شرح ملّا جامي - ج ٢

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ٢

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢

وفي المصدرية أولا (١) الحدث الدال عليه لفظ المصدر (٢).

ويحتمل أن يكون المثال الثاني بتقدير : كم رجلا أو رجل ضربت فعلى هذا التقدير يكون : (كم) منصوبا على المفعولية.

(الظروف) (٣)

أيك الظروف المعدودة من المبنيات المعبر عنها عند تعدادها ببعض الظروف فلا حاجة (٤) إلى ذكر البعض ههنا.

(ومنها) أي : من تلك الظروف (ما) (٥) أي : ظرف (قطع عن الإضافة) بحذف المضاف إليه عن اللفظ دون النية فإنه عند نسيانه أعرب مع التنوين نحو : (رب بعد خيرا من قبل).

وسميت (٦) الظروف المقطوعة عن الإضافة غايات ؛ لأن غاية الكلام كانت ما أضيفت (٧).

__________________

ـ لا يقبل التعدد بل هو واحد ممتد من وقت وجود الفعل على انقضائه وما لا يقبل التعدد يلغو السؤال عن عدده بخلاف الزمان الذي هو مدلول هذه الألفاظ ؛ لأن تكرر الضرب يقتضي تعدد أزمنة. (عبد الله).

(١) وليس جزء الفعل ؛ لأنه للجنس فلا يقبل النوعية والعدد بل المراد الحدث الدال عليه اه.

(٢) لأنه قابل للعدد والنوع وهذا التوجيهان في إعراب كم إذا قدر المميز بالمرة أو بالضربة.

(٣) مبتدأ وقوله : منها ظرف مستقر وقع خبرا ويحتمل أن يكون الموصول أو الموصوف فاعل الظرف أو مبتدأ مقدما للخبر والجملة خبر المبتدأ. (هندي).

(٤) قوله : (فلا حاجة) إلى يعنى حذف البعض ؛ لأن اللام يغنى غناء فيكون ذكره ذكر لما لا حاجة إليه ولك أن تقول : حذف إزالة لايهام كون بعض الظروف اسما كاسم الإشارة.

(٥) قوله : (ما أي ظرف) بل ظروف على ما هو الظاهر ؛ لأنه ما قطع عين الإضافة أمور كثيرة ولا يجوز أن يراد بكلمة ما أعم من الظروف وغيره ليدخل فيه ما جرى مجراه كما قيل : ؛ لأن كلمة من للتبعض أي : بعض الظروف المبنية ما قطع ولا يخفى أن ما أجرى مجراه ليس بعضا منها. (وجيه الدين).

(٦) ولما كان وجه التسمية لتلك الظروف بالظروف المقطوعة ظاهرا وعبر عنها بالغايات أيضا أراد الشارح أن يبين وجه التسمية بالغايات. (محرم).

(٧) قوله : (لأن غاية الكلام ... إلخ) ؛ لأن غاية الكلام في كل أمر نسبي يجب أن يكون ـ

١٠١

هي إليه ، فلما حذف صرن غايات (١) ينتهي بها الكلام.

وإنما بنيت لتضمنها معنى حرف الإضافة أو (٢) شبهها بالحروف في الاحتياج (٣) إلى المضاف إليه.

واختير الضم (٤) لخبر النقصان.

(ك ـ (قبل ، بعد) وما أشبههما من الظروف (٥) المسموع قطعها عن الإضافة مثل: (تحت وفوق وقدام ووراء) (٦) ولا يقاس عليها ما بمعناها.

ويجوز في هذه الظروف على قلة أن يعوض التنوين من المضاف إليه فتعرب.

قال الشاعر :

فساغ (٧) لي الشراب وكنت قبلا أكاد أغصّ بالماء الفرات

__________________

ـ المنسوب إليه أو غاية الكلام فيما قصد إضافته يجب أن يكون المضاف إليه. (عصام).

(١) وأما ما عوض فيه عن المضاف إليه ككل وبعض وإذ فالغايات هو المضاف إليه بعد ؛ لأنه لوجود العوض كأنه مذكور والغاية العوض. (عصام).

(٢) وفي بعض النسخ بواو والأولى بواو ؛ لأنه دليل آخر لسبب بنائها والتقدير أما لتضمنها معنى اللام الذي هو الأصل في الإضافة أو لمشابهة تلك الغايات بالحروف آه. (محرم).

(٣) فإن قيل : هذا الاحتياج حاصل لها مع وجود ما يحتاج المضاف إليه فلا نسيت معه كالأسماء الموصولة بشيء وهو وجود ما يحتاج إليه من صلتها قبل ظهور الإضافة فيها ترجح جانب اسميتها لاختصاصها بالأسماء والأصل في الأسماء الإعراب وأما حيث وإذا فإنهما وإن كانت مضافة إلى الجملة الموجودة بعدها إلا أن إضافتهما ليست بظاهرة إذا الإضافة في الحقيقة إلى مصادر تلك الجمل فكان المضاف إليه محذوف ولما أبدل في بعض وكل التنوين في المضاف إليه لم يبنيا إذ المضاف إليه كأنه ثابت بثبوت بدله.

(٤) لأنه لا يمكن فيه النقصان بخلاف المضاف إليه فجبر ذلك النقصان بالضم ؛ لأنه أقوى الحركات. (حاشية).

(٥) وهو ما ضبطه الرضى مع ما ذكر أمام وأسفل ودون وأول ومن غل ومن علو على وزن من قبل دون ما هو مفهوم الأول وقوله : (ولا يقاس عليها ما بمعناها) يريد فضلا عما ليس بمعناها. (عصام).

(٦) لوجود نائب المضاف إليه في اللفظ فعلى هذا لا يستقيم إطلاق قوله : ما قطع عن الإضافة. (خ).

(٧) قوله : (فساغ إلى الشراب) قصة هذا أنه قتل قريب هذا الشاعر فصار من الغم والقصة بحيث ـ

١٠٢

فلا (١) فرق بين ما أعرب من هذه الظروف المقطوعة وبين ما بني منها. وقال بعضهم بل إنما أعربت لعدم تضمنها معنى الإضافة فمعنى (كنت قبلا) أي : قديما.

وقال الشارح الرضي والأول هو الحق.

(وأجرى مجراه) (٢) أي : مجرى الظرف المقطوع عن الإضافة (لا (٣) غير وليس غير)(٤) في حذف المضاف إليه والبناء على الضم وإن لم يكن (غير) من الظروف لشبههه بالغايات لشدة الإبهام الذي فيه (٥) كما كان فيها.

ولا يحذف منه المضاف إليه إلا بعد (لا وليس) نحو : (افعل هذا لا غير) و (جاءني زيد ليس (٦) غير) لكثرة استعمال (غير) بعدهما.

(و) كذلك أجرى مجرى الظروف (حسب) لشبهها ب : (غير) في كثرة الاستعمال وعدم تعرفها (٧) بالإضافة.

__________________

ـ لا يجرى الطعام والشراب في خلقه فتمكن من القصاص فقتل قاتلة فزال عنه الغم وأنشد هذا البيت ساغ أي سهل مدخله الغصص بقاء اللقمة والفرات الماء العذب. (وجيه الدين).

(١) دفع للاعتراض الوارد على هذه القاعدة بأنه لا نسلم أن يكون قوله : قبلا مما عوض فيه التنوين عن المضاف إليه فلم لا يجوز أن يكون من قبيل ما حذف فيه المضاف إليه لفظا ونية فيكون من قبيل رب بعد كان خيرا من قبل كما تقدم فدفعه الشارح بإبطال السند بأن يقول هذا ليس من قبيل ذلك لأنه لا فرق في حذف المضاف إليه لفظا لا نية. (عبد الله أفندي).

