طلوع سعد السّعود - ج ١

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ١

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

(كذا) منها وملكوا دار بني صالح وهي قلعة النكور سنة ست من القرن الهامس (١) فخربوها وبقوا بها إلى أن قطع ملكهم يوسف بن تاشفين اللمتوني. ومن لحق منهم بالأندلس ، صار من أعيان جند المنصور ابن أبي عامر المعافري حاجب المؤيد هشام الأموي. ولما فتح يعلا مدينة وهران وخرّبها نقل أهلها إلى مدينته المعروفة في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة (٢) وبقيت خرابا مدة ثم تراجع الناس لها وبنيت. وذكر الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار أن يعلا ابن محمد بن صالح لما خرّب وهران جدّد بناءها في تلك السنة وانتقل إليها بأهله وولده من مدينته بأيفكان. قال البكري في تاريخه وكان في عمل وهران قرية أهلها موصوفون بعظم الأجساد ، وشدة الأياد (كذا) حتى أن الرجل الكامل في الخلق المعهود من غيرهم يكون إلى دون منكب الرجل منهم وكان رجل منهم يحمل ستة أنفار ويخطوا بهم خطوات اثنين على عتقيه ويتأبّط باثنين وعلى ذراعيه اثنين. وأن رجلا منهم احتاج لعمل بيت يسكنه فاقتطع ألف كلخة وحملها على ظهره وبنا بهم بيتا تاما معرسا. ه.

ثم أن محمدا بن الخير بن محمد بن خزر المغراوي لما رأى (كذا) وهران دار ملكهم اتخذها بنو يفرن دار ملكهم أيضا وبثوا بها الدعوة المروانية نزع إلى الشيعة وظهر لهم وأدّى لهم الطاعة ووفد على المعزّ العبيدي الشيعي / بإفريقية (ص ٤٥) فألفاه جهز قائده جوهرا لغزو المغرب سنة سبع وأربعين وثلاثمائة (٣) وخرج من القيروان في جيش عرمرم فجاء معه مغربا وكان من مشاهير بني خزر وأشرفهم نفسا فكان عنده بمكانة عظيمة وسار جوهر إلى أن نزل بتاهرت فلقيه بها يعلا ابن محمد بن صالح اليفرني في جيش عظيم من قبائل زناتة على مقربة من تاهرت بناحية شلف فالتحم (كذا) الحرب بينهما وبذل جوهر الأموال لقواد كتامة ولما اشتد الحرب صممت عصابة من أنجاد قواد كتامة وأجنادها وقصدوا يعلا فقتلوه واجتزوا رأسه وأتوا به إلى جوهر فأعطاهم الأموال الجليلة بشارة عليه وبعث

__________________

(١) الموافق ١٠١٥ ـ ١٠١٦ م.

(٢) الموافق ٩٥٤ ـ ٩٥٥ م.

(٣) الموافق ٩٥٨ ـ ٩٥٩ م.

١٢١

برأسه إلى المعزّ فطيف به بالقيروان وهزم بنو يفرن وتفرق جمعهم. هكذا في الأنيس المطرب ، وفي ابن خلدون ما يخالفه.

ولما مات يعلا قام ابنه يدّو مقامه لكنه لم يملك وهران. ثم ذهب جوهر مغربا ومرّ بمدينة إيفكان التي بناها يعلا فخربها ولم تعمر للآن وذهب معه محمد ابن الخير وقد عقد له على وهران فحضر معه جميع وقائعه بالمغرب ولما رجع أقرّه على وهران بعد أن قطع الدعوة المروانية من المغرب بأجمعه وردّها للشّيعة فخطب لهم على جميع منابر المغرب.

ثم حل محمد بن الخير بوهران وأقام ملكها غاية وبثّ دعوة الشيعة بالمغرب بعد أن وقعت له معهم حروب عظام ولما تقلدها في سنة سبع أو ثمان وأربعين (ص ٤٦) وثلاثمائة / وهي السنة التي قتل فيها يعلا. ويقال إن محمدا بن الخير هو الذي أغرى جوهرا على قتله. أدّى لهم الطاعة التامة وظاهرهم غاية الظهور ورفض المروانيين بالأندلس رفضا كليا. وفي سنة خمسين وثلاثمائة (١) توفي جده محمد ابن خزر بالقيروان بعد أن عمر كثيرا كما في ابن خلدون. ثم في سنة ستين وثلاثمائة (٢) فسد ما بين محمد بن الخير والشيعة وتقلد طاعة المروانيين بالأندلس وحشّد جميع زناتة المغرب الأوسط ما عدا تاهرت لبقائها بيد الشيعة وأمدّه المرواني من قرطبة بما أراد من الجيش العرمرم ونهض من وهران يجرّ الأمم بحذافرها فبلغ ذلك زيري بن مناد الصنهاجي عامل الشيعة وجمع له الجموع التي لم يعهد الزمان بمثلها ولما اجتمعت بدار ملكه أشير ، عقد لابنه بلكين وأمره بحرب محمد بن الخير فالتقى الجمعان بالبطحاء ووقعت الدائرة على محمد بن الخير بعد أن وقعت بينهما الحروب العظام ويقال أن زيري دسّ من يجرّ الهزيمة على محمد بن الخير. ولما رءا (كذا) ذلك مال بنفسه إلى ناحية من عسكره وذبح نفسه سنة ستين وثلاثمائة (٢) وانهزم قومه سائر يومهم وبقيت عظامهم ماثلة بمحل القتل أعصرا وهلك من قومه سبعة عشر أميرا في تلك الواقعة سوى الأتباع كذا في ابن خلدون ، وقال غيره بضعة عشر من غير تعيين ،

__________________

(١) الموافق ٩٦١ ـ ٩٦٢ م.

(٢) الموافق ٩٧٠ ـ ٩٧١ م.

(٢) الموافق ٩٧٠ ـ ٩٧١ م.

١٢٢

فأخذ بلكّين رؤسهم وانقلب بها إلى أبيه ظافرا بالغنيمة وبعث بها زيري إلى إفريقية للمعزّ الشيعي / فامتلأ سرورا وغمّ لها المنصور الأموي بقرطبة وبذلك (ص ٤٧) علا قدر زيري على سائر العمال.

