم الصلة الكثيرة ظنا منه أنهم يحبون ذلك كسائر عرب زغبة وغيرهم وهم ينكرون منه ذلك ظنا منهم أنه أراد أن يتحدثوا به مع أهلهم إلى أن قالوا له يوما أيها الباي قد كثر غلطك معنا وسامحناك على ذلك فلا تعد لفعلك ولا تظن في نفسك أننا نتحدث بك وبعطائك عند المحليات ونشكرك بينهنّ فإذا أردت ذلك فافعله مع بني معين لا معنا فانظر كيف اختلف الظن من الجانبين ولما سمع ذلك فرّ لتونس ومكث بها إلى أن مات وبها ضريحه ولم أقف على تاريخ وفاته.

يحكى أنه لما حل بتونس استقر عند امرأة كبيرة فصارت تطبخ له وتغسل ثيابه وهو يكرمها بما أحبّ إلى أن مرض ببيتها فشمرت على ساق الجد في دوائه والإحسان إليه إلى أن برىء (كذا) فلم يجد ما يكافيها به إلا خاتم الملك فنزعها من أصبعه وأعطاها لها وقال لها بيعه لنفسك وعيشي في ثمنه فأعطته للدلال فكل من أخذه لا يطيق على شرائه لكونه خاتما ملوكيا وتحدث الناس بذلك إلى أن بلغ الخبر لملك تونس فأمرهم بإحضار الخاتم فأحضروه ولما نظره تيقن بأنه خاتم ملوكي فسألهم لمن هو فقال الدلّال أعطته لي العجوز الفلانية في المحل الفلاني لأبيعه لها فأحضرت لديه وسألها عنه فقالت أعطاه لي رجل مغربي هو في بيتي منذ كذا فأحضر قايد لدى الأمير وكان يسمع بخبره وكان كاتب سرّه جاء مرة لمرسى وهران ورءاه (كذا) بها لما كان بوهران فلما رءاه (كذا) الكاتب تيقن به معرفة فقام له إجلالا وعانقه غاية رغبة ورهبة فقال له باي تونس من هذا فقال له فلانا فعند ذلك أجلسه الباي عنده وقال له هذا مقامك إلى أن تموت أو يرد الله لك ملكك فحصلت بينهما مودة الارتباط وتزوج قايد هنالك بامرأة وأتى معها ببنت يقال أن من ذرية تلك البنت الوجيه السيد علي ولد مصطفى ولد محي الدين الذي هو الآن المترجم بالمحكمة الشرعية الفرانسوية بالمطلب الأول من وهران وهو من أعيان المخزن الآن وله كلمة نافذة في جميع الأمور وذو عقل

٢٨١

راجح وفهم ثاقب ولبابة وفطانة وذكاءة (كذا) وأدب وسياسة ومعرفة وكياسة ونصرة (ص ٢٢٢) للمظلوم والقوي والضعيف ، وإعانة ونصيحة للوضيع والشريف. / وفي حال مكث قايد بتونس اجتمع به رجل برجي من الأدباء في إيابه من الحج في وقت الصباح وهو بمحفل عظيم فقال له السلام عليك أيها الأمير الخرير أنعم الله صباحك يا باي ابن ثلاثة عشر بايا ببلادنا فسرّه ذلك غاية وقال له مثلك يليق للصحبة لكن هذه المقالة الأدبية ليتني كنت معها في بلدي وصاله بشيء فأبى الرجل من أخذه رأسا. وقايد هو الذي غزى من المعسكر حناشا شيخ المهاية فأخذه وسلب له فرسه المعروف عند الناس بعود حناش وكان فرسا طويلا مع الأرض يقال إنه كان يسابق ثلاث مشالي ويعلف برشالة من الشعير. وقيل إن الذي أتى به هو الباي إبراهيم الملياني الآتي ذكره قريبا إن شاء الله تعالى.

فضل البايات المسراتية

واعلم أن المسارتية هم فضلاء البايات بالمغرب ولهم نسل قليل. فأما أبو الشلاغم وقايد فلم يخلفا إلا البنات. وأما محمد زرق العين ويوسف ومحمد أبو طالب المجاجي ومصطفى الأحمر فلم يعقبوا شيئا. وأما عابد فخلّف ابنين وهما يوسف ومحي الدين فمنها يوسف خلّف ابنه القايد محمدا وهو خلف محمدا وأبا زيان فمحمد خلّف محمدا ومحمدا الموجودين الآن ومنها محي الدين خلف ابنه الخوجة وهو خلّف يوسف وهو خلّف أبا زيان وهو خلّف عدة أولاد موجودين الآن. وأما محمد بن الزرقا فخلّف ابنين وهما ابن علي وعلي فابن علي خلّف محمدا وهو خلف عدة وقارة ومحمدا موجودين الآن وعلي خلف مصطفى وهو خلّف ابنين عابدا وبن يوسف وذريته بالقلعة الآن. وكانءاغته الشريف الكرطي وهو عبد الله بن عبد الرزاق التلاوي.

الباي الحاج عثمان

ثم الحاج عثمان ويقال له عصمان بن الحاج إبراهيم تولى أولا بتلمسان لما كانت القاعدة بها وقام عليه مع أهل تلمسان يوسف المسراتي المتقدم الذكر

٢٨٢

فخلعه وتولّى مكانه. وتولّى ثانيا على جميع الإيالة الغربية في أواسط محرم الحرام فاتح سنة ستين ومائة وألف (١) فمكر بأهل تلمسان والمحال مكرا كبارا (كذا) أفنى فيه كثيرهم. وسببه أنه لما كان بايا في المرة الأولى بتلمسان تعصّب عليه أهلها ونقموا حكمه وصاروا يرسون ساحته في اليل (كذا) بكل نجاسة وميتة ودم وغيرها / فاغتاظ لذلك شديدا وترك حلق رأسه ولحيته إلى أن كبرا وهو في (ص ٢٢٣) تزايد الغضب ثم ذهب للجزائر وقد اشتد به العطش في الطريق ولمّا مرّ بالمحال استسقاهم فأسقوه لبنا وفي حال شربه أهرقوا عليه الإناء وقهقهوا بذلك فأسرها في نفسه وأسرع في سيره للجزائر ولما دخلها اجتمع بالباشا بواسطة الأعيان فتعجب منه شديدا وسأله عن حاله فأخبره بكل ما صار له مع أهل تلمسان ثم المحال في طريقه فصبّره الباشا على ذلك ثم أنه سأل من الباشا التولية ويعطيه قدرا من المال فولّاه وأرسل معه الجيش فجاء به مغربا وأوقع بأهل تلمسان إيقاعا شديدا. ومكر بهم مكرا عتيدا. ثم توجه إلى المحال وصال عليهم إلى أن أفناهم وأجلاهم لتلمسان ثم لوهران ثم رجعهم لمحلهم على أن لا يرفعوا رؤوسهم وحلّ بهم ما هو مشهور على الألسنة ومذكور في كلام الفصحاء كابن سويكت وعدة ابن البشير (٢) وغيرهما ويحكى أنه قتل من أعيانهم في يوم واحد أربعين بطلا فضلا عن غيرهم. ويحكى أيضا أنه لما نزل بأرض المحال أتوه لينظروه وبأيديهم حجلة فقال لهم ما عملت هذه الحجلة المسكينة حتى أتيتوني بها بأيديكم ثم أطلقها فقالوا هذا الباي يقال له مسكينة ولقبوه بذلك بينهم ولمّا رجعوا لأهلهم واجتمعوا بمديرهم وصاحب الرأي منهم قالوا له الواقع وأخبروه بأنهم لقبوه مسكينة فقال لهم كفوا عن قولكم هذا وأطيعوه فإن هذا الباي هو مفنيكم وأن الحجلة تجعل لكم فجلة ، فكان الأمر كذلك. وجاءه المسارتية يوما لقتله فألفوه بالمحكمة فضربه أحدهم بكابوس بيده فنجاه الله من ذلك ثم أنه ظفر بهم فقتلهم ولم ينج منهم إلا اثنان وهما ابن الزرقا وعابد لصغرهما ولكون الله أراد بقاء النسل فيهما ففرّا لضريح سيدي محمد بن عودة بفليتة واستجارا به فعفا عنهما

