الأزهر في ألف عام - ج ٣

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي

الأزهر في ألف عام - ج ٣

المؤلف:

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٧

ترجمة القرآن الكريم

اقترح شيخ الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات العالمية وتقدم بها مشيخة الأزهر بمساعدة وزارة المعارف وأن يقرر مجلس الوزراء المصري الاعتماد اللازم لذلك المشروع الجليل.

وذلك في خطاب بعث به الشيخ المراغي إلى رئيس مجلس الوزراء في مصر.

وقد ناقش المشروع كثير من الناس ، وكتب الشيخ محمد سليمان القاضي الشرعي كتابا بعنوان «حدث الأحداث في الإسلام الإقدام على ترجمة القرآن» ، وأخرج محمد مصطفى الشاطر كتابه «الرد على مشروع ترجمة القرآن الكريم».

فأصدرت جماعة كبار العلماء في الأزهر الشريف فتوى بإجازة ترجمة معاني القرآن الكريم ، وقع عليها الأعضاء ، وهم :

ـ محمود الديناري شيخ معهد طنطا.

ـ عبد المجيد اللبان شيخ كلية أصول الدين.

ـ إبراهيم حمروش شيخ كلية اللغة.

ـ محمد مأمون الشناوي شيخ كلية الشريعة.

٥٠١

ـ عبد المجيد سليم مفتي مصر.

ـ محمد عبد اللطيف الفحام وكيل الأزهر.

ـ دسوقي عبد الله العربي.

ـ يوسف الدجوي.

ـ محمد سبيع الذهبي شيخ الحنابلة.

ـ أحمد الدلبشاني.

ـ عبد المعطي الشرشيمي.

ـ عبد الرحمن قراعة.

ـ أحمد نصر.

ـ محمد الشافعي الظواهري.

وبعد ذلك أصدر مجلس الوزراء قرارا بالموافقة على ترجمة معاني القرآن الكريم ترجمة رسمية في جلسته المنعقدة في ١٦ أبريل ١٩٣٦.

٥٠٢

الشيخ المراغي

هو الشيخ محمد مصطفى المراغي ، ولد في مراغة أحد مراكز سوهاج في مارس ١٨٨١ ، بدا رحلته التعليمية بحفظ القرآن الكريم ، ثم ذهب إلى طهطا لمواصلة العلم واتجه بعدها إلى الأزهر الشريف وحصل منه على العالمية في عام ١٩٠٤ ، اشتغل في مستهل حياته الوظيفية بالسودان ، وقد عين قاضيا في دنقلة في نفس السنة التي تخرج فيها من الأزهر ثم عين قاضيا لمديرية الخرطوم في ديسمبر ١٩٠٦ ورقى بعدها ليشغل وظيفة قاضي القضاة في ديسمبر ١٩٠٨ وهو أكبر منصب قضائي في السودان كله ، نظم خلاله القضاء الشرعي بالقطر الشقيق. ثم نقل إلى مصر في سبتمبر ١٩١٩ ، وظل يرقى المناصب القضائية إلى أن عين رئيسا لمحكمة مصر الشرعية العليا في عام ١٩٢٣ مما أتاح له أن ينهض بقانون الأحوال الشخصية بعد أن برم الناس به ، واستطاع أن يأخذ من التشريع الإسلامي من غير تقيد بمذهب ، ولمس الناس أثر إصلاحاته الكبرى.

ثم حاول القيام بأخطر مهمة في تاريخ الأزهر وذلك عن طريق تطويره وإصلاحه ومسايرته لروح العصر إذ عين شيخا للجامع الأزهر في مايو ١٩٨٢. بدأ عمله بنهج طيب مفاده أن يحفظ للخريج مكانته. إذ أرادت وزارة الأوقاف منذ عام مضى (أي في عام ١٩٢٧) إنشاء مدرسة الوعظ

٥٠٣

والإرشاد ، لأنها ظنت أن علماء الأزهر غير قادرين على تأدية هذه المهمة.

وكان لهذه المدرسة مخصصات في ميزانية ١٩٢٨. فتدخل الشيخ متعللا بأنه في الإمكان الاستغناء عن تلك المدرسة بعد إصلاح الأزهر ، وكان بالفعل قد سار شوطا في هذا المجال. فكتب مذكرته الإصلاحية الشهيرة ـ والتي تعتبر بحق دستور الإصلاح في الأزهر الحديث ـ ضمنها آراءه وأفكاره وخلاصة تجاربه ، وأهم ما جاء فيها تقسيم القسم العالي بالأزهر إلى كليات ثلاث : كلية أصول الدين والشريعة واللغة العربية وإنشاء قسم للدراسات العليا يسمى تخصص المادة ، ثم بعض المواد في كيفية ادارة الأزهر.