ثم تولى الخير بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر رئاسة قومه بموضع أبيه بوهران فملكها واجتمع بأخيه يعلا بن محمد بن الخير وقومهما وطلبوا الثأر. ولما جاءهم جعفر بن علي عامل المسيلة للشيعة فارا من المعزّ الشيعي ألقوا إليه حالهم وجعلوا بيده زمام أمرهم فقام بدعوة المرواني منتقضا على الشيعي فزحف لهم زيري بن مناد الصنهاجي من آشير واقتتلوا قتالا شديدا فكانت الدائرة على زيرى وأكبّ (كذا) به فرسه فأخذوه وقتلوه واجتزوا رأسه وبعثوا به إلى الحاكم المرواني بقرطبة سنة ستين أو إحدى وستين وثلاثمائة فأخذ مغراوة ثأرهم وشفوا غليلهم ، وأبردوا (كذا) غليلهم وتهدم بموت زيري البنيان لصنهاجة ، والدنيا تلك عادتها يوم بيوم والدّهر قاض ما عليه لوم. ولما أخذ الخير بن محمد بن الخير بثأر أبيه من الصنهاجيين وتمهّد له الملك نهض بلكّين ابن زيري بن مناد الصنهاجي لقتاله آخذا بثأر أبيه زيري المذكور وذلك سنة سبع وستين وثلاثمائة (١) فجمع الجموع التي لا تحصى ولا تعد ، وغزى (كذا) المغربين حتى انتهى إلى أقاصي المغرب الأقصا (كذا) وملك فاسا وسجلماسة وأطرد (كذا) جميع أولياء المروانيين وتقبّض على علي بن نور ، ومحمد والخير ، ابني محمد بن الخير فقتلهم وفرّ من بقي من ملوك زناتة مثل يدّو بن يعلا اليفريني وبني عطيّة المغراويين وغيرهم ولاذوا بسبتة وبعثوا بالصريخ إلى المنصور بن أبي عامر المعافري فخرج من قرطبة للجزيرة الخضراء / وأمدهم بعساكر جمّة ولّى عليها (ص ٤٨) ابن حمدون وعقد له على حرب بلكين وأمّده بمائة حمل من المال فأجاز (كذا) البحر وصيّر مصافّ القتال لظاهر سبتة. وكان بلكين بعساكره في تيطاون فتحيّل وأطلّ على عسكرهم فرءا (كذا) ما أدهشه وقال هذه أفعا أفغرت إلينا فاها (كذا) وكرّ راجعا فهدم البصرة وجاهد في بر غوّاطة وسلبهم وبعث بذلك للقيروان وأقطع (كذا) الدولة الأموية من المغرب كله. ولم تزل معه مغراوة في تشريد إلى

__________________

(١) الموافق ٩٧٧ ـ ٩٧٨ م.

١٢٣

الصحرا وإذعان له إلى أن هلك سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة (١) بموضع يقال له وازركس بين سلجماسة وتلمسان بسمّ سقته له زوجته.

ثم تولى بوهران يعلا بن محمد بن الخير الخزري المغراوي بموضع أخيه الخير بن محمد وقام بأمر زناتة فضبط الملك وتكررت إجازته (كذا) مع ابن أخيه محمد بن الخير بن محمد إلى المنصور بن أبي عامر المعافري بقرطبة ليمدهما بالجيش لأخذ الثأر في الخير بن محمد وأصحابه من أعدائهم الصنهاجيين فلم تحصل لهما فائدة وسلم يعلا بن محمد بن الخير لابن أخيه محمد في رئاسة قومه بوهران.

ثم تولى بوهران محمد بن الخير بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر المغراوي رئاسة قومه وذلك في أعوام الستين وثلاثمائة (٢) ثم تولى بعده أمر زناتة بالمغرب الأوسط بدار ملكهم وهران محمد بن يعلا بن محمد بن الخير بن محمد ابن خزر المغراوي فملك ما ملك أبوه وجده كافة واستولى على كافة المغرب حتى أضاف لعمله المسيلة والصحرا والمغرب وبوادي زناتة. ولم يبق لبني أمية (ص ٤٩) معه سوى الخطبة خاصة وأطرد (كذا) الصنهاجيين من / أكثر عملهم.

ثم في سنة ثمان وستين وثلاثمائة (٣) تولى زيري بن عطية بن عبد الله ابن محمد بن خزر الخزري المغراوي ، فملك وهران وغيرها وذلك بدعوة هشام المؤيد الأموي وحاجبه المنصور بن أبي عامر المعافري بعد انقطاع أيام الأدارسة وبني أبي العافية المكناسي من المغرب الأقصا (كذا) ، فملك المغربيين وغلب على بواديهما كله (كذا) واستوطن فاسا وصيره دار ملكه في عام سبعة وسبعين وثلاثمائة (٤) وأورثه لبنيه من بعده. المعروف الآن بباب القيسة وعلا قدره وعظم سلطانه وارتفع شأنه على سائر العمال.

ثم قام عليه أبو البهار بن زيري بن مناد الصنهاجي بالمغرب الأوسط

__________________

(١) الموافق ٩٨٣ ـ ٩٨٤ م.

(٢) الموافق ٩٧٠ ـ ٩٨٠ م.

(٣) الموافق ٩٧٨ ـ ٩٧٩ م.

(٤) الموافق ٩٨٧ ـ ٩٨٨ م.

١٢٤

مخالفا على ابن أخيه منصور بن بلكين ظهير الشيعة فنقض أمر الشيعة ومال للمروانيين وغلب على تلمسان ووهران ومازونة وتمزغران (كذا) ومستغانيم ، والبطحا ، وتنس ، وشلف ، وشرشال ، ووانسريس ، ومليانة ، وكثير من بلاد الزّاب ، وخطب للمؤيد وحاجبه وبعث لهما بالبيعة والهدية وذلك سنة سبع وسبعين وثلاثمائة (١) فبعث له المنصور بالعهد على ما بيده من البلاد وصارت وهران في حكمه ودار ملكه وبقي نحو الشهرين ورفض دعوة الأمويين ومال للشيعة فبلغ المنصور أمره فبعث فورا لزيري بن عطية المغراوي المذكور بالعهد على بلاد أبي البهار وأمره بقتاله فسار له بجيوش كثيرة وفرّ أبو البهار هاربا بنفسه فلحق بابن أخيه وترك المغرب لزيري الخزري فرجعت له وهران كأول مرة فاتسع عند ذلك سلطانه وامتدّ ملكه من سوس الأقصا إلى الزاب ، وكتب بالفتح للمنصور وبعث له صحبة الكتاب بهدية عظيمة من جملتها قطط الزبد ثم اللمط ، والزرفة وغيرهم ، فسرّ المنصور بذلك كثيرا وكتب له بالجواز عنده فجاز في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة (٢) فأوسع له المنصور ولأصحابه في الجوائز / وأعطاه مالا (ص ٥٠) عظيما ، وهدايا كثيرة ولقّبه بالوزارة فرجع لأهله كارها لذلك ومستقللا للعطايا ونهر من قال له يوما يا وزير وقال له ما أنا إلّا أمير وابن أمير ، فو الله لو ألقى المنصور رجلا بالأندلس ما تركه على حاله يراه ، تسمّع بالمعيد خير من أن تراه ، ثم وضع يده على رأسه وقال له يا هذا الراس الآن علمت أنك لي ، وكان في حال جوازه للأندلس وجد يدو بن يعلا اليفريني فرصة للمغرب فزحف بجنوده لفاس ودخله في ذي القعدة سنة اثنين وثمانين وثلاثمائة (٣) ولما سمع به زيري جدّ السير له إلى أن وصله فقاتله كثيرا واتصلت بينهما حروب عظيمة وصار كل من غلب منهما دخل فاسا إلى أن ظهر به زيري في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة (٤) فقتله وبعث برأسه للمنصور فلم يبق له بالمغرب منازع وهابته الملوك. ويدّو بن يعلا هو القائل للنصور لما استدعاه للقدوم عنده : حمر الوحش لا تقاد للبيطار.

