الأزهر في ألف عام - ج ٣

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي

الأزهر في ألف عام - ج ٣

المؤلف:

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٧

ثلاثة كتب له مطبوعة عن ابن المعتز في جوانب تخدم موضوع رسالته وهذه أول مرة يقدم فيها باحث رسالة علمية مخطوطة ومعها ثلاثة كتب تخدم رسالته وفي موضوعها.

وكان هذا الجهد الأدبي موضع تنويه الأدباء والعلماء والصحف في حينه.

ولا ننسى أن نقول : أن الخفاجي أمضى مع عمله الضخم هذا سنوات طوالا يشغل وظيفة أستاذ في الليسيه فرانسيه فرع شبرا.

وقد ترك بعد حصوله على شهادة العالمية من درجة أستاذ وظيفته في الليسيه ليتولى أستاذية البلاغة في معهد أسيوط الكبير الذي عمل فيه من نوفمبر عام ١٩٤٦ حتى أكتوبر عام ١٩٤٧ ، ثم في معهد الزقازيق الذي كان طالبا فيه من قبل ، والذي عمل فيه من عام ١٩٤٧ إلى عام ١٩٤٨.

وانتقل الخفاجي في ١٧ أغسطس عام ١٩٤٨ إلى كلية اللغة العربية مدرسا للأدب والنقد والبلاغة فيها ، ولا يزال حتى اليوم يتولى هذا المنصب فيها.

ومن الطريف أن نذكر أن الخفاجي متزوج من عام ١٩٤٨ وله ولد هو ماجد خفاجي ، وتوفيت له بنت كان اسمها «وفاء خفاجي».

وهو كذلك رئيس رابطة الأدب الحديث في القاهرة ، وعضو في شتى الهيئات العلمية والأدبية في مصر والعالم. وقد اختير عضوا في اتحاد أبناء الدقهلية وهو من أكبر دعاة التجديد والإصلاح والتعاون والقومية العربية.

ولا أنسى أن أنوه بكفاح الخفاجي في سبيل إصلاح الأزهر ، منذ التحاقه بقسم الدراسات العليا حتى اليوم.

وفي هذا السبيل ناضل كل شيوخ الأزهر ، وطالبهم بالإصلاح والتجديد والبناء.

٤٨١

وأنوه كذلك بكفاحه في سبيل الأدب الذي أنفق عليه كل ما يملك من مال.

ثم بكفاحه من أجل وطنه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى اليوم.

وكفاحه من أجل الثقافة قد لا يصل إليه كفاح آخر.

عمل في كلية اللغة العربية بالقاهرة مدرسا فأستاذا مساعدا فأستاذ فرئيس قسم الأدب والنقد. ثم اختير عميدا لكلية اللغة بأسيوط ، ثم عاد إلى القاهرة أستاذا متفرغا يدرس لطلابه في الدراسات العليا علوم الأدب والنقد.

والعوامل الثقافية التي أثرت في عقلية أديبنا يمكن تلخيصها فيما يلي :

١ ـ العامل الأول : ثقافة الأسرة وهي أسرة تنتمي إلى أصول عربية قديمة بسط صاحبها تاريخها في كتاب خرج منه حتى الآن تسعة أجزاء ـ ومن هذه الأسرة أعلام قديمة وحديثة ومعاصرة من الأدباء والعلماء والشعراء والكتاب ، وقد بسط صاحبنا تاريخهم في كتابه «بنو خفاجة».

٢ ـ العامل الثاني : ثقافته في الأزهر الذي عاش فيه تلميذا من سنة ١٩٢٧ إلى ١٩٤٦ حيث تخرج من كلية اللغة العربية يحمل شهادة «العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب» وتعادل الدكتوراه حرف (أ) من الجامعات المصرية ـ وتخول لحاملها التدريس في كليات الأزهر وكليات الجامعات المصرية ، وكانت الرسالة التي قدمها هي كما قدمنا «ابن المعتز وتراثه في الأدب والنقد والبيان» وهي مطبوعة.

٣ ـ العامل الثالث : مطالعاته الشخصية في الأدب قديمة وحديثة ، ويقول لنا : إنه حتى تخرجه طالع ما لا يقل عن خمسة آلاف كتاب في الأدب عدا الكتب الثقافية الأخرى.

٤٨٢

٤ ـ اتصاله الوثيق بالبيئات والمدارس والمذاهب الأدبية المعاصرة ، ودراساته في كلية اللغة لتلاميذه.

٥ ـ الاستعداد الشخصي والملكات الذاتية ، التي تكون لصاحبها أفكارا ثقافية وأدبية خاصة متميزة.

٦ ـ اتصاله المباشر بالبيئات الثقافية والأجنبية التي كان لعمله في الليسيه الفرنسية مدرسا أثر ما في حياته ، وكذلك اتصاله بالعديد من العناصر والبيئات الثقافية.

