الأزهر في ألف عام - ج ٣

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي

الأزهر في ألف عام - ج ٣

المؤلف:

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٧

ـ ٣ ـ

والعوامل الثقافية التي أثرت في عقلية أديبنا ، يمكن تلخيصها فيما يلي :

١ ـ العامل الأول : ثقافة الأسرة ، وهي أسرة تنتمي إلى أصول عربية قديمة بسط صاحبنا تاريخها في كتاب خرج منه حتى الآن تسعة أجزاء ـ ومن هذه الأسرة أعلام قديمة وحديثة ومعاصرة من الأدباء والعلماء والشعراء والكتاب ، وهو كتاب «بنو خفاجة».

٢ ـ العامل الثاني : ثقافة في الأزهر الذي عاش فيه تلميذا من سنة ١٩٢٧ إلى ١٩٤٦ حيث تخرج من كلية اللغة العربية يحمل شهادة «العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب ، وتعادل الدكتوراه حرف (أ) من الجامعات المصرية ـ وتخول لحاملها التدريس في كليات الأزهر وكليات الجامعات المصرية ، وكانت الرسالة التي قدمها هي «ابن المعتز وتراثه في الأدب والنقد والبيان» وهي مطبوعة.

٣ ـ العامل الثالث : مطالعاته الشخصية في الأدب قديمه وحديثه ويقول لنا : إنه حتى تخرجه طالع ما لا يقل عن خمسة آلاف كتاب في الأدب عدا الكتب الثقافية الأخرى.

٤ ـ اتصاله الوثيق بالبيئات والمدارس والمذاهب الأدبية المعاصرة ، ودراساته في كلية اللغة لتلاميذه.

٥ ـ الاستعداد الشخصي والملكات الذاتية ، التي تكون لصاحبها أفكارا ثقافية وأدبية خاصة متميزة.

٦ ـ اتصاله المباشر بالبيئات الثقافية الأجنبية وكان لعمله في الليسيه الفرنسية مدرسا بها أثر ما في حياته ، وكذلك اتصاله بالعديد من العناصر والبيئات الثقافية.

٤٢١

ـ ٤ ـ

ومؤلفات الخفاجي تنقسم إلى عدة مجموعات :

١ ـ فالأولى طائفة من المؤلفات في الدين ، ومن بينها : الإسلام دين الإنسانية الخالد ، الإسلام وحقوق الإنسان ، الإسلام رسالة الإصلاح والحرية ، مبادىء الإسلام الخالدة (بالاشتراك) ، من ماضي الإسلام وحاضره (بالاشتراك) ، الذكر الحكيم ، مأثورات نبوية.

٢ ـ والثانية كتب في التاريخ ومن بينها : بنو خفاجة وتاريخهم السياسي والأدبي وهو في تسعة أجزاء ، الأزهر في ألف عام وهو في ثلاثة أجزاء ، قصة التصوف في مصر ، الصوفي المجدد.

٣ ـ كتب في النقد ومن بينها : مذاهب الأدب ، فصول في النقد ، موقف النقاد من الشعر الجاهلي ، وحدة القصيدة في الشعر العربي ، حكومة القاضي الجرجاني في النقد الأدبي.

٤ ـ كتب في التاريخ الأدبي القديم والحديث والمعاصر ، ومن بينها : الحياة الأدبية في العصر الجاهلي ، الحياة الأدبية بعد ظهور الإسلام ، الحياة الأدبية في العصر العباسي ، والحياة الأدبية في الأندلس والعصر العباسي الثاني ، والحياة الأدبية بعد سقوط بغداد في عصر بني أمية ، والحياة الأدبية الأدب العربي بين الجاهلية والإسلام ، الأدب العربي في ظلال الأمويين والعباسيين ، وهما (بالاشتراك) ، والأدب العربي وتاريخه وهو في أربعة أجزاء (بالاشتراك).

وقصة الأدب في مصر ، في خمسة أجزاء ، قصة الأدب في الأندلس في خمسة أجزاء ، قصة الأدب المعاصر في أربعة أجزاء ، قصة الأدب في الحجاز بالاشتراك مع الأديب الحجازي عبد الله عبد الجبار وسيقع في عدة أجزاء ، صور من الأدب الحديث في أربعة أجزاء.

٤٢٢

٥ ـ كتب في تاريخ أعلام الأدب العربي ، ومن بينها : ابن المعتز وأثره في الأدب والنقد والبيان ، رائد الشعر الحديث في جزءين ، أعلام الأدب في عصر بني أمية في جزءين ، أشعار الشعراء الستة الجاهليين ، أعلام الأدب العربي (بالاشتراك) ، الشعراء الجاهليون ، مع الشعراء المعاصرين. أبو عثمان الجاحظ.

