طلوع سعد السّعود - ج ١

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ١

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

كان بثغر وهران ، وكان ذلك / اليوم مشهودا ومن المواسم والأعياد معدودا فقيل له (ص ٢٤) من أين أخرجت هذا الطعام وما صرفت على الماء وأنت فقير بالعيان ، فلست من الملوك ولا من الأغنياء الأعيان ، فقال مساعدة الزمان ومساعفة الإخوان ، فعل بهما كلّ ما كان. وكان جمعه له قبل موته بأمد في الشايع. لأنه توفي رحمه‌الله في تاسع شعبان سنة ست وستين من القرن التاسع (١) أيام السلطان مولانا أبي عبد الله المتوكل الزياني رحمه‌الله وأسكنه دار التهاني ، ودفن بالقصبة الخلانصة ، كما دفن شيخه الهواري بالبلانصة ، وبقي بضريحه خمسين عاما ، ولما ملكها الإسبانيون في المرة الأولى سكن بعضهم عند قبره فرءا (كذا) ما يكرهه التزاما. فأخبره بطريقهم بتلك القضية. وقد وافق قدوم أهل القلعة عليه بالضربية ، فأمرهم بأخذه فأخذوه بفرح وسرور ، ودفنوه بمدينتهم فضريحه بها مزار مشهور ، وعليه قبّة عجيبة ، وله مناقب كثيرة غريبة ، ولا زال على محل ضريحه بوهران تحويط من الحجر (٢) مقصود للتبرك به عند الخميل ، والأشهر ، وفيه وفي شيخه الهواري قال الحافظ أبو راس في سينيته :

في رقتهم كان قطبها وعالمها

محمد ذي المقدار العادم الحجس

خلفه من بعد موته تلميذه

إبراهيم الذي كان يسموعن برجيس

وأتت لها لمّا حجّ أهل مشرقنا

بل أقصاذاك كأهل طوس مع قومس

جلب ماء إليها فيه منفعة

لذلك الثغر بأبدع مقتبس

__________________

(١) يوم ٩ شعبان عام ٨٦٦ ه‍ يوافق ٩ ماى ١٤٦٢ م ، والسلطان الزياني أبو ثابت أبو عبد الله محمد المتوكل حكم في الفترة من ١٠ جمادى الأولى ٨٦٦ ه‍ إلى عام ٨٩٠ ه‍ (١ فيفري ١٤٦٢ ـ ١٤٨٥ م).

(٢) لا يوجد حاليا هذا التحويط ، وذكرت لنا المقدمة التي تحرس ضريح الشيخ الهواري بأن هذه التحويطة كانت في ساحة المسجد على اليمين حيث بيوت الوضوء والأدواش التي أنشئت حديثا بعد استعادة الاستقلال الوطني عام ١٩٦٢ ، وأغلقت بجدار خلال الترميمات التي أجريت للمسجد ، ولسنا ندري مدى صحة ذلك ، والمفروض أن يكون مدفونا داخل ضريح شيخه قبل أن ينقل. والبلانصة هي المدينة بالإسبانية ويقصد بها وسط المدينة وهو قلب القصبة ، أما الخلانصة فيبدو أنها لا معنى لها وأتى بها لملاءمة فقرة السجع. وقد زار الرحالة المصري عبد الباسط خليل وهران عام ٨١١ ه‍ (١٤٠٨ ـ ١٤٠٩ م) والتقى ـ

٨١

(ص ٢٥) / ومنهم العلامة الشريف الذي أغنى عن التعريف به ما له من شهرة وخمرة ، سيدي بختي بن عياد دفين بلاد غمرة (١) قد جمع الله له بين العمل والعلم ، وجودة النظر وثقوبة بالفهم (كذا) ، والنجابة وذكاء القريحة ، والديانة وكثرة النصيحة ، فانتفع به خلق كثير ، فهو من الأولياء المشاهير ، وكان رضي‌الله‌عنه من أهل القرن التاسع (٢) فهو القطب الرباني ، في زمان الملك أحمد العاقل ابن الملك أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني. فاجتمع بالشيخ محمد الهواري وتلمّذه وأخذ عنه. فانتفع بعلوم دينية ولدنية منه. ونال بركاته في القول الحفي

__________________

ـ بالشيخ الهواري وإبراهيم التازي وترجم لهما.

(١) الشيخ بختي بن عياد معاصر للشيخ الهواري ، وتتلمذ عليه وعلى الشيخ الحسن أبركان التلمساني ، وهو الذي حمل رسالة الأخير إلى الشيخ الهواري بوهران في قضية الوساطة بين أمير تلمسان أحمد العاقل ، والسلطان الحفصي أبي فارس عزوز الذي كان يقود جيشا لغزو تلمسان ، وكان الشيخ الهواري في البداية يرفض الوساطة ، ولكن الشيخ بختي أكد له بأن الشيخ الحسن أبركان هو الذي أرسله إليه فسرّ وزالت عنه الحسرة والتقطيب وقال للشيخ بختي قل لشيخك ليؤكد للأمير عدم وصول السلطان إلى بلاده إلى آخر القصة.

وقد قدم أحمد العاقل الزياني جائزة بعشرة دنانير إلى الشيخ بختي بعد أن نجاه الله من ذلك الغزو المتوقع عليه وعلى إمارته. وأورد القصة بتفاصيلها ابن مريم في البستان ص ٢٣١ ـ ٢٣٢.

وعند ما توفي الشيخ بختي في تاريخ لا نعلمه خلال القرن التاسع الهجري (١٥ م) دفن في قرية تحمل اسمه اليوم على بعد خمسة كيلومترات من قرية غمرة غربا ، واثني عشر كيلومترا من قرية حمو بوتليليس شمالا. واثنين وأربعين كيلومترا من وهران غربا. وقد زرت هذه القرية صباح الخميس ٢٥ ذو الحجة ٤٠٧ ه‍ (٢٠ أوت ١٩٨٧ م) للتعرف على المكان ، ووجدت هناك ضريحين اثنين واحد للشيخ بختي الصغير بجوار القرية داخل مقبرة صغيرة ، والثاني للشيخ بختي الكبير على بعد حوالي ثلاث كيلومترا من شمال القرية. وهو الذي يحتفل به كل سنة.

ولكن أحد الرجال هناك قال لي خلال الزيارة بأن الناس كانوا يقيمون الاحتفال في الضريح الذي بجوار القرية ولكن المشاجرات التي تحصل باستمرار ، وقتل البعض خلالها ، جعل الناس ينقلون الاحتفال إلى الضريح البعيد عن القرية.

(٢) القرن التاسع الهجري يقابله القرن الخامس عشر الميلادي.