(٢) وقوله : (وأجري) يدل على أنها ليست من الظروف لكنها لما أشبهت الظروف لشدة إبهامها لكثرة عوملت عاملتها. (عوض).

(٣) قوله : (لا) عطف وغير مبني على الضم مرفوع المحل وعند الرضى لا لنفي الجنس وغير مبني على الضم منصوب المحل اسم لا وخبره محذوف أي : جاء. (معرب).

(٤) مثلا جاءني زيد ليس غير وليس فعل ناقص وغير مبني على الضم مرفوع المحل اسمه وخبره محذوف أي جائيا هذا عند الزجاج وعند المبرد اسم ليس فيه راجع إلى الجائي وغير منصوب المحل خبره. (موشح).

(٥) أي في لفظ غير كما في الظروف المذكورة لكونها جهات غير مخصورة أما شدة الإبهام فيه فلأن صفة الغيرية لا يختص بذات دون ذات. (وجيه الدين).

(٦) في محل النصب عند المبرد أي : ليس الجائي غير زيد وفي محل الرفع عند الزجاج أي : ليس غير زيد جائيا. (حسن).

(٧) الأعجب أن يقال أن حسب بمعنى لا غير ؛ إذ لا فرق بين أن يقال جاءني زيد فحسب وبين ـ

١٠٣

(ومنها) أي : من الظروف المبنية (حيث) (١) للمكان (٢).

وقال الأخفش : قد يستعمل للزمان (٣) (ولا يضاف إلا إلى جملة (٤) (اسمية كانت أو فعلية (في الأكثر) أي : في أكثر الاستعمالات.

وقد جاء :

أما ترى حيث سهيل طالعا

ف : (حيث) فيه مضاف إلى مفرد (٥) وهو (سهيل) مفعول (٦) (ترى) (٧) أي : أما ترى مكان سهيل طالعا.

__________________

ـ أن يقال جاءني زيد لا غير والغفلة عن هذا الوجه أعجب وليت شعري أنه لو لم يجعل حسب مناسبا للغايات في الإبهام ؛ لأنه لإبهام لا يتعرف كغير. (حاشية).

(١) قوله : (حيث للمكان) وقد يفتح للخفة ويكسر لالتقاء الساكنين في الصحاح وكلمة حيث تدل على المكان ؛ لأنه ظرف في الأمكنة بمنزلة حين في الأزمنة وحوث لغة في حيث. (عبد الحكيم).

(٢) يعنى فيه النسبة فمعنى قولك : اجلس حيث زيد جالس اجلس مكان جلوس زيد. (عافية).

(٣) كالمميز كما في وقه للفتى عقل يعيش به حيث تلدى ساقه قدمه في الصحاح هو آه أن تقدمه واستشهد بهذا البيت وقوله : للفتى خير عقل أي : للفتى عقل يعيش به مدة حياته وفي الرضى ولا يمتنع حمله على المكان أي : حيث مشى.

ـ وقد يجرد عن الظرفية كقول الشاعر ان حيث استقر من أنت.

(٤) لاستلزام وضعها ذلك لكونها موضوعة لمكان تقع فيه النسبة والنسبة بالأصالة لا توجد إلا في الجملة.

(٥) وكل ظرف إذا أضيف إلى الماضي يكون مبنيا على الفتح وإذا أضيف إلى المضارع فقد اختلفوا في أنه مبني على الفتح أو معرب فالأصح أنه معرب. (مظهر).

(٦) مفعول ترى فعلى هذا يكون حيث مفعولا به كما صرح بعضهم أن حيث ليست بلازم الظرفية فإنها في البيت مفعول به لترى أن مكان سهيل كما في قوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)[الأنعام : ١٢٤] ، هذا بناء على أن نجم بالجر كما ذكره الشارح بدلا من سهيل ولا يجوز أن يكون حث هنا ظرفا لفساد المعنى والظاهر أن حيث باق على الظرفية ونجما بالنصب مفعول ترى كما قال بعض شارحي الأبيات وطالعا حال من سهيل والمعنى يقول الشاعر لأحد أما ترى في مكان سهيل حال كونه طالعا نجما ساقطا يضيء كالشهاب. (وجيه الدين).

(٧) قوله : (ترى) من رؤية البصر فيقتضي مفعولا واحدا وهو طالعا وقوله : حيث ظرف ترى وبعضهم ذهب إلى أنه مفعول به لترى. (ح).

١٠٤

آخره :

 ...........

نجما يضيئ كالشهاب ساطعا

وإنما بنيت على الضم كالغايات ؛ لأنها غالبة الإضافة إلى الجملة والمضاف إلى الجملة في الحقيقة مضاف إلى المصدر الذي تضمنته الجملة.

فهي وإن كانت في الظاهر مضافة إلى الجملة فإضافتها إليها كلا إضافة فشابهت الغايات المحذوف ما أضيفت إليه فبنيت على الضم مثلها. ومع الإضافة إلى المفرد يعربه بعضهم لزوال علة البناء أي : الإضافة إلى الجملة والأشهر بقاؤه على بنائه لشذوذ (١) الإضافة (٢) إلى المفرد.

(ومنها) أي : من الظروف المبنية (إذا) زمانية كانت أو مكانية (٣).

وإنما بنيت لما ذكرنا (٤) في (حيث) وهي إذا كانت (٥) زمانية (للمستقبل) (٦) أي : للزمان المستقبل ، وإن كانت داخلة على الماضي ، وذلك ؛ لأن الأصل في استعمالها أن تكون لزمان من أزمنة المستقبل مختص من بينها بوقوع حدث فيه مقطوع بوقوعه في اعتقاد المتكلم.

__________________

(١) ولذا يرفع بعضهم سهيل على أنه مبتدأ محذوف الخبر أي : حيث سهيل موجود وترك إضافة مطلقا أشذ. (عبد الحكيم).

(٢) واعلم أن الظرف إذا دخل عليه الحروف الجر صار اسما صريحا نحو من قبلهم. (مفسر فوائد السرية).

(٣) وهي التي للمفاجأة عند المبرد وإذا الشرطية لا تكون إلا زمانية وأما التي لا تكون ظرفا أصلا ففي ثبوتها اختلاف كما يجيء ولذا لم يقل أو لا يكون الشيء منها. (سيلكوني).

(٤) قوله : (لما ذكرنا في حيث) في الرضي وأما إذا ففيها خلاف هل هي مضافة إلى الشرط أو لا انتهى فالدليل المذكور في حيث إنما يجري على مذهب من قال بإضافتها إلى الشرط وأنها ظرف للجزاء كما هو المشهور وأما على قوله : من بأنها معطوفة عنها والعامل فيها الشرط فلا يجري والأولى ما قاله الشيخ ابن الحاجب إنما بنيت حيث وإذ وإذا ؛ لأنها موضوعة لمكان حدث تتضمنه الجملة أو زمانه فشابهت الموصولات في احتياجها إلى الجملة. (عبد الحكيم).

(٥) إشارة إلى أن قوله : للمستقبل خبر مبتدأ محذوف مع تقدير العاطف بقرينة كونه حكما. (حاشية).

(٦) أي : وضعت لزمان وقوع الفعل في المستقبل سواء كانت داخلة على الماضي أو على المضارع. (عافية).

١٠٥

والدليل عليه استعمالها في الأغلب الأكثرية في هذا المعنى ، نحو : (إذا طلعت الشمس) (١) وقوله تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [التكوير : ١](٢) ولهذا كثر في الكتاب العزيز استعماله لقطع علام الغيوب بالأمور المتوقعة.

