طلوع سعد السّعود - ج ١

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ١

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

الفاشي المتواتر تفيد العلم إجماعا. وقال ابن القاسم يقطع بالنسب وإن لم يعلم الأصل ، وقال بعض قضاة المتكلمين خبر الواحد إذا اختفت به القرائن أفاد العلم. فإن روعي في إثبات هذا النسب الشريف الشهادة ، فلا شهادة أعدل من قبل الأصل المشتمل على مشيب وشبان رؤساء ومرؤسين رجال ونساء من بني عبد الوادي كرام القوم وعيانهم يعرفون أصلهم ويدينون بصحبة منتماهم الهاشمي. وإن اكتفي فيه بالسماع الفاشي فأمره في المشارق والمغارب مشهور في لسان الوالي والصدوق والعدو شأنهم معترف به. وأخبرت بحضرة تلمسان دار أولهم وآخرهم عرفان الشمس المعروفة ، فهو إذا أظهر من أن يخفى وأوضح من أن يجحد.

وهل يبقى على الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

وقال ابن خلدون : كان يغمراسن بن زيان يرفع نسبه إلى إدريس ثم يقول إن كان هذا صحيحا نفعنا في الآخرة وأما الدنيا فنلناها بأسيافنا ه.

وقد ألّف / الحافظ التنسي في شرفهم كتابا سماه : نظم الدرر والعقيان ، في (ص ٩٥) شرف بني زيان. وكذا الحافظ أبو راس كتابا سماه : العجالة. وذكر شرفهم صاحب بغية الرواد ، وأثمد الأبصار ، وجواهر الأسرار ، وغيرهم من الأئمة. وسبب مصير الملك إليهم أن بني عبد المؤمن لما ضعف أمرهم بما بينهم من الفرقة تطاول بنو عبد الوادي إلى الاستيلاء على قطر تلمسان لقربهم منها فجاسوا خلالها وأوجفوا عليها بالخيل والركاب واحتاز كل منهم جانبا من القطر وأمّن أهله على خراج يؤديه إليه كل سنة ، وأمرهم إلى كبيرهم جابر بن يوسف بن عم زيان والد يغمراسن بن زيان وكان وإلى تلمسان أبو سعيد عثمان بن يعقوب المنصور لأخيه المأمون إدريس بن المنصور فاحتال على جماعة من رؤسائهم بإغراء الحسن بن حيون فأخذهم واعتقلهم بدار الريح من القصر القديم وبعد مدة شفع فيهم إبراهيم بن إسماعيل بن غيلان اللمتوني فردّت شفاعته فأنف وجمع قومه وهجم عليهم وسرحهم وقتل الحسن بن حيّون واعتقل الأمير أبا سعيد موضعهم وخلع طاعة المومنية (١) وتطاول لإحياء اللمتونية وسولت له نفسه أنه لا يتأتى له إلّا

__________________

(١) يقصد طاعة بني عبد المؤمن الموحدين.

١٦١

إذا قطع كبار عبد الوادي فبعث إلى جابر وكبراء قومه لحضور وليمة فأتوه فخرج إليهم في ثمانية من أصحابه وقد بلغهم الخبر فقبضوا عليه وأصحابه وأوثقوهم ودخلوا البلد بدعوة المأمون فجاء جابر دار الإمارة وضبط أمرها وبعث إلى (ص ٩٦) المأمون بالخطبة والسكة فقنع منه لقعود / الشيخوخة به عن النهوض.

فأول من ملك منهم جابر بن يوسف ونزع الملك من بني عبد المؤمن واستخلص تلمسان من يد عمّال إفريقيا (١) فملك تلمسان ووهران واستولى عليهما وعلى أحوازهما وعلى كافة بني راشد وبني عبد الواد وحواضر ذلك القطر سوى ندرومة فزحف لحصارها فهلك هناك بسهم أصابه من داخلها من يد يوسف الغفاري التلمساني. ثم ملكها ابنه الحسن بن جابر وخلع نفسه لما كبر سنّه لعمّه عثمان ثم ملكها عثمان بن يوسف وكان فظا غليظا فأساء السيرة وضيّع الملك فأخرج من تلمسان. ثم اتفق بنو عبد الوادي على تقديم أبي يعزّ زيدان بن زيان فاستولى عليها وأعمالها فنكث عنه بنو مطهر بمظاهرة بني راشد فكانت بينه وبينهم حروب سجال قتل في بعضها وبموته انقطعت دولة بني عبد المؤمن من تلمسان وقطرها وعلا صيت بني زيان فهؤلاء الأربعة تولوا لا استقلالا. ثم ملك استقلالا أبو يحيى يغمراسن بن زيان وهو في الحقيقة أول ملوكهم والذين قبله كانت لهم المشيخة ، واسمه يحيى ولقبه يغمراسن ومعناه بلغتهم كثير المرق لقب بذلك لكثرة جوده ، نصّ عليه الحافظ أبو راس في كتاب الحاوي. وكان ابتداء ملكه يوم الأحد رابع عشرين ذي القعدة الحرام سنة سبع وعشرين من (ص ٩٧) السابع (٢) / في أيام الرشيد عبد الواحد بن إدريس المأمون ونازعه بنو مظهر وبنو راشد فأظهره الله عليهم وبعث له الرشيد المؤمني هدية عظيمة راجيا منه الخطبة والسكة فأبى وظهرت العداوة بينهما وهمّ الرشيد بالنهوض له فعاجلته المنية وهو أول من خلط البادية زي الملوك وأظهر قبيلة لباس الشريعة وتعرض لهدية أبي زكرياء الحفصي الهنتاتي التي بعثها من إفريقية للسعيد المؤمني وأخذها فنظر للسعيد فلم يظهر منه شيء فاستقلّ بنفسه وجهّز الجيوش لتلمسان فنازلها

__________________

(١) يقصد عمال تونس أو المغرب الأدنى.

(٢) الموافق ٤ أكتوبر ١٢٣٠ م.

١٦٢

سنة خمس وأربعين من السابع (١) بجيوش فيها ثلاثون ألف رام من المشاة فضلا عن غيرهم وأحاط بها فكان الهرّ مع صغر جرمه تأتيه العشرون سهما فأكثر فخرج منها يغمراسن بجيشه وقد أفرج له لشدة بأسه وصعد لبني ورنيد ودخلها الحفصي وعرضها على ولاته فأبوا خشية من يغمراسن فاصطلح معه ورجع كل لموضعه واتفقا معا على عداوة بني عبد المؤمن فسمع السعيد بذلك فأقسم لا بد يملك مملكتهما معا ونهض من مراكش يجرّ الأمم العظيمة والبحور الزاخرات من الجيوش وساعدته على ذلك بنو مرين فانجاز يغمراسن لحصن تمزريدت الغربية جنوب وجدة بجبل بني ورنيد وحاصره فيها السعيد بعد أن نزل بوادي سلي وسأل منه الدخول في طاعته فأبى فزحف له وتعلق بالجبل محرّضا على الهجوم فتعرض له يغمراسن للقتال ونصره الله عليه فقتل السعيد على يد يوسف ابن خزرون وأوتي له برأسه فأدخله على أمه لكونها أمرته بطاعته فأبى وأقسم لها أن يأتيها برأسه فأبر الله / قسمه وقال في ذلك الظفر الوزير أبو علي الحسن صاحب (ص ٩٨) سبتة القصيدة السينية الطويلة التي مطلعها :

