الأزهر في ألف عام - ج ٣

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي

الأزهر في ألف عام - ج ٣

المؤلف:

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٧

ومحمد أبو النور زهير ومحمد السيد طه.

مدرس حرف (أ) : محمد محي الدين رزق وأبو العنين شحاته ومصطفى ماجد وعبد العزيز عيسى وبدر المتولى عبد الباسط وجاد الرب رمضان وإبراهيم أبو الخشب وطاهر عبد المجيد عبد الله وشمس الدين عبد الحافظ ومحمد عبد الوهاب بحيري وأحمد أبو سنه وسيد جهلان وعبد الحكم عمارة وعبد الغنى عكاشة وعيسوى أحمد عيسوى وأحمد ندا وعبد الغنى عبد الخالق وإبراهيم الدسوقي الشهاوي ومحمد عبد النبي عبد السلام وطنطاوي مصطفى وحسن مصطفى وهدان وعبد السميع إسماعيل ويوسف شلبي وعبد الوهاب عبد اللطيف وعثمان مريزق ومحمد عبد اللطيف الشافعي وعبد العظيم فياض وعبد العال عطوه وزكي الدين شعبان ومحمد مصطفى شلبي وأحمد محمود الصاوي وإبراهيم عبد المجيد.

مدرس حرف (ب) : محمد حسن فايد ومحمد أنيس عباده وعبد القوى عامر الزغبي وأحمد البهي وسيد خليل الجراحي وأحمد محمد سيد الحصري ومحمد محمد فرج سليم ... وقد وافق المجلس بعد ذلك على ما اقترحته اللجنة من نقل جميع المندوبين من المعاهد في الكليات إلى الكليات بصفة نهائية وقبولهم ضمن هيئة التدريس بالكليات وكذلك وافق على تنظيم هيئة تدريس بالكليات ، على أن يختار الأساتذة من بين مدرسي الدرجات الأولى والثانية والثالثة ، ثم قرر الوسع في عدد الأساتذة المساعدين بحيث لا يتجاوز في اختيارهم مدرسي الدرجة الرابعة كما قرر أن يكون اختيار المدرسين من الدرجتين الخامسة والسادسة.

أما المدرسون الذين ليست لموادهم كراسي فقد وافق المجلس على أن يوضع لهم كادر مستقل عن الكادر الجامعي يطلق عليه اسم كادر المدرسين النظراء ، وأن يكون حكمه في الترقية على أساس الأقدمية المشتركة بينهم.

٢٠١

ومنذ تكوين هيئات التدريس حتى اليوم وأساتذة الكليات يطالبون بأن يكون لهم كادر جامعي على غرار كادر الجامعات ، وللأسف لم يستجب لطلبهم العادل حتى اليوم.

ومع ذلك فلم يحقق رجاؤهم في فتح أقسام الدراسات العليا المغلقة منذ ١٩٤٠ حتى اليوم ، وكان من المأمول افتتاحها لتظل صبغة الأزهر الجامعية موفورة له ، ولكن سياسة الأزهر لا تزال هي سياسة الرجعية الثقافية والعلمية ، وتعطيل شباب الأزهر من أداء رسالتهم.

أهداف الأزهر الجامعي

إن هدف الأزهر الجامعي يجب أن يكون هو حمل نصيبه من المسئولية في ترقية العلوم الإسلامية والعربية ، والمساهمة في نهضة البلاد العامة ، والعناية بالبحث العلمي ومتابعة تطوره على أتم وجه ، وتنمية الاستقلال الفكري ، وأداء رسالته الدينية أداء كاملا.

ويتصل بهذا أن يعمل الطالب الأزهري بنفسه لنفسه ، وألا يكون اعتماده على الأستاذ إلا للتوجيه أو لتوضيح ما استعصى عليه من المسائل.

وأن يبذل الأزهر مزيدا من العناية لتهيئة البيئة الجامعية الصالحة للطلاب ، وتوفير أسباب النشاط الديني والروحي والثقافي والاجتماعي والرياضي لهم ، وتكوين اتحاد عام ينظم شئونهم الاجتماعية والثقافية.

ويجب أن يكون في كل كلية مجلس للأساتذة والأساتذة المساعدين والمدرسين بإشراف عميد كل كلية ، ويكون من اختصاص هذا المجلس ما يلي :

الاختصاصات الإدارية :

(أ) ترشيح المعيدين والأساتذة المساعدين والأساتذة غير ذوي الكراسي.

٢٠٢

(ب) إعلان خلو مناصب المدرسين والأساتذة ذوي الكراسي.

الاختصاصات الدراسية :

(أ) وضع مناهج التدريس وتوزيعها على سني الدراسة.

(ب) ترتيب الأعمال الدراسية التي يقوم بها أعضاء هيئة التدريس في كل عام.

(ج) الإشراف على التدريس عن طريق الأساتذة وعن طريق تقديم كل عضو تقريرا سنويا عن سير الدراسة في مادته ، وما عنده من مقترحات في هذا الشأن.