وقد استعمل في الماضي (٣) كما في قوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) [الكهف : ٩٣](٤) و (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) [الكهف : ٩٦] و (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) [الكهف : ٩٦].

(وفيها) أي : في (إذا (معنى الشرط) (٥) وهو ترتيب مضمون جملة على أخرى فتضمنت معنى حرف الشرط فهذا علة أخرى لبنائها (ولذلك) أي : لكون معنى الشرط فيها (أختير) أي جعل مختارا (بعدها الفعل) (٦) لمناسبة الفعل الشرط.

وجوز الاسم أيضا على الوجه الغير المختار لعدم تأصلها في الشرط مثل : (إن ولو)

(وقد تكون) أي : (إذا) (للمفاجأة) (٧) مجردة عن معنى الشرط يقال : فاجأ الأمر

__________________

(١) مثلا إذا طلعت الشمس ههنا لزمان من أزمنة المستقبل من بينها بوقوع فيه أي : بوقوع طلوع الشمس فيه مجزوم بوقوعة في اعتقاده. (وافية).

(٢) أي : لفت بمعنى رفعت من كورت العمامة إذا لفتها بمعنى رفعت ؛ لأن الثوب إذا أريد رفعه لف أو لف ثوبها فذهب انبساط الأفاق وزال أثره أو ألقت عن فلكها.

(٣) لخروجها عن الظرفية كما ذهب إليه ابن مالك وأما لبقائها كما ذهب إليه أبو البقاء. (رضا).

(٤) أي : بين جبلين المبني بينهما سده وهما جبلا أرمنية وأزربيجان وقيل جبلان في أخر الشمال في منقطع أرض الترك متبقان من ورائهما يأجوج ومأجوج. (بيضاوي).

(٥) قوله : (وفيها معنى الشرط) خبر الأسلوب اللاحق والسابق ولم يقل للشرط إشارة إلى أن معنى الشرط عارض له وليس راسخا رسوخه في سائر أسماء الجوازم ؛ لأن الحدث الواقع فيه مقطوع به في أصل الوضع والشرط ينافيه ؛ لأنه مفروض الوجود. (عبد الحكيم).

(٦) حتى يكون إضافتها إلا الجملة الفعلية لاقتضاء الشرط الفعل وشرط كون ذلك الفعل مستقلا من حيث المعنى سواء كان في اللفظ كذلك أولا خلافا للمبرد فإن وقوع الفعل بعدها عنده واجب لفظا أو تقديرا. (عافية).

(٧) أي : لظرف المكان أو للوقت المجرد عن معنى الشرط وناصبها في الجملة التي تضاف إليها. (غرض).

ـ قوله : (للمفاجأة) ولا يحتاج إلى جواب ولا يقع في الابتداء ومعناها لحال لا الاستقبال والأكثر توافقه بحال أنت فيها ، قال : وقد تراخى كقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ ـ

١٠٦

مفاجأة من قولهم : فجأته فجاءة ـ بالضم والمد ـ إذا لقيته وأنت لا تشعر به (فيلزم المبتدأ بعدها) فرقا بين (إذا) هذه وبين (إذا) الشرطية والمراد (١) بلزوم المبتدأ غلبة وقوعه بعدها فلا ينافي ما سبق من عدم وجوب (٢) الرفع بعدها في باب الإضمار على شريطة التفسير.

نحو (خرجت فإذا السبع) أي : فإذا السبع حاضر أو واقف على حذف (٣) الخبر.

والعامل في (إذا) هذه معنى (٤) المفاجأة وهو (٥) عامل لا يظهر وقد استغنوا عن إظهاره لقوة ما فيه من الدلالة عليه.

وأما الفاء : فهي للسببية فإن مفاجأة السبع مسببة عن الخروج.

قيل والأقرب إلى التحقيق (٦) :

__________________

ـ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ)[الروم : ٢٠] وهو حرف عند الكوفيين والأخفش ولا محل لها من الإعراب وظرف عند غيرهم مكان أو زمان. (سيلكوني).

(١) قوله : (والمراد) رد على صاحب الوافية حيث قال واعلم أنه لو قال فيقع المبتدأ بعدها غالبا لكان أصوب؛ لأنه لا يلزم المبتدأ بعدها وإلا لكان الرفع بعدها واجب لكنه ليس كذلك لما ذكرناه في باب ما أضمر عامله على شريطة التفسير.

(٢) قال العصام وهذا بعيد يعني حمل اللزوم على معنى القبلية بعيد وقيل معنى اللزوم أنه يلزم فيما سوى باب الأضمان على شريطة التفسير وقيل : إنّ في دعوى لزوم المبتدأ بعدها ردا على الكوفيين حيث جوزوا المرفوع بعدها فاعل الظرف على مذهبهم لعدم اشتراطهم الاعتماد بأشياء الستة. (أيوبي).

(٣) وهذا مخالف فيما سبق حيث قال : وقد يحذف الخبر جوازا مثل خرجت فإذا السبع قال : الشارح على أن يكون إذا ظرف زمان للخبر المحذوف غير ساد مسده لئلا يلزم أن يكون من قبيل حذف العامل وقيام المعمول قيامه. (شرح حواشي).

(٤) عند المصنف والزمخشري وعند غيرهم الخبر المذكور أو المقدر وعلى جميع التقادير إذا مقطوعة عن الإضافة. (سيلكوني).

(٥) قوله : (وهو عامل لا يظهر) أي : الفعل أعني فاجأت عامل لا يظهر ولا يجوز أن يكون العامل حرفا لفساد المعنى كما ذكره المصنف في شرح المفصل وأيضا يلزم الفعل بين العامل ومعموله بالفاء وهو باطل وما ذكر أن العامل معنى المفاجأت فمراده أن العامل ذو فعل المفاجأت مقدرا. (وجيه الدين).

(٦) ويؤيده وقوع ثم موقع الفاء في قوله تعالى : (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ)[الروم : ٢٠].

١٠٧

أنها للعطف من جهة المعنى أي : خرجت ففاجأت (١)

وحاصل المعنى : خرجت ففاجأت زمان وقوف السبع ، كما هو مذهب الزجاج أن (إذا) هذه زمانية أو مكان وقوف السبع كما ذهب إليه المبرد فإنها عنده مكانية.

وقوله (زمان وقوف السبع أو مكانه) مفعول فيه لفاجأت لا مفعول به وإلا لم تبق (إذا) ظرفية بل تصير اسمية بل المفعول به محذوف أي : فاجأت في زمان وقوف السبع أو مكانه إياه أي : السبع وقد تكون (٢)

لمجرد الزمان نحو : آتيك إذا أحمر البسر أي : وقت احمرار (٣) البسر.

وقد يستعمل اسما مجردا عن معنى الظرفية في نحو : (إذا يقوم زيد إذا يقعد عمرو) وقد سبقت إليه الإشارة.

(ومنها) أي : من الظروف المبنية (إذ) الكائنة (للماضي) (٤). وبناؤها لما مر في (حيث) (٥) ولكون وضعها وضع الحرف.

وقد تجيء للمستقبل كقوله تعالى : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ)(٦).

(وتقع بعدهما الجملتان) الاسمية (٧)

__________________

(١) قال الشاعر وكنت أرى رندا كما قيل : سيدا إذا أنه عبد القفا واللهازم جمع لهزمة وهي العظم الثاني من اللحى تحت الإذن. (حاشية خبيصي).

(٢) ولما بين المصنف استعمال كلمة إذا لمعنى الشرط واستعمالها للمفاجأة ولها استعمال آخر لم يذكر المصنف أراد الشارح أن يذكر فقال وقد يكون. (لمحرره).

(٣) فإن كلمة إذا في أحمر لمجرد الزمان على وجه الظرفية لكونها مفعولا فيه ومنه قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى)[الليل : ١]. (امتحان).