__________________

(١) الموافق جانفي ١٧٤٧ م.

(٢) كل من ابن السويكت ، وعدة بن البشير ، من شعراء الملحون في هذه الفترة.

٢٨٣

وأمنهما. ولا زال بابا إلى أن توفي بالمعسكر ودفن بها بعد ما ملك تسعة أعوام. وهو الذي بنا (كذا) الجامع الأعظم بداخل المعسكر سنة توليته ونقش على (ص ٢٢٤) حجارة اسمه وتاريخ البناء ونصه : الحمد لله حمدا لا نهاية / لطوله ، وصلى الله على سيدنا محمد نبينا عبده ورسوله ، أما بعد فقد أمر ببناء هذا المسجد المبارك المحمود المعظم القامع للعداء من جمع بين الشجاعة والنداء وطلع على الناس بدر هداء صاحب لواء الحمد الأسماء ومالك أزمة المجد الإحماء حاج الحرمين الشريفين أمير المؤمنين ، المجاهد في سبيل رب العالمين ، صاحب الرتبة العالية ، ونخبة الملوك العثمانية مولانا الحاج عثمان باي بن السيد إبراهيم خلد الله ملكه ملكا عاليا ، وهو على الأمة واليا ساميا ، وكان ذلك في شهر شعبان عام ستين ومائة وألف (١). ثم بنا (كذا) الدار والقبّة الملاحقة للجامع الأعظم بالمعسكر المعروفة عند الناس بقبة الباي إبراهيم لكونه مدفونا بها ، وإلّا فهي قبّة الشيخ عبد القادر الجيلاني نفعنا الله به التي هي الآن محكمة قاضي المعسكر وأمر بكتب اسمه وتاريخ بنائها فكتب بحجارة بما نصه : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد ، أما بعد فقد أمر بناء هذه الدار المباركة الأمير الأجل العدل الشهير الأكمل الرفيع الحظ المجاهد المرابط المقسط عدله في الجوائز مدن النواحي الغربية عبد الله أمير المؤمنين مولانا الحاج عثمان ابن إبراهيم خلّد الله ملكه ونصره حسبما أمر أيّده الله بتشييد هذه القبة العظيمة حرمة للشيخ الجليل سلطان الصالحين سيدي عبد القادر الجيلاني أدركنا الله رضاه قصد بذلك وجه الله العظيم ، وثوابه الجسيم بتاريخ فاتح المحرم الحرام عام سبعة وستين ومائة وألف (٢) وأمر بتحرير العلامة السيد محمد بن حوّاء وإخوانه ، وبني عمه التجاجنة من جميع التكاليف المخزنية وكتب لهم بذلك رسما نص ختامه : بأمر المعظم الجليل المجاهد الكفيل أبي سعيد السيد الحاج (ص ٢٢٥) عثمان باي الإيالة الغربية وتلمسان في أواسط جمادى الأولى عام سبعة / وستين ومائة وألف (٣). وكم له رحمه‌الله من غزوات لوهران ورباط عليها بقصد فتحها

__________________

(١) الموافق أوت ـ سبتمبر ١٧٤٧ م.

(٢) الموافق ٢٩ أوت ١٧٥٣ م.

(٣) الموافق مارس ١٧٥٤ م.

٢٨٤

ولم يمنّ الله تعالى بفتحها على يديه بل دخّر فضل ذلك لمن هو محبوب لديه. وكانت وفاته سنة سبعين ومائة وألف (١). وكانءاغته الشجاع الجواد ، الكنز المراد ، عقد سمط الجواهر الشريف الكرطي التلاوي ، وخليفته كافل الأرامل الشهم البارع إسماعيل بن البشير البحثاوي.

الباي حسن

ثم حسن باي تولى سنة سبعين ومائة وألف (١) ثم هرب من ملكه لإسطنبول لما أهانه الباشا بالجزائر وخليفته البحثاوي المسطور.

الباي إبراهيم الملياني

ثم أبو إسحاق إبراهيم باي الملياني تولى عام السبعين ومائة وألف (١) وكان محبا للعلماء بمحبته للعلم وراغبا في الصالحين لنيل الفضل والكرم. وهو الذي بنا (كذا) برج العسكر بالمعسكر ، وأمر بكتب اسمه وتاريخه عليه فكتب بما نصّه : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وأله وصحبه وسلم ، أما بعد أمر بتشييد هذا الفندق المبارك الظريف الجامع لعسكر الجزائر المنتصر سيدنا أمير المؤمنين المجاهد في سبيل رب العالمين ، ناصر الدنيا والدين لرب العالمين ، مولانا إبراهيم باي الإيالة الغربية وتلمسان خلّد الله ملكه وأعزّه ونصره آمين وكان الفراغ منه أول شهر الله العظيم رمضان عام ست وسبعين ومائة وألف (٢) عرفنا الله خيره وكفانا ضيره وشره آمين يا رب العالمين وصانع هذا التاريخ محمد بن الحسين بن صرماشق. وتوفي سنة خمس وثمانين ومائة وألف (٣) بعد ما ملك أربعة عشر سنة ودفن بالمعسكر بالقبة التي بناها الباي الحاج عثمان للشيخ عبد القادر الجيلاني الملاصقة للجامع الأعضم كما مرّ.

__________________

(١) الموافق ١٧٥٦ ـ ١٧٥٧ م.

(١) الموافق ١٧٥٦ ـ ١٧٥٧ م.

(١) الموافق ١٧٥٦ ـ ١٧٥٧ م.

(٢) الموافق ١٦ مارس ١٧٦٣ م.

(٣) الموافق ١٧٧١ ـ ١٧٧٢ م.