يؤمن أديبنا الخفاجي بضرورة الملكة الأدبية والموهبة الذاتية كأساس لبناء الأديب من الجانب الفني والثقافي ، ومن ثم نجده يحيل كل الخصائص الذاتية التي تميز أديبا عن أديب إلى أثر هذه المواهب.

ويرى أن الثقافة الأدبية الحديثة للأدب يجب ـ فوق تناولها لجميع الثقافات الممكنة ـ أن تتناول التعرف إلى جميع الثقافات الأدبية القديمة والحديثة والمعاصرة عند جميع الشعوب ، ومن ثم يحرص على الاتصال بروائع الآداب الأوروبية المترجمة ويرى وجوب التعاون والإخاء الأدبي بين الأدب العربي وهذه الآداب ، كما يرى وجوب دراسة الآداب الشرقية عامة والعربية خاصة عند جميع الشعوب التي يتصل تاريخنا بتاريخها وحياتنا بحياتها.

ويرى أن الأدب لا بد أن يخدم هدفا اجتماعيا أو قوميا أو انسانيا وإلا فقد جزءا كبيرا من مقوماته ومن أجل ذلك نراه في كتابته عن الأدب المعاصر يشيد بروائع الآثار الواقعية في الأدب والشعر (راجع مقدمة قصص من التاريخ).

وهو مع ذلك يرى أن الأدب المعاصر تنقصه الملكة والذوق البلاغي كما أن الأدب القديم كان ينقصه الاتجاه والمذهب والرسالة ومن أجل ذلك

٤٨٣

فهو يبشر بأدب جديد تتجلى فيه خصائص الأدبين أكثر وضوحا عما هي عليه الآن.

ويقول عنه الدكتور أحمد زكي أبو شادي رائد مدرسة أبو للو :

الخفاجي ظاهرة فذة شائقة في الوراثة والإطلاع والاستقراء والإنتاج فهو سبط الأديب الكبير الشيخ نافع الخفاجي وهو من أسرة بني خفاجة التي تنتمي إلى أصول عربية «قديمة» ، ومنها الأمراء الخفاجيون في إقليم الكوفة والأمراء الخفاجيون بحلب ، ومنهم الأمير ابن سنان الخفاجي الحلبي ، ومن أشهر النابغين في مصر من الخفاجيين الشهاب الخفاجي المصري. وهذا الرجل يحمل أعلى شهادات الأزهر العلمية وهي «شهادة الأستاذية في الأدب والبلاغة» التي تعادل (الدكتوراه) من الجامعات السامقة كالسوربون مثلاه والذي أخرج حتى الآن نحو ستين كتابا في فنون الأدب. ومن العسير أن يختار المرء كتابا من كتبه للعرض في مجال الحديث عن الأدب العربي ، نظرا لكثرتها وتنوعها متناولة جميع فروع الأدب. والأستاذ خفاجي ليس لغويا ولا أديبا فحسب ، بل هو شاعر أيضا ، شأنه في ذلك شأن الدكتور طه حسين ، وذلك ـ إلى جانب ثقافته الواسعة التي تلتهم كل معرفة ميسورة ـ كان طابع كتابته شعريا جميلا مع الحرص على الدقة العلمية في الوقت ذاته. ولذلك نالت تصانيفه احتراما عاما في جميع الأوساط الأدبية ببلاد الغرب وفي دوائر الاستشراق (١).

ويقول عنه الأستاذ روكس العزيزي :

«الأستاذ الخفاجي واحد من هؤلاء الأفذاذ الذين وقفوا على ماضي الأدب العربي وقوف فهم وتعمق ودراسة ورافقوا جديده فكانوا من خيرة مجدديه ، لأن فكرته في التجديد فكرة نيرة حاذقة. لذا جاءت أحكامه

__________________

(١) من حديث اذيع في صوت أمريكا عام ١٩٥٣.

٤٨٤

محكمة تتميز بالالمعية فهو يجمع بين دقة العالم ، صفاء ذهن الباحث ، وقدرة الكاتب المجيد وروح الشاعر المرهفة الحساسة ، ويضاف إلى هذا أنه أستاذ في معهد كان وما زال أمينا على تراث هذه الأمة الأدبي والفكري.

وقال الناقد مصطفى السحرتي في الخفاجي (١) :

أصدق تعريف بالخفاجي أنه هاديء ثائر معا ، حريص على الإصلاح والجهر برأيه حتى في أدق الظروف والمناسبات وله في ذلك مواقف عديدة في الأزهر وفي خارج الأزهر على السواء.

وهو رائد في الأدب والشعر والنقد والتاريخ والتصوف كما هو رائد في علوم الدين (٢).

وقال عنه الدكتور سعاد جلال الأستاذ بجامعة الأزهر :

الخفاجي عرفته المجامع العلمية والأدبية باحثا مدققا مبرزا ، فيه الكثير من تواضع العلماء ، وتبريز الباحثين والمفكرين ، مما يصوره أدبه وإنتاجه وتآليفه ، التي هي آثار أدبية يعتز بها أدبنا المعاصر ، والتي ستبقى خالدة على الأيام.