__________________

(١) الموافق ٩٨٧ ـ ٩٨٨ م.

(٢) الموافق ٩٩١ ـ ٩٩٢ م.

(٣) الموافق ٩٩٢ ـ ٩٩٣ م.

(٤) الموافق ٩٩٣ ـ ٩٩٤ م.

١٢٥

ثم في رجب سنة ثلاث أو أربع وثمانين وثلاثمئاة (١) بنا (كذا) زيري مدينة وجدة وحصّنها وشيد قصبتها وانتقل إليها بأهله وذخائره وجعلها قاعدة ملكه لتوسطها بين المغربين. قال الحافظ أبو راس في الخبر المعرب : إن وجدة هي الفاصل بين المغرب الأقصا والأدنا. وقال في فتح الرحمان : إن وجدة كانت في القديم بها مدينة عظيمة لها ثلاثمائة باب وبضع وستون بابا. وسمّيت وجدة لأنها مسكن أهل الوجد ، أو لوجود الصالحين فيها. قاله الغزالي. وبإزائها قبر يحيى بن يونس المدفون بغرب جبل الكواكب من أرض أنقاد يقال إنه من الحواريين الصديقيين ، عبد الله تعالى ثمانين سنة صياما وقياما ولم يأكل فيها شيئا وآمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل مبعثه بخمسمائة عام يقال إن ماء وجدة يخرج من قرب ضريحه أو منه نفعنا الله وذريتنا وقرابتنا وأحبابنا وكافة المؤمنين ببركته.

ثم فسد ما بين زيري بن عطية الخزري المغراوي وبين المنصور بن أبي عامر المعافري في سنة ست وثمانين وثلاثمائة (٢) فبعث المنصور جيوشا كثيرة لنظر واضح لمحاربته ولقيه زيري بجيوشه وحصل المصافّ بوادي ردات بأحواز (ص ٥١) طنجة واتصلت الحروب الكثيرة بينهما ثلاثة أشهر فكان الظفر فيها لزيري / وهزم واضح بجيوشه ومات منه خلق كثير وفرّ لطنجة فتحصّن بها وكتب للمنصور يستصرخه فأمده بجيوش الأندلس وقوادها وعقد عليها لابنه المظفر بن المنصور وأمره بحرب زيري فأجاز البحر وحلّ بطنجة فأهابه زيري وكتب لجيوشه فاجتمعت عليه من سجلماسة ، وتلمسان ، ووهران ، والزاب ، وسائر بوادي زناتة ، ونهض بهم للقاء المظفر فكان المصاف بوادي مينا من أحواز طنجة. وكان لزيري غلام يقال له سلام لا يحبه فألفى الغلام في زيري الفرصة لما وجده مضطجعا ظنّا منه أنه نائم فتقدم له وضربه بسكين كانت عنده للبّته يريد نحره وجرحه ثلاث جراحات ، وتركه كالميت في دمه وانطلق مسرعا للمظفر وأخبره فأمكنته الفرصة وشدّ على زناتة وهم في دهشة مما حلّ بأميرهم من غلامه سلّام فهزمهم واحتوى على المحلة بجميع ما فيها وكثر السبي والقتل وغنم ما لا يحصى ولا يعدّ. وهرب

__________________

(١) الموافق ٩٩٣ ـ ٩٩٥ م.

(٢) الموافق ٩٩٦ ـ ٩٩٧ م.

١٢٦

زيري لمضيق الحية وهو موضع قرب مكناسة واجتمع عليه فلّه وهم بالرجوع فجهّز له المظفر خمسة آلاف فارس لنظر واضح فأسرى بهم ليلا وضرب محلّة زيري غفلة وذلك في نصف رمضان سنة سبع وثمانين وثلاثمائة (١) فأوقع بهم موقعا عظيما وأسر من أعيانهم نحو ألفي رجل فمنّ عليهم المظفر وصاروا من جملة جنوده. وفرّ زيري في شرذمة من أصحابه وقرابته لفاس فأغلقت الأبواب في وجهه فأخذ أهله والدواب والزاد وذهب للصحرا (كذا) فنزل بسجلماسة ثم زاد لبلاد صنهاجة فألفى أهلها قد اختلفوا على ملكهم باديس بن منصور بن بلكين بعد وفاة / منصور فبعث لقبائل زناتة فأتاه خلق كثير فاغتنم الفرصة وزحف (ص ٥٢) لصنهاجة فأوغل فيهم كثيرا وهزم جيوشهم ودخل تاهرت وجملة من الزاب وملك المسيلة ، ووانسريس ، وشلف ، وتنس ، ومازونة ، والبطحاء ، ومستغانم ، وتمزغران ، ووهران ، وتلمسان ، وسائر المغرب الأوسط ، وغيره ، وأعاد (كذا) لوجدة وأقام الدعوة للمؤيد وحاصر آشير قاعدة صنهاجة وبقي يغاديها ويراوحها إلى أن مات من جراحاته المارة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة (٢).

ثم تولى بعده بوهران يعلا بن محمد بن الخير مرة ثانية وضبط أمرها وخضعت له الرعية وأدّت طاعته زناتة ، وهابته الملوك فبقي إلى سنة عشرة وأربعمائة (٣).

ثم بويع بموضعه ابن أخيه وهو محمد بن الخير بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر مرة ثانية وضبط الملك أكثر من عمّه يعلا وأطاعته سائر زناتة المغرب الأوسط مدنه وبواديه وامتدّ له في الملك من سنة عشرة وأربعمائة إلى سنة ثلاثين وأربعمائة (٤).

ثم قام بأمره من بعده في وهران ابن عمه محمد بن يعلا بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر مرة أخرى ومهّد له الملك أكثر من الأولى ودخل في

__________________

(١) الموافق سبتمبر ١٩٩٧ م.

(٢) المواف ١٠٠٠ ـ ١٠٠١ م.

(٣) الموافق ١٠١٩ ـ ١٠٢٠ م.

(٤) الموافق ١٠١٩ ـ ١٠٣٩ م.