(٤) مجردا عن معنى الشرط سواء دخل على الماضي نحو ؛ إذ قام زيد والمضارع نحو ؛ إذ يقوم زيد. (عافية).

(٥) أي : كلمة حيث وهي إضافتها إلى الجملة.

(٦) وذلك لتنزيل المستقبل منزلة الماضي لكونه من أخبار من عنده المستقبل كالماضي فتأمل وأيضا يمكن منع كونه في الأية للمستقبل لجواز أن يكون لمطلق الوقت كأنه قيل : فسوف يعملون زمان الأغلال في أعناقهم فهم كونه مستقبلا بقرينة فسوف يعلمون. (عصام).

(٧) التي فعلها ماض لفظا ومعنى أو معنى فقط وقد اجتمعت الثلاثة في قوله تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ ـ

١٠٨

والفعلية لعدم اشتمالها على معنى الشرط (١) المقتضي اختصاصها بالفعلية : مثل : (كان ذلك إذ زيد قائم وإذ قام زيد) وقد تجيء للمفاجأة (٢) نحو : (خرجت فإذ زيد قائم) ولقلة مجيئها لم يذكرها المصنف (٣).

ومنها (أين وأنى) فهما (٤) (للمكان استفهاما (٥) وشرطا) أي : حال كونهما للاستفهام والشرط.

وبناؤهما لتضمنهما معنى حرف الاستفهام أو الشرط نحو : (أين زيد؟) و (أين تكن أكن) و (أنى زيد؟) و (أنى تجلس أجلس).

وقد جاء (٦) (أنى زيد؟) بمعنى كيف و (أنى القتال؟) بمعنى : متى.

(و) منها (متى للزمان فيهما) أي : في الاستفهام والشرط ، نحو : (متى القتال؟) و (متى تخرج أخرج)

__________________

ـ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ ؛ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ)[التوبة : ٤٠]. (سيالكوني).

(١) إلا إذا دخلت عليها ما الكافة فحينئذ للمجازات بلا خلاف. ثم اعلم : أن الجملة الاسمية التي يقع مضافا إليها لا ، وإذ ، لا يحسن أن يكون خبرهما فعلا ماضيا نحو : إذ زيد قام ؛ لأن الخبر من مظان الاسم أو ما يضارعه إلا إذا ادعت ضرورة إلى العدول في نحو : زيد قام ؛ إذ الغرض هاهنا الإخبار عن الماضي. (عوض أفندي).

(٢) ويختص حينئذ بالجملة الفعلية التي فعلها ماض كما في الحديث «بينا نحن عند رسول الله عليه‌السلام ؛ إذ طلع علينا رجل ...» [أخرجه مسلم (٨)] الحديث إيقاعا للمخالفة بينها وبين إذ المكانية إذا كانت للمفاجأة ؛ إذ هي تختص بالجملة الاسمية كما مر مثاله. (عوض أفندي).

ـ قدر المتعلق معرفا باللام على أنه صفة رعاية لجزالة المعنى.

(٣) قد يكون إذا لمجرد التعليل كما في قوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ)[الزخرف : ٣٩] ، أي : لأجل ظلمكم وقد يكون حرفا كما في : إذ ما تفعل أفعل.

(٤) قوله : (فهما للمكان) قدر المبتدأ بالفاء بقرينة اشتمال الحكم على التفصيل أعني استفهاما وشرطا وجعله صفة وإن كان صحيحا لكن جعله حكما مستقلا ألصق بالقلب. (عبد الحكيم).

(٥) حال من الضمير المستكن في الظرف ويجوز أن يكون تمييز من نسبة الظرف إلى فاعله.

(٦) يجيء أنى بمعنى كيف نحو : (أَنَّى يُؤْفَكُونَ)[المائدة : ٧٥] ويجيء بمعنى متى وأوّل قوله تعالى : (أَنَّى شِئْتُمْ)[البقرة : ٢٢٣] على الأوجه الثلاثة ولا يجيء بمعنى متى وكيف إلا بعده فعل.

ـ وبنيت أيان لتضمنها همزة الاستفهام. (عوض).

١٠٩

(و) منها (أيان للزمان استفهاما) (١) مثل : (متى) نحو : (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [الذاريات : ١٢] والفرق بينهما أن (أيان) مختص بالأمور العظام (٢). وبالمستقبل ، فلا يقال (أيان يوم قيام زيد؟) و (أيان قدوم الحاج؟) بخلاف (متى) فإنه غير مختص بهما.

والمشهور فتح الهمزة والنون وقد جاء كسرهما أيضا.

(و) ومنها كيف) (٣) الكائنة (٤) (للحال استفهاما) (٥) أي : حال شيء وصفته فالمراد بالحال صفة الشيء ، لا زمان الحال كما توهمه (٦) بعض الشارحين.

قال صاحب المفصل : (وكيف) جار مجرى الظرف ، ومعناه السؤال عن الحال (٧) ، تقول : كيف زيد؟ أي : على أي حال هو؟.

ويستعمل الشرط مع (ما) على ضعف عند البصريين ، نحو : (كيفما تجلس أجلس) أي : على أي هيئة تجلس أجلس.

ومطلقا عند الكوفيين نحو : (كيف تجلس أجلس).

__________________

(١) تمييز أو حال أو ظرف أي : أيان للزمان من حيث الاستفهام أو حال كون الزمان ذا استفهام عن الزمان أو وقت استفهامه هذا إشارة إلى حاصل المعنى. (حاشية هندي).

(٢) نحو قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها)[الأعراف : ١٨٧] ، و (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [الذاريات : ١٢] و (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) [القيامة : ٦]. (ج).

(٣) إنما عد كيف في الظروف ؛ لأنه بمعنى على أي : حال والجار والمجرور الظرف متقاربان وكون كيف ظرفا مذهب الأخفش وعند سيبويه اسم بدليل إبدال الاسم منها نحو : كيف أنت أصحيح أم سقيم؟ ولو كان ظرفا لا بد منه الظرف نحو : متى جئت أيوم الجمعة أم يوم السبت؟.

(٤) وقدر الكائنة هاهنا إشارة للمغايرة بين متى وأيان وبين كيف في كون معناهما للزمان فيما سبق وللحال هنا. (أيوبي).

(٥) ولما حمل بعض الشارحين الحال بمعنى أواخر الماضي وأوائل المستقبل رد الشارح هذا الحمل بهذا القول. (لمحرره رضا).

(٦) حيث قال : كيف لزمان الحال وهو من ظروف الزمان عنده ؛ لأنه سؤال عن حال المسؤول عنه في حال المتكلم بالسؤال. (سرج).

(٧) أي : عن حال الشمس لقيامه مقام الظرف كأنه استقر فيها مثل الاستقرار في الظرف. (مغني).

١١٠

فإن كان بعده اسم فهو في محل الرفع (١) بالخبرية عنه وإن كان بعده فعل مثل : (كيف جئت؟) فهو في محل النصب على الحالية ، أي : على أي حال جئت راكبا أو ماشيا.

(ومنها) أي : من الظروف المبنية (٢) (مذ ومنذ) (٣) بينا لموافقتهما (٤) (مذ ومنذ) حرفين ويكونان تارة (بمعنى أوّل المدّة) أي أول مدة زمان الفعل المتقدم عليهما نحو : (ما رأيته مذ أو منذ يوم الجمعة) أي : أول زمان عدم رؤيته يوم الجمعة.

(فيليهما) أي : يقع بعدهما أي : بعد (مذ ومنذ) (المفرد) أي الاسم المفرد (٥) لا المثنى ولا المجموع حقيقة كالمثال المتقدم ، أو حكما ، نحو : (ما رأيته مذ اليومان اللذان صاحبنا فيهما) أي : أول مدة عام رؤيته هذان اليومان.