بشرى بعاجل أوجب لنا العرسا

وأصفر الدهر عنه بعد ما عبسا

واستولى يغمراسن على المحلة بما فيها فكان منه العقد اليتيم وغدار زمرّد والمصحف العثماني الذي بخطّه رضي‌الله‌عنه. وكان يغمراسن دينا فاضلا محبا للأولياء والعلماء فأتى بأبي إسحاق الشيخ إبراهيم بن يخلف بن عبد السلام التنسي وأخيه أبي الحسن علي بن يخلف بن عبد السلام من تنس لتلمسان إلى أن ماتا بها وقبرهما بالعبّاد. ووفد عليه خاتمة أهل الأدب أبو بكر محمد بن عبد الله بن داوود بن خطاب فأحسن إليه وصيّره صاحب القلم الأعلا (كذا) وارتحل لزيارة أبي اليمان القطب الشيخ واضح بن عاصم المكناسي بجبل وافرشان من وادي رهيو لنيل الفضل منه. قال الحافظ أبو راس في الحاوي : ولما جاء يحيى الملقب يغمراسن لزيارة سيدي واضح المكناسي فكوشف له عن ذلك وسد باب المغارة بالحجر فوقف السلطان بباب الخلوة فاستأذن على الشيخ فلم يأذن له فمكث حينا طويلا وكان يوما حارا فصار يتشفع إليه بخدّامه وقرابته

__________________

(١) الموافق ١٢٤٧ ـ ١٢٤٨ م.

١٦٣

وهو ممتنع فقال بعض وزارئه قد حصل المقصود فانصرف لعل الله ييسر رؤيته في غير هذا الوقت فقال يغمراسن والله لا أنصرف حتى يرضى عنا فلما رأى منهم أنهم يئسوا من لقائه برز لهم وقال يا يغمراسن ، أما تعلم وقوف ذي الحاجات (ص ٩٩) ببابك وما يجدونه من الانكسار ومدافعة الحرس لطول / احتجابك عنهم وإنما جعلت لك ذلك للتيقظ من غفلتك فصار يغمراسن يتملّق بين يديه ويتعذّر له والشيخ في كل ذلك منقبض عنه وقد ألقى الله في قلب يغمراسن وجنده من هيبة الشيخ ما لا يوصف. ثم أنه خلا به وقال له أما كفاك ما ترتكب من الأعمال الخبيثة جمعت بين علجتين وهما أختان فتبّا للذّة تصيّر صاحبها إلى النار فقبّل عند ذلك السلطان أقدام الشيخ وقال أنا تائب لا أعود هذا. ثم التفت الشيخ لأخيه يحيى وقال لهءاتيهم بطعام فبعد ساعة قرب لهم طعاما جيّدا ولحما سمينا فرمى الشيخ ذلك وقال تطعم الزيار (كذا) خبز الشعير وتطعم الأمير ما أرى ، فقال يغمراسن إن لم يطب خاطرك لم نأكله فقال لا بل كولوا على بركة الله. ثم قال لأخيه أنت معذور تحتاج لما بيد يغمراسن لأنك لك ذرية بكلامه الزناتي فلما أكلوا انبسط الشيخ وقال من تولي عهدك فقال هذا وأشار لولده محمد فقال له الشيخ الرعية لا تحتاج للفقيه الحاذق الكيس لأن الفقيه مجبول على جمع المال يقول للدرهم درهمان فقال له السلطان ومن ترى فقال هذا وأشار لولده عثمان فسرّ يغمراسن ببقاء الملك في عقبه فلما هم بالانصراف قال الشيخ لأحد ولدي يغمراسن ألم توصك أمك أن تأتيها بحجاب أكتبه لك فقال نسيت وقبّل يده فقال الشيخ يا سيدي عزّوز ناوله إياه فناوله فحينئذ أوصي الشيخ يغمراسن بالرفق بالرعية وقال له يغمراسن كل راع مسؤول عن رعيته. وسيدي واضح هذا هو (ص ١٠٠) الذي تسمى عليه جد سيدي أبي عبد الله محمد المغوفل / بن محمد بن واضح بن عثمان بن محمد بن عيسى بن فكرون المغراوي سمّاه عليه والده لكونه تلميذه وتوفي سيدي واضح بن عثمان المغراوي سنة ست وخمسين وثمانمائة (١) كما في ذيل الديباج للشيخ أحمد بابا. ويغمراسن هو الذي بنا (كذا) الصومعتين بالجامعين الأعظمين من أقادير ، وتلمسان. ولم يكتب اسمه عليهما

__________________

(١) الموافق ١٤٥٢ ـ ١٤٥٣ م.

١٦٤

وقال علمهما عند ربي. قال الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار : ويقال أن الجامع الذي بتلمسان القديمة بناه مولانا إدريس الأكبر وعمل له المنبر. وبالقديمة ضريح الشيخ داوود بن نصر أول من شرح البخاري توفي في آخر القرن الرابع (١). وحروبه مع زناتة والعرب أمر لا يحصى ولا يصدر من أحد لشرف همته ، فقد قال صاحب بغية الرواد : له في العرب وحدهم اثنان وسبعون غزوة ومثلها مع تجين (كذا) ومغراوة. ولما حل الأمير أبو إسحاق الحفصي بتلمسان لطلب ملكه بتونس سنة ثمان وسبعين من السابع (٢) زوّج إحدى بناته المقصورات في خيام الخلافة لولد يغمراسن عثمان ثم بعد تمهد الملك له بعث يغمراسن ابنه إبراهيم المكنى بأبي عامر ليأت (كذا) بها فلما رجع بها لقيه يغمراسن بمليانة للتنويه ببنت سلطان تونس ولما نزلوا برهيو مات سنة إحدى وثمانين من السابع (٣) وحمل لتلمسان فدفن بها.

ثم ابنه أبو سعيد عثمان باتفاق الملأ من بني عبد الوادي فشمّر في غزو الأعادي ذيله حتى أقام من كل ذي زيغ ميله ، فقتل ابن عبد القوي ملك تجين وانتزع لهم وانسريس والمدية وأخذ مازونة وتنس وفرشك (٤) من يد مغراوة / وهرب (ص ١٠١) مالكهم راشد بن منديل في البحر ، وقطع ملكهم. غير أن الحافظ أبو راس قال في عجائب الأسفار : قد رأيت راشدا بن منديل مذكورا في نحو السّبع من الثامن وزاد عثمان لبجاية فخربها وغزى (كذا) العرب فأجلاهم للصحراء وحرك عليه يوسف بن عبد الحق المريني خمس مرات كان الحصار صادر منه في الخامسة لتلمسان ثمان سنين وثلاثة أشهر ، وبنا (كذا) المنصورة وتوفي أبو سعيد في الحصار. ثم ابنه أبو زيان محمد بن أبي سعيد ونهض لحرب عدوه غير أنه عاجلته المنية في أثناء الحصار لمرض اعتراه.

