طلوع سعد السّعود - ج ١

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ١

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

خليفة خير الدين باشا وقبّل يده وكشف عن رأسه وبقي داهشا من الهيبة فسأله حسن آغة عن أخبار بلاد النصارى فقال له الرايس أن سفينة تركتها تريد القدوم إلى بجاية لكونها كانت عامرة / بالسبنيول فعند ذلك أمر حسن آغة أن تجهز له (ص ١٥٩) أغربة فتجهزوا في أسرع وقت وساروا إلى طلبها بنواحي بجاية وكمنوا بموضع يقال له العش والمنقار وكان من جملة رؤساء الجزائر كجك علي المتقدم الذكر فطلعت لهم تلك السفينة ذاهبة لبجاية فقربوا منها وشرعوا في قتالها وكانت مستعدة للقتال في غاية الاستعداد فلم تزل مع أجفان المسلمين في أخذ ورد إلى أن وقعت فيها النار فالتهبت في أطراف السفينة وعجز الكفار عن إطفائها فألقوا أنفسهم في الماء فالتقطهم المسلمون من البحر وأطفوا النار ورجع الرؤساء للجزائر وهم فارحون (كذا) بالسفينة ودخل الجزائر في شهرة كبيرة وفرح به حسن آغة غاية الفرح وأمر بإنزال ما فيها من الغنيمة فأنزلوا الكفار وأحضروا بين يديه ومعهم رئيسهم وكانوا في حال طلوعهم إلى دار الإمارة تصفق لهم النساء والصبيان وأهل البلد ليتفرجوا فلما وصلوا بهم إلى حسن آغة أمر بهم إلى السجن المعد لذلك فلما سمع بهم صاحب إسبانيا تأسّف عليهم وكان أهل طاعته قد ضجوا إليه بالشكاية مما يفعله بهم أهل الجزائر خصوصا أهل السواحل منهم بأن قالوا للطاغية إما أن تكفينا أمر الجزائر وإلا نعطوا (كذا) الطاعة لصاحبها فشرع في الحركة للجزائر وأطلق النداء في سائر أقطاره بذلك فانحاشت إليه جيوشه أفواجا أفواجا وزخرت إليه جيوشه وعساكره أمواجا أمواجا ، فوصل خبر عمارته إلى حسن آغة خليفة خير الدين فصدّق بذلك ولم يكذّب ثم أخذ في حركة عرس ولده وعمل مفرجات عظيمات يقال إنه خرج من يده مال عظيم بسبب هذا العرس في كل ناحية يقال إن من جملة ما جعل فيه من المفرجات نصب صاريا في باب الوادي وطلاه بالشحم بحيث صار لا يقدر أحد يصعد إليه وجعل في جاموره شقة نفيسة من الملف ومعها صارة من الذهب وأباحما لمن صعد إليهما فجاء فتى من الأتراك صغير السن وبدأ في الطلوع معه ولم يزل يتلاصق الصاري شيئا فشيئا حتى وصل إليهما ونزل بهما فتعجب الناس مما شهدوا منه فلما تم هذا العرس وصار مثلا سائرا ونزاهة من نزاهة الدنيا أدار وجهه إلى تحصين المدينة / والاستعداد لمقابلة العدوّ فبنا (كذا) أسوار المدينة وأصلح ما (ص ١٦٠)

٢٢١

انهدم منها ونصب عليها المدافع وعلى سائر الأبراج وعين أربعمائة أسير من الكفار لهذا البناء ثم أنه بعث إلى شيخ المدينة وأمره أن يرفع إليه حساب الرجال في كل حكومة من الجزائر ففعل ذلك شيخ المدينة ومع ذلك فأخبار العمارة تتوارد عليه في كل وقت وكذا على أهل الجزائر فأمر حسن آغا بقطع أشجار البساتين كلها خوفا من النصارى أن يستتروا بها حال القتال وأول ما بدأ بقطع بستانه فلم يترك فيه شجرة واحدة فبينما هو في بعض الأيام جالس في دار الإمارة إذ دخل عليه حارس البحر الذي يقال له صاحب الناظور وأخبره بأن عمارة النصارى قد أتت وهي عمارة كبيرة أخذت وجه الماء كله وسترته وشرعت في عددها فلم أقدر وتشوّش نظري من ذلك لكثرتها فعند هذا عيّن حسن آغا حملة من الخيل فصعدوا إلى جبل أبي زريعة ليأتوه بتحقيق العمارة فرجعوا إليه وكل واحد يقول لم أقدر على إحصاء ما رأيت لأن العدد كثير لا يصل إليه الإدراك فعند ذلك أمر حسن آغا سيدي سعيد الشريف وكان هو شيخ المدينة ، أن يوجّه رجالا من أهل البلد إلى الأبراج والأسوار برسم حراستها في مقاتلة العدو منها فنهض شيخ المدينة المذكور وعيّن الرجال للأبراج والأسوار ونصبوا رايات الإسلام عليها ووزّع حسن آغا رجاله على أبواب المدينة بطوائف من العسكر فعيّن لباب عزون رجلا من أعيان العسكر يقال له الحاج مامي وكان مشهورا بالشجاعة فقام بما عين له ، وأما حسن آغا فإنه أقام بحصن من حصون الجزائر تصل مدافعه إلى العدو برا وبحرا ومعه جماعة من العسكر وطبوله تصعد أصواتها إلى الجو وألويته المنصورة تخفّق على رأسه وجعل على باب الوادي أي حصنها مدفعا عظيما يدهش الإنسان عند صيحته وتزهق النفس من دفعته ، وجعل من هذا الحصن إلى القصبة قائدا اسمه حسنا ومعه طائفة من العسكر وعيّن لحراسة باب الوادي رجلا يقال له القائد يوسف ومعه جماعة من العسكر وعيّن معه ثلاثة من (ص ١٦١) القياد أحدهم يقال له سافر وجعله في برج من الأبراج / وثانيهم يقال له أصلان عيّنه لقاع السور وثالثهم يقال له رضمان فإنه أقامه قريبا منه في بعض النواحي ثم أقام كجك علي وحيدر ومعهما قبطان السفن أخضر وجملة من رؤساء البحر بباب الجزيرة وجعل أهل الجزائر من العسكر والأندلس والبلدية دائرين بأسوار المدينة متسلحين بالمكاحل والسيوف والرماح والنشاب كما جعل العرب ركابا ومشاتا

