الأزهر في ألف عام - ج ٣

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي

الأزهر في ألف عام - ج ٣

المؤلف:

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٧

وغيره من أفاضل الوقت وأنجب في الفقه الشافعي والمعقول وتثقيف اللسان والفروع الفقهية الواجبة والفرائض.

إلى أن يقول :

ولما رتب الفرانساوية ديوانا لقضايا المسلمين تعين المترجم في كتابة لتاريخ لحوادث الديوان ، وما يقع فيه من ذلك اليوم .. لأن القوم كان لهم مزيد اعتناء بضبط الحوادث اليومية في جميع دواوينهم وأماكن أحكامهم ثم يجمعون المتفرق في ملخص ، يرفع في سجلهم ، بعد أن يطبعوا منه نسخا عديدة يوزعونها في جميع الجيش ... حتى لمن يكون منهم في غير المصر من قرى الأرياف ، فتجد أخبار الأمس معلومة للجليل والحقير منهم.

فلما رتبوا ذلك الديوان ، كما ذكر كان هو المتقيد برقم كل ما يصدر في المجلس : من أمر ونهي ، أو خطاب أو جواب ، أو خطأ أو صواب ، وقرروا له في كل شهر سبعة آلاف ونصف فضة.

فلم يزل متقيدا في تلك الوظيفة مدة ولاية عبد الله جاك مينو ، حتى ارتحلوا من الإقليم. ولقد جمع من سجلات الحوادث عدة كراريس ولا أدري ما فعل بها.

هذا هو إسماعيل الخشاب ، أول صحفي عربي على الإطلاق ، خرج من الأزهر إلى الصحافة ، وكانت صحيفته صغيرة لا يقرؤها إلا القليلون.

ويجيىء من بعده المغفور له الشيخ (رفاعة رافع الطهطاوي) وهو المقصود بحديثنا وصاحب أكبر فضل على النهضة العلمية والأدبية والاجتماعية في مصر ، ولقد ولد عام ١٨٠١ وتوفي عام ١٨٧٣ وكانت مسقط رأسه مدينة (طهطا) في الصعيد ولقد نشأ في أسرة كانت من أهل اليسار ثم أخنى عليها الدهر فمضى والده في طلب الرزق إلى مدينة (قنا) وبعدها إلى مدينة (فرشوط).

٣٠١

وقد سافر إلى فرنسا ورأى حرية هناك جعلته يشعر بالطغيان الذي يعانيه أبناء وطنه مصر ورأى ما يمكن أن يقدمه الفكر الراجح من أساليب النشاط الإنساني في شتى مناحي الحياة ، وفي فرنسا رأى الصناعة الزاخرة بالخير والنفع على الفرنسيين أجمعين فدعا إلى التصنيع في بلاده.

ولقد دعا رفاعة الطهطاوي ، المصريين إلى الحفاظ على نعمة الحرية وإعلاء شأن الفكر وإنشاء المصانع لتنافس أمتهم أرقى شعوب العالم في الحضارة والمدنية ، ولتعود إليها سيرتها الأولى في التقدم والازدهار.

وعاد رفاعة الطهطاوي إلى مصر وكله شعلة من الوطنية المتأججة ، فأشار على محمد علي بأن يصدر صحيفة «الوقائع المصرية» وتولى الشيخ رفاعة رياسة تحريرها وراح يكتب فيها المقالات التي تحث على استنهاض الهمم وبعث الشعور القومي وشحذ العزائم في سبيل خدمة الوطن.

وهي أقدم جريدة عربية على الإطلاق إذ لم تسبقها جريدة عربية أنشأها عربي في وطننا العربي الكبير.

وما صنعه رفاعة الطهطاوي لأمته يكثر إحصاؤه على المغرمين بالأرقام ، فقد ترجم عشرات الكتب من الفرنسية إلى العربية وأودع ثمراتها عقول أولئك المتعطشين إلى العلم والمعرفة ، وبارك الله في جهوده فألف وصنف ، وكانت غاية جهاده أن يرتقي بأمته إلى المكان الذي رأى فيه فرنسا.

ولقد خلف رفاعة الطهطاوي وراءه ثروة أدبية ضخمة هي طراز لما يجب أن يقوم به الرائد العظيم نذكر منها : (خلاصة الإبريز) والديوان النفيس) و (التعريبات الشافية لمريد الجغرافية) و (جغرافية ملطبرون) و (قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر) و (المرشد الأمين في تربية البنات والبنين) و (التحفة المكتبية) و (مواقع الأفلاك في أخبار تليماك) و (مباهج الألباب المصرية في مناهج الألباب العصرية) و

٣٠٢

(مختصر معاهد التنصيص) و (المذاهب الأربعة) و (شرح لامية العرب) و (القانون المدني الإفرنجي) و (توفيق الجليل وتوثيق بني إسماعيل) و (هندسة ساسير) و (رسالة في الطب) و (جمال الأجرومية) و (نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز).