وانقسم الأزهر أمام تلك الآراء إلى قسمين : مؤيد ومعارض ، وقف الملك فؤاد بجانب الفريق المعارض ، للخلاف الناشىء بينه وبين المراغي في بعض مواد القانون فقدم استقالته من مشيخة الأزهر ، وبالرغم من قصر المدة التي قضاها وهي لا تتعدى أربعة عشر شهرا ، إلا أنها كانت فترة حافلة بآثارها ونتائجها. فقد كان لآرائه وقع كبير في نفوس كل من العلماء وطلبة الأزهر ، يدل على ذلك أن قام الأزهريون عن بكرة أبيهم شيوخا وطلابا في مظاهرة من العنف والشدة ومن ورائهم الأمة جمعاء ، وليس لهم من مطلب سوى عودة الشيخ إلى الأزهر ليواصل المسيرة الإصلاحية ، فرضخ المسئولون وعلى رأسهم الملك لمطلب الشعب وعاد الشيخ إلى الأزهر.

فسكنت نفوس الأزهريين وأرادوا التعبير عن ولائهم له والسرور بعودته فأقاموا لتلك المناسبة حفلا لتكريمه بأرض المعرض الزراعي احتشد فيه أكثر من ثلاثين ألف رجل من جميع فئات الشعب ، وحضره بعض الأمراء ورجال الفكر والسياسة في العالم.

وقد صدرت الصحف صباح الحفل تشيد بنظامه ومما ألقى فيه من خطب وقصائد وتهنىء الشيخ وتغبطه على مقامه في الأزهر وفي الأمة حتى

٥٠٤

لقد قال بعض رجال الصحافة : لم يشهد العالم لا في أوروبا ولا في مصر حفلا اجتمع له من أسباب الروعة والنجاح مثلما اجتمع لذلك الحفل العظيم.

عاد الشيخ إلى الأزهر مرة ثانية ليواصل ما بدأه من إصلاح وكان الإصلاح في نظره يقوم على ركنين : تخريج العالم الكفء الذي يصلح لتأدية رسالة الأزهر وهي نشر الدين في مصر وغيرها والثاني كفالة المستقبل لخريجي الأزهر ليحتفظوا بكرامتهم ويؤدوا رسالتهم. ولتحقيق الركن الأول أضاف إلى العلوم التي كانت تدرس في الأزهر علوما رآها ضرورية ، كما أضاف إليها بعض اللغات الأجنبية ، ولتحقيق الركن الثاني ، بين في القانون حقوق الخريجين في كل كلية من وظائف الدولة. وأخذ الشيخ يواصل خطواته في إصلاح الأزهر فأوفد بعثات أزهرية إلى أوروبا ، وأنشأ قسم الوعظ والإرشاد ووضع مشروع مباني المدينة الأزهرية التي تجمع كلياته ومعاهده ومكتبته العامة ومساكن للطلبة ، وأنشأ لجنة الفتوى بالأزهر فأصبحت منارة للمسلمين من سائر أنحاء العالم الإسلامي في شئونهم الدينية. وقد أحيا في عهد مشيخته الثانية سنة علمية دينية قديمة وذلك بالقاء كبار العلماء دروسا للملوك والأمراء ، فأخذ يلقي على الملك فاروق وكبار رجال الدولة وجمهرة من الشعب دروسا في تفسير القرآن الكريم في عصور وأمسيات كل جمعة من رمضان مدة عشر سنوات بأسلوب مبتكر في التفسير آثار إعجاب العالم الإسلامي كله.

أما عن مواقفه السياسية والوطنية فهي أكثر من أن تحصى ، وإن كان لا بد لنا من أن نعدد جانبا منها ، فعلينا أن نسرد التالي : حدث بعد تخرجه في الأزهر أن عين قاضيا للسودان ثم غضب عليه الانجليز ، فعاد إلى مصر وعين مفتشا في المساجد ، وبعد ذلك عرض عليه الانجليز مرة أخرى منصب قاضي قضاة السودان ، وبذلك يقفز مرتبة من ٦ جنيهات إلى ٤٥ جنيها فقال : إنه يوافق على ذلك بشرط أن يعين بمرسوم مصري ـ ديكريتو ـ

٥٠٥

فاستدعاه اللورد كتشنر العميد البريطاني في ذلك الحين وقال له : كيف تشترط هذا ونحن نرفع مرتبك إلى أكثر من سبعة أضعاف مرتبك الحالي؟ فقال فضيلته : «لن أقبل التعيين إلا إذا عينت بمرسوم مصري فسن بذلك سنة أجبرت عليها بريطانيا ، بأن صار تعيين قاضي قضاة السودان بموجب مرسوم ملكي مصري.