٦ ـ كتب في الأدب ومن بينها : فصول في الأدب ، من بلاغة العرب وهما بالاشتراك ، نداء الحياة ، التشبيه في شعر ابن المعتز وابن الرومي ، وغيرها.

٧ ـ كتب في البلاغة العربية ومن بينها الإيضاح في البلاغة في ستة أجزاء وعبد القاهر وأثره في البلاغة العربية ، والبلاغة العربية.

٨ ـ كتب في اللغة العربية وهي عديدة.

٩ ـ كتب قديمة نشرها الخفاجي وحققها وهي عديدة كذلك ، ومن بينها : البديع لابن المعتز ، فحولة الشعراء للأصمعي ، قواعد الشعر لثعلب.

ورسائل ابن المعتز ، إعجاز القرآن للباقلاني ، فصيح ثعلب ، مقامات الحريري بشرح الشريشي ، وغيرها.

وللخفاجي مقدمات لكتب كثير من الأدباء المعاصرين ، وممن كتبوا عنه : الدكتور أحمد زكي أبو شادي ، والناقد مصطفى السحرتي. روكس العزيزي. عبد الله زكريا الأنصاري. عبد الله عبد الجبار. محمد سعيد العامودي. وديع فلسطين. حسن جاد. حليم متري. أحمد الزين صاحب مجلة العرقان بلبنان. الشيخ محمود النواوي. كامل أمين. محمد فوزي العنتيل. رضوان إبراهيم. إبراهيم الواعظ من أدباء العراق. عبد المسيح حداد. أحمد الشرباصي. كامل السوافيري. فكري أبو النصر. جميلة العلايلي. أبو الوفا التفتازاني. أبو السعود الجهني ، وغيرهم.

٤٢٣

ـ ٥ ـ

ومن شعر الخفاجي قصيدته «الشهداء» :

بطولتهم لكل فتى نشيد

وذكر فدائهم أبدا جديد

ومجد جهادهم في الدهر باق

يضن به على الدهر الخلود

شباب للعلا ثاروا غضابا

تناديهم وقد ثاروا الجدود

مشيئة مصر أن تحيوا كراما

فذودوا عن حقوق الشرق ذودوا

حياة العز أو موت زؤام

ولا يجدي التردد والقعود

دعاهم للعلا داع فهبوا

جنود في نضالهم أسود

فما يلهيهم في الروع وعد

ولا يثني عزائمهم وعيد

أباة والأبي يعيش حرا

كأن مضاءه القدر العيد

يثور على الحديد فلا حديد

ويزأر في القيود فلا قيود

وينهض للعظائم في جلال

ويفعل ما يريد كما يريد

لمصر حياتهم كانت فداء

وشعب تلك غايته يسود

هم الشهداء قد ضحوا كراما

فكل بين واديه شهيد

ويوم فدائهم للمجد ذكرى

ويوم جهادهم للشرق عيد

هم الكرماء قد بروا وجادوا

ويحيى ذكرهم بر وجود

قبورهم تفوح شذا وعطرا

وتجفوها الأزاهر والورود

وفي البيداء تخشع في جلال

ويخشع من جلالتها الوجود

كسى الشهداء تلك البيد مجدا

تشيد بذكره أرض وبيد

وليس لما بنى الشهداء مثل

وليس لتضحياتهم نديد

ويهتف باسمهم شعب أبى

تكاد الأرض إذ غضبوا تميد

عزيز أمسه الماضي كريم

طريف مجده الباقي تليد

 ـ ٦ ـ

ويقول الشاعر المصري كامل أمين ، من قصيدة له وجهها إلى الخفاجي :

٤٢٤

يا أخا الخير «يا خفاجة» والخير شباب الندى وروح الحياة

كل أرض نما بها البر روح ألبسته الحياة ثوب النبات

قد عهدناك يا أخي تعبر الناس فتسعى بهم كسعي الفرات

تبعث اليأس القنوط من الآمال كبعث الحياة بعد الممات

* * *

يا أخي أين يوم كنت ألاقيك وكلي مجرح من كفاحي



لم أجد في الحياة لما تمزقت سواك أمرا يداوي جراحي

كنت أجتاز زحمة الناس كالبيد خوت لم تفض بغير الصياح

ضحلة البر والتعاون تجتر الشحاح الندى بها من شحاح

* * *

كم أرتني الخطوب من صور الناس زيوفا قد فتحت عينيا

رب خدن طننته ملء كفي نفض الخطب من يديه يديا

كان كالشوك لا نبات ولا ظل وإن كان كالنبات نديا

فإذا فزت من تجارب دنياك بحر كسبت بالحر دنيا

* * *

يا أخي كيف مد سحرك في الليل فمد الصباح بين بيانك

ريشة الساحر الصناع بكفيك وسحر البيان تحت لسانك

وخيال الحديث يجذب كاللحن فماذا عزفته في كمانك

الكمان الذي استحال يراعا هز داود فيه من ألحانك





ـ ٧ ـ

وفي قرية صغيرة قديمة من أعمال مركز المنصورة ، تسمى «تلبانة» ، ولد الخفاجي في ٢٢ يوليو عام ١٩١٥ بين أحضان الطبيعة الجميلة في

