طلوع سعد السّعود - ج ١

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ١

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

فاستراحوا عند ذلك بموته وطاب لهم القرار وصفا حالهم من الأكدار. فجملة ملوك فرق صنهاجة الثلاثة : اثنان وأربعون ملكا. خمسة وعشرون من الأولى. واثنا عشر في الثانية. وخمسة في الثالثة. والملك والدوام لله الواحد القهار لا إله غيره ، ولا خير إلّا خيره.

١٤١

الدولة الرابعة : الموحّدون

ثم ملك وهران الدولة الرابعة وهم الموحدون سمّوا بذلك لأخذهم علم التوحيد عن شيخهم الشريف المهدي بن تومرت فهو الذي سمّاهم بذلك تعريضا (ص ٦٩) بالمرابطين لكون أهل المغرب كانوا على مذهب الحنابلة في الاعتقاد (١) وبمعزل / عن التأويل فهم كتسمية لمتونة بالمرابطين لملازمتهم لرابطة شيخهم عبد الله ابن ياسين وانقطاعهم معه وأخذهم عنه فعبد الله بن ياسين شيخ المرابطين والمهدي بن تومرت شيخ الموحّدين.

وأول ملوك الموحدين شيخهم المهدي بن تومرت المذكور فهو ممن مهّد الملك لغيره ولم يملك وهران. قال الغازي بن قيس في تاريخه : ـ وكان جدّه لأبيه دخل المغرب مع عقبة بن نافع الفهري الصحابي واستوطنه من حينئذ ـ واختلف في نسبه على ستة أقوال : فقال ابن رشيق وابن مطروح : هو مرغاتي نسبة لقبيلة يقال لها مرغاتة أحد بطون المصامدة. وقال غيرهما : هو نفيسي نسبة لقبيلة يقال لها نفيسة أحد (كذا) بطون المصامدة أيضا فهو أبو عبد الله محمد المهدي بن تومرت الملقب أمغار أيضا ابن عبد الله بن وجليد المرغاتي أو النفيسي المصمودي. وقال لسان الدولة ابن الخطيب السلماني في شرحه لرقم الحلل : هو من الآل من بني العباس بن الحسن بن علي كرم الله وجهه. وهو غير صحيح لأن الحسن السبط لا عقب له إلّا من الحسن المثني وزيد ، وعلى أنه من بني العباس فهو كما في الجمان ، والأنيس المطرب ، محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن سفيان بن جابر بن يحيى

__________________

(١) الحقيقة أن سكان المغرب العربي كانوا على مذهب مالك وليس مذهب الحنابلة.

١٤٢

ابن عطاء بن رباح بن يسار بن العباس بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه. وقال الشيخ علي بن أبي زرع في القرطاس هو من بني محمد / بن علي (ص ٧٠) وهو غير صحيح أيضا لأن محمد خلّف أبا هاشم فقط ولم يعقّب. وقال ابن نخيل وهو من أهل البيت من ذرية محمد بن سليمان أخي إدريس بن عبد الله لأن عبد الله الكامل له من الأولاد إدريس وسليمان ومحمد النفس الزاكية (كذا) وإبراهيم ويحيى ، وموسى ، هؤلاء باتفاق وعيسى على خلاف فيه وجعل بعضهم بدل إبراهيم جعفر فقال في رجزه :

خلّف ستة من الذكور

عبد الله الكامل في المشهور

فجعفر بجزيرة سوس

وزرهون فيه مولاي إدريس

وثالثهم مولاي سليمان

فقبره بثغور تلمسان

والينبوع فيه مولاي محمد

ومولاي موسى في بلاد الهند

ومولاي يحيى في بلد السودان

بجاههم نجّنا من نيران

فجعفر منه الجزولي محمّدا

به دليل الخيرات قد ابتدوا

من موسى كان الصالح الجيلاني

ومن محمد عليّ الثاني

وأبو عنان صاحب الغزالا

غصنه من سليمان لا زالا

ومن إدريس كان إدريس الثاني

قبرهما في زرهون الأثناني

مزاره فاس فيه ثم أمره

وقيل بل ضعيف ذاك قبره

اجعلنا في حماهم يا من مهدهم

في الأرض يا رب بجاه جدّهم

أعني بذاك سيّد الإرسال

محمد الموصوف بالكمال

وزوج بنته فاطمة البتول

عنه الرضاء بالبكور والأصول

/ وقال الحافظ أبو راس في عجائب الأخبار ، والخبر المعرب ، والصواب أنه (ص ٧١) من أهل البيت من بني محمد النفس الزاكية بشقيق إدريس ه. والصحيح أن سليمان بن عبد الله الكامل لم يأت المغرب لأنه مات بقصة فخ وإنما الذي أتى للمغرب واستقر بتلمسان وخلّف أولاده بها هو ابنه محمد بن سليمان. ه.

ثم ملك وهران تلميذه وخليفته عبد المؤمن بن علي الكومي الزناتي واختلف في نسبه على قولين : فقيل أصله من بني عابد من قبيلة كومة أحد بطون ترارة أهل جبل تاجرا على ثلاثة أميال من مرسى هنين ويقال له أهناي. وقيل

١٤٣

أصله من بني عبس أحد قبائل قيس بن غيلان بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان بالحجاز. وعليه فهو أبو محمد عبد المؤمن بن علي بن يعلا بن مروان ابن نصر بن علي بن عامر بن لمتي بن موسى بن عون الله بن يحيى بن وزجايع ابن صطفور بن نفور بن مطماط بن هودج بن مادغس بن عبس بن قيس بن غيلان ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، قاله في الأنيس المطرب. والصحيح الأول ، وكان أبوه طيانا فخاريا يعمل النافخ فبينما هو في شأن طينه للنافخ إذ جاءته زوجته تبكي قائلة له إن ابني نزل عليه جند نحل فذهب معها إلى أن رآه في تلك الحالة فزم عنه النحل لذلك ثم انصرف ولم يؤذه فقال (ص ٧٢) لعراف ما رأى فقال له أنت طيان من أين يبلغ ابنك الملك ، وتطلّب من / صغره ، ولزم المساجد لدرس القرآن والعلم فقرأ على ابن صاحب الصلاة بتلمسان ، والشيخ عبد السلام التونسي ضجيع الشيخ أبي مدين ، ثم على المهدي فكان من العلماء الجماهر والفقهاء الأكابر وكذا أولاده من بعده. وتصدّا (كذا) لشرح المقامات الحريرية وكان في الحزم والنجدة بالغاية وتعلم الحيل من شيخه المهدي فكان منها في الغاية من جملتها أنه علّم الطائر يقول عند زريبته العز والتمكين للخليفة عبد المؤمن أمير المؤمنين والشبل إذا رآه يبصبص ويسكن إلى أن صار أسدا. فبويع لذلك وقال في ذلك أبو علي :