وكان للشيخ أثناء عمله بالسودان موقف مشرف تجاه ثورة الشعب المصري عام ١٩١٩ ، فقد روي ضباط الجيش المصري الموجودون بالسودان روايات كثيرة عن وطنيته آنذاك. حيث قاد الثورة المصرية في السودان بخطبه الثورية الفوارة وظل الشيخ وهو بالسودان يرقب أحداث الثورة المصرية وتطورها ويوجه المصريين وجهة الخير ، وكان قطبهم الذي يدورون حوله. وكان يجمع من المصريين والسودانيين ، التبرعات المالية للإنفاق منها على بعض نواحي الثورة كاسعاف الجرحى ومواساة أسر المنكوبين ، مما جعل وجوده في السودان خطرا مستفحلا على النفوذ الانجليزي به ، فتخلصوا من الشيخ وسافر إلى مصر.

ومن أشهر مواقفه السياسية ما كان منها أثناء نشوب الحرب العالمية الثانية فقد هاله وروعه ما أحدثته غارات دول المحور على مدن مصر من دمار وخراب وتقتيل وتشريد للأنفس البريئة ، فخطب في مسجد الرفاعي خطبة بليغة أعلن موقف مصر منها وأنها لا مصلحة لها فيها في الاشتراك في الحرب ولا ناقة لها فيها ولا جمل. ولقد أحدثت تلك الخطبة ضجة هائلة وقامت لها الحكومة المصرية وقعدت واهتزت لها الحكومة الإنجليزية بعنف. وطلبت إلى الحكومة المصرية بيان موقفها من هذه الفكرة واتصل به رئيس الوزراء وخاطبه في لهجة يفوح منها رائحة التهديد فثارت ثائرته وقال له : مثلك يهدد شيخ الأزهر وشيخ الأزهر أقوى بمركزه ونفوذه بين المسلمين من رئيس الحكومة؟ ولو شئت لصعدت منبر الحسين وأثرت عليك الرأي العام ولو فعلت لوجدت مكانك على الفور بين عامة الشعب.

٥٠٦

هذه لمحة سريعة عن بعض مواقفه الوطنية ، ومجمل القول كان الرجل طرازا فريدا من نوعه اعتمد على حب الشعب له ، فبادله الشعب حبا بحب ، ولذلك بكته مصر والعالم الإسلامي عند وفاته في ٢٢ أغسطس سنة ١٩٤٥ إذ خرجت مئات الآلاف لتوديع رجلها الذي كانت تحس به (١).

__________________

(١) جريدة التعاون مارس ١٩٧٥.

٥٠٧
٥٠٨

شيخ جامعة الأزهر الحالي

الدكتور محمد السعدي عوض فرهود

علم من أعلام الأزهر المعاصرين ، وشيخ جليل من كبار شيوخه.

ولد بمدينة الزرقا بمحافظة دمياط في أول يناير سنة ١٩٢٣ وحصل على الابتدائية الأزهرية من معهد دمياط سنة ١٩٣٩ وعلى الثانوية من معهد الزقازيق الأزهري سنة ١٩٤٤ وتخرج في كلية اللغة العربية سنة ١٩٤٨ وحصل على دبلوم معهد التربية العالي للمعلمين سنة ١٩٥٠ ودبلوم الدراسات العليا للمعلمين سنة ١٩٥٤ ودورة الصحافة المدرسية سنة ١٩٥٦ ، ودبلوم معهد الدراسات العربية العالية في الدراسات الأدبية واللغوية سنة ١٩٥٦ م ، والماجستير بتقدير ممتاز في الدراسات الأدبية سنة ١٩٥٨ والدكتوراه في الأدب العربي الحديث سنة ١٩٦٧ بمرتبة الشرف الأولى.

