شرح ملّا جامي - ج ٢

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ٢

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢

وجه شبهها به ، أما لفظا فلانقسامها (١) كالفعل إلى الثلاثي والرباعي والخماسي ولبنائها على الفتح مثله.

وأما معنى فلان معنييها معاني الأفعال ، مثل : أكدت (٢) ، وشبهت ، واستدركت وتمنيت وترجيت.

وكان المناسب أن يعبر عنها بالأحرف المشبهة ، على صيغة جمع القلة ، لكونها ستة ، لكنهم لما عبروا عن الحرف الجارة والعاطفة مثلا بصيغة جمع الكثر لم يستحسنوا تغيير الأسلوب ، مع شيوع (٣) استعمال كل من صيغتي جمع القلة والكثرة في الأخرى ، على أنها إذا لوحظت مع فروعها الحاصلة بتخفيف نوناتها ، ولغات (٤) (لعل) تبلغ مبلغ جمع الكثرة.

(وهي إن ، وأن وكأن ، وليت ، ولعل) آخرهما لكونهما (٥) للإنشاء بخلاف الأربعة السابقة.

__________________

(١) اعتبر شبهها بالفعل للإعمال ولذا قال وجه شبهها أي : وجه المشابهة التي اعتبرت ولم يقل يعتبر وجه شبهها. (عبد الحكيم).

ـ قوله : (فلانقسامها) أي : باعتبار تمام حروفها إلى الأقسام كالفعل باعتبار تمام حروفه وكونه سدا سيا أيضا يعتبر لا يضر في تلك المشابهة وكذا كون الاسم أيضا منقسما إلى تلك الأقسام ؛ إذ غايته إنها مشابهة للاسم أيضا لكنه لم يعتبر تلك المشابهة لعدم ثمرتها. (س).

(٢) قوله : (مثل أكدت) بصيغة الماضي المستعملة للإنشاء الدالة على تحقق معانيها لكون الحروف كذلك. (حاشية).

ـ قوله : (مثل أكدت) إنما عبر عن معانيها بالأفعال الماضية ؛ لأنها بمعنى الأفعال المقصودة بها الإنشاء والشائع استعمال الماضي في الإنشاء كصيغ العقود وغيرها من أفعال المدح وأفعال التعجب. (وجيه).

(٣) يعني : يستعمل جمع القلة في جمع الكثرة وجمع الكثرة في جمع القلة وهذا مجاز. (وافية).

(٤) جمع لغة ؛ لأن لعل يكون فعلا وصرفا جارا وصرف مشبه بالفعل.

(٥) قوله : (لكونهما للإنشاء) دائما بخلاف الأربعة الباقية فإنها ليست كذلك إذا الثلاثة ليست للإنشاء أصلا وكأن وإن كانت لإنشاء التشبيه لكنها تجيء للتحقيق والظن والتقريب والإنشاء فرع الأخبار فلهذا أخرهما. (عبد الحكيم).

ـ وهو فرع الأخبار والأصل مقدم على الفرح ووجه الأصل إن الإنشاء طلب وجود الشيء والأخبار عن الوجود وهو مقدم من غير الموجود. (وافية).

٣٨١

(لها) أي : لهذه الحروف (صدر الكلام) (١) وجوبا ليعلم (٢) من أول الأمر أنه أي قسم من أقسام الكلام ، إذ كل منها يدل على قسم منه ، كالكلام المؤكد والمشتمل على التشبيه والاستدراك والتمني والترجي.

(سوى أن) المفتوحة (فهي بعكسها) (٣) أي : بعكس باقيها ، على حذف (٤) المضاف ، بأن تقتضي عدم الصدارة ؛ لأنها مع اسمها وخبرها في تأويل (٥) المفرد ، فلا بدّ لها من التعلق بشيء آخر حتى يتم (٦) كلاما ، وحينئذ لو وقع في الصدر اشتبهت ب : (إن) المكسورة في صورة الكتابة.

وإنما حملنا العكس على اقتضاء عدم الصدارة لا على عدم (٧) اقتضاء الصدارة ؛ لأن مجرد (٨) الاستثناء يكفي في ذلك.

__________________

(١) أراد بالكلام مقابلة الكلمة أي : هذه الأحرف تقع في صدر مركب تام يصح السكوت عليه. (ك).

ـ والمراد من الكلام المؤكدان ؛ لأن مع اسمها وخبرها كلام تام يفيد التحقيق. (لمحرره).

(٢) قوله : (ليعلم من أول الأمر) أي : يعلم السامع من أول الأمر وهذا العلم واجب دفع الحيرة السامع وتوهمه أن لا معنى غيرها إفادة المتكلم. (سيالكوني).

(٣) أي : لا يكون لها صدر الكلام لكونها مع ما بعدها معمولا العامل ما قبلها وحق المعمول أن يكون مؤخرا فجاءت على الأصل. (رضا).

(٤) قوله : (على حذف المضاف) كيلا يلزم كون ان المفتوحة بعكس نفسها لدخولها في المرجع وإنما لم يرجع الضمير إلى ما بقى بعد الاستثناء رعاية للسابق واللاحق فإن الضمير فيها راجع إلى الحروف كلها. (عبد الحكيم).

(٥) لأن إذا المفتوحة تشبه أن المخففة بفتح الهمزة وهي تجعل ما بعدها في تأويل المفرد بخلاف أن المكسورة ؛ لأنها تشبه أن المخففة بكسر الهمزة وهي للشرط ويكون ما بعدها جراء وهو جملة فكان الشرط مع جزائه كلاما تاما جملة شرطية. (وافية).

(٦) أي : حتى يكون الكلام المشتمل على الجملة بالمفتوحة كلاما تاما لضم شيء آخر. م.

(٧) أي : لا حاجة عدم اقتضاء الصدارة على قوله : (بعكسها بل الحاجة اقتضاء أن المفتوحة. (حاشية).

(٨) وحينئذ يحمل الكلام على التأسيس لا على التأكد أن حملنا العكس على عدم اقتضاء الصدارة كأن تأكيدا وأن حملنا على اقتضاء عدم الصدارة يكون تأسيسا والتأسيس أولى من ـ التأكيد لمحرره. ـ

٣٨٢

(وتلحقها) (١) أي : هذه الحروف (ما) الكافة (٢) (فتلغى) أي : تعزل هذه الحروف عن العمل لمكان (ما) الكافة (على الأفصح) أي : على أفصح اللغات ، مثل : (إنما زيد قائم).

وقد تعمل على غير الأفصح كما وقع في بعض أشعارهم (٣).

(وتدخل هذه الحروف حينئذ) أي : حين إذ تلحقها (٤) (ما)

(على الأفعال) لأن (٥) (ما) الكافة أخرجتها عن العمل فلا يلزم أن يكون مدخولها صالحا للعمل.

(فإن) (٦) المكسورة لا تغير معنى الجملة ولا تخرجها عن كونها جملة فإذا قلت :

__________________

ـ فلو حمل العكس إلى عدم اقتضاء الصدارة لكان قوله : (فهي بعكسها) لغوا واستدراكا ؛ لأن الاستثناء مشعر ذلك المعنى أعني عدم الصدارة. (حاشية).

ـ لأن اقتضاء عدم الصدارة ينافي الصدارة بخلاف عدم اقتضاء الصدارة ؛ لأنه لا ينافيه. (وافية).

(١) والغرض من إلحاق ما على آخر هذه الحروف للحصر والتأكيد في إنما والمبالغة وإفادة معناها في الجملتين الاسمية والفعلية في الكل. (أمير).