٤٢٥

الريف ، وبين الفلاحين المكدودين المرهقين الذين يعيشون فيه عيشة تجمع إلى البساطة سذاجة التفكير ، وإجهاد العيش ، وشظف الحياة.

وفي إبان الحرب العالمية الكبرى ، وما تلاها من أحداث الثورة الوطنية المصرية عام ١٩١٥ ولد ونشأ الخفاجي .. تنطبع في ذهنه صور من كفاح الحياة والإنسانية ومن جهاد مصر في سبيل حريتها وآمالها ، هذا الجهاد الذي ظل أمدا طويلا شغل المصريين كافة ، وموضع تفكيرهم ، وألهم المقعد الناصب لهم في حياتهم المعاصرة.

ولم يترك الخفاجي القرية إلا في أثناء دراسته ، وظل وفيا لها ولأهلها الأبرياء البسطاء طول حياته.

وهذا الميلاد وما صاحبه وتلاه من أحداث في حياة الخفاجي يصوره في قصيدة ساحرة له عنوانها «يوم الميلاد» جاء فيها :

يوم ميلادي حمده صيغ لي اسما

وارتدت في سناه روحي جسما

ورأيت الوجود طفلا صغيرا

يستطيب الدنيا رضاعاه ونوما

ويحب الحياة مهدا وثيرا

وأبا صاغه الحنان وأما

ونشيدا وأغنيات عذابا

تملأ الغرفة لصغيرة نغما

ومناغاة إخوتي لي في المهد

وقبلات تشبع المهد لثما

والسماء الزرقاء تسحر عيني

فأحصى النجوم نجما فنجما

وأرى كل ما أشاهد حلما

وأرى صادق الحقيقة وهما

ومنها :

ما أنا؟ صورة لجد وجد

وكتاب عنهم ينبىء علما

أنا مرآة صورت كل ما طاف

بوهم الحياة وهما وحلما

أنا أغنية تلحنها البيئة

رمزا على الحياة ووسما

أنا قيثارة العصور ولحن

ربما بالحياة زادك فهما

٤٢٦

ونشيد فم الخلود يغنيه

أمانا على الزمان وسلما

بين نجد وفي العراق ومصر

عاش قومي يأبون ذلا وضيما

ملكوا الملك شيدوا العرش ساسوا

الناس بالعدل والشجاعة حزما

أنصت التاريخ القديم إليهم

ولهم طالما أشار وأومى

فزعت بغداد وأتراك بغداد

لقوم لم يقبلوا قط ظلما

ثم أضحى المجد التليد حطاما

والجلال القديم أصبح وهما

وعيون التاريخ تهزأ بالدهر

الوفي الذي تحول خصما

بين أرض الريف الجميلة نشئت

وشمت الحياة صحوا وغيما

وحملت الأعباء طفلا صغيرا

وحسمت الأمور بالحزم حسما

وبنيت المستقبل الضخم صرحا

ودعمت البناء وحدي دعما

ومنها :

يا لذكرى الميلاد عودي وعودي

فالرجاء البعيد بالوصل هما

املأي العيش بهجة وسرورا

طالما ذقته شجونا وهما

أنطقي الدهر ، أسمعي الدهري لحني

والليالي فطالما كن صما

أنا أحيا على الرجاء وأسعى

لأنال المنى كفاحا ورغما

أنا ما أبتغي يجل عن الوصف

وجل ما أرتجي أن يسمى

أنا أحيي التاريخ مجدا وجاها

وأعيد الأيام يوما فيوما

 ـ ٨ ـ

إن الخفاجي لم يكن وحدة في الحياة ، إن تاريخ قومه يمتد إلى أكثر من ألف وخمسمائة عام.