(د) القيام بأعمال الامتحانات ومتابعة أحوال الطلاب في دراساتهم.

الاختصاصات العلمية :

(أ) تهيئة المحيط العلمي والمكتبات واستقدام أساتذة زائرين للمحاضرة توجيها للبحث العلمي.

(ب) اقتراح البعثات والإجازات المدرسية لاعضاء هيئة التدريس ، والإجازات الدراسية تكون إما داخلية يتخفف بها العضو من التدريس ، أو ينقطع عنه لبحث علمي بعده. وإما خارجية يسافر إلى بلد أجنبي ، لإعداد بحث علمي بعينه ويرسم خطته قبل السفر. وتخصص جوائز لمن يقوم ببحوث علمية ممتازة. ويجوز تفرغ بعض قدماء الأساتذة للبحث العلمي والاقتصار على التدريس في أقسام الدراسات العليا ، لتكوين الطلبة في هذه الأقسام ، بشرط أن يكون الأستاذ قد سبق له إنتاج علمي ممتاز متكرر ، وأن يكون قد بلغ من العمر الستين. وأن توافق اللجنة العلمية الدائمة على تفرغه.

(ج) القيام على نشر البحوث العلمية.

ومن الضروري كذلك فتح أقسام الدراسات العليا في الأزهر وتكون

٢٠٣

الدراسة فيها على مرحلتين : مرحلة التحضير للشهادة العالمية ، ومرحلة التحضير لشهادة الأستاذية (الدكتوراه) وأن يختار الناجحون من المرحلة الأولى معيدين في الكليات.

٢٠٤

الباب الحادي عشر

من تاريخ الأزهر

الأزهر جامعا وجامعة

ـ ١ ـ

أعرق الجامعات العلمية في العالم ، فهي أطولها عمرا ، وأجلها أثرا في تاريخ الفكر الإنساني ، وفي تاريخ العقل العربي والإسلامي بل في تاريخ العلم وميراث الحضارة كافة.

والأزهر منذ نشأته حارس التراث العربي ، وحامل مشعل الثقافة الإسلامية ، والملاذ الذي تأوي إليه العلماء ، وتهوي إليه أفئدة المسلمين في كل مكان ، والضوء الذي ينير لهم الطريق ، ويبصرهم سواء السبيل.

وللأزهر مكانته الخالدة في مصر والعالم الإسلامي جميعه ، وآراؤه وفتاوى علمائه تقابل من كل مسلم في جميع الشعوب الإسلامية بالتقدير والإجلال والحب العميق.

ولم تقم في مصر الإسلامية جامعة علمية بالمعنى الصحيح قبل الأزهر ، صاحب التاريخ الطويل ، والذكريات المجيدة ، والآثار العلمية والدينية والعقائدية.

وتاريخ العلم في الإسلام يرتبط بالمسجد ارتباطا روحيا وثيقا ؛

٢٠٥

فالمسجد الحرام في مكة ، والمسجد النبوي في المدينة ، والجامع الأموي في دمشق ، وجامع الفسطاط وجامع القيروان ، ومسجد البصرة الجامع ، ومسجد الزيتونة ، ومسجد قرطبة الجامع ، ومسجد القرويين بفاس ، والأزهر ، وسواها ؛ كلها كانت مأوى الحلقات العلمية الجامعية في تاريخ الإسلام ، والجامعة كذلك نسبة إلى الجامع بمعنى المسجد ، وفي ذلك تفسير واضح لصلة المسجد بالثقافة ، ولأهمية الثقافة في الإسلام.

ـ ٢ ـ

والأزهر ، أو جامع القاهرة ، كما كان يقال ، هذا المسجد الجامعي ، قاهري البيئة ، فاطمي التأسيسي ، أنشأه جوهر العقلي قائد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي ، بعد قيام دولة الفاطميين في مصر بنحو عام ، وقد شرع في بنائه يوم السبت لست بقين من جمادي الأولى سنة ٣٥٩ ه‍ ـ ٩٧٠ م ، ويذكر بعض المؤرخين أنه شرع في بنائه يوم السبت الرابع من رمضان من العام نفسه ؛ وكمل بناؤه لسبع خلون من رمضان عام ٣٦١ ه‍ ـ ٢٢ يونيو ٩٧٢ م. وكان الغرض من إنشائه أن يكون رمزا للسيادة الروحية للدولة الفاطمية ، ومنبرا للدعوة التي حملتها هذه الدولة الجديدة إلى مصر ، وأطلق عليه اسم الأزهر نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء التي ينتسب إليها الفاطميون ، أو لأنه كان يحيط به قصور فخمة تسمى الزهراء ، أو لأنه كان يظن أنه أكثر الجوامع فخامة ورواء ، أو للتفاؤل بأنه سيكون أعظم المساجد ضياء ونورا. وقد احتفل بافتتاحه في رمضان عام ٣٦١ ه‍ ، وأصبح مسجد الدولة الرسمي.