وقال الدكتور عبد المنعم النمر فيه :

إنني أطالب مجلس الفنون والآداب بإعادة طبع موسوعات الدكتور الخفاجي كي يعم النفع بها وأطالب النفع بها وأطالب إدارة الأزهر بإخلائه من العمل ليضاعف الإنتاج وبهذا نكون قد كرمنا الرجل حقا ووضعناه في مكانه.

__________________

(١) ص ٧٥ من رواد الأدب المعاصر لحليم متري.

(٢) ص ٧٦ من رواد الأدب المعاصر.

٤٨٥

وقال عنه الأديب الحجازي الكبير الأستاذ عبد الله الجبار :

إن الأدب العربي ليفخر بنتاج الخفاجي الأدبي والعلمي المتصل المستمر على مرور الأيام.

وقال الأديب الحجازي الكبير أحمد عبد الغفور عطار (١) :

الخفاجي أحد أعلام العلماء الذين خرجهم الأزهر ، ويفخر بهم ، وهو أعجوبة من الأعاجيب. فهو قد ألف وصنف العديد من الكتب وكتب مئات الفصول والرسائل. ولئن كنا ندهش عند ما تقرأ أن الكندي وابن سينا والسيوطي وغيرهم من أقطاب العلماء الذين ألفوا كتبا ورسائل تسد بالمئات فإن هذا الدهش سيزول عند ما نجد عالما معاصرا مشغولا بالتدريس والأندية والجمعيات الأدبية والعلمية ومشغولا بكثير من أعمال هذه الحضارة وهذا المجتمع المضطرب يستطيع ـ مع كل مشاغله ـ أن يخرج لنا العديد من المؤلفات. بينها من الكتب ما يتجاوز عدد صفحاته الآلاف .. إنه أديب متمكن ، وشاعر مبدع ، وعالم كبير.

وقال فيه الشاعر الكبير محمود غنيم :

هتفوا بذكر أغر نابه

عمرو بن يجر في نيابه

إن لم يكنه في حقي

قته فبينهما مشابه

لا في ملامح وجهه

بل في توفره ودابه

حبيت فيه طالبا

للعلم أمعن في طلابه

بل كاتبا في الأفق حلا

ق غير وإن عن شهابه

أن ينسب سفر إلي

ه تاه فخرا بامتسابه

فندفق الأسلوب نح

سبه غيرا في أنسابه

__________________

(١) ص ٤ مقدمة كتاب الخفاجي «الإسلام دين الإنسانية الخالد».

٤٨٦

في لفه قلم لعا

ب النحل قصر عن لعابه

أسفاره منهلة

كالغيث تهطل من سحابه

أناره نست علي

ه وجردته من نقابه

كالطيب في الاخفاق ين

فخ ريحه رغم احتجابه

السيف سيف مصلبا

أو مستكا في قرابه

وقال فيه الشاعر الكبير الدكتور حسن جاد :

حيو الأديب الذكيا

والعالم الألمعيا

رب اليراع المجلسي

رسائلا ودويا

ومن يهز .. خطيبا

ويستثر النديا

فما يمل دءوبا

ولا يكل مضيا

فقل لمن كرموه

رمتم مراما عصيا

حوى الفنون جميعا

فليس ينقص شيئا

وشق كل طريق

من ذا يصد الأتيا؟

وطبق الشرق ذكرا

وشهوة ودويا

حتى شاى كل ميت

وبذ من كان حيا

ولم يدع للسيوطي

في الكتب ذكرا بقيا

أخا الصبا وصديقي

أفديك خلا وفيا

مؤلفاتك شتى

وما برحت فتيا

الدين جليت فيه

كتابه القدسيا

وكم خدمت احتسابا

حديثه النبويا

وكم سهرت لتحيي

تاريخنا العربيا

تكسو البيان جديدا

من الثيات بهيا

وانهض إلى المجد واصعد

إلى مدار الثريا

والله حسبك حصنا

مكافئا ووليا

٤٨٧

وقال فيه الشاعر كامل أمين :

يا أخا الخير ، يا خفاجة ، والخير شباب الندى وروح الحياة كل أرض نما بها البر روح ألبسته الحياة ثوب النبات ، قد عهدناك يا أخي تعبر الناس فتسعى بهم كسعي الفرات تبعث البائس القنوط من الآمال كبعث الحياة بعد الممات.

يا أخي كيف مد سحرك في الليل فمد الصباح بين بيانك ريشة الساحر الصناع بكفيك وسحر البيان تحت لسانك وخيال الحديث يجذب كاللحن فإذا عزفته في كمانك الكمان الذي استحال يراعا عز داود فيه من ألحانك.