٨٢

فكان من المفتوح لهم في كل شيء. وكانت له صحبة جسيمة ، ومحبّة عظيمة ، مع الولي الزاهد ، القطب الغوث الماجد ، شيخ الزّهّاد ، وقدوة العباد ، كثير المعاني ، وصاحب أسرار الأسماء والحروف ، أبي على الحسن أبركان ابن مخلوف المزيلي الراشدي دفين تلمسان وأحد ساداتها الأعيان (١) لأخذهما معا عن من اشتهر عن وصف الواصف ، الشيخ محمد بن أعمر الهواري ، العلوم وأسرار المعارف فتلمّذه له وخدمه بالنية والتصديق ، إلى أن نال منه سرا عظيما بالتحقيق. وكان سيدي بختي من الشرفاء الحسنيين أولاد أبي عنان الأخيار. نصّ على ذلك صاحب جواهر الأسرار.

ومنهم القطب الكامل ، العامل الواصل ، العالم الفاضل ، قامع أهل الضلالة واللصوص / أبو عبد الله سيدي محمد بن يبقى دفين جبل أبي عروص. (ص ٢٦) كان رحمه‌الله من أهل القرن التاسع (٢) وله جلالة وعظامة وسر نافع. وعلى

__________________

(١) الحسن بن مخلوف بن مسعود بن سعيد المزيلي الراشدي ، أبو علي الشهير بأبركان ، يعتبر من أكابر علماء تلمسان ، عاصر الشيخ الهواري وإبراهيم التازي ، وهو الذي توسط لسلطان تلمسان أحمد العاقل ، لدى الشيخ الهواري ، عند ما زحف السلطان الحفصي أبو فارس على تلمسان عام ٨٣٧ ه‍ (١٤٣٤ م). وقد توفي بتلمسان ودفن بها في آخر شهر شوال عام ٨٥٧ ه‍ (أول نوفمبر ١٤٥٣ م). وترجم له ابن مريم ، والحفناوي ، والجيلالي وغيرهم.

(٢) جبل عروص الذي يسميه الناس بو عروص ، يقع شمال قرية قديل في سفح الكتلة الجبلية الضخمة التي تقع بين وهران وأرزيو ، ويقع في سفحها الغربي جبل كسيكسو وقرية كريشتل ، ويقع في سفحها الشرقي جبل عروص وقرية سيدي محمد بن يبقى ، وقرية قصيبة ، أما ضريح الشيخ وزاويته فتقع في عمق الجبل على بعد حوالي ثماني كيلومتر غربا وقد زرتها صباح يوم الأحد ٢١ ذو الحجة ١٤٠٧ ه‍ (١٦ أوت ١٩٨٧) ووجدناها مغلقة ثم لما عدنا إلى القرية التي تحمل اسمه دلنا البعض على منزل المقدمة زينت حفيدة الشيخ التي ولدت وتربت هناك هي وأبوها وجدها ، وتفتح الضريح والزاوية للزوار ، كل يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع. وذكرت لنا أن خادمة الشيخ التي دفنت هناك بجوار الضريح خارج القبة جيء بها من السودان. وكان الشيخ محمد ابن يبقى معاصرا للشيخ الهواري والشيخ بختي بن عياد ، ولا يستعبد أن يكون قد تتلمذ هو الآخر على الشيخ الهواري. وعاش في القرن التاسع الهجري (١٥ م) ولا ندري التاريخ الذي توفي فيه.

٨٣

ضريحه مشهد عظيم مزار ، مقصود للتبرك به وقضاء المأرب (كذا) في الليل (كذا) والنهار.

ومنهم العلامة الأكبر ، والكبريت الأحمر ، من جمع الله له بين العلم والعمل ، ونار وقته وسعد به المكان والمحل ، الشريف الحسني الذي سرّه وعلمه كالماء الجاري ، يجري ، الشيخ غانم بن يوسف الملقب التركي الغمري ، دفين جبل ماخوخ (١) من بلاد أولاد علي أحد بطون بني عامر ، فظهر فضله وكثر سرّه فهو للكسير جابر. وكان من أهل القرن التاسع ومات بالعاشر واجتمع بالشيخ أبي العباس أحمد بن يوسف الراشدي الملياني ذى السرّ الناشر ، نصّ على شرفه أبو عبد الله محمد الفاسي في كتابه ـ أثمد الأبصار ـ فهو من السادات الأولياء العلماء الأبرار. وكان معاصرا للذي له في العلم والشرف والولاية قدم رسوخ (كذا) سيدي معاش بن أحمد الكثيري ، دفين ثنية ماخوخ (٢) واصل مسكن

__________________

(١) جبل ماخوخ يقع جنوب وهران على الحافة الجنوبية لسهل ملاتة ، وسبخة وهران الكبيرة ، وتقع قرية الطافراوي في سفحه الشمالي على بعد حوالي خمسة أو ستة كيلومترات. وقد أسست قرية وبلدية جديدة بعد استعادة الاستقلال الوطني عام ١٩٦٢ أطلق عليها اسم : سيد غانم. ويحتفل سنويا بذكراه فيما يعرف بالوعدة ، كما حصل هذا العام (أوت ١٩٨٧). وقد أدرك القرن العاشر الهجري (١٦ م) ومات به. وله ذكرى في كثير من رحلات الرحالة المغاربة الذين كانوا يمرون بالمنطقة خلال ذهابهم وإيابهم من الحج حيث كانوا يزورونه ، ويتحاورون معه. وهذا يدل على شرفه ، وعلمه ، وتقواه ، وقد تحدث عنه أحمد العشماوي في كتابه السلسلة الوافية. والياقوتة الصافية ، وأثبت صحة نسبه إلى الأشراف الأدارسة. وقد قمت شخصيا بزيارة ضريحه صباح يوم السبت ٢٧ ذي الحجة ١٤٠٧ م (٢٢ أوت ١٩٨٧ م) للتعرف على المكان والتثبت من بعض المعلومات ، ولكن لا أحد يعرف شيئا. وحتى اسم جبل ماخوخ لا يعرفه الناس حاليا إطلاقا ولم يسمعوا به فمقدم الضريح الذي يبلغ عمره أربعا وثمانين عاما لم يسمع في حياته بهذا الاسم ، علما بأن صاحب المخطوط كان ما يزال حيا في نهاية القرن التاسع عشر وهو الذي أورد الاسم. أما أولاد علي فبعيدة عن موقع ضريح وقرية سيدي غانم إلى الشرق بحوالي عشر أو اثني عشر كيلومترا وتقع على الطريق العام بين سيدي بلعباس جنوبا وزهانة ووادي تليلات شمالا. وهذا يدل على عدم التدقيق في تحديد الأمكنة والأزمنة ، وكان ذلك مصدرا للأخطاء التي يقع فيها الناقلون والناسخون والمحققون.