وقد حرص وزير المعز والعزيز يعقوب بن كلس على أن يقيما حلقة علمية في الأزهر ، حيث كان يقرأ على الناس في مجلس خاص يوم الجمعة مصنفاته في الفقه الفاطمي ، كما كان يجتمع يوم الثلاثاء بالفقهاء وجماعة المتكلمين وأهل الجدل.

٢٠٦

وحرص الخليفة المعز الفاطمي كذلك على تكليف كبار العلماء بإقامة حلقات علمية في أروقة الأزهر لتدريس الفقه الفاطمي ، وكان يمنحهم مرتبات شهرية ، ومن ثم صار الأزهر جامعة علمية ، وظهر ذلك جليا واضحا حينما بدأت حلقاته تتحول إلى دراسات جامعية علمية مستقرة ، وذلك عام ٣٧٨ ه‍ ـ ٩٨٨ م حيث استأذن ابن كلس الخليفة الفاطمي العزيز بالله (٣٦٥ ـ ٣٨٦ ه‍) في أن يعين بالأزهر جماعة من الفقهاء للقراءة والدرس من كل جمعة يعين بعد الصلاة حتى العصر ، وكان عددهم ٣٧ فقيها

وفي عام ٣٨٠ ه‍ ـ ٩٩٠ م رتب المتصدرون لقراءة العلم بالأزهر ؛ وبذلك استكمل الأزهر صبغته الجامعية ، وأصبح معهدا جامعيا للعلم والتعليم والدراسة. ومن هذا التاريخ بدأ الأزهر حياته العلمية الخصبة المنتجة.

واستمرت الحركة العلمية والدينية في الأزهر قوية مزدهرة طيلة العصر الفاطمي ، ووقفت عليه الدولة الأوقاف الضخمة ، وأحاطته برعايتها واهتمامها ، وكان في مقدمة وأوائل أساتذته المدرسين فيه بنو النعمان قضاة مصر.

وأول درس ألقي في الأزهر كان في صفر ٣٦٥ ه‍ في نهاية حكم المعز لدين الله ، ألقاه قاضي القضاة أبو الحسن علي بن النعمان ، حيث قرأ فيه مختصر أبيه في فقه آل البيت المسمى «الاقتصار» وحضره العلماء والأمراء ، وأثبتت أسماء الحاضرين في سجل خاص أما دروس ابن كلس فبدأت في رمضان عام ٣٦٩ ه‍ ، ولكن جهوده في سبيل تطوير الدراسة في الأزهر كانت سابقة على هذا التاريخ.

ولما أنشأ الحاكم الفاطمي دار العلم (دار الحكمة) لم تزدهر إلا قليلا ، وبخاصة في عصر الحاكم نفسه. وبقيت للأزهر منزلته العلمية الرفيعة ، وقصده الطلاب من كل مكان ، وكان العالم يفخر بأنه أحد أساتذته

٢٠٧

أو أنه قد حاضر فيه يوما من الأيام.

ويذكر المقريزي في خططه أن النساء كن يحضرن حلقات العلم في الجامع الأزهر [٢ : ٢٢٦ الخطط للمقريزي].

وممن ألقى محاضراته في الأزهر : المؤيد الشيرازي داعي الدعاة في عهد المستنصر الفاطمي ، وأولى محاضراته فيه تقرؤها في كتاب «الأزهر في ألف عام» [١ : ٣٢].

ومن أوائل الكتب التي درست في الأزهر : الاقتصار للنعمان القيرواني (٣٦٣ ه‍) ، وكان يدرسه ابنه علي بن النعمان ؛ والرسالة الوزيرية التي ألفها ابن كلس.

وكان التدريس فيه يجري وفق المذهب الشيعي ، وشدد على ذلك في باديء الأمر ، حتى أنه في عام ٣٨١ ه‍ في عهد العزيز قبض على رجل وجد عنده كتاب «الموطأ» للإمام مالك ، وجلد من أجل إحرازه [٢ : ١٥٧ الخطط للمقريزي]. وفي عام ٤١٦ ه‍ أمر الخليفة الفاطمي بتدريس كتاب «دعائم الإسلام».

ومن أساتذته في العصر الفاطمي كذلك : العلامة الحوفي (ت : ٤٣٠ ه‍) إمام العربية ، وصاحب كتاب «إعراب القرآن» ؛ وابن بايشاذ النحوي (٤٦٩ ه‍) صاحب كتاب «المقدمة» و «شرح الجمل» ؛ وابن القطاع اللغوي صاحب كتاب «الأفعال» ، والمسبّحي الوزير الكاتب (٤٢٠ ه‍) ، والقضاعي (٤٥٤ ه‍) وهو من أقطاب الحديث والفقه ، وابن زولاق المؤرخ (٣٨٧ ه‍) ، وابن يونس المنجم (٣٩٩ ه‍) وغيرهم.