وهكذا عاش رفاعة الطهطاوي حياته كلها خادما أمينا للدين وللعلم وللمعرفة باذلا غاية جهده في تحريك موجات الفكر في بحرنا الآدمي المتلاطم.

٣٠٣
٣٠٤

صورة عن الامام الشيخ محمد عبده

نسبه ومولده ونشأته :

هو محمد بن عبده بن حسن خير الله ، من أسرة مصرية ريفية متوسطة الثراء ، في قرية من إقليم البحيرة بشمال مصر تسمى محلة نصر ، وكان أبوه يشتغل بالزراعة شأنه شأن سكان الريف جميعا. وولد له ابنه محمد في عام ١٢٦٦ ه‍. ونشأ في أول الأمر مدللا ثائرا على وضعه الاجتماعي ، فأبى أن يشارك أباه في عمله ، وعزف عن التعليم في مكتب القرية على عادة أمثاله ولداته ، وظل كذلك حتى بلغ العاشرة من عمره ، واشتد القلق بوالده فأحضر له فقيها لازمه حتى حفظ القرآن الكريم. وتعلم مبادىء القراءة والكتابة ، ثم أرسل به إلى طنطا فجود القرآن وأحسن تلاوته ، ثم ألحقه بمعهدها الديني. وقد بلغت سنة خمسة عشر عاما ، ولكن محمدا لم يتفتح قلبه لطرق الدراسة حينذاك ، ففر من معهده مرارا ، وأبوه يحاوله ويعالجه ، وهو يلج في العناد والإباء. وأخيرا نزل ضيفا على خال لأبيه في إحدى القرى المجاورة لبلدته ، وكان عالما ذكيا استطاع أن ينفذ إلى قلبه ، وأن يحبب إليه العلم والدراسة ، فلقنه تفسير القرآن. وقرأ عليه عدة كتب في الحديث من أشهرها موطأ الإمام مالك ، ثم عاد بعد ذلك إلى معهده فأتم الدراسة فيه ، وانتقل إلى الأزهر في عام ١٢٨٢ ه‍ ورأى أن ينتقل من

٣٠٥

مذهب مالك إلى مذهب أبي حنيفة لأنه المذهب الرسمي للحكومة وعليه القضاء والفتيا ، وظل ينازع نفسه ، ويغالب السأم والملال من الدراسات المعقدة والأساليب الملتوية ، حتى حصل على شهادة العالمية في عام ١٢٩٤ ه‍ ، وقد انتزعها انتزاعا بعد معارضة بعض العلماء في منحة إياها لجرأته وصراحته ، وزرايته بنظم الأزهر وطريقة التدريس فيه في ذلك الوقت ، واصطدامه ببعض شيوخه ومخالفتهم في كثير من الآراء والعقائد.

ثقافته وأساتذته :

كان الإمام ذكيا ألمعيا يتمتع بذهن متوقد ، وفكر ثاقب ، ونفس طلعة متحررة ، لا تحب القيود ، ولا تخضع لما تواضع عليه الناس ، فمال إلى التزود بجميع أنواع الثقافات ، وفتن بالعلوم العقلية واللسانية والأدبية ، واستقى الدين من منابعه الأولى ، ضاربا صفحا عما ابتدعه العلماء من مذاهب وعقائد ، وما أدخلوه في الدين من بدع وأساطير وخرافات.

اقتنع الشيخ بانحراف العلماء عن سنة السلف ، ومال إلى الدراسة الاستقلالية الحرة ، وشغف بالتاريخ والمنطق والفلسفة الإسلامية ، والرياضة والفلك ، وتلمس السبل لفهم ما استعصى عليه ، فاتصل وهو طالب بعالم فحل اسمه الشيخ حسن الطويل ، ولازمه وأفاد منه ، ووجد عنده ما افتقده عند غيره من العلماء فلم يظفر به ، واتصل كذلك بجمال الدين الأفغاني منذ وفد علي مصر وأخذ عنه الأدب والتوحيد والمنطق وأصول الفقه والفلسفة وغير ذلك من العلوم ـ كما أخذ عنه آراءه في السياسة والاجتماع ، وثورته على ظلم الحكام واستبداد الولاة ، ودعوته إلى نظام شورى إسلامي يقضي على المطامع والنفعية والاستغلال.

بيئته وأثرها في حياته :

نشأ الشيخ في عصر يموج بالأحداث والأعاصير ، وتتوالى فيه الكوارث السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فقد كبل إسماعيل البلاد

٣٠٦

بأغلال الدّين ، ومكن للأجانب من التدخل في شئونها ، والإشراف على مواردها ومنحهم امتيازات سيطروا بها على الوطنيين وانتشروا في المدن والقرى يبيعون الخمر والسموم ، ويتعاملون بالربا ، وتسقط الثروات في أيديهم كما تسقط أوراق الشجر أدركه الخريف ، ثم كان عهد توفيق وقيام الثورة العرابية ، واستعانة هذا الحاكم الخائن بالإنجليز ليحتلوا البلاد وينكلوا بقادتها وزعمائها ، ويلقوا بهم في السجون والمعتقلات ، ويقذفوا ببعضهم إلى خارج البلاد ليذوقوا مرارة النفي وألم البعاد والتشريد ، وكان للشيخ دور بارز في مقاومة البغي والعدوان ، وجاهد بقلمه ولسانه في صفوف الثورة ، وأفتى بخلع الخديو فحكم عليه بالنفي ، وقضى عدة سنوات بسوريا وفرنسا وتونس ، ولقي من الشدائد والأهوال ما الله به عليم.