٢٢٢

بخارج البلد في غاية من الحزم والضبط فبينما الناس في غاية الاستعداد للقتال سائلين من المولى جل جلاله أن يعينهم على النزال ، إذ بعمارة النصارى ظهرت لهم في يوم الأربعاء آخر جمادى الثانية بأن بقت له ثلاثة أيام سنة ثمان وأربعين وتسعمائة (١) ، ورست وقت العصر من يوم الخميس في جون تمانتفوس (٢) ، الموالي للجزائر ولما رسّوا سقط لهم بعض الرايات في البحر فتفاول (كذا) المسلمون لما رأوا ذلك وعلموا أنهم منصورون (كذا) عليهم بإذن الله تعالى ، وكان نزولهم للبر في يوم الأحد قبل الزوال بشيء قليل ولما نزل سلطان إسبانيا دارت به عساكره. فيقال إن عدتهم تسعين ألفا وكان المسلمون أرادوا أن يمنعوهم من النزول إلى البر فرمت عليهم السفن بالمدافع من البحر فأوسعوا لهم في المجال حتى تمكنوا من النزول وبات العدو ليلة الاثنين قرب البلد بموضع يقال له الحامة وكان زعيم من زعماء الترك يقال له الحاج باشا عزم أن يضرب العدوّ ليلا ففتحت له أبواب المدينة وأخذ الراية في يده وخرج في جماعة وافرة من المسلمين وكان خروجه لما بقي الربع الآخر من الليل (كذا) فلم يشعر العدو لشدّة الشتاء لكونهم وصلوا في شهر اكتوبر في أيام قاسم كون إلّا والمسلمون قد خالطوهم ورموا عليهم بالمكاحل دفعة واحدة ورشقوهم بالسهام بالسهام فحصلت بهم ضجة عظيمة فانتبه مالكهم مرعوبا من نومه وصاح برجاله وخواص وزرائه وقال هؤلاء الذين أخبرتموني عنهم أنهم لا يقومون بحربنا انظروا ما عملوا فينا هذه الليلة. ثم أن المسلمين رجعوا سالمين إلى البلد بعد ما قتلوا منهم خلقا كثيرا فلما كان يوم الإثنين تحركت النصارى إلى المدينة ومعهم الطاغية حتى قرّبوا الأسوار وهم يزعقون في انفرتهم وألويتهم منصوبة عليهم فخيل لأهل الجزائر / أنهم نمل أسود قد ملأ الفضاء وكان فيهم من الفرسان أربعة آلاف (ص ١٦٢) فارس فشرع في قتالهم من الأسوار ، بالمدافع وبنادق الرصاص والسهام وتقدم في ذلك اليوم إلى القتال رجال من الأتراك فظهرت شجاعتهم العظيمة منهم الحاج باشا والحاج مامي والحاج بكير وأخضر وغيرهم فقاتلوا قتالا شديدا إلى الليل

__________________

(١) الموافق ١٨ أكتوبر ١٥٤١ م.

(٢) يقصد خليج تمانتفوس ، وهو برج الكيفان حاليا.

٢٢٣

(كذا) ثم رجع النصارى إلى رأس تفورة ونزلوا بأمحالهم وأخذت تلك الوعور كلها وشرعوا في قتال المدينة وصبت عليهم مدافع المسلمين من كل جهة وخاب رجاؤهم من المدينة فصعدوا بألوية منشورة إلى الكدية المعروفة بكدية الصابون وصاروا يقاتلون المدينة منها فصار أهل الجزائر يرمون عليهم بالمدافع من كل ناحية بأصوات الصواعق وربما وصلوا الرمي على أجفانهم التي في البحر ولما كان يوم الثلاثاء أرسل الله تبارك وتعالى في آخر الليل (كذا) ريحا عاصفا فقطعت حبال أجفانهم ونشروا صواريهم خوفا من الهلاك وتزايد هذا الريح فتشوّش جنرالهم أندرية (١) من ذلك وكذلك من معه في الأجفان وساقت هذه الريح التي أرسلها الله عليهم جملة من أجفانهم إلى البرّ فعطبت على المطاحن وخرج منهم أسارى المسلمين ومالت عرب الجزائر على أهل تلك الأجفان واستاصلوهم قتلا إلى آخرهم وحين رأى الطاغية ما حصل بأجفانه من الغرق والعطب انكسرت شوكته وضعفت قوته وأخمدت ناره ، وبرد شراره وظهرت عليه مخايل الذل فخرج أهل المدينة صبيحة يوم الثلاثاء لقتالهم باجتهاد وقوة وعزم شديد وعلموا أن الله تعالى نصرهم على الأعداء فخالطوهم وقاتلوهم في تلك الأوعار فأتى وجوه العساكر إلى الطاغية وقالوا له أيها الملك قم بنفسك إلى الحرب فإن المحلة أشرفت على الأخذ فعند ذلك خرج الطاغية والتفّت عليه عساكره وأخذوا في القتال فتقهقر المسلمون عنهم نازلين رأس تفورة وجدّ الكفار في قتالهم وتكالبوا عليهم فتقهقروا أيضا إلى ملعب الكورة (كذا) ثم إلى قنطرة الأفران فلما رأى النصارى ذلك منهم تراكمت جيوشهم عليهم كالبحر الزاخر وصاحوا عليهم من كل ناحية وطالبوهم من كل دانية فتقهقر المسلمون إلى ناحية سيدي أبي التقي ثم صرخ المسلمون في وجوه الكفار صرخة واحدة وحملوا عليهم وضربوهم (ص ١٦٣) حتى بالحجارة والنشاب وكان ذلك اليوم يسيل فيه المطر كأفواه القرب ، / فتراجع المسلمون لحماية بعضهم بعضا وحملوا على الكفار من كل ناحية فردوهم على أعقابهم إلى المحلة ورجع المسلمون للمدينة ولما كان صباح يوم الأربعاء ظهر للكفار أنهم لا مطمع لهم بالجزائر وأن الغنيمة أن ينجوا بأنفسهم فقربت أجفانه

__________________

(١) يقصد به أندري دوريا الجنوي ، كبير قراصنة أروبا في هذه الفترة.