٢٨٥

وكانءاغته الفارس الأعظم والطود الشامخ الأفخم ، والجواد الأكرم والشجاع الأعزم. والبحر الطامي الألطم ، الذي لا يدانيه شجاع ولا جواد له يساوي ، السيد إسماعيل بن البشير البحثاوي ، الذي تسمت به مدينة العرقوب بالمعسكر ، (ص ٢٢٦) لكونه أول من بنا (كذا) بها في المشتهر /. وهذاءاغة مدحه العالم العلامة الدراكة الفهّامة كثير المعاني ومشارك الفنون ، قاضي المعسكر السيد محمد ولد مولاي علي الشريف بن سحنون بأبيات من الرجز فقال :

تكاثر بالسّيل السلسبيل

لك وكل الخير يا إسماعيل

لقد نلت الحسنى مع الزيادة

لما فيك للناس من إفاده

يا من وقاك الله من مساوي

وأرقاك للعلا يا بحثاوي

يا من ترصّعت بكل خير

يا من تجنّبت لكل ضير

ياءاغ يا بنءاغ يا بن شيخ

يا رايس الوقت بكل فيخ

تغافلت عنّا في هذا الوقت

فاجبر لكسرى نجوت من مقت

قد قيل لي أنّ أمير المؤمنين

إبراهيم باي يريد يا أمين

توليت غيري وأنت المفتاح

والاتكال عليك يا مصباح

وكيف قد أخشى وأنت عندي

يا ملاذي وعدتي ورشدي

فلا تدع تمنيت الأمير

تكمل يا عمدتنا الشهير

ثم أن إسماعيل المذكور لما تولىءاغة جعل أخاه الطود العظيم ، الكنز المطلسم الفخيم ، الفارس الأمجد ، السيد عدة بن البشير بن نجد ، خليفة عليه ، وفوّض له الأمر في سائر الأمور التي تلقى عليه وفي عدة المزبور ، قال العلامة السيد عبد الحليم المستغانمي هذه الأبيات التي كالدّر المنشور :

لك العز قد تم بأسر يا عده

فأنت بإذن الله تخلص من شدّه

وأنت الذي بك الحوائج قد تقضى

ويحصل لنا كل فوز بلا شدّه

ونبلغ للأماني طرا بأسرها

فليس لك شبه في فعلك مذ عدّة

وكيف يخيب من تكون له حما

وأنت المخزومي من جدّك ومن جدّه

وجعل أخاه الموفق بن البشير قايدا على الدواير وأخاه يوسف قايدا على العبيد وهم الزمالة ونظر بعين المودة في أبي علام بن الحبوشي ودموش ولد

٢٨٦

الشحط وصيّر كلّا منهما رئيسا (كذا) على قبيلة ولما توفي أخوه الموفق ترك ولده قادي في حجره فزوجه بابنته هكذا قيل والله أعلم.

الباي الحاج خليل

ثم / الحاج خليل باي تولى سنة خمس وثمانين ومائة وألف (١). وكان (ص ٢٢٧) مبغضا للعلماء والأولياء وغيرهم من أهل النفع. وتوفي بتلمسان سنة اثنين وتسعين ومائة وألف (٢) فدفن بقبة سيدي محمد السنوسي جيرة ضريحه. وسبب موته دعاء الشيوخ الثلاثة عليه بالهلاك وهم : سيدي المداني بن عطاء الله العمراني الغريسي شاعر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه والأولياء رضي‌الله‌عنهم ، وسيدي الحاج الموفق الكبير بن سعيد الشقراني ثم البوشيخي ، وسيدي أبو ترفاس محمد ابن محمد الساحلي شيخ الطلبة بالساحل. فالشيخ المدني ورفيقه واعدهما خليل بالقتل إذا رجع من سفره فاشتغل الأول بالاستصراخ بشيخ الشيوخ سيدي عبد القادر الجيلاني في عروبيته الملحونية يقول في بعض أبياتها :

الباي خليل لا ترده من ذي التغرابا يا الجيلاني بابا حلف فيّ وقال لي من السّور ناليك.

واشتغل الثاني بالعبادة بأن تطهر ليلة طهارة كبرى وانفرد وحده وشرع في الصلاة بالقرآن العزيز وهو قائم على رجل واحدة إلى أن ختمه في ركعة واحدة ولما نام كل منهما أتا الهاتف لكل منهما وبشره بهلاك الباي في سفره وأنه لا يرجع لأهله. ولما استيقظ كل منهما بعث رسولا لصاحبه يبشره بهلاك الباي فالتقى الرسولان برأس الماء وأخبر كل صاحبه فرجع الرسولان من هناك بعد التحويط على محل الاجتماع. وأما الشيخ أبو ترفاس فإنه غزاه الباي خليل بمدشرة بالساحل وأخذ قيطنته وفرق طلبته وهمّ بقتله لو لا أن الله عصمه منه فقال له أبو ترفاس نحن مساكين لا معرفة لنا بالملوك ولا دخول لنا في شئونهم

__________________

(١) الموافق ١٧٧١ ـ ١٧٧٢ م.

(٢) الموافق ١٧٧٨ م.

٢٨٧

وفضحتنا علانية بلا سبب فضحك الله وعجّل بهلاكك لتستريح منك البلاد والعباد فرجع الباي ولما وصل لحمام أبي غرارة بأرض دوى يحيى ابتلاه الله بعلّة يقال لها الشهدة وهي حية عظيمة أصابته بين كتفيه وتعاظمت جدا وتخرقت كالشهدة وركبها الدود فحملوه لتلمسان في أرذل حالة ولما وصلها مات بالبيت التي بها دون علم أحد ، ولما دخلوا عليه من الغد ألفوه ميتا. وتوفي أبو ترفاس بعده بقليل في فصل الشتاء ليلة الجمعة الحادي والعشرين من ذي الحجة الحرام (ص ٢٢٨) سنة اثنين وتسعين ومائة وألف (١) /. وفيها ضحوة يوم الخميس عاشر رمضان (٢) توفي القطب العلامة الحافظ الشيخ عبد القادر المشرفي ورثاه تلميذه الحافظ أبو راس بهذه الأبيات الرائية (كذا) من الطويل :

لقد كان للإسلام كهفا وملجأ

تراه في أقل الشئون ببادر

له الباع في كل العلوم بأسرها

سريع الجواب عنها ليس بضاير

فيا لو رأيته بدرسه جالسا

وحوله حلقة الأسود الهواصر

كأنّ قمر الأفق في غيهب الدجا

من بين كواكب النجوم الزواهر

فيتلوا فرايد عليهم نفيسة

بحسن بيان واختتام عواطر

فتلقاها أنوار القلوب بديهة

كنقش فصوص للخواتم بواهر

يذلّل صعاب العلوم لهم كما

يقرّب قاصيات عنهم نوافر

له خلق كمثل أحنف الذي

غرائبه مسطورة في الدفاتر

تعود بسط الكف في بحور النّدا

لقد فاق هرما ومعنى وعامر

أيا ثرى الكرط كيف واريت سيّدا

مآثره مثل البحار الزواخر

لقد حلّ فيك العلم والحلم والتّقى

فحسبك رهنا من كريم العشائر

همام ثوى ضحى الخميس لعاشر

من شهر رمضان الهدى والمغافر

من سنة اثنين وتسعين قيّدوا

من بعد المائة والألف أهل البصائر

وهي طويلة. وفي تسعين ومائة وألف (٣) في وقت الباي خليل حلّ بالناس قحط

__________________

(١) الموافق ١٠ جانفي ١٧٧٩ م.