فهو من سلالة عربية عريقة ، أرخ لها في كتابه «بنو خفاجة وتاريخهم السياسي والأدبي» ، والخفاجيون قبيلة عربية حجازية كبيرة نشأت في العصر الجاهلي وزاد نفوذها ، وهم من العقليين العامريين القيسيين ، وقد تعددت

٤٢٧

فروع القبيلة بعد الإسلام وهاجرت سلالات منها إلى الشام ومصر والعراق والمغرب والأندلس ، ومنهم أعلام خالدون في كل مكان ، ولا ننسى الشاعر الأموي توبة الخفاجي العربي الحجازي ، والأمير ابن سنان الخفاجي الحلبي المتوفى عام ٤٦٦ ه‍ ، والشهاب الخفاجي المصري المتوفى عام ١٠٦٩ ه‍ ، وابن خفاجة الأندلسي الشاعر المشهور ، وغيرهم.

ومن الخفاجيين أسر حاكمة في حلب في القرن الخامس الهجري ، وفي العراق في القرن الرابع إلى السابع الهجري ، وكانت ولاياتهم في الناصرية بقرب الكوفة وكان يتولاها منهم بعد أمير ، وكانوا في شبه استقلال داخلي عن الخلافة العباسية.

إن هذا الماضي العريق يحمله الخفاجي في قلبه ودمه وأعصابه ويقف مزودا منه بإيمان راسخ ، وعبقرية حادة ، وقوة ضخمة تعاونه على كفاحه في الحياة.

وحفظ الخفاجي القرآن الكريم وتعلم مبادىء وأطرافا من الثقافة الأولى في مكتب القرية أو المدرسة الأولى التي كان يتعلم فيها الشباب في ريف مصر إلى عهد قريب.

وفي عام ١٩٢٧ رحل إلى مدينة الزقازيق يتلقى ثقافته الإبتدائية والثانوية في معهدها الكبير ، الذي تخرج منه عام ١٩٣٦ ، وبين هذين التاريخين قصة كفاح طويل ليس هنا في هذا الكتاب مجال تسجيلها ، إنما موضعه في كتاب مفصل آخر.

ومن أهم ما ظهر على الخفاجي في هذه الفترة الاتجاه الوطني الذي دفعه إلى الكفاح في سبيل وطنه في الأزمات السياسية التي مرت بمصر منذ عام ١٩٣٤ ، وكان رئيس اتحاد طلبة أبناء الشرقية في مدينة الزقازيق ، وكان هذا الاتحاد قوة كبيرة سياسية في هذه الفترة ، والخفاجي وأصدقاء له هم الذين كونوه ، وكانت مؤتمراته الوطنية تنشر في الصفحة الأولى في جريدة

٤٢٨

الجهاد المصرية ، وفي شتى الصحف في هذه الفترة.

ومن أهم ما يلاحظه الخفاجي على الثقافة المصرية في هذه الفترة انعدام التوجيه وضعف تربية الملكات ، وإهمال شئون الطالب النفسية والعقلية إهمالا كبيرا. وقد جاهد الخفاجي في أزمة الأزهر عام ١٩٣٥ مع زملائه جهادا طويلا.

والتحق الخفاجي بعد مرحلة الثانوي بكلية اللغة العربية بالقاهرة وهي إحدى كليات الأزهر الشريف وبدأ دراسته فيها في أول أكتوبر عام ١٩٣٦ ، وفي اليوم الثاني من أكتوبر من هذا العام توفي والده ، وبعد ذلك بعشرين عاما أي في يوم الخميس ٢٧ جمادى الثانية ١٣٧٥ ه‍ ـ ٩ فبراير ١٩٥٦ توفيت والدته.

وفي خلال هذه الفترة اشترك الخفاجي في الحركة الوطنية ؛ وتابع دراسته وعمل أحيانا في الصحافة في جريدة السياسة والدستور ، وفي صحف أخرى ، وكتب المقالات والبحوث والدراسات في شتى الصحف والمجلات.

وكان قيام الحرب العالمية الثانية في هذه الفترة عام ١٩٣٩ أهم حدث عالمي تأثر به الشباب العربي أيما تأثر ، بل تأثر به شباب العالم قاطبة.

وفي هذه الفترة تأثر بآراء عالمين ، ومفكرين كبيرين من رجال الفكر والثقافة والإصلاح ، هما الأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش شيخ الأزهر فيما بعد ، والأستاذ الكبير الشيخ محمد عرفة عضو جماعة العلماء بالأزهر.

وكان الأستاذ الأكبر الشيخ حمروش عميد كلية اللغة آنذاك وكان بعقله الواسع وأفق تفكيره البعيد وثقافته العلمية العريقة أرفع مثال لطلاب كليته ، يستمدون منه القدوة ويحتذون حذوه في الفهم والتفكير.

وكان الأستاذ الكبير محمد عرفة أستاذا للخفاجي في الفلسفة

٤٢٩

والبلاغة ، ومن ثم تأثر بآرائه التجديدية العلمية تأثرا خاصا.