٢٢٤

إلى البر ونزل الجنرال أندريه منها حزين فوصل إلى الطاغية في محلته وأعطاه حق المبايعة وقال له أيها الملك ألم أحذّرك عن السفر إلى الجزائر فانظر عاقبة الأمر الذي حذرتك عنه الآن قم اطلب النجاة لنفسك فإن جلّ أجفاننا عطب على السواحل فكيف يكون رجوع هذا المعسكر إلى بلادنا فها أنا أيها الملك أذهب إلى تمانتفوس وانتظرك فيها فبادر أنت ومن معك من العسكر بالرحيل لتركب في الأجفان الباقية وتخلص إلى بلادك فعند ذلك رحل الطاغية عن الجزائر ونزل على واد الحراش وكان قد أجهدهم الجوع فأكلوا أربعمائة من الخيل وباتوا تلك الليلة والمطر يتراكم عليهم والأعراب والقبائل يضربوهم بالمكاحل والأحجار وغيرها ويلتقطون في السّعي. ولما كان يوم الخميس نظر الطاغية إلى الوادي فرآه فهالته رؤيته فاستشار رجاله كيف يتحيلون على القطع إلى الناحية فعقدوا صواري سفنهم المنعطبة على الساحل وقطعوا عليهم فلما قطعوا إلى الناحية الأخرى هجمت عليهم فرسان العرب أيضا وصاحوا عليهم وحملوا نحوهم بعنان واحد وقتلوا منهم خلقا كثيرا ولم يزل الطاغية ذاهبا وفراسان العرب تطاعنوهم (كذا) إلى أن وصلوا إلى تمانتفوس وأقام بها أياما والحرب لا ينقطع عليه من المسلمين إلى أن خمد هيجان البحر فركب فيما بقي من الأجفان وسافر إلى بلاده وهو لا يصدق النجاة بنفسه وخلّف كثيرا من الأغربة والأجفان الرقاق وكثيرا من الأجفان العظام والعشريات والفرقطات ومدافع عظام وخلّف كثيرا من الرجال والنساء والصبيان التي أتى بها لأنه لم يذهب واحد منهم وعددهم ألفان وثلاثمائة وأما خيله لم يذهب منها واحد سوى الذي مات منها في الحرب أو أكلوه وحاصل ما خلفه لأهل الجزائر مال لا يحصى.

وفي الثالثة غزوها سنة سبع وستين من العاشر (١) ولم تحصل لهم فائدة ورجعوا خائبين.

__________________

(١) الموافق ١٥٥٩ ـ ١٥٦٠ م وهذا في إطار الحملة على جربة بتونس.

٢٢٥

حملة الإسبان على تونس

(ص ١٦٤) / ثم غزوا تونس سنة سبع وستين من العاشر (١) فأخذوها عنوة من يد سلطانها أبي العباس أحمد بن حسن الحفصي ونبشوا ضريح سيدي محرز بن خلف البكري الصديقي فألفوه مملوءا رملا وبقيت بأيديهم إلى أن استخلصها منهم سليمان باشا التركي سنة إحدى وثمانين من العاشر (٢). واستولوا بطاعة المغرب الأقصا (كذا) على حجر باديس بالريف سنة أربع وستين من العاشر (٣) وهي بأيديهم للآن أعطاها لهم سلطان المغرب عبد الله الغالب السعدي لما تملّك المغرب تلك السنة ورأى مراكب الأتراك تتكرر بمرساها تخوّف منهم على ملكه واتفق مع الطاغية على قطع المدد ولما حلّوا بها نبشوا قبور أمواتها وأحرقوا عظامها بالنار وأهانوا من بها من المسلمين شديدا. وفي ولايته سنة سبعين من العاشر (٤) غزى الباشا حسين بن خير الدين وهران فهو أول من غزاها من الأتراك وألحّ عليها حتى هدم حصن النصارى الأعلا (كذا) من برج المرسى وهربوا للأسفل فدخله المسلمون ليلة السبت خامس عشر رمضان تلك السنة ثم أقلع عنها. ونظم أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن موسى التلمساني في ذلك قصائد انظرها في البستان. وأهدى الشيخ أبو مهدي عيسى بن موسى العارف بزجر الطير التجيني للباشا حسين حينئذ ثوبا جيدا. وإلى هذا أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :

وقيّض الله الأتراك بمزغنة

لحرب وهران دار الشرك والألس

غزاها الباشا بن خير الدين أولهم

وبرج مرساها قد رماه بالنّقس

وحسين هذا كما في الحافظ أبي راس في الخبر المعرب هو الذي غزى المغرب وبعث له ولي الله الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله اليعقوبي من أولاد يعقوب بن طلحة النقادي الذي تنسب له الزاوية التي بإزاء ندرومة ابنه

__________________

(١) الموافق ١٥٥٩ ـ ١٥٦٠ م وهو خطأ لأن تونس غزاها الإسبان واحتلوها عام ١٥٣٥ إلى عام ١٥٧٤ م وهو ما يوافق ٩٤١ ه‍.

(٢) الموافق ١٥٧٤ م.

(٣) الموافق ١٥٥٦ ـ ١٥٥٧ م.

(٤) الموافق ١٥٦٣ م.