(٢) ثنية ماخوخ التي دفن فيها الشيخ معاشو تعرف اليوم باسم : عين البرد ، وكان الاستعمار ـ

٨٤

سيدي غانم ببني وراغ فسمع به الأحلاف فرقة منهم بأنه عنده شاة من الضان مسمّنة منذ ثلاث سنين ، فقدموا إليه لطغيانهم وأمروه بذبحها لهم فسالهم غيرها فأبوا لما أراد الله بهم الانتقام المكين. فذبحها لهم واحتسب وبش في وجوههم وانطرب ، ولما فرغوا من الأكل وأرادوا الانصراف ، أنشأ يقول : حاف حاف طاح الكاف على الأحلاف ، فلا ينجى منهم إلّا الأعمى والزحاف ، فذهبوا نحو كاف الوادي وناموا في ظلّه / من شدة الحرّ فسقط عليهم ذلك الكاف وماتوا ولم ينج (ص ٢٧) منهم إلّا من كان أعمى أو زحافا كما قال.

ثم ارتحل وجاء عند أبيه بمستغانيم فسكن بغربها بحشم داروغ إلى أن توفي أبوه سيدي يوسف الشريف فدفنه بالمطمر من مدينة مستغانيم (١). وفي

__________________

ـ الفرنسي قد أطلق عليها اسم واد أمبير وتقع على الطريق العام الذي يتجه إلى سيدي بلعباس ، البري ، والحديدي ، ولا تبعد عن قرية أولاد علي شمالا إلا ببضع كيلومترات كما لا تبعد كثيرا عن مدينة سيد بلعباس. ويوجد ضريح الشيخ معاشو في ربوة عالية بأعلى القرية قرب سفح الجبل في منطقة فلاحية هامة وخصبة ، وحسب مقدم ضريحه الحالي فإنه كان متزوجا من بنت الشيخ محمد بن عمر الهواري الوهراني ، فهو صهر ومعاصر له ، ومن أهل القرن التاسع الهجري (١٥ م) ولربما عاش إلى العاشر (١٦ م). مثل الشيخ غانم ، وحسب الشيخ عبد القادر الزبير أحد أحفاد الشيخ غانم فإن هناك صراعا وتنافسا بين أتباع الشيخ معاشو ، والشيخ غانم على النفوذ والسلطة الدينية ، والمركز العلمي. وقد زرت ضريح الشيخ معاشو صباح السبت ٢٧ ذو الحجة ١٤٠٧ ه‍ (٢٢ أوت ١٩٩٧ م) للتعرف على المكان والتثبت من بعض المعلومات ولكن لا أحد يعرف شيئا حتى مقدم الضريح الذي هو أمي كذلك. ومن غرائب ما لا حظناه قيام الناس بإحاطة قبور موتاهم بشبابيك حديدية ، مما يصعب معها زيارة أي قبر ، يضاف إلى هذا التبذير في الحديد المطلوب لصناعات أخرى ، وفي الأحوال التي يتم بها صنع تلك الشبابيك الحديدية.

ورغم أن الشيخ معاشو هذا كان عالما إلّا أنه لا يتم تعليم الأطفال حتى القرآن الكريم في زاويته ، وهو ما لاحظناه كذلك في زاوية الشيخ غانم ، والشيخ بختي ، والشيخ ابن يبقى ، والشيخ المسعود ، وغيرهم من العلماء الذين زرنا مدافنهم وأماكن استقرارهم ومثواهم.

(١) المطمر حي من أحياء مدينة مستغانم. وهناك قرية المطمر التي تقع بين مستغانم ـ

٨٥

التوسل بوالده ، وسيدي عبد الله بن خطاب يقول الشيخ محمد بن حواء القدّاري ثم التجيني في غوثيته التي من بحر الرجز :

وبدفين المطمر الأواه

الإمام الأعظم عبد الله

وبالإمام الختما للشرف

رفيقة بعد الممات يوسف

ثم انتقل وسكن وهران أمدا ، ثم انتقل لغمرة غربي وهران وسكن بها إلى أن نسب لها. ثم انتقل منها وسكن بجبل ماخوخ إلى أن توفي به ودفن هناك وعلى ضريحه قبّة ومشهد عظيم مقصود للتبرك به وله نسل كثير أكثرهم بلهاء (١).

ومنهم العلامة الكبير الدرّاكة الشهير ، الفهامة الأثير ، كثير المعارف والأنوار ، والخوارق والأسرار ، أبو العباس سيدي أحمد بن أبي جمعة المغراوي النجار ، مؤلف كتاب : «جواهر الاختصار والبيان ، فيما يعرض بين المعلمين وآباء الصبيان». كانت له اليد الطولا (كذا) في كل شيء ، كثير التقارير. وكان من أولياء الله الأكابير (كذا). اجتمع بالشيخ غانم بن يوسف الغمري وأخذ عند فوائد جمّة ، ومسائل مهمة. وتوفي بالعشرة الثالثة من العاشر رحمه‌الله ونفعنا به وأمثاله. آمين (٢).

(ص ٢٨) ومنهم الولي الأشهر ، والكبريت الأحمر ، المنتشر الصيت / المراصد في العبادة للأوقات ، أبو عبد الله سيدي محمد بن الخير الجماعي دفين وادي تليلات

__________________

ـ وغليزان ، فلا بد من التفريق بينهما حتى لا يقع الخلط.

(١) لا ندري ماذا يقصد بكونهم بلهاء ولم نحاول أن نستنطق أحدا. لأنه من الصعب الحصول على جواب صحيح في مثل هذا الوصف ، ولنسا ندري هل المؤلف على علم حقيقي بهذا أم أنه استقى معلوماته من الغير ، وهنا تدخل النغرة ، والنعرة ، والصراعات القبلية والجهوية.

(٢) أي فيما بين ٩٣٠ ـ ٩٤٠ ه‍ (١٥٢٤ ـ ١٥٣٤ م) وهو حفيد الشيخ محمد بن عمر الهواري ابن ابنه ، وشقيق محمد بن أبي جمعة الوهراني الذي سيأتي ذكره فيما بعد في المقصد الثالث ، وحسب الأستاذ أبو القاسم سعد الله فإن الكتاب ألّفه أخوه محمد بن أبي جمعة ، وعنوانه : جامع جوامع الاختصار والتبيين فيما بين المعلمين وآباء الصبيان. انظر تاريخ الجزائر الثقافي ج ١ ص ٣٤٣. وقد حققه ونشره الدكتور عبد الهادي التازي في المملكة العربية السعودية.

٨٦

وأصله من أولاد جماعة فرقة من العرب من بني زروال ، وكان من أهل القرن الثاني عشر في صحيح الأقوال (١) ويقال إنّ الدعاء عند قبره مستجاب كأبي مدين أحد الإمامين والأقطاب. وله كرامات جليلة ، وخوارق عادات جميلة خرج رحمه‌الله من وهران لما دخلها العدو في المرّة الأولى (٢) وسكن برأس التافراوي ثم انتقل بزاويته إلى المحل الذي به ضريحه وسكنه إلى أن مات. وعلى ضريحه قبة وله مشهد للزيارة. ويقال إن له نسل وكانت زاويته في أمن من العدو وسائر الآفات.