(٢) قوله : (ما الكافة) عند الجمهور وما الكافة قسم من الزائد على ما في المعنى إذا الزائدة نوعان أي : كافة وغير كافة. (سيالكوني).

(٣) كقوله النابغة : قال :

ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا ونصفه فقد

ـ والحمام بالنصب اسم ليت على جعل ما زائدة ولنا خبره وإما إذا جعل ما كافة مهدا الحمام مرفوع مبتدأ ولنا خبره وإلى حمامتنا أي : مع حمامتنا ونصفه عطف على حمامتنا وفقد أصله بالسكون للبناء وكسرها للشعر وهو في محل الرفع خبر مبتدأ محذوف فذلك فقد والاستشهاد على جوار ما في ليتما كافة.

(٤) ليفيد معانيها في الجملة الفعلية كما أفادت في الجملة الاسمية فتقول إنما قام زيد وإنما زيد يقوم. (أمير).

(٥) نحو : إنما قام زيد وإنما يقوم زيد قال الشاعر :

أعد نظرا يا عبد قيس لعلما

أضاءت النار الحمار المقيدا

ـ ويعيد أن مع ما في الجملة ما يفيد النفي والإثبات إذا كانت كافة فإذا قلت : إنما زيد قائم فمعناه ما زيد إلا قائم بخلاف ما لو كانت زائدة قان قولك : إما زيدا عالم ينصب دنيا لا يفيد الحصر. (خبيصي).

(٦) قوله : (فإن) لا تغير الفاء بيان تفضيل الأحوال المختصة بكل واحد مهما بعد بيان ـ

٣٨٣

(إن زيد قائم) أفدت ما أفدت بقولك : (زيد قائم) مع زيادة التأكيد (وأن) المفتوحة (مع جملتها) أي : مع اسمها (١) وخبرها سماها (٢) جملة باعتبار ما كانت عليه قبل دخولها عليهما (في حكم المفرد ، ومن ثمة) أي : ومن اجل الفرق المذكور (وجب الكسر في موضع الجمل) أي : في موضع يقتضي الجمل (و) وجب (الفتح في موضوع المفرد) أي : في موضع يقتضي المفرد.

(فكسرت إن ابتداء) أي : في ابتداء (٣) الكلام لكونه موضع الجملة ، نحو : (إن زيدا قائم) (و) كسرت أيضا (بعد (٤) القول) وما يشتق منه ؛ لأن مقول القول لا يكون إلا جملة ، نحو : (قال زيد : إن عمرا قائم) (و) كسرت أيضا (بعد) الاسم (الموصول) (٥) لأن صلة الموصول لا تكون إلا جملة نحو : (جاءني الذي إن أباه قائم).

__________________

ـ الأحوال المشتركة بينهما ولم يبين معنى أن المكسورة والمفتوحة لشهرة كونهما للتأكيد فالمكسورة لتأكيد النسبة التامة والمفتوحة فتأكيد نسبة الإضافية المسبوقة من الاسم والخبر. (عبد الحكيم).

(١) وهذا إشارة إلى أن المراد بالجملة في قوله : (معنى الجملة خفيفة الجملة بخلاف ما ذكر هنا فإنها ليست بجملة حقيقة بل بعلاقة الكون السابق وإلى هذا أشار بقوله : (باعتبار ما كان عليه فيكون.) (محرره).

(٢) فيكون إطلاق الجملة على زيد قائم في بلغني أن زيد قائم مجاز باعتبار ما كانت عليه.

(٣) قوله : (أي في ابتداء الكلام) سواء كان في أول كلام المتكلم نحو : أن زيدا قائم أو في وسط كلامه إذا كان ابتداء كلام آخر نحو : أكرم زيد أنه فاضل مقولك كلام مستأنف وقع عليه لما تقدم فالمراد بابتداء الكلام كلام المتكلم المستأنف كما يشعر كلامه سواء سبق أو لم يسبقه أصلا. (وجيه).

ـ أشار إلى أن ابتداء مفعول فيه لقوله : (كسرت أما بتقدير المضاف عند الجمهور أي : في وقت ابتداء ليصح حذف في أو بلا تقدير عند إلى على فإن المصدر عنده بنزل منزلة الظرف. (محرره).

(٤) وما وقع بعد القول فليس ابتداء كلام المتكلم وإنما هو ابتداء كلام محكي عنه وكذا وما وقع بعد الموصول وغيره مما هو من مواضع الجل ليس بابتداء كلام المتكلم المستأنف وإنما هو تتمة لما قبله فصح المقابلة بينه وبين كونه.

(٥) كقوله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ ...)[القصص : ٧٦] الآية إذ الصلة موضع الجملة وبعد واو الحال نحو : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) الآية لأن واو الحال لا تدخل إلا على جملة وجواب القسم نحو : والله أن زيدا كريم وحتى للابتداء نحو : مرض زيد حتى أنه لا يرجى وبعد إلا وأما نحو : إلا أنهم هم السفهاء وقبل اللام للابتداء نحو : قد يعلم أن ليحزنك. (موشح).

٣٨٤

(وفتحت أن) حال كونها (١) مع جملتها (فاعلة نحو : (بلغني أن زيدا عالم) لوجوب كون الفاعل مفردا.

(و) حال كونها مع جملتها (مفعولة) نحو : (كرهت أن زيدا شاعرا) لوجوب كون المفعول مفردا.

(و) حال كونها مع جملتها (مبتدأة) نحو : (عندي أنك فاضل) ، لوجوب كون المبتدأ مفردا.

(و) حال كونها مع جملتها (مضافا (٢) إليها) (٣) نحو : (أعجبني اشتهار أنك عالم) لوجوب كون المضاف إليه مفردا.

(وقالوا : (٤) (لولا أنك) بفتح الهمزة بعد (لولا) الامتناعية (لأنه) أي : ما بعد (لولا) الامتناعية (مبتدأ) وكون المبتدأ مفردا واجب نحو : (لولا أنك منطلق انطلقت) وكذلك بعد (لولا) التتحضيضية ؛ لأنها بعد اسمها وخبرها معمول للفعل الواجب (٥) بعد

__________________

(١) قوله : (حال كونها مع جملتها) إشارة إلى أن في كلام المصنف تسامحا حيث جعل نفس إن فاعلة ومفعولة ومبتدأ ومضافا إليها باعتبار إنها المصححة لصيرورة ما بعدها كذلك. (س).

(٢) قوله : (أو مضافا إليها) هذا الإطلاق يدل على أن يجب الفتح إذا وقعت مضافا إليها للظروف اللازمة الإضافة إلى الجملة وهذا هو المشهور في حيث وقال بعضهم أنه من مواضع الكسر وأما إذا وقعت مضافا إليها لاذ ماذا فلم تحد فيه نقلا صريحا في تعيين الفتح والكسر والظاهر إن ما بعد أن أول بالمفرد وفعل الخبر محذوف فيجوز الفتح وإلا فالكسر فهو مما يجوز فيه الأمران كان إلغاء جزائية وإذا المفاجأة.

(٣) وبعد ما المصدرية نحو : لا أكلمك ما إن في السماء نجما أي : ما ثبت أن في السماء نجما وبعد حرف الجر نحو : ذلك بأن الله هو الحق وحتى العاطفة والجارة نحو : عرفت أمورك حتى إنك فاضل فيقدر المصدر منصوبة على كونها عاطفة ومجرور على كونها جارة. (خبيصي).

(٤) خص ذكر لولا ولو بالتعرض ردا على المخالف فإن المبرد والكسائي زعما أن ما بعد فاعل وزعم الكوفيون إن ما بعدها حرف الشرط مبتدأ. (عصام).