٢٢٦

عبد الله ليرجع عن الغزو وهو بملوية فأبى وتمادى على غزوه فرجع خائبا ، وهذا اليعقوبي هو الذي كلم الشيخ أبا مدين في قبره على عز التّرك فقال له أبو مدين ما كان باش نبدلهم إذا أرادت أن تكون في موضعهم فذلك فقال لا. قال أبو العبّاس أحمد نزيل العبّاد ولما سمعت الكلام من الطاق (١) الفوقي الذي عن يمين الداخل دنوت فجذبني / من خلفي شيء فالتفت فلم أر شيئا ثم أردت الدنوّ (ص ١٦٥) ثانيا وثالثا فمنعت من ذلك. انظر البستان. ثم فيليب الثاني تولّى سنة ثلاثا وسبعين وتسعمائة (٢) وبقي في الملك اثنين وأربعين سنة ووهران تحت حكمه. ثم فيليب الثالث تولى سنة خمسة عشر وألف وبقي في الملك ثلاثا وثلاثين سنة ودخلت مدينة العرايش بالمغرب الأقصا في حكمه سنة تسعة عشر وألف (٣) بإعطاء سلطان المغرب محمد الشيخ السعدي إيّاهم فبقيت تحت حكمهم إلى أن نزعها منهم مولاي إسماعيل بن علي العلاوي سلطان المغرب سنة واحد ومائة وألف (٤) بعد محاصرته لها ثلاثة أشهر بالحرب المتصل ولم يفتحها حتى جعل لها لغما هدّ به سورها واقتحمها حينئذ وقتل منهم ألفين وأسّر نحو الإثنا عشر مائة وذلك مبلغ عمارتها فلم يفلت منهم أحد وألفى بها خزائن البارود ونحو المائة وثمانين نفضا منها اثنان وعشرون نحاسا واحد يسمى الغصّاب في طوله خمسة وثلاثون قدما وزنة كورته خمسة وثلاثون رطلا يحلّق عليه بقرب خزنته أربعة رجال وقد بقيت بأيديهم اثنين وثمانين سنة. ثم فيليب الرابع تولى سنة ثمان وثلاثين وألف (٥) وبقي في الملك أربعا وأربعين سنة. وفي ولايته غزى إبراهيم باشا الجزائر وهران في وسط القرن الحادي عشر ونصب عليها المدافع والبونبة (كذا) من المائدة وهي سطح جبل هيدور المطل على وهران فهو أول من فعل ذلك من الأتراك فامتنعت عليه ورجع مؤيسا (كذا) منها إلى مملكته بالجزائر وإلى ذلك أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :

__________________

(١) يقصد النافذة.

(٢) الموافق ١٥٦٥ ـ ١٥٦٦ م.

(٣) الموافق ١٦١٠ ـ ١٦١١ م.

(٤) الموافق ١٦٨٩ ـ ١٦٩٠ م.

(٥) الموافق ١٦٢٨ ـ ١٦٢٩ م.

٢٢٧

أتاها باشا إبراهيم وسط حادي

من القرون من بعد الألف للوطس

قام بالمايدة حينا يزاولها

ثم قفا درجه من فتحهاءايس

ويوجد في بعض النسخ بدل هذا البيت :

قام بهيدور أياما يزاولها

ثم قفا درجة من عسرة الرطس

(ص ١٦٦) / ومن حينئذ وقع للإسبانيين الاعتناء بقلعة مرجاجو ودبّروا الحيلة في إقامته فصعب عليهم الماء فأتاهم شيخ حميان بقرب الماء لإقامته من عند قبيله. ولما أقلع إبراهيم باشا عن وهران مأيسا منها امتدت يد النصارى أيضا إلى الإسلام وصاروا معهم ما بين نفرة واستقامة ورأى الطاغية شوكة نفسه بأتباعه قويت كتب للممدود وهو عدة ولد الصحراوي رايس (كذا) الحشم بقوله إن كانت أمك عربية حرة حقيقة وتزعم أنك لا تخشى سطوتي ، ولا تلتفت لشوكتي فانزل بعربك سيرات أو ملاته ذات الوطي ترى ما يفعله بك ابن النصرانية وكان الدّال عليه بذلك ونزار العبدلاوي جد الونازرة لكونه كان جنرالا على العرب عند الإسبانيين فأنف الممدود من ذلك وارتحل بجميع الجشم الشراقة والغرابة وأهل الوادي ومن انخرط في سلكهم ونزل بوطاء سيرات من سيق إلى الغمري وتفرّغ بسيرات الشرقية والغربية وجعل عيونا وحراسا بينه وبين وهران من زبوج مولاي إسماعيل إلى المقطع واستعدّ للحرب استعدادا قويا ووافقه على ذلك هبرة والبرجية وبنو شقران ولمّا سمع الطاغية بنزوله بسيرات جمع جيشه من النصارى والعرب المتنصرة وهم كرشتل وحميان وغمرة وبنو زيان والونازرة وقيزة وشافع وأولاد عبد الله وأولاد سليمان وأولاد علي والحجز وغيرهم من بني عامر وخرج من وهران ليلا ومشى على طريق مسرقين إلى أولاد عبد الله ثم مشوا به إلى تاسّالة ثم إلى ماخوخ ومشوا به لمكرة ورجعوا به لأولاد سليمان إلى أن وصل لخشاب النصارى فكمنوا به وسمى من ذلك الوقت بخشاب النصارى ومنه طار الخبر للممدود ثم هبطوا بالطاغية مع الوادي المبطوح ولما وصل لسيق تركه الممدود إلى أن اشتغل بأخذ الأموال وقد ذهبت الناس بأنفسها (كذا) قصدا لاشتغاله بذلك وقد سدّ عليه طرق المجاز من كل جهة فقصده بجيوشه وصار يقتل ويسبي واستخلص منه جميع ما أخذه وأثخن فيه بالقتل الذريع اثخانا عظيما فلم ينج منه إلا القليل وحصلت الهزيمة فيهم وركب الممدود بجيشه أكتافهم إلى وهران

٢٢٨

فدخلها الطاغية في فله في أرذل حالة وكتب له الممدود وهو بضواحي وهران وأرباضها كتابا يقول له فيه أخبرني أيها الطاغية لمن علو الكلمة الآن هل للعرب / أو للنصارى كلا لئن لم تنته عن فعلك الذميم ومحاربتك للمسلمين والغارات (ص ١٦٧) عليهم لأرجمنك شديدا.

ثم كارلوص الثاني وهو شارل الثاني تولى سنة اثنين وثمانين وألف (١) وبقي في الملك خمسا وثلاثين سنة فبقيت وهران تحت حكمه وفي أيامه تولى الغطريف الهمام ، والأسد الهصور الضرغام ، معزّ الدين وأهل الإيمان الزناقي السيد الباي شعبان ، أحد الأتراك الأنجاد ، وأعيانهم الأمجاد ، أيالة مازونة وغيرها من شرقي المغرب الوسط ، في حدود التسعين وألف (٢) بلا شطط.