آنس الشبل ابتهاجا لذا الأسد

ورأى شبه إليه لمّا قصد

ودعا الطائر بالنصر لكم

فقضى حقكم لما قد وفد

وأنطق الخالق مخلوقاته

بالشهادة فكلهم قد شهد

بأنك القائم بالأمر له

بعد ما طال على الناس ذا الأمد

وكان شاعرا بالغا فمن جملة شعره ما يروى أنه خرج يوما ومعه وزيره أبو جعفر بن عطية للتنزّه ببعض بساتين مراكش فنظر على طاقة دار عالية عليها شبّاك من خشب ، جارية بارعة قد خرجت تنظره فأوقعت به حبّا.

فقال ارتجالا من البسيط :

قدت فؤادي من الشباك إذ نظرت

فقال الوزير :

خذوا بثأري أيا عاشق بالمقلى

١٤٤

فقال عبد المؤمن :

كأنما لحظها في قلب عاشقها

فقال الوزير :

سيف المؤيّد عبد المؤمن بن علي

/ فاستحسنه وخلع عليه. ثم قتله بعد ذلك بغرناطة لنزغة ملوكية. وكان رقيق (ص ٧٣) الطبع والحشاشة وتربي في البادية فاكتسب الرقة وكانت له جارية مولّدة من ولادة العرب تسمى حسناء وكان لها عاشقا وبها مغرما مع ما كان يكابده من تطويل المملكة وإخماد الفتن فقال فيها لما خرج يوما إلى بعض غزواته وودّعها منشدا :

ألا كيف صبري عنك يا غاية المنا

ألا إن روحي بعدكم سوف تذهب

لقد أورثتني يوم ودّعت حسنها

حرارة وجدي والهوى يتلهّب

فقلبي حيران لفرط لهيبها

وفي الخدّ عين من دموعي تسكب

انظر أنيس الغريب والمسافر ، للشيخ مسلم بن عبد القادر. وكان في عصره الشيخ أبا يعزّى الغربي الهسكوري وقد شاهد منه كرامات عند الخليفة عبد المؤمن بن علي فقال لأخيه ما هذا الذي يذكر عن أخيك في مشاركته لله في علم الغيب فقال يا أمير المؤمنين أنت أقدر عليه مني فبعث إليه الأمير فلقيه الرسول بالطريق قادما للأمير فلما وصل سلم عليه ثم قال له يا أمير المؤمنين في نفسك شيء مما قال لك فلان وفلان في يوم كذا في ساعة كذا فهل لا أخبرك أنّ تحت ذلك البساط ألف دينار عيونا قطعتها وقلت في نفسك هل ترجع إلى بيت المال أم لا فقال له الخليفة صدقت وقلت الآن في نفسك أكتب له كتابا بكل ما يريد فأرح الكاتب ووفّر الكاغط. ثم قال حاجتي / إليك أن تمشي معي (ص ٧٤) لتلك الكدية وبها زرع وأحب أن تسقي ذلك الزرع من هذا الوادي فقال ومن يطيق ذلك ثم حرك الشيخ شفتيه فأمر الله المطر حتى شربت الكدية وجرت الأودية في الحين وقال له عرفنا بصدق الغيوب التي تذكر عنك فقال حماري يأكله السبع الليلة فوجّه الخليفة من جعله بين مربط خيله وبات عليه العبيد هنالك فلما أصبح تفقده العبيد فوجدوا الحمار عقيرا والسبع يأكل فيه حتى وقف عليه وضربه بعصاه فخرّ الأسد ميتا فقيل للخليفة ذلك فقال لجلسائة اعتبروا بهذه

١٤٥

القصة فقد ضربها لكم مثلا فكأنه يقول أنا رب الحمار قتله لي الأسد فسلطت عليه وقتلته وأنا عبد ، وربي الله وإن قتلتموني غضب عليّ سيدي فيفعل مثل ذلك أو أشد وقد توفي رحمه‌الله ونفعنا به سنة اثنين وسبعين وخمسمائة (١) عن مائة وثلاثين سنة.

قال ابن رزقون كنت في العلماء الذين جمعهم عبد المؤمن بن علي سنة خمسين من القرن السادس (٢) التي أمر فيها بحرق كتب الفروع وقام وزيره أبو جعفر بن عطية وقال بلغ سيدنا أن قوما تركوا الكتاب والسّنّة وصاروا يفتون بفروع لا أصل لها. فمن نظر فيها عاقبته وأنهم عندهم كتاب يقال له المدونة لا يرجعون إلّا إليه ومن العجب قولها بإعادة الصلاة في الوقت مراده بذلك أن (ص ٧٥) يحمل الناس على مذهب ابن حزم الظاهري / قال فحملتني الغيرة وتكلمت بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما صلى أعرابي أمامه قال له صلّ فإنك لم تصلّ كما في البخاري فقال لا أحسن غير هذا فعلّمه ولم يأمره بإعادة ما خرج وقته فقام عبد المؤمن وسكن الحال ولم أر منه بعد هذا إلّا الكراهة ه.

وهو الذي أمر بتكسير الأرض بالمغرب في سنة أربع وخمسين من السادس (٣) من برقة إلى واد نون بسوس الأقصا بالفراسخ والأميال طولا وعرضا فأسقط بعد التحقيق الثلث للجبال والأودية والشّعاب والغيّب والسّباخ والطرقات والخراب وقسّط على الثلثين الباقيين الخراج وألزم كلّ قبيلة بقسطها من الزرع والورق والذهب. ثم بنا (كذا) في التي تليها جبل الفتح (٤) وحصّنه ونقل من عرب إفريقية للمغرب ألفا من كل قبيلة بأهلهم وهم الذين بالمغربين يقال لهم الحشم سمّوا بذلك لأنهم حشم عبد المؤمن بن علي أي أتباعه الخادمين له الممتزجين الأجناس. وبنا (كذا) مدينة البطحاء بأرض هوارة تلك السنة ودفن بها شيخه وبنا على ضريحه قبّة وبإزائها جامعا وترك بها عشرة من كلّ قبيلة من قبائل

__________________

(١) الموافق ١١٧٦ ـ ١١٧٧ م.

(٢) الموافق ١١٥٥ ـ ١١٥٦ م.