وتخرج الخفاجي في يوليو عام ١٩٤٠ من كلية اللغة يحمل شهادته العالية.

والتحق بأقسام الدراسات العليا في كلية اللغة العربية في أكتوبر عام ١٩٤٠ في قسم البلاغة والأدب ، فعكف في خلال الأحداث العالمية التي صاحبت الحرب العظمى ، وفي أحداث مصر القومية التي امتدت من هذا التاريخ ، وفي خلال أزمات الأزهر التي كانت نتيجة للصراع بين الحكومة والقصر والتي كان الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي مظهرا لكثير من صور الحرب الخفية في هذه المعركة ، في هذه الظروف عكف الخفاجي على دراساته العليا إلى أن تخرج عام ١٩٤٥ يحمل شهادة النجاح في الامتحان التمهيدي لشهادة العالمية من درجة أستاذ.

ثم قدم رسالته الجامعية «ابن المعتز وتراثه في الأدب والنقد البيان» ونوقش فيها في أكتوبر عام ١٩٤٦ ، ونال بها بتفوق شهادة العالمية من درجة أستاذ في الأدب والبلاغة من كلية اللغة العربية وهي أرقى شهادات الأزهر الجامعية وتعادل الدكتوراه الممتازة حرف (أ).

ومن الجدير بالذكر أن الخفاجي قدم للكلية مع رسالته المخطوطة ثلاثة كتب له مطبوعة عن ابن المعتز في جوانب تخدم موضوع رسالته وهذه أول مرة يقدم فيها باحث رسالة علمية مخطوطة ومعها ثلاثة كتب تخدم رسالته وفي موضوعها.

وكان هذا الجهد الأدبي موضع تنويه الأدباء والعلماء والصحف في حينه.

ولا ننسى أن نقول : إن الخفاجي أمضى مع عمله الضخم هذا سنوات طوالا يشغل وظيفة أستاذا في الليسيه فرانسيه فرع شبرا.

٤٣٠

وقد ترك بعد حصوله على شهادة العالمية من درجة أستاذ وظيفته في الليسيه ليتولى أستاذية البلاغة في معهد أسيوط الكبير الذي عمل فيه من نوفمبر عام ١٩٤٦ حتى أكتوبر عام ١٩٤٧ ، ثم في معهد الزقازيق الذي كان طالبا فيه من قبل ، والذي عمل فيه من عام ١٩٤٧ إلى عام ١٩٤٨.

وانتقل الخفاجي في ١٧ أغسطس عام ١٩٤٨ إلى كلية اللغة العربية مدرسا للأدب والنقد والبلاغة فيها ، وهو اليوم أستاذ فيها.

ومن الطريف أن نذكر أن الخفاجي متزوج من عام ١٩٤٨ وله ولد هو ماجد خفاجي ، وتوفيت له بنت كان اسمها «وفاء خفاجي».

وهو عضو في شتى الهيئات العلمية والأدبية في مصر والعالم.

وله العديد من المؤلفات. وهو من أكبر دعاة التجديد والإصلاح والوحدة العربية ، ومن أكبر الثائرين على النظم السياسية الجائرة السائدة في كثير من شعوب العالم العربي المتخلفة عن ركب الحياة والحضارة وعن مبادىء الإسلام الكريمة.

ـ ٩ ـ

ومن صور مقالات الخفاجي كلمة كتبها بعنوان «أيام المجد» : أيام عشتها وكأني عشت بها الدهر كله ، فقد جمعت المجد من أطرافه ، واهتزت خلالها النفس هزة الفرح والإعجاب.

أيام ويا لها من أيام ، لقد حسدت عليها نفسي ، وحسدت الجيل الذي أعيش به ، وحسدت وطني مصر لأن تاريخه احتواها ، ولأن العالم كله قد اهتز إعجابا به وبها.

أيام ويا لها من أيام ، فلو قدمت اليوم لما كان قد بقي لي من أمنية في الحياة أتمناها لي ولوطني المجيد.

٤٣١

فأولاها : أيام الثورة الوطنية عام ١٩١٩ في مصر ، وقد شاهدتها في قريتي الخضراء طفلا صغيرا. وشاهدت المظاهرات الوطنية التي كان يقوم بها أهالي القرية وأنا بينهم في شوارع قريتي الصغيرة وحاراتها. يهتفون للوطن بالحرية والاستقلال ، وللانجليز بالدمار والهلاك ، ويطالبون بحرية الوطن العزيز : مصر وطن الأحرار والمجد والتاريخ ، وكم كان يسعدني وأنا طفل صغير أن أخرج مع جموع الفلاحين نحمل الهراوات والعصى ونستقبل بها السيارات الوافدة على طريق القرية ، فإذا كان فيها أجانب استوقفناهم وطالبنا منهم أن ينزلوا معنا نحن الثائرين ، ويهتفوا معنا بحرية مصر واستقلالها وسقوط انجلترا والاستعمار.