ومنهم الشيخ النجيب ، الآخذ من العلم والسرّ بأوفر النصيب الطائع للإله (كذا) الرقيب المجيب ، أبو عبد الله سيدي محمد أغريب كان من أهل العطا والنفع الوافر. وهو من الأقدمين في المتواتر. وضريحه بصفح (كذا) جبل هيدور ، غربي وهران خارج سورها مشهور ولدى ضريحه مقبرة جليلة ، منتمية إليه فضيلة (٣).

__________________

(١) وادي التليلات قرية فلاحية هامة جنوب شرق مدينة وهران على بعد ٢٧ كلم منها. في سهل منبسط خصب على الطريق العام البري والحديدي إلى الجزائر العاصمة. الطافراوي قرية صغيرة تقع إلى وأسست جنوبها الغربي وقد زرت ضريح محمد ابن الخير الجماعي وزاويته صباح الأحد ٢١ ذو الحجة ١٤٠٧ ه‍ (١٦ أوت ١٩٨٧ م). وذلك في الجنوب الشرقي لوادي التليلات بجوار خط السكة الحديدية ، والطريق البري المتجه إلى زاهانا ، وسيدي بلعباس ، ويرد عليهما الزوار من عدة جهات ، وسط مقبرة صغيرة خاصة العنصر النسوي ، ولا أثر للعمل الثقافي والتربوي للأسف بها.

(٢) هناك تضارب في هذا التاريخ. فقد قال المؤلف قبل بأن الشيخ الجماعي من أهل القرن الثاني عشر (الهجري) في صحيح الأقوال وهو ما يوافق الثامن عشر الميلادي ، وهنا يقول بأنه غادر وهران إلى الطافراوي عند احتلال الإسبان لها أول مرة. وهذا الاحتلال تم عام ٩١٥ ه‍ (١٥٠٩ م) أي في مطلع القرنين : ١٠ ه‍ و ١٦ م.

(٣) ما تزال هذه المقبرة إلى اليوم تحمل اسمه في سفح الجبل المطل على مدينة وهران ، جنوب حي القصبة القديم ، خارج السور القديم للمدينة ، ويفصل بينهما واد وخانق كبير ينحدر من الجبل غربا إلى واد الرحى أو رأس العين شرقا. وقد زرت هذه المقبرة صباح السبت ٢٠ ذو الحجة ١٤٠٧ ه‍ (١٥ أوت ١٩٨٧ م) ووقفت على قبر الشيخ الغريب ، داخل حويطة محاطة بجدران أربعة إلى علو نصف متر. ويبدو أنها كانت في الأصل بيتا ـ.

٨٧

ومنهم سيدي البشير بن يحيى من ذرية الشريف الحسني القطب الأكمل (ص ٢٩) مقر الجان على الإطلاق. سيدي محمد بن يحيى المغراوي دفين وادي فروحة بالاتفاق ، الذي نصّ على شرفه أبو زيد عبد الرحمان في عقد الجمان النفيس ، وشارحه الشيخ الجوزي المزيلي ، والحافظ أبو راس في عجائب الأسفار. وكذا صاحب جواهر الأسرار ، وأثمد الأبصار ، وغيرهم من ذوي الأسرار. وكان سيدي البشير وقبره مشهور ومقصود للزيارة. وعليه قبّة وعنده مقبرة منتمية إليه بالاشتهارة (١).

__________________

ـ مسقفة ، ثم تهدم سقفها وأعالي جدرانها ، ودفن معه حديثا إنسان آخر في اتجاه شمالي معاكس تماما لقبره ، والمقبرة في حالة يرثى لها مليئة بالأزبال والقاذورات رغم أنها محاطة بجدار ولها بابان ، ولكن الجدار في أعلى مهدم يسهل للناس تخطيه ورمي القاذروات ، فأين مصالح البلدية ، وأين الأخلاق الإسلامية التي تحث على النظافة ، وتمنع إيذاء الموتى ومراقدهم ، وتوسيخها. إنه أمر يسيء إلى الأخلاق والفضيلة والدين ، ويؤذي الله والرسول

(١) أوائل القرن الثالث عشر الهجري يوافقه أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. والشيخ البشير هذا ما يزال قبره وضريحه قائمين حتى اليوم في حي الهضبة من مدينة وهران بجوار ثانوية بن باديس ، وخلف متوسطة ابن خلدون ، وقرب المكتبة البلدية والمتحف البلدي ، وحي المدينة الجديدة. ويتكاثر عليه العنصر النسوي دائما. وزرته شخصيا صباح السبت ٢٠ ذو الحجة ١٤٠٧ ه‍ (١٥ أوت ١٩٨٧ م) ووجدته مملوءا بالعنصر النسوي. أما المقبرة فقد أزالها الفرنسيون ضمن ما أزالوا في إطار توسيع المدينة وأقاموا حيا كبيرا يدعى بحي الهضبة ، وقد توفي الشيخ البشير في أوائل القرن الثالث عشر الهجري (أواخر القرن ١٨ م). ولا بد من التفريق بينه وبين عالم آخر بنفس الاسم دفن شرق قرية بئر الجير ، شرق وهران على بعد حوالي عشرة كيلومترا. وأقيمت حول ضريحه قرية تحمل اسمه ، ويزوره العنصر النسوي بكثرة.

أما عقد الجمان النفيس في ذكر الأعيان من أشراف غريس الذي أشار إليه فهو رجز نظمه عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد التيجاني في القرن الحادي عشر الهجري (١٧ م) وشرحه تلميذه محمد الجوزي المزيلي الراشدي وسمى شرحه عليه : فتح الرحمن في عقد الجمان. كما شرحه أيضا أبو راس ، وترجمه إلى الفرنسية السيد ل. قان : L.GUIN ، ونشره في المجلة الإفريقية عام ١٨٩١. ـ

٨٨

ومنهم العلامة سيدي بدر الدين وضريحه بوهران مشهور. وكان من العلماء الأكابر فهو من أهل الثالث عشر وله مسجد بها في المساجد مذكور (١).

ومنهم سيدي السنوسي مقامه خارج سور وهران بطريق تلمسان (٢).

وسيدي إبراهيم الخرّوطي الوهيبي مقامه خارج سور وهران بطريق كدية الخيار يعان (كذا) (٣).

وسيدي محمد بن أبي يعزى من ذرية سيدي أبي يعزى الغربي الهسكوري مقامه بمقبرة سيدي البشير المارّ المبروري (٤).