ولكن الإمام أفاد من هذا الكفاح ، واكتسب خبرة بشئون الحياة لم تتهيأ لغيره من القادة والزعماء ، ولم يكّف عن أداء رسالته الدينية والوطنية ، فتولى التدريس بسوريا وتونس ، واشترك مع جمال الدين الأفغاني في إنشاء صحيفة العروة الوثقى بفرنسا ، وعاد من النفي أمر عودا وأصلب مكسرا ، وكانت له بعد ذلك جولات وصولات.

تقلبه في مناصب الدولة :

تولى الشيخ عقب تخرجه في الأزهر دراسة التاريخ الإسلامي بدار العلوم ، ودراسة اللغة العربية بمدرسة الألسن ، ثم عزلته الحكومة من عمله مخافة انتشار آرائه وأفكاره بين التلاميذ ، وقوة تأثيره في الأوساط الوطنية والشعبية ، ثم اختير بعد ذلك لرياسة تحرير الوقائع المصرية ، وبعد عودته من النفي أبعد عن التدريس ، وعين قاضيا بالمحاكم الأهلية ، وعضوا في مجلس الأزهر الأعلى ، ثم اختير لمنصب الإفتاء وعضوية مجلس الأوقاف الأعلى ، كما كان عضوا بمجلس الشورى ، ورأس جمعية إحياء العلوم

٣٠٧

العربية التي أسست سنة ١٣١٨ ه‍ ، وإليه يرجع الفضل في نشاط هذه الجمعية وإحياء كثير من كتب الأدب والدين وغيرهما.

وطنيته ودعوته للحرية السياسية والفكرية :

عاش الشيخ طول حياته مجاهدا مكافحا ، داعيا للتحرر الوطني ، وإرساء قواعد الحكم الشورى ، ومقاومة المحتلين وأذنابهم ، وعمل على نشر الوعي القومي في نفوس النشء ، وتحرير الفكر العربي من شوائب الجهالة ، وتكوين مجتمع إسلامي يتعاون أبناؤه لإقامة وحدة تعمل على ترقية شئونهم السياسية والاجتماعية ، وقد ألهب عواطف الوطنيين بقلمه ولسانه ، وبث بذور الثورة على الطغيان التركي ، وفساد أداة الحكم في مصر. ولو أن العرابيين استمعوا لنصحه ، وتريثوا قليلا حتى يستكملوا عدتهم وعتادهم لبلغت الثورة هدفها ، وآل حكم البلاد إلى بنيها ، ونجت مصر من الاحتلال الإنجليزي الذي جثم على صدرها طويلا.

إصلاحاته وآراؤه. والصراع بينه وبين علماء عصره :

كان الشيخ يرى أن إصلاح المجتمع الاسلامي يجب أن ينبع من الأزهر ، وأن يكون علماء الدين هم رسل النهضة وقادة الإصلاح ، ولكي يقوم الأزهر برسالته لا بد له من الخروج عن عزلته وجموده ، وأن يوثق صلته بالشعب ، ويجدد في نظمه وطرق التدريس فيه ، ويطهر الدين من الشوائب والخرافات ، وأن يعيد النظر في الآراء الاجتهادية التي أثبت العلم بطلانها ، ويعالج المشاكل التي نبتت في العصور الحديثة ويبين حكم الدين فيها ، وأن يعني بالتقويم الخلقي ومحاربة البدع والضلالات ، والرد على ما أثاره خصوم الإسلام من شبه تتناول أصوله وفروعه ، وأن يعد أبناءه للاضطلاع بوظائف الدولة ، وتولى شئون القضاء والتدريس على النظم الحديثة.

وقد وضع رحمه الله نظاما لإصلاح المحاكم الشرعية ، ومشروعا

٣٠٨

لإصلاح الأزهر في النواحي الإدارية والعلمية ، وأراد أن يجدد في منهج التدريس بطريقة عملية بارعة حببت إلى الناس طلب العلم ، وغشى حلقته كثير من الأزهريين وغيرهم ، كما درس التفسير والمنطق والحكمة والفلسفة وعلم الكلام بأسلوب بليغ وعبارات جزلة فياضة. وقوة في الدليل والترجيح بين الآراء ، ونفي ما يثبت بطلانه وعدم جدواه.