معركة كدية الأخيار واستشهاد الداي شعبان

فغزى رحمه‌الله وهران وطالت به معهم الحروب واتصلت عليهم بدولته أعظم الكروب ، ومنعهم من الخروج ، وضيّق عليهم إلى أن صاروا في أحوج المحوج ، ولازموا بيوتهم والحصون ، وصاروا لا يفارقون الجواسيس والعيون ، إلى اليوم الذي استشهد فيه حصل لهم فرج وتنوية وتنزيه. ومن خبره أنه زحف لهم في نحو أربعة آلاف فيهم نحو الثلاثة آلاف فارس وزحف النصارى مع مردة العرب وشياطينهم من بني عامر وقيزة وغمرة وكريشتل وغيرهم في أزيد من ثلاثة آلاف فيهم ألف خيل والباقي راجلة. وفي غريب الأخبار للحافظ أبي راس أن النصارى زحفوا إليه في زهاء أربعة آلاف أكثرهم راحلة وهو في أكثر من ألف كلهم خيل. قال الحافظ في عجائب الأسفار فكان المصاف في كدية الخيار وصبر الفريقان ثم انقضت جموع النصارى واختل مصافهم وقد ربط بعضهم نفسه بالأحبال وربط الآخر نفسه بالأكبال فكانوا غنيمة للمسلمين. وفيئا للموحدين ، فقتل في تلك الهزيمة أكثر من إحدى عشر مائة ودامت عليهم الهزيمة إلى أن حلّ المسلمون بقبّة برج العين فاقتتلوا به قتالا شديدا وهزمهم

__________________

(١) الموافق ١٦٧١ ـ ١٦٧٢ م.

(٢) الموافق ١٦٧٩ م.

٢٢٩

المسلمون ثانيا وهو أمام جيشه المنصور كالأسد الهصور إلى باب وهران فجيء عنده الوطيس وتسابقت للتقدم الفرسان. وفي تلك المعركة قتل الباي شعبان ، رحمه برحمته الرحمان ، وأمدّه رضوانه ، وأسكنه بالفردوس ميطانه. وذلك سنة ثماني وتسعين وألف (١) من هجرة من له كل العز والشرف والوصف ، فلقد كان من أسد الإسلام ، الناصر لأهله على اللئام (كذا) حتى جرى للغاية المحمودة (ص ١٦٨) فأدركها وأزعج السواكن للأجر / وحركها وكل من عمل في هذا السبيل مطيته رسميا ورملا فله الأجر لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ، ولا يخيّب لراجيه أملا. ولما قتل بقيت جثته بأيديهم على وجه التّراب فجزّوا رأسه وعلّقوه بالباب. وقد أخذ المسلمون الجثّة وتركوا الرأس لما لم يقدروا على الرجوع إليه ، فرأى بعض النصارى باليل (كذا) النور يسطع عليه فأخبر بطريقهم وحينئذ بعثوه للمسلمين فجعلوه مع جسده في الحين ، ودفنوه خارج وهران ، وقبره للآن يعرف بقبر سيدي شعبان. وكان على ضريحه قبّة عالية ، ولما سكن بجواره بعض النصارى الآن وملك تلك الأرض هدمها لما صارت بالية. وقال الحافظ أبو زيد عبد الرحمن الجامعي علي الحلفاوي في قوله الناير ، أنه حمل ودفن بالجزائر والله أعلم بالمراد ، وإليه الرجعا (كذا) والمعاد. ويقال أن الذي قتله هو أحد المغطسين أبو نصابية من النصاصيب الذين منهم كل ظالم وفاجر أحد بطون أولاد عبد الله من بطون بني عامر. وقيل غير ذلك والله أعلم بحقيقة ذلك. وقال الجامعي أيضا وحدثني بعض من حضر أنه تكسّر في يده يوم الاستشهاد سيفان وأنه لبس أفخر ثيابه وتحلى بأشرف حليته وركب أجود مراكبه ملأ جيوبه دنانير الذهب افتخارا على العدوّ أن بقي بأيديهم فوجدوه على تلك الحالة ه. وموته سبب لغزو إسماعيل سلطان المغرب لوهران إلى هذا أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :

ءاخره شعبان الزناقي حاصرها

فامتنعت وشمشت أيما شمس

أوطى الفليق الجرار لأراضيهم

به هامت دمعهم من زكا وخس

دارت حروب عظام بينهم قد أتى

ءاخر أمرها باستشهاده النفس

__________________

(١) الموافق ١٦٨٦ م.

٢٣٠

ولما مات الباي شعبان فرح النصارى واشتدت شوكتهم على الإسلام. ورجعوا يغزونهم في البيوت والخيام ، فغزوا وليّ الله الأكبر ، وقطبه الأشهر سيدي بلاحة المهاجيء وأسروه هو وبناته الثلاثة ، وخمسين رجلا من زاويته ورجعوا لوهران وبقي بها مع بناته سنة كاملة / ثم فدى وفدى إحدى بناته أبو عزة بن حميدة (ص ١٦٩) شيخ أولاد سليمان وفدى الأخرى الشحط والد دموش شيخ أولاد علي فزوجها له أبوها لما رامت تزويجه ولم ينتج منها شيء لدعائه عليها وبقيت الثالثة بلا فداء فكثر بكاء أمها وأقلقته فخرج يوما لساحة بيته وتوضّى (كذا) ودعا الله وإذا بها مقبلة فقال لها اخرجي لابنتك فسئلت فقالت إني أمشط رأسي وإذا بطائر أبيض نقرني وصدّ أمامي فتبعته إلى وطني قاله الحافظ أبو راس في الخبر المعرب.

ويقال أن سيدي بلاحة قال لمعلم ولده الزين قبل الواقعة بيوم إذا كان في صبيحة غد خذ الزين وأمه وأصعد بهما رأس الجبل واجلس هناك للغروب ودعني وبناتي الثلاثة ليقضي الله أمرا كان مفعولا ففعل المعلم ما أمره به الشيخ فنجّاهم الله من العدو وعدّ ذلك من كراماته كإتيانه ببينة من الأسر. وولده سيدي الزين هو الذي تنسّل منه جميع أولاد سيدي بلاحة حيث كانوا.