(٣) الموافق ١١٥٩ ـ ١١٦٠ م.

(٤) يقصد مدينة الفتح بجبل طارق.

١٤٦

العرب وبعث خفية لقبيلته وهو بمراكش فأتوه في أربعين ألف فارس كلهم شبّان في أثناء سنة سبع وخمسين من السادس (١) فصيّرهم جندا له في الدرجة الثانية. لأن الدرجة الأولى هي أهل تنمليل ، والثانية كومة ، والثالثة الأتباع ، وأدناهم منه بطانة يركبون وراءه ويقفون على رأسه ويمشون بين يديه وقد تمهدت / له العدوتان (ص ٧٦) وبسط فيهما العدل حتى صارت المرأة تمشي وحدها حاملة معها ما تحبه من سوس الأقصا (كذا) إلى برقة فلا يتعرض لها أحد ولا يكلمها بسوء. وكذا حفيده المنصور في أيامه مثله وقد ابتدأه المرض الذي مات منه في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة (٢) بمدينة سلا حال تجهيزه الجيوش للغزو فنزل برباط الفتح وقد اجتمع عليه من القبائل ما يزيد على ثلاثمائة ألف ومن المطاوعة ثمانون ألف فارس ومائة فارس راجل وانتشرت محلته بسلا من موضع يقال له غيولة إلى موضع يقال له عين خميس. فتوفي ليلة الثلاثاء وقت الفجر ثامن جمادى الثانية تلك السنة (٣) عن ثلاث أو أربع وستين سنة بعد ما ملك ثلاثا وثلاثين سنة وخمسة أشهر وعشرين يوما فحمل لتنمليل ودفن بجانب قبر شيخه المهدي. وإلى كون الموحدين ملكوا وهران في وسط السادس أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :

موحدون أتوا من بعد ذا وعلو

استحوذوا عليها في وسط السادس

ثم ملكها بعده ابنه يوسف بن عبد المؤمن بن علي الكومي. وكان عالما صالحا منزّها عن سفك الدماء وهو أول من جاز بنفسه من ملوك الموحدين لغزو الأندلس وقيل أبوه قبله ملك بالمغرب من سويقة مطكوك قاصية إفريقية إلى وراء نون بأقصا سوس إلى آخر بلاد القبلة وبالأندلس من تطليت قاصية شرقي الأندلس إلى آخر غربي الأندلس. وهو الذي بنا (كذا) قنطرة تانسيفت سنة ست / (ص ٧٧) وستين (٤) منه وكذا القصبة وغيرها وأتى بالماء لإشبيلية من قلعة جابر. كل ذلك

__________________

(١) الموافق ١١٦١ ـ ١١٦٢ م.

(٢) الموافق ١١٦٣ م.

(٣) الموافق ١٤ ماي ١١٦٣ م.

(٤) الموافق ١١٧١ ـ ١١٧٢ م.

١٤٧

تلك السنة. وقام عليه مزدرع الغماري المفتاحي سنة تسع وخمسين من السادس (١) وكتب في سكته مزدرع الغريب ، نصره الله قريب ، فبعث له جيشا فقتلوه وأتوا له برأسه لمراكش. ثم قام عليه بغمارة يوسف بن منفقيد سنة إحدى وستين (٢) منه فتحرك له بجيشه في سنة اثنين وستين منه (٣) فقتله وحمل رأسه لمراكش. ثم قام عليه بقفصة بإفريقية ابن زيري سنة أربع وسبعين فتحرك له من مراكش في السنة التي بعدها ووصل لإفريقية سنة ست وسبعين منه (٤) وضايق ابن زيري ثم ظفر به وقتله وعاد لمراكش فدخلها في السنة السابعة وسبعين منه (٥) وبنا (كذا) المعدن الذي ظهر ببليان سنة ثمان وسبعين منه (٦). ثم جهز الجيوش للجواز الثاني بالأندلس سنة تسع وسبعين منه (٧) ولما حل بسلا أخبر بتمهيد إفريقية ثم رحل لمكناسة ثم لفاس وخرج منه سنة ثمانين من السادس (٨) فحل بسبتة وأمر الناس بالجواز فجاز العرب أولا ، ثم زناتة من غير مغراوة ، ثم المصامدة ، ثم مغراوة ، ثم صنهاجة ، ثم أوروبة وسائر البربر ، ثم الموحدون والأغزاز والرمات (كذا) ثم هو في عبيده ودائرته. فنزل بمرسى جبل الفتح. ثم للجزيرة الخضراء ، ثم لقلعة خولان ، ثم لاوكس ، ثم لشريش ، ثم لبنريشة ، ثم (ص ٧٨) لإشبيلية ، / ثم لواد بصر ثم لشنترين فنزل عليها وأدار بها الجيوش وضايقها ثم انتقل لغربها لأمر أراده الله تعالى (كذا) فأنكر المسلمون ذلك وبعد العشاء أمر ابنه أبا إسحاق بالرحيل نهارا لأشبونة ويشن الغارات بجيش الأندلس خاصة فأساء الفهم ورحل ليلا فاتبعه الناس بلا علم من الأمير وبقي في شرذمة قليلة فسمع العدوّ فصك محلته إلى خبائه فمزقوه وقاتلهم بسيفه إلى أن قتل منهم ستة فطعنوه

__________________

(١) الموافق ١١٦٣ ـ ١١٦٤ م.

(٢) الموافق ١١٦٥ ـ ١١٦٦ م.

(٣) الموافق ١١٧٨ ـ ١١٧٩ م.

(٤) الموافق ١١٨٠ ـ ١١٨١ م.

(٥) الموافق ١١٨١ ـ ١١٨٢ م.

(٦) الموافق ١١٨٢ ـ ١١٨٣ م.

(٧) الموافق ١١٨٣ ـ ١١٨٤ م.

(٨) الموافق ١١٨٤ ـ ١١٨٥ م.

