شرح ملّا جامي - ج ١

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ١

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

١

٢

٣
٤

مقدمة المصحح

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسّلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أرسله بالهدى ودين الحق.

وبعد :

فإن من فضل الله سبحانه وتعالى علينا ، أن شرفنا بخدمة هذا الكتاب العظيم الفائدة ، وإخراجه بحلة جديدة ، وأسأله سبحانه أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، إنه سميع قريب مجيب.

وأخيرا ألفت انتباه القارئ الكريم إلى أن هناك ركاكة في الحواشي ولعل سبب ذلك يرجع إلى أن الناسخ غير عربي.

وكتبه أحمد عزو عناية

وعلي مصطفى

بتاريخ / ٥ / ٤ / ٢٠٠٩

سوريا ـ دمشق ـ جوال : ٠٩٣٣٤٢٧٦٣٠

٥
٦

ترجمة ابن الحاجب

صاحب متن الكافية في النحو

هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس ، أبو عمرو جمال الدين ابن الحاجب ، فقيه مالكي ، من كبار العلماء بالعربية.

كردي الأصل ، ولد في أسنا (من صعيد مصر) سنة (٥٧٠ ه‍ ـ ١١٧٤ م) ونشأ في القاهرة ، وسكن دمشق ، ومات بالإسكندرية سنة (٦٤٦ ه‍ ـ ١٢٤٩ م).

وكان أبوه حاجبا فعرف به.

من تصانيفه : الكافية في النحو ، والشافعية في الصرف ، ومختصر الفقه استخرجه من ستين كتابا في فقه المالكية ، ويسمى جامع الأمهات ، والمقصد الجليل قصيدة في العروض ، والأمالي النحوية ، ومنتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل في أصول الفقه ، ومختصر منتهى السول والأمل ، والإيضاح في شرح المفصل للزمخشري.

مراجع الترجمة :

ـ وفيات الأعيان لابن خلكان ١ / ٣١٤.

ـ غاية النهاية ١ / ٥٠٨.

ـ مفتاح السعادة ١ / ١١٧.

ـ الأعلام للزركلي ٤ / ٢١١.

٧
٨

ترجمة الملا جامي صاحب شرح الكافية

هو عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الجامي ، نور الدين ، مفسر ، فاضل.

ولد في جام (من بلاد ما وراء النهر) سنة (٨١٧ ه‍ ـ ١٤١٤ م) وانتقل إلى هراة.

وتفقه ، وصحب مشايخ الصوفية ، وحج سنة (٨٧٧ ه‍) ، فطاف البلاد ، وعاد إلى هراة فتوفي بها سنة (٨٩٨ ه‍ ـ ١٤٩٢ م).

له : تفسير القرآن ، وشرح فصوص الحكم لابن عربي ، وشرح الكافية لابن الحاجب ، وهو أحسن شروحها ، سماه : الفوائد الضيائية ، والدرر الفاخرة في التصوف والحكمة ، وشرح الرسالة العضدية في الوضع ، وغير ذلك.

وله كتب بالفارسية.

مراجع الترجمة :

ـ الفوائد البهية ص ٨٦.

ـ شذرات الذهب ٧ / ٣٦٠.

ـ الأعلام للزركلي ٣ / ٢٩٦.

٩
١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

[مقدمة المؤلف]

الحمد (١) لوليّه (٢) ، والصلاة على نبيّه (٣) ، وعلى آله (٤) وأصحابه (٥) المتأدبين (٦) بآدابه.

__________________

(١) لا بد في مقام من الحمد خمسة أشياء فالحامد هو المصنف والمحمود هو الله تعالى والمحمود عليه هو النعمة والمحمود به هو الألف والحمد هو الأمر المعنوي بين الحامد والمحمود.

(٢) قوله : (الحمد لوليه) الألف واللام في الحمد الاستغراق ، فمعناه أن كل حمد صدر عن كل حامد من الأزل إلى الأبد لوليه ، ويجوز أن يكون للجنس ، فمعناه أن جنس الحمد لوليه ، والمعنايان متلازمان ، تأمل.

(٣) قوله : (على نبيه) فالنبي إنسان بعثه الله إلى الخلق لتبليغ أحكامه ، والرسول أخص منه وهو إنسان كذلك يكون له كتاب وشريعة ، والأصل في الإضافة العهد ، فهذا الأصل ينصرف إلى نبينا عليه‌السلام ، وقد يكون للجنس والاستغراق فيكون المعنى والصلاة على كل نبي لله تعالى ، ووجه اختياره على الرسول إما بحسب اللفظ فرعاية الجمع ، وإما بحسب المعنى ، فللدلالة على أنه عليه‌السلام مس تحق بمرتبة النبوة ويعلم منه استحقاقه بمرتبة الرسالة بطريق الأولى. (عصام الدين).