١٢٧

طاعته سائر المغرب الأوسط بواديه وقراه ومدنه ، وحصنه ، وضايق صنهاجة بالمشرق وأبناء عمه مغراوة وبني يفرن بالمغرب والصحراء ، وصاروا معه تارة في حرب وأخرى في سلم واتصلت يده بيد ابن أخيه بختي بن تميم بن يعلا ابن محمد بن الخير بن محمد بن خزر ملك تلمسان فتمهّد لهما المغرب. ولا زالا كذلك في الملك إلى أن هلكا معا ومعهما وزير بختي بن تميم وهو أبو سعيد (ص ٥٣) الزناتي خليفة اليفرني في حرب الأثبج / وزغبه ، الهلاليين بالزاب في أعوام الخمسين وأربعمائة (١) كما في ابن خلدون وغيره.

ثم تولى بموضع محمد بن يعلا بوهران ابنه محمد الصغير ابن محمد ابن يعلا بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر المغراوي. وبتلمسان العباس ابن بختي بن تميم بن يعلا بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر المغراوي. واستبدّ كلّ منهما بموضعه وما يليه وتحت حكمه ، وضبط الأمر بحكمه. ولا زالا كذلك إلى أن أزالهما يوسف بن تاشفين اللمتوني سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة (٢) فانقطع ملك الدولتين بالمغرب وهما المروانيين والشيعة بالكلية.

قائمة حكام وهران

فتلخص من هذا أن الذين ملكوا وهران من عمّال الدولتين المذكورتين ستة عشر. فمن مغراوة عشرة وهم : خزر بن حفص ، ثم ابنه محمد بن خزر ، ثم ابنه الخير بن محمد ، ثم ابنه محمد بن الخير ، ثم ابنه الخير بن محمد ابن الخير ، ثم ابنه يعلا بن محمد بن الخير ، ثم محمد بن الخير بن محمد ابن الخير بن محمد بن خزر ، ثم محمد بن يعلا ، ثم زيري بن عطية ، ثم محمد الصغير بن محمد بن يعلا. وهؤلاء كلهم خزريون مغراويون. ومن أزديجة وعجيسة اثنان : وهما : أبو ديلم بن الخطاب الزديجي من بني مسرقين ، وشجرة ابن عبد الكريم العجيسي. ومن الشيعة واحد وهو محمد بن أبي عون. ومن بني يفرن واحد وهو يعلا بن محمد بن صالح اليفرني. ومن صنهاجة اثنان وهما

__________________

(١) الموافق ١٠٥٨ ـ ١٠٦٧ م.

(٢) الموافق ١٠٨٠ ـ ١٠٨١ م.

١٢٨

بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي ، وأخوه أبو البهار بن زيري بن مناد الصنهاجي.

قائمة الخلفاء الأمويين بالأندلس والمشرق

واعلم أن جملة المروانيين بالأندلس ستة عشر ملكا وهم : عبد الرحمن الداخل ، ثم ابنه هشام الراضي ، ثم / ابنه الحاكم ، ثم ابنه عبد الرحمن ، ثم ابنه (ص ٥٤) محمد بن عبد الرحمن ، ثم ابنه المنذر بن محمد ، ثم أخوه عبد الله بن محمد ، ثم عبد الرحمن الناصر بن محمد بن عبد الله ، ثم ابنه الحاكم بن عبد الرحمن الناصر ، ثم ابنه هشام المؤيد ، ثم محمد المهدي بن هشام بن عبد الجبار ، ثم المستعين سليمان بن الحاكم بن سليم بن عبد الرحمن الناصر ، ثم عبد الرحمن ابن هشام بن عبد الجبار ، ثم المستكفي محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله ابن عبد الرحمن الناصر ، ثم المستعين هشام بن محمد بن عبد المالك بن عبد الرحمن الناصر ، ثم أميّة الأموي وبه انقطعت دولة بني أمية من الأندلس.

وجملتهم بالمشرق أربعة عشر ملكا وهم : معاوية بن أبي سفيان ، ثم ابنه يزيد بن معاوية ، ثم ابنه معاوية بني (كذا) يزيد ، ثم مروان ابن عبد الحاكم ، ثم ابنه عبد المالك (كذا) بن مروان ، ثم ابنه الوليد ابن عبد المالك ، ثم أخوه سليمن (كذا) بن عبد المالك ، ثم عمر بن عبد العزيز ابن مروان ، ثم يزيد بن عبد المالك بن مروان ، ثم هشام بن عبد المالك ، ثم الوليد بن اليزيد بن عبد المالك ، ثم ابنه يزيد بن الوليد ، ثم إبراهيم (كذا) ابن الوليد ، ثم مروان بن محمد بن مروان ، وبه انقرضت دولتهم بالمشرق. قال العلا (كذا) ولما انقضت مدة دولة بني أمية وقرب تمامها كنت نائما عند سليمان ابن هشام فإذا به قد أيقظني وقال لي كنت نائما فرأيت في نومي كأني في جامع دمشق وكأن رجلا في يده خنجر وعلى رأسه تاج وهو رافع صوته بهذه الأبيات :

أبني أمية قد دنا تشتيتكم

وذهاب ملككم وأن لا يرجع

وينال صفوته عدو ظالم

للمحسنين إليه ثمّت يفجع

/ (ص ٥٥) بعد الممات فكل ذلك صالح

يا ويحه من قبح ما قد يصنع

١٢٩

قال العلا فقلت لسليمان ولعل ذلك لا يكون ، فأطرق سليمان ساعة وقال لي هيهات يا علا ما يأتي به الزمان قريب ، فلم تتم الجمعة حتى دخل عليهم مروان الجعدي وانقرضت دولتهم فاتح ثلاث وثلاثين ومائة (١) انظر الجمان للشاطبي.

قائمة خلفاء الشيعة الفاطميين

وجملة ملوك الشيعة وهم العبيديون أربعة عشرة ملكا وهم : المهدي ثم القائم ، ثم المنصور ، ثم المعزّ ، ثم العزيز ، ثم الحاكم ، ثم الظاهر ثم المستنصر ، ثم المستعلا ، ثم الآمر ، ثم الحافظ ، ثم الظافر ، ثم الفائز ، ثم العاضد وهو آخرهم. وبه انقرضت دولتهم ، ودأب الدنيا لم تعط إلّا استردّت ولم تحل إلّا تمرّرت ولم تصف إلا تكدرت بل صفوها لا يخلو من الكدر. وفي ذلك قال الشاعر من البسيط :

حسّنت ظنك بالأيام إذ حسنت

ولم تخف سوء ما يأتي به القدر

وساعدتك الليالي فاغتررت بها

وعند صفو الليالي يحدث الكدر

الحذر ينفع ما لم يغلب القدر

فإن أتى قدر لم ينفع الحذر

لا بدّ من فرح يوما ومن ترح

وهكذا الدّهر في تصريفه عبر

وليس من قدر إلّا له سبب

وليس من سبب إلّا له قدر

رمت البقا أبدا ولا بقاء بها

والموت حقّ فلا يبقي ولا يذر

قائمة ملوك الأدارسة بالمغرب الأقصى

وجملة ملوك الأدارسة بالمغرب الأقصا (كذا) ثلاثة عشر وهم : إدريس الأكبر ابن عبد الله الكامل ، ثم ابنه إدريس الأصغر ، ثم ابنه محمد بن إدريس ، ثم ابنه علي ابن محمد ، ثم أخوه يحيى بن محمد ، ثم ابنه يحيى بن يحيى ، ثم علي بن عمر ابن إدريس الأصغر ، ثم يحيى المقدام بن القاسم بن إدريس الأصغر ، ثم يحيى ابن إدريس بن عمر بن إدريس الأصغر. وهو أعلا الأدارسة ملكا ، ثم الحسن الحجام

__________________

(١) الموافق أوت ٧٥٠ م.