١٤٨

طعنات نافذة وقتل من جواريه ثلاثة وحلّ بالأرض فاجتمعت عليه عبيده وباقي جيشه وتراجع المسلمون فدفعوا عنه العدو وهزموه وفتحوا البلد عنوة وقتل من العدو ما يزيد على العشرة آلاف ومن المسلمين جماعة ولاح الأمن للأمير فركب ورحل وضل الناس فاهتدوا بالطبول وساروا لإشبيلية. قال ابن مطروح القيسي في تاريخه فاشتدّ بالأمير ألمه ومات بالطريق قرب الجزيرة قاصدا مراكش يوم السبت ثاني عشر ربيع الثاني سنة ثمانين وخمسمائة (١) عن نحو الست وخمسين سنة بعد ما ملك اثنين وعشرين سنة وشهرا وستة أيام فحمل لتنمليل ودفن بجانب قبر أبيه ، وقيل مات بمراكش. قال اليافعي في تاريخه : وكان يحفظ أحد الصحيحين ، وذكر الحافظ اللواتي الشهير بابن بطوطة الطبخي في رحلته التي اسمها : تحفة النظار ، وغرائب الأمصار ، وعجائب الأسفار ، أنه يحكى أن يوسف بن عبد المؤمن دخل دمشق فمرض بها شديدا مطروحا بالأسواق وبعد برءه ، (كذا) خرج لظاهر دمشق / ليلتمس بستانا يحرسه فاستؤجر لحراسة بستان (ص ٧٩) الملك نور الدين وأقام ستة أشهر وفي أوان الفاكهة جاء السلطان لبستانه وأمر أن يؤتى له برمان يأكله فأوتي به فوجده حامضا وتكرر ذلك فقال له الوكيل أنت في حراسة منذ ستة أشهر ولا تعرف حلوه من حامضه فقال استأجرتني على الحراسة لا على الأكل فأعلم الوكيل الملك بذلك فبعث له وكان الملك رأى في المنام أنه يجتمع به وتحصل له منه فائدة فتفرّس أنه هو وقال له أنت يوسف قال نعم فقام له وعانقه وأجلسه بحانبه واحتمله لمجلسه وأضافه (كذا) بحلال مكتسب من كدّ يمينه لأنه من الصالحين كان ينسج الحصر ويقتات بثمنها فبقي عنده أياما ثم خرج من دمشق فارّا من أوان البرد الشديد فأتى قرية من قراها وبها رجل من الضعفاء فعرضه للنزول ففعل وأتاه بمرقة ودجاجة مطبوخة وخبز شعير فأكل ودعا له. وله جملة أولاد منهم بنت ، آن بناء زوجها بها وعادتهم أن يجهّزها أبوها ومعظم الجهاز أواني النحاس به يتفاخرون ويتبايعون فقال له أعندك النحاس قال بلى إني اشتريته كثيرا لتجهيز البنت فأمره أن يأتيه به فأتاه وقال له استعر من الجيران ما أمكنك ففعل وأحضره وأوقد عليه النار وأخرج صرة فيها الأكسير

__________________

(١) الموافق ٢٣ جويلية ١١٨٤ م.

١٤٩

فطرح منه عليه فعاد ذهبا. وتركه في بيت مقفل. وكتب لنور الدين ملك دمشق يعلمه به وينبّهه على بناء مارستان للمرضى الغرباء ويوقف عليه الأوقاف ويبني (ص ٨٠) الزوايا بالطرق ويرضي أرباب النحاس ويعطي لصاحب البيت الكفاية. / وقال في آخر الكتاب إن كان إبراهيم بن أدهم خرج عن ملك خراسان فأنا خرجت عن ملك المغرب وعن هذه الصنعة. وقبره بكرك نوح من بقاع العزيز ببيروت وعليه زاوية يطعم بها الوارد والصادر ووقّف عليه صلاح الدين وقيل نور الدين الأوقاف. وقال اليافعي في تاريخه أن القضية وقعت لابنه المنصور كما ستراه إن شاء الله تعالى (ذا).

ثم ملكها بعده ابنه يعقوب المنصور ، وكان شهما شجاعا محبا للعلماء معظّما لهم مشاركا في كثير من الفنون. وأول ما فعله أخرج مائة ألف دينار ذهبا من بيت المال وفرقها على الضعفاء ، وكتب بتسريح المساجين ورد المظالم وإكرام العلماء والصلحاء ورجوع الأحكام للقضاة وإجراء الإنفاق على أهل الفضل والصلحاء والعلماء وتفريق الأموال على الأجناد وتشحيم الثغور بالخيل والأبطال وغزى إفريقية سنة اثنين وثمانين من السادس (١) فدوّخ وسبا إلى أن أذعنوا له ونقل عربها لمراكش وجاز جوازه الأول لغزو الأندلس سنة ثلاث وثمانين منه (٢) فقتل وخرّب لأشبونة وانصرف للعدوة بسبي كثير ما بين النساء والصبيان. ثم ارتحل للأندلس لغزوة الأراك المشهورة سنة إحدى وتسعين منه (٣) فأجاز العرب أولا ثم زناتة ثم المصامدة ثم غمارة ثم الموحدين ثم المطاوعة ثم الرماة ثم العبيد ثم هو في أثرهم ومعه العلماء والصلحاء وأهل النجدة والزعامة. فحل بالخضراء وزاد (ص ٨١) إلى أن بقي بينه وبين الأرك مرحلتان / قدّم على جيشه أبا عبد الله بن صناديد وحصل المصافّ بالأرك فقسم جيشه على نصفين : نصفه في مقابلة العدو ، ونصفه كمينا. واشتدّ القتال ودارت نار الحرب فوقع النصر له وأثخن في العدو

__________________

(١) الموافق ١١٨٦ ـ ١١٨٧ م.

(٢) الموافق ١١٨٧ ـ ١١٨٨ م.

(٣) الموافق ١١٩٤ ـ ١١٩٥ م.