وقد ثار بعض المتزمتين من الأزهريين والمتصوفة على الشيخ ورموه بالإلحاد والزندقة ، والخروج عما تواضع عليه العلماء والمؤلفون. وأقاموا من حوله سياجا من الشك والشبهات ، ولجوا في معارضته والطعن عليه ، وهو صابر محتسب ، يقابل أذاهم بالتسامح ، ومعارضتهم بالحجج الدامغة والبراهين الواضحة. وإلى هذا يشير حافظ إبراهيم في رثائه للإمام إذ يقول :

وآذوك في دين الإله وأنكروا

مكانك حتى سودوا الصفحات

رأيت الأذى في جانب الله لذة

ورحت ولم تهمم لهم بشكاة

لقد كنت فيهم كوكبا في غياهب

ومعرفة في أنفس نكرات

أبنت لنا التنزيل حكما وحكمة

وفرقت بين النور والظلمات

ووفقت بين الدين والعلم والحجا

فأطلعت نورا في ثلاث جهات

وقفت لهانوتو ورينان وقفة

أمدك فيها الروح بالنفحات

وإنما كان غضب بعض الأزهريين عليه لأنه كشف عن جهلهم وعجزهم عن أداء رسالة الدين والعلم ـ كما كان غضب الصوفية عليه لأنه سلفه طرقهم وأوضح دجلهم وتضليلهم لعقول الناس ، حتى أحالوا الدين إلى خرافات وأوهام لا تتصل به من قريب أو بعيد.

ويعد الأستاذ الإمام مجدد الأدب النثري في العصر الحديث. ومحرره من القيود التي أثقلته وجنت عليه في العصور الوسطى. جدد الشيخ في أسلوب النثر ، وفي معانيه وموضوعاته ، وامتازت كتابته بالوضوح وحسن

٣٠٩

الترتيب وسلامة التراكيب ، والبراءة من الغريب والحشو والتوعر.

والمتأمل في أدبه يراه قد تنقل في أطوار عدة ، فقد كان أول أمره يميل إلى السجع والتكلف والصنعة ، وبعض المحسنات البديعية والمصطلحات العلمية. ويستعمل ألفاظا دخيلة من اللغات الأوروبية أو التركية ، ثم أخذ يتحلل من قيود الصنعة شيئا فشيئا بعد تضلعه في الأدب العربي ، والإكثار من قراءة الكتب القديمة ، ثم سما وعذب ورق بعد دراسته اللغة الفرنسية والآداب الأوروبية الحديثة ـ وقد شاعت طريقته بين المتأدبين في هذا العصر فترسموا خطاه وساروا على نهجه.

مؤلفاته العلمية والأدبية :

لم تدع الأحداث السياسية والحركات الإصلاحية لدى الأستاذ الإمام متسعا من الوقت للإنتاج والتأليف ، ولكنه استرق من وقته فترات ألف فيها رسالة التوحيد وتفسير جزء عم ، الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية ، وشرح نهج البلاغة ، ومقامات البديع ، وهو في جميع هذه الكتب محقق ، واسع الأفق ، عميق الفكرة ، واضح الحجة ، فخم العبارة ، قوي الأسلوب.

ولم يعن الإمام بقرض الشعر مع كثرة حفظه له ، واستشهاده به ، ولم يسمع عنه سوى أبيات نسبت إليه ، وزعم بعض المتصلين به أنه قالها وهو يستقبل الموت ، وهي :

ولست أبالي أن يقال محمد

أبلّ أو اكتظت عليه المآتم

ولكن دينا قد أردت صلاحه

أحاذر أن تقضي عليه العمائم

فيا رب إن قدرت رجعي قريبة

إلى عالم الأرواح وانفض خاتم

فبارك على الإسلام وارزقه مرشدا

رشيدا يضيء النهج والليل قاتم

٣١٠

وإنما كانت عنايته منصرفة إلى النثر في جميع فنونه وأغراضه ، وهذه نماذج منه :

١ ـ كتب في رسالة إخوانية إلى بعض أصدقائه ، وفيها سجع متخير مقبول ، قال :

تناولت كتابك ولم يذكر مني ناسيا ، ولم ينبه لذكرك لاهيا ، فإني من يوم عرفتك لم يغب عني مثالك ، ولا تزال تتمثل لي خلالك ، ولو كشف لك من نفسك ما كشف لنا منها لفتنت بها ، ولحق لك أن تتيه على الناس أجمعين ، ولكن ستر الله عنك منها خير ما أودع لك فيها لتزينها بالتواضع ، وتجملها بالوداعة ، ولتسعى إلى ما لم يبلغه ساع ، فتكون قدوة في علو الهمة ، وبذل ما يعز على النفس من نفع الأمة ، زادك الله من نعمه ، وأوسع لك من فضله وكرمه ، ومتعنى بصدق ولائك ، وجعلك لي عونا على الحق الذي أدعو إليه ، ولا أحيا إلا به وله. والسلام.