ـ قوله : (وقالوا لولا إنك) غير الأسلوب ولم يقل بعد لولا ولولا أن المقصود منه دفع توهم اعتراض يرد على قاعدة التمييز بين إن المكسورة والمفتوحة على ما صرح به في شرح المفصل. (حاشية).

(٥) قوله : (الواجب دخول لولا) لأن التحضيض إنما يكون على معاني الأفعال دون الأسماء والحروف. (س).

٣٨٥

دخول (لولا) التحضيضية عليه نحو : (لولا أني معاد لك زعمت) أي لولا زعمت أني معاد لك و (لولا أنك ضربتني) أي (لولا) صدر الضرب منك.

(و) (١) كذلك قالوا : (لو أنك) بفتح الهمزة (لأنه) أي : ما بعد (لو) (فاعل)(٢) لفعل محذوف والفاعل يجب أن يكون مفردا : نحو : (لو (٣) أنك قائم أي لوقع قيامك).

(فإن جاز (٤) في موضع التقدير أن أي : تقدير المفرد وتقدير الجملة (جاز الأمران)(٥) أي : الفتح والكسر في (أن) الفتح على تقدير جعل (أن) مع اسمها وخبرها مفردا والكسر على تقدير جعلهما معا جملة (مثل (من يكرمني فاني أكرمه) مما وقع بعد الفاء الجزائية.

فإن كان المراد : من يكرمني فأنا أكرمه ، وجب الكسر ؛ لأنها وقعت في موضع الجملة (٦) ، وإن كان المراد : من يكرمني فجزاؤه أني أكرمه ، أو إكرامي ثابت له ، وجب

__________________

(١) عطف على لولا إنك يعني إن النحاة كما قرأوا وإمادة الألف والنون إذا وقعت بعد لولا بفتح الهمزة كذلك قرنوها إذا وقعت بعد لو. (أيوبي).

(٢) إذ بعد لولا يكون إلا فعل حقيقة أو تقديرا لكونه حرف شرط قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا)[الحجرات : ٥] قال الشاعر :

ولو أن قومي أنطقتني رماحهم

نطقت ولكن الرماح أجرت

 ـ وعن سيبويه إن أن المفتوحة بعد لو مع صلتها مبتدأ ساد مسد جرى الكلام. (موشح).

(٣) قوله : (نحو لو أنك قائم) صوابه لو أنك تقوم ؛ لأن من شرط لو إذا وقع بعد المبتدأ أن يكون الخبر فعلا إذا أمكن ليكون في الصورة عوضا عن الفعل المحذوف بعدها كقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا)[النساء : ٦٦].

(٤) قوله : (فإذا جاز) في موضع التقديران ترجح أحدهما بعدو تكلف الحذف لا ينافي جواب الآخر فلا يردانه كيف يجوز الفتح المحتاج إلى في من يكرمني فإني أكرمه ونظائره مع صحة الكسوة المستغني من الحذف. (عصام).

ـ قوله : (فإن جاز) ورد إلغاء إشارة إلى أنه متفرع على القاعدة السابقة ومعنى جواز التقديران أن يكون كل واحد منهما مؤديا للمعنى المقصود من غير تفاوت. (عبد الحكيم).

(٥) النظر إلى إفادة المقصود ولا يتنافى رجحان أحدهما لعدم الحذف فيه. (ك).

(٦) فيكون المبتدأ مع خبره الذي هو الجملة الفعلية الجزائية فعلية أو اسمية فيجوز فيه التقديران. (أيوبي).

٣٨٦

الفتح ؛ لأنها وقعت في موضع المفرد ؛ لأنها إما مبتدأ أو خبر مبتدأ.

(و) مثل : قول الشاعر :

إذ أنه عبد القفا واللهازم (١)

مما وقعت بعد إذ المفاجأة.

فيجوز فيها الكسر على أنها مع اسمها وخبرها جملة واقعة بعد (إذا) المفاجأة والفتح على أنهما معا مبتدأ محذوف الخبر ، أي : إذا عبوديته للقفا واللهازم ثابتة.

وتمام البيت :

وكنت (٢) أرى زيدا كما قيل (٣) سيدا

إذا أنه عبد القفا واللهازم

قوله : (أرى) على صيغة المجهول بمعنى (أظن) و (زيدا) مفعوله الثاني و (سيدا) مفعوله الثالث و (كما قيل) (٤) معترضة.

ومعنى كونه عبد القفا واللهازم : أنه لئيم يخدم (٥) قفاه ولهازمه ، أي : همته أن يأكل(٦) ليعظم قفاه ولهازمه.

واللهمزتان (٧) : عظمتان ناتئتان في الحيين تحت الأذنين ، جمعهما بإرادة ما فوق

__________________

(١) اللهزمة بكسر اللام والزاء حكة.

(٢) البيت للفرزدق وأرى مبينا للمفعول بمعنى أظن والقفا حلف الرأس واللهازم وجميع لهزمة بكسر اللام قال في الصحاح اللهزمتان عظمان نابتان في اللحيين تحت الأذنين والمراد بقوله عبد القفا واللهازم أنه لئيم. (س).

(٣) قوله : (كما قيل) : صفة محذوف أي : ظنا مثل ظن الناس ومعنى البيت كنت أظن زيدا حرا كريما ذا مروة فإذا هو لئيم حسيس بفعل بي كالاحباء من الناس كذا ذكره الشارح الغجدواني في شرح الأبيات قاله ابن الأبشير. (محرره).

(٤) قوله : (وكما قيل) جملة معترضة قائدتها تأييد أظن بقوله : (أنه غيره. (سيالكوني).

(٥) يعني يعبد ويخدم والقفا واللهازم بمعنى أن همته أن يكتسب ليأكل ويعظم قفاه ولهازمة. (وجيه).

(٦) قوله : (أن يأكل ليعظم قفاه) وهو غاية اللوم ولذا قيل : من كان همته ما يدخل في بطنه فقيمته ما يخرج من بطنه أو بإرادتها مع حواليها كما في قولك : جب مذاكيره وسائر مفارقه. (س).

(٧) جميع لهزمة بالكسر وهو أصل الحنكين قاله ابن الأثير في النهاية. (رضا).

٣٨٧

الواحد ، أو بإرادتهما مع حواليهما تغليبا (١).

(وشبهة) بالجر عطف على (إذا أنه عبد القفا ... إلخ).

أي مثل : (إذا أنه عبد القفا) ومثل : شبهه.

وما وجد ذلك في كثير من النسخ.

فمن جملة أشباههم قولهم : (أول ما أقول : أني أحمد الله) فإن جعلت (ما) موصولة أو موصوفة كان حاصل المعنى : أول مقولاتي (٢) ، تعيين الكسر ؛ لأن أول المقولات أني أحمد الله لا المعنى الصدري.

فإن المعنى المصدري أعني (٣) : الحمد : ، قول خاص وليس من جنس المقولات وإن جعلت (ما) مصدرية كان حاصل المعنى : أول أقوالي تعيين الفتح ؛ لأن أول الأقوال هو المعنى المصدري الذي هو معنى (أن) المفتوحة مع جملتها لا ما هو من جنس المقول.

(ول ذلك :) (٤) أي : لأجل أن (إن) المكسورة لا تغير معنى الجملة كان اسمها المنصوب في محل الرفع ؛ لأنها في حكم العدم (٥) ، إذ فائدتها التأكيد فقط (٦).