(٢) الموافق ٢ أكتوبر ١٧٧٨ م.

(٣) الموافق ١٧٧٦ ـ ١٧٧٧ م.

٢٨٨

عظيم ودام إلى نصف إحدى وتسعين فزال بإذن الله تعالى. وإلى هذا القحط أشار ولي الله سيدي الأكحل الخلوفي المعروف عند الناس بسيدي الأخضر ابن خلوف في عروبيته الملحونية التي صيّرها تاريخا بطريق الكشف بقوله : ونصف عام من بعد تذهب الكشرا.

وكانءاغته الهمام الفاضل الجواد الباسل ، المتجنب لسائر رذائل الدعاوي ، السيد إسماعيل بن البشير البحثاوي. وهؤلاء البايات التسع كلهم كانت لهم دار ملكهم المعسكر ، وكلهم كان لهم اعتناء شديد بالجهاد ولم يفز منهم بالفتح الأول إلّا أبو الشلاغم المسراتي.

الباي محمد بن عثمان الكبير

ثم أبو عثمان الفقيه المجاهد السيد محمد بن عثمان ، باي الإيالة الغربية وتلمسان ، الذي قيضه الله / لفتح وهران ، وأرشده إلى مهيع السعادة والغفران ، (ص ٢٢٩) الممتطي منصة الرضوان ، ومشيد راية الإسلام والإيمان والإحسان ، وباسط مهد العدل والأمان في كلّ زمان ، اتحفه الله برضاه ، وجدد له اللطف وأمضاه ، تولى سنة اثنين وتسعين ومائة وألف (١) ، على الصحيح ، فكان رحمه‌الله من أهل البلاغة واللسان الفصيح ، بعد أن كان خليفة على خليل رقي لمنصب الباي بالعز والتفضيل ، فهو ثاني ملوك العثمانية ، خلافا لما في أنيس الغريب والمسافر من أنه هو أولهم وهي قولة واهية ، وبه رفع ذكرهم ، وانتهى إليه خيرهم ، فلقد دوّخ الأتراك والأعراب ، وهابته الأباعد والأقارب وذلت له الملوك والجبابرة ، وخشيته الفراعنة والأكاسرة ، وأطاعته الرعايا ، وخصت به المزايا ، ووفدت عليه الوفود ودارت به العساكر والجنود فحاصر مدينة وهران ، وضيّق عليها من كل فج نزهة الزمان ، ودام عليها إلى أن فتحها في أوائل المحرم الحرام (٢) بلا وصب ، ودخلها صبيحة وقبل ضحى يوم الإثنين الخامس من رجب سنة ست من القرن الثالث

__________________

(١) الموافق ١٧٧٨ م.

(٢) عام ١٢٠٦ ه‍ ـ الموافق سبتمبر ١٧٩١ م.

٢٨٩

عشر (١) دون ثلب ، كما مرّ ذلك مفصّلا ، مختصرا لا مطولا. وفي وقته حصلت العافية قليلة الوجود ، وتواخت (كذا) القبائل في بعضها واصطلحت على الراحة وترك الفساد والعنود (كذا) حسبما أشار إلى ذلك الشيخ الأكحل في عروبيته بطريق الكشف بقوله :

تأت العافيا في أزمان ميم وحا

هجّ وزيد حرفين قول ميم ودال

تضحا القبائل أخو جميع مصطلحا

لخ (كذا)

وكان رجلا جسيما بالتجدير ، أسمر اللون لا بالطويل ولا بالقصير ، محبا للعلماء والصلحاء ، والنبلاء ، والأدباء والشجعان والفضلا ، قريب الغضب سريع الرضا ، شديد الحزم والأوامر والإمضا ، كثير الغزو على أهل الصحراء ، دائم الارتحال والإسرا ، ففتح بني الأغواط ، والشلالتين ، وعين ماض ، ومزابا ، وأبا الضروس ، ونزل شرّاعة وهمّ بفتح بني يزناسن وأبي عروس ، وبلغ مبلغا لم يبلغه أحد من ملوك الأتراك ، ووصل المواضع التي صعبت على غيره وسهل عليه فيها (ص ٢٣٠) الإدراك. وأعظم فتوحاته فتح وهران / التي صيّرها الله على يده للمسلمين دار إيمان وأمان. وإلى ما تحت سلطاته أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :

فملك آل منديل تحت سلطانه

قد كان مدّ من واجر إلى تنس

كذلك ملك تجين في إيالته

كذا الجدار القديم المتقن الأسس

ملك لآل يغمور فيه نضرتهم

كذاك ملك ابن يعلا اليفريني الرئيس

لشعنب ومصاب مدت طاعته

على مسافات شتّى من أبي الضّرس

وقد مرّ هذا في الكلام على فتح وهران. وكان ، رحمه‌الله ، والده عثمان الكردي حاكما بمليانة ثم صار بايا بتيطرى ، فهو أول ملوك العصمانية ، ولد ولدان ذكران أحدهما الباي محمد الكبير هذا وأمه أم ولد اسمها زايدة أهداها له ملك المغرب لمحبة بينهما ، والآخر الباي محمد الصغير ويقال له الرقيق كما يأتي وأمه حرّة اسمها خديجة بنت السيد محمد بن عيسى اللمدانية من مرابطين (كذا) المدية.

__________________

(١) الموافق ٢٨ فيفري ١٧٩٢ م.