ثم أخوه أبو حمّ (٥) موسى بن عثمان وفي وقته حصل الفرج وزال الحصار

__________________

(١) الموافق أول القرن ١١ م.

(٢) الموافق ١٢٧٩ ـ ١٢٨٠ م.

(٣) الموافق ١٢٨٢ ـ ١٢٨٣ م.

(٤) الصحيح برشك بالباء وليس بالفاء قرية بين تنس وشرشال على ساحل البحر.

(٥) أبو حمو يكتب بالواو بعد الميم ولكن المؤلف يهمل الواو دائما.

١٦٥

بسبب الولي أبي زيد عبد الرحمن الهزميري جاء من أغمات ليوسف بن يعقوب المريني شفيعا فأبى فذهب الشيخ مغاضبا وقال يأتي سعاذا (؟) يقضي هذاء وانصرف للمغرب فدخل عليه سعادة غلام العلامة أبي علي الملياني الذي قتله يوسف ابن يعقوب فألفاه (كذا) نائما وقد ألقى الله في قلبه طلب الثأر فوجأه بسكين في بطنه فبلغ الخبر الهزميري وهو بفاس فقال له خديمه نرجع لبلدنا فقال الشيخ وعبد الرحمن يموت فمات لأيام قلائل ودفن بفاس بروضة الأنوار. وأول ما بدأ به أبو حمّ هدم المنصورة وأصلح ما ثلم من تلمسان وبنى الأسوار وحفر الخناديس والأهرية وملأها طعاما وإيداما وحطبا وفحما وملحا وجميع ما يحتاج إليه بما لا حدّ له (ص ١٠٢) ثم استقبل بالتمهيد وتتبع الحركات بنفسه / على تجين ومغراوة وسائر المخالفين أيام الحصار وحرك عليه أبو سعيد المريني إلى أن بلغ وجدة ففرّ عنه أخوه يعيش لتلمسان فرجع وثار عليه راشد بن راشد المغراوي بشلف فنهض له وفر راشد لزواوة واستعصم بها فنازله أبو حمّ بوادي تمهل وبنى به قصره المعروف به (١) ففرّ راشد لبني أبي سعيد وانحاز للموحدين فبعث له جيشين عظيمين أحدهما لنظر مسعود بن أبي عامر الزياني والآخر لنظر موسى بن علي الغزّى فاستباحوا أبل قسنطينة وحصل التنافس بين الرؤساء كادت تبين الفتنة وعزل عامل مليانة وبعث به لتلمسان فاستقبح ابنه أبو تاشفين سجن خاله وأمره بالمسير للأمير فغضّ بصره ففر للمدية وثار بها وتبعه الغوغاء فرجع أبو حمّ مغاضبا على ابنه وصار يؤثر عليه مسعود بن أبي عامر بن عمه فأغرا (كذا) أبا تاشفين خواصّه بقتل المسعود وأبيه فقتلهما. وكان أبو حمّ محبا للعلماء والعلم وهو الذي بنى المدرسة المعروفة لابني الإمام وأعطى بلاد تجين للحشم فصلا بينه وبينهم.

ثم ابنه أبو تاشفين ، فاستولى على البدو والحضر ، واستخدم ربيعة ومضر وتولّع بتبييض الدور ، وبنى (كذا) القصور ، ونهض لخاله محمد بن يوسف الثائر على أبيه والموجب لقتله فحاصره ، بوانسريس إلى أن أخذه عنوة وقتله وعفا عن غيره ، ثم زاد لبجاية فأخذ رياحا أخذة رابية وأمر قائده موسى بن علي ببناء مدينة

__________________

(١) وهو الذي تحول إلى قرية عمي موى حاليا بين واد رهيو والشلف.

١٦٦

على وادي بجاية فبنيت في أربعين يوما وسمّاها تمزريدت الشرقية (١) وأما الغربية فهي التي / بجبل بني ورنيد كما مرّ. وجهز عامله يحيى الجمي جيوشا لغزو (ص ١٠٣) تونس تحت نظر ابن أبي عمران الحفصي فلقيهم مالكها أبو يحيى بجيوشه فهزموه واستولوا على حريمه وذخائره ومحلاته وأفلت جريحا لقسنطينة وزادوا فدخلوها واستراحوا بها أربعين يوما وأسلموها لابن أبي عمران فبعث له أبو سعيد المريني على الإقلاع عن بجاية فأبى وهمّ أبو سعيد بقتاله فعاجلته منيته (كذا). وكان له بالعلم وأهله احتفال عظيم فقد ورد عليه أبو موسى المشذالي فأكرمه وولّاه التدريس بمدرسته الجديدة وورد عليه أبو العباس البجائي تاجرا ودخل المدرسة القديمة فألفاهم يتكلمون بمجلس أبي زيد بن الإمام في قول ابن الحاجب في الأصول في حدّ العلم أنه صفة توجب تمييزا لا يحتمل التنقيض فقال يا سيدي هذا الحد غير مانع لانتقاضه بالفصل والخاصة فقال أبو زيد من المتكلم فقال أحمد البجائي فقال يقع الجواب بعد الضيافة وأنزله وأكرمه وسأله عن مقدمه فقال تاجرا فعرّف به الأمير فرفع عنه مغرمه ومن معه قدره مائة دينار وزاده صلة مائة دينار ذهبا ، ووقع بمجلسه السؤال عن ابن القاسم هل هو مقلدا أو مجتهد فقال أبو زيد مقلد النظر بأصول مالك وقال المشذالي مجتهد مطلق الاجتهاد واحتجّ بمخالفته لمالك في بعض المسائل واستظهر أبو زيد نصّ ابن التلمساني الذي مثل به للاجتهاد المخصوص / بابن القاسم لمالك والمازني (ص ١٠٤) للشافعي فقال المشذالي هذا مثال لا تلزم صحته. وحرك عليه أبو الحسن المريني فنزل بتاسالة وأطال بها إلى أن ثار عليه أخوه بسجلماسة فرجع له إلى أن قتله ومهّد المغرب ثم رجع لتلمسان وحاصرها وبنى عليها مدينته التي هي الآن محراث ولم يزل أبو تاشفين وأولاده ووزيره في المقاتلة معه إلى أن استشهدوا جميعا في يوم الأربعاء ثامن عشرين رمضان سنة سبع وثلاثين من الثامن (٢) فدخلها المريني وبموته جرّ الحادث ، والخطب الكارث ، على الدولة الزيانية القفا ، وكدر بنيها الحنسى ما كان صفا.

__________________

(١) وهي قرية أقبو الحالية. على الضفة الغربية لوادي الصوماح.

(٢) الموافق ١٠ أبريل ١٣٣٧ م.