١٥٠

قتلا وسبيا وانهزم الفنش (١) وفتح الحصن عنوة تلك السنة وكان جملة القتلى ثلاثين ألفا والأسارى (كذا) خمسة آلاف. وجال بالقتل والسبي والتخريب إلى إشبيلية فدخلها وبنا (كذا) جامعها الأعظم ومنارته فكان بين غزوة الزلاقة والأرك مائة واثنا عشر سنة وفتح كثيرا من مدن الأندلس وحصنيه وبنا (كذا) مراكش ورباط الفتح وجامع حسان ومنارته حال جوازه للأندلس ثم رجع لمراكش سنة أربع وتسعين منه (٢) وأخذ البيعة لابنه الناصر فبدأه مرض موته ولما اشتدّ به قال ندمت على ثلاث مسائل وهي إدخالي عرب إفريقية للمغرب وهم أهل فساد ، وبنائي رباط الفتح وهو بعيد لا يعمر ، وإطلاقي أسارى الأرك ولا بد لهم من طلب الثأر ، وتوفي رحمه‌الله بعد صلاة العشاء من ليلة الجمعة ثاني عشرين من ربيع الأول سنة خمس وتسعين وخمسمائة (٣) بقصبة مراكش وحمل لتنمليل فدفن بها وهو ابن أربعين سنة بعد ما ملك أربعة عشر سنة وإحدى عشر شهرا وأربعة أيام. قال أبو الفدا صاحب حماة وكان يتظاهر بمذهب الظاهرية وأعرض عن مذهب مالك. قال اليافعي في تاريخه ويحكى أنه زهد في الملك وساح إلى أن مات بالشام لأني سمعت ممن لا أشك فيه أن جمعا من شيوخ / المغاربة تذاكروا (ص ٨٢) رسالة القشيري وما فيها من مشايخ المشارقة ومناقبهم فرأوا معارضته برسالة فيها مناقب شيوخ المغاربة ثم تذاكروا أن في القشيرية من زهد في الملك من المشارقة وهو ابن أدهم فلم يجدوا ذلك في شيوخ المغرب وقالوا لا يتم إلّا بذكر ملك زهد في الملك فجاء الشيخ الكبير أبو إبراهيم إلى يعقوب المنصور فسرّ به وأعطاه جوهرا نفيسا فالتفت الشيخ أبو إبراهيم إلى شجرة هناك ونظرها فإذا هي حاملة جوهرا يدهش منه العقول فعلم السلطان ما أكرم الله به أولياءه غنى صارت ملوك الدنيا بين أيديهم كالخدم ، وملكهم

حقير كالعدم ، فعندها أحقر يعقوب الملك وزهد فيه وصار من أكابر الأولياء. قال الحافظ أبو راس في عجائب الأخبار ، وما يقال أنه ساح في الأرض وترك الملك زهدا ووصل إلى الشام وقبره

__________________

(١) يقصد الفونسو قائد النصارى الإسبان.

(٢) الموافق ١١٩٧ ـ ١١٩٨ م.

(٣) الموافق ١٢ جانفي ١١٩٩ م.

١٥١

به كما هو الشائع عند العوام لا أصل له. زاد اليفريني في نزعته أنه لم يسح ولا حمام له وأنه لم يزهد ، وليس بمولاي وإنما ذلك كله خرافات ه.

ثم قال الحافظ أبو راس في الخبر المعرب ، كان ابن زهر الطبيب الماهر بمراكش عند يعقوب المنصور فتشوّق وأهله بإشبيلية فسمعه يقول هذه الأبيات الثلاثة :

ولي واحد مثل فرخ القطات

صغير تخلّفت قلبي لديه

وأفردتّ عنه فيا وحشتي

لذاك الشخيص وذاك الوجيه

تشوّقني وتشوّقته

فيبكي عليّ وأبكي عليه

(ص ٨٣) / قال فأرسل المنصور المهندسين لإشبيلية وأمرهم أن يحيطوا علما ببيوت ابن زهر وحارته ثم يبنوا مثلها بمراكش فذهبوا وانقلبوا لمراكش وفعلوا ما رأوا في أقرب مدة ثم أمر بنقل عيال ابن زهر وكل ما يتعلّق به بعد ما فرش المهندسون البيوت بمثل فرشه ووضعوا فيها آلة مثل آلته ثم جاء ابن زهر فرأى دارا أشبه بداره فتحير وظن أنه نام ، وتلك أضغاث أحلام ثم رأى ولده الذي تشوق له يلعب في البيت ورأى أهله جالسين فسرّ سرورا عظيما وهو القائل لما شاب رحمه‌الله تعالى (كذا) :

كانت سليمى تنادي يا أخيّ وقد

صارت سليمى تنادي اليوم يا أبانا

وهو مثل قول الأخطل في المعنى حيث قال :

وإذا دعونك عمّهنّ فإنه

نسب يزيدك عندهنّ خبالا

وإذا دعونك يا أخيّ فإنه

أدنى وأقرب خلّة ووصالا

ولما أراد المنصور أن يحمل الناس على مذهب ابن حزم الظاهري وسمع المواق ذلك جمع من كتب ابن حزم مسائل كثيرة انتقدت عليه وأراها للمنصور فلما قرأها قال أعوذ بالله أن أحمل أمة محمد على هذا وثنا (كذا) عليه وليس هو المواق شارح مختصر الشيخ خليل لأن الشارح متأخر عن هذا بنحو ثلاثمائة سنة ه.

١٥٢

قائمة ملوك الموحدين

واعلم أن ملوك الموحدين ما بين المغرب وإفريقية وبجاية والمهدية مع طرابلس سبعة وأربعون ملكا :

فبالمغرب أربعة عشر ملكا : أولهم شيخهم المهدي بن تومرت ، ثم عبد المؤمن بن علي الكومي العابدي ، ثم ابنه يوسف العسري ، ثم ابنه المجاهد يعقوب المنصور صاحب قصة الأرك ، ثم ابنه محمد الناصر وهو صاحب / غزوة العقاب التي حصد فيها شوكة المسلمين سنة تسع من السابع (١) (ص ٨٤) فكانت مشومة على المسلمين عامة وعلى أهل الأندلس خاصة وهو أنه غزاها في جيش كالجراد المنتشر فأدركه الإعجاب من ذلك وحل به الانتقام فكانت الدائرة عليه. ثم ابنه يوسف المستنصر وفي وقته سنة ثلاثة عشر من السابع (٢) ظهر أمر عبد الحق المريني وبظهوره دخل دولتهم الهرم ، ثم عمه عبد الواحد المخلوع بإجماع الدولة على توليته وخلع بعد تسعة أشهر وقتل خنقا وانتهبت أمواله وسبي حريمه وهتك ستره فهو أول من خلع وقتل من الموحدين وصار الموحدون كالأتراك لبني العباس. ثم ابن أخيه عبد الله العادل بن يعقوب المنصور وقد بويع أولا بمرسيّة من الأندلس في نصف صفر سنة إحدى وعشرين وستمائة (٣) وبويع ثانيا بمراكش يوم الأحد ثاني عشرين شعبان تلك السنة (٤) وتوقف عن بيعته بلنسية وشاطبة ودانية والحفصيون عمال إفريقية. وفي أيامه كانت الواقعة الشنيعة بين المسلمين والفرنج على طليطلة (٥) بالأندلس انهزم فيها المسلمون هزيمة قبيحة وهي التي هدمت دعائم الإسلام بالأندلس فسأل منه الموحدون أن يخلع نفسه فأبى وقال لا أموت إلّا أميرا فخلعوه ثم جعلوا عمامته في عنقه وشنقوه بها ورأسه في الخاصّة إلى أن مات يوم الثلاثاء حادي عشرين شوال سنة أربع وعشرين من

__________________

(١) الموافق ١٢١٢ ـ ١٢١٣ م.