١٣٠

ابن محمد بن القاسم بن إدريس الأصغر. ثم محمد كانون ابن القاسم بن إدريس الأصغر. ثم ابنه أبو يعيش أحمد بن محمد كانون ، ثم أخوه الحسن بن محمد كانون.

وهو آخرهم ، وبه انقرضت دولتهم من المغرب بالكلية.

قائمة ملوك السليمانيين بالمغرب الأوسط

وجملة ملوك السليمانيين بالمغرب الأوسط إحدى وعشرون : فبتلمسان أربعة وهم : محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل. ثم ابنه أحمد ، ثم ابنه محمد ، ثم ابنه القاسم. وبرشقون أربعة أيضا وهم : عيسى بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم ابنه إبراهيم ، ثم ابنه يحيى ، ثم أخوه إدريس بن إبراهيم. وبجرارة ثلاثة وهم : إدريس بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم ابنه أبو العيش عيسى ، ثم ابنه الحسن. وبتاهرت ثلاثة أيضا وهم : الحسن بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم ابنه حناش ، ثم ابنه بطوش. وبتنس سبعة وهم: إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم ابنه عيسى ، ثم ابنه إبراهيم ، ثم محمد بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم ابنه يحيى ، ثم ابنه علي ، ثم أخوه حمزة بن علي ، وتغلّب العبيديون على السليمانيين ، لما تملّكوا المغرب الأوسط فأزالوا دولتهم وقطعوها والملك لله وحده.

١٣١

الدولة الثالثة المرابطون

(ص ٥٧) ثم ملك وهران / الدولة الثالثة وهم المرابطون :

ويقال لهم الملثمون وهم لمتونة فرقة من صنهاجة تلقّبوا بذلك لكونهم انقطعوا في جزيرة ببحر النيل (١) وربطوا أنفسهم فيها للطاعة مع شيخهم عبد الله ابن ياسين إلى أن كثر عددهم فقاموا للملك إلى أن كان منهم ما كان. ومن ثمّ صار هذا لقب لكل ناسك مبرور ملازم للطاعة لا يدخل في شؤون المخزن سيّما بالمغرب الأوسط. وسمّوا بالملثمين إمّا لكونهم لا يتركوا (كذا) اللثام حتى أنه لا يعرف أحدهم إلا إذا كان ملثما وإلّا فلا ، وإما لكون رجالهم غابت عن حيّهم وبقي به النساء فجاءتهم العرب لأخذهم فلبس النساء لباس الرجال وتلثمن لئلا يعرفن وركبن النجائب وقاتلن العدو إلى أن دفعن (كذا) عن الحي ففعل ذلك الرجال وبقيت فيهم سنّة للآن في بلادهم وهم الذين يقال لهم التوارق بقرب السّودان.

وأول من ملك منهم وهران المجاهد يوسف بن تاسفين اللمتوني وذلك أنه استقر بالمغرب سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة (٢) خليفة «لابن عمه أبي بكر ابن عمر اللمتوني لما اختار الرجوع للصحراء وصار يدوّخ فيه ولما صعب عليه حرب المصامدة ذهب لمراكش وهي مفاوز ومعناها بلغتهم «إمش مسرعا». فمر

__________________

(١) هذه رواية ابن خلدون ولكن الحقيقة أن الجزيرة التي اعتصم بها عبد الله بن ياسين وتلاميذه ورابطوا بها تقع في حوض نهر السينغال. ولو أن الأستاذ محمد عبد الله عنان ذكر أنها تقع في منحنى نهر النيجر.

(٢) الموافق ١٠٦١ ـ ١٠٦٢ م.

١٣٢

معناه : إمش ، وكش ، معناه : مسرعا. وبنا (كذا) قصبة صغيرة ومسجدا وأدار بذلك سورا وذلك سنة أربع أو خمس وخمسين وأربعمائة (١) واتخذ الأجناد والقواد والبنود والطبول وسائر / آلة الملك تلك السّنة وتوجه بذلك لفاس فدخله (ص ٥٨) عنوة وخرّبه وهدم أسواره وظفر بعامله بكّار بن إبراهيم فقتله وارتحل إلى صفرو فدخله من يومه عنوة وقتل عماله أولاد المسعود والمغراوي ورجع لفاس لكونه لما فتحه أولا وجعل عليه عاملا لمتونيا قام عليه به تميم بن معنصر المغراوي فدخله وقتل عامله ولما سمع بقدوم يوسف هرب من فاس ودخله يوسف ثانيا وهو الفتح الثاني في يوم الخميس ثاني جمادى الثانية سنة اثنين وستين وأربعمائة (٢) فأسرف في قتل مغراوة إلى أن قتل منهم بالجامعين الأعظمين ما يزيد على ثلاثة آلاف ، وهدم الأسوار التي فصل بها ابنا زيري بن عطية وهما : الفتوح ، وعجيسة ، بين العدوتين وصيرهما (كذا) مدينة واحدة حمل أهلها على تكثير المساجد وأقام بها إلى صفر سنة ثلاث وستين وأربعمائة (٣) فخرج لقصور بني وطاط بملوية ففتحها ووجه إلى أمراء المغرب وأشياخه بالقدوم ليتفقد أحوالهم وأحوال رعيته وغزى (كذا) مدينة رهونة من طنجة سنة خمس وستين وأربعمائة (٤) فدخلها عنوة وفتح جبل علودان ، وفتح غياثة وبني مكود ، وزهينة ، سنة سبع وستين وأربعمائة (٥) وفتح طنجة في سبعين وأربعمائة (٦). ثم بعث قائده مزدلي لتلمسان في عشرين ألفا ففتحها سنة اثنين وسبعين وأربعمائة (٧) وقتل ابن أميرها معلا بن يعلا المغراوي وكتب اسمه على السكة في جهة وفي الأخرى كتب : «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه» سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة (٨) / وفيها غزا (كذا) (ص ٥٩)

__________________

(١) بدأ الشروع في بناء مدينة مراكش عام ٤٥٤ ه‍ (الموافق لعام ١٠٦٢ م).