١٦٧

الدولة السادسة : المرينيون

ثم ملك وهران الدولة السادسة ، وهم المرينيون ، ويقال لهم بنوا حمامة. أما تسميتهم بالمرينيين فذلك نسبة لجدهم مرين بن أمير الناس على قول ، وابن ورتاجن على الآخر ، وأما تسميتهم ببني حمامة فذلك نسبة لجدهم حمامة ابن محمد بن ورزين. واختلف في نسبهم على ثلاثة أقوال ، فقال صاحب أثمد الأبصار وغيره إنهم أدارسة من ذرية يحيى بن إدريس ، وقال صاحب القرطاس إنهم زناتة من ذرية ماخوخ الزناتي ، وقال أيضا في موضع آخر إنهم من نسل قيس بن غيلان بن مضر. ومن زنات تفرقت قبائل زناتة فهم عرب صريحون وسبب تغيّر لسانهم عن العربية إلى البربرية أن بر بن نزار كان له ولدان : قيس ، (ص ١٠٥) ودهمان ، ابنا / غيلان. فدهمان ولده قليل وهم أهل بيت من قيس يعرفون ببني امامة. وقيس ولد أربعة رجال وجارية وهم : سعيد وعمر وحفصة أمهم مريم بنت أسد بن ربيعة بن نزار ، وبرّ ونماض أمهما بريع بنت محمد بن مجدل بن عمر ابن مضر المجدولي. وكان البربر يسكنون بالشام ويجاورون العرب في الأسواق والمساكن والمراعي ، ويشاركونهم في المياه والمساعي ويصاهرون بعضهم بعضا. وكانت البها بنت دهمان بن غيلان بن مضر من أجمل النساء وأكملهنّ ظرفا وطربا وحسنا فكثر طلابها للتّزويج من كل قبيلة فقال أبناء عمها قيس وهم : عمر وسعيد وبرّ وحفصة لا يتزوج بنت عمنا غيرنا فخيّروها فاختارت برّا لكمال شرفه وصغره وتزوجته فحسده اخوته عليها وهموا بقتله. وكانت أمه بريع من دهات (كذا) النساء فبعثت إلى ولدها بر وزوجته البها وأمرتهما بالذهاب معها لقومها فوافقاها وذهبوا فنزلوا عند أخواله وأعرس بها وامتنع من قومه فولدت له البها علوان ومادغس : فعلوان مات صغيرا ولم يعقّب ، ومادغس لقّب بالأبتر فهو

١٦٨

جدّ البتر ومن ولده جميع زناتة فبمكث برّ بالبربر تغير لسانه وأورث في ذريته فهذا هو السبب وقالت في ذلك أخته ترثيه :

وشاطت ببرّ داره عن بلاده

واطرح برّ نفسه حيث يمّما

وأورث برّ لكنة أعجميّة

وما كان برّ بالحجاز بأعجما

/ وقال أبو فارس في أرجوزته نظم السلوك :

فجاورت زناتة البرابرا

فصيرت كلامهم كما ترا

وما بدّل الدهر سوى أقوالهم

ولم يبدّل منتهى أحوالهم

بل فعلهم أربى على فعل العرب

في الحال والآثار ثم في الأدب

فانظر كلام العرب قد تبدّلا

وحالهم عن حاله تحوّلا

لا يعرفون اليوم ما الكلام

وما لهم نطق ولا إفهام

وإن تمادت بهم الأحوال

لم يبق في الدهر لهم أقوال

كذاك كانت قبلهم مرين

كلامهم كالدّرّ إذ يبين

فاتخذوا سواهم خليلا

وبدّلوا كلامهم تبديلا

وأصل مواطنهم كاخوتهم بني لومى ومديونة ، قبلة زاب إفريقية ثم دخلوا المغرب سنة تسع وستمائة (١) فنزلوا من فقيق إلى تفلالت إلى ملوية. وكانت بين بني لومى هؤلاء وبين بني مانّوا حروب عظيمة هلك فيها ماخوخ الزناتي صاحب الخيمة المشهورة التي آثارها للآن ببلاد أولاد علي من بني عامر في أواخر المائة الخامسة وكان بنوا لومى يمدون بني مرين بالجيوش وسبب مصير الملك إليهم أنهم كانوا ببلادهم المذكورة رائسهم (كذا) محمد بن ورزين. ثم قام ابنه حمامة مقامه ثم أخوه عسكر ثم ابنه المخضّب ولما سمعوا بعبد المؤمن بن علي الموحّدي غزى (كذا) وهران واستولى على أموال لمتونة وبعث بها لتنمليل تعرّضوا له من الزّاب مغلغلين إلى وادي تلاغ فاستولوا / عليها به ثم لحقهم (ص ١٠٧) الموحدون ومعهم بنوا عبد الوادي فكان المصاف بفحص حسّون وانكشف المرينيون وقتل شيخهم المخضب واكتسح العبد الواديّون حللهم سنة أربعين من

__________________

(١) الموافق ١٢١٢ ـ ١٢١٣ م.

١٦٩

السادس (١) فلحقوا بالصحراء وركد ريحهم إلى سنة عشرة من السابع (٢) في وقت المنتصر الموحدي وكان صبيّا صغيرا لا يعرف شيئا أتوا على عادتهم للكيل فوجدوا الغرب لا حياة فيه لمن تنادي فأقاموا بمكانهم وبعثوا لإخوانهم على القدوم فأسرعوا على الخيل والنجائب ، يقطعون المهامة والسّباسب يريدون الدنو والبلاغ ، إلى أن وصلوا لوادي تلاغ ، فدخلوا المغرب بجيش كالجراد يقمع الحاضر والباد ، فظهر ما كان في الغيب مجهولا ليقضي الله أمرا كان مفعولا. قال أبو فارس في أرجوزته :

في عام عشرة وستمائة

أتوا إلى الغرب من البريّة

جاؤوا من الصحراء والسباسب

على ظهور الخيل والنجايب

كمثل ما قد دّخل الّلمتونيّون

من قبل ذا وهم لهم ميمّمون

فهذا سبب مصير الملك إليهم. قال ابن خلدون : وهم قوم مرهوب جانبهم شديد بأسهم من أقوى القبائل وأنجدها وأفرسها كثير جمعهم ، مضاهون للعرب والفرس واليونان والروم. وفيهم قال ابن الخطيب في رقم الحلل :

وأورث الله بلاد الغرب

للسّادات الغرّ الكرام النجب

أهل الخيول والرماح والهمم

أقوى بني الدنيا وأوفى بالذّمم

وأدرب الخلق بركض الخيل

وخوض أحشاء الفلا والليل

(ص ١٠٨) / قاموا وقد بان اختلال الطاعة

بمذهب السّنّة والجماعة

ولما دخلوا المغرب تفرقوا فيه وشنّوا الغارات فمن أذعن لهم سالموه ومن أبى قتلوه. ففرت الناس منهم وبلغ خبرهم إلى أمير الموحدين المستنصر فقال لقومه : ما ترون من هؤلاء فاتفق رأيهم على محاربتهم فبعثوا لهم جيشا فيه عشرون ألفا تحت رئاسة أبي علي بن واندين فسمعت مرين فلقيتهم بأكمل حالة وجعلوا أموالهم وحريمهم بقلعتي : تازة وزا فلما تراء الجمعان كانت الدائرة لمرين على الموحدين فقتلوهم ذريعا وهزموهم شنيعا واحتووا على ما في المحلة

__________________

(١) الموافق ١١٤٥ ـ ١١٤٦ م.