__________________

ـ وأما مقرىء الجان ومعلمهم أمحمّد بن يحيى ، الذي ينتسب إليه الشيخ البشير ، فقد تحدث عنه أحمد العشماوي في كتابه السلسلة الوافية ، وقال بأنه من أهل غريس الشرقي وليس الغربي وخلف وراءه ثلاثة أبناء : محمد الكبير الذي استقر بواد زيان الذي يدعى وازيان بجوار قبائل بني كلال. ومحمد الكبير الذي استقر بالمنطقة الساحلية إزاء مديونة ومسيردة. وسليمان الذي استقر بوازيان كذلك ، وأنجب ثمانية أبناء هم : رحمون ، وموسى ، وعلي ، ومحمد ، وعبد الله ، وعبد القادر ، وصالح ، وعبد الحق ، فإلى من ينتسب الشيخ البشير ، من هؤلاء الأبناء والأحفاد ، والفروع ص ٢٧٧ ـ ٢٧٨.

وقد ذكر الشيخ المهدي البو عبدلي في تعليق له بدليل الحيران بأن أمحمد بن يحيى مقرىء الجان تتلمذ على الشيخ السنوسي بتلمسان وهو الذي أذن له في الذهاب إلى الراشدية (قلعة بني راشد) لنشر علم التوحيد الذي تخصص فيه وألف عقائده الثلاثة : الكبرى ، والوسطى والصغرى ، فامتثل واستقر بها وأسس معهدا علميا لا تزال آثاره ، وما حبس عليه من الأملاك والأموال باقية إلى اليوم ، وخلف ذرية كبيرة بالجزائر والمغرب الأقصى. ص ١٤٤ تعليق.

(١) الموافق للقرن التاسع عشر مسيحي. وهذا الولي غير معروف الآن ، ولا ذكر لمسجده ، وقد يكون اندثر ضمن ما اندثر مما خربته الإدارة الاستعمارية الفرنسية.

(٢) ما يزال ضريحه قائما حتى اليوم بجنوب المدينة في ساحة كبيرة وواسعة غير بعيد عن السوق المركزي لبيع الخضر والفواكه بالجملة ويتردد على زيارته العنصر النسوي بكثرة ، وقامت البلدية أخيرا ببناء حائط دائري على ساحته وأقامت لها بابا لحمايته.

(٣) لا يوجد قبره حاليا ، ولربما يكون قد اندثر كذلك. وكان هذا الولي معاصرا للباي حسن آخر بايات وهران ، وكاد يقتله لو لا لطف الله كما فعل بغيره.

(٤) أزال الفرنسيون قبره عندما أزالوا المقبرة. ولا نعلم عنه شيئا.

٨٩

وهؤلاء الثلاثة كلهم من أهل القرن الثالث عشر (١).

والشريف سيدي قادة بن المختار مقامه بالمدينة الجديدة وهو في القرن الحادي عشر مشتهر (٢) غير انّي في حيرة من هذا المقام بالتعيين ، لأنه إن كان المنسوب له جلس به فإن وهران بذلك الوقت مسكونة بالاسبانيين. ثم زالت حيرتي بكونه قدم مجاهدا وجلس به ليلا فجعل له المقام. والحمد لله على زوال هذه الحيرة باتضاح المرام.

ومنهم العلامة الكبير ، والقدوة الشهير الجامع بين العلم والعمل الشيخ الرباني ، أبو محمد عبد الله بن الطيب بن حواء القدّاري التجاني ، شيخ الطريقة الدرقاوية كثيرة النوالي ، بعد شيخه مولاي العربي بن أحمد الدرقاوي البوبريحي الزروالي.

والسيد فرقان الفيليتي بالبيان.

(ص ٣٠) وهما / الذان (كذا) أمر الباي حسن بقطع رأسيهما فقطعا في شعبان سنة تسع وثلاثين من القرن الثالث عشر بالتحيري (٣) ودفنا بضريح واحد بلحدين أحدهما قبلة والآخر بحرا بمقبرة سيدي البشير. ويحكى أن السبب في قتلهما قاضي الحملة السيد محمود ابن حواء التجيني (٤) وشى بهما عند الباقي لينال سعده ، بأنهما يريدا (كذا) القيام عليه كما قام ابن الشريف على من قبله من بايات الأتراك وهو الباي مصطفى بن عبد الله العجمي فمن بعده. ثم نقلا معا من وهران

__________________

(١) الموافق أواخر القرن ١٨ وأغلب القرن ١٩ م.

(٢) الموافق للقرن ١٧ م وما يزال ضريحه قائما حاليا على بعد بضعة أمتار من مسجد وساحة سيدي بلال بالمدينة الجديدة.

(٣) شهر شعبان عام ١٢٣٩ ه‍ يوافقه شهر أبريل ١٨٢٤ م ، وقد تم إعدامهما خلال أحداث ثورة الشريف الدرقاوي التي سيأتي الحديث عنها في المقصد الرابع إن شاء الله.

(٤) ذكر الشيخ المهدي البو عبدلي في تعليق له بدليل الحيران بأن محمود بن حواء هذا كان قاضيا عند الأتراك ، وشغف بنسخ الكتب ، وجمعها ، ومن ضمنها : كتاب لمسلم بن عبد القادر بخط يده يوجد بالمكتبة الوطنية في الجزائر تحت رقم ٨٩٣. ولا نعلم عنه حاليا غير هذا.

٩٠

في عام أربعة وثمانين من الثالث عشر ودفنا بضواحي البطحا في المشتهر (١).

ومنهم الضرير السيد أحمد الفلالي المختاري كان يقرأ القرآن بالسبع (٢) ولقراءته قد حرر. توفي سنة خمس أو ست وستين من القرن الثالث عشر (٣) ودفن بقبة مقام سيدي عبد القادر الجيلالي بقرب مقبرة سيدي الغريب خارج سور وهران. وقبره مقصود للتبرك به نفعنا الله بالجميع في السرّ والإعلان (٤).

__________________

(١) عام ١٢٨٤ ه‍ يوافق : (ماي ١٨٦٧ ـ أبريل ١٨٦٨ م) ، والبطحاء هي قرية المطمر الحالية.

وكانت تسمى كلانشة في عهد الاحتلال الفرنسي ، وتقع بين مستغانم وغليزان ، وزرتها في شهر مارس ١٩٨٨.

(٢) يقرأ القرآن ويتلوه بالروايات السبعة المشهورة والمتواترة ، وأولها رواية ورش المنتشرة في كل بلدان المغرب الإسلامي والأندلس ، ثم حفص ، وقالون ، وغيرهما.

(٣) الموافق لعام ١٨٤٩ أو ١٨٥٠.