وثانيتها : أيام ثورة مصر الكبرى في معركة القنال ، حيث قامت المعركة في أرض القتال بين قوات البوليس المصري وجيوش الاحتلال ، وضرب المصريون فيها أروع الأمثال وأمجد صفحات البطولة التي دونها التاريخ ، وعرفها الزمن وقد انتقم الانجليز لهذه الثورة الوطنية الجليلة الخالدة بأيدي الخوتة المصريين في ذلك الحين ، وعلى رأسهم صاحب العرش فاروق بن فؤاد ، فأحرقوا القاهرة وكتبوا الحريات ، وأعلنوا الأحكام العرفية ، وأقالوا الوزارة الدستورية القائمة آنذاك وصبوا على البلاد سوط عذاب ، ومع ذلك فقد صمدت مصر في وجه الأحداث صمود الجبال والأبطال.

وثالثها : أيام الثورة المصرية القومية الكبرى ، ثورة التحرر والتحرير في ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ، حيث استيقظت في صباح هذا اليوم الجميل ، فشاهدت جيش الوطن قد احتل مرافق القاهرة : وأقام حكما جديدا في البلاد ، قضى على الخونة والفساد والإقطاع وسماسرة الحكم ، وأخذ يصنع البلاد ، ويكون فيها جيشا قويا ، يحمي حرية الوطن واستقلاله.

ورابعتها : أيام معارك الوطن الكبرى في أواخر أكتوبر ١٩٥٦ ، وأوائل

٤٣٢

نوفمبر من هذا العام ، حيث تآمرت انجلترا وفرنسا ومعهما عدوتنا إسرائيل التي يحركها الإستعمار كما يشاء ، وغزوا بقواتهم منطقة سينا ، ثم انهالت الطائرات والقنابل تدمر مدن مصر ومنشآتها وفق ما يشاء الأعداء ، وصمدت مصر والمصريون صمود الأبطال.

وقامت المعركة في بور سعيد ، هذه المعركة الخالدة التي كتب فيها المصريون أروع الصفحات طول عصور تاريخهم المجيد ، والتي سار فيها القتال من شارع إلى شارع ، ومن منزل إلى منزل ، ووقف جيش مصر وشعبها في بور سعيد يصدون العدوان ، ويقامون جنود الامبراطورتين العجوزتين ومعهم جنود إسرائيل من مجرمي الحرب ، ومن الهابطين من الجو ، والصاعدين من البحر. وتتبع الوطن المصري أنباء القتال أولا بأول ؛ وساعة بساعة ، ووقفوا حول المذياع يسمعون وصف المعركة. وينصتون لأنبائها ، يزدهيهم الفخر والكبرياء والمجد والعظمة لبطولة جيشهم النادرة ، وعظمة الشعب المصري الكامنة المتوارثة خلال الأحقاب والأجيال ، وكأن مجرمي الحرب إيدن وموليه أرادا أن ينتقمان من مصر لتأميمها قناة السويس في ٢٦ يوليو ١٩٥٦ فرصدوا لها الأساطيل الجيوش والطائرات.

ولكن مجرم الحرب إيدن ، ومجرم الحرب موليه ، ومعهما تابعهما بن غوريون هزموا وانتصرت مصر في معركة بور سعيد وقاوم المصريون في أرض المعركة وثبتوا ثبات الجبال ، واحتمى إيدن وموليه بقرار هيئة الأمم المتحدة الذي نص على وجوب وقف القتال في الساعة الثانية صباح الأربعاء ٧ نوفمبر عام ١٩٥٦.

وهل أنسى الأسبوع الأول للحرب ، وكانت غارات طائرات الأعداء مستمرة على القاهرة كل دقيقة ، حيث لا يجد أحد متنفسا يأخذ فيه لحظة هادئة متمتعا بنعمة الأمن والتفكير والتحرر من الخوف ، وكنا في القاهرة

٤٣٣

نطفىء الأنوار منذ دخول الليل ، وتتقطع الطرق ، وتتوالى صفارات الانذار كل دقيقة ، ونسمع أزيز المدافع وأصوات القنابل في كل مكان ، وكانت طائرات العدو تتهاوى كأنها الورق أمام مدافع مصر وبسالة أبنائها. لم نكن نجد دقيقة واحدة نخلو فيها إلى أنفسنا للتفكير أو التأمل أو القراءة أو الاستمتاع بالطعام ، وكانت المعسكرات تنتظم شباب مصر وشيوخها من المتطوعين للدفاع عن وطنهم الأكبر ، وكنا نتساءل بأي حق يبيح مجرما الحرب إيدن وموليه لأنفسهما حق غزو الشعوب التي خلقها الله حرة طليقة من كل قيد ، وفشل إيدن وفشل موليه ومعهما بن غوريون ، نعم فشلوا في تحطيم الروح المعنوية في شعب مصر أو في تحطيم المقاومة الشعبية في وطني مصر. وانسحب المعتدون من بور سعيد مكرهين في الرابع والعشرين من ديسمبر عام ١٩٥٦.