فمادام (٦) لا يلاحظ هذان اليومان أمرا واحدا لا يحكم عليهما بأولية المدة ؛ لأن أول المدة إنما يكون أمرا واحدا لا شيئين أو أشياء.

فالمثنى والمجموع إذا وقعا أول المدة يكونان في حكم المفرد (المعرفة) حقيقة ،

__________________

(١) إذا لم يدخل ناسخ الابتداء على ذلك وإن دخل نحو : كيف أصبحت ، وكيف تعلم زيدا فكيف منصوب المحل خبرا أو مفعولا ثانيا لذلك الناسخ. (رضي).

(٢) يجيئان لمعنيين : أحدهما : بمعنى أول المدة ، ثانيهما : بمعنى جميع المدة. (عوض).

(٣) قوله : (مذ ومنذ) قيل : إنهما كلمتان برأسهما إذ الأصل في الحرف وما يشبهه عدم التصرف وقيل : أصل مذ منيذ بدليل منذ وأنه بضم الذال لالتقاء الساكنين.

(٤) أي : وإنما بنيا لتضمن معنى الإضافة والنسبة بالغايات وللحمل على مذ ومنذ للحرفين.

ـ قوله : (لموافقتهما) قال الرضي : والأخفش والحجازيون يجرون بهما مطلقا وأكثر العرب يجرون بهما في الزمان الحاضر اتفاقا وإنما الخلاف بينهم في الجر بهما في الزمان الماضي ولا يستعملان في المستقبل اتفاقا وإذا جر بهما فقيل أنهما اسمان مضافان والصحيح أنهما حرفا جر بمعنى من الابتدائية الغائية إذا كان الزمان ماضيا معرفة والتفصيل في سيالكونى إن كنت من أهل المراق فارجع إليه تنل مقصودك.

(٥) الدال على الوحدة لا المثنى والمجموع وما في حكمهما مما يدل على التعدد فلا يرد ما رأيته مذ ثلاثة أيام ؛ لأنه في حكم المجموع. (عبد الحكيم).

(٦) فعل من أفعال الناقصة ظرف الزمان ؛ لأن لفظ ما مصدرية فما يعده في تأويل المصدر والمصدر ساد مسد الزمان. (ابن جني).

١١١

كالمثال المتقدم ، أو حكما نحو : (ما رأيته مذ يوم لقيتني فيه) لحصول التعيين المقصود من كونه معرفة ، وإنما كان التعيين مقصودا ؛ لأنه لا فائدة في جعل الوقت المجهول (١) أول مدة فعل ؛ لأن أولية وقت مالزمان مدة الفعل معلوم بالضرورة.

(و) تارة يكونان (بمعنى جميع المدة) أي : جميع (٢) مدة زمان الفعل (فيليهما) أي: (مذ منذ) (المقصود) (٣) أي : الزمان (٤) الذي قصد بيانه حال كونه متلبسا (بالعدد) أي : بعدده المستغرق جميع أجزائه ، بحيث لا يشذ منه شيء نحو : (ما رأيته مذ يومان) أي : جميع أجزاء مدة زمان عدم رؤيته يومان (٥) لا أزيد ولا أنقص.

__________________

(١) لأن الوقت المجهول لا يكون لابتداء كلام معلوم فلا فائدة في ذكره بدون التعيين ليفيد والمعرفة هي الأصل في ذلك. (عباب).

(٢) أشار بهذا إلى أن المراد بجميع المدة جميع مدة زمان الفعل المتقدم عليهما كما تقدم. (عبد الله أيوبي).

(٣) مثبتا كان أو منفيا نحو : صحبتى مذ يومان أي : مدة صحبتي يومان يدليهما الزمان الذي فيه معنى العدد سواء كان مفردا أو لا معرفة أو لا نحو : مذ يوم ومذ يومان ومذ اليوم ومذ اليومان ، وقد تقدم أنه يجب أن يليه مجموع زمان الفعل من أوله إلى آخره المتصل بزمان المتكلم ولا يشترط كون ذلك المجموع مقصودا فيه العدد وذلك لأنك تقول : ما لقيناه مذ عمرنا ومذ زماننا مع أنك لا تقصد زمانا واحدا أو غير واحد حتى يكون فيه معنى العدد قوله : المقصود بالعدد أي : المقصود مع العدد الباء بمعنى مع وإلا لكان الواجب أن يقول المقصود به العدد لأنك قصدت بقولك : يومان عدد اثنين لا أنك قصدت بالعدد يومين. (رضي الدين).

ـ قوله : (فيليهما المقصود) أي : الزمان الذي قصد بيان حاله بأن يكون جميع المدة ملتبسا بالعدد لا وحدة من غير اعتبار العدد كما في الأول فيكون كل من الزمان والعدد مقصودا والظاهر ما قاله الرضي ، أي : المقصود مع العدد والياء بمعنى مع فجعل الباء متعلقا بالمقصود. (وجيه الدين).

(٤) يعني أن الياء ليست صلة المقصود وإلا لكان الواجب المقصود بالعدد لأنك قصدت بقولك : يومان عدد اثنين لأنك قصدت بالعدد يومين. (سيالكوني).

(٥) الفرق بين ما كان بمعنى أول المدة وبين ما كان بهذا المعنى ؛ لأن المراد في قولنا : ما رأيته مذ يوم الجمعة بالمعنى السابق أن الرؤية منقطعة في يوم الجمعة بعد أن تكون متحصلة في جزء منه بخلاف ما أريد به بهذا المعنى ؛ لأنه يراد به الرؤية مستوفية في جميع أجزاء يوم الجمعة فالعدد مستغرق. (محرم أفندي).

١١٢

(وقد يقع (١) بعدهما المصدر) (٢) نحو : (ما خرجت مذ ذهابك) (٣) (أو الفعل)(٤) نحو : (ما خرجت مذ ذهبت) (أو أن) أي : ما كتب (٥) على هذه الصورة (٦) مثقلة كانت أو مخففة (٧) نحو : (ما خرجت مذ أنك ذاهب) أو (ما خرجت مذ أن ذهبت) أو الجملة الاسمية نحو : (ما خرجت مذ زيد مسافر) ولم يذكره لقلته.

(فيقدر) بعدهما (زمان مضاف) (٨) إلى أحد هذه الأمور ، ليصح حمل ما بعدهما عليهما ، فكان التقدير (٩) في (ما خرجت مذ ذهابك) مذ زمان ذهابك وعلى هذا القياس فيما بقي (وهو) (١٠) أي : كل واحد من (مذ ومنذ) اسمين ، (مبتدأ) وهما معرفتان لكونهما في تأويل (١١) الإضافة ؛ لأنهما إما بمعنى (أول المدة) أو (جميع المدة).

__________________

(١) معطوف على ما يستفاد من سابق كلامه أي : يقع بعدهما على المعنيين اسم زمان وقد يقع بعدهما مصدر أو استيناف أو اعتراض. (عبد الحكيم).

(٢) إذا كان دالا على الحال والماضي بقرينة الحال منذ يوم زيد إذا كان الكلام قائما ومنذ خروج زيد إذا مضى خروجه. (رضي).

(٣) فعلى المعنى الأول مدة زمان عدم خروجي زمان ذهابك وعلى الثاني جميع مدة عدم خروجي مدة زمانك. (فهم من وجيه الدين).

(٤) فإن كان ماضيا فهو لأول مدة وإن كان مضارعا فإن كان حالا فهو لجميع المدة وإن كان حكاية حال ماضيته فهو لأول المدة ولا يكون مستقبلا. (شيخ رضي).