(٤) ما يزال هذا الضريح قائما حتى اليوم في سفح الجبل المطل على وهران غربا بجوار الحي الذي يدعى بالبلانتور ، جنوب غرب المدينة على الضفة اليسرى للوادي الذي يشقها من الجنوب ، إلى الشمال ، وقد أحيط بمقبرة صغيرة ، مسيّجة بحائط كبيرة ، ووضع لها باب كتبت عليه عبارة مقبرة سيدي الفيلالي. ولا يفصلها عن مقبرة سيدي الغريب شمالا سوى طريق عام للسيارات ، وبعض المنازل والمساكن والدكاكين الشعبية ، وقد زرتها مرتين آخرهما صباح اليوم السبت ٢٠ ذو الحجة ١٤٠٧ ه‍ (١٥ أوت ١٩٨٦ م). والضريح يتألف من بيتين هذا داخل في الآخر ، وبه لا أقل من سبعة قبور ويقع ضريح الشيخ على يسار البيت الأولى وعليه تابوت وملحفة من الكتان ، والضريح والمقبرة نظيفتان جدا ، على عكس مقبرة سيدي الغريب ، ويبود أنها تغلق في الليل ومحروسة بالنهار وإلّا لما بقيت نظيفة هكذا وسالمة من التخريب.

٩١
٩٢

المقصد الثالث

في ذكر بعض علمائها

٩٣
٩٤

اعلم أيدني الله وإياك بنوره. ونفعني وإياك بسره ووقانا من ضروره ، أن علماءها عددهم كثير. وحصرهم شديد عسير. ولكني أذكر منهم إن شاء تعالى المشاهير ، كما ذكرهم شيخنا الحافظ المحقق سيدي ومولاي ، وسمط محياي ، العالم الربّاني ، الشريف الحسني أبو عبد الله محمد بن يوسف الزياني / في (ص ٣١) الفصل الثالث من كتاب ـ دليل الحيران فنقول :

إن من علماء وهران عالمها ومحدثها أبو إسحاق إبراهيم الوهراني أحد شيوخ ابن عبد الله النمري الأندلوسي (كذا) كان من أهل القرن الرابع (١).

ومنهم أبو تميم الواعظ نفعنا الله به (٢).

ومنهم أبو عبد الله محمد الوهراني الملقب بركن الدين صاحب الرسالة المشهورة على لسان بغلته للأمير بمصر عز الدّين موسك المذكورة في دليل الحيران وعقد الأجياد وغيرهما ، دخل مصر في حدود السبعين من القرن السادس (٣) واشتهر بالعلم والأدب ، وحسن الفهم والنجب وحصل بها من العلوم لبابها. وكشف الحقائق حجابها.

__________________

(١) الموافق للعاشر الميلادي ، ولم نجد من ترجم له.

(٢) هكذا كتبه المؤلف نقلا عن الزياني ، ولكن غيره يكتبه هكذا : أبا تمام بفتح الميم الأولى مع الشدة والمدّ ، بعدها ألف. وقد سكن بجاية مدة من الزمن ، ودرس بها ، وهو فقيه ، وعالم عاش في القرن السابع الهجري (١٣ م). وترجم له ابن أبي زرع ، والغبريني ، والجيلالي ، وشربونو ، وديديي.

(٣) أبو عبد الله محمد بن محرز بن محمد الوهراني الذي يلقب بركن الدين ، من علماء وأدباء القرن السادس الهجري (١٢ م) ولد وعاش بوهران معظم سني حياته التي لم يسجل عنها ـ

٩٥

ومنهم أبو زيد عبد الرحمان مقلاش وهو الذي أصلح في سهو الشيخ محمد الهواري أشياء وزنا وإعرابا وأتى به إلى الشيخ وقال له يا سيدي إني أصلحت سهوك فلم يقبل منه وقال له هذا السهو يقال له سهو مقلاش وأما سهوي فهو سهو الفقراء يبقى على ما هو عليه إنما ينظر فيه إلى المعنى ومن أين لمحمد الهواري بالعربية والوزن. وأنشد سبويه في هذا المعنى أبياتا فقال :

لساني فصيح معرب في كلامه

فيا ليته من وقفة العرض يسلم

أراه فصيحا في الحياة وإنّما

أخاف عليه في القيام يلجّم

وما ينفع الإعراب إن لم تكن تقى

وما ضرّ ذا تقوى لسان معجّم

وكان من أهل القرن التاسع (١).

__________________

ـ شيء ، ولم تحدد حتى سنة ميلاده. وقد تجول في بلدان المغرب العربي ، وصقلية على عهد الموحدين ، ثم انتقل إلى مصر عبر تونس ، وصقلية ، وحاول أن يلتحق بديوان الإنشاء. فلم يوفق بسبب شخصية القاضي الفاضل ولذلك غادر مصر إلى الشام ، وزار بغداد ثم التحق بدمشق ، عام ٥٧٠ ه‍ (١١٧٤ م) ، وعين إماما في مسجد داريا بضواحيها وبقي بها حتى توفي في شهر رجب ٥٧٥ ه‍ (١١٧٩ م) ودفن بها. وقد ألّف خلال حياته رسائل ، ومنامات ؛ ومقامات ، على شكل وأسلوب أبي العلاء المعري في رسالة الغفران. وكان سليط اللسان مقذعا ، لا يتورع عن استعمال الكلمات والجمل القبيحة ، والبذيئة ، وعن استعمال الأساليب الهزلية الهادفة. ومن أشهر مقاماته : المنام الكبير الذي سار فيه على غرار المعري ، والمقامة البغدادية ، والمقامة الصقلية ، ومقامة مساجد الشام ، ومقامة بغلته ، وترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان ، وابن فضل الله المعري في مسالك الأبصار ، والصفدي في الوافي بالوفيات ، وابن قاضي شعبة في الأعلام ، والسيوطي في الكنز المدفون ، ومحمد كرد علي في مجلة المقتبس (١٩٠٦ ـ ١٩٠٨ م) ، وخير الدين الزركلي في الأعلام. وفريد وجدي في دائرة معارف القرن العشرين ، وبروكلمان ، والجيلالي ، وعبد الله حمزة في دراسته عن الأدب المصري. وأخيرا الأستاذان : إبراهيم شعلان ومحمد نغش ، اللذان جمعا عددا كبيرا من مقاماته ورسائله ومناماته ، وإصدارها في كتاب تحت عنوان : منامات الوهراني ومقاماته ورسائله ، بالقاهرة عام ١٩٦٨ م ويحتوي على ٣٠٨ صفحة. ولكن هذه الدراسة لم تقدم أي شيء عن حياته قبل هجرته إلى مصر والشام ، وهي فترة طويلة وتعتبر ثغرة في حياته تتطلب البحث والدراسة.