حملة السلطان إسماعيل على وهران

ولما سمع الشريف سلطان المغرب مولاي إسماعيل بن علي العلاوي بقتل العرب المتنصرة للباي شعبان استغاظ غيظا شديدا وجمع جيشا عظيما لا يكاد يسمع بمثله من أقاصي سوس إلى بني يزناسن وجاء حاركا به على وهران سنة اثنا عشر من الثاني عشر (١) وقيل في أربعة منه وقيل في أوله فنزل بجبل هيدور ونظر إليها وحطّ كلكله عليها. ووجد حولها القبيل المديم لقتالها ، نجع مخيس أخوة سويد فاستعان بهم أيضا على نزالها ، فقاتلها مدة وأطال ذلك وبان شرره ولم يجد لها محلا يلحقها منه ضرره. لمنعها ببرج مرجاجو ، والنصارى بها هاجوا وماجوا ، فعندها صعد على المائدة ونظرها نظر ليث العريسة ، إذا دفع على الفريسة وعاين أحكامها ومنعها. وإتقانها وصنعها ، فقال هذه أفعى تحت

__________________

(١) الموافق ١٧٠٠ ـ ١٧٠١ م.

٢٣١

حجر تضرّ ولا تضر ، وارتحل عنها مشرقا يروم المعط ، إلى أن وصل لزبوجة الوسط ، فقامت عليه الأعراب مع الأتراك إقامة الغضب ، ورجع مفلولا إلى أن وصل في فلّه إلى المغرب وإلى هذا أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :

وبعد ألف ومائة في نقط يبّ

جهز إسماعيل لها أقاصي سوس

وأهل تامسنا إلى أهل ملوية

ووجدة ومعقل وبني زنس

(ص ١٧٠) / فحطّ كلكله عليها معتزما

على النزال فلم يجد محلّ بوس

قام بهيدور أياما يحتال لها

قد استعان بما حولها من مخيس

أعيته حيلتها حزما ومنعتها

عقاب جوّ قد ارتقى من الحرس

فقال هذه أفعى تحت صخرتها

تضرّ لا الضرّ يأتي لها من أنس

قد حلقت بحرس غير غافلة

بل يسمعون حسيس الآتي كالحسس

قائمة الملوك الوطاسيين والسعديين والعلويين

واعلم أن العلويين الذين منهم مولاي إسماعيل هذا أخذوا المغرب من يد الملوك السعدية وهم من يد بني وطاس وهم من يد الجوطي وهو من يد بني مرين ، وقد ذكرت المرينيين تفصيلا إلا ما ذهب عن حفظي منهم. وكون الجوطي خلع آخرهم وتولى بموضعه سنة كاملة. وخلعه بنوا وطاس فبقي المغرب بأيديهم ثمانين سنة.

وأولهم أبو عبد الله محمد الشيخ ثم ابنه محمد الغالب ، ثم أخوه المنصور ، ثم آخرهم أبو حسّون. وتولى ملك المغرب السعدية وأولهم الشريف عبد الله القائم ، ثم ابنه أحمد الأعرج ، ثم محمد الشيخ ، ثم عبد الله الغالب ، ثم أخوه المنصور أبو العباس أحمد الذهبي ، ثم ابنه زيدان وحصل بينه وبين أخوته كالشيخ وغيره الخصام ورام كل واحد منهم الخلافة حسبما ذلك مبيّن في نزهة الحادي ، والمهرة الوردية ، وقام عليه أبو العباس أحمد بن أبي محلى المساوري. ثم ابنه أحمد بن زيدان ، ثم أخوه عبد الملك بن زيدان ، ثم أخوه الوليد ، ثم أخوه محمد الشيخ الأصغر ، ثم ابنه أحمد العباس. ثم انتقل ملك المغرب لأهل الزاوية الدلائية السوسية وهم السيد أبو بكر بن محمد ، ثم ابنه السيد محمد. وقام عليهم أبو الحسن علي بن محمد السوسي بسوس. وصنوه

٢٣٢

أبو حسّون ، ثم قام عبد الكريم بن أبي بكر الشيباني بمراكش. ثم انتقل ملك المغرب للعلويين. وأولهم الشيخ الشريف ، ثم ابنه محمد ، ثم أخوه رشيد ، ثم أخوه مولاي إسماعيل ، ثم ابنه أحمد الذهبي ، ثم أخوه عبد المالك ، ثم رجع الذهبي ، ثم أخوه عبد الله ، ثم أخوه علي وخلع ورجع عبد الله مرة ثانية ، ثم أخوه المستضيء ورجع عبد الله ثالثة ، ثم / أخوه زين العابدين وخلع ورجع عبد الله رابعة (ص ١٧١) وخامسة ، ثم ابنه سيدي محمد بن عبد الله صاحب التئاليف (كذا) العديدة ، ثم ابنه اليزيد ، ثم أخوه مولاي سليمان ، ثم مولاي عبد الرحمن ، ثم ابنه مولاي محمد ، ثم ابنه مولاي الحسن وهو الموجود الآن. وأتيت بهذا لإتمام دول المغرب الأقصا (كذا).

منشآت الإسبان بوهران

ولما دام الملك للإسبانيين بوهران بنوا بها البناء المحكم الضخم فبنوا سورها وزادوا في بناء البرج الأحمر وبرج المرسى وبنوا مرجاج وبرجي رأس العين وبرج المرسى الثاني وبرج الحمارات والبرج الجديد وبرج الدهان وبرج الويز وبرج فراند وبرج كارلوص. وذكروا أن البرج الجديد أقامته امرأة نصرانية بتسعين ألف ريال كبيرة من خالص مالها صدقة عليها ليتقبل الله منها عملها وإنما يتقبل الله من المتقين. وأما برج اليهودي فبناه يهودي فنسب إليه والبرج الأحمر وبرج المرسى بناهما أبو الحسن المريني لكن النصارى زادوا فيهما فاتسعت دائرتهما وبرج الإصبايحية بناه الأتراك والقبة التي بالبرج الأحمر بناهما الباي محمد الكبير بن عصمان ، فاتح وهران ، وما عدا ذلك مما فيه عظمة البنيان ، فإنما بناه ملوك بني زيان.

ثم غزوا العبيد الشراقة حذو المقطع في جيش ضخم خرجوا به من وهران ومرّوا على قديل ثم رزيو ثم الصنهاجي ويقال له الزناقي أيضا إلى أن وصلوا إلى المقطع وانحدروا للشراقة وكان الخبر تقدم لهم فاجتمع معهم الغرابة وهبرة والبرجية ومجاهر فاختل المصاف على النصارى ودارت الدائرة عليهم فكان أكثرهم غنيمة للمسلمين ورجع فلّهم لوهران ومن ثم أتوا بحميان من ملاتة لهذه الأرض التي عم بها الآن ترسا بينهم وبين هؤلاء الأعراش فكان حميان تارة مذعنين وأخرى ممتنعين.