(٢) الموافق ١٨ مارس ١٠٧٠ م.

(٣) الموافق نوفمبر ـ ديسمبر ١٠٧٠ م.

(٤) الموافق ١٠٧٢ ـ ١٠٧٣ م.

(٥) الموافق ١٠٧٤ ـ ١٠٧٥ م.

(٦) الموافق ١٠٧٧ ـ ١٠٧٨ م.

(٧) الموافق ١٠٧٩ ـ ١٠٨٠ م.

(٨) الموافق ١٠٨٦ ـ ١٠٨٧ م.

١٣٣

وجدة وبني يزناسن وتلمسان فلقيه بها ملكها العباس بن بختي المغراوي بجيشه من بني يفرن ومغراوة فقتله وأكثر جنده وفتحها عنوة واستعمل عليها محمدا ابن تعمر المسوفي (١) وبنا (كذا) بها تلمسان الجديدة بمحل محلّته وهي المسكونة الآن.

ثم تخط (كذا) منها لوهران تلك السنة ففتحها عنوة ونفا (كذا) عنها ملوكها بني الخزر المغراويين وصيرها من جملة رعيته وقطع دعوة مغراوة وبني يفرن من المغرب كله. وفي إخراجه لمغراوة من فاس ، ووهران ، قال الحافظ أبو راس في سينيته ما نصّه :

ثم أزالهم يوسف أيضا فعي

كما أزالهم قبل عن أرض فاس

ثم زاد إلى مازونة وتنس ووانسريس وشلف وزاد متماديا بجيوشه إلى الجزائر فطوعها وأطاعه أهلها بنو مزغّنة وكان دخوله لها في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وأربعمائة (٢) وصيرها حدّا بينه وبين ملوك البلكانية من صنهاجة للقرابة التي بينهم. فملك رحمه‌الله من الجزائر إلى السودان إلى البحر المحيط إلى جبل الذهب بهذه العدوة وكلها بسط فيها العدل وأبطل منها المكس (ص ٦٠) والمغارم. ثم تخط إلى عدوة الأندلس سنة تسع وسبعين وأربعمائة (٣) / فهزم الكفرة وأوقع بهم في قضية الزلاقة المشهورة الموقع العظيم حتى أنه جمع فيها الرؤوس إلى أن صارت تلا يعني ربوة وأذن عليها المؤذن ثم فرّقها على المدن فأعطى لكل مدينة ألوفا عديدة ، وازينت لتلك الواقعة بغداد ، والحرمان الشريفان ، ومصر ، والعراق ، والشام ، وغيرهم من مدن المشرق وشاع خبرها إلى مدينة سرة (٤) قاعدة مدن الهند وبعث له الناصر العباسي على ذلك خلعا كثيرة يقصر عنها الوصف ، وجدد له العهد وقطع رحمه‌الله ثوار الأندلس مثل ابن عبّاد وغيره.

__________________

(١) لعله تينعمر المسوفي.

(٢) لموافق ١٠٨٠ ـ ١٠٨١ م.

(٣) لموافق ١٠ جويلية ـ ٢٨ أوت ١٠٨٢ م.

(٤) لعلها سورات هكذا وهو الأصح.

١٣٤

وملك بعدوة الأندلس من أفراغة قاصية أرض الفرنج إلى إشبونة حدها من المغرب عند البحر المحيط وذلك مسيرة شهر وثلاثة أيام طولا ، والعرض نحو العشرين يوما وبسط فيها أيضا العدل وأبطل المكس وبايعه بها ثلاثة عشر ملكا وخطب له على ألف منبر وتسعمائة منبر وساست ملكه زوجه زينب وماتت سنة أربع وستين وأربعمائة (١) وكان رحمه‌الله زاهدا يلبس الصوف ويأكل خبز الشعير بلبن الإبل ولحومها ، وغالب أكل جنده الجيّد كالدرمك والفالوج ونحوهما ، وجدد السكة من واقعة الزلاقة فنقش في ديناره في جهة : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وتحته أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين ، وفي الدائرة : ومن يبتغ غير الإسلام دينا إلى الخاسرين. وفي الصفحة الأخرى الأمير عبد الله أمير المؤمنين العباسي وفي الدائرة تاريخ الضرب وموضع السكة. ولد رحمه‌الله سنة أربعمائة وتوفي سنة خمسمائة (٢) عن مائة سنة بعد ما ملك أربعين سنة ودفن بمراكش وقبره بها من أعظم المزارات وعليه مشهد عظيم.

ثم ملك وهران بعده ابنه علي ، تولى / بموضع أبيه قيل سنة خمسمائة وقيل (ص ٦١) سنة واحد وخمسمائة (٣) وهو ابن ثلاث وعشرين سنة ، فملك جميع الغرب من بجاية لسوس الأقصا وللقبلة من سجلماسة لجبل الذهب في السودان والأندلس شرقا وغربا وخطب له على ألفين وثلاثمائة منبر وكان محبّا لأبي الوليد بن رشد فولاه القضاء بقرطبة سنة تسع وخمسمائة (٤) وعزله منها سنة ثلاثة عشر وخمسمائة (٥) وجعل بدله أبا القاسم ابن حميدين فشرع ابن رشد في شرح العتيبة وسماه بالتحصيل والبيان. وفي أعوام العشرة الثانية أمر بحرق كتاب الإحياء للغزالي لما فيه من التشديد بإغراء أبي القاسم ابن حمدين وموافقة ابن رشد والقاضي عياض. وفي أيامه ظهر أمر الشريف المهدي بن تومرت القائم بدولة

__________________

(١) الموافق ١٠٧١ ـ ١٠٧٢ م.

(٢) الموافق ١١٠٩ ـ ١١٠٧ م.

(٣) تولى علي بن يوسف الملك عام ٥٠٠ ه‍ الموافق ١١٠٦ م

(٤) الموافق ١١١٥ ـ ١١١٦ م.

(٥) ١١١٩ ـ ١١٢٠ م.