(٢) الموافق ١٢١٣ ـ ١٢١٤ م.

١٧٠

بأجمعه ودخل فلّ رباط تازة وفاسا منهزمين ، وبالمشعلة مستترين ومنحرمين. وهي نبت يشبه الحلفا له أوراق طويلة عريضة تمسيها عامة المغرب بلحية الشيخ ويقال لها بالشلحة الأثموج وأكثر نبتها قبلة تازة سيما بلاد مكناسة وقلوبهم بالحزن مشتعلة ، فسمّي العام عام المشعلة وهو عام ثلاثة عشر وستمائة (١).

وأول ملوكهم بالمغرب عبد الحق بن محيوا وكان فاضلا صالحا متبركا به وهو الذي استخلص الملك من غيره لكنه لم يستول على كرسي الخلافة بمراكش. ثم ابنه أبو سعيد عثمان ، ثم أخوه أبو معرّف محمد بن عبد الحق وبايعته كافة مرين وسار فيهم سيرة حميدة وكان بطلا شجاعا ، شهما مهابا مطاعا ، كثير الغارات لا يفتر عن القتال والمحاولات. وفيه قال صاحب الأرجوزة :

/ ثم ولّي من بعده محمد

وكان في أموره مسدّد

فكان لا يفتر عن قتال

مواضبا للحرب والنّزال

كم عسكر له وكم حشود

ومن جميع جمّة الجنود

وكم من جيش جاء من مراكش

أفناه بالحروب والتناوش

نهاره وليله طعان

لكنه مؤيّد معان

ولم يزل في قتال الموحدين إلى أن قتل بصخرة أبي بياس من أحواز مدينة فاس ، يوم الخميس تاسع جمادى الثانية سنة اثنين وأربعين من السابع تحاملا مع زعيم الروم. ثم أخوه أبو يحيى زكرياء بن عبد الحق وهو أول من عمل من ملوكهم مراسم الملك من بنود وطبول وغيرها. وأوّل ما ابتدأ به تقسيم البلاد على قومه وإنزال كل قبيلة في ناحية وأمرهم بتكثير الجيش وركوب الرجال وما غلبت عليه كل قبيلة فهو لها وتوفي بفاس ودفن بإزاء قبر الفشتالي تبرّكا به.

ثم أخوه سلطان الجهاد أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني ولقبه المنصور. وقد استوفى أبو فارس في أرجوزته سيرته حيث قال :

سيرة يوسف بن عبد الحق

قد حاز فيها قصبات السّبق

__________________

(١) الموافق ١٢١٦ ـ ١٢١٧ م.

١٧١

سيرته أن يقرأ الكتابا

ويذكر العلوم والآدابا

يقوم للصلاة ثلث الليل

وما له عن ورده بميل

(ص ١١٠) إلى آخر الأبيات السبعة والعشرين وشرع في تمهيد المغرب ففتح / بلاده من أقصى سوس إلى وجدة وفتح مراكش وقطع ملك الموحدين ومحا أثرهم وجاز للأندلس فدوّخها وملك بها ما يزيد على خمسين قصرا ما بين مدن وحصن كمالقة ورندة والخضراء ، وطريف ومربات وأشبونة وما بين ذلك من الحصن والقرى والبروج وخطب له على جميع منابر الغرب فهو أول ملك حما (كذا) الإسلام من بني مرين ونزل في سنة ثمان وخمسين من السابع بتازة (١) يستنشق ريح يغمراسن فبلغه الخبر بأن النصارى دخلوا مدينة سلا غدرا ووضعوا السيف في رقاب أهلها فجدّ السير لها يومه وليلته إلى أن أدرك المسلمين وخلّصهم من العدوّ وأطرد العدو منها وبنا عليها (كذا) السّور وغزى (كذا) مراكش سنة ستين من السابع (٢) فحاصرها شديدا وغلق أميرها المرتضى على نفسه ثم خرج منها ووقعت بينهما حروب عظيمة قتل فيها عبد الله ولد المريني فارتحل عنها. وفي ذلك قال أبو فارس عبد العزيز في أرجوزته :

في عام ستّمائة وستين

سار المراكش سلطان مرين

فوقف المنصور بجليز

مبرزا بأحسن التبريز

وعاد فيها المرتضى محصورا

ذا أرق في قصره مقصورا

ودارت الأعراب بالأسوار

واعتمدوا فيها على الإحصار

(ص ١١١) وضيّق على أبي دابوس بمراكش شديدا ولما أيقن بعدم النجدة / استصرخ بيغمراسن فشن الغارات على أطراف الغرب فرجع إليه المريني ووقع المصاف بوادي تلاغ الغربي وحصلت الحرب العظيمة بينهما من الضحى للظهر فرجعت الدائرة على يغمراسن فهزم وقتل أكبر أولاده عمر. ثم غزا (كذا) تلمسان في سنة تسع وستين من السابع (٣) فلقيه يغمراسن بواد سلى قرب وجدة فوقع بينهما حرب

__________________

(١) الموافق ١٢٥٩ ـ ١٢٦٠ م.

(٢) الموافق ١٢٦١ ـ ١٢٦٢ م.

(٣) الموافق ١٢٧٠ ـ ١٢٧١ م.

١٧٢

عظيم مات فيه من جيش يغمراسن خلق كثير ولو لا ما حال الظلام بينهما لم تقم قائمة لبني عبد الوادي وفرّ يغمراسن لتلمسان وأضرمت محلته نارا وتبعه يعقوب المريني فمرّ بوجدة وجعل عاليها سافلها وسبا (كذا) أموالها وزاد لتلمسان فحاصرها شديدا وأدار محلاته بها وجاءه بها محمد بن عبد القوي إعانة ثم سرحه لأهله ولم ترتحل عنها حتى وصل التجيني بلده خشية عليه من يغمراسن ثم أقلع عنها ورجع للمغرب فقال بعض كتابه ، الملزمين لخدمة بابه :

فإنك إذا الخيل جالت حبستهم

قضاء من الرحمان ما منه عاصم

فذاك على اليمنى يبيد حمامتها

وهذا على اليسرى فأين المقاوم

ووالدهم في جاحم الحرب بينهم

يبيد حماة الجيش والسّقر قائم

فويحك يا يغمور هل لك حاجز

أيقظان حقا أنت أم أنت نائم

أفي كل عام تترك ابناك للفنى

وتسبى لك المغيد الحسان المكارم

وجهّز جيشا قدره خمسة آلاف لنظر ولده أبي زيان سنة ثلاث / وسبعين من (ص ١١٢) السابع (١) فغزى (كذا) الأندلس به ونزل بطريف واستراح ثلاثا ومنه للحيرة فغنمها وبعث بالغنائم للجزيرة ووالى السير في الأرض يفتح ويسبي إلى شريش ورجع بالغنائم للجزيرة ولحقه والده في سنة أربع وسبعين من السابع (٢) ففتح فتوحا كثيرة وغنم غنائم عظيمة وجال بالقتل والسبي والتخريب وقتل زعيم النصارى دنونة (٣) وهزمت عساكره وأوتي له بالرؤوس فكانت نيفا وثمانية عشر ألفا على ما لصاحب الأنيس ، وتسعة آلاف على ما لصاحب رقم الحلل ، فجعلت تلا وأذّن عليها للصلاة وصلى المسلمون بالمعركة الظهر والعصر وأوتي له برأس دنونة فبعثه لابن الأحمر فكوفره ومسّكه ابن الأحمر وبعثه للفنش (الفونسو) تقرّبا منه وتجنبا من أبي يوسف. قال ابن الخطيب في رقم الحلل :