٢٣٣

٢٣٤

التحرير الأول لوهران عام ١٧٠٨ م

ثم فيليب الخامس وولده ألوى (١) الرابع عشر وهو ببطن أمه وتولى سنة سبعة عشر ومائة وألف (٢) وبقي في الملك أربعة وعشرين سنة وبقيت وهران كسائر مملكة إسبانيا تحت حكمه واشتدت شوكة النصارى على المسلمين إلى أن تولى بوقته شريف النسب ، وكثير اللجين والذهب ، إمام جامع المجادة الأزهر ، وبدر مطالع السعادة الأزهر أبو الفتوحات الربانية القائم في أيالة / محروسة الجزائر (ص ١٧٢) بتصرفات الدولة العثمانية ، أبو عبد الله محمد خوجة بن علي داي الجزائري الدار ، النكدلي المنشأ القرشي النجار المعروف ببكداش ، المنصور بالله على النصارى الأوباش ، قدس الله روحه وبرد ضريحه ، باشة بالجزائر ، التي هي مأوى لكل قاطن وزائر ، يوم الجمعة منسلخ ذي القعدة الحرام ، سنة ثمانية عشر من القرن الثاني عشر (٣) بلا انصرام ، بعد عزل الباشة الذي قبله الشريف السيد حسين خوجة ، الصائر للأمور المحوجة ، جهّز الجيوش لباي الجهة الغريبة المجتمعة الخالية الفواتي الموافق لها في سائر الأحوال المواتي أبي الشلاغم مصطفى بن يوسف المسراتي إعانة له لما هو فيه من الحصار لوهران في جيشه المخصوص به من الترك والعربان لنظر صهره ورديفه السالم من جميع المحن ، وزيره أوزن حسن فجاء بالجيوش برا وبحرا ، وخيموا على أرجائها سهلا ووعرا ، في جنة المأوى ورهبة من نار السعير ، وصارت الجنود البحرية تنزل بمرسى رزيو ثم تذهب لوهران ، فرارا من المانع بالبحر من المراكب المشحونة بالعديان (كذا) فحاصروا وهران وضايقوها من كل وجه متفق ومتخالف واشتد القتال وكثر النزال بها مدة والحرب مترادف ، وشوهد للمسراتي في حال الحروب أمور عجيبة ، وحملات على الأعداء غريبة ، بانت فيهما شجاعته وكفايته وفراسته وعنايته ولا زالت جيوش الإسلام تحاربها وتنال منها الغنائم والمثوبة والاجراء (كذا) وتراوحها وتصابحها وتعالجها بالقتال الذريع إلى أن فتحوها عنوة وقهرا ، وذلك

__________________

(١) يقصد لويس.

(٢) الموافق ١٧٠٥ ـ ١٧٠٦ م.

(٣) الموافق ٥ مارس ١٧٠٧ م.

٢٣٥

صبيحة يوم الجمعة سادس عشرين شوال سنة تسعة عشر من الثاني عشر (١) بعد إقامة النصارى بها مائتي سنة وخمس سنين في ما اشتهر ، وإلى ذلك أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :

لما أراد الله عود الإيمان بها

أقام بالجزاير مذهب الدّمس

محمدا بكداش أضحى باشتها

قد فاق الأكفاء في الدّهاء والرعس

جهز أجفنا بالأتراك مشحنة

في شرقها نزلوا في برّها اليبس

مدافعا وعرادات أتانا بها

أضحى لذلك حزب الكفر منبئس

(ص ١٧٣) / في كل حين أوزن حسن يزاولها

وقائف مصطفى ذو البأس والفرس

ففتحت عنوة في تسع عاشرة

من بعد سكنى به والدين في وكس

عاقبة الغدر للبوار قد قررت

سنّة ربنا قد سنّها في جرس

أضحت مراتع أمن للأنام وقد

كانت لها طيبات الأنس في دنس

قدمه بعد عشر استقل بها

بغاية وجدت كالعدو للفرس

حكم الالآه (كذا) كما قد ترى قدّره

لو شاء ما ملكوها عشر النّفس

وقال الشيخ الحافظ أبو عبد الله سيدي محمد التغريري في رجزه ما نصّه :

الحمد لله الذي فتحا

وهران عن أيدي الرجال الصلحا

وقهر القوم الليام الفجرة

ورفع الإسلام فوق الكفرة

في مدة السلطان فخر الناس

أحمد خاقان أبي العباس

من ملك البرين والبحرين

ومصر والشام بدون مين

وخادم الحرمين في طول المدا

دام انتصاره على جمع العدا

يا سائلا عمّا بوهران ظهر

من أخذها وفتحها كما انتشر

أخذها الكفار الثبات

فيما رويناه عن الثقات

سنة أربع وعشرة مضت

من بعد تسعمائة قد كملت

فمائتان مع خمسة سنين

عدة مكثها بأيدي المشركين

ثم بدا العز من الالآه (كذا)

وجاءنا الفتح ونصر الله

__________________

(١) الموافق ١٩ جانفي ١٧٠٨ م.

٢٣٦

ففتحت سنة تسعة عشر

ومائة من بعد ألف تعتبر

في سادس العشرين من شوال

صبيحة الجمعة خذ مقال

عن يد من قصد صيّر الجزاير

جنة كل قاطن وزاير

محمد بكداش فخر الدولة

وحسن صهره عالي الصولة

زاد الإلاه لهما في النصر

والظفر وافتتاح أرض الكفر

لا زال من عادهما في الانتقام

بالقهر والنهب على طول الدوام

ثم الصلاة عن محمد الأمين

وءاله وصحبه والتابعين

/ ما جاهد الإسلام في الكفار

بالقتل والأسر وأخذ الثار

(ص ١٧٤) وقال الحافظ المحقق أبو عبد الله محمد بن أحمد الحلفاوي التلمساني في رجزه :