بدأ وظيفته مدرسا بمدرسة سوهاج الثانوية سنة ١٩٥٠ ثم اختير للتدريس بالمدارس النموذجية سنة ١٩٥٤ وهو أول مدرس للغة العربية بالمدرسة الثانوية النموذجية للمتفوقين سنتي ١٩٥٦ ، ١٩٥٧.

شغل عدة وظائف أخرى منذ سنة ١٩٥٧ منها :

٥٠٩

عضو فني وباحث بإدارة البحوث الفنية والمشروعات بوزارة التربية والتعليم (١٩٥٧).

عضو فني ووكيل إدارة قسم آسيا بالسكرتارية الفنية للجنة العليا للعلاقات الثقافية الخارجية بوزارة التعليم العالي (١٩٥٩).

مدير مساعد المركز الثقافي العربي بالرباط بالمملكة المغربية (١٩٦٠).

مدير إدارة الخطة بوزارة العلاقات الثقافية الخارجية (١٩٦٤).

مستشار بوزارة الإرشاد القومي (١٩٦٦).

عضو مكتب وزير الدولة لشئون الأزهر (١٩٦٦).

انضم إلى هيئة التدريس في قسم الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالقاهرة سنة ١٩٦٨ ، ثم رقى أستاذا للأدب والنقد في التاسع من مارس سنة ١٩٧٧ م.

اختير وكيلا لكلية اللغة العربية بأسيوط سنة ١٩٧٣ ، ووكيلا فعميدا لكلية اللغة العربية بالمنصورة سنة ١٩٧٦ حيث شارك في إنشائهما ووضع أسس العمل بالكليات الإقليمية الناهضة بجامعة الأزهر.

انتدب في سبتمبر سنة ١٩٧٩ وكيلا لجامعة الأزهر للدراسات العليا والبحوث وفي أغسطس سنة ١٩٨٠ عين نائبا لرئيس الجامعة لشئون الدراسة والتعليم والطلاب.

عين وكيلا للأزهر ـ بدرجة وزير ـ في ١٦ / ٢ / ١٩٨١. وهو أول وكيل للأزهر يعين بهذه الدرجة.

عين رئيسا لجامعة الأزهر في أول سبتمبر ١٩٨٣.

٥١٠

نشاطه :

* عضو المجلس الأعلى للجامعات بمصر.

* عضو مجمع البحوث الإسلامية.

* عضو مجلس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا.

* عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

* عضو نائب رئيس رابطة الجامعات الإسلامية.

* عضو المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي.

* عضو المجلس القومي للثقافة والآداب والفنون.

* عضو مجلس اتحاد الإذاعة والتلفزيون بمصر.

رئيس اللجنة الدينية باتحاد الإذاعة والتلفزيون.

* رئيس مجلس إدارة مركز صالح عبد الله كامل للدراسات والبحوث الاقتصادية بجامعة الأزهر.

* رئيس مجلس إدارة المركز الدولي الإسلامي للبحوث السكانية بجامعة الأزهر.

* أشرف على أكثر من ٦٠ رسالة ماجستير ودكتوراه ، وناقش أكثر من مائة وخمسين رسالة جامعية في الدراسات الأدبية والدينية والتربوية.

ـ أستاذ غير متفرغ بكلية اللغة العربية بالمنصورة للإشراف على الدراسات العليا بها منذ تعيينه وكيلا للأزهر.

* مقرر اللجنة العلمية الدائمة للترقية إلى وظائف الأساتذة بجامعة الأزهر.

ـ بدأ منذ أول يناير سنة ١٩٨٣ تفسير القرآن الكريم في برنامج يومي بإذاعة القرآن الكريم من القاهرة تحت عنوان (على هامش التلاوة) والبرنامج مستمر.

٥١١

مؤلفاته :

ـ له عدة مؤلفات في الدراسات الاسلامية والأدبية منها :

ـ في البيان القرآني : ١ ـ تفسير سورة الرعد ، ٢ ـ وتفسير سورة إبراهيم.

ـ في الحديث النبوي : ١ ـ التعريف بالحديث الشرف. ٢ ـ وفي رحاب الهدى النبوي ، ٣ ـ والهدية السعدية شرح الأربعين النبوية.

ـ في الدراسات الأدبية : ١ ـ ابن زيدون وشعره ، ٢ ـ والوصف في شعر المتنبي ، ٣ ـ والاتجاهات الفنية في شعر عبد الرحمن شكري ، ٤ ـ والتيار الفكري في شعر شكري ، ٥ ـ والتيار الاجتماعي في شعر شكري ، ٦ ـ والنديم الأديب ، ٧ ـ والنبع الصافي ، ٨ ـ والكوثر العذب.