٢ ـ وكتب إلى حافظ إبراهيم حين أهداه كتاب «البؤساء» ، ومعه رسالة تقدير وإطراء ، فقال :

لو كان لي أن أشكرك لفن بالغت في تحسينه ، أو أحمدك لرأي لك فينا أبدعت في تزيينه ، لكان لقلمي مطمع أن يدنو من الوفاء بما يوجبه حقك ، ويجري في الشكر إلى الغاية كما يطلبه فضلك ، لكنك لم تقف بعرفك عندنا ، بل عممت من حولنا ، وبسطته على القريب والبعيد من أبناء لغتنا.

زففت إلى العربية عذراء من بنات الحكمة الغربية ، سحرت قومها ، وملكت فيهم يومها ، ولا تزال تنبه منهم خامدا ، وتهز فيهم جامدا ، بل لا تنفك تحيى من قلوبهم ما أماتته القسوة ، وتقوم من نفوسهم ما أعذرت فيه الأسوة ، كلمة أفاضها الله على رجل منهم فهدى إلى التقاطها رجلا منا ، فجردها من ثوبها الغريب ، وكساها حلة من نسج الأديب ، وجلاها للناظر ،

٣١١

وجلاها للطالب ، بعد ما أصلح من خلقها ، وزان من معارفها ، حتى ظهرت محببة للقلوب ، رشيقة في مؤانسة البصائر ، تهش للفهم ، وتبش للطف الذوق ، وتسابق الفكر إلى مواطن العلم ، فلا يكاد يلحظها الوهم إلا وهي من النفس في مكان الإلهام ، فما أعجز قلمي عن الشكر لك ، وما أحقك بأن ترضى من الوفاء باللقاء.

٣ ـ وكتب إلى أحد أصحابه وهو في السجن كتابا يفيض بالألم ، استهله بقول الشاعر :

تقلدتني الليالي وهي مدبرة

كأنني صارم في كف منهزم

ثم قال بعد قليل :

رأيت نفس اليوم في مهمه لا يأتي البصر على أطرافه ، في ليلة داجية غطى فيها وجه السماء بغمام سوء ، فتكاثف ركاما ركاما ، لا أرى إنسانا ، ولا أسمع ناطقا ، ولا أتوهم مجيبا ، أسمع ذئابا تعوي ، وسباعا تزأر ، وكلابا تنبح ، كلها يطلب فريسة واحدة ، هي ذات الكاتب ، ذهب ذوو السلطان في بحور الحوادث الماضية يغوصون لطلب أصداف من الشبه ، ومقذوفات من التهم ، وسواقط من اللمم ، ليموهوها بمياه السفسطة ، ويغشّوها بأغشية من معادن القوة ، ليبرزوها في معرض السطوة ، ويغشوا بها أعين الناظرين.

وقال في آخره :

آه ما أطيب هذا القلب الذي يملي هذه الأحرف ، ما أشد خطبه للولاء ، وما أغيره على حقوق الأولياء ، وما أثبته على الوفاء ، هذا القلب الذي يؤلمونه بأكاذيبهم ، هو الذي سر قلوبهم بالترقية ، وملأها فرحا بالتقدم.

٣١٢

٤ ـ ومن رسالة له إلى بعض علماء الشام حين هنأه بمنصب الإفتاء ، قال :

أما قومي فأبعدهم عني أشدهم قربا مني ، وما أبعد الإنصاف منهم ، يظنون بي الظنون ، بل يتربصون بي ريب المنون ، تسرعا منهم في الأحكام ، وذهابا مع الأوهام ، وولعا بكثرة الكلام ، وتلذذا بلوك الملام ، أدعو فلا يستجيبون ، وأعمل فلا يهتدون ، وأريهم مصالحهم فلا يبصرون ، وأضع أيديهم عليها فلا يحسون بل يفرون إلى حيث يهلكون ، شأنهم الصياح والعويل ، والصخب والتهويل ، حتى إذا جاء حين العمل صدق فيهم قول القائل :

لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد

ليسوا من الشر في شيء وإن هانا

وأقول : ولا في الخير

وإنما مثلي فيهم مثل أخ جهله إخوته ، أو أب عقته ذريته ، أو ابن لم يحن عليه أبواه وعمومته ، مع حاجة الجميع إليه ، وقيام عمدهم عليه ، يهدمون منافعهم بإيذائه ، ولو شاءوا لاستبقوا باستبقائه ، وهو يسعى ويدأب ، ليطعم من يلهو ويلعب ، على أني أحمد الله على الصبر ، وسعة الصدر ، إذا ضاق الأمر ، وقوة العزم ، وثبات الحلم ، إذا اشتد الظلم ، وإن كنت في خوف من حلول الأجل ، قبل بلوغ الأمل ... الخ.