(جاز (٧) العطف على) محل (اسم إن) المكسورة من جهة أنه في محل الرفع

__________________

(١) فعلى هذا يكون اللهزمة بمعنى ما يطلق عليه اللهزمة عموما مجازا وهذا المعنى يصدق على اللهزمة وجوانبها فغلب اللهزمتان على جوانبهما وجمعتا. (وافية).

(٢) وإنما قال : (أول مقولاتي) بالجمع ؛ لأن لفظ ما يراد به الواحد والمتعدد ولفظ الأول يضاف إلى المتعدد. (وافية).

(٣) فيكون خبرا فقط عن المصدر بالمصدر ولا يكون الحمد بهذا اللفظ. (ك).

(٤) أشار إلى صدق تلك الدعوى أعني عدم تغير المكسورة وتغير المفتوحة بحكمهم بجواز العطف على اسم المكسورة بالرفع دول المفتوحة. (أيوبي).

(٥) فهو بمنزلة الباء في كفى بالله. (ك).

(٦) لا دخل لها في إفادة أصل المعنى. (سيالكوني).

(٧) قوله : (جاز العطف الظاهر) فجاز ليرتبط مما قبله وكأنه حفظ كتابة المتن وأعرض عن الربط واختلف عبارة النحاة جعل بعضهم المعطوف عليه اسم أن وبعضهم مجموع الاسم وكلمة أن ورجح المصنف الأول وتبعه الرضي وأوضحه فارجع إليه. (عصام).

٣٨٨

سواء (١) كانت المكسورة مكسورة (لفظا (٢) أو حكما بالرفع) بأن تكون المفتوحة في حكم المكسورة كما إذا وقعت بعد (العلم) مثل : (إن زيدا قائم (٣) وعمرو) و (علمت أن زيدا قائما وعمرو) ف : (أن) في هذا (٤) المثال وإن كانت مفتوحة لفظا فهي مكسورة حكما، حيث تكون مع ما عملت فيه جملة بتأويل الجملة (٥) ، فصح أن يرفع المعطوف على اسمها حملا على محله (دون (٦) (أن) المفتوحة) (٧) فإنه لم يجز العطف على محل اسمها بالرفع فإنها لما غيرت معنى الجملة لا يصح (٨) فرض عدمها.

(ويشترط) في العطف على اسم (إن) المكسورة بالرفع (مضي الخبر) (٩) أي ذكر(١٠) خبرها قبل المعطوف (لفظا) مثل : (إن زيدا قائم وعمرو) (أو تقديرا) مثل : (إن زيد وعمرو قائم) (١١) أي : زيد قائم وعمرو قائم ؛ لأنه لو لم يمض الخبر قبله لا لفظا ولا تقديرا لزم اجتماع عاملين على إعراب (١٢) واحد مثل : (إن زيد وعمرو ذاهبان) فإنه

__________________

(١) قوله : (سواء كانت مكسورة) إشارة إلى أن كلمة أو للتسوية لا لأحد الأمرين لا بيان لوجه التركيب. (حكيم).

(٢) حال من المكسورة رضي وقبل مفعول مطلق بتقدير الموصوف. (معرب).

(٣) جاز عطف عمرو في المثالين على اسم أن باعتبار محله الذي هو الابتداء. (أيوبي).

(٤) فإن هذا المثال بيان بأن يكون المفتوحة في حكم المكسورة أهم من اللفظية والحكمية ؛ لأن كلمة إن في المثال الثاني وإن كانت ... إلخ. (أيوبي).

(٥) قوله : (بتأويل الجملة) لأن أن في مثل أن زيد قائم مع اسمها وخبرها نائبة مناب المفعولين كان في الأصل جملة ولذا جاز دخول لام الابتداء بتأويل في المفعول الثاني فله حكم المكسورة بخلاف أعجبني أن زيد القائم فإنه لا يجوز لكونه في حكم المفعول من كل وجه لكونه فاعلا. (س).

(٦) حال من المكسورة أي : مجاوزا عن المكسورة وقيل ظرف لجاز. (رضي).

(٧) لأن اسم أن بمنزلة جزء الكلمة والعطف على جزء الجملة لا يجوز. (لمحرره).

(٨) قوله : (لا يصح فرض عدمها) فلا يكون لاسمها الرفع أصلا فلا يصح العطف بالرفع وفيه إشارة إلى بطلان مذهب من يجوز ذلك. حاشية ك.

(٩) يعني فالبصريون يشترطون معنى الخبر مطلقا سواء كان اسمها مظهرا أو مضمرا. (خبيصي).

(١٠) أي : الشرط أن يذكر خبر تلك المكسورة التي عطف على اسمها بالرفع. (محرم).

(١١) فإن قائم خبر أن زيدا : لكونه مفردا فإنه لو كان خبرا عنهما لكان تثنية حينئذ وإن كان مذكورا بعد المعطوف لفظا لكنه في التقدير مقدم عليه. (محرم).

(١٢) قال العامل في نصب لفظ زيد كلمة أن والعامل في محله الذي هو الرفع هو العامل المعنوي ـ

٣٨٩

لا شك بأنه (ذاهبان) خبر على كل من المعطوف والمعطوف عليه.

فمن حيث إنه خبر عن اسم (إن) يكون العامل في رفعه (إن) ومن حيث أنه خبر المعطوف على اسمه يكون العامل في رفعه الابتداء ، فيلزم اجتماع عاملين أعني (إن) والابتداء على رفعه وهو باطل (١) (خلافا للكوفيين) فإنهم لا يشترطون في صحة هذا العطف مضي الخبر. فإن (إن) عندهم لا تعمل إلا في الاسم ، والخبر مرفوع في الابتداء كما كان قبل دخول (إن) عليه. فلا يلزم اجتماع عاملين على إعراب واحد.

(ولا أثر (٢) لكونه) أي : لكون اسم (إن) (مبنيا (٣) على جواز العطف على محل اسم (إن) قبل مضي الخبر عند الجمهور ، فلا يجوز عندهم (إنك وزيد ذاهبان) (٤) كما أنه لا يجوز (إن زيدا وعمرو ذاهبان).

فإن (٥) المحذور المذكور مشترك بينهما (خلافا للمبرد والكسائي) فإنهما يجوزان في مثل : (إنك وزيد ذاهبان) العطف على محل اسم إن بلا مضي الخبر فإنه لما لم يظهر

__________________

ـ ولما كان خبر المعطوف والمعطوف عليه واحدا مرفوعا لزم أن يعمل في رفعه عاملان أحدهما العامل اللفظي والآخر العامل المعنوي. (عبد الله أفندي).

(١) قوله : (وهو باسل) لأنه كاجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد. (سيالكوني).

(٢) قوله : (ولا أثر لكونه) إشارة إلى بطلان قوله : الكسائي والمبرد فإنهما ذاهبان إلى أن المكسورة إذا كان اسمها مبنيا جاز العطف على محلها قبل معنى الخبر لفظا وحكما لاستعمال بعض العرب ذلك فأشار إلى بطلانه ؛ لأنه بقوله : (ولا أثر لكونه مبنيا) لأن المانع موجود هنا وعدم استعمال الفصحاء ذلك. متوسط.

ـ وهذا إشارة إلى عدم الفرق عند الجمهور وفي هذا الحكم بين كون اسم أن معربا أو مبينا يعني لا فائدة موجودة. (عبد الله).

(٣) قال الشيخ الرضي والكسائي مع باقي الكوفيين والفراء حاكم بين الفريقين فقال إن كان اسم أن غير معرب لفظا جاز العطف على محله ؛ لأن كون شيء واحد خبرا لاسمين مغايري الإعراب تغايرا ظاهرا مستنكر بخلاف كونه خبرا عن اسمين غير مخالفي الإعراب فإنه ليس بتلك المثابة من الاستنكار. (عصام).