(٢) الموافق ١٢١٦ ـ ١٢١٧ م.

(٣) الموافق ٧ مارس ١٢٢٤ م.

(٤) الموافق ٨ سبتمبر ١٢٢٤ م.

(٥) ضيع المسلمون طليطلة عام ١٠٨٥ م.

١٥٣

السابع (١) ونهب المصموديون قصره واستباحوا حريمه ، ثم يحيى بن محمد (ص ٨٥) الناصر باتفاق الموحدين على بيعته وخالفهم عرب / الخلط وهسكورة وقام عليه بإشبيلية إدريس المأمون بن يعقوب المنصور وثارت عليه جماعة من أهل مراكش وانضم إليهم العرب ووثبوا عليه بمراكش فهرب للجبل ثم زاد العرب المعقل بفج عبد الله من رباط تازة فغدروا به وقتلوه وكانت مدته بأسرها مزاحمة للمأمون وولده الرشيد. ثم إدريس المأمون بن يعقوب المنصور بإشبيلية وكان فصيح اللسان فقيها حافظا للحديث ضابطا للراوية عارفا بالقراءة حسن الصوت والتلاوة إماما في اللغة والعربية والأدب وأيام العرب كاتبا مداوما على البخاري وسنن أبي داوود عالما بأمور الدين والدنيا شهما حازما شجاعا مهابا سفاكا للدماء لا يتقيها طرفة عين شاعرا ، فمن شعره متمثلا :

تكاثرت الظبا على خدّاش

فلم يدر خدّاش ما يصيد

وأطاعته العدوتان وخرج عليه المتوكل بن هود شرقي الأندلس واستولى على الأندلس ففارقها المأمون وجاز لمراكش فاستقرّ بها وتتبع الخارجين على من قبله من الخلفاء فقتلهم عن آخرهم وهم أربعة آلاف وستمائة وجزّ رؤوسهم وعلّقها بمراكش وكان زمان الصيف فنتنت المدينة وتضرر الناس بالرائحة فرفعوا أمرهم إليه فقال تلك رائحة طيبة للمحبّين وكريهة للمبغضين وأنشد يقول :

أهل الحرابة والفساد من الورى

يعزون في التشبيه للذكّار

ففساده فيه الصلاح لغيره

بالقطع والتعليق بالأشجار

(ص ٨٦) / من رآهم ذكرى إذا ما أبصروا

فوق الجذوع وفي ذروى الأسوار

وكذا القصاص حياة أرباب النّهى

والعدل مألوف بكل الجوار

لو عمّ حلم الله سائر خلقه

ما كان أكثرهم من أهل النّار

ولكثرة سفكه للدماء سموه حجاج المغرب وأمر بإسقاط اسم مهديهم من الخطبة وإزالته من السكة المربعة وقال لا مهدي إلّا عيسى وعمل فيه رسالة وكان خطيبا فأفصح بتكذيبه وضلاله فيها. وثار عليه أخوه بسبتة فسار إليه وحاصره بها

__________________

(١) الموافق ٤ أكتوبر ١٢٢٧ م.

١٥٤

ثم لحقه الخبر بأن البعض من أولاد الناصر دخل مراكش فرجع إليه من سبتة ومات بالطريق مفقوعا بوادي العبيد. وفي أيامه سنة سبع وعشرين من السابع (١) كان ابتداء أمر بني عبد الوادي.

ثم ابنه عبد الواحد بن إدريس المأمون الملقب بالرشيد وتقاتل مع يحيى وهو ابن أربعة عشر سنة فهزم يحيى بجيشه واستقر بملكه وهرب يحيى لرباط تازة فغدر به عرب المعقل وقتلوه وأتوا برأسه وبقي بملكه بمراكش إلى أن قتل غريقا في سهريج (كذا) بستان له وكان حسن السياسة وأعاد اسم مهديهم في السكة والخطبة وقمع العرب لكنه لما استقر أمره تخلى للذّات فلم يخطب له بالمغرب الأوسط وإفريقية.

ثم أخوه أبو الحسن علي المعتضد ويقال له السعيد بن إدريس المأمون وكان بطلا (كذا) شجاعا مهابا له إقدام في الحروب والنجدة فاق بها سلفه وهو الذي حرك / على يغمراسن بن زيان بتلمسان وحاصره بقلعة تمزريغت الغربية ببني (ص ٨٧) ورنيد قرب تلمسان وقبلة وجدة إلى أن قتله يغمراسن بها بالجبل وعمل له جنازة الملوك ودفنه بالعبّاد.

ثم أبو حفص عمر بن أبي إبراهيم إسحاق بن يوسف بن عبد المؤمن ابن علي ، قال بعضهم ، بويع له بمراكش يوم الأربعاء غرّة ربيع الأول سنة ست وأربعين من السابع (٢) قال ابن رشيق في تاريخه المسمى بميزان العقل ، هذا وهم فإن السعيد توفي يوم الثلاثاء منسلخ صفر ولا يمكن أن يصل الخبر بموته من تلمسان إلى مراكش في ليلة واحدة والصحيح أن بين موت السعيد وبيعة أبي حفص المرتضى مهلة نحو العشرة أيام ه. وفي أبي الفدا أن بيعة المرتضى في ربيع الأخير وبه ظهر الوهم الذي قال عليه ابن رشيق لما ردّ على غيره فاستقام له الأمر من سلا لسوس الأقصا وغزا (كذا) فاسا سنة ثلاث وخمسين وستمائة (٣) فانهزم وأخذ أبو يحيى المريني محلته ودخل مرّاكش في فلّه إلى سنة

__________________

(١) الموافق ١٢٢٩ ـ ١٢٣٠ م.

(٢) الموافق ٢٤ جوان ١٢٤٨ م.

(٣) الموافق ١٢٥٥ ـ ١٢٥٦ م.

١٥٥

خمسة وخمسين وستمائة حادي أو ثاني عشرين المحرم (١) دخل عليه القائم أبو دابوس الموحدي مراكش فهرب المرتضى إلى أزمّور فقبض عليه عامله وبعثه لأبي دابوس فقتله بكتامة على ثلاثة أيام من مراكش.