٢٩٠

ثم أن الباي الذي نحن بصدد الكلام عليه لما فتح وهران وارتحل إليها بالسكنا (كذا) وصيرها دار ملكه الأسنا قصدته الشعراء من كل باب وتزاحمت في الدخول عليه ومعهم العلماء ما بين إيجاز وإطناب ، فمن ذلك قصيدة العلامة الجامع ، الدراكة المانع النّاثر الناظم اللّافظ ، الشيخ أبي راس الحافظ :

خليلي قد طاب الشراب المورّد

لمّا أن صار الأمير بالثغر يقصد

وأجفت رحال الوافدين أم عسكر

وقد كان مأوى للوفود ومقصد

تجاذبته وهران لما افتتحها

وقد قالت جاءني الملك محمّد

فهات أعقارا في قميص زجاجة

كياقوتة في درّة تتوقّد

يصبّ عليه الماء مسبك فضة

له حلق بيض تحلّ وتعقد

جلوسا على ذرى الحصون فما ترى

بوهران ناقوسا ولا الوثن يعبد

فهلّا أبصرت طربها بأذاننا

وقرائتنا أم كان طرفك أرمد

/ ألم ترها تهتز شرقا إلى النّدا

إذا قال في الخميس المؤذن أشهد

إذا قطعت بأندلس يد العدا

يدا بقيت والحمد لله لي يد

وما زال طمع المسلمين في رده

لعلمك أن الدهر يدني ويبعد

فها هي وهران العداء صفت لنا

وفي كل عورة لها لنا مرصد

كأن لم تكن بالأمس ترم صواعقها

علينا بزمجر عتيلة صلد

تقني من النار الجحيم بنفسها

فيا عجبا لي كيف يجتمع الضّدّ

وكيف تدوم الخيزرات بفكرهم

وتدمر ومنها الفريدة روند

وقرطبة كانت محط رحالنا

شريس الشريسي وشقة ثم لوكد

بتذكارهم عمّت وجمّت همومنا

إلى أن نفى الأكدار قوم ممجّد

بفتحه وهران واسطة عقدهم

بها طال ملكهم قديما ممدّد

زهت بها مصر ثم نجد وشامنا

ويضربهم بها غريض ومعبد

وأهل الحجاز قد تسامعوا فعله

ولا شك للمصريين يعلو ويصعد

فكان بوسط الغرب دخر مضرّة

وكم درّة علياء باليم توجد

وعم العفات نيل فيض عطائه

وذلك من إحسانه ليس يجحد

بها علا صيته الملوك بأسرهم

فطاب له أصل وفرع وقعدد

٢٩١

ومنها قوله فيه أيضا :

فقد سد ثلما كان يخشى اتساعه

ورقّع خرقا ما عليه مزيد

وأصلح ما قد أفسدته صروفه

وأذاب ما أثنى فخاب حسود

وقوم معوجا من الثغر فاستوى

وبلّغه ما كان منه يريد

نفى عنه خبث الشرك والرجز والأذى

وكم من رميم عاد وهو جديد

وجلا كروبا عمّ في الأفق وقعها

وهمّ له وسط الفؤاد ركود

وأشرق أنوار الهدى بعد حجبها

أنار لها دان وضاء بعيد

واطلع في أفق السعادة أنجما

لهنّ ترق في العلا وصعود

وعمّ وفود العالمين بنيله

بذكر له بين الأنام مشيد

(ص ٢٣٢) / مواس لأهل العلم في كل بلدة

وإن لم يكن منهم إليه ورود

جدير بأن يدعى وحيد زمانه

وتفخر أبناء به وجدود

فكم رسم مجد قبله كان باليا

وكم من واه ضعيف عاد جديد

فجمع خصال الكمال منيفة

فهو بها عن الملوك فريد

ومنها قوله فيه أيضا من البسيط :

سلطان وهران ما خيّب قاصده

زهت به وعالت (كذا) أقاليم الأمم

شدّ قواعدها بحزمه فعادت

مكفولة به لم تيتم ولم تئم

يرثها بعده أولاده أبدا

كإرث آل شيبة مفتاح الحرم

فالدنيا ألبست البها بطلعته

رشيدها الثاني جاءت به للعلم

عمّ بإحسانه بدوا وحاضرها

كل لليث للهضبات يروى والأكم

في قبّة من نوى قد شيدت عن حسب

وجعفر بن يحيى بها من الخدم

وابن أمامة وابن سعد أتابعه

وحاتم وأبو دلف مع هرم

تعودت كفه بسط الحسام فلو

أراد قبضها لم تعطه بل تهم

سار مسير زحل في منازله

وهبّ كالرّيح في الأراضي والأطم

شمس بدت في أعلى الأفق ساطعة

أضاءت الخلق من عرب ومن عجم

ملوك أقطار الأرض هم كواكبها

شعاع أنواره وأراهم كالظلم

بشرى فقد أنجاز الإقبال موعده

بالكوكب السعد لم يفل ولم يرم

٢٩٢

ذو المفاخر أعيته مآثره

من دون أدناها وقفوا على العدم

وبالجملة فإن ما قيل فيه من المدح حال سكناه بالمعسكر وفتحه لوهران وبعد فتحه إياها وسكناها كثير ، يقلّ حصره وتضيق به الدفاتير (كذا). وقصة فتحه لوهران مشهورة ، مقرّرة مسطورة ، ألّف فيها العلماء كالحافظ النقاد ، النور الوقاد ، العلامة الماهر أبي راس محمد بن الناصر والحافظ البارع ، العلامة الجامع ، السيد مصطفى بن عبد الله الدحاوي وغيرهما عدّة تآليف ، وصنف فيها ما بين النثر والنظم جملة تصانيف ، وقد مرّ لنا بها طرف من ذكرها ، حسبما نتجته / القريحة من بنات فكرها. (ص ٢٣٣)

منشآت الباي محمد بن عثمان بوهران ومعسكر والبرج

ثم أن هذا الباي المراد ، الحاصل نفعه لجمع العباد ، أمر بالهام من الله تعالى في اليوم الحادي والعشرين من فتحه إياها بهدم الأبراج الموالية للبروهي برج مرجاج وبرج رأس العين الكبير والصغير وبرج الويز وبرج فراند وبرج كالوص (كذا) وأشباههم من الأبراج الموالية للبر ومن عادته رحمه‌الله أنه مهمى (كذا) أشار برأي إلّا كان فيه الخير والسداد وغرضه بذلك رفع الضرر عن المسلمين. وحسما لمادة النصارى فإن الباي أبو الشلاغم لما فتحها أولا ترك الأبراج بلا هدم ولما رجع لها النصارى كان أول ضرر حصل للمسلمين من تلك الأبراج فلذلك أمر رحمه‌الله بهدمها. ولما استقل قدمه رحمه‌الله بها جمع لسكناها الناس من كل فج ومكان ، وأمرهم بتعميرها ليتم في الغاية الإيمان ، فبعضهم بالإقطاع وبعضهم بالبيع بلا نزاع ، إلى غير ذلك من الوجوه الصادرة من أمير المؤمنين ، وثمن المبيع عمّر به بيت مال المسلمين. وفي يوم دخوله لها بأهله ومخزنه بغاية نيله ، قدم أمامه العلماء والصلحاء وبيدهم صحيح البخاري تبركا به وتيمنا بفضله ، فحقق الله رجاءه ، ونشر صيته ودمر أعداءه ، وبنا (كذا) بالموضع الذي وقف به فرسه عند الباب للواقف مسجد الصلاة الخمس والجمعة يعرف عند الناس للآن بجامع بالناصف لكونه كان به وكيلا ، وبأموره قائما كفيلا. ثم بنا (كذا) في السنة السابعة والمائتين والألف (١) قبّة البرج الأحمر