وقالت فيه الشاعرة جليلة رضا :

إنه كالفجر في سناه الوليد ذائم الخلق ، دائم التجديد وهو الحق والفضيلة والصدق ونور الإيمان والتوحيد وهو العلم والبلاغة والفصحى ورمز الإجلال والتمجيد وهو كالطفل في سماحته الحلوة في قلبه الشفيف الودود وهو كالوحش إن غزا الكتب استأسد وانقض فوقها كالأسود وهو في مجلس التشاحن والبغض كوجه السماء بعد الرعود بسمة كالندى ووجه صبوح واتضاع في عزة وصمود فإذا هم بالحديث فأطراق العذارى وحكمة ابن الرشيد قلم عاشق وطرس عشيق وبيان يفي بكل الوعود هكذا بذرع الوجود خفاجي بين بحث وفكرة وجهود فهو فخر الكتاب في عصرنا الحاضر رمز البقاء والتخليد وأبو المجد والعلا للخفاجيين من قبل ومن قديم الجدود.

وقال الشاعر محمود الماحي فيه :

إني أكرم همة لم يؤتها

بشر بعصر قد نسى كتابه

ولسان مقتدر عليم بسارع

مستصغر رغم الشقاء عذابه

في هذه الدنيا التي من هولها

سئم الأديب وعودها الخلابة

يجري وراء سرابها وسرابها

يجري بلا أمل يريد سرابه

٤٨٨

يا أيها القلم السخي بعلمه

درر الحجا وقلائد منسابه

لا جف منك ومدادك الغالي ولا

فارقت قلبا مبديا إعجابه

وقال عنه الشاعر أحمد أبو المجد عيسى :

هذا الذي هام بالأسفار يكتبها

حبات عقد بديع جد مؤتلق

لك الأنامل كم صاغت لنا أدبا

به شغلنا عن الأجيال والحدق

لك الطرائف من علم ومن أدب

سارت مسير ضياء الشمس في الأفق

وأنت للجيل أستاذ تعلمه

بما يحليك من علم ومن خلق

ونلت بالعلم جاها أنت كاسبه

ولم تتله بتزييف ولا ملق

وكم رفعت أديبا كان في ظلم

كأنما عاش تحت الأرض في نفق

ونحن حولك إن كنا ذوي أدب

فالطير تهفو لفيض الجدول الغدق

والصادح العبقري اللحن يسعده

أن يستجيب إلى بستانه العبق

يكفيك أنك في الأقطار جامعة

تزود الفكر بالأضواء والالق

وقال عنه الشاعر إبراهيم شعراوي :

خفاجي ، هاتف ينساب طهرا

بأعماقي ويسكب في نشوه

فاهتف والنداء يهز نفسي

خفاجي لفظة كالشهد حلوه

أبي يا فرس الآداب إني

لأبصر فيك ميدانا وصهوه

إذا ما سأرجع الناس يوما

إلى العليا بتصميم وقوه

لكنت كشعلة بين الدياجي

تسير أمام هذا الجمع خطوه

٤٨٩
٤٩٠

أبو الجامعات في الشرق والغرب

قلعة حضارية في تاريخ مصر الإسلامية

هذا البناء الشامخ ، والمسجد العريق القائم في نهاية شارع الأزهر بالقاهرة ، والمجاور لميدان الحسين ، والذي رفع قبابه جوهر الصقلى ، قائد جيش فتح مصر في عهد المعز الفاطمي ـ هو جامعة الجامعات ، ومعهد العلم في عاصمة مصر قاهرة المعز الخالدة ، وهو حقا قلعة حضارية في تاريخ مصر الإسلامية طوال ألف عام أو يزيد .. إنه الأزهر أبو الجامعات في الشرق والعرب.

وشيخ معاهد العلم في مختلف أرجاء العالم. وإذا كان مسجد القرويين قد أنشىء في فاس عام ٢٤٥ ه‍ ٨٥٩ م ، فإنه لم يتحول إلى جامعة إلا في زمن متأخر جدا ، بينما صار الجامع الأزهر جامعة إسلامية بعد إنشائه بسنوات ، وصار مقصد الطلاب والأساتذة من أنحاء الدنيا ، وقام برسالة ثقافية كبيرة طيلة ألف عام ، مما لم يحدث في تاريخ أية جامعة من الجامعات في الشرق ولا في الغرب.

وكان إنشاء الأزهر وقيام الحلقات العلمية الجامعية فيه بعد إنشائه مباشرة وحتى اليوم ، معجزة المعجزات في تاريخ الثقافة الإسلامية ..

والأزهر هو أبو الجامعات الدينية ، في عالم الإسلام ، وهو الذي

٤٩١

يمدها بالتوجيه والخبرة ، وبالخطط العلمية المدروسة ، وبالمناهج والأساتذة ، وعلى نمطه قامت مختلف الجامعات الاسلامية الحديثة في أنحاء العالم الاسلامي ، وصار هو الصورة المشرقة لكل الجامعات وهو الذي يلخص تاريخ الحضارة الإسلامية كلها طوال ألف عام ..