(٤) قوله : (وعلى آله) التزم أهل السنة إدخال على على الآل ردا للشيعة فإنهم منعوا ذكر علي بين النبي وآله ، وينقلون في ذلك حديثا ، وهو : «من فصل بيني وبين آلي بعلي لم ينل شفاعتي» ، وأجيب بأن هذا الحديث موضوع ، وبأن علي اسم المرتضى لا كلمة على حرف جر حتى يرد ما قاله الشيعة. (قاوقجي).

(٥) الأصحاب : من رأى النبي عليه‌السلام مؤمنا ، أو رآه النبي عليه‌السلام مؤمنا ليدخل فيه الأعمى ومات على الإيمان. (داود).

(٦) قوله : (المتأدبين بآدابه) جمع أدب بصيغة الجمع ، إشارة إلى كثرة الأدب من آداب النفس. والدرس أي : العلم ، ولا شك أن آله وأصحابه عليه‌السلام متأدبون بآداب نفسه وعلمه ، وهو تبليغ الكتاب والأحكام ، وفي ذكر الأدب براعة الاستهلال ؛ لأن النحو من قسم الأدب.

وما ذكروا أن الياء للاستعانة ، وأن الآلات والوسائل غير مقصودة ، فمدفوع بأن الوسائل قد يكون مقصودا كالأنبياء عليه‌السلام ، فإنهم وسائل إلى الله تعالى مع أنهم مقصودة أيضا ، ولذا يتم الإيمان بهم.

فإن قيل : لم قال : الحمد لوليه ، ولم يقل للخالق وللرازق ، أو غيرهما من الأوصاف المشتقة؟ ـ

١١

أما بعد (١) ، فهذه (٢) فوائد (٣) وافية بحل (٤) مشكلات الكافية للعلامة (٥) المشتهر (٦) في المشارق والمغارب الشيخ (٧) ابن الحاجب ، تغمده الله تعالى بغفرانه ، وأسكنه بحبوحة جنانه ، نظمتها (٨) في سلك (٩) التقرير وسمط التحرير للولد العزيز ضياء الدين

__________________

ـ قلت : لئلا يتوهم اختصاص استحقاق الحمد بوصف دون وصف ، فلو قال : الحمد للخالق لتوهم أن استحقاق الحمد مختصة بهذا الوصف دون وصف الآخر. (محي الدين).

(١) قوله : (بعد الظرف) من الظروف المكاتبة استعير ههنا للزمان ؛ لكونه مضافا إليه.

(٢) قوله : (فهذه) أي : هذه الأمور الحاضرة في العقل على تقدير تقدم المقاصد وفيه ، أو في التلفظ ، أو فيهما في الكتابة على تقدير تقدمها على الدباجة. (عصمت).

(٣) قوله : (فوائد) وهي اسم كتاب في المعاني ، والوافية اسم للمتوسط ، والمشارق : اسم كتاب في الحديث ، وفي درج أسماء الكتب بلا شائبة تكلف ، ولا تحسين للكلام التبليغ. (عصام).

(٤) قوله : (بحل) متعلق بوافيه على تضمين معنى التعلق ، أي : متعلقه بحل مشكلات الكافية.

(٥) قوله : (للعلّامة) هو من أحاط الفنون والأصول ، وجمع بين المنقول والمعقول ، فالشيخ في الفضل والاشتهار كالشمس في دار النهار يرشدك تتبع كتبه أصولا وفروعا معقولا ومنقولا ، ومن هنا ظهر فساد ما قيل في وصف ابن الحاجب بالعلّامة نظر ؛ لأن هذا اللفظ إنما يناسب فيما بين العلماء من جمع جميع أقسام العلوم ، كما هو حقه من النقلية والعقلية ، وليس ابن حاجب إلا من أهل العلوم العقلية. (أحمد بن كمال).

(٦) إنما قال : (المشتهر) ، ولم يقل : المشهور ؛ لأن المشتهر صفة العلامة وهي صيغة المبالغة ، فأصل صيغته أن يكون من باب الافتعال الذي هو المبالغة أيضا المتطابق بين الصفة والموصوف ، ولو قال : المشهور لم يطابق ؛ لانتفاء المبالغة. في الآل خلاف : والصحيح أنهم من حرمت عليهم الصدقة.