ـ في الدراسات النقدية : ١ ـ اتجاهات النقد الأدبي العربي ، ٢ ـ وقضايا النقد الأدبي ، ٣ ـ والمذاهب النقدية بين النظرية والتطبيق ، ٤ ـ ونصوص نقدية لأعلام النقاد العرب.

ـ في الدراسات البلاغية : ١ ـ أسرار البلاغة في التشبيه والتمثيل ، ٢ ـ ومبحث التقديم في دلائل الإعجاز ، ٣ ـ والعبارة وتأليفها بين كتابي نقد النشر والبرهان.

ـ في الدراسات اللغوية : ١ ـ فن القريض ، ٢ ـ ومن أدب الكاتب.

وأتم تفسيرا كاملا للقرآن الكريم في عدة أجزاء كبيرة.

٥١٢

الإمام نافع الخفاجي الكبير

١٢٥٠ ه‍ ـ ١٨٣٤ م ـ ١٣٣٠ ه‍ ـ ١٩١٢ م

إمام كبير ، وعالم جليل ، وأديب نابغة ، وفقيه مجتهد ، عنه مصادر واسعة تحدثنا عنه في إفاضة وسعة ودقة تحقيق وتحليل.

ترجم لنفسه في صدر معلقته الخفاجية ترجمة طويلة مستفيضة سننقل عنها في إيجاز واختصار ، قال : «نافع الخفاجي بن الجوهري بن سليمان بن حسن بن مصطفى بن أحمد الخفاجي التلباني من بني خفاجة وأمي من أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب ، وجدتي أم والدي من بني شاكر ولهم اتصال في شرف الحسب.

«وكان مولدي في حدود سنة ١٢٥٠ ه‍ ، «وكنت بعد سن التمييز في مغرس طيب النبت عزيز ، في حجر والدي ، ممتعا بذخائر طريفي وتالدي ، مربى بغذاء النعم في الظاهر والباطن ، في النعيم المقيم بأرفع المساكن ، ومقام والدي الجوهري غني عن المدح ، والورق بأوكارها لا تعلم الصدح».

«وحفظت القرآن ولي دون اثنتي عشرة سنة ، ثم حفظت المتون كمتن أبي شجاع ومنهج الفقه وألفية ابن مالك والأجرومية والرجبية والجزرية

٥١٣

والجوهرة والسنوسية ومتن السلم وتحفة الميهي ومتن السمرقندية ومتن الزبد لابن رسلان وغيرها».

فلما درجت من عشى تركت تلك النعم المتكاثرة ورحلت في طلب العلم إلى القاهرة» .. «كان وصولي الأزهر أواخر سنة ١٢٧١ ه‍ ثم في أول سنة ١٢٧٢ حضرت ابن قاسم والكفراوي ، وفي سنة ١٢٧٣ حضرت البرماوي والكفراوي أيضا ، وفي هذه السنة زلزلت الأرض والبلاد زلزلة عظيمة هدمت منها بعض البيوت والمآذن بمصر ، وفي سنة ١٢٧٤ حضرت شرح الخطيب ثانيا وشرح الأزهرية وحاشيته وشرح القطر. وفي هذه السنة توفي أخي محمد الغندور ، وفي سنة ١٢٧٧ حضرت التحرير وشرح القطر ثانيا وشرح الشذور».

«حضرت على سيبويه زمانه وعلامة عصره وأوانه شيخ الإسلام وتاج العلماء الأعلام شيخنا إبراهيم الباجوري طيب الله ثراه وجعل الفردوس مأواه ، فحضرت دروسه في المنهج والتحرير وكتب الحديث والتفسير ، وهو الإمام الذي اقتدت به علماء الأمصار ، وتنزهت من فضائله في حدائق ذات بهجة وأنوار».