__________________

(١) الموافق ١٧٩٢ ـ ١٧٩٣ م. ولا أثر اليوم لمسجد بناصف ولو أن البعض يذكر أنه المسجد ـ

٢٩٣

فزدات له رونقة لصعودها للسماء مشرقة ، ولما أكمل بناءها كتب على صالة مركز جلوسه بأمامه الأبيات التي أنشدها العالم الجليل ، المتضمن الجميل ، العدل الماجد ، البارع الفارد ، الكاتب الفاخر ، الناظم الناثر ، ذو المعاني والإعراب ، والفنون والآداب ، والكرم والفضائل ، والأخلاق والشمائل الجامع بين الحسب والنسب الأصيل والمعارف والتحصيل ، الشريف الجميل ، الذي هو أنجب من كل من حثّوا في طلب العلم ولحّوا ، السيد مصطفى بن عبد الله بن دحّو (كذا) ، مؤلف فتح وهران وجامع الجواهر الحسان ، وهي من البسيط :

يا غافلا عن أمور زانها ذهب

ولونها لجين وتمرها رطب

ونورها مضيء وجوها دائم

وصوتها منشد بالحسن مرتقب

(ص ٢٣٤) / أقصد إيوان أمير المؤمنين أبي

عثمان تلفى الخيرات كلها كوعب

به تشارك من نوى لمقصده

فهو منافع للورى فما أرهب

به اشتباك الزهر في صفحتيه حكى

فكيف بالعشائر المقيم صوحب

وحكى كيف الأهالي به يتفنون

وكيف يسلكون بكلهم مذهب

فعند ذا خاطبوني وابتسامي بدا

منه جواب عن سنوى يظل المنحب

كيف انسباب الأمور اللواتي ارتبطت

برضى من يسرّ قدرا وينتصب

أهكذا عقال عصري قد التصقوا

بالذي نصر القدير علاه رجب

أظهر به كيف الذي ترونقه

محبة الصديق عند الأهالي ركب

تجدهم باختلاف في الدعاء إلى

من واحد لواحد بالنّدا رتب

إلى كمال العطا من غير مبتخل

لأحد ولعطائه قد قرب

وبنا (كذا) المدرسة الجليلة العظيمة بخنق النطاح التي بها ضريحه وتعرف للآن بالمدرسة (١). وبنا (كذا) أيضا الجامع الأعظم المعروف بها بجامع الباشا

__________________

ـ الذي بجوار باب الجيارة والذي حوّله الفرنسيون إلى كنيسة وأعيد إلى مسجد بعد استعادة الاستقلال الوطني. وذلك عام ١٩٨٠ م وأطلق عليه اسم مسجد أبي عبيدة عامر ابن الجراح.

(١) ما تزال هذه المدرسة قائمة وحولت إلى مسجد باسمه ، أما القبر فغير موجود وهناك من قال بأن رفاته نقلت إلى مقبرة مول الدومة بحي رأس العين. وكذلك مسجد الباشا ما يزال قائما.

٢٩٤

للآن وهو حسن باشا وكل ما صرف عليه هذا الأمير فمن عند الباشا. يحكى أن الباشا حسن لما بشّر بفتح وهران سرّ سرورا كثيرا ولما رأته زوجته فاطمة وخالتها حلّ به الطرب العظيم قالتا له كان اللائق بك لإتمام سرورك أن تبني بها جامعا عظيما يبقى ذكرك به مخلدا في الألسنة فعند ذلك أمر الباي ببنائه وبعث له بصندوقين مملوين (كذا) مالا واحدا بعد واحد ليصرف ذلك على البناء صحبة أمين البنائين محمد الشرشالي بن بيرت. ولما شرع في بنائه حفر أساسه في بستان تحت البرج الأحمر ، فألفى بالأساس قلّة معمرة ذهبا فصرفها في البناء أيضا وجمع لمنارته حجرا ضخما أتى به السخارة من برج الصبايحية في أربعة أيام متوالية وكلما صرفه الباي على الجامع مفصلا ومجملا فهو مذكور في دفاتره وضربنا عنه صفحا خشية السئامة (كذا) وابتدا (كذا) بنائه في السابع من الثالث عشر بعد فراغه من القلة وأتمّ بنائه في الثامن أو التاسع منه. وتاريخ ذلك مكتوب بالحجارة التي بها جملة الأشياء المحبّسة. وبنا (كذا) رحمه‌الله الجامع الأعظم قليل الوجود بالعين البيضا (كذا) من بلد المعسكر وأحاط به / المدرسة. وتاريخ (ص ٢٣٥) بنائه بمدرسته مكتوب بجانب محرابه ونسيته لطول العهد. كما بنا (كذا) جامع الكرط ، والجامع الأعظم بمدينة البرج ، إلى غير ذلك من شعائر الإسلام والتي عملها. وكتب على بعض حوائط البرج الأحمر تاريخ فتحه لوهران ومن فتحها وأي سلطان وباشا كان الفتح في وقته مع تاريخ دخوله لها ونصّه : ـ الحمد لله وحده فتحت وهران وأعادها الله للمسلمين وخرج الكفار منها أذلة صاغرين ، في سعادة المعظم السلطان الأفخم والخاقان الأفخم ، الخائف من مولاه الطائع الأواه ، السيد سليم نصره الله ، ودولة المعظم الأرفع والهمام الأنفع ، حسن باشا أيده الله على يد محي الدين كثير الغزو والجهاد ، وقامع أهل البغي ، والفساد ، السيد محمد باي بن عثمان باي وفقه الله ، في أوائل محرم الحرام سنة ست ومائتين وألف ، لتمام المرام ، ودخلها بتاريخ يوم الإثنين الرابع من رجب الأشرف سنة ست ومائتين وألف. ه ـ لكن في كثير النقل أنه دخلها في خامس رجب وربك أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمئاب. وكان محبا للطلبة ولذلك بنا (كذا) لهم المدرستين الأولى بالمعسكر والثانية بوهران.