(٧) قوله : (الشيخ) هو صاحب الوقار سنّا أو علما ، وكلا المعنيين محتمل ، كما صرح الجزري في أسماء الرجال أنه مات وهو ابن ستة وسبعين سنة ، ومن لم يتبنه على ذلك زعم أن المراد هو الثاني بناء على أن الشيخ قتل شابا. (ابن كمال).

قوله : (الشيخ ابن الحاجب) وهو أبو عمرو عثمان بن عمرو ابن أبي بكر المالكي ، كان والده حاجبا للأمير عز الدين ، توفي في الاسكندرية ، ولد سنة سبعين وخمسمائة ، ومات سنة ستة وأربعين وستمائة ، ودفن خارج باب البحر. (ابن خلكان).

(٨) وفي التعبير بالنظم تلميح إلى تشبيه الكلمات بالدر ، وهي استعارة بالكناية (ابن كمال).

(٩) السلك : الخيط ، والتقرير جعل الشيء في قراره ، والسمط : السلك ما دام فيه الحرز وإلا فهو سلك ، والتحرير : التقديم ، وفي إضافة السمط التحرير إشارة إلى أن تحريره لا يفارق الفؤاد التي هي كاللآلئ. (عصام).

١٢

يوسف ، حفظه (١) الله سبحانه وتعالى عن موجبات التلهف والتأسف ، وسميتها بالفوائد الضيائية ؛ لأنه لهذا الجمع والتأليف كالعلّة (٢) الغائيّة (٣) ، نفعه الله تعالى بها وسائر المبتدئين من أصحاب التحصيل (٤) ، وما توفيقي (٥) إلا بالله ، وهو حسبي ونعم الوكيل.

اعلم أن الشيخ رحمه‌الله لم يصدر رسالته هذه بحمد الله سبحانه ، بأن جعله جزءا (٦) منها هضما لنفسه بتخيل (٧) أن كتابه هذا من حيث أن (٨) كتابه ليس ككتب السلفرحمهم‌الله تعالى حتى يصدر به على سننها ، ولا يلزم من ذلك عدم الابتداء (٩)

__________________

(١) وقوله : (حفظه) وفي عبارة التأسف تلميح إلى قصة يوسف عليه‌السلام ، قال يعقوب يا أسفا على يوسف ، اللآن ، فلعطف يخفى للحسن للتذلل مع أنه من المكملين.

(٢) فاعلم أن العلل أربع عندهم ، العلة الفاعلية : وهي مؤلف هذا الكتاب ، والعلة المادية : وهي ألفاظ ، وكلمات الكتاب ، والعلة الصورية : جرم هذا الكتاب ، والعلة الغائية : وهي تعلم يوسف هذا الكتاب واشتغاله به.

(٣) قوله : (كالعلة الغائية) تكون مقدما على الفعل تصورا ومؤخرا وجودا كجلوس السلطان على السرير ، وأما ضياء الدين في هذا المقام ليس علة غائية بل يشبهها من حيث السببية ، فلذا قال الشارح : كالعلة.

(٤) أي : من المتعلمين ؛ لأنه التحصيل خاص في العرف بتحصيل العلم ، وهذا احتراز من أهل الصنائع والحرف. (مصطفى جلبي).

(٥) التوفيق على ستة أوجه : الأول معرفة الشيء بما هو حقه ، وثانيها سهل ، وثالثها دل جعل الله فعل عباده موافقا ويرضاه ، ورابعها باب سد المعصية وفتح باب الخير ، وخامسها وهو الأمر المقرب إلى السعادة الأبدية والكرامة السرمدية ، وسادسها جعل الشيء موافقا للشيء يعني : جعل السباب موافقا للمسببات.

(٦) لأن الجزئية لا يكون إلا بالكتاب لا قولا ولا قلبا ؛ لأنه ليس من شأن المصنف أن لا يصدرها بالحمد القولي ولا بالقلبي ، فعدم التصدير بالجملة الفعلي والقولي والقلبي حين الشروع في شيء من الأشياء ، ليس من شأن العاقل فضلا عن المصنف الفاضل.

(٧) قوله : (بتخييل) مصدر مضاف إلى مفعوله الثاني وفاعله ، ومفعول الأول محذوف تقديره : بتخييل نفسه نقصان كتابه بهذا الترك هو نفس المصنف لا غيره. (محمد أمين).