وقرأت على من رقى في معارج الفنون مولانا الشيخ إبراهيم السقا شرح الجامع الصغير وشيئا من كتب التفسير ، وقرأت الفقه وشيئا من الحديث على الشيخ محمد الأشموني ، وقرأت على شيخنا الخضري شرح المنهج والتحرير والنحو والبيان ، ونافست في الجد والطلب جميع الإخوان ، وقرأت على الشيخ مصطفى البدري شيئا من الفقه والنحو وغيرهما ، وقرأت على الشيخ الرهابيني شيئا من المنطق والنحو والبيان ، وكتب لي بخطه أجازة (موجودة لدى صورتها الخطية) ، وهي «تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ، المحي مآثر الأعيان ، بنشر ثنائهم المخلد في صحائف الأيام ، والصلاة والسلام على أفضل الرسل الكرام ، وعلى آله

٥١٤

وصحبه ما طرز البرق برود الغمام أما بعد فقد سألني الأخ في الله تعالى الشيخ العالم العلامة نافع بن الجوهري بن سليمان الخفاجي التلباني أن أجيزه بجميع مروياتي من فقه وحديث وتفسير ونحو ومنطق وبيان وبديع وعروض من معقول ومنقول وإفتاء وتدريس وكل ما أخذته عن مشايخي الأجلة ، لكونه وسمني بسمة العلم ولست من أهله :

إذا كان الزمان زمان سوء

فيوم صالح فيه غنيمة

فعلمت لياقته لذلك فقلت : أجزته بجميع مروياتي من مشايخي الأخيار ، وما لهم من التآليف والآثار ، وأوصيه بتقوى الله والوقوف على حدود شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يتحرى في القول والعمل ، وأن لا ينساني من صالح دعواته ، صانه الله وحماه ، وقلد جيد مجده بفرائد حلاه» .. وتاريخ هذه الإجازة جمادى الآخرة سنة ١٢٨٣ ه‍.

ونظرت في كتب المذهبين : مذهب الشافعي والنعمان ، مؤسسا على الأصلين من مشايخ العصر ، متنزها في حدائق السحر ، وشحا لآدابي بحلل النظم والنثر».

ومن أجل من أخذت عليه شيخنا الرافعي ، قرأت عليه شرح الشفا وقطعة من البخارى فأجازني بذلك» «وممن قرأت عليه الشيخ على الملبط ، حضرت عليه طرفا من العلوم وشيئا من حديث الرسول فأمدني بدعاء لا شك أنه على أكف القبول محمول ، ومنهم الشيخ النجريدي كان ينوه باسمي ويفتح جريدته برسمي. ومنهم شافعي زمانه وعلامة أوانه الشيخ نور الدين المنوفي ، حضرت دروسه الفقهية».

«وحمدت في طلب العلم السري ، ونبهت عيون حظي من سنة الكرى ؛ وقلت : دار بدار ، والعمر فرصة فالبدار. وكل ما تهواه حسن : وليس لما قرت به العين ثمن ، ففارقت من فارقت غير مذمم. ويممت من يممت خير ميمم وأخذت الفقه والنحو والتوحيد والفرائض والبيان والمنطق

٥١٥

والتفسير والحديث عن جماعة من الشيوخ ، وقد فتح الله علي في علوم الفقه والفرائض والتوحيد والتفسير والحديث والنحو والمنطق والبيان واللغة والعروض والإنشاء والطب والحساب ، والحروف والأوقاف والتاريخ ... ودون هذه : أصول الفقه والتصريف والاشتقاق والجدل والوضع ، ودونها : القراءات ولم آخذها من شيخ : ولضيق يدي عن شراء ما أحتاج إليه من الكتب كنت أطالع كل ما أمكنني مطالعته».

ثم أذكر جملة أسماء الكتب التي قرأها على العلماء أو طالعها أو حفظها وكانت كثيرة جدا تفوق على الألف كما يقول هو في مقامته ، ونلاحظ أن من الكتب التي قرأها في فن العربية والأدب وما يتصل به هذه الكتب : الوسيلة الأدبية للمرصفي ، حلبة الكميت ؛ أساس البلاغة للزمخشري ، أدب الكاتب لابن قتيبة ، صحاح الجوهري ، فقه اللغة ، المزهر ، المثل السائر ، شفاء الغليل ، الشفا في بديع الاكتفا للنواجي ، تاريخ ابن خلدون ؛ ابن خلكان ، الخطط للمقريزي ، حسن المحاضرة للسيوطي ، نفح الطيب ، الأغاني ، الكامل لابن الأثير ، الغناء في دمشق الفيحاء ، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ، آثار البلاد للقزويني ، الخصائص للسيوطي ، المسامرات لابن عربي ، فاكهة الخلفاء ، فوات الوفيات ، الخزانة ، مقاماتالحريري وشرح الشريشي عليها ، طراز المجالس للشهاب الخفاجي ، الكشكول ، الموازنة للآمدي ، قلائد العقيان ، يحانة الألباب للشهاب الخفاجي ، حديقة الأفراح ، رسائل الخوارزمي والبديع ، حياة الحيوان للدميري ، ثمرات الأوراق ، شرح رسالة ابن زيدون ، ديوان الصبابة ، المستطرف ، الإنشاء للعطار ، إنشاء مرعي ، ربيع الأبرار ، شرح ديوان ابن الفارضي ، شرح لامية العجم ، شرح ديوان امرىء القيس ، سوى الدواوين الكثيرة التي قرأها ، وذلك كله مما يوقفنا عليسر ثقافته الأدبية.