ـ ٣ ـ

كانت بيئة العلم في مصر قبل الأزهر تتركز في حلقات جامع عمرو ، ففيها يتعلم الطلبة ، ويحاضر الأساتذة ، ويتخرج العلماء والأدباء ، وكان من

٢٠٨

أوائل الأساتذة الذين درسوا فيه : عبد الله بن عمرو بن العاص ، وابن لهيعة ، ثم الليث بن سعد ، وعثمان بن سعيد المصري وهو أصحاب القراءات. وكان للأمام الشافعي حلقة علمية فيه ، يدرس فيها مذهبه ، ويدوّن آراءه ؛ وعلى يديه تخرج كثير من تلامذته الذين نشروا مذهبه ، كالربيع بن سليمان ، والمزني والبويطي ، وغيرهم ، ومن ثم أصبحت السيادة للمذهب الشافعي بعد أن كانت للمذهب المالكي ، الذي كان أول من أدخله إلى مصر عثمان بن الحكم الجذامي (١٦٣ ه‍).

وقد تخرج أبو تمام (٢٣١ ه‍) في الأدب والشعر في حلقات مسجد عمرو العلمية ، وكان ذو النون المصري (٢٤٥ ه‍) ممن تخرج في حلقاته.

ولما أنشىء جامع ابن طولون عام ٢٦٣ ه‍ في عهد أحمد بن طولون (٢٥٢ ـ ٢٧٠ ه‍) شارك هذا المسجد الجديد جامع عمرو في رفع مشاعل العلم والثقافة ، وأملى الحديث فيه الربيع بن سليمان تلميذ الإمام الشافعي ، وصلى فيه القاضي بكار إماما ، وخطب فيه أبو يعقوب البلحي.

وكان من أشهر العلماء قبيل انشاء الأزهر ممن كانوا يدرسون في جامع عمرو (المسجد العتيق) وفي المسجد الطولوني : أبو القاسم بن قرير ، وتلميذه الكندي المؤرخ المشهور ، وأبو القاسم بن طباطبا.

ولما وفد المتنبي إلى مصر عام ٣٤٦ ه‍ كانت له حلقة في مسجد عمرو ، وكانت من أحفل حلقات العلم والأدب والشعر واللغة.

ولما قام الأزهر في عاصمة مصر القاهرة بدأ بفرض سيادته العلمية على كل البيئات الثقافية في مصر ، وتأكدت هذه السيادة كذلك على بيئات العلم في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

٢٠٩

ـ ٤ ـ

وانتهى العصر الفاطمي بعد أن بلغ الأزهر فيه قمة مجده العلمي.

ولم يكد العصر الأيوبي يبدأ حتى بدأت مكانة الأزهر الدينية تتعرض لضغط الحكام والأمراء ، إذ كان الأيوبيون يحاولون القضاء على كل مظاهر التشيع في مصر ، ولكن حلقات الأزهر العلمية الجامعية لم تتعرض لمثل ما تعرض له الأزهر جامعا ومسجدا فقد حولت عنه صلاة الجمعة وخطبتها إلى مسجد الحاكم ، ولم تعد خطبة الجمعة إلى الأزهر إلا عام ٦٦٥ ه‍ في عهد بيبرس ، وظلت الشخصية العلمية للأزهر قوية.

وكان موسى بن ميمون طبيب صلاح الدين الأيوبي يلقي دروسا في الرياضة والفلك والطب في الأزهر ، وكذلك كان عبد اللطيف البغدادي يحاضر في الكلام والبيان والمنطق والطب. وكان لابن الفارض حلقة صوفية فيه.

ومن أشهر علمائه في هذا العصر : الإمام المنذري المحدث وكان يلقب بشيخ الإسلام ، وابن أبي الإصبع ، والقضطي الوزير ، وغيرهم.

ـ ٥ ـ

وفي عصر المماليك ، ازدهرت حلقات الأزهر الجامعية ، وقصده أعلام الفكر العربي لذلك الحين من أمثال السهروردي ، وابن خلدون ، وابن منظور ، والفيروز أبادي ، وغيرهم. كما أمّة الطلاب من مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي ، يقيمون حوله ، ويقطنون في أروقته ، ويجلسون في حلقاته ، ويشاركون في نشاطه العلمي ، وقد بلغ عددهم في أوائل القرن الثامن الهجري زهاء ٧٥٠ طالبا ، ويقول عالم سوداني من خريجي الأزهر يمدح أحد ملوك الفونج في سنار ، وهو السلطان بادي أبو دقن :

أيا راكبا يسري على متن ضامر

إلى صاحب العلياء والجود والبر

٢١٠

ويطوي إليه شقة البعد والنوى

ويقتحم الأوعار في المهمة القفر

وينهض من مصر وشاطىء نيلها

وأزهرها المعمور بالعلم والذكر

ومن أشهر علمائه في ذلك الحين : العز بن عبد السلام الإمام العالم الثائر ، صاحب المواقف المجيدة في التاريخ الإسلامي ، وابن هشام النحوي ، وابن دقيق العيد ، والسبكي ، والسيوطي ، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري ، وكذلك ازدان الأزهر بآلاف العلماء البارزين في علوم الدين والعربية والأدب ، ومن بين من تخرج فيه في ذلك العهد : القلقشندي ، والدميري ، والمقريزي ، وغيرهم.