٥ ـ ومن أمثلة كتابته العلمية قوله في أحد فصول رسالة التوحيد :

جاء القرآن فنهج بالدين منهجا لم يكن عليه ما سبقه من الكتب المقدسة ، منهجا يمكن لأهل الزمن الذي أنزل فيه ولمن يأتي بعدهم أن يقوموا عليه ، فلم يقصر الاستدلال على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بما عهد الاستدلال به على النبوات السابقة ، بل جعل الدليل في حال النبي مع نزول الكتاب عليه في شأن من البلاغة يعجز البلغاء عن محاكاته ، ولو في مثل أقصر سورة منه ، وقص علينا من صفات الله ما أذن الله لنا ، أو ما أوجب علينا أن

٣١٣

نعلم ، لكن لم يطلب التسليم به لمجرد أنه جاء بحكايته ، ولكنه أقام الدعوى وبرهن ، وحكى مذاهب المخالفين وكر عليها بالحجة ، وخاطب العقل ، واستنهض الفكر ، وعرض نظام الأكوان وما فيها من الإحكام والإتقان على أنظار العقول ، وطالبها بالإمعان فيها لتصل إلى اليقين بصحة ما ادعاه ودعا إليه ، حتى أنه في سياق قصص أحوال السابقين. كان يقرر أن للخلق سنة لا تغير ، وقاعدة لا تتبدل فقال تعالى : (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) وصرح سبحانه (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) ، (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ).

واعتضد بالدليل في باب الأدب فقال (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) ، وتآخى العقل والدين لأول مرة في كتاب مقدس على لسان نبي مرسل بتصريح لا يقبل التأويل ، وتقرر بين المسلمين كافة ـ إلا من لاثقة بعقله ولا بدينه ـ أن من قضايا الدين ما لا يمكن الاعتقاد به إلا من طريق العقل كالعلم بوجود الله وبقدرته على إرسال الرسل ، وعلمه بما يوحى به إليهم ، وإرادته لاختصاصهم برسالته ، وما يتبع ذلك مما يتوقف عليه فهم معنى الرسالة ، وكالتصديق بالرسالة نفسها ، كما أجمعوا على أن الدين إن جاء بشيء قد يعلو على الفهم فلا يمكن أن يأتي بما يستحيل عند العقل.

دفاع الشيخ عن الإسلام ، وتفنيد مزاعم المبشرين :

شمر الشيخ عن ساعد الجد ، وانبرى للمبشرين المسيحيين الذين تناولوا الإسلام بالطعن والتجريح ، وسفهوا عقائد المسلمين ، وحاولوا النيل من الرسول وصحبه ، وشوهوا تعاليمه ومبادئه ، ومن ورائهم جمعيات مزودة بالمال والمطابع والصحف ، كي يزعزعوا يقين المسلمين في دينهم ، ويصدوا عنه من أراد الدخول فيه من غير أهله ـ انبرى الشيخ لهؤلاء جميعا

٣١٤

ومن بينهم رينان وهانوتو وإضرابهما ، وأخذ يفند مزاعمهم ، ويبطل حججهم ويبين أكاذيبهم وخدعهم ، حتى صرعهم وفضحهم في المجال الدولي ، وعرف العالم الإسلام على حقيقته ، وقال بعض فلاسفتهم : إذا كان الإسلام كما يقول الشيخ محمد عبده فأحرى بنا جميعا أن ندخل فيه ، ونستظل برايته.

كتب رحمة الله حين سخر هانوتو من تشريع الحج عند المسلمين ، وكتب بعض الكاتبين مقالة يرد بها عليه ورأى الأستاذ الإمام أنها تحتاج إلى دعم وتوضيح فكتب يقول :

يكتب بعض أرباب الأقلام من المسلمين في حكمة الحج ، ويقول : إنه صلة بين المسلمين في جميع اقطار الأرض ، ومن أفضل الوسائل للتعاون بينهم ، فعليهم أن يستفيدوا منه ـ وهو كلام حق ، لكن لا ينبغي أن يفهم على غير وجهه ، فإن الغرض منه أن يذكر المسلمون ما بينهم من جامعة الدين ، حتى يستعين بعضهم ببعض على إصلاح ما فسد من عقائدهم ، أو أضل من أعمالهم ، وفي مدافعة ما ينزل بهم من قحط أو ظلم أو بلاء ، وهو معهود عند جميع الأمم التي تدين بدين واحد ، خصوصا عند الأوربيين.

وكتب إلى الفيلسوف تولستوي حين حرمته الكنيسة لدعوته إلى التوحيد :

أيها الحكيم ، لم نحظ بمعرفة شخصك ، ولكنا لم نحرم التعارف مع روحك ، لقد سطع علينا نور من أفكارك ، وأشرقت في أفقنا شموس من آرائك ، ألفت بين نفوس العقلاء ونفسك ، ونظرت نظرة في الدين مزقت حجب التقاليد ، ووصلت بها إلى حقيقة التوحيد ، ورفعت صوتك تدعو الناس إلى ما هداك إليه الله.