(١) الموافق للقرن ١٣ م. وعبد الرحمن مقلاش هذا ، تلميذ للشيخ محمد بن عمر الهواري ، ـ

٩٦

ومنهم المشايخ الستة المتقدمون / الذكر وهم : سيدي محمد الهواري ، (ص ٣٢) وتلميذاه سيدي إبراهيم التازي ، وسيدي بختي البوعناني ، وسيدي محمد بن يبقى ، وهؤلاء الأربعة كانوا في عصر واحد من أهل القرن التاسع. وسيدي غانم الغمري وتلميذه سيدي أحمد بن أبي جمعة المغراوي ، وكانا ممن أهل التاسع أيضا لكنهما ماتا بالعاشر كما مرّ (١).

ومنهم الشيخ أبو عبد الله سيدي محمد بن أبي جمعة الوهراني المغراوي شارح لامية كعب بن زهير التي اسمها : بانت سعاد. وله يد في علم النجم والحساب وكل علم لا سيما اللغة. واسم الشرح المذكور : «تسهيل الصعب ، على لامية كعب». قال شيخنا الزياني وهو عندي في الملكية بخطّ مؤلفه رحمه‌الله تعالى وهو صنو السيد أحمد ابن أبي جمعة المار وكلاهما من ذرية سيدي محمد الهواري ابنا ابنه توفي سنة عشر من القرن العاشر (٢).

ومنهم بالقرن الثالث عشر :

الشريف السيد محمد بن حسن المعروف بالكاتب المستغانمي لكونه كان كاتبا لإنشاء الباي المجاهد السيد محمد بن عثمان ، فاتح مدينة وهران. وقد

__________________

ـ ولم يترجم له أحد ما عدا حكاية تصحيحه لأخطاء شيخه اللغوية ، في ذلك التأليف ، والتي لم يقبلها ، ورفضها ، أما سبويه فهو بشر بن عمر بن عثمان البصري ، ولد بمدينة البصرة في العراق واشتهر بتضلعه في علم النحو والصرف وقواعد اللغة ، وتصدر مدرسة البصرة كإمام لها ، بينما تصدر الكسائي مدرسة الكوفية. وقد توفي قرب شيراز عام ٧٧٠ ه‍ (١٣٦٨ ـ ١٣٦٩ م).

(١) لقد مر التعريف بكل هؤلاء في هوامش المقصد الثاني فليراجعوا هناك.

(٢) الموافق لعامي ١٥٠٤ ـ ١٥٠٥ م. وهو حفيد الشيخ محمد بن عمر الهواري ، ابن ابنه مباشرة ، ومرت ترجمة أخيه أحمد في المقصد الثاني. وفي نفس السنة التي توفي وهي ٩١٠ ه‍ أصدر فتوى لمسلمي الأندلس ، الراغبين في البقاء في بلادهم ، رخص لهم فيها بإخفاء إسلامهم وإظهار التدين بالمسيحية ، كوسيلة للمحافظة على أرزاقهم ، وأملاكهم. مع العمل على تربية أبنائهم تربية إسلامية في منازلهم وتنشئتهم على الدين الإسلامي بصورة خفية. وقد أورد هذا الخبر الأستاذ محمد عبد الله عنان في كتابه : نهاية الأندلس ، ونقلت عنه الأستاذة ليلى الصباغ في مقالها : ثورة مسلمي غرناطة والدولة العثمانية ، المنشور في مجلة الأصالة الجزائرية. عدد ٢٧ (١٩٧٥).

٩٧

وصفه الحافظ أبو راس في رحلته المسمّة (كذا) بفتح الإلاه (كذا) ومنته ، في التحدث بفضل ربي ونعمته ، في الباب الثالث منه بما نصّه : فانجرّ الكلام إلى أن قلت الأمر الفلاني كلا شيء بفتح الهمزة ، فقال لي لسان الدولة ، وفارس الجولة الذي عظّم مكانه ورفعه. وأفرد له متلو العزّ وجمعه ، وأوتره وشفّعه وقرّبه في بساط الملك تقريبا فتح له باب السعادة وشرّحه وأعطاه لواء القلم الأعلى (ص ٣٣) فوجب على من دونه من أولي صنعته أن يتبعه. / وحسبك من ذمام لا يحتاج إلى شيء معه ، العالم الفقيه ، الحبر النزيه ، الأمثل الأفضل السيد محمد بن حسن ، من بيت علم وصيانة ، ونزاهة وأمانة ، وبركة وخير وقرى ومير ، ومنصب كريم ، وحسب صميم. وكان رحمه‌الله ذا يد في النحو واللغة وسائر العلوم ولا سيما الأدب. فينسل إليه فيه من كل حدب ، حتى أنه كان لهجته وربيع حواسيه ومهجته. قل كلا شيء بكسر الهمزة ألا ترى أنك تقول جئت بلا زاد وحرف لا ، لا عمل له. فقلت له أن الكاف لا تعيق عن العمل كهمزة الاستفهام والباي رحمه‌الله ينظر إلينا ثم ذهبت وفي قلبي من كلامه شيء فعملت على ذلك تأليفا فلما قرأه استحسنه وأراه للباي لأنه رحمه‌الله ممن طاب خيمه ، وسلم من الحسد أديمه. وسميت هذا التأليف : «بغية المرتاد في كلا شيء وجئت بلا زاد». ولما علمت أنه لم ترتضه ذهبت وألّفت تأليفا آخرا وبعثته له فأعجبه وسميته : «عمدة الزاد في إعراب كلا شيء ، وجئت بلا زاد» ـ ثم انتقل رحمه‌الله من خطة الكتابة إلى خطة القضاء إلى أن مات بها.

وابنه القاضي الشريف السيد أحمد بن الخوجة المستغانمي (١).

__________________

(١) عائلة ابن الخوجة المستغانمية من الأسر العلمية المشهورة ، أنجبت عددا من العلماء والأدباء منهم : حسين خوجة ، وابنه محمد بن حسين خوجة ، والشريف بن خوجة ، وابنه أحمد بن الخوجة الذي درس عليه الأمير عبد القادر بوهران خلال إقامته بها مع والده محي الدين. وكان حسين خوجة مثل ابنه ، كاتبا في ديوان الإنشاء للباي محمد بن عثمان الكبير ، وألّف كتابا أسماه : درّ الأعيان في أخبار مدينة وهران. ترجمه إلى الفرنسية السيد ألفونس روسو : ALPHONSE Rousseau حسبما أشار إلى ذلك ليون في : Leon Fey في كتابه : وهران. ومارسيل بودان في مجلة جمعية الجغرافيا والآثار لمدينة وهران في ماي ١٩٢٤ م. ولحسن خوجة أيضا ، على ما قيل ، كتاب آخر سماه : بشائر أهل الإيمان في فتوحات آل عثمان. ما يزال مخطوطا بالمكتبة الوطنية بالجزائر تحت رقم ٢١٩٢.