أيام كلها مجد وذكريات خالدة ، كتبت فيها مصر صفحات رائعة من المجد ، والمجد لمصر ولشعبها الحر الأبي ، وللعرب الأحرار الميامين.

ـ ١٠ ـ

ومن صور نثر الخفاجي هذه القطعة وهي بعنوان «يا وطني».

يا وطني الخالد : لك المجد ولك أمجد صفحات التاريخ.

يا وطني ، يا مصر يا أم الحضارة. ومهد المدنية ، ومعلمة الشعوب ، لك العزة والثناء ، ولك الحرية والفداء ، ولك العظمة والكبرياء.

يا وطني : لقد كتبت اليوم أروع أعمال البطولة في دفاعك المجيد عن بور سعيد ، مما شهد به العالم ، وسجلته الأحداث ، لقد قاتل شعبك المجيد قتال الأبطال من شارع إلى شارع ومن منزل إلى منزل ، فعلمت

٤٣٤

البرابرة الغزاة أن أرض مصر حرام على المستعمرين ، وأنها أمنع من العقاب ، ما دام شباب مصر وشيوخها حريصين على أن يفتدوها بالمهج والأرواح.

يا وطني : لقد وقفت خلال عصور التاريخ ضد الغزاة الفاتحين مقاتلا باسلا ، ومحاربا صلبا ، فطردت الهكسوس والفرس واليونان والرومان من أرضك ، وطردت الصليبيين والتتار من ثراك الطاهر ، وأقمت بسواعد أبنائك حضارات مشرقة ، وامبراطوريات مصرية ضخمة انحنى لها التاريخ ، وهتف بذكرها الزمان.

يا وطني : بيد أحمد ورمسيس ، وبيد عمرو بن العاص وصلاح الدين ، وبيبرس وبرقوق ، وعرابي وجمال : رفعت أعرق لواء ، وأمجد راية ، وأرفع شعار للحرية والمجد والعظمة والجلال والقوة.

يا وطني : إن الامبراطورية المصرية في عهد عمرو بن العاص وخلفائه ، ثم عهد المعز وذريته ، ثم في عهد صلاح الدين الأيوبي وسلالته ، ثم في عهد المماليك ، ثم في القرن التاسع عشر : كانت من أعظم الأعمال في التاريخ ، وكانت رمزا وعزة ومنارة للإسلام والمسلمين ، وكهفا تأوي إليه الحضارة والثقافة الإسلامية.

يا وطني الخالد : لقد وقف الإنجليز في القرنين التاسع عشر والعشرين لنهضتك وحريتك ومجدك بالمرصاد ، فقضوا على الأسطول المصري في نافارين ، وقضوا على الجيش المصري وحرموه ثمرة انتصاراته الحربية العظيمة في عهد محمد علي ، ونهبوا امبراطورية مصر بسياسة الخداع والتضليل ، ثم صفوا بقاياها في عهد إسماعيل ، ثم ورثوها في عهد توفيق بعد الاحتلال ، ولكنهم وشرفك وكفاح أبنائك ونضال شعبك الحر

٤٣٥

الأبي لن يتمكنوا من هزيمة مصر سياسيا ولا حربيا في عهد الأحرار.

بمجدك وتاريخك ، وبأبطالك وأبنائك ، وبثورة شعبك الأبي ، وبثراك الطاهر ، سنقاوم الغزاة ، وسننتصر على الغزاة ، والنصر لنا بفضل الله ، وبسواعد شعبنا العريق.

٤٣٦

لو أن للدين رجالا

الإسلام هو المنهج الذي وضعه الله لهداية البشر كي يصلوا بالسير عليه إلى شرف الدنيا وكرامة الآخرة.

وقد استهدف هذا المنهج أعلى الأهداف وأسمى الغايات .. فمن هذه الأهداف ١ ـ تحرير النفس ٢ ـ تنمية الذات ٣ ـ تكوين أمة ٤ ـ تحقيق السلام.