(٥) يعنى ليس المراد بأن هي ما كانت مثقلة داخلة على الاسمية أو مخففة داخلة على الفعلية على التعيين لأحدهما بل المراد ما كتب.

(٦) يعني أن الكلام على حذف المضاف أي : اشتمل المثقلة والمخففة لا أن كلمة أن مستعملة فيما كتب على هذه الصورة حتى يرد عليه أن يوجب أن يقرأ.

(٧) بأن قرأت بسكونها لاشتراكها في الاقتضاء لتأويل ما بعدهما من الجملة المفرد ولا شك أن تلك الصورة شاملة لها. (أيوبي).

(٨) أو ساعة أو وقت أو يوم أو ليلة أو ساعة منهما القرينة فهذا تكرر الزمان ولم يقل : فيقدر الزمان المضاف. (عصام).

(٩) وإنما وجب ذلك التقدير ؛ لأن وضعهما لابتداء الغاية في الزمان فعدم تقديره يبطل ذلك الغرض وإنما حذف للعلم ويكون حينئذ بمعنى أول مدة. (عافية).

(١٠) شروع في إعرابهما وإعراب ما بعدهما بعد بيان ما المراد منهما مع التنبيه على وقع الاختلاف بين النحاة. (عوض).

(١١) فالصواب أنهما مضافان إلى الجملة التي حذفت لدلالة الجملة السابقة عليها ولذا بنيت منذ ـ

١١٣

(وخبره ما بعده) أي : خبر كل منهما ما يقع بعده (خلافا للزجاج) (١) فإنهما عنده خبر المبتدأ والمبتدأ وما بعدهما.

ويرد عليه أنه يلزم أن يكون المبتدأ في مثل قولك : مذ يومان نكرة ، والخبر معرفة ، وذلك غير جائز.

واعلم أنهما إذا كانا مبتدأ أو خبرا فهما اسمان صريحان لا ظرفان ، فلا يصح عدهما من الظروف المبنية إلا أن يراد بظرفيتهما كونهما من أسماء الزمان (٢) لا أنهما يقعان ظرفا في تراكيبهم.

(ومنهما) أي من الظروف المبنية (لدى) بالألف المقصورة (٣) (ولدن) بفتح اللام وضم الدال وسكون النون.

(وقد جاء لدن) بفتح اللام وسكون الدال وكسر النون (ولدن) بفتح اللام والدال وسكون النون ، (ولدن) (٤) بضم اللام وسكون الدال وكسر النون (ولدن) (٥) بفتح اللام وسكون الدال (ولد) (٦) بضم اللام وسكون الدال.

__________________

ـ على الضم تشبيها لها بالغايات في كونها مقطوعة عن الإضافة لا الجملة التي في تأويل المفرد المعرفة وتقدير ما رأيته مذ يوم منذ عدم رؤيتي فيكون من المضاف إلى أحدهما. (عبد الحكيم).

(١) من البصريين وعامة الكوفيين فإنهم ذهبوا إلى أنه خبر مقدم على المبتدأ. (عافية).

(٢) يعني من أنّ المراد من عدهما في عداد الظروف كونهما اسمين صريحين وضعا لزمان. (عبدي).

(٣) قال الرضي لا وجه لبنائه ؛ لأنه بمعنى عنده وهو معرب بالاتفاق ثم قال : ألفه يعامل معاملة ألف على وإلى يثبت مع الاسم الظاهر ويقلب ياء مع الضمير غالبا وحكى سيبويه عن قوم لداك وعلاك ولا يضاف إلى الضمير مقصور لا أصل لألفه سوى هذه الثلاثة من لداك وعلاك وإلاك.

(٤) قوله : (لوضع بعضها) في شرح المفصل : بنيت لدى ولد لشبههما بالحروف لوضعهما على الصيغة التي ليست عليها الأسماء المتمكنة دائما بل الحروف عليها فأشبهت الحروف وبنى لدى ؛ لأنه هو هو وقد تقدم أن كل اسم بني فإنه مبني وإن اختلف بزيادة أو نقصان مع بقاء حروف الأصل والمعنى فيه فبنى لد لشبهه بالحروف وبنى لدى لشبهة ما أشبه الحروف وإن اختلف جهات الشبه فإنه لا يضر ألا يرى أن نزال بنى لشبهة بأنزل وبنى فجار لشبهه بنزال وإذا اختلفت جهات الشبه. (عبد الحكيم).

(٥) أي : ما بقي من هذه الثلاثة من البعض الذي لم يكن على وضع الحرف. (حاشية).

(٦) أي : كلها مشتركة في هذا المعنى إلا أن لدن ولغاتها المذكورة يلزمه الابتداء فلذا يلزمها من ظاهرة وهو الأغلب أو مقدرة فهي بمعنى من عند ما لدى فهو بمعنى عند ولا يلزمه ـ

١١٤

(ولد) (١) بفتح اللام وضم الدال.

وبناؤها لوضع بعضها وضع الحروف ، وحمل البقية عليه.

وكلها بمعنى (عند) والفرق : أنه يقال : (المال عند زيد) فيما يحضر عنده ، وفيما في خزائنه ، وإن كان غائبا عنه.

ولا يقال : (المال لدى زيد أو لدن زيد) إلا فيما يحضر عنده (٢).

وحكمها : أن يجريها على الإضافة (٣) ، نحو : (المال لدى زيد).

وقد ينصب (٤) في بعض لغات العرب ب : (لدن) خاصة (غدوة) (٥) خاصة سماعا ، تشبيها لنونها بنون التنوين في مثل : (رطل زيتا) (٦) ولذلك (٧) يحذف عنها ، ويثبت.

ولكون (غدوة) أكثر استعمالا من (سحرة) (٨) وغيرها.

__________________

ـ معنى الابتداء. (شيخ الرضي).

(١) ثم اعلم أنهما مع ما جاء من اللغات بمعنى عند لكن بينهما فرق بالعموم والخصوص بحسب الاستعمال فمعناه أخص من معنى عند. (عوض).

(٢) لا فيما يكون غائبا أو في خزائنه ولذا يقال : عند الله ولا يقال لدى الله لإيهامه المكان. (أيوبي).

ـ وفي عند ثلاث لغات عند وعند وعند فهو ظرف في المكان والزمان تقول : عند الحائط ، وعند الليل. (محمد أمين).

(٣) كقوله تعالى : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)[النمل : ٦] إما لفظا إن كان مفردا أو تقديرا إن كان جملة أي : جاز جرها قياسا ونصبها على التمييز سماعا.

(٤) أي : ينصب بلدن لا بسائر لغاته لفظ غدوة لا لفظ آخر وغدوة بعد لدن لا يكون إلا منونة وإن كان معرفة. (عبد الحكيم).

ـ نائبه راجع إلى المجرور والمستفاد منه.

(٥) ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس. (حلبي).

(٦) فصار لدن غدوة كرطل زيتا فنصبها تشبيها بالتمييز. (وجيه).

(٧) أي : لكون نونها مشبها بالتنوين يحذف من لدن تارة ويثبت أخرى. (سيالكوني).

(٨) بضم السين وسكون الحاء أي : السحرة الأعلى والسحر قبيل الصبح : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ)[آل عمران : ١٧] ، الآية وقت اختلاط الضوء بالظلمة.

١١٥

(و) منها (١) (قطّ) (٢) مفتوح القاف ومضموم الطاء المشددة وهذا أشهر لغاته وقد يخفف الطاء المضموم وقد يضم القاف اتباعا لضمه الطاء المشددة أو المخففة.