ثم قال : «ومصنفاتي في هذا الوقت تبلغ الخمسين ولم يكن لي

٥١٦

شغل بالليل والنهار سوى المطالعة :

ولدي الآن صورة خطية للأجازة العلمية التي كتبها له الشيخ الباجوري ..

بدأها بالحمد والصلاة على الرسول في إفاضة ، ثم أفاض في فضل العلم ... إلى أن قال :

«وإن ممن قدم علينا بمدينة القاهرة ، التي هي بالمحاسن ظاهرة ، وبأكابر العلماء زاهرة ، وبمدارس العلوم عامرة ، وروضتها بأنفاس أكابر العلماء عاطرة ، وأشعة شموس علومهم بها باهرة ، لا سيما الجامع الأزهر والمسجد الأنور ، الذي فيه العلوم تقرر ، وبساط العرفان ينشر ، فهو بذلك عن كل المساجد متفرد ، وبتلك الخصيصة مشهور لمن إليه يرد. تجني من رياض دروسه ثمار العلوم ، وتنبت ـ كما ينبت البقل ـ بأرضه الفهوم ، فمحله في الفضل غير منكور. ومهارة علمائه في الفنون أمره مشهور :

العالم الفاضل الماهر الكامل ، الألمعي اللوذعي ، صاحب الأفهام الدقيقة ، والمعاني الدقيقة. نافع الخفاجي التلباني ، وقد أخذ المذكور عن علمائه ومشاهير فضلائه ؛ وتفيأ في ظلال معارفهم ، واقتطف أزهار لطائفهم ، وتعطر بعبير أنفاسهم ، واستضاء بمشكاة نبراسهم ، حتى حصل من علمهم الجم ، وغاص على تلك اللآلىء في ذلك اليم ، وجد واجتهد ، وحرر وقيد ، فربحت تجارته وحسنت شارته وعظمت فائدته ، وجلت عائدته ، وامتلأ وطابه ، وشرف بالانتماء إلى العلم انتسابه ، ولما حن حنين الفحل إلى وطنه ، وأراد الرجوع إلى وطنه ؛ زودته بالدعوات الصالحات ، وكسوته حلل الكرامة بتسطير الإجازات ، رجاء الانتظام مع هؤلاء العداء ، فقلت : أجزت المذكور بكل ما تجوز لي به الرواية ، وما تلقيت عن أشياخي ـ ضاعف الله أجورهم ـ رواية ودراية ، وبما لي من تأليف وتصنيف».

٥١٧

وتحمل هذه الإجازة هذا الامضاء : «الفقير إبراهيم الباجوري ـ خادم العلم.

ومع هذه الوثيقة صورة أخرى لرجاء أساتذته : الشيخ الملط والشيخ البدري والشيخ علي محمد المرفوع إلى شيخ الجامع الأزهر لإعطاء «ولده الفقير خفاجي بن الجوهري خفاجي من أهالي ناحية تلبانة بولاية الدقهلية تذكرة أسوة بأمثاله بإكرامه وعدم المعارضة له بطريق ما وإجازته بكل ما أفتى وما فعل ، والعهدة علينا في ذلك».

ويلي ذلك إجازة شيخ الأزهر له ومنها : «انتظم المذكور في سلك العلماء وأخذ عن الشيوخ الموجودين في هذا العصر بعضا من العلوم ؛ ودأب في التحصيل فمنح دقائق الفهوم ، فأجازه أشياخه بما أخذ عنهم تلقاه منهم ، ولما أراد الرجوع إلى وطنه التمس إجازته بما تجوز له روايته وتنسب له عن أشياخه درايته ، فسارعت لسؤاله ، وبادرت لتحقيق آماله ، فأجزته بما تجوز لي روايته من منقول ومعقول وما تنصرف إليه همم أرباب العقول ، وعليه العمل بتقوى الله وأن لا ينساني من دعواته الخ».