واستكمل الأزهر سيره في العهد العثماني كذلك ، محافظا على تراثه ، اللغة وعلومها ، وعلى الآداب وفنونه ، إلى دراساته الإسلامية العتيدة. ومن كبار شيوخه في هذا العهد : الإمام السنباطي (٩٥٠ ه‍) ومواقفه في مقاومة طغيان الحكام خالدة ، والإمام المهناوي (٩٥٠ ه‍) ، والعلامة البرماوي (١١٠٦ ه‍) ، والشيخ الخرش المالكي أول شيخ للأزهر ، ومن عهده صار منصب مشيخة الأزهر من أكبر المناصب العلمية في العالم الإسلامي ، وتوفي عام ١١٠١ ه‍. وخلفه البرماوي [١١٠٦ ه‍] ، فالتشرتي (١١٢٠ ه‍) ، فالقليني ، فالشيخ محمد شثن (١١٣٣ ه‍) ، فالشيخ الفيومي (١٠٦٢ ـ ١١٣٧ ه‍) ، فالشيخ عبد الله الشبراوي (١١٧١ ه‍) وله شعر صوفي رفيع ، فالشيخ الحفتي (١١٠٠ ـ ١١٨١ ه‍) ، وله شعر صوفي رمزي باللغة العربية واللغة الشعبية الدارجة ؛ ثم الإمام السجيني (١١٨٢ ه‍) ، فالدمنهوري (١١٩٢ ه‍).

وفي عصر الأتراك العثمانيين قاد الأزهر حركات التحرر الكبرى ، ومن بينها : ثورة الإمام الشيخ الدردير التي قادها عام (١٢٠٠ ه‍ ـ يناير ١٧٨٦ م) ، وثورة الإمام الشيخ عبد الله الشرقاوي عام ١٢٠٩ ه‍ ـ ١٧٩٥ ؛ وقد كسب الشعب المصري من الثورة الأولى مبدأ دستوريا جليلا هو وجوب

٢١١

احترام الحاكم لإرادة المحكومين ، وكسب من الثانية مبدأ آخر هو أن الأمة مصدر السلطات ، وكانت بمثابة إعلان لحقوق الإنسان سبق به شعب مصر غيره من الشعوب ، كما اعترف بذلك المؤرخون في الشرق والغرب.

وقد حمل علماء الأزهر وطلابه عبء الجهاد لتحرير مصر من الاحتلال الفرنسي منذ دخل جيش نابليون بلادنا فاتحا.

كما قام الأزهر بثورة أخرى بقيادة عمر مكرم في صفر ١٢٢٠ ه‍ : ١٨٠٥ م لإنهاء النفوذ التركي من مصر ، وهي الثورة التي استغلها محمد علي ، فحولها إلى مغانم شخصية له ولأسرته.

والثورة العرابية هي في الحقيقة ثورة قام بها أحد أبناء الأزهر وخريجيه ، وهو الزعيم أحمد عرابي ، ووقف علماء الأزهر معه يؤيدونه ويدعمون ثورته ، ولكن خيانة توفيق جرت على الوطن الاحتلال الانجليزي البغيض.

وقامت ثورة شعبية بقيادة أزهري آخر هو سعد زغلول ، وذلك في مارس من عام ١٩١٩ ، لإنهاء الاحتلال الانجليزي لمصر.

ومن أعظم حركات الإصلاح في العالم الإسلامي في العصر الحديث حركة الإمام محمد عبده ، وهو من أجل شيوخ الأزهر ، وأعظم علمائه ، ومن تلامذته : محمد مصطفى المراغي ، عبد المجيد سليم ، محمد الأحمدي الظواهري ، مصطفى عبد الرزاق ، إبراهيم حمروش ، محمد مأمون الشناوي ، وهم من أشهر شيوخ الأزهر في العصر الحديث.

ـ ٦ ـ

وقد أكد صبغة الأزهر الجامعية شيخان جليلان من كبار شيوخه في العصر الحديث هما : الشيخ محمد الأحمدي الظواهري الذي أصدر قانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٣٠ بإنشاء كليات جامعية في الأزهر ، والشيخ محمد

٢١٢

مصطفى المراغي ، الذي أصدر قانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٣٦ بشأن إصلاح الأزهر وتأكيد الصبغة الجامعية له وإنشاء دراسات عليا فيه.

وكان أعظم حدث علمي في تاريخ الأزهر الحديث هو صدور قانون تطوير الأزهر المعروف بقانون رقم ١٠٣ لعام ١٩٦١ ، وبمقتضى هذا القانون قامت في الأزهر الجامعة العلمية الكبرى ، تضم كليات إسلامية ، وكليات علمية ، وأخذت من القانون سند وجودها الرسمي ، وإن كان لها من التاريخ سند وجودها الفعلي.