إنه روح هذه الحضارة ، والمعبر عنها والمترجم لثقافاتها. وهو موئل العربية وملاذها الأمين. منذ قيامه إلى اليوم وقد سمي الأزهر لأنه كان محاطا بقصور زاهرة في رأي ، أو لأنه كان أكبر الجوامع على الاطلاق رواء وجلالا وفخامة في رأي ، أو لأنه ينتسب إلى الفاطمية وإلى فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رأي آخر ، أو للتفاؤل بما سيكون له من المكانة والجلال والازدهار العلمي في تاريخ الثقافة الاسلامية.

وقد شرع المعز الفاطمي منذ تولى الحكم في دولة الفاطميين في المغرب في بناء دولة واسعة ، وامبراطورية ضخمة لآل البيت في وسط العالم الإسلامي ، ومن ثم امتد بصره إلى مصر ، وشرع في التمهيد لفتحها ، ونشط الدعاة الفاطميون في الدعوة لآل البيت في أنحاء مصر كلها ، ثم عين قائده جوهرا قائدا لجيش الفتح ، فخرج من القيروان بجيش ضخم في ١٤ من ربيع الأول عام ٣٥٧ ه‍ فبراير ٩٦٩ م ، فاستولى على الأسكندرية ، ثم واصل زحفه إلى الجيزة ، فدخلها في ١١ ، من شعبان عام ٣٥٨ ه‍ ـ يوليو ٩٦٩ م ، وفي اليوم التالي دخل جوهر الفسطاط عاصمة مصر الإسلامية الأولى آنذاك.

ومكث جوهر في شمالي الفسطاط ثمانية أيام استراحت فيها جنوده بعد عبورهم النيل من الجيزة إلى الفسطاط وأخذ جوهر في وضع أساس عاصمة جديدة لمصر الفاطمية ، فوضع أساسها في يوم الثلاثاء ١٧ من شعبان ٣٥٨ ه‍ ٧ يوليو ٩٦٩ م كما ورد في خطط المقريزي (ج ٢ ص ٢٠٤) ، ووضع أساس القصر الفاطمي الكبير ـ الشرقي في اليوم التالي ليكون مقر

٤٩٢

الخليفة الفاطمي المعز لدين الله.

وفي يوم السبت ٢٤ من جمادى الأولى عام ٣٥٩ ه‍ ـ ١٢ من أبريل ٩٧٠ م شرع القائد جوهر في بناء الجامع الأزهر إلى جانب القصر الكبير ـ الخطط ج ٣ ص ٣٧٣ ـ وظل البناء عامين (٩٧٠ ـ ٩٧٢ م) ، وتم البناء وأقيمت الصلاة فيه لأول مرة في السابع من رمضان عام ٣٦١ ه‍ ـ ٢٢ من يونيو عام ٩٧٢ م ولم يلبث ان صار هذا المسجد هو المسجد الرسمي لدولة الفاطميين ، وبعد تسعة أشهر من افتتاحه أخذ الناس يتلقون فيه عقائد المذهب الفاطمي.

وكانوا يجتمعون كل يوم جمعة فيما بين صلاة الظهر وصلاة العصر ، وعلى رأسهم الوزير أبو يعقوب قاضي الخندق (خطط المقريزي ج ـ ٥ ص ٤٩) ومنذ عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمي بنيت الأروقة حول الأزهر ، وصارت جزءا منه ، وفرشت بما يلزم من الفرش ، وصارت مساكن يقيم بها الطلاب ، وفي مقدمتهم الطلاب الوافدون على الأزهر من أنحاء العالم الإسلامي ومن شتى مدن مصر الفاطمية.

وكان نظام الحلقات الذي كان متبعا في تلك الحقبة من الزمن هو النظام الوحيد للدراسة في الجامع الأزهر ، وهو أساس الحياة العلمية والثقافية في مصر. وكان لكل مذهب من المذاهب الأربعة عمود معين من عمد الجامع لا يجلس فيه إلا أهل هذا المذهب ، وكان شيخ المذهب حريصا على أن تكون حلقته العلمية بجوار هذا العمود ، وكان من عادته في أثناء إلقاء الدروس أن يجلس على الأرض بجوار العمود مستقبلا القبلة ، ثم صار أخيرا يجلس على كرسي من الخشب أو الجريد ، وصارت تلك الكراسي من أخص امتيازات كبار العلماء فيه ، ومن ذلك أخذت الجامعات نظام الأساتذة ذوي الكراسي ، وكان الطلبة يجلسون حول أستاذهم على هيئة حلقة ولكل طالب مكان في الحلقة لا يتعداه. وكان في الحلقة طالب

٤٩٣

من أنبه طلابها يكلفه الأستاذ بإعادة درسه على زملائه وبقراءة الموضوع العلمي للدرس في مختلف مصادره ، وسمي هذا الطالب معيدا ، وعن الأزهر أخذت الجامعات نظام المعيدين أيضا. وكانت طريقة التعليم إذ ذاك هي أن يبدأ الشيخ درسه بالبسملة والحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يلخص موضوع درسه ، ثم يقرأ النصوص التي كتبت حوله في مختلف المصادر ، ويقوم الطلاب بسؤال أستاذهم في كل ما غمض عليهم ، ويستمر الحوار والمناقشة والأسئلة والإجابة عنها طول الدرس بين الأستاذ وطلبته!