٩٨

وأهل الراشدية وهم : الشريف السيد مصطفى بن عبد الله الدحاوي مؤلّف : «فتح وهران» (١). والشريف السيد الحاج محمد بن البشير الحريزي الزياني (٢). والشريف السيد أحمد بن يوسف الزياني عم شيخنا (٣) والشريف السيد عبد الله ابن محمد بن عبد / الله الجيلالي الفيقيقي (٤). (ص ٣٤)

والشرفاء الثلاثة المشارف وهم : السيد الطاهر (٥) بن الشيخ المشرفي صاحب التأليف العديدة. وابن أخيه السيد محمد بن عبد الله سقاط بن مصطفى بن الشيخ المشرفي. وابن عمهما السيد الحاج عبد القادر بن مصطفى المشرفي الذي توفي بمصر سنة تسع وستين ومائتين وألف (٦).

__________________

(١) محمد المصطفى بن عبد الله بن زرفة بن دحو الدحاوي من شرفاء وعلماء غريس ، مر التعريف به في هامش ٢٣ من هوامش المقصد الأول فليراجع هناك.

(٢) لم نتمكن من معرفة شيء عنه ويبدو أنه لم يترجم له أحد.

(٣) يقصد به محمد بن يوسف الزياني مؤلف كتاب دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران. وقد مرت ترجمته في المقصد الأول. أما عمّه أحمد بن يوسف فكان فقيها ومحدثا ، ودرس عليه أبو راس الناصر.

(٤) ذكر الشيخ المهدي البو عبدلي في تعليق له بدليل الحيران صفحة ٤٠ هامش بأن الشيخ محمد الطاهر المحفوظي من شرفاء غريس. عالم مشهور وجماعة كتب ، جمع خزانة كبيرة وهامة معظمها نقله بخط يده ، وتولى وظيفة القضاء بوهران ، وتلمسان ، خلال الاحتلال الفرنسي ، وتعرف أسرته باسم أسرة خطيب ، انتقل بعض أفرادها إلى المغرب الأقصى ، والبعض إلى مدينة الشلف ، وبقي أكثرهم بالراشدية ، قلعة بني راشد ، وقد لاحظنا نحن وجود شخصين من هذه العائلة في مجلس الشورى العالي الأميري للأمير عبد القادر وهما : الطاهر المحفوظي ، ومحمد المحفوظي.

(٥) لم نجد عنه معلومات تذكر. وقد لقبه الزياني في دليل الحيران بالعفيفي في النسخة المحققة بينما لقبه صاحب طلوع سعد السعود بالفقيقي ولسنا ندري من الأصح.

(٦) تنتسب عائلة المشارف إلى مشرف (بكسر الراء وفتحها) بن عبد الرحمن بن مسعود الذي قدم من بو صمغون ، وتولى القضاء بغريس لبعض أمراء بني زيان. ويتصل نسبهم بالشرفاء العرصيين أهل فيقيق بقصر واد غير. وجدها الأعلى مشرف ابن غريب الذي ينتهي نسبه إلى إدريس الأكبر. والسيدة فاطمة الزهراء. كما في شرح عقد الجمان النفيس. ولعبت هذه العائلة دورا هاما ورائدا في حياة المنطقة ، علما وثقافة ، وجهادا ، مما جعل صاحب القول الأعم يقول : «ولم تتعد الرئاسة فيما علمناه دار الشيخ المشرفي ـ

٩٩

__________________

ـ وأولاده ، فإنهم الذين كانوا معتبرين عند الملوك الأتراك. وكانت لهم ولاية في خطة الشريعة (خطة القضاء) أيام الأتراك ، وأيام ابن عمنا الأمير (عبد القادر) ص ٣٣٤ ـ ٣٣٥.

ومن أشهر علماء هذه العائلة :

أ ـ الشيخ عبد القادر بن عبد الله المشرفي الذي كان يدعى : شيخ الجماعة وإمام الراشدية. ولد ونشأ في قرية الكرط قرب مدينة معسكر ، وتثقف في المنطقة على علماء عصره ، ثم عين مدرسا بمعهد الشيخ مصطفى بن المختار ، وابنه محي الدين بالقيطنة مدة من الزمن ، وأخيرا أسس لنفسه زاوية دينية ومعهدا علميا بالكرط ، أصبح في مستوى زاوية ومعهد القيطنة وشارك بنفسه في مقاومة النصارى الإسبان بوهران ، والتحرير الأول لها عام ١١١٩ ه‍ (١٧٠٨ م). وألف رسالة في التنديد والتشهير بالقبائل التي كانت تتعاون مع الإسبان المحتلين لوهران سماها : «بهجة الناظر في أخبار الداخلين تحت ولاية الاسبانيين من الأعراب كبني عامر» وعدد فيها القبائل المعنية وهي : كريشتل ، وشافع ، وحميان ، وغمرة ، وقيزة ، وأولاد عبد الله ، وأولاد علي ، والونازرة. وأنهى رسالته هذه عام ١١٧٨ ه‍ (١٧٦٤ ـ ١٧٦٥ م). وتوفي بمسقط رأسه يوم الخميس ١٩ رمضان ١١٩٢ ه‍ (٢ أكتوبر ١٧٧٨ م). ولخص مارسيل بودان هذه الرسالة في المجلة الإفريقية عام ١٩٢٤ م ، وعرف بهذا التلخيص الضابط بيليكا : PELLECAT في مجلة جمعية الجغرافية والآثار لمدينة وهران في نفس العام ، حققها ونشرها الأستاذ محمد بن عبد الكريم في دار الحياة ببيروت عام ١٩٧٢.

ب ـ ابنه القاضي الطاهر المشرفي ، الذي تولى القضاء للأتراك وله عدة تآليف ، ولا نعرف عنه حاليا أكثر من هذا.

ج ـ ابنه أحمد بن الطاهر المشرفي الذي كان عضوا في مجلس الشورى العالي الأميري للأمير عبد القادر.

د ـ حفيد الشيخ عبد القادر ، وهو محمد بن عبد الله مصطفى سقاط المشرفي. الذي كان إماما في الفقه والحديث ، وتولى القضاء للأتراك ، وكان ضمن الموقعين على وثيقة المبايعة للأمير عبد القادر ، أميرا للجهاد ، فعينه قاضيا ، وعضوا في مجلس الشورى العالي الأميري. وأرسله في مهمة ديبلوماسية ، وشرعية فقهية قضائية إلى سلطان فاس عبد الرحمن بن هشام وحمله سؤلا إلى مفتي فاس وشيخ الإسلام بها أبي الحسن علي بن عبد السلام مديدش التسولي ، حول موقف الشرع الإسلامي من المتعاونين مع الكفار والرافضين لدفع الزكاة والأعشار لتموين حركة ـ

١٠٠