١٣٥

الموحدين وذلك سنة خمسة عشر وخمسمائة (١) فقال له قاضي المرية بمراكش اجعل على رجليه كبلا ، قبل أن يسمعك طبلا ، فأبى إلى أن كان ما كان وبسببه دخل الدولة المرابطية الهرم وكثر فيها الإرجاف وكمل بناء مدينة مراكش بإشارة ابن رشد عليه سنة اثنين وعشرين وخمسمائة (٢) فأنفق على سورها سبعين ألف دينار وعلى جامعها الأعظم والمنارة ستين ألفا دينار أخرى. وأخذ البيعة لولده (ص ٦٢) تاشفين سنة سبع وسبعين وأربعمائة (٣) / وتوفي بمراكش سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. وهو ابن سبع وخمسين سنة بعد ما ملك سبعا وثلاثين سنة. وكان فقيها عالما فاضلا خير مالك ودولته عز للإسلام وسيرته حسنة وأحواله مستحسنة. وفي وقته بنا (كذا) وزيره عبد الرحمن المعافري الحمام بجوف الجامع الأعظم من غرناطة وفرّش صحن جامع قرطبة وأصلح بناء مدينة طرطوشة.

ثم تولى ابنه تاشفين بموضعه في ثامن رجب سنة سبع وثلاثين وخمسمائة (٤) في معظم فتنة الموحدين بمعاهدة أبيه إليه في حياته فأطاعته العدوتان كأبيه وجده واتصلت حروبه مع عبد المؤمن بن علي من أول أمره وصار يتبع عبد المؤمن بن علي حيث مرّ إلى أن توجه لتلمسان فأتبعه لها ودخلها تاشفين سنة تسع وثلاثين وخمسمائة (٥) ونزل عبد المؤمن بن علي بين الصخرتين بظاهرها مما يلي الجبل ونزل تاشفين الوطا مما يلي الصفصيف وزحف المرابطون للموحدين فنهاهم تاشفين فأبوا وتعلقوا بالجبل فانحدر لهم الموحدون وهزموهم شنيعا وفرّ تاشفين لوهران في مواعدة صاحبه ابن ميمون في أسطوله بالبحر ونزل بظاهرها وترك تلمسان تحت عامله محمد بن الشيّور فترك عبد المؤمن لمحاصرة تلمسان وزيره يحيى بن تومرت ولحق بوهران في طلب تاشفين فنزل عليه وحاصره بها إلى أن مات. واختلف في وجه الموت على أربعة أقوال ومعناها واحد. فقال أبو محمد صالح في الأنيس المطرب بروض

__________________

(١) الموافق ١١٢١ ـ ١١٢٢ م.

(٢) الموافق ١١٢٨ م.

(٣) الموافق ١٠٨٤ ـ ١٠٨٥ م.

(٤) الموافق ٢٦ جانفي ١١٤٣ م.

(٥) الموافق ١١٤ ـ ١١٤٥ م.

١٣٦

القرطاس : خرج تاشفين ليلا ليضرب في محلة العدو فتكاثرت عليه الخيل والرجال وكانت ليلة مظلمة ممطرة وهي ليلة تسع وعشرين من رمضان سنة / تسع (ص ٦٣) وثلاثين وخمسمائة (١) ففرّ أمامهم وكان بجبل عال منيف على البحر فظن أن الأرض متصلة فأهوى بفرسه من شاهق بإزاء رباطة وهران فمات. وقال الحافظ أبو راس في عجائب الأخبار وسائر كتبه المؤلفة في التاريخ : إنه لما طال عليه الحصار بوهران وعلم أنه لا طاقة له ودّع خواصه وخرج ليلة عيد الفطر سنة تسع وثلاثين وخمسمائة إلى جبل هيدور وهو جبل وهران على فرس عتيق وحملها (كذا) على شاهق فتردى به في بعض الأخاديد فمات ومن الغد وجد.

وقوله رضي‌الله‌عنه في عجائب الأسفار أن ذلك سنة إحدى وأربعين وخمسمائة سبق قلم.

وقال أبو الفدا صاحب حماة في المختصر ، فلما كان ليلة تسع وعشرين من رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وهي ليلة يعظمها المغاربة سار تاشفين في جملة يسيرة مختفيا ليزور مكانا على البحر فيه متعبدون وصالحون بقصد التبرك فبلغ الخبر مقدم جيش عبد المؤمن واسمه عمر بن يحيى الهنتاني فساروا وأحاط به فركب تاشفين فرسه وحمل ليهرب فسقط من جرف عال فمات. وقال أبو إسحاق الشاطبي في الجمان إن تاشفين لما هرب من تلمسان اتبعوه إلى أن نزل بمرسى وهران فحاصروه بها ودخلوا عليه فلجؤه (كذا) إلى جرف عال فرمى بنفسه وهو راكب على فرسه من أعلا (كذا) الجرف فاندق عنقه وعنق فرسه في تلك السنة. ا ه.

قال شيخنا الزياني في دليل الحيران وأنيس السهران ، والموضع الذي مات فيه يعرف إلى الآن بمكبّ / الفرس قرب حمام سيدي دادّ أيوب ما بين وهران (ص ٦٤) والمرسى (الكبير) ثم أنه لما وجد من الغد ميتا بأزاء البحر أخذ وصلب على جذع واجتزّ رأسه وحمل لتنمليل فعلق بها على شجرة صفصاف عالية ولما صلب بوهران استأصل القتل أصحابه وتفرقوا فهرب بعضهم للنهر المنحدر من رأس العين وهو نهر وهران وكان مشعرا وبه غيظ ملتف بعضه ببعض فأضرم الموحدون

__________________

(١) الموافق ٢٥ مارس ١١٤٥ م.

١٣٧

النار في الوادي فمن بقي احترق ومن خرج قتل وسار عبد المؤمن لوهران فتمكن منها بالسيف وقتل بها ما لا يحصى.

قائمة ملوك صنهاجة

واعلم أن ملوك صنهاجة على ثلاثة فرق :

الفرقة الأولى البلكانية : وهم ملوك إفريقية وبجاية والمغرب الأوسط والأندلس أيام الطوائف وجملتهم خمسة وعشرون : فبإفريقية عشرة : أولهم مناد الصنهاجي مقيم الدولة الفاسية ، ثم ابنه زيري مختط مدينة أشير بصفح (كذا) جبل تيطرى أواسط القرن الرابع (١) ، ثم ابنه يوسف بلكين مختط مدينة الجزائر ومليانة والمدية أواسط القرن الرابع أيضا بأمر أبيه المذكور وكانت له أربعمائة حاضنة (كذا) في قصره حتى إنه بشر في يوم واحد بولادة سبعة عشر غلاما وهذا لم يسمع مثله. ثم ابنه منصور ، ثم ابنه باديس ، ومات بدعاء الشيخ محرز ابن خلف عليه. ثم ابنه المعز الذي بلغ في خسارة عرسه ستة عشر ألف ألف (ص ٤٥) دينار وتراتيب بيته من العود الهندي بمسامير الذهب وأنه عمل لجدّته / لما ماتت تابوتا من العود الهندي مرصعا بالجواهر وصفائح الذهب وعلّق عليه عشرين سبحة من نفيس الجوهر وذبح عليها مائة بقرة وألف شاة ونحر خمسين ناقة وفرق على النساء عشرين ألف دينار. ثم ابنه تميم الذي قال فيه أبو علي رشيق :

أصح وأعلا ما سمعناه في الندا

من الخبر المأثور منذ قديم

أحاديث ترويها الشيول عن الحبا

من البحر في كفّ الأمير تميم

ثم ابنه يحيى ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن وهو آخرهم بإفريقية وبه تمت دولتهم بها فهؤلاء عشرة.