ولا ننسى أنه بعد انتهاء الدولة الفاطمية ، وتولى صلاح الدين الأيوبي حكم مصر عام ٥٦٧ ه‍. أفتاه قاضيه صدر الدين بن عبد الملك بن درباس الشافعي بامتناع اقامة خطبتين في بلد واحد كما هو مذهب الإمام الشافعي ، فأبطل صلاح الدين الخطبة والتدريس في الجامع الأزهر ، وأقر الخطبة في الجامع الحاكمي بحجة أنه أوسع ، ثم أعيدت إلى الأزهر الدراسة ، وكان أول ما درس به من مذاهب أهل السنة مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ، ثم درست المذاهب الأخرى على التتابع ، فلما تولى الملك الظاهر بيبرس حكم مصر عام ٦٥٨ ه‍ لم يلبث أن أعاد الخطبة الى الجامع الأزهر عام ٦٦٥ ه‍ ـ ١٢٦٦ ـ ١٢٦٧ م.

وزاد بيبرس في بناء الجامع وشجع العلم والتعليم فيه ، وأقام الأمير عز الدين أيدمر الحلى احتفالا رسميا عظيما في الجامع الأزهر ، ابتهاجا بعودة الخطبة إليه ، كما أقام احتفالا عظيما آخر في داره حضرهما رجال الدولة وقادتها ، وكان هذا الأمير يجاور الأزهر بسكناه ، وتبرع له الكثير من ماله الخاص ، وجمع له الكثير من التبرعات من الدولة ومن الأمراء ، وأخذ في ترميم مبانيه ، وفي عمارته.

ولقى الأزهر من عناية الشعب الشيء الكثير فعاد الى حلقاته العلمية

٤٩٤

الازدهار والجلال ، وبخاصة بعد أن دمر المغول في غزواتهم كل معاهد العلم في العالم الاسلامي ، وبعد أن قضى الاسبانيون على المدارس الإسلامية في الأندلس ، ولم يبق في العالم الإسلامي على رسالة العلم والثقافة وبناء الحضارة غير الأزهر الشريف.

ولما فتح سليم الأول العثماني مصر ، أخذ يظهر التودد إلى العلماء ، والرعاية للأزهر ، ويكثر من زيارته والصلاة فيه ، وأمر بتلاوة القرآن به ، وتصدق على فقراء طلابه.

وفي عام ١٠٠٤ ه‍ ـ ١٥٩٥ م جدد الأزهر وإلى مصر العثماني الشريف محمد باشا في عهد السلطان العثماني محمد الثالث ، ورتب لطلبته الفقراء طعاما يجهز لهم كل يوم ، فكان ذلك حافزا كبيرا على زيادة الاقبال عليه.

ولم يكن للأزهر قانون معين ، حتى عام ، ١٢٨٨ ه‍ ـ ١٨٧٢ م ، ففي هذا العام ، وفي عهد شيخه الشيخ محمد العباسي وضع قانون للتدريس في الأزهر صدر به مرسوم خديوي بتاريخ ٢٢ من ذي القعدة عام ١٢٨٧ ه‍ ـ ٣ فبراير ١٨٧٢ م ـ نص فيه على ما يلي :

١ ـ أن يكون الحصول على شهادة العالمية بامتحان يجري على يد لجنة من العلماء يختارهم شيخ الجامع.

٢ ـ أن يقسم العلماء إلى درجات ثلاث : أولى وثانية وثالثة.

٣ ـ أن تكون العلوم التي يمتحن فيها الطلاب هي : الفقه ـ الأصول ـ التوحيد ـ الحديث ـ التفسير ـ النحو ـ الصرف ـ البلاغة ـ المنطق.

ولم يكن يسمح بدخول الامتحان إلا لستة من الطلاب ، فإذا ازداد العدد يرجح منهم من امتاز بالشهرة أو بكبر السن.

وفي عام ١٣١٢ ه‍ ـ ١٨٩٥ م في عهد الخديو عباس الثاني وضع

٤٩٥

قانون جديد للأزهر ، ألف بمقتضاه مجلس لإدارة الأزهر من أكابر شيوخه الممثلين للمذاهب الأربعة ، ومن ممثل للحكومة.