وحقا لقد كان الشيخ محمد عبده عالما فذا ، ومصلحا قديرا ،

٣١٥

ومجاهدا إسلاميا عظيما ، وقد عاش مسلما صادقا ، ومات وهو في صفوف المجاهدين المؤمنين ـ وقد توفي رحمه الله في عام ١٣٢٣ ه‍ ، ١٩٠٥ م ولا يزال المصلحون يترسمون خطاه إلى اليوم.

٣١٦

الشيخ مصطفى عبد الرازق

١٨٨٥ ـ ١٥ فبراير ١٩٤٧

ولد رحمه الله عام ١٣٠٤ ه‍ ـ ١٨٨٥ م بأبي جرج من أعمال مديرية المنيا ، وهو الابن الثاني من أولاد المرحوم حسن عبد الرازق (باشا) ، وبعد أن أتم تعليمه الأولى حفظ القرآن الكريم وجوّده ، ثم التحق لطلب العلم بالأزهر الشريف ، وتخرج في سنة ١٩٠٦ ، وحصل على شهادة العالمية من الدرجة الأولى بين زملائه الشافعية ، وعين للتدريس في مدرسة القضاء الشرعي ، وفي سنة ١٩٠٩ سافر إلى فرنسا والتحق بجامعة السربون ليضم إلى ثقافة الشرق ثقافة الغرب ، وندبه مسيو لابيير لتدريس بعض المباحث الإسلامية بجامعة ليون ، ثم عاد من فرنسا في أوائل الحرب الكبرى ، وعين سكرتيرا لمجلس الأزهر ، وكان ذلك في سنة ١٩١٦ ، وفي سنة ١٩٢١ عين مفتشا في المحاكم الشرعية ، ثم عين سنة ١٩٢٧ أستاذ للفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة ، وظل في كرسي الأستاذية ، حتى اختير في سنة ١٩٣٨ وزيرا للأوقاف في وزارة محمد محمود (باشا) الثانية ، اختير عدة مرات في وزارات مختلفة لتولي هذا المنصب ، حتى انتقل المغفور له الشيخ المراغي شيخ الأزهر إلى جوار ربه ، فاختير لهذا المنصب وهو وزير للأوقاف ، وصدر الأمر بتعيينه شيخا للأزهر في ٢٧ ديسمبر سنة ١٩٤٥ ، واختير أميرا للحج في العام الذي توفي فيه ، فكان

٣١٧

خير مبعوث لمصر بين أبناء البلاد الإسلامية عند البيت الحرام ، وتوفي في ١٥ فبراير سنة ١٩٤٧ ، ويقول عنه محمد فريد وجدي :

«كان الأستاذ الأكبر بشخصيته الممتازة ، وسعة أفقه الثقافي ، خير من يدرك آثار هذا العهد في حياة الأمم ، وأصلح من يوكل إليه أمر التوفيق بينهما لمصلحة الدين والدنيا معا ، فلا غرو إن ساور الهلع كل نفس تنتظر عهد الاستقرار والهدوء والتقدم ، لم أر فيمن قابلت من القادة والأعلين. أكرم خلقا في غير استكانة ، ولا أهدأ نفسا في غير وهن ، ولا أكثر بشاشة في غير رخوة ، من الشيخ مصطفى عبد الرازق ، وكل ذلك إلى حزم لا يعتوره لوث ، واحتياط لا يشوبه تنطع ، وأناة لا يفسدها فتور ، وإدمان على العمل ينسى معها نفسه ، وهي صفات كبار القادة ، وعلية المصلحين ، ممن خلقوا لمعالجة الشئون المعقدة ، وحسم المنازعات الشائكة ، والتوفيق بين المطالب المتنافرة ، وهذه مواقف كما تقتضي مضاء العزيمة ، تحتاج إلى هوادة الأناة ، وكما تستدعي سرعة البت ، لا بد لها من القدرة على إزالة الحوائل ، وقديما قالوا : رب عجلة أورثت ريثا ، ورب إقدام جر إلى نكوص ، فكان بما حباه بارئه من هذه المواهب النادرة ، كفاء المهمة التي وفق المسئولون في إسنادها إليه ، وكنت لا أشك في أنه بما جبل عليه من حب الإصلاح ، وما اتصف به من الصفات التي سردناها آنفا ، سيصل إلى حل مشكلة الأزهر حلا حاسما ، يعيش تحت نظامه آمنا شر العوادي ، وفي منجاة من عوامل القلق والاضطراب ، ذلك أنه بما تضلع من إلمام بنظم الجامعات ، وما حصل من علم بمقوماتها وحاجاتها ، لتمضيته في صميمها سنين طوالا من حياته طالبا ومدرسا ، يعرف من أسرار حياتها وبقائها وبواعث عللها وأعراضها ، ما لا يعلمه إلا الأقلون ، والأزهر لا يخرج عن جامعة قديمة في دور انتقال ، تتفاعل لتتناسب والعهد الذي تعيش فيه ، فهي في حاجة إلى أن تحصل على المقومات التي تؤاتيها بهذا التناسب ، وهو لا ينحصر في زيادة ميزانيتها ، ولا في تهذيب برامج دراستها ، ولكنه يتعداهما

٣١٨

إلى ما هو إيجاد المجال الحيوي لخريجيها ، وهو أمر لا يستطاع حله إلا بعد تمهيد الطريق إليه ، ورفع العقبات دونه. والشيخ الراحل لما اتصف به من بعد النظر ، وتخير الظروف ، كان أجدر الناس بإصابة هذا الغرض البعيد ، ولكن الله آثر له الدار الآخرة ، فكان ما أراد ، وترك الأمر لمن يخلفه ، ولله في ذلك حكمة ، وهو يتولى الصالحين.