تسعة آلاف من الكفّار

دعا بهم داع إلى البوار

وعدد الأسارى سبعة آلاف وثمانمائة وثلاثون أسيرا والكراع أربعة عشر ألفا

__________________

(١) الموافق ١٢٧٤ ـ ١٢٧٥ م.

(٢) الموافق ١٢٧٥ ـ ١٢٧٦ م.

(٣) لم نتعرف على اسمه الحقيقي.

١٧٣

وستمائة والبقر مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، وأما الغنم فضاقت بها الأرض وبيعت الشاة بدرهم والمرأة بدينار ونصف. ولما قسم الغنائم ارتحل ونزل قصر الصخرة فأتاه هرنادة (١) ملك قشتالة لعقد الجزية وقبّل يد السلطان فدعا بماء بمرأى بطارقته وغسلها من قبلته فكانت له فخرا وفي ذلك قال لسان الدين ابن الخطيب في رقم الحلل : (ص ١١٣)

/ واجتمع القوم بقصر الصخرة

وشاهد النّاس جميعا فخره

وحين حل بالخضراء بعث له أبو محمد بن أشقيلولة كتابا يهنّيه بالفتح مشتملا على قصيدة عينية فيها تسعة عشر بيتا مطلعها :

هبّت بنصركم الرياح الأربع

وجرت بسعدكم النجوم الطوالع

واصطلح في سنة أربع وسبعين من السابع (٢) مع شانجة طاغية الروم فبعث له الطاغية بثلاثة عشر حملا من كتب المسلمين التي أخذوها ما بين الكتاب العزيز وتفاسيره وكتب الحديث وشراحاته وكتب الفروع والأصول واللغة والعربية والآداب وغيرها وأتاه العلامة الأديب أبو فارس عبد العزيز المكناسي ناظم الأرجوزة التي يقال لها نظم السلوك بقصيدة بائية مشتملة على مائتين وثلاثين بيتا يذكر فيها سيرته وجهاده وغزواته وجميع أموره كلها مطلعها :

بحمد الله أفتح الخطابا

وأبدأ في النظام؟ والكتابا

لعل الله يبلغني أمالي

ويفتح بالسّرور عليّ بابا

فأنشدها بين يديه قارئه أبو زيد عبد الرحمن الفاسي الغرابلي وحضور أشياخ بني مرين والعرب لقراءتها فاعطا (كذا) لقارئها مائتي دينار وللنّاظم ألف دينار وخلعا ومركوبا ومن أرادها بتمامها فعليه بالأنيس ، أو دليل الحيران. وتوفي ضحى يوم الثلاثاء ثاني عشرين من المحرم كما في الأنيس ، وصفر كما في (ص ١١٤) عجائب الأخبار ، سنة خمس وثمانين من السابع (٣) / بالجزيرة الخضراء بعد موت

__________________

(١) لعله يقصد : HERNANDO.

(٢) الموافق ١٢٧٥ ـ ١٢٧٦ م.

(٣) الموافق ٢٠ مارس أو ٢١ أبريل ١٢٨٦ م.

١٧٤

يغمراسن بخمس سنين كما في الخبر المعرب. وحمل إلى رباط الفتح من بلاد العدوة ودفن بمسجد شالة منها كما في الأنيس وبموته انصدع الإسلام. قال الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار : ولو لا يغمراسن ألهاه بشن الغارات لا ستردّ كثيرا من الأندلس فكان له مانعا من الموانع.

ثم ابنه يوسف الناصر فصالح ابن الأحمر وجدد الصلح لابن الفنش (الفونسو) وأكثر من غزو الأندلس فأثخن في النصارى ثم صرف عزمه لغزو تلمسان بسبب ابن عطوا فحاصرها وبها ملكها عثمان بن يغمراسن ودام حصاره عليها أعواما وشهرا ومات ملكها عثمان أيام الحصار وانتهت عساكر المريني إلى إفريقية واشتدّ البلاء على أهل تلمسان إلى أن قتله غلامه وهو نائم مع إحدى جواريه فافرجت عساكر مرين عنها وحمل إلى شالة برباط الفتح ودفن بها. ولما مات جلس ابنه أبو سالم على الكرسي فغلبه ابن أخيه أبو ثابت وخلعه بإعانة أبي حمّ الزياني.

ثم أبو ثابت عامر بن عبد الله فارتحل عن تلمسان ورجع للمغرب فدوخه كثيرا وجال في نواحيه إلى أن توفي بقصبة طنجة فجلس على كرسي الملك عمّه علي بن يوسف فخلع فورا ورضوا بسليمان أخي (كذا) أبي ثابت. ثم أبو الربيع سليمان بن عبد الله أخو أبي ثابت فجدّد الصلح مع آل زيان وتوفي مريضا بتازة ودفن من ليلته بصحن جامع تازة وقد ترفّهت الناس في أيامه / باتخاذ الدّواب (ص ١١٥) والملابس الجيدة وتشييد الدور وترويقها بالزّليج والرخام والنّقوش. ثم أبو سعيد عثمان السعيد بن يعقوب فمهّر الملك ودوّخ المغرب وأوقع بملوية ووجدة وبني يزناسن كثيرا وحاصر تلمسان شديدا وبها سلطانها أبو حمّ موسى بن عثمان ثم أفرج عنها ورجع للمغرب وغزى (كذا) الأندلس وطالت مدته في التدويخ ووقع الخلل بينه وبين ولده عمر فاجتمع العسكر على عمر وخاف السعيد من العسكر فانتصر عليه ولده وهرب السعيد لتازة ولحقه بها ولده وحصره إلى أن سلّم له الأمر بالأشهاد وبقي بتازة ثم سار ولده بالجيوش لفاس وحلّ به المرض الشديد فحاصره أبوه بها إلى أن سلّم له الأمر على أموال عظيمة أعطاها له السعيد مع سجلماسة وترك الملك لأبيه فاستقلّ به إلى أن مات. وهؤلاء الملوك التسعة من بني مرين لم يملك واحد منهم وهران.