وجاء (قطّ) ساكنة الطاء مثل : (قط) الذي هو اسم فعل ، فهذه خمس لغات (٣) كلها (للماضي المنفي) أي : لا جل الفعل (٤) الماضي المنفي ، أو الزمان الماضي المنفي (٥) وقوع شيء فيه ليستغرق (٦) النفي جميع الأزمنة الماضية نحو : (ما رأيته قط).

وبناء الخفة لوضعها وضع الحروف ، وبناء المشددة لمشابهتها لأختها المخففة.

وقيل : حمل على أختها (عوض).

(و) منها (عوض) بفتح العين وضم الضاد وقد جاء فتحها وكسرها (للمستقبل) أي : لأجل الفعل المستقبل (المنفي) أو الزمان المستقبل المنفي فيه وقوع شيء ليستغرق النفي جميع الأزمنة المستقبلية نحو : لا أراه عوض وبناء (عوض) على الضم لكونه مقطوعا عن الإضافة ك : (قبل وبعد) بدليل (٧) إعرابه مع المضاف إليه نحو : (عوض

__________________

(١) ترك الشارح هاهنا تفسير رجع الضمير في قوله : (ومنها) دليل وجه تركه عدم تلك الكلمة في النسخة التي وصلت إلى الشارح كما هي أكثر النسخ التي وصلت إلى غيره من الشراح ويحتمل أن يكون لفظ منها من كلام الشارح وإنما زاده لتصحيح عطف قوله : (قط) على قوله : (لدى) كما هو الأليق. (عبد الله أيوبي).

(٢) وبناء قط على الضم حملا على أخته وهو عوض. (رضي).

(٣) قال الكسائي : أصله قطط فلما أسكن الأول للإدغام جعل الآخر متحركا مضموما.

(٤) يعنى لا يستعمل لنفسه بل لأجل الماضي المنفي الواقع قبله لمنفى وقوع الشيء ليستغرق النفي جميع الأزمنة الماضية ولا يجوز أن يكون اللام للصلة ؛ لأن قط لم يوضع لنفس الماضي المنفي ولو حمل على حذف المضاف أي: لاستغراق الماضي المنفي لكان أظهر. (وجيه).

(٥) والفرق بين التفسيرين أنه في الأول إشارة إلى كون لفظ المنفي في قول صفة للماضي حقيقة لكونه مسندا إلى الفعل الماضي وفي الثاني إشارة إلى أن كونه صفة للماضي ومسندا إليه مجاز عقلي ؛ لأنه لا معنى لنفي الزمان بل المنفي وقوع الحدث فيه. (عبد الله أفندي).

(٦) أي : بناؤها لتضمنها معنى من الاستغراقية أوفى. (موشح).

ـ وقوله : (ليستغرق) للإشارة إلى علة زيادة هذا اللفظ وفائدته يعني إنما أتى بهذا اللفظ مع إفادة الفعل السابق لما يفيده ليستغرق النفي المستفاد من السابق. (شرح).

(٧) والباء في قوله : (بدليل) للاستعانة ، يعني : إنما حكم على عوض بأنه مقطوع عن الإضافة باستعانة دلالة كونه معربا إذا كان. (أيوبي). ـ

١١٦

العائضين) أي : دهر الداهرين ، ومعنى (١) (الداهر) و (العائض) الذي يبقى على وجه الدهر

(والظروف المضافة (٢) إلى الجملة و) إلى كلمة (إذ) المضافة إلى الجملة (يجوز بناؤها) لاكتسابها (٣) البناء من المضاف إليه ولو بواسطة (على الفتح) (٤) للخفة نحو قوله تعالى (يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) وقوله تعالى : (مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) [هود : ٦٦] فيمن قرأ بالفتح (٥).

ويجوز إعرابها أيضا لكونها أسماء مستحقة للإعراب ، ولا يجب (٦) اكتساب المضاف إلى المبني البناء منه.

(وكذلك) أي : كالمذكور من الظرف في جواز البناء على الفتح والإعراب ، (مثل وغير) مذكورين (مع (ما وأن) مخففة أو مشددة ، مثل : (قياسي مثل : ما قام زيد) و (قيامي مثل : أن يقوم زيد ، أو مثل : أنك تقوم) (٧) لمشابهتهما الظرف المضافة إلى

__________________

ـ قوله : (بدليل إعرابه) فإن الإضافة إلى المفرد ترجح جانب الإعراب لاختصاص فائدتهما من التعريف والتخصيص والتخفيف بالمعرب ولذا تعرب الغايات عند الإضافة إلى المفرد فالقول بأنه يجوز أن يكون عوض المضاف مبنيا مفتوحا ؛ لأنه جاء فيه الفتح لا معربا منصوبا كما وهم ليس بشيء. (عبد الحكيم).

(١) من عائض عاض هاهنا كان كجزء من أجزاء الزمان يختلف جزء آخر فكأنه عوض عنه. (اللباب).

(٢) جوازا أما في المضافة إلى الجملة وجوبا غالبا لازم لا غير.

(٣) قوله : (لاكتساب) المصنف يتجه عليه أن الجملة مبنية وليس كذلك عند الجمهور ولو علل بما علل به في بناء حيث لكان أولى كما ذكره في جواز بناء مثل وغير وليت شعري لم لم يعتبره هاهنا كذا ذكره في شرح العصام.

(٤) وإنما بنى هذا النوع على الفتح فرقا بينهما وبين ما قطع عن الإضافة.

(٥) أي : بفتح الميم وفي القراءة بالرفع في الأول وبالجر في الثاني ليس مما نحن فيه.

(٦) إثبات لمرجح الإعراب برد مرجح البناء يعني أن الإضافة إلى المبني وإن كان موجودة حينئذ كونها معربة لكن لا يجب اعتبارها حتى يجب البناء فجواز الاعتبار يقتضي الجواز لا الوجوب. (عبد الله أفندي).

(٧) علة لمقدر وإنما إلحق مثل وغير في هذه الصفات بالظروف المضافة في جواز البناء والإعراب.

١١٧

الجملة (١) نحو : (إذا وحيث) ولهذه المشابهة ذكرهما في بحث الظروف.

ويجوز إعرابهما لكونها اسمين مستحقين للإعراب.

(المعرفة والنكرة) (٢)

أي : هذا باب بيان المعرفة والنكرة ، من أقسام الاسم (٣) :

(المعرفة) : ما : اسم (وضع) بوضع جزئي (٤) أو كلي لشيء متلبس.

__________________

(١) في كونهما مضافين في المعنى إلى المصدر مع وقوع المبني هو وما وإن مشددة ومخففة موقع المضاف إليه. (وجيه الدين).

(٢) ولما فرع من بيان أنواع المبني من الأسماء شرع في بيان بعض أصنافها فقال المعرفة. (عوض).

ـ وهي في اللغة مفعلة من عرفت عرفانا ثم استعملت وصفا اللألفاظ ، وفي الاصطلاح ما ذكره المصنف. (عافية).

(٣) نبه بذلك على أنهما من مباحث الاسم كالمعرب والمبني لبعد العهد بوضع جزئي بأن يلاحظ الموضوع والموضوعة بخصوصهم لا بخصوص الظرفين أو كلى بأن يلاحظ الموضوع بوجه أعم ، كما في المشتقات فإن اسم الفاعل مثلا موضوع لمن قام الفعل به أو يلاحظ الموضوع بوجه أعم كما في الحروف والمضمرات والمبهمات فههنا أربعة احتمالات أن يكون كلاهما ملحوظين بخصوصهما أو كلاهما بعمومهما أو الموضوع بكون ملحوظا بخصوصه والموضوع له بعمومه أو بالعكس ولا جود للاحتمال الثاني. (عبد الحكيم).