(٤) لأنه لم يوجد فيه شرط الجواز وهو مضى الخبر مع كون اسم أن مبنيا فلا فائدة في بنائه لدفع الاشتراط وهذا محل الاختلاف في الجواز وعدمه. (عبد الله أيوبي).

(٥) إشارة إلى دليل الجمهور. (محرم).

٣٩٠

عمل (١) (إن) في اسمها بواسطة بنائه ، فكأنها لم تعمل فيه ، فلا يلزم المحذور (٢) المذكور.

(ولكن) في جواز العطف على محل اسمه (كذلك) أي : مثل (٣) : (إن) لأنه لا يغير معنى الجملة عما كانت عليه قبل دخوله.

فإن معناه الاشتراك ، وهو لا ينافي المعنى الأصلي ، كما أنه لا ينافيه التأكيد ، فيجوز (٤) اعتبار محل اسمه (٥) وعطف شيء عليه بالرفع مثل : (إن) المكسورة كما تقول : (لم يخرج زيد ولكن عمرا خارج وبكر) ولا يجوز في سائر الحروف المشبهة بالفعل العطف على محل اسمها لعدم بقاء المعنى الأصلي (٦) فيها ، فلا يعتبر محل (٧) اسمها.

(و) أيضا (لذلك) أي : لأجل أن (إن) المكسورة لا تغير معنى الجملة والمفتوحة تغيره (دخلت اللام) التي هي لتأكيد معنى الجملة (مع المكسورة) التي هي أيضا لذلك التأكيد (٨).

(دونها) أي : دون المفتوحة ، لكونها بمعنى المفرد ، فلا يجتمع معها ما هو لتأكيد

__________________

(١) وحاصله أنه لم يظهر عمل أن في اسمه لم يظهر عمله في خبره ؛ لأن أن لو عمل يعمل في اسمه ؛ لأنه أقرب من الخبر إليه ولا يعمل فيه فلا يعمل في خبره بالطريق الأولى ؛ لأن خبره أبعد من اسمه. (شرح).

(٢) وهو اجتماع عاملين وكان الجمهور لم يفرقوا في المحذور بين التأثير في اللفظ والتأثير في المحل وفرق بينهما. (أيوبي).

(٣) فيما تقدم من العطف على المحل بعد مضى الخبر لفظا أو تقديرا نحو : ما خرج زيد لكن أخاك خارج وعمرو.

(٤) أي : إذا لم تغير الجملة وبقى معناهما الأصلي في لكن كما بقى في أن يجوز ... إلخ.

(٥) الذي هو الابتداء قبل دخولهما كان مبتدأ مرفوعا فبقيت رايحنه بعد دخولهما. (أيوبي).

(٦) لأنها تغير معنى الجملة إلى الإنشاء فلا يمكن اعتبارها في حكم العدم. (سيالكوني).

(٧) ويجوز العطف على الضمير المستتر في الخبر في الجميع مع التأكيد أو الفصل بلا ضعف وبدونهما مع ضعف لكن زيدا منطلق هو وعمرو وليت زيدا قائم هو وعمر. (موشح).

(٨) أي : للتأكيد الذي استفيد من اللام وهو تأكيد معنى الجملة ولو لم تكن الجملة باقية على حالها لم يجز تأكيدها باللام ؛ لأن التأكيد فرع وجود المؤكد. (محرم).

٣٩١

معنى الجملة (على الخبر) (١) متعلق ب : (دخلت) اللام مع المكسورة على الخبر ، أي : على خبرها ، نحو :

(إن زيدا لقائم) (٢).

(أو) دخلت (على الاسم) أي : على اسمها (إذا فصل بينه) (٣) أي بين اسمها (وبينها) أي : بين إن نحو : إن في الدار لزيدا (أو) دخلت (على ما) وقع (بينهما) أي : بين اسمها وخبرها ، نحو : (إن زيدا لطعامك آكل).

وإنما (٤) خص دخول اللام بهذه الصور (٥) ؛ لأن فيما عداها يلزم توالي حرفي التأكيد والابتداء ـ اعني ـ (إن) المكسورة واللام ـ وهم كرهوا ذلك ، واختاروا (٦)

__________________

(١) المثبت المؤخر عن الاسم وإن كان بعيدا مفردا كان كقوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ)[النمل: ٧٣] أو جملة أسمية على أول جزئها على الأكثر كقول الشاعر أن الكرم لم يرجوه ذو وجده وفعلية مضارعية بغير حرف التنفيس مثل أن زيد ليقوم أو بعدها نحو : إن زيدا لسوف يقوم لشبه المضارع الاسم أو ماضية مقرونة بقد نحو : إنك لقد قمت لشبه الماضي بالمضارع أو غير متصرفة نحو : أن زيدا لنعم الرجل لاستلزام الإنشاء الحضور وشبه ما في المضارع دون النفي لاجتماع لامين في أكثره وكراهتهم ذلك طرد اللباب في الباقي والمقدم على الاسم لامتناع أن لعندك زيدا وأن نحوا لعندنا زيدا والماضي المتصرف بغير قد لبعد شبه الماضي بالمضارع حينئذ أي : التصرفة بغير قد. (خبيصي).

(٢) قوله : (أن زيد القائم) أشار وبذلك إلى إنها تدخل الخبر المتأخر كيلا يلزم توا إلى الحرفين فلا يجوزان لفي الدار زيدا وإنما لم يقيد بذلك ؛ لأن الأصل في الخبر التأخير.

(٣) وذلك لا يكون إلا بالظرف وهو خبران كالمثال المذكور أو بظرف متعلق بالخبر نحو : إن في الدار زيد القائم. (عبد الحكيم).

(٤) قوله : (وإنما اختص اللام بهذه الصور) يعني أن هذه اللام لام الابتداء المذكور في جواب القسيم وكان حقه أن يدخل أول الكلام ولكن لما كان معناها ومعنى أن سواء أعني التأكيد والتحقيق وكلاهما حرف ابتداء كرهوا اجتماعهما فأخروا اللام وجعلوا في هذه المواضع وصدوا إذا كان حرفا ؛ إذ هو ضعيف العمل. (وجيه الدين).

(٥) أي : دخولهما على الخبر في صورة تأخيره عن الاسم ودخولها على الاسم في صورة تقديم الخبر عليه للاحتراز عن توالى حرف التأكيد. (محرم).

(٦) قوله : (واختاروا تقييم أن) أي : رجحوا العامل في التقديم لشرف العامل على ما ليس بعامل أو لأن العامل يستحق التقديم على معمولة صرح الرضي بالثاني ويمكن أن يقال اختاروا تقديم أن لأنهم لو قدموا اللام لاوهم عملها وإلغاء أن. (عصام).

٣٩٢

تقديم (إنّ) دون اللام ترجيحا للعامل على ما ليس بعامل.

(و) دخول اللام (١) (في لكن) على اسمها أو خبرها أو على ما بينهما (ضعيف) لأنها وان لم تغير (٢) معنى الجملة لكن لا توافق اللام (٣) مثل : (إنّ) في معناه الذي هو التأكيد.

وقد جاء مع ضعفه في قول الشاعر :

ولكنني (٤) من حبّها لعميد (٥)

(وتخفف) (إنّ) (المكسورة) لثقل التشديد وكثرة الاستعمال (فيلزمها) (٦) بعد

__________________

(١) على مذهب الكوفيين اعتبارا لبقاء معنى الابتداء معها كبقاء معنى الابتداء مع أن واضحا يقول بعض العرب ولكنني من حبها لعبد. (موشح).