١٧٥

ثم ملكها أبو الحسن المريني وهو عليّ بن عثمان السعيد بن يعقوب ابن عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة بن محمد بن ورزين بن فلوس ابن كرماط بن مرين فدوّخ المغرب بأجمعه وحاصر تلمسان مدة حصرا شديدا وبنى المنصورة غربي تلمسان مدة الحصار وفيها يقول ابن الخطيب السلماني في رقم الحلل :

ثم بنا المنصورة الشهيرة

البلدة الجامعة الكبيرة

(ص ١١٦) / وقيل بناها يوسف بن يعقوب كما مرّ وفتك بأهل تلمسان فتكا عظيما وقاتله مالكها أبو تاشفين إلى أن استشهد هو وأولاده ووزيره فدخلها عنوة ولما حلّ بها طلب الإعانة منهم بالأموال للجهاد فقال له أبو زيد بن الإمام لا يصح لك حتى تكنس بيت المال وتصلي فيها ركعتين كما فعل عمر رضي‌الله‌عنه. وفتح ندرومة ووجدة ورجع للمغرب. ثم غزى (كذا) طريف بالأندلس فهزم هزيمة كبيرة حصدت فيها شوكة المسلمين. ثم غزى (كذا) وهران والمغرب الأوسط إلى أن وصل لإفريقية بسبب أن السلطان أبا بكر الأصغر الحفصي لما توفي سنة سبع وأربعين من الثامن (١) وكثر القتال بين بقيّة بني حفص وبين ولديه أبي العباس وأبي فارس وأضرمت إفريقية نار الفتنة هرب حاجب السلطان محمد بن تافركين للمغرب لسعاية بلغت به فلحق بأبي الحسن المريني وصار يرغبه في ملك تونس ويسهل عليه أمرها ويهوّنها عليه وكانت نفسه تحدثه لما فتح تلمسان بإفريقية ويتربّص بالسلطان أبي بكر فقويت عزائمه عليها ثم أخبر بمهلك ولدي أبي بكر أبي العباس وأبي فارس فارتحل من مراكش وجدّ السّير إلى تلمسان فوافته بها الحشود من كل جهة وارتحل في صفر سنة ثمان وأربعين من الثامن (٢) يجرّ الدنيا بما حملت فنزل بوهران وفتحها وأمر ببناء البرج الأحمر بها فبني وجعل في وسطه دائرة لا تراكين لها بناء محكما واتقنه إلى أن كاد الجوّ يغصّ به وقلّما يوجد مثله في السّعة واتقان البناء فهو إيوان الحكم لكل من ملك (ص ١١٧) وهران ثم بنا (كذا) ثانيا برج / المرسى كلاهما تلك السنة فبينما هو بوهران إذ وفدت عليه بها أولاد حمزة ، والكعوب وسائر أمراء إفريقية وبعث ابن مكي أمير

__________________

(١) الموافق ١٣٤٦ ـ ١٣٤٧ م.

(٢) الموافق ماي ـ جوان ١٣٤٧ م.

١٧٦

قابس وفده بالطاعة وابن جلول صاحب توزر وابن عابد صاحب قفصة وصاحب الحامة وصاحب نفطة كلهم بايعوه بوهران رغبة ورهبة وأدّوا بيعة ابن ثابت صاحب طرابلس لبعد داره ثم قدم في أثرهم يوسف بن منصور صاحب الزّاب ومعه كبير الذواودة يعقوب بن علي فأوسع الكل كرمه وجوائزه وعين القهارمة لإتمام البرجين المذكورين والعمالة والولاة وفي ذلك قال الحافظ أبو راس في سينيته :

ثامن قرن قدمها المريني أبو

حسن ثمت بيعة طرابلس

بنا بها الأحمر ففاق كل بنا

ثم بنا الثاني حذو سفن المرس

ثم ارتحل يجرّ الأمم قاصدا إفريقية فمرّ على كل بلدة ومكان في أمن وأمان إلى أن دخل تونس في يوم مشهود يقلّ مثله بعده في الوجود ، ومعه شيخ الموحدين بتونس أبو محمد بن تافركين بجنود عظام فبايعه بها خمسون ملكا ووافق ذلك موت الحاجب لتعلقات العلم وجامع أشتات النثر والنظم وإمام المصنفين بحكم أقرانه الراشدة العلامة ابن هارون أحد شارحي ابن الحاجب وشيخ ابن عرفة وزوجته في ليلة واحدة ، فقدم السلطان لما حضر جنازتهما للصلاة عليهما أبا عبد الله السبطي صاحب الفتوى بالمجلس الذي أولاده مشهورون بأولاد السّبطي للآن بفاس. ولما حلّ بتونس اندفع إليه الشعراء بها يهنونه بالفتح وكان سابقهم في تلك النوبة أبو القاسم الرحوي من ناشئة أهل الأدب فرفع / إليه قصيدة بائية محتوية على ثمان وستين بيتا مطلعها : (ص ١١٨)

أجابك شرق إذ دعوت ومغرب

فمكّة هشّت للقاء ويثرب

ونادتك مصر والعراق وشامه

بدارا فصدع الدين عندك يشعب

وحيّتك أو كادت تحيّي منابر

عليها دعاة الحق باسمك تخطب

وانظر تمامها إن شئت في ترجمان العبر أو دليل الحيران.

ثم غزى (كذا) من تونس العرب بالقيروان بعد صلاة عيد الأضحى فوافاهم في الفرح بين بسيط تونس وبسيط القيروان المسمى بالثنية فأجفلوا أمامه وقاتلوه منهزمين وهو في اتباعهم إلى أن حلّ بالقيروان ورأوا أن لا ملجأ منه فاتفقوا على الاستماية (كذا) ودسّ إليهم من عسكر السلطان بنوا عبد الواد ومغراوة وتجين

١٧٧

فغلبوا بني مرين وواعدوهم بالمناجزة صبيحة يومهم ليتحيزوا إليهم براياتهم وصبحوا معسكر السلطان فركب إليهم التعبئة فاختلّ مصافه وتحيّز إليهم الكثير من جيشه فكانت الدائرة عليه ونكب نكبة عظيمة ونجا إلى القيروان فدخلها في الفلّ من عساكره وتدافعت ساقات العرب في إثره وتسابقوا إلى محلّته فنهبوها ودخلوا فساطيطه واستولوا على ذخائره والكثير من حريمه وأحاطوا بالقيروان ودارت حللهم بها وتعاوت ذيابهم بأطراف البقاع وأجلب ناعق الفتنة من كل مكان ولم ينج إلّا في أرذل حالة وذهب ليلا إلى سوسة على تعبئة فركب منها في الأسطل (كذا) إلى تونس وحل بها فشرع في إصلاح ما ثلم منها.