ولا ننسى أن أقدم أساتذة الأزهر كان هو القاضي أبو الحسن علي بن النعمان (ـ ٣٧٤ ه‍) فهو أول أستاذ ألقى درسا في الأزهر ـ ثم تلاه أخوه القاضي محمد بن النعمان (ـ ٣٨٩ ه‍ ـ ٩٩٩ م) ـ ثم ابنه الحسين بن النعمان قاضي الحاكم بأمر الله الفاطمي.

ومن أساتذته أبو عبد الله القضاعي الفقيه والمؤرخ (ـ ٤٥٤ ه‍ ـ ١٠٦٢ م) وكان هو سفير المستنصر بالله الفاطمي إلى قيصرة القسطنطينية «تيودورا» لعقد صلح بين مصر والامبراطورية الرومانية الشرقية ، ومن كتبه «المختار في ذكر الخطط والآثار».

ومن الأساتذة كذلك الأمير المختار عز الملك محمد المشهور بالمسبحي (ـ ٤٢٠ ه‍ ـ ١٠٢٩ م) وهو من أقطاب العلماء ومشهوريهم وله كتاب بعنوان «أخبار مصر وفضائلها».

ومنهم كذلك الشاطبي (٥٣٨ ـ ٥٩٠ ه‍ ـ ١١٩٤ م) إمام القراءات في عصره.

وممن قام بالتدريس في الأزهر المؤرخ عبد اللطيف البغدادي (ـ ٦٢٩ ه‍) ، وقد قدم على مصر عام ٥٨٩ ه‍ ـ ١١٩٣ م ، وتولى التدريس بالأزهر أعواما عدة ، في مواد الكلام والبيان والمنطق ، كما ألقى بعض دروسه الطبية في حلقات خاصة.

وكذلك الشاعر الشيخ الصوفي الكبير شرف الدين عمر بن الفارض (ـ ٦٣٢ ه‍ ـ ١٢٣٤ م) ، وابن خلكان شمس الدين (ـ ٦٨٠ ه‍ ـ ١٢٨١ م) الذي وفد على القاهرة عام ٦٣٧ ه‍ ـ ١٢٣٩ م.

وكذلك ابن هشام أمام العربية في مصر (ـ ٦٤٦ ه‍) ، وشيخ

٤٩٦

المؤرخين ابن خلدون (ـ ٨٠٨ ه‍ ـ ١٤٠٦ ه‍). ولما قدم ابن بطوطة إلى مصر عام ٧٢٦ ه‍ ـ ١٣٢٥ م زار الأزهر ، وتعرف بعلمائه وذكر بعضهم ، ومنهم : قوام الدين الكرماني ـ شرف الدين الزواوي المالكي ـ شمس الدين الأصبهاني (راجع الرحلة لابن بطوطة ص ٢٥).

وكذلك ممن درسوا في الأزهر ابن حبان الغرناطي العالم اللغوي المشهور ، حيث كان يلقي دروسه فيه.

وكذلك المؤرخ المشهور تقي الدين المقريزي.

ومنذ أواخر القرن الثامن قلما نجد شيخا مشهورا أو أستاذا كبيرا ، لم يأخذ مجلسه في الأزهر ، وبحسبنا أن ابن خلدون شيخ المؤرخين اتخذ حلقة علمية له فيه ، وكان تدريسه في الأزهر وجلوسه في حلقاته العلمية ، حدثا علميا كبيرا.

وممن درسوا فيه كذلك : تلميذ ابن خلدون المؤرخ المشهور العلامة المغربي محمد تقي الدين الفاسي (ـ ٨٤٢ ه‍).

ومن شيوخه كذلك : الإمام شهاب الدين بن عبد الحق السنباطي (ـ ٩٥٠ ه‍ ـ ١٥٤٣ م) ، والشيخ الخرشي المالكي شيخ الجامع الأزهر (ـ ١١٠١ ه‍ ـ ١٦٨٩ م) ، والشيخ إبراهيم بن محمد البرماوي (ـ ١١٠٦ ه‍ ـ ١٦٩٥ م) وكان من شيوخ الأزهر الشريف ، والشيخ حسن بن علي الجبرتي (ـ ١١١٦ ه‍ ـ ١٧٠٤ م) وهو جد المؤرخ الشيخ عبد الرحمن الجبرتي.

ومنهم كذلك العلامة المغربي شهاب الدين المقري (ـ ١٠٤١ ه‍ ـ ١٦٣٣ م) وقد وفد على مصر عام ١٠٢٧ ه‍ ـ ١٦١٨ م ومنذ ذلك التاريخ لازم التدريس في الجامع الأزهر ، وأقبل على حلقته العلمية الأساتذة والطلاب.

٤٩٧

ومنهم كذلك الشيخ الإمام الصوفي عبد الغني النابلسي الذي زار مصر عام ١١٠٥ ه‍ ، والذي تصدر حلقة علمية من حلقاته ، وكذلك مرتضى الزبيدي اليمني صاحب شرح القاموس ، وكان من كبار العلماء في الحديث واللغة والأدب ، وكتابه «تاج العروس من جواهر القاموس» مشهور ، وقد ترجم له تلميذه الجبرتي في تاريخه (٢ ص ٢٠٨ ـ ٢٢٠ عجائب الآثار للجبرتي).