(٤) كالأعلام الشخصية وأسماء العدد كلي الوضع الموضوع له كالأعلام الأجناس وأسماء الأجناس والمصادر وأسماء المصادر واسم جمع منكور وأسماء شرطية واستفهامية كلي الوضع جزئي الموضوع له مثل الحروف والضمائر وأسماء الإشارات والموصولات على تحقيق السيد الشريف.

ـ قوله : (بوضع جزئى أو كلي) فالأول في الأعلام شخصية كانت أو جنسية فإن علم الجنس موضوع للماهية من حيث خصوصها لا من حيث كليتها وصدقها على كثيرين فهي بمنزلة المفهوم الجزئي لا يحتمل غيره والثاني في غيرها من المعارف والوضع الجزئي أن يتصور الواضع مفهوما جزئيا ويضع الاسم بإزائه والوضع الكلي أن يتصور المفهوم الكلي فإما أن يجعله آلة لملاحظة الجزئيات فيضع اللفظ بإزاء كل واحد من تلك الجزئيات وهذا معنى كون الوضع عاما والموضوع له خاصا وإما أن لا يجعله آلة لملاحظة الجزئي فيضع اللفظ بإزائه كلفظ الإنسان لمفهوم والحيوان الناطق وهذا معنى كونه الوضع عاما والموضوع له عاما. (وجيه).

١١٨

(بعينه) (١) أي : بذاته المعينة (٢) المعلومة للمتكلم والمخاطب المعهودة بينهما ، فالشيء مقيد بهذه المعلومية (٣) والمعهودية إذا وضع له اسم ، فهو المعرفة ، وإذا وضع له اسم باعتبار ذاته مع قطع النظر عن هذه الحيثية فهو النكرة.

فقوله (ما وضع لشيء) شامل للمعرفة والنكرة ، وقوله : (بعينه) يخرج به النكرة(٤).

(وهي) أي : المعرفة : ستة أنواع بالاستقراء ، وأشار بترتيبها في الذكر إلى ترتيبها بحسب المرتبة.

فالأول : (المضمرات) فإنها موضوعة بإزاء معان معينة (٥) مشخصة باعتبار أمر كلّي، فإن الواضح لاحظ أولا مفهوم المتكلم الواحد من حيث إنه يحكي عن نفسه مثلا.

وجعله آلة لملاحظة أفراده ، ووضع لفظ (أنا) بإزاء كل واحد من تلك الأفراد بخصوصه بحيث لإيفاد ولا يفهم إلّا واحد بخصوصه دون القدر المشترك فيتعقل ذلك المشترك آلة للوضع لا أنه الموضوع له (٦) ،

__________________

(١) فالعين بمعنى الذات كما في القاموس وغيره وإضافته إلى الضمير للعهد فيصير بمعنى ذاته المعينة المعلومة المعهودة والعهد إنما يعتبر بين المتكلم والمخاطب لا غيرهما ولا بد في المعرفة من علم المتكلم ؛ إذ لا يمكن إعلام المعهود بدون العلم.

(٢) وإنما زاد المعينة إشارة إلى أن ما وقع في عباراتهم في لفظ المعينة معناه المعلومة الشخصية. (ح).

(٣) يعنى أن هذا التقييد ليس بلازم لكن إذا وقع التقييد اتفاقا فالمعرفة تكون باعتبار هذا التقيد اتفاقا ووضع الاسم باعتبار ذاته فإنه نكرة. (وجيه الدين).

(٤) والعلم المنكر داخل في المعرفة باعتبار الوضع الحقيقي وفي النكرة باعتبار وضعه المجازي وأن الوضع في تعريفهما أعم من الوضع بنفسه أو بالقرينة ليدخل في المعرفة المعارف المستعملة في المعنى المجازي نحو : رمى الأسد فإنه موضوع للرجل الشجاع بالوضع المجازي ويدخل في النكرة النكرات التي هي مجازات نحو : ما رأيت أسدا يرمي.

(٥) على رأى المحققين المتأخرين وأما عند المتقدمين موضوعة لمعان كلية بشرط استعمالها في جزئياتها فالمعنى الحقيقي مهجور بالكلية. (وضعية).

(٦) أما شخصية ضمير المتكلم والمخاطب وضمير الغائب الراجع إلى الشخص فظاهر وأما الراجع إلى الكلى فلأنه من حيث أنه تقدم ذكره صار مشخصا لا يحتمل غيره وبعضهم جعل ـ

١١٩

فلوضع كلي والموضوع له جزئي (١) مشخص (٢).

(و) الثاني ، (الأعلام) الشخصية ، كما إذا تصوّر (٣) ذات زيد ووضع لفظ (زيد) بإزائه من حيث معلوميته ومعهوديته ، أو الجنسية ، كما إذا تصور مفهوم الأسد ، وهو الحيوان المفترس ، ووضع بإزائه من حيث معلوميته ومعهوديته لفظ (أسامة) (٤).

فهذا اللفظ بهذا الاعتبار (٥) علم لهذا المعنى الجنسي (٦) ومعرفة بخلاف ما إذا

__________________

ـ الضمير الراجع إلى النكرة نكرة فاستعمالها فيها مجاز. (اقليد).

(١) كان ينبغي الاكتفاء بالجزئي ؛ لأن التحقيق أن الموضوع له جزئي إضافية فربما يكون كليا.

(٢) عند المتأخرين وهو الحق والقدماء لم يعثروا عليه حتى المصنف فيجعل معنى قوله : الشيء بعينه لإفادة شيء بعينه والشارح بين الحق ولم يلتفت إلى ما قصده المصنف.

(٣) قوله : (كما إذا تصور ذات زيد) أي : بوجه مختص به في الخارج وإن كان يمكن في نفسه فرض اشتراكه فالمعلوم جزئي بوجه كلي كما قال الفلاسفة في علمه تعالى بالجزئيات ولذا اختار لفظ تصور دون أحس فإن طريق إدراك الجزئيات المادية بالوجه الجزئي إنما هو الاحساس فلا يشكل بلفظ الله تعالى ولا بالأعلام الموضوعة عند غيبة الموضوع له ؛ لأنه يمكن تصوره بوجه مختص به في لخارج كتصوره تعالى بكونه واجبا خالقا لما سواه فالمعلوم جزئي وإن كان العلم بوجه كلي على أن التحقيق إن لفظ الله من الأعلام الغالبة إلا أن غلبته تقديرية بخلاف الإله فإن غلبته بحقيقية.

(٤) فإنه بجوهره وضع للجنس المعين بخلاف اسم الجنس كأسد فإنه وضع لغير معين ثم جاء التعيين والتعيين جزء مفهوم علم الجنس وخارج عن مفهوم اسم الجنس. (شرح وضعية).

ـ أي : إذا تصور هذا المفهوم في الذهن متميزا ممتازا عن سائر المفهومات ووضع بإزائه من حيث معلوميته ومعهوديته بهذا التصور الذهنية الفارقة من سائر المفهومات لفظ أسامة فبهذا الاعتبار يكون علما لهذا المعنى الجنسي ومعرفة وهذا فرق دقيق بين اسم الجنس وعلم الجنس. (حلبي).

(٥) تقدير الظروف بعض الأحكام اللفظية كالعدل التقديري وإلى هنا ذهب كثير من النحاة. (حاشية وجيه).

(٦) وفي علم الجنس مذهبان أحدهما : أنه موضوع للماهية المعنية في الذهن من حيث تعينها وهذا مذهب سيبويه، وثانيهما : أنه موضوع للماهية من حيث هو هو كالجنس لكن قيل : إنه علم تقدير الضرورة بعض أحكام اللفظية كالعدل التقديري وغيره وعلى هذا كثير من النحاة. (شرح وضعيه).

١٢٠