(٢) قوله : (وإن لم تغير) إشارة إلى استدلال الكوفيين حيث قالوا وجه الجواز أنها لا تغير معنى الابتداء كان ولذا جاز العطف على محل اسمها بالرفع ومن هذا ظهر وجه عدم مجامعتها باقي الحروف ؛ لأنها المعنى الجملة واللام تقتضي بقاء الجملة الخبرية. (س).

(٣) قوله : (لا توافق اللام) يعني كان حق اللام أن لا تجامع أن المكسورة لطلبها صدارتها لكن جوز ذلك لشدة مناسبتها لها ولكونهما بمعنى واحد لم تسقط صدارتها بخلاف لكن فإنها لا تناسبها فلم يفتقر معها سقوط صدارتها. (عبد الحكيم).

(٤) قوله : (ولكنني من حبها لعميد) في القاموس العميد الحزين الشديد الحزن وفي بعض الشروح ويقال فلان عميد أي : شديد المرض لا يقدر على القعود حتى يقعد بالوسائد وفي الرضي وما اشتدوه إما أن يكون لكن أنني فخفت بهمزة ونون وصار لكنني كما خفف : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي)[الكهف : ٣٨] اتفاقا منهم بحذف الهمزة أصله لكن أنا. (ك).

ـ واجب عنه لأن هذه اللام غير داخلة على خبر لكن بل هي داخلة على خبر أن ؛ لأن أصله لكن أنني. (وافية).

(٥) العميد من عمدة العشق إذا أثقله وقيل من انكسر قلبه بالمودة. (وجيه).

(٦) عطف على تخفف بإلغاء للإشارة على أن اللازم على تخفيفها يعني إذا تخفف يلزم. (محرم).

ـ فيلزمها اللام ذهب أبو علي إلى أنها غير لام الابتداء ؛ لأن ما بعد الفارق قد عمل فيما قبلها وبالعكس نحو : وان كنا عن عبادتك لغافلين ونحو قول الشاعر :

بالله ربك إن قتلت لمسلما

ـ أجاب عنه ابن مالك فإن رتبته التقديم فكأنه مقدم لفظا. (سيالكوني).

٣٩٣

التخفيف (اللام وحينئذ (١) يجوز إلغاؤها) أي : إبطال عملها ، وهو أحرف ، كما يجوز إعمالها على ما هو الأصل (٢) ، ولهذا لم يذكره صريحا.

واللام على كلا التقديرين لازم لها.

أما في الإلغاء فللفرق بين (٣) المخففة والنافية في مثل : (إن زيد قائم) و (إن زيد لقائم).

وأما في الأعمال فهي لطرد الباب ، ولأن كثيرا من الأسماء لا يظهر فيه إعراب لفظي لكون إعرابه تقديريا ، أو لكونه مبنيا (٤).

وهذا خلاف مذهب سيبويه وكافة النحاة ، فإنهم قالوا : عند الأعمال لا يلزمها اللام لحصول الفرق بالعمل (٥).

(ويجوز دخولها) (٦) أي : دخول (إن) المخففة (على فعل من أفعال المبتدأ) (٧)

__________________

(١) كقوله تعالى : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ)[يس : ٣٢] ، (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا)[الزخرف : ٣٥] ، و (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ)[الطارق : ٤] وإعمالها على أنه لاقتضائها لاسمين ، كقوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ)[هود : ١١١] في قراءة نافع ابن كثير. (خبيصي).

(٢) أي : لكون الغالب الإلغاء لم يذكر الأعمال صريحا ولم يقل ويجوز أعمالها بل أشير إليه في ضمن جواز الإلغاء والكوفيون يوجبون الإلغاء. (عصام).

(٣) ولم يعكس ؛ لأن لام الابتداء لكونها لتأكيد النسبة الثبوتية لا تجامع النفي ؛ لأنه لما حذف النون بالتخفيف كانت الزيادة في المخففة أولى لتكون كالعوض عن المحذوف. (سيالكوني).

(٤) كقوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)[النجم : ٤] فإنها نافية لعدم للام وقوله تعالى : (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)[آل عمران : ١٦٤] فإنها مخففة لدخول اللام. (أيوبي).

(٥) قال ابن مالك : وهو حسن يلزم اللام إن ضيف الالتباس بالنافية ، قال الرضي : فعلى قوله يلزم إذا كان معربا ، أو مبنيا مقصورا. (وجيه).

(٦) وحينئذ يجب إلغاؤها والأكثر كون الفعل ماضيا ناسخا نحو : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً)[البقرة : ١٤٣] ، (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ)[الإسراء : ٧٣]. (حكيم).

(٧) كقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ)[يوسف : ٣] وقوله : (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ)[المائدة: ٥٩] بخلاف سائر الأفعال لعدم اختصاصها بالجملة الاسمية. (موشح).

٣٩٤

أي : من الأفعال التي هي من دواخل المبتدأ والخبر ، لا غير (١) مثل : كان ، وظن ، وأخواتهما ؛ لأن الأصل دخولهما عليهما ، فإذا فات ذلك اشترط ألا يفوت دخولهما على ما يقتضي المبتدأ والخبر ، رعاية للأصل بحسب الإنسان كقوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) [البقرة : ١٤٣] و (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) [الشعراء : ١٨٦].

(خلافا للكوفيين) في التعميم (٢) ، أي : تعميم الدخول وعدم تخصيصه بدواخل المبتدأ والخبر ، لا أصل الدخول على الفعل ، فإنه متفق عليه.

فالكوفيون خالفوا البصريين في تجويز دخولها على غير دواخلهما متمسكين ، يقول الشاعر :

بالله (٣) ربك إن قتلت لمسلما

وجبت عليك عقوبة المتعمد (٤)

وهو شاذ عند البصريين.

(وتخفف المفتوحة كالمكسورة) (٥) فتعمل (٦) عند التخفيف على سبيل الوجوب (في ضمير شأن مقدر) والسبب في تقديره أن مشابهة المفتوحة بالفعل أكثر من مشابهته

__________________

(١) قوله : (لا غير) إنما ترك المصنف هذا القيد ؛ لأنه يفهم من قوله : (خلافا للكوفيين في التعميم). (وجيه الدين).

(٢) إشارة إلى محل الخلاف وهو تعميم الدخول والتخصيص. (أيوبي).

(٣) قوله : (بالله ربك) الخطاب لعمرو بن جرمون قاتل الزبير ابن عوام رضي‌الله‌عنه وعقوبة المتعمدان يقتل قصاصها والمعنى أنك يا عمرو قتلت مسلما وجب عليك عقوبة المتعمد. (وجيه الدين).

(٤) اعلم أن الكوفيين أنكروا أن المخففة وقالوا أنها نافية والمعنى اللازمة لها بمعنى إلا ورده البصريون بأن اللام لم يجيء بمعنى إلا وألا لجاز جاء في القوم لزيد وتعقبه الرضي بأنه يجوز اختصاصها بعض الأشياء ببعض المواضع كاختصاص لما بالاستثناء بعد النفي أو معنى النفي ونحن نقول يبطل إنكار إن المخففة أعمالها في قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ)[هود : ١١١] كما بطل أفكارهم عملها. (عصام).

(٥) شبه تخفيف المفتوحة بالمكسورة في الكثرة أو في كونه مقتضى كثير الاستعمال والثقل. (عصام).

(٦) قوله : (فتعمل) إشارة إلى محل الفرق بين المكسورة والمفتوحة. (أيوبي).