ومما هو جدير بالذكر أن جميع مدرسي الفلسفة في عهدنا الحاضر بجامعتي القاهرة والأسكندرية من تلاميذه ، لم تنقطع صلتهم به ، وقد أسندت إليه وزارة الأوقاف مرتين ، ولما توفي الأستاذ الشيخ محمد مصطفى المراغي ، وعز وجود من يملأ مكانه ، أسندت المشيخة إليه في ٢٧ من ديسمبر سنة ١٩٤٥ ، ومن مؤلفاته العديدة :

١ ـ ترجمة فرنسية لرسالة التوحيد تأليف الشيخ محمد عبده ، وضعها بالاشتراك مع الأستاذ ميشيل ، وحلاها هو بمقدمة طويلة.

٢ ـ رسائل صغيرة بالفرنسية عن المرحوم الأثري الكبير بهجت بك ، وعن معنى الإسلام ومعنى الدين في الإسلام.

٣ ـ كتاب التمهيد لتاريخ الفلسفة.

٤ ـ فيلسوف العرب والمعلم الثاني.

٥ ـ الدين والوحي في الإسلام.

٦ ـ الإمام الشافعي.

٧ ـ الإمام محمد عبده ، وهو مجموعة محاضرات ألقيت في الجامعة الشعبية سنة ١٩١٩ ، وكلها مؤلفات تعتبر غاية في الإفادة.

وله كتب لم تنشر ، منها : مؤلف كبير في المنطق ، وكتاب في التصوف ، وفصول في الأدب تقع في مجلدين كبيرين ، وكان رئيسا لمجلس إدارة الجمعية الخيرية ، التي كان والده من مؤسسيها ، وكان عضوا في مجمع اللغة العربية ، والمجمع العالمي المصري.

٣١٩

وفي ٢٧ مارس عام ١٩٤٧ أقيمت حفلة لتأبينه في جامعة القاهرة ، ألقى فيها لطفي السيد ، وعبد العزيز فهمي ، والدكتور حسين هيكل ، ومنصور فهمي ، وإبراهيم دسوقي أباظة ، وطه حسين ، وأمين الخولي ، والعقاد وغيرهم كلمات وقصائد في الإشادة بمناقبه.

ومن كلمات الشيخ كلمة ألقاها بمناسبة اختياره رئيسا فخريا لجمعيات المحافظة على القرآن الكريم بعد وفاة الشيخ المراغي ، قال فيها : القرآن مصقلة القلوب كما ورد في الحديث ، وما أحوج قلوبنا إلى ما يصقلها ، ويجلو منها الصدأ ، والقرآن هدى ونور ، فهل إلا القرآن لما يغشى العالم اليوم من ظلام وضلال؟ والقرآن من بعد هذا ثقاف للألسن ، يقوم عوجها ، ويصلح عجمتها ، ويغذي من البلاغة مادتها ، فمن عملى على تنشئة أطفالنا على حفظ القرآن وترتيله ومدارسته ، فإنما يصلح القلوب ، ويقوم الأخلاق ، ويخدم العربية ، وما أشرف ذلك مقصدا وأعظمه نفعا! ويتقاضانا الوفاء بمناسبة أول احتفال سنوي بعد وفاة الرئيس الفخري السابق رضي الله عنه أن نذكر مآثره الباقيات في خدمة القرآن الكريم : كان رحمه الله مسلما صادقا ، وكان يحب القرآن حبا جما ، وقد عنى في أكثر دروسه الدينية بالتفسير في أسلوب يلائم جلال كتاب الله ، ويوطد أسباب فهمه لأذواق الأجيال الحاضرة ، كما كان يصنع من قبل أستاذنا الإمام «الشيخ محمد عبده» ، ووجه الأزهر إلى العناية بالدراسات العالمية لعلوم القرآن ، وقد أنشأ معهد القراءات والتجويد ، والمرجو أن يتابع الأزهر السير في هذه السبيل ، فيقوي معهد القراءات ويكمله ، وينشىء إلى جانبه دراسات عالية للحديث وعلومه ، حتى يستوفي الأزهر جميع الوسائل التي تعده لأن يكون كعبة المسلمين في كل ما يتصل بالقرآن والحديث ... وفي مجلة الأزهر دراسة عن الشيخ مصطفى عبد الرازق الشاعر (١)

__________________

(١) عدد شعبان ١٣٧٠.

٣٢٠