يحكى أنه لما رفعت له الشكاية من أهل وهران بالطلبة وتكررت عليه أمر

٢٩٥

بإخراجهم من وهران لينظر في ذلك فخرج الطلبة منها ، وانصرفوا بكلهم عنها ، وهو ينظر فيهم من محلّه وقلبه متحير في الأمر بكلّه ، فلم ير من لحقهم ورء (كذا) النساء درجن على الأسطاح وأعينهم شاخصات نحوهم أسفا عليهم وفي غم من أهل الصلاح ، فجاءهءاغته الأسد الضرغام ، البطل الهمام الشهم الكامل ، الجواد العاقل ، الكمى الباسل ، فارس القتال ، وصنديد النزال مبدد الأعداء ، وفاصل الدعاوي ، ءاغة السيد قدور الكبير بن إسماعيل البحثاوي وقال له يا سيدي لا يليق بك ولا بنا طرد الطلبة الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ، ويتلون كتابه العزيز بالإتلاء الحضي وإنما اللائق أن من فعل ذنبا يستحق به العقاب ، عقب ومن لا فلا بلا ارتياب. والذين اشتكوا لك بهم بأنهم أهل افتيات ، عليهم بحفظ أنفسهم وأهلهم مما ادعوه عليهم بغير إثبات ، فقبل منه هذا الكلام ، وفرح به كثيرا بالانتظام ، وأمر بردهم لمحلهم فرجعوا ، بعد أن (ص ٢٣٦) خرجوا منه وفزعوا ، ولما استقروا بمواضعهم ، واشتغلوا بمصانعهم ، ذهب / لهم على فرسه بشواشه ، متبخترا في سيره ونواشه ، وحين وصلهم لمحلهم ، دفع لهم مالا كثيرا زيارة بقصد التبرك بهم ، وقال لهم أيها الطلبة اشتغلوا بالقراءة وكفوا أنفسكم عن الإذاية فما في المدينة من يحبكم إلا ثلاثة في المحبة سواء ، وهم : أنا وءاغة قدور بن إسماعيل البحثاوي والنساء. وفيءاغة المذكور ، الفارس المشهور ، قال الحافظ العلامة ، القدوة الفهامة إمام المحققين وحافظ الوقت على الإطلاق بالتبيين الشيخ محمد أبو راس الناصري هذه الأبيات :

ألا إنّ أوصاف الكمال تجمعت

بأسرها في شهم جليل تبرّعت

أموره وهو قدور الذي قد فاق

غيره ورتبه إلى السما قد علت

سليل إسماعيل سليل بشيرها

يلقّب ببحث تلقيبا له دنت

جميع قواصيها وحاز كمالها

كما لسطوته الرقاب قد أخضعت

ونال علوا لا يناله غيره

فما للبحثاوي من شبه يرى ـ روت

فإنه حاتم وأخنق قيسها

هرم ومأمون رشيد بلا عنت

فاق ابن مكدّم في كل أموره

ولو كان حاضرا سلّم له ثبت

وكيف وأنه من نسل صعصعة

وهو من المخزومي أصلا له ثبت

وكانت رئاسة المخزن بين آغا هذا ومحمد الزحاف ولد الشريف الكرطي

٢٩٦

التلاوي نوبة ابتدئت (كذا) من هاذين. توفي الباي رحمه‌الله ببلاد صبيح حال إقباله من الجزائر على الصحيح سنة ثلاثة عشر ومائتين وألف (١) بعد ما ملك عشرين سنة. وما في در الأعيان وأنيس الغريب والمسافر من أنه بقي ثمانية عشر سنة سهو لما قد علمت أنه تولى سنة اثنين وتسعين ومائة وألف وتوفي سنة ثلاثة عشر ومائتين وألف وبينهما عشرون سنة صحيحة. وبالجملة أنه كان خليفة علي خليل سبعة أعوام وبايا مستقلا عشرين سنة فذلك سبعة وعشرون سنة خدمة للدولة العثمانية المنصورة. ولما طار خبر موته لأهل الجزائر بعثوا لابنه عثمان خليفته وهو أكبر أولاده بالمملكة فركب فورا وحث السير إليهم حثيثا بعد ما بعث أباه لوهران وأوصى على دفنه بالمدرسة التي بالموضع المسمى بخنق النطاح من وهران وحين وصل الجزائر ولّي بايا مكان أبيه تلك السنة. وكان للباي محمد ألقاب وكنى ، فالألقاب : يقال له الكبير والمجاهد / والأكحل (ص ٢٣٧) والمنصور. والكنا : يقال له أبو عثمان وأبو علي وأبو محمد وأبو أحمد وأبو الفتوحات وأبو النصر وأبو المواهب وأبو الربيع وأبو الفتح إلى غير ذلك. قال الشيخ حسن خوجة في درّ الأعيان ، والشيخ مسلم في أنيس الغريب والمسافر. وحدث بأول مملكته بالمعسكر مسغبة عظيمة هلك بها أناس كثيرة إلى أن أكلوا فيها الميتة والدم والخنزير ولحم الآدمي والعياذ بالله من ذلك.

قلت وهو مخالف لما مر من أن ذلك حدث في أيام خليل وهو الصواب ثم حدث بأيامه الطاعون العظيم الذي لم يحدث في هذا الأقليم قبله قط إلى أن مات به جلّ الناس بدوا وحضرا وآل فيه الأمر إلى أن انتقل أهل الحضر والباي بأهله ومخزنه إلى البدو في خيام الشعر ظاعنين ظعن الأعراب البادية زمانا طويلا وقد جعل الباي خيمة حمراء من الوبر وسكن بها ببلاد أولاد سليمان أحد بطون بني عامر وأدار بها الزمالة ثم أدار بهم الدوائر فسمي بذلك الزمالة والدوائر لكونها زمالة الباي ودوائره وسمي العام بعام الخيمة الحمرا. ثم حدثت الزلزلة العظيمة التي لم تحدث قبل ذلك واشتدت بوهران أكثر من غيرها إلى أن سقط بها الدور والأبراج على أمم من النصارى فأهلكوا بذلك ودام ذلك إلى أن اتخذ النصارى

__________________

(١) الموافق ١٧٩٨ ـ ١٧٩٩ م.

٢٩٧

بيوتا من اللوح لسكناهم. قيل وتلك الززلة هي سبب فتحها كما مرّ. وهذا الباي المنصور هو الذي جعل على المخزن رايسين (كذا) أحدهما كبيرا وهو آغا الدوائر والآخرة صغيرا وهو قائد الزمالة وإلّا فكانوا قبله تحت رايس (كذا) واحد وهو القائدءاغة وكان من الدواير لا غير كما مر. وأول من تولى ذلك من الزمالة مصطفى بن قرادة فإذا تولى قدور بن إسماعيل الكبير فإنه يتولى مصطفى بن قرادة وإذا تولى محمد الزحاف ولد الشريف الكرطي التلاوي فإنه يتولى قدور بن علي وهلمّ جرّا.

الباي عثمان بن محمد

ثم ابنه عثمان بن محمد بن عثمان وهو ثالث بايات وهران ، وأبوه ثانيهم ، وأبو الشلاغم المسراي أولهم. كما مرّ. تولى سنة ثلاثة عشر ومائتين وألف (١) بعد موت أبيه بأيام قلائل وبقي في الملك ثلاثة أعوام غير شيء. ولما تولى نقل الحكومة من البرج الأحمر إلى القصبة التي بأعلا البلانصة من ناحية مرجاجو واشتغل ببناء المعالم المرونقة ، والغرف المعددة المزوّقة ، والقصور المشيدة ، (ص ٢٣٨) والأساطين الكثيرة المعددة ، وغرس / الأشجار ذات الفواكه والروائح الطيبة المختلفة ، وجرى المياه في القوارير الموتلفة وأعرض عن المملكة باللّبّ وأقبل بكله على اللهو والطرب ، فانهمك فيه انهماك بعض ملوك العرب ، فصار مجلسه لا يخلوا (كذا) من الأدباء الظرفاء ، والسادات الأعيان والشرفاء ولم يلتفت لما كلفه الله به من أمور الرعية ، بل جعل ذلك نسيا منسيا بالكلية. وكان من جملة ندمائه حقا ، وأظرفهم خلقا وخلقا ، الفقيه اللبيب ، الكعب الأريب ، الآخذ من كل علم وافر نصيب الحائز للآداب بالكمال المرعي ، السيد محمد بن الجيلاني الخروبي ـ القلعي ، الذي قال فيه الفقيه الحاذق ، البارع السابق ، الخرير الماهر السيد مسلم بن عبد القادر ، هاتين البيتين بمدحه فيهما بدون مين :

ونديم لأبي محمد عثمان

مصدّر في كل شيء فقيه

__________________

(١) الموافق ١٧٩٩ م.