إذا جمع الرأي بأمر حازم

على الجهاد لم يعقبه جازم

مجهزا جيشا حمى الدين فساد

إذ ظهرت به بقاع من فساد

فنهضوا لله حزما وأعد

معهم ألة حرب لا تعد

من نحو بارود وكم من مدفع

ومنجنيق ما له من مدفع

مؤمرا صهره أوزن حسنا

قرما رضى فسار سيرا حسنا

والحازم العارف باي مصطفى

وهو من الأقيال قايف مصطفى

ثمّت نادى بالجهاد في الورى

مقدّما ما كان عندهم ورى

فسارع الناس له إذ طلبه

لا سيما جماعة من طلبه

فنزلوا الأول من ربيع

النبوي منسلخ الربيع

في عسكر بيوته عد مقر

وتركوا الأثقال فيه في مقر

وقصدوا حصونها بكل شق

بزمان تاريخه يهدّ شق

فاجتمع الجيش بذلك الثغر

جمعا كبنيان رسا أو ثغر

ونصبت من حولها مدافع

للرّمي كل أسد مدافع

ومرعدات كورها في الجو

كنجم رمي من سماه يهو

تلمع من خلالها البوارق

ووقعها أمضى من الصّواعق

فأجّجوا نار الحرب سرمدا

وتابعوها باعتناء طول المدا

فنشروا ما نظموا من عقدها

ونقضوا ما أبرموا من عقدها

٢٣٧

فكان باكورة ذاك الفتح

برج العيون ضامنا للنّجح

عاشر يوم من جماد الأخرا

يوم الثلاثاء مساء قسرا

ثمّت حصنها الذي تقنعا

بالسّحب واغتال الأسود ونعا

قلعة مرجاجو التي لو قلعت

شوامخ الأطواد ما تقلّعت

وإذ دعاها الله للإسلام

ألقت له القياد باستسلام

(ص ١٧٥) / فأصبحت ترمي العدا بالكور

سابع عشرين من المذكور

وانحدروا البرج بن زهو وقد

حلّ به من نار حرب قد وقد

ضنا به وظنّهم مانعهم

فكان من حياتهم مانعهم

سقوا به مرارة وكم حلت

عيشتهم به دهرا قد خلت

فأصبحوا خامس شعبان به

كقتلى شعبان نصيح ربّه

من بعده لغم هدّ جل جرفه

وحصرهم به ينقط حرفه

ثم أتى الجيش لوهران ولم

يك مقاتل بها إلّا ألم

وبالجديد برجها الحام لها

لم تغنّءالة بها حاملها

ففتحا يوم العروبة معا

فتحا أرى في الأندلس مطمعا

بسادس العشرين من شوال

أكرم بذاك العيد في التوال

وافتتح الأحمر في الغد وقد

رأوا لظى موت شبيه انتقد

وذي حصون عنهم لم تغن

وعد ما سور بها لم يغن

وانقلبوا من بعد ذا للمرسي

فأصبح الجيش عليها مرسي

واشتدت الحرب عليها واحتموا

بالبحر والطود الذي فيه رسوا

فلم يكن لهم من الله وزر

بل مكّن الإسلام منهم ونصر

ففتحت من بعد حرب وعنا

ورمي مرعدات علج ذي اعتنا

ولغم ببرجها قد شقّه

وكان ذاك عام هدّوا شقّه

ثالث عاشر من المحرم

لا جعل الله بها من محرم

وانكسرت شوكة من بالكفر

يلوذ أوله اعتنا بأمر

ومزّقوا تمزيق آلاء سباء

وأصبحوا ما بين قتل وسبا

وأخرجوا بالذل للأسار

في عدد كفر صغار سار

وانقرضت دولة ذي الفسّاق

والحمد لله الكريم الباق

٢٣٨

وانتصف الإسلام منهم وغدا

بين قتيل ذي حياة أبدا

وذي حياة لا يزال للعدا

سهما بكل مرصد مسدّدا

/ لله من قد صار منهم في الثرى

ومن أباح النفس منهم والثرى

وقد تعرض بعض الأدباء البلغاء لوصف المدينة وأبراجها وفتحها ومن فتحها في قصيدة عروبية ملحونية في غاية الإتقان ومن أرادها فليطالعها في شرح الجامعي لرجز الحلفاوي.

٢٣٩

الدولة الثامنة : الترك

ثم ملك وهران الدولة الثامنة وهم الترك ويقال لهم الأتراك. واختلف في سبب تسميتهم بذلك على قولين : فقال بعضهم إنما سمّوا بذلك لأنه نسبة لجدهم ترك بن كومر بن يافث بن نوح عليه‌السلام. قال وفي قلبي منه شيء ، وقال ابن هشام في التيجان : إن أمة من ياجوج وماجوج آمنوا بالله فتركهم ذو القرنين لما بنا (كذا) السدّ بأرمينية فسموا لذلك بالترك. انظر القسطلاني في السفر الآخر من شرحه للبخاري. وفي كتاب بدء الخلق عنه أيضا عن قاتدة أن ياجوج وماجوج اثنان وعشرون قبيلة بنا ذو القرنين السد على إحدى وعشرين وترك واحدة منهم (كذا) فسمّوا بذلك الترك. واعلم أنه لا خلاف في أنهم من ذية ترك وإليه ينتهي نسبهم وإنما الخلاف في كون ترك ولد ليافث من صلبه أو حفيده. فقال صاحب الخميس : لترك من ولد ترك بن يافث لصلبه من نوح عليه‌السلام فهم إخوة الخزر والصقالبة والتاريس والمنسك وكار والصين. وقال أبو الفوز السويدي في سبائك الذهب ، والحافظ أبو راس في عجائب الأخبار : الترك من ولد ترك بن كومر بن يافث بن نوح عليه‌السلام فهم إخوة الفرنج. وقال ابن سعيد المغربي في تاريخه : هو ترك بن عابر بن شئويل (كذا) بن يافث بن نوح عليه‌السلام ، فإخوتهم في يافث : ياجوج وماجوج ، والفرنج ، والخزر ، والصقالبة ، والتاريس ، والصين ، والكار ، والمنسك ، وغيرهم. وإلى ذلك أشار صاحب تحفة الطلاب بقوله :

أولاد نوح عليه‌السلام

سام ويافث كذاك حام

عرب فارس وروم ويهود

لا غيرهم مّن نسل سام المقصود

(ص ١٧٧) / سودان هند نوبة زنج حبش

قبط وبربر من حام انتقش

صقالبة ترك وأوس خزرج

ياجوج من يافث زد وماجوج

٢٤٠