وببجاية عشرة : أولهم : حماد بن بلكين بن زيري بن مناد مختط مدينة قلعة بني حمّاد بجبل عجيسة بإزاء بجاية الذي يقال له جبل المعاضيد في آخر القرن الرابع ثم الناصر بن علناس بن حماد ، ثم ابنه المعز ، ثم ابنه القايد ، ثم ابنه

__________________

(١) الموافق منتصف القرن العاشر الميلادي.

١٣٨

محسن ، ثم بلكين بن محمد بن حماد ، ثم ابنه المنصور ، ثم ابنه باديس ، ثم أخوه العزيز بن منصور ، ثم ابنه يحيى. وبه تمت دولتهم ببجاية فهؤلاء العشرة مع العشرة الأولى تلك عشرون.

وبالمغرب الأوسط واحد : وهو أبو البهار فذلك إحدى وعشرون.

وبالأندلس أربعة : أولهم صاحب غرناطة زاوي بن بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي كما في الجمع والبيان في تاريخ القيروان. ثم ابن أخيه حابوس ابن ماكس بن بلكين ، ثم ابنه باديس صاحب اللعب الذي يقال له السلام عليك يا باديس ، ثم ابن أخيه عبد الله بن بلكين بن حابوس وهو الذي أخذه مع أخيه / (ص ٦٦) تميم ، يوسف بن تاشفين وعبر بهما البحر لمراكش فهؤلاء خمسة وعشرون.

الفرقة الثانية : المرابطون ويقال لهم الملثمون ، وهم لمتونة ملوك المغرب الأقصى والأوسط وعدوة الأندلس وجملتهم في الإسلام اثنا عشر ملكا. أربعة قبل تسميتهم بالمرابطين ، وثمانية بعد تسميتهم بها ، إلّا أن المراد بالمرابطين هم الخمسة التاشفنيون : يوسف بن تاشفين ومن بعده لا غير. أول الاثنا عشر : تيلوتان بن تيكلان اللمتوني كان في أيام عبد الرحمن الداخل ملك الصحراء بأسرها وأطاعه بها من ملوك السودان عشرون ملكا كلها تؤدي له الجزية وكان يركب في مائة ألف نجيب وعمله مسيرة ثلاثة أشهر في مثلها لكنه لم يملك الغرب وعاش نحو الثمانين سنة. ثم حفيده الأثير بن فطين بن تيلوتان ، ثم ابنه تميم ومات قتيلا سنة ست من الرابع (١) وبقي بعده صنهاجة همّلا من الأمير نحو المائة وعشرين سنة وإنما أمرهم جمهوريا شوريا بينهم. ثم أبو عبد الله تارشنا ابن تفاوت اللمتوني ، ثم يحيى بن إبراهيم القدالي وهو الذي حجّ وأخذ عن الشيخ أبي عمران الفاسي بالقيروان وسأل منه أن يصحبه من تلامذته من يعلمه وقومه الديانة فأمرهم فأبوا فكتب له لتلميذه محمد بن واقاق اللمطي بنفوسه ليبعث معه من يقوم بهم في دينهم فبعث معه الشيخ عبد الله بن ياسين الجزولي سنة ثلاثين من الرابع (٢) وانقطع بهم / بجزيرة ببحر النيل (٣) إلى أن كثر عددهم (ص ٦٧)

__________________

(١) الموافق ٩١٨ ـ ٩١٩ م.

(٢) الموافق ٩٤١ ـ ٩٤٢ م.

(٣) ارجع إلى هامش رقم ١ قبل هذا.

١٣٩

وتسمّوا بالمرابطين لملازمتهم لرابطة الشيخ عبد الله بن ياسين ببحر النيل. ثم يحيى بن عمر اللمتوني ، ثم أخوه أبو بكر بن عمر وهو الذي ملك الصحراء وتخطا (كذا) للمغرب وجعل ابن عمه يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن ترقوت ابن وزنقطن بن منصور بن محالة بن أمية بن وثمار بن تلميت اللمتوني الصنهاجي الحميري خليفة عليه. ثم استقل يوسف بالمغرب. ثم ابنه علي ، ثم ابنه تاشفين ، ثم ابنه إبراهيم ، ثم عمه إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين وهو آخر المرابطين وبه انقطعت دولتهم لما قتله وابن أخيه إبراهيم ، عبد المؤمن ابن علي بمراكش. ولكل بداية نهاية والله يوتي ملكه من يشاء. وقد ألّف الحافظ الصيرافي رحمه‌الله في المرابطين كتابا أسماه ـ الأنوار الجالية (كذا) في أخبار الدولة المرابطية.

الفرقة الثالثة الغانية : أولاد المرأة التي يقال لها غانية بنت عمّ يوسف ابن تاشفين وأبوهم مسوفي من صنهاجة يقال له علي بن يحيى المسوفي كان من الشجعان وبالمكانة العظيمة عند يوسف بن تاشفين فلذلك زوّجه من ابنت عمه غانية فأتت معه بولدين وهما : يحيى ، ومحمد ، اللذان ولّاهما علي بن يوسف بالأندلس أحدهما وهو يحيى على غربي الأندلس والآخر وهو محمد على شرقها (ص ٦٨) كميورقة ويابسة / وغيرهما. وجملة ملوكهم ما بين الأندلس وبجاية وقابس خمسة. أولهم يحيى المعروف بابن غانية بن علي بن يحيى المسوفي بالجهة الغربية من الأندلس وهو الذي أعان شيخه القاضي بسبتة على عبد المؤمن بن علي. ثم أخوه محمد بن علي بن يحيى على شرقي الأندلس. ثم ابنه عبد الله على ذلك ، ثم أخوه علي بن محمد بن غانية على بجاية ، ثم أخوه يحيى بن محمد بن غانية على قابس وهو الذي دوّخ المغرب الأوسط وإفريقية وخرّب تاهرت فلم تعمر من وقته إلى أن جدد عمارتها الفرنسيس في أعوام الخمسين من القرن الثالث عشر (١) وتقبّض بمنديل المغراوي فصلبه بالجزائر واشتدت وطأته على الموحدين إلى أن توفي بشلف تحت مليانة سنة ثلاث وثلاثين وستمائة (٢) بعد ما ملك خمسين عاما

__________________

(١) الموافق ١٨٣٤ ـ ١٨٤٤ م.

(٢) الموافق ١٢٣٥ ـ ١٢٣٦ م.

١٤٠