٢٩٨

عفيف ذو نجابة مهاب

ظريف ذو رياسة وجيه

وقد تقدمتا. واتخذ مجلسا للخلوة بأحكام ، فصار لا يخرج منه للحكم إلّا بعد مرور أيام ، وصرف أمر رعيته إلى من شاء من أرباب دولته ، فانتفعوا نفعا كثيرا ، ونالوا من الرعية مالا غزيرا ، وهو لا يلتفت إليهم في الذّكر والسّهو ، لما شغف به من أمر اللعب واللهو ، حتى أنه جاءه يوما بعض قواده للمحاسبة على ما بيديه ، فأطرده وقال له أن المحاسب هو الله ولا يكون الحساب إلا بين يديه ، ارجع إلى سبيلك وأمرك ، فإني لست بملتفت لما بيدك أو بيد غيرك ودام على ذلك إلى أن أداه حاله للعزل ، ورجع أمره من السّمن إلى الهزل. وذلك أنه بعث مع بعض التجار لتونس مالا ليشتري له بعض الجواري المغنيات ، ذات الجمال والغناء الفائقات فأتاه بجاريتين مغنيتين بارعتي الجمال والغناء متصدرتين فيه لإنالة المنا ، تذهبان عن القلب ما به من النصب والعنا ، فتسلّا بهما ليالي وأياما ولغيرهما تحاشا ، إلى أن بلغ خبره للجزائر إلى الباشا ، فغضب منه غضبا شديدا ، ونهب ماله وسمّر داره وكبّله قيدا حديدا ، ونقله إلى البليدة ، على غير الحالة المرضية فنزلها بأهله وولده وحشمه نزلته الكلية.

ثورة أحمد بن الأحرش الدرقاوي

وبقي بها إلى أن تولى بايا بقسنطينة / وحاله لم يتشوش إلى أن قام عليه (ص ٢٣٩) ثائرا رجل من درقاوة يقال له السيد أحمد بن الأحرش ، فتى مغربي مالكي مذهبا ، درقاوي طريقة ، درعي نسبا ، جاء لتلك القبائل وادعى أنه الإمام المهدي المنتظر ، وكان صاحب شعوذة وخنقطرة وحيل وخبر ، يبدل بها الأشياء للشيء الذي يريد فورا ، كاستحالة البعر زبيبا وتقطير السيف دما والحجارة درهما والروث تمرا ، فرأت الناس منه العجائب ، وأظهر لهم الأمور الغرائب ، التي هي قلب العين ، لا حقيقة لها دون مين فنصروه وعقدوا له البيعة حزبا حزبا ، وجندوا معه وأمره كله كذبا ، واتبعوه في المصادر ، وامتثلوا له في النواهي والأوامر ، فحرك بهم على قسنطينة وحاصروها يوما كاملا ، وكان الباي عثمان خارجا عنها لبعض شئونه (كذا) فلما سمع أتاه عاجلا ، فألفاه هزم وأصيب بالرصاص في فخذه فتكسرت ، لكن حاله لا زال مجتمعا غير متشتت ، فبات بداره ومن الغد

٢٩٩

خرج لطلبه وهو بواد يقال له وادي الزهور فلحقه هناك وأثخن فيهم بالقتل والسبي والأسر والحرق أمّنه من شوكتهم الغرور ، إلى أن توغل في بلادهم وقد ترك وراءه معقلا صعبا ومضيقا وعرا وكان أمره منشورا. ففرّ القبائل للمعقل وأجروا فيه الماء وداروا بعسكره من كل جانب دحورا. واشتدّ القتال وحمي الوطيس وكبر النهار ، فهزم الباي هزيمة شنيعة وولّى الأدبار ، فوجد المعقل على غير ما تركه فحلّ به المكر بالقتل والأسر والكسر والسبي إلى أن كبّ به فرسه في الطين ثم فرّ عنه وتركه ، فأخذ الباي وقتل هنالك وفرح ابن الأحرش بذلك ، ولم ينج من جيش الباي إلا القليل ، وقد أدارت (كذا) بهم القبائل إدارة عظيمة صار العزيز بها كأنه الذليل. قال صاحب در الأعيان ، وكذا صاحب أنيس الغريب والمسافر ، وحدث في أيامه الطاعون الذي كان قد وقع وذهب فمات به جلّ الناس وكثير من العلماء ، منهم بالراشدية العلامة الإمام ، والفهامة الهمام ، ذكي الفهم والأحوال ذكاءة المسك والعنبر والقرنفل وزهر القرفة السيد عبد القادر بن السنوسي بن دحّ ابن زرقة ، ومنهم صنوه الفقيه ذو الفهم الراشمي ، الخرير السيد الهاشمي ، ومنهم ابن عمهما الفقيه الأديب الألمعي الذكي الأنجب الشبيه بالأوزعي مؤلف فتح وهران السيد مصطفى بن عبد الله وغيرهم من الأعيان. وظهر الجراد الكثير كثيرا (ص ٢٤٠) جسيما / فأفسد الزرع والثمار فسادا عظيما. وكانءاغته بالدوائر الشجاع الطاوي ، السيد عثمان بن إسماعيل بن البشير البحثاوي. وبالزمالة قائده قدور بن علي الثابت في الجزء (كذا) والكلي. ثم صار على الدوائرءاغة بن عودة بن خده أحد أجواد غريس من ذرية الممدود وتوليته على المخزن من وضع الشيء في غير محله وتطوّر الشخص على غير شكله. وسبب توليته إنه كان شاوشا علىءاغة قدور بن إسماعيل ثم تزوّجءاغة بابنته ميرة فصيّره خليفة عليه ولما مات قدور وتولى أخوه عثمان أبقاه معه خليفة إلى أن مات عثمان تولىءاغة بموضعه وبقيءاغة إلى أن مات بغارته انقاد في وقت مصطفى باي في توليته الأولى.

الباي مصطفى العجمي وثورة درقاوة

ثم الحاج مصطفى بن عبد الله العجمي وهو رابع بايات وهران التي منها

٣٠٠