ثم أبو العلا الواثق أبو دابوس بن أبي حفص بن عبد المؤمن بن علي ، وكان بطلا شجاعا داهية مقداما في الحروب دخل مراكش غدرا على المرتضى وبايعه بها كافة الموحدين وغيرهم ثم وقعت بينه وبين المريني أبي يوسف حروب (ص ٨٨) قتل ببعضها / وبه انقطع ملك بني عبد المؤمن وانقرضت دولة الموحدين من المغرب الأقصا واستقامت دولة المرينيين به ومن المغرب الأوسط واستقامت دولة الزيانيين به.

وبإفريقية (٢) تسعة وعشرون ملكا ، أولهم أبو حفص عمر بن يحيى صاحب المهدي بن محمد بن واندين بن علية بن أحمد بن والّال بن إدريس بن خالد ابن اليسع بن إلياس بن عمر بن وافتن بن محمد بن لجبة بن كعب بن محمد ابن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه. قاله الشيخ أحمد بن الشمّاع في تاريخه ودولتهم تسمى بالحفصية. ثم ابنه أبو محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص صاحب المهدي. ثم أبو العلا بن عبد المؤمن بن علي ، ثم عبد الله بن عبد الواحد الحفصي واتسع ملكه إلى أن ملك إفريقية وبجاية وسائر المغرب الأوسط وتلمسان ووهران وبلد الجريد والزاب ، وتوفي ببونة سنة سبع وستين من السابع (٣). وقد أنشأ بتونس بنيانا شاهقا. ثم ابنه أبو عبد الله محمد بن أبي زكرياء وسعى عمه أبو إبراهيم في خلعه وبايع لأخيه محمد اللحياني الزاهد على كره منه فجمع له أبو عبد الله محمد بن أبي زكرياء المخلوع أصحابه وشدّ على عمّيه فقهرهما وقتلهما واستقل بملكه وتلقب بالمنتصر وفي أيامه سنة ثمان وستين من السابع (٤) وصل الفرنسيس لإفريقية بجموعه وأشرفت إفريقية على الذهاب لو لا أن الله منّ عليهم بموت أمير

__________________

(١) الموافق ٨ أو ٩ فيفري ١٢٥٦ م.

(٢) يقصد بلاد تونس وملوك بني حفص بها.

(٣) الموافق ١٢٦٨ ـ ١٢٦٩ م.

(٤) الموافق ١٢٦٩ ـ ١٢٧٠ م.

١٥٦

الفرنسيس الحارك (١) وتفرقت الجموع. ثم ابنه يحيى بن محمد وتلقب / بالواثق. ثم خلعه عمه أبو إسحاق إبراهيم وخطب لنفسه وتلقب بالمجاهد وترك (ص ٨٩) زىّ الحفصيين وتزيّ بزّي زناتة واشتغل بالشرب وفرّق الملك على أولاده وذبح الواثق المخلوع وولديه الفضل والطيب وسلم له ابن صغير يقال له أبو عصيدة ثم قام عليه شخص من بجاية يقال له أحمد بن مرزوق بن أبي عمارة وادعى أنه الفضل المذبوح ابن الواثق لشبهه به فقيل له الداعي واجتمعت عليه أناس وقصد أبا إسحاق إبراهيم فهرب به لبجاية عند ابنه أبي فارس عبد العزيز بن إبراهيم وهو أمير بها فتركه ابنه أبو فارس بها وذب بإخوته وجمعه للداعي بتونس فانهزم جيشه بعد الالتقاء وقتل هو وإخوته ثلاثة ونجا الرّابع وهو أخوه الصغير يحيى ابن إبراهيم وعمه أبو حفص عمر بن زكرياء ، ثم أرسل الداعي لبجاية من قتل أبا إسحاق وأتى له برأسه وتحدّث الناس بالداعي. ثم اجتمعت العرب على عمر بن أبي زكرياء بعد هروبه من المعركة وقوي أمره وقصد الداعي ثانيا فأثخن فيه واستتر في بعض دور التجار ثم أحضر واعترف بنفسه وضربت عنقه. ولما قتل أبو حفص الداعيّ استقرّ في ملكه وتلقب بالمستنصر فسار ابن أخيه يحيى السالم من المعركة لبجاية وملكها وتلقب بالمنتخب ولما اشتدّ مرض المستنصر بايع لابنه الصغير فأتته الفقهاء وقالوا له أنت صائر لعفو الله وتولية مثل هذا لا يحلّ فأبطله.

ثم أبو عصيدة ولد الواثق المخلوع / وتلقب بالمستنصر أيضا وكنّي بأبي (ص ٩٠) عصيدة لعمل أمه في نفاسها به العصيدة وإهدائها للجيران. وفي أيامه توفي صاحب بجاية المنتخب وملك بجاية ابنه خالد. ثم أبو بكر عبد الرحمن بن أبي زكرياء عبد الواحد بن الشيخ أبي حفص. ثم خالد بن المنتخب صاحب بجاية بعد قتله لأبي بكر المذكور. ثم زكرياء اللحياني جاء من مصر مع عساكر الناصر لطرابلس فبايعته العرب وزاد لتونس فخلع خالدا وحبسه وقتله قصاصا بأبي بكر بن عبد الرحمن واستقرّ بإفريقية وهو أبو يحيى زكرياء بن أحمد ابن محمد الزاهد اللحياني بن عبد الواحد بن أبي حفص. ثم أبو بكر بن يحيى المنتخب أخو خالد قتيل زكرياء اللحياني فهرب منه اللحياني لمصر وأقام

__________________

(١) يقصد به لويس التاسع الذي غزا تونس عام ١٢٧٠ وتوفي بها وخابت حملته.

١٥٧

بالإسكندرية وملك أبو بكر ما عدا المهدية وطرابلس فقام عليه محمد بن اللحياني بعد هروب أبيه لمصر وقتل معه فهزمه أبو بكر واستقل ابن اللحياني بما بيده من المهدية وطرابلس. ثم اجتمعت الناس على طاعة محمد بن أبي بكر الحفصي صهر زكرياء اللحياني وبايعوه لما ضعف أبو بكر وهرب باستيلاء العرب ولكون ابن أبي بكر كان نائبا على اللحياني فلذلك بويع له وكاتبوا اللحياني على القدوم فأبى. هذا مفاد ما في تاريخ أبي الفداء.