وكما تولى مشيخة الأزهر الشيخ حسن مأمون ، وإدارة جامعة الأزهر الدكتور محمد البهي ، والشيخ أحمد حسن الباقوري

وحلقات الأزهر العلمية الجليلة تعيش اليوم كما كانت تعيش خلال الأجيال ، لتحمل عن العالم الإسلامي رسالة الإسلام الروحية والدينية والثقافية ، ولتؤديها ناصعة بيضاء كخيوط الفجر ، مشرقة هادية كضوء الشمس ، ومن هذه الحلقات تخرج زعماء العالم الإسلامي القديم ، ويتخرج شباب المسلمين اليوم ، لأن هذه الحلقات هي عن جدارة بمثابة مصنع يصنع الرجال والأبطال في كل عصر ، وكل مكان من بلاد الإسلام والمسلمين.

٢١٣
٢١٤

الجامع الأزهر (١)

كان بناء (المسجد) أول ما يفكر فيه المسلمون عند إنشاء مدينة جديدة ، أو استيلائهم على مدائن غيرهم ، وقد وضع هذه السياسة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كتب إلى ولاة الأمصار باتخاذ مساجد للجماعة في العاصمة.

وقد نفذت هذه السياسة في مصر منذ الفتح الإسلامي ، حيث أسس عمرو بن العاص مدينة (الفسطاط) سنة ٢١ ه‍ ، وبنى فيها جامعة العتيق.

ولما جاء العباسيون أسس صالح بن العباسي مدينة (العسكر) سنة ١٣٣ ه‍ ، وبنى الفضل ابنه مسجد العسكر سنة ١٦٩ ه‍ ، وكان قد ولى مصر من قبل الخليفة المهدي على صلاتها وخراجها ، فدخلها سلخ المحرم سنة ١٦٩ ه‍.

فلما استقل أحمد بن طولون بمصر بنى مدينة (القطائع) لتكون عاصمة لدولته سنة ٢٥٦ ه‍ ، ثم أنشأ بها جامعه المشهور سنة ٢٦٣ ه‍.

ولما استولى جوهر الصقلى قائد المعز لدين الله الفاطمي على مصر

__________________

(١) الوعي الإسلامي ـ ذو الحجة ١٣٨٨ ه‍.

٢١٥

أسس (القاهرة وبنى بها (الجامع الأزهر) سنة ٣٥٩ ه‍ ، فأنشىء الأزهر غداة ظفر الفاطميين بملك مصر ، ومع قيام القاهرة العاصمة الجديدة (١) ، فكان الأزهر خير ما خلفه الفاطميون لمصر ، بل وللعالم الإسلامي أجمع ، فكان بيتا من بيوت الله ، يعمر النفوس بالإيمان ، ويهديها سواء السبيل ، ثم صار جامعة دينية إسلامية كبرى ، يؤمها طلاب العلم من جميع الأقطار الإسلامية ، ويتخرج فيها العلماء والأئمة في جميع العلوم والفنون.

تاريخ إنشائه

وقد بدىء بإنشاء الأزهر في ٢٤ من جمادي الأولى سنة ٣٥٩ ه‍ (٩٧٠ م) ، وتم بناؤه في عامين وبضعة أشهر ، وافتتح للصلاة في يوم الجمعة السابع ، أو التاسع من رمضان سنة ٣٦١ ه‍ (٩٧٢ م) ، وسمى (بجامع القاهرة) اسم العاصمة الجديدة ، أما تسميته (بالجامع الأزهر) فقد جاءت متأخرة بعد إنشاء القصور الفاطمية في عهد العزيز بالله (٣٦٥ ـ ٣٨٦ ه‍) التي أطلق عليها اسم (القصورة الزاهرة) ومن ثم أطلق اسم (الجامع الأزهر) ، أو أنه سمي (الجامع الأزهر) تفاؤلا بما سيكون له من مستقبل زاهر ، ومكانة سامية بازدهار العلوم فيه ، وإن كان المرجح أن هذه التسمية مشتقة من لفظ (الزهراء) لقب السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وزوج الإمام علي رضي الله عنه التي نسبت إليها الدولة الجديدة ، وسميت باسمها ، وقد ظل المسجد الجديد يعرف (بجامع القاهرة ، والجامع الأزهر) ثم تلاشى الاسم الأول مع الزمن وغلب عليه اسم (الجامع الأزهر) إلى اليوم.

__________________

(١) دخل جوهر مصر في يوم الثلاثاء ١٧ من شعبان سنة ٣٥٨ ه‍ ، واختط مدينة القاهرة يوم السبت لست بقين من جمادي الآخرة سنة ٣٥٩ ه‍ بعد عام من فتحه لمصر ، وحينما انتقل إليها المعز لدين الله سنة ٣٦٣ ه‍ أصبحت عاصمة الخلافة الفاطمية.

٢١٦

والغرض منه

وكان الغرض من إنشائه أن يكون المسجد الرسمي للدولة في حاضرتها الجديدة ، وليكون موطن الدعوة الشيعية ، ورمز سيادة الدولة الروحية ، وكانت له فوق ذلك أهمية رسمية خاصة ، ففيه كان جلوس قاضي القضاة ، وفيه مركز المحتسب العام ، وفيه كان يعقد كثير من المجالس الخلاقية والقضائية.