تحرير النفس :

من الأهداف الأولى للإسلام تقوية الصلة بالله عن طريق الإيمان والصلاة والذكر والشكر والدعاء والعبادة والطاعة. ومتى قويت الصلة بالله تحررت النفس من معوقات التقدم نحو الخير والحق والكمال والجمال .. (١) ويتمثل هذا التحرر فيما يلي :

١ ـ التحرر من الخضوع للطغاة والمستبدين.

٢ ـ والتحرر من الخوف والقلق والاضطراب.

٣ ـ والتحرر من القيم الزائفة ، قيمة الجاه والمال والنسب.

__________________

(١) كلمة للشيخ سيد سابق الداعية الإسلامي.

٤٣٧

٤ ـ والتحرر من الهوى والشهوة والمتاع الزائل.

٥ ـ والتحرر من الجهالة والضلالة وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :

«احفظ الله يحفظك .. احفظ الله تجده أمامك .. إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك».

تنمية الذات :

والإسلام يعطي الأهمية القصوى لتنمية الذات وتكوين الشخصية فهي حجر الزاوية في بناء المجتمع القوي الرشيد.

وتنمية الذات ثمرة التربية العقلية وتقوية الإرادة وتزكية النفس.

(أ) فالتربية العقلية قوامها الاستزادة من العلم والحكمة والتطلع إلى المعرفة والثقافة والتفكير في ملكوت السموات والأرض والسياحة في دنيا الله الفسيحة.

وغاية هذه التربية :

تعميق جذور الإيمان وترسيخها حتى يصل الإنسان إلى درجة اليقين عن طريق الحجة والبرهان.

الكشف عن سنن الله في الكون كي يستخدمها في ترقية حياته.

فتح الميادين أمام العقل كي يكشف ويخترع ويبدع ويصل إلى الكمال المنشود.

(ب) وتقوية الإرادة بتعويدها الصبر والثبات واحتمال المشاق واقتحام الصعاب رغبة في الوصول إلى معالي الأمور وتطلعا إلى تحقيق جلائل الأعمال.

٤٣٨

وفي الحديث الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها».

إذا غامرت في شرف مروم

فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموت في أمر حقير

كطعم الموت في أمر عظيم

(ج) وتزكية النفس تتم بتخليصها من الهوى وكبت الشهوات الدنيئة وتصفيتها من الرياء والنفاق والأثرة والأنانية والحقد والحسد وغرس العواطف الكريمة والمشاعر النبيلة.

ويحتاج الإنسان كي يصل إلى هذا المستوى الرفيع إلى ما يلي.

١ ـ الأمل والعمل .. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ، وأن قوما غرتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا نحن نحسن الظن بالله وكذبوا ، لو احسنوا الظن لأحسنوا العمل».

٢ ـ اليقظة والحرص على الإصلاح والتقدم والترقي .. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ، وإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت. كذا كان كذا وكذا ، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان».

٣ ـ مجاهدة النفس وتحدي المغريات والمثيرات والوقوف منها كالطود الشامخ أمام العواصف الهوج قال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى).

ومتى تزكت النفس كان الإنسان جديرا بوصف الإنسانية.

٤٣٩

تكوين الأمة :

والإسلام يحرص على إيجاد كيان قوي وأمة قادرة تستطيع إحقاق الحق وإبطال الباطل وتأديب الطغاة وتطهير الأرض من الشر والظلم والفساد ، ومن أجل ذلك دعا إلى كل ما من شأنه أن يجمع القلب إلى القلب ويضم الصف إلى الصف حتى يكونوا كما وصفوا في الحديث «كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا» و «كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».

فدعا إلى التآخي والاتحاد وإلى التعاون والتضامن وإلى المودة والمحبة إلى العطف والرحمة وإلى التضحية والإيثار وإلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر وإلى الحرية والمساواة وإلى كفالة المحتاج ورعاية المعوز. (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).

تحقيق السلام :

والإسلام يعرف أن الناس وأن اتفقوا في بعض النواحي فإن هناك عوامل تفسدهم وتجعل الفرق بينهم بعيدا والبون شاسعا ، فالتربية الفاسدة والتقليد الأعمى والتعصب الذميم والجهل الممقوت ، كل ذلك يمنع كثيرا من الناس من الخضوع للحق والسير وفق منهج الصواب. قال تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ).

والإسلام وهو يقرر هذه السنة الاجتماعية يجعل السلام هو العلاقة بين المسلمين وغيرهم من المخالفين ما لم يقع ظلم أو اعتداء. «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم».

والسلام إنما يتحقق بإقامة العدل وإعطاء كل ذي حق حقه والمحافظة على النفس والعرض والمال والجدية والكرامة بالنسبة لكل قرار بغض النظر

٤٤٠