وقال ابن أبي دينار في المؤنس في أخبار إفريقية وتونس :

ثم أبو ضربة بن محمد اللحياني ، ثم ابنه أبو حفص وبقي إلى أن مات فملك أبو الحسن المريني ، ثم الفضل الحفصي ، ثم إبراهيم ، ثم خالد ، ثم أبو العباس أحمد ، ثم ابنه أبو فارس عبد العزيز الذي قال فيه ابن عرفة أنه في (ص ٩١) العدالة مثل عمر بن عبد العزيز الأموي بحسب الزمان ومات / بوانسريس بسبب دعاء الشيخ محمد الهواري عليه كما مرّ ، ثم ابنه عبد الله المنتصر ، ثم ابنه أبو عمر عثمان ، ثم حفيده أبو زكرياء يحيى بن عبد الله محمد المسعود ، ثم أبو عبد الله محمد بن أبي محمد الحسن ابن أبي عبد الله محمد المسعود ، ثم أبو محمد الحسن بن محمد الحسن بن المسعود وبه ختام بني أبي حفص ومن أتى بعده فهو اسم لا رسم. ثم أحمد ابن أبي محمد بن الحسن بن أبي عبد الله محمد بن أبي محمد الحسن ابن أبي عبد الله محمد المسعود ، ثم محمد ابن الحسن وهو خاتمة بني أبي حفص وبانقراضه انقرضت أيامهم.

وببجاية ثلاثة : أولهم أبو فارس عبد العزيز بن إبراهيم ، ثم يحيى المنتخب ، ثم ابنه خالد. وبالمهدية مع طرابلس واحد : وهو محمد بن اللحياني فهؤلاء السبعة والأربعون الموحدين.

قال الحافظ أبو راس في عجائب الأخبار : ولا زالت إفريقية بيد الحفصيين واحدا بعد واحد إلى أن أخذها منهم الأتراك سنة إحدى وثمانين وتسعمائة (١) فمدّتهم بإفريقية ثلاثمائة وثمانون سنة إلّا ما تخلل ذلك من الداعي بن أبي عمارة ونحوه من الذين لا حكم له. والملك لله وحده يورثه من يشاء من عباده.

__________________

(١) الموافق ١٥٧٤ م.

١٥٨

الدولة الخامسة الزيانيون

ثم ملك وهران ، الدولة الخامسة ، وهم الزيانيون ويقال لهم بنو زيان والعبد الواديون يوم وبنو عبد الوادي.

فتسميتهم بالزيانيين نسبة لجدهم لأبيهم زيان بن ثابت بن محمد بن زيدان ابن يندوكس / بن طاع الله بن علي بن يمل بن يزوجن بن القاسم بن محمد (ص ٩٢) ابن عبد الله بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه. وتسميتهم ببني عبد الواد نسبة لجدهم لأمهم عبد الوادي ابن يادين بن محمد بن رزجيك ابن واسين كما في ابن خلدون وغيره. قال صاحب بغية الرواد : وعبد الواد أصله عابد الوادي رهبانية عرف بها جدهم من ولد سجيع بن واسين بن يصليتن ابن مسرى بن زاكيا بن رسيح بن مادغس الأبتر بن قيس بن غيلان بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. قال التّنسي في نظم الدرر والعقيان في شرف بني زيان ، والقاسم جد أمير المؤمنين المتوكل ، اتفق النّسابون على أنه من ولد عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي‌الله‌عنه. ولكن اختلف في طريق اتصاله به. فقيل إنه القاسم بن محمد بن عبد الله بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل. قال صاحب بغية الرواد : وهذا القول من أشهرهم. وقيل إنه القاسم بن محمد ابن أحمد بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، وهو الذي صحّحه صاحب ترجمان العبر حيث قال : إنه القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، واحتجّ على ذلك بأن القاسم هو الذي كان بتلمسان فلمّا غلب

١٥٩

عليه العبيديون دخل لبني عبد الوادي القاطنين بصحراء تلمسان فأصهر فيهم وعقب عقبا مباركا فشا فيهم حتى زاد عليهم بخلاف أعقاب الأدارسة فإنهم كانوا (ص ٩٣) يلتقون بغمارة الريف. / وخالفه في ذلك بغية الرواد بقوله إنه لما قتل المنصور بن أبي عامر المعافري الحسن بن أبي كانون آخر ملوك الأدارسة بالمغرب افترقت الأدارسة في البلاد. فكان القاسم بن محمد بن عبد الله بن إدريس ممّن توجه إلى الصحراء فانضاف إلى بني عبد الوادي فأكرموا نزوله وعظموا قدره وحكّموه بينهم فتزوّج فيهم وأنسل نسلا كثيرا والله أعلم بحقيقة الأمر. فبان لك بهذا أن القاسم من ولد عبد الله الكامل بلا خلاف وإنما الخلاف هل هو من ولد إدريس ابن عبد الله أو من ولد أخيه سليمان بن عبد الله. وسليمان هو الذي ملك المغرب الأوسط ، وإدريس هو الذي ملك المغرب الأقصا (كذا) ه. قال الحافظ أبو راس في تواريخه : والقول بأن سليمان بن عبد الله الكامل هو الذي جاء للمغرب غير صحيح والصحيح أن الذي جاء له هو ابنه محمد بن سليمان وهو الذي ملك المغرب الأوسط ، ووهم التنسي في قوله دخلها سليمان وملكه أهل تلمسان عليهم لأن سليمان استشهد بوقعة فخ التي قتل فيها جعفر بن يحيى البرموكي (كذا) بأمر الرشيد. الأشراف وقبورهم مشهورة بين التنعيم ومكة المشرّفة مع ضريح ابن عمر رضي‌الله‌عنهم. ومن أولاد سيدي محمد هذا بنو العيش ملوك رشقون ، وبنو إبراهيم ملوك أتنس. وإلى إبراهيم هذا ينسب السوق الذي هو غربي العروسي حيث مكب واد أسلي في شلف. ومنهم حمزة وأخوه علي ملوك الأبيرة (١) بإزاء جرجرة جبل زواوة وبحمزة سميت تلك الأراضي إلى الآن ه.

(ص ٩٤) قال صاحب بغية الرواد : فبنو القاسم هذا هم / الذين حازوا الشرف وكرم الأبوة وفخر الملك القديم والحادث (كذا). ولا يسمح للطّعن في هذا النسب الكريم لأنه من الشهرة بالآفاق والفشو في القبائل والأجداد في الغاية بحيث لا يحجبه بعد دار ولا يجحده عدو ولا بار ، وفي المشهور من مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي‌الله‌عنه ثبوت النسب بمجرد الشهادة من غير معرفة أحوالها. وحكى الباجي في منتقاه وغيره من المتأخرين أن شهادة السماع

__________________

(١) يقصد مدينة البويرة شرق مدينة الجزائر ، التي تدعى ببرج حمزة كذلك.

١٦٠