فالجامع الأزهر عند إنشائه كانت له الصفة الدينية والرسمية كسائر المساجد الأخرى ، غير أنه لم يلبث أن اتخذ له صفة أخرى هي الصفة (العلمية التعليمية) ، وذلك عند ما فكر الخلفاء الفاطميون في نشر مذهبهم الجديد ، عن طريق دروس تلقى في حلقاته ، لأن جامع عمرو ، وجامع ابن طولون قد جرت الدراسة فيهما ، وفق تقاليد علمية ، لا تساير تعاليم المذهب الشيعي الجديد فكان من المناسب أن يكون المسجد الجديد (الأزهر) هو المكان المختار ، لنشر تعاليم مذهبهم ، وأصبح (الجامع الأزهر) مدرسة علمية يتلقى فيها طلاب العلم ورواده الذين قصدوه من كل صوب مختلف العلوم والفنون ، بجانب نشر دعوتهم ، ومذهبهم الشيعي الجديد ، وسبق الأزهر بصفته العلمية غيره من المساجد الأخرى ، التي كانت تقوم إلى جانبه ، وظل مدى قرون ، ولا يزال مقصد طلاب العلم من كافة أرجاء العالم الإسلامي.

أول درس فيه

وأول درس ألقي في (الجامع الأزهر) ألقاه قاضي القضاة (أبو الحسن علي بن النعمان) في صفر سنة ٣٦٥ ه‍ في أواخر أيام المعز الفاطمي ، قرأ فيه مختصر أبيه في فقه آل البيت المسمى (الاقتصار) ، وحضر درسه جمع حافل من العلماء ، والكبراء ، وأثبتت أسماء الحاضرين

٢١٧

في سجل تخليدا لهذا الحدث الجديد ، ثم توالت حلقات بني النعمان ، وقد أسهمت هذه الأسرة في نشر المذهب الشيعي ، وخدمت الفاطميين في بث دعوتهم ، ونشر مذهبهم في المغرب ومصر (١) ، وكانت في الواقع دروسا مذهبية خالصة أعدت للدعاية السياسية والمذهبية.

ابن كلس

وفي رمضان سنة ٣٦٩ ه‍ جلس (يعقوب بن كلس (٢)) وزير الخليفة العزيز بالله في الجامع الأزهر ، وقرأ على الناس كتابا ألفه في الفقه الشيعي على مذهب الإسماعيلية ، وتوالى جلوسه بعد ذلك لقراءته في الأزهر ، وكان يحضر دروسه الفقهاء والقضاة ، وكبار رجال الدولة ، كما كانت له مجالس علم في داره ، يجتمع فيها الفقهاء وغيرهم من أهل العلم والمعرفة في سائر العلوم والفنون.

ولم تقف جهود ابن كلس عند هذا الحد ، فأراد أن يجعل (الجامع الأزهر) معهدا للدراسة المنظمة المنتظمة ، فطلب من الخليفة العزيز بالله تعيين جماعة من الفقهاء للدرس والقراءة في أوقات منتظمة مستمرة وذلك سنة ٣٧٨ ه‍ ، على أن تعقد حلقاتهم في الأزهر ، وأن يجري عليهم الأرزاق ، فاستحسن الخليفة الفكرة ، وأجابه إلى ما طلب ، وكانوا

__________________

(١) عميد هذه الأسرة هو. النعمان بن محمد الفقيه الشيعي المعروف (بأبي حنيفة النعمان) قدم القاهرة مع المعز وتوفى بها سنة ٣٦٣ ه‍ ، وقد ولى القضاء بعده أبناؤه وأحفاده وأبناء اخوته. (انظر كتاب. التعليم في مصر في العصر الفاطمي الأول للأستاذ خطاب عطية علي ، طبعة ١٩٤٧ م ، هامش ٢ ص ١٠٥).

(٢) ابن كلس ، هو أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس ، كان يهوديّا من أهل بغداد ، اتصل بخدمة كافور الأخشيدي بمصر فأظهر خبرة وبراعة ، ثم أسلم بعد ذلك فارتفعت مكانته في بلاط كافور ، ونال حظوته ، ثم أنه رحل إلى المغرب فرارا من وجه الوزير. أبي الفضل جعفر بن الفرات الذي استبد بالأمر في مصر بعد موت كافور ، واتصل بالمعز فقر به وأكرمه ، ثم وزر لابنه العزيز بالله ، وكان يحظى عنده بمكانة ممتازة ، فلما اعترته علة الموت عاده الخليفة العزيز بالله ، ولما توفى سنة ٣٨٠ ه‍ صلى عليه ، وظهر الحزن في وجهه لفقده ، وأمر بغلق الدواوين أياما بعده.

٢١٨

نيفا وثلاثين فقيها ، فكانوا يحضرون في كل يوم جمعة للصلاة بالأزهر ، ويأخذون في قراءة الفقه ، ومدارسة الحكمة ، وعقائد الدين إلى صلاة العصر.