ومن أعلام شيوخه ومدرسيه الإمام محمد عبده (ـ ١٩٠٥ م) مفتي مصر ، ومصلح الأزهر ، ومنشىء مكتبته ، وواضع أهم قوانينه. وكان يلقي دروسه في التفسير فيه في الرواق العباسي.

وممن تخرجوا فيه أو درسوا فيه طائفة كبيرة من أعلام نهضة مصر ، ومنهم الزعيم أحمد عرابي ، وسعد زغلول ، وعبد الله فكري باشا (ـ ١٨٨٩ م) ، والمنفلوطي (ـ ١٩٢٤ م) ، والشيخ محمد شاكر (ـ ١٩٣٩ م) ، والشيخ عبد العزيز البشري (ـ ١٩٤٣ م) ، والشيخ أحمد الزين ، ود. زكي مبارك (ـ ١٩٥٢) ، وطه حسين ، وأحمد حسن الزيات ، وغيرهم.

ومن أعلام المتخرجين فيه كذلك : الشيخ عبد الهادي نجا الأبياري (ـ ١٨٨٨ م) ـ والشيخ حسين المرصفي (ـ ١٨٨٩ م) ، والشيخ حمزة فتح الله (ـ ١٩١٨ م) ، والشيخ سيد المرصفي (ـ ١٩٣١) ، وغيرهم.

وقد تولى مشيخة الجامع الأزهر منذ العصر العثماني إلى اليوم ثمانية وأربعون شيخا ، أولهم الشيخ محمد بن عبد الله الخرشي المالكي المتوفى في ١٧ من ذي الحجة عام ١١٠١ ه‍.

ومنهم : الشيخ البرماوي (ـ ١١٠٦ ه‍) والنشرتي (ـ ١١٢٠ ه‍) ،

٤٩٨

والشيخ عبد الله الشبراوي أمام الصوفية في عصره (١٠٩٢ ـ ١١٧١ ه‍) ومنهم الشيخ عبد الله الشرقاوي الشافعي (١١٥٠ ـ ١٢٢٧ ه‍ : ١٧٣٧ ـ ١٨١٢ م) والشيخ حسن العطار (ـ ١٢٥٠ ه‍) ، والشيخ مصطفى العروسي ، والشيخ محمد العباسي المهدي ، والشيخ محمد الإنبابي ، والشيخ حسونة النواوي ، والشيخ عبد الرحمن النواوي ، والشيخ سليم البشري المتوفى في ١٧ من أكتوبر عام ١٩١٧ م ، والشيخ أبو الفضل الجيزاوي ثم الشيخ المراغي ، والشيخ الأحمدي الظواهري ، والشيخ المراغي للمرة الثانية حتى توفي عام ١٩٤٥ ، ثم الشيخ مصطفى عبد الرازق (ـ ١٩٤٨) ، فالشيخ مأمون الشناوي ، فالشيخ إبراهيم حمروش ، فالشيخ عبد المجيد سليم ، فالشيخ محمد الخضر حسين ، فالشيخ عبد الرحمن تاج ، فالشيخ محمود شلتوت ، فالشيخ حسن مأمون ، فالشيخ محمد الفحام ، فالشيخ عبد الحليم محمود ، فالشيخ محمد عبد الرحمن بيصار شيخه الذي تولى مشيخة الأزهر.

ولا ننسى ثورات الأزهر الوطنية ، ثورة الشيخ الدردير التي وضعت أول ميثاق لحقوق الإنسان ، وثورة الشيخ عبد الله الشرقاوي التي ألزمت الحكام المماليك بالعدالة في معاملة الشعب ، ثم ثورة عرابي ، وثورة عام ١٩١٩ ، وهما اللتان أيدهما الأزهر وشارك فيهما مشاركة فعالة .. ولا ننسى كذلك ثورة القاهرة الأولى والثانية التي قام بها الأزهر من أجل تحرير مصر من الاحتلال الفرنسي.

وبعد ، فهذا هو الأزهر ، وهذا هو تاريخه الحافل ، في بناء الثقافة والفكر والحضارة في مصر الإسلامية ، بل في العالم الإسلامي كافة. ولا يزال الأزهر يتصدر حتى اليوم الجامعات الإسلامية في العالم الإسلامي.

وسوف تحتفل مصر الخالدة بالعيد الألفي للأزهر بعد شهور قليلة ،

٤٩٩

لتقدم باسمها وباسم العالم الإسلامي لهذه الجامعة العريقة كل عرفان بالفضل ، وتقدير للصنيع ، على ما قام به طوال ألف عام من بناء للفكر وللوطن وللإنسان.

٥٠٠