ـ ويشترط أن يكون خبرها جملة ولا يجوز إفراده إلى إذا ذكر الاسم فيجوز الأمران. مغني.

٣٩٥

المكسورة به ، كما سبق (١) وأعمال (٢) المكسورة ، بعد تخفيفها في سعة الكلام واقع ، كقوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) [هود : ١١١](٣) وأعمال المفتوحة بعد تخفيفها لم يقع في سعة الكلام ، ويلزم منه بحسب (٤) الظاهر ترجيح الأضعف على الأقوى وذلك غير جائز فقدروا (٥) ضمير الشأن حتى يكون اسما للمفتوحة بعد تخفيفها والجملة المفسرة لضمير الشأن خبر لها ، فتكون عامية في المبتدأ والخبر كما كانت في الأصل.

فهي لا تزال عاملة بخلاف المكسورة فإنها قد تكون عاملة وقد لا تكون.

والعمل في الظاهر وأن كان أقوى من العمل في المقدر لكن دوام العمل في المقدر يقاوم العمل في الظاهر (٦) في وقت دون وقت ، فلا يلزم ترجيح الأضعف على الأقوى.

(فتدخل) أي : المفتحة (على الجمل) الصالحة ؛ لأن تكون مفسرة لضمير الشأن

__________________

(١) شروع في دليل آخر على أيجاب عمل المفتوحة وهو أن عمل المكسورة. (عبد الله أفندي).

(٢) في بحث ضمير الشأن من كونه عاملة ومعمولة بخلاف المكسورة.

ـ قوله : (كما سبق) في بحث ضمير الشأن لكن المذكور فيه أن المفتوحة أقوى مشابهة من المكسورة ولم يذكر فيه دليله فالحوالة لا طائل تحتها. أقول : ذكره ضمنان مشابهة المفتوحة بالفعل زائدة بوجه آخر على المكسورة وهو كون أول حرفه مبنيا على الفتح كالفعل حتى لم يفرق من الفعل في بعض المواضع. س.

(٣) لام (ليوفينهم) جواب القسم ولام لما اللام الفارقة زيدت ما بعدها دفعا لكراهة اجتماع اللامين والكوفيون النصب بفعل يفسره (ليوفينهم) وبه قال الفراء ورد بأن اللام لا يعرف في كلامهم بمعنى إلا. (عبد الحكيم).

(٤) وأما بحسب الحقيقة فلا ترجيح للأضعف على الأقوى ؛ لأن الأقوى مغير للمعنى دو الأخف. (سيالكوني).

(٥) قوله : (فقدروا ضمير الشأن) لأنه يجب تقدير المعمول تكون جملة بعد تقديره كما كانت قبلة وما ذلك إلا ضمير الشأن وقيل لا يلزم كون اسمها ضمير الشأن وقدر سيبويه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنك. (وجيه).

(٦) فترجيح المفتوحة بدوام العمل على المكسورة التي ليست بتلك القوة ؛ إذ دوام العمل في كل وقت يرجح على العمل في وقت دون وقت. (عبد الله).

(٧) مصدر بمبتدأ كما في التنزيل : (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)[يونس : ١٠] أو مصدره ـ

٣٩٦

(مطلقا) سواء كانت اسمية (١) أو فعلية داخلا فعلها على المبتدأ والخبر أو غير الداخل.

(وشذ إعمالها) أي : إعمال المفتوحة المخففة (في غيره) أي : في غير الضمير الشأن ، لكنة قد حكى بعض أهل اللغة إعمالها في المضمر وفي السعة نحو قولهم : (أظن أنك قائما) و (أحسب أنه ذاهب).

وهذه رواية شاذة غير معروفة.

وأما في الضرورة فجاء في المضمر فقط.

قال الشاعر :

فلو أنك في (٢) يوم الرخاء سألتني

فراقك لم أبخل وأنت صديق

(ويلزمها أي : المفتوحة المخففة حال كونها مقرونة (مع الفعل) (٣) أي : الفعل

__________________

ـ بحرف النفي نحو : (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[هود : ١٤] أو فعلية دعائية كقوله تعالى:(وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها)[النور : ٩] متصرفة كقوله تعالى : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ)[الأعراف : ٨٥] أو مقدرة بقد كقوله تعالى : (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا)[المائدة : ١٣] أو بلو كقوله تعالى : (تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ)[سبأ : ١٤] أو يحرف تنفيس كقوله تعالى :(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ)[المومل : ٢٠] أو نفى كقوله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً)[طه : ٨٩] ، و (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ)[القيامة : ٣]. (خبيصي).

(١) قوله : (فلو إنك) بفتح الكاف وسكون النون وعن ابن الأنباري أنه نقل عن الفراء الكسر يصف نفسه بالموافقة لحبيبة فيقول لو إنك في يوم الرخاء والسعة والزمان الذي لا يوجب الفرقة سألتني أن أفارقك لم أبخل بذلك أو طلبت رضاك وأنت صديق محبوب. (سيالكوني).

ـ قال صاحب الكشف الوافية المضمران الكاف والتاء المكسورة على أنه يخاطب امرأة يعني فراقك على أشد من كل شديد ووصلك إلى أحب من كل محبوب ومع ذلك لم أبخل مما سألتني حتى سألتني فراقك لا حبيبته وذلك مبالغة في ارتضائه أياها. جلبي.

(٢) وإنما اشترط أن يكون مع فعلها أحد هذه الحروف لئلا يلتبس بالناصبة نحو : علمت أن قد خرج وأن سيخرج وأن سوف يخرج وأن لا يخرج وكان مقتضى القياس أن يشترط مع حرف النفي ما يدل على أنها غير ناصبة ؛ إذ جرف النفي قد يكون مع الناصبة نحو : أريد إن لا يخرج ومع المخففة نحو : عملت أن لا يقوم زيد لكن لم يمكنهم الإتيان معها بقد للإثبات فلا يجتمع مع حرف النفي ولا بالسين وسوف ؛ إذ لا يجتمع حرفا استقبال فاستغنوا بحرف النفي عنها نظرا إلى الأصل وهو أن لا في الأصل موضوع للنفي المستقبل كان وهذا الغدر لو لم يجتمع أن الناصبة مع لا في النفي لكنها قد جاءت معها والاعتذار.

(٣) قوله : (للفرق بين المخففة) لوقوع الالتباس بينهما أما لفظا فظاهر وأما معنى فلكونهما ـ

٣٩٧

المتصرف ، بخلاف غير المتصرف ، مثل : (أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم :٣٩]، و (أَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) [الأعراف : ١٨٥].

(السين) نحو : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٢٠].

(أو سوف) كقول الشاعر :

واعلم فعلم المرء ينفعه

أن سوف يأتي كل ما قدرا

(أو قد) نحو : (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) [الجن : ٢٨].

ولزوم هذه الأمور الثلاثة للفرق (١) بين المخففة وبين (أن) المصدرية الناصبة ، وليكون كالعوض من النون المحذوفة.

(أو حرف النفي) نحو : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) [طه : ٨٩].

وليس لزوم حرف النفي إلا ليكون كالعوض من النون المحذوفة.

فإنه لا يحصل بمجرده الفرق بين المخففة والمصدرية ، فإنه يجتمع مع كل منهما.

فالفارق بينهما ، إما من حيث المعنى ؛ لأنه إن عني به الاستقبال فهي (٢) المخففة وإلا فهي المصدرية.

وإما من حيث اللفظ ؛ لأنه إن كان الفعل المنفي منصوبا فهي مصدرية وإلا فهي (٣) مخففة.