وهكذا بدأت الدراسة في (الجامع الأزهر) ، واتخذ منذ ذلك التاريخ صفته التعليمية ، وقصده الطلاب من كل صوب ، وأصبح به طلبة متفرغون للدراسة ، وقد وفرت الدولة للمدرسين والطلاب ما يعينهم على الدراسة والتحصيل حتى لا تشغلهم مطالب الحياة ، أو السعي وراء الرزق ، فرتبت لهم الأرزاق والجرايات ، وبنت لهم المساكن ، وقدمت لهم الكسوة في كل عيد ، ويسرت لهم سبل الركوب والانتقال احتراما لهم ، وتقديرا لعلمهم ، واستطاع (الأزهر) بما فيه من أساتذة رسميين ، وطلاب منتسبين تجري عليهم جميعا الأرزاق الدائمة أن يكون معهدا للدرس ، وأن يبدأ حياته العلمية الحافلة المديدة.

وكان الصبغة المذهبية هي الغالبة على الدراسة في الأزهر ولا سيما في أول عهده ، لأنه كان مركزا لمجالس الحكمة التي كان يعقدها الدعاة فيه ، والتي كانت غايتها بث الدعوة الفاطمية ، وتوطيد إمامتها ، فكانت علوم الشيعة وفقه آل البيت تحتل من حلقاته الدينية المقام الأول ، غير أن هذا لم يمنع من تدريس علوم الدين ، واللغة وفروعها ، وكان للعلوم الدينية بنوع خاص أوفر نصيب ، كما كانت تدرس به علوم : الفلسفة ، والمنطق ، والطب ، والرياضيات وإن كان ذلك في حدود ضيقة.

دار العلم أو دار الحكمة

ظل الجامع الأزهر المركز العلمي الرئيسي للثقافة الشيعية ، والعلوم الدينية ، والعربية ، والكونية حتى ظهر له منافس خطير هو (دار العلم) التي أنشأها الخليفة الفاطمي الحاكم سنة ٣٩٥ ه‍ (١) ، فقد انتزعت منه الكثير من

__________________

(١) وقيل انشئت دار العلم سنة ٤٠٠ ه‍ ، وقد عنى الخليفة الحاكم بها عناية بالغة ، وألحق بها

٢١٩

رواده ، وتفوقت عليه ، وأثرت في سير الدراسة به ، بسبب ما وجد بها من دراسات مختلفة للغة ، والمنطق ، والفلسفة ، والطب والرياضيات في حرية وانطلاق ، ولتشجيع الخليفة الحاكم لطلابها ، غير أن ازدهار (دار العلم) كان قصيرا ، لما انتابها من اضطرابات أخلت بالتعليم فيها ، وبقي الأزهر ملاذا للعلوم الدينية ، والعربية ، ولم يقلل قيام (دار العلم) من شأنه كمعهد للقراءة ، والدرس.

وبقيت الصفة (التعليمية) مميزة للجامع الأزهر طوال العصر الفاطمي ، فزاد عدد طلابه وأساتذته ، وكثرت أروقته ، وحلقات التعليم به ، ونمت الدراسة فيه وازدهرت ، حتى بدأ يجتذب إليه الطلاب والعلماء من خارج مصر ، واستطاع أن يكون (جامعة علمية) جليلة القدر ، وأن يسدي إلى الدين واللغة أجل الخدمات على مر السنين ، حتى غدا كعبة لقصاده من سائر الأقطار الإسلامية ، كما قال المقريزي في خططه. «ولم يزل في هذا الجامع ـ الأزهر ـ منذ بني عدة من الفقراء يلازمون الإقامة فيه ، وبلغت عدتهم في هذه الأيام ـ سنة ٨١٨ ه‍ ـ سبعمائة وخمسين رجلا ما بين عجم ، وزيالعة ـ نسبة إلى زيلع ـ ومن أهل ريف مصر ، ومغاربة ولكل طائفة رواق يعرف بهم ، فلا يزال الجامع عامرا بتلاوة القرآن ، ودراسته ، وتلقينه ، والاشتغال بأنواع العلوم ، والفقه ، والحديث ، والتفسير ، والنحو ، ومجالس الوعظ ، وحلق الذكر ، فيجد الإنسان إذا دخل هذا الجامع من الأنس بالله ، والارتياح ، وترويح النفس ما لا يجده في غيره ، وصار أرباب الأموال يقصدون هذا الجامع بأنواع البر من الذهب والفضة

__________________

مكتبة نقل إليها من قصور الخلافة الكثير من الكتب في سائر العلوم والفنون ، وكانت تعرف المكتبة ، بدار الحكمة ، فدار العلم كانت. مدرسة ، ومكتبة ، وكذا عرفت. «بدار العلم حينا ، وبدار الحكمة حينا آخر» ، لأنها جمعت بين ما كانت تقوم به خزائن الحكمة كدور للكتب ، وما كانت تقوم به دور العلم من تعليم ، وظلت تؤدي رسالتها حتى زالت الدولة الفاطمية سنة ٥٦٧ ه‍ ، على يد صلاح الدين الأيوبي فجعلها مدرسة سنية لدراسة المذهب الشافعي طبقا لسياسته في محاربة التشيع.

٢٢٠