عودة وهران لدولة بني زيان

(ص ١١٩) ثم / رجع ملك وهران للدولة الخامسة وهي دولة بني زيان فملكها بعد أن استولى على تلمسان أبو سعيد بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن الزياني فأحيا (كذا) الدولة الزيانية بعد العفاء وأظهرها بعد طول الخفاء وهو سادس الملوك الزيانية ، وعاشر القاسمية ، بويع له في ربيع الأول سنة تسع وأربعين من الثامن (١) بأرض إفريقية وجاء مغربا ومعه تجين ومغراوة وبنوا عبد الواد ولما حلّ بشلف فارقته تجين ومغراوة بعد التحالف على المناصرة عند الحاجة وتمادى بنوا عبد الوادي بسلطانهم لتلمسان. وكان أبو عنان المريني أقام بها عثمان بن جرار أحد بني طاع الله فبعث لهم ابن جرار أخاه في جيش للمحاربة فكان مصاف القتال بسكّاك فقتل ابن جرار وأخذ ما معه إلّا اليسير وجاء أبو سعيد لتلمسان فسأل عاملها ابن جرّار الأمان فأمن ودخلها أبو سعيد في جمادى الثانية تلك السنة (٢) ، فبرز في سماء الخلافة وشارك أخاه أبا ثابت في المملكة فكانت السكة والخطبة لأبي سعيد ، وأمر الحرب واستتباع الجيوش لأبي ثابت ، واختار أخوهما الأكبر أبو يعقوب سكنى ندرومة منقطعا للعبادة ، وتركا أبا الحسن المريني بالمشرق فمهدا البلاد ودوّخا العباد. فبينما هما كذلك إذ أتاهما الخبر أن أبا الحسن نزل بالجزائر ومعه وزمار بن عريف السويدي الهلالي على ما

__________________

(١) الموافق ماي حوان ١٣٤٨ م.

(٢) الموافق أوت سبتمبر ١٣٤٨ م.

١٧٨

لابن خلدون ، والمخزومي ، / على ما للحفاظ الثلاثة : أبي راس المعسكري ، (ص ١٢٠) وموسى بن عيسى المازوني المغيلي ، وابن الخطيب التلمساني القرشي ، وتجين وعرب تلك النواحي ، وأنه رايم تلمسان فخرج أبو ثابت بجيش عظيم وبعث لعلي بن راشد المغراوي فالتقيا بالتاغية واتفقا على أن أبا ثابت يلقى أبا الحسن ، وعليا بن راشد يلقى الناصر ، فكان مصاف القتال بتيغرين وحصلت الحروب الشديدة التي يشيب لها رأس الوليد انهزم فيها المغراوي وثبت أبو ثابت إلى أن هزم أبا الحسن وقتل ولده الناصر وأعيانه ، ولو لا ظلام الليل (كذا) ما نجا أبو الحسن ودخل وزمار بن عريف بأبي الحسن للصحراء إلى أن وصل لسجلماسة وذهب مغرّبا ورجع أبو ثابت بالظفر والغنيمة.

ثم قتل مغراوة بعض بني عبد الوادي غيلة فتوجه لهم أبو ثابت وهم بالجبل المطل على تنس وهجم عليهم ففرّ علي بن راشد لتنس واقتحمها عليه فذبح عليّ نفسه وبه انقرض ملك بني ثابت بن منديل واستولى أبو ثابت على بركش والمدية ومليانة والجزائر ورجع لتلمسان وكتب له أبو عنان المريني على الإقلاع عليهم فأبى وسمع بموت علي بن راشد فأنف وتحرك لتلمسان ولقيه أبو سعد وأبو ثابت بجيش بلغ منه الإعجاب بأنقاد ونزلوا بسلى فكان مصاف القتال بوادي القصب ولما حمى الوطيس خدعت بنو عامر على عادتهم الذميمة وجرّت الهزيمة عل أبي سعيد وكبّ به فرسه فأخذ وقتل يوم السبت حادي عشرين جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة (١) واستمرّ / أبو ثابت لتلمسان فأقام بها يوما ولحق (ص ١٢١) بالجزائر فاجتمع عنده جيش عظيم ورجع به مغربا لعدوه فكان مصاف القتال بوادي شلف فوقعت حروب يشيب لها الرضيع ونكص بنو مرين الأعقاب فحمل وزمار ابن عريف السويدي على أبي ثابت فردّهم على أعقابهم وحصلت الهزيمة ففرّ أبو ثابت وأبو حمّ موسى والوزير يحيى بن داوود مشرقين في ثياب التنكّر فأرصدهم صاحب بجاية وأخذهم حولها فقال لهم الآخذون من هو أبو ثابت منكم فتقدم أبو حمّ وقال أنا فأطلقوا غيري فورد عليهم من يعرف أبا ثابت وهو وزمار بن عريف السويدي فحملهم إلى أبي عنان المريني فقال أبو عنان

__________________

(١) الموافق ٥ جويلية ١٣٥٢ م.

١٧٩

لأبي ثابت كيف رأيتم أبطال بني مرين فقال أبو ثابت أعانكم السعد وأما الرجلة غلبناكم فيها فدفعه لبني جرار فقتلوه قصاصا ثالث عشر رمضان تلك السنة (١) وذهب أبو حمّ لتونس فاستقرّ بها عند أبي إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى زكرياء الحفصي في نعمة شاملة إلى أن كان ما يأتي ذكره.

عودة وهران للدولة المرينية

ثم رجع ملك وهران للدولة السادسة وهي المرينية فملكها أبو عنان وذلك أن أبا الحسن لما رجع للمغرب حصل الخلل بينه وبين ابنه أبي عنان على الخلافة وغلبه ابنه على ذلك إلى أن عهد له بها فرجع له ابنه وتوفي سنة اثنين وخمسين من الثامن (٢) ودفن بسلا. وسبب موته أنه لما رجع من مقاتلة ابنه ابن عنان تمرّض. ففصد لإزالة الدم واغتسل بالماء قصد الطهارة فتورّم ومات بعد أيام قليلة وهو الذي شيّد بناء جامع سيدي أبي مدين ، وبنا (كذا) جامع سيدي الحلوى. ولما مات تولّى أبو عنان فارس بن أبي الحسن بموضع أبيه وشرع في تدويخ المغرب وتمهيده ثم غزى (كذا) تلمسان سنة أربع وخمسين من الثامن (٣) فحاصرها شديدا إلى أن دخلها عنوة وأطرد (كذا) عنها سلطانها صاحب الحرب أبا ثابت للمشرق ثم قتله بعد الظفر به وذبح سلطانها صاحب الأمر أبا سعيد بإفتاء الفقهاء له بذلك وخرّب تلمسان فحرثها غلام أسود على ثورين أسودين تلك السّنة. ثم تخطّا لوهران فملكها أيضا. وقد قال موسى بن صالح (ص ١٢٢) / الكاهن المعروف عند الناس بموسى ، وصالح المشهور بالكهانة ، إن تلمسان تحرث فكان كما قال وكان هذا الكاهن يسكن ببرابرة غمرة وأرضهم من المشتل إلى الزّاب. قال ابن خلدون : «واختلف الناس في أمره فبعضهم يقول بكهانته وبعضهم يقول بولايته ولا صحة لخبره ه» وقول الحافظ أبي راس في عجائب الأسفار : إن تلمسان حرثت سنة ستين من الثامن سبق قلم لأن أبا عنان كان ميتا

__________________

(١) الموافق ٢٣ أكتوبر ١٣٥٢ م.

(٢) الموافق ١٣٥١ ـ ١٣٥٢ م.

(٣) الموافق ١٣٥٣ ـ ١٣٥٤ م.

١٨٠