__________________

ـ حرفي المصدر وإنما حصل الفرق ؛ لأن المصدرية لا تجتمع بهذه الأمور أما لفظا فلعدم جواز الفصل بينها وبين معمولها لضعفها في العمل وأما معنى فلان حروف التنفيس مخلصة للفعل إلى الاستقبال فلذا لا تجامع الناصبة مع الفعل لأنها أيضا مخلصة له فيلزم الاستدراك وأما قد فلا يصحب فعلا دخل عليه ما يجعله مستقبلا وأما حرف النفي فزيادة مضادة مع تلك الحروف الثلاثة ولذا يجمع بينهما وبما ظهر وجه تخصيص اختيار هذه الحروف للفرق مع أن الفرق يحصل بمجرد الفصل. (حكيم).

(١) هكذا في النسخ التي رأيناها والصواب إن عنى به الاستقبال فهي المصدرية وإلا فهي المخففة ؛ لأن المصدرية يخصص المضارع للاستقبال دو المخففة. (سيالكوني).

(٢) أي : وأن لم يكن منصوبا بل مرفوعا كقوله تعالى : (أَلَّا يَرْجِعُ) فخففه. (محرره).

(٣) وقال الزجاج كأن للتشبيه إذا كان الخبر جامدا وللشك إذا كان مشتقا نحو : كأنك قائم أو ـ

٣٩٨

(وكأن للتشبيه) (١) أي : لإنشائه (٢).

وهي حرف برأسه على الصحيح حملا على أخواتها ، ولأن الأصل عدم التركيب ومذهب (٣) الخليل إنها مركبة من الكاف و (إن) المكسورة وأصل (كأن زيدا الأسد) : إن زيدا كالأسد ، قدمت الكاف ليعلم إنشاء التشبيه من أول الأمر.

وفتحت الهمزة ؛ لأن الكاف في الأصل جارة ، وإن خرجت عن حكم الجارة.

والجارة إنما تدخل على المفرد ، فراعوا الصورة ، وفتحوا الهمزة ، وإن كان المعنى على الكسر.

(وتخفف) أي : كأن (فتلقى) عن العمل (على) الاستعمال (الأفصح) لخروجها عن المشابهة لفوات فتحة الآخر ، كقول الشاعر :

ونحر (٤) مشرق اللون كأن ثدياه (٥) حقان

__________________

ـ تقوم ؛ لأن الخبر ح هو الاسم ولا يجوز تشبيه الشيء بنفسه والجواب أن الخبر ليس عبارة عن الاسم ؛ لأن المعنى كأنك رجل قائم إلا أنه لما حذف الموصوف وأقيم الصفة مقامه وجعل الاسم بسبب التشبيه كأنه الخبر صار الضمير في الصفة عائدا إلى الاسم لا الموصوف فيقال كأنك تقوم بخطاب تقوم وإن كان في الأصل كأنك رجل يقوم بالغيب. سيد عبد الله.

(١) قوله : (لإنشائه) وهو الغالب عليها والمتفق عليه وزعم ابن سيدة أنه لا يكون إلا إذا كان خبرها جامدا بخلاف كأن زيدا قائم أو في الدار أو يقوم فإنها في ذلك كلمة الظن ؛ لأن الخبر في المعنى هو الاسم والشيء لا يشبه بنفسه ولذا لا يقال كأني المسيء. سيالكوني.

(٢) قوله : (ومذهب الخليل) فهي عنده للتشبيه والتأكيد ، في المغني : أنه مذهب الأكثر ، حتى قيل : إنه كالمجمع عليه. (حكيم).

(٣) أوله وصدر تشرق النحر على ما في الرضي ووجه مشرق النحر على ما في شرح التسهيل وبحر مشرق اللون على ما في شرح لب الألباب. (محرره).

ـ قوله : (ونحر مشرق اللون) والواو وبمعنى رب والنحر بفتح النون وسكون الحاء المهملة الصدر وهو معروف وقوله : (مشرق اللون من قوله : (م أشرق وجهه إلى أضاء وتلألأ والثدي يذكر ويؤنث وهو المرأة والرجل أيضا والجمع أثد وثدى وامرأة ثدياء أي : عظيمة الثديين والحقتان تثنية حقة بضم الحاء المهملة وهي مصدرة وإنما حذفت التاء من الختان والأصل حقتان تاء التأنيث لضرورة الشعر. شرح الأبيات.

(٤) والقياس أن يقال حقتان ؛ لأن تاء التأنيث لا تحذف من تثنية إلا في خصيان وإليان إلا أنه حذف مهنا للضرورة. حسن حلبي.

(٥) ولما كانت كأنه في صورة المفتوحة وقد عرفت حال المخففة المفتوحة بأنها لا تعمل في ـ

٣٩٩

وإن أعملتها قلت : كأن ثدييه ، لكنه على الاستعمال الغير الأفصح ، لما عرفت.

وإذا لم (١) تعملها لفظا ففيها ضمير شأن مقدر عندهم ، كما في (إن) المخففة.

ويجوز (٢) أن يقال : غير مقدر بعدها الضمير ، لعدم (٣) الداعي إليه كما كان في (أن) المخففة.

(ولكن) وهي عند البصريين مفردة.

وقال الكوفيون (٤) : هي مركبة من (لا وإن) المكسورة المصدرة بالكاف الزائدة وأصله (لا كإن) فنقلت كسرة الهمزة إلى الكاف وحذفت الهمزة.

فكلمة (لا) تفيد أن ما بعدها ليس كما قبلها ، بل هو مخالف لها نفيا وإثباتا. وكلمة (٥) (إن) تفيد مضمون ما بعدها.

(الاستدراك)

ومعنى الاستدراك (٦) ، رفع توهم يتولد من كلام متقدم

فإذا قلت : (جاءني زيد) فكأنه توهم أن عمرا أيضا جاءك ، لما بينهما من الإلفة.

__________________

ـ الظاهر أبدا بعد تخفيفها مع أنها لا تنفك عن العمل اضطروا أن يجعلوها عاملة في ضمير الشأن المقدر لئلا يفوت عن العمل فراعوا تلك القاعدة في كأن كذلك وإليه أشار بقوله : (وإذا لم تعملها). (أيوبي).

(١) قوله : (ويجوز أن يقال) وهو الموافق لعبارة المتن هنا حيث قال هاهنا وتخفف فتعمل في ضمير شأن مقدر وهنا ويخفف فتلغى على الأفصح ولعبارته في بحث ضمير الشأن حيث قال وحذفه منصوبا ضعيف إلا مع أن إذا خفف. (عصام).

(٢) وهو عدم لزوم ترجيح الأضعف على الأقوى كما يلزم في أن المخففة المفتوحة. (لمحرره).

(٣) ولا يخفى أثر التكلف فيما قالوه وفيه نقل الحركة المتحركة والاسم عدم التركيب. (رضي).

(٤) قوله : (وكلمة أن تحقق) والمقام مقام التأكيد والتحقيق ؛ لأن السابق أوهم خلاف مضمون الجملة فالسامع اعتقد خلافه أو تردد فيه. (عصام).

(٥) وفي الصراح الاستدراك تدارك ما فات فليس السين للطلب وفي الحواشي الهندية أي : لطلب درك السامع لدفع ما عسى أن يتوهم فجعل السين للطلب وعلى التقديرين نقل في الصرف من معنى العام إلى الخاص. (سيالكوني).

(٦) ولما فرغ من بيان معناه شرع في بيان مواضع استعماله فقال يتوسط. (محرم).

٤٠٠