وعاد الفتى الشاب العالم من القاهرة يحمل معه إجازته العلمية واستقر أخيرا في قريته.

لا نعلم في أي تاريخ عاد من مصر إلى تلبانة ولكنه على كل حال عاش في البلدة ضجرا ملولا كارها لجوها وللحياة فيها ، يقول في مقامته :

فرجعت إلى بلدي فلم أجد بها أحد يحسن قراءة الفاتحة ، وصرت فيهم غريب الفضل منفردا كبيت حسان في ديوان سحنون ، وما زلت معتكفا في حرم المطالعة من كتاب قديم إلى كتاب جديد ، حتى جذبتني حاجة الحياة إلى مخالطة الجهال الأغمار.

وأخذ يطالع ويدرس ويؤلف وينظم الشعر ، ويتصل برجال إقليم

٥١٨

الدقهلية ، وكان صوفيا وخليفة السيد أحمد البدوي كما في وثيقة مخطوطة عام ١٢٨٢ ه‍ ، وفيها يذكر مشايخه في الطريقة أولهم عمر الصاوي المالكي الحفناوي.

وصار بعد قليل كبير العلماء في هذا الإقليم وإمام الإفتاء فيه ، والعلم المشار إليه بالبنان ، وقصده الناس من كل جهة وحدب ، وعاش مبجلا بين الناس في وسط بلده وأسرته.

تزوج أربع زوجات وخلف ذرية كبيرة صالحة ، وكان ينفق في حياته بسخاء على أسرته الكبيرة الضخمة.

وأخيرا وبعد جهاد طويل وعمر حافل بجلائل الأمور وعظائم الأعمال توفي عام ١٩١٢ الموافق سنة ١٣٣٠ ه‍ عن ثمانين عاما.

مؤلفاته :

اطلعت على فهرس لمكتبة هذا العالم الكبير المغفور له الشيخ نافع خفاجي بخطه فوجدته قد وضع الكتب في مجموعات كل مجموعة بحسب الفن الذي ألفت فيه ، فعلم الفقه وعلم الحديث وعلم التفسير ، وعلم التاريخ الخ ، وكتب في كل مجموعة ما له من مؤلفات في هذا الباب ، وقد جمعت ما ذكره من مؤلفاته ووضعت لها أرقاما مسلسلة وهي :

١ ـ الطب لنافع الخفاجي.

٢ ـ رسالة الكيمياء لنافع.

٣ ـ الألغاز لنافع وهو موضوع في «مجموعة الحكم ومجموعة العلم والأمثال والألغاز والمسائل».

٤ ـ مناسك الحج لنافع.

٥ ـ مسامرات نافع.

٥١٩

٦ ـ شرح كنز الطالبين في التوحيد لنافع الخفاجي.

٧ ـ العقد الفريد في علم التوحيد لنافع الخفاجي.

٨ ـ ديوان نافع الجوهري في الخطب والمواعظ.

٩ ـ مجموعة خطب نافع مرتبة على حروف المعجم «وهي خطب دينية».

١٠ ـ تحفة الأذكار لنافع الجوهري «في مجموعة الفضائل والأوراد».

١١ ـ فضائل رمضان في آية القيام لنافع الخفاجي.

١٢ ـ فضل رمضان وفضل العيد لنافع الخفاجي.

١٣ ـ أوراد نافع.

١٤ ـ إعراب لا سيما.

١٥ ـ الزهر الفائح «في مجموعة التصوف والمواعظ».

١٦ ـ عنوان المجاوبة لنافع الخفاجي «كتاب إنشاء».

١٧ ـ إنشاء نافع خفاجي المجموع من الصحف.

١٨ ـ إنشاء نافع في المدائح وغيرها.

١٩ ـ الهجاء لجامعة نافع الخفاجي.

٢٠ ـ المرائي لجامعة نافع الخفاجي. في مجموعة.

٢١ ـ الاعراضات لجامعة نافع الخفاجي ، الأدب.

٢٢ ـ الإفادات لجامعة نافع الخفاجي ، والإنشاء.

٢٣ ـ الأرجوزة المفحمة في المكاتبة والمخاصمة.

٢٤ ـ تمرين القراء ودعاء الختم لنافع الخفاجي في مجموعة علوم القرآن.

٢٥ ـ السيرة النبوية لنافع الخفاجي.

٢٦ ـ الفلسفة لنافع الخفاجي.

٢٧ ـ الجغرافيا لنافع.

٥٢٠