(٨) (من حيث إنه ... إلخ) فائدة قيد الحشية واضحة ، فإن هذا الكتاب في حدّ ذاته كتاب فائق وبحر موج رائق. (حلبي).

(٩) قوله : (ولا يلزم ... إلخ) وهو عدم العمل بالحديث عند عدم التصدير بالحمد وهو يستلزم إلا قطعية ، فدفع الشارح بقوله : (ولا يلزم ... إلخ).

١٣

به مطلقا ، حتى يكون بتركه أقطع (١) لجواز إتيانه بالحمد من غير أن يجعله (٢) جزءا من كتابه.

وبدأ بتعريف (٣) الكلمة والكلام ؛ لأنه يبحث (٤) في هذا الكتاب عن أحوالهما ، فمتى لم يعّرفا (٥) ، كيف يبحث (٦) عن أحوالهما (٧)؟ ...

__________________

(١) لدخوله تحت قوله عليه‌السلام : «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله ، أو بسم الله فهو أقطع» أخرج الشطر الأول ابن ماجه (١٨٩٤) ، والشطر الثاني الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي ٢ / ٦٩ (١٢٠٩) (محمد الأفندي).

(٢) وله : (من غير أن يجعله ... إلخ) يعنى : سلك المصنف طريق العمل بالحديث معنى لا لفظا ؛ لأن حقيقة الحمد عند المحققين إظهار الصفات الكمالية دون القول المخصوص. (مصطفى الحلبي).

(٣) قوله : (وبدأ ... إلخ) كان دأب المصنفين أن يذكروا قبل الشروع المقصود من النحو الكلمة والكلام ؛ لكونهما موضوعي العلم وتعريف النحو ليكون الطالب على بصيرة في طلبه ، وأن يذكروا الغرض من تحصيل النحو ليزاد رغبة الطالب في تحصيله ، والمصنف ذكر الكلمة والكلام ؛ لأنه لا بد منهما ليمكن الشروع في هذا الفن (عبد الغفور).

(٤) جواب سؤال وهو أن هذا الفن يلزم فيه البحث والبناء وأجاب بما ترى فلا بد من تعريفهما أولا إما بالحد أو بالرسم ليتميز عند الطالب فيبحث عن أحوالها (وجيه الدين).

(٥) أي : لأنهما موضوعان في علم النحو فإن لم يعرف كيف يبحث.

(٦) قوله : (كيف يبحث ... إلخ) وإن قرأ بالتخفيف يصح هذا القول ولكن لا يتم التقريب ؛ لأن المطلوب بيان وجه الابتداء بالتعريف ولم يعلم من هذا الدليل لا كون معرفتهما مما لا بد منه لا تعرفيهما ، ويقال في الجواب أن في الكلام مقدمة مطوية طويت لإمكان معرفتها بأدنى تأمل ، وهي هذه وهما نظريان لا يمكن معرفتهما بطريق من طرق المعرفة سوى التعريف ؛ لأنهما ليسا من المبصرات ولا من المسوعات حتى يمكن معرفتهما بتلك الطرق ، وهذه المقدمة إن قرأ لم يعرفا بالتشديد تقدر قبله ، وأن قرأ بدونه تقدر بعد قوله : كيف يبحث عن أحوالهما ، فتأمل في هذا المقام حتى ينكشف لك قراءة الكلام (نافع الشرواني)

(٧) (فمتى لم يعرفا كيف يبحث ... إلخ) يجوز أن لم يعرفا من التعريف كما يفهم من قوله : بتعريف الكلمة ، وأن يكون من المعرفة كما هو المناسب بقوله : كيف يبحث من أحوالهما ؛ لأن البحث عن أحوال الشيء لا يستدعي تعريفه بل معرفته ، فإن قرأ بالتشديد يتم التقريب ، ولكن يرد عليه أن البحث عن أحوال الشيء لا يستدعي تعريفه بل معرفته فلم لا يجوز أن يكون الكلمة الكلام بديهيات أو معلومين من طريق آخر من طرق المعرفة لا يستدعي تعريفه مثل السمع والبصر غير ذلك فلا يحتاجان إلى تعريف ، فلا يصح.

١٤

وقدم (١) الكلمة على الكلام ، لكون أفرادها جزءا من أفراد الكلام (٢) ، ومفهومها جزءا من مفهومه ، فقال :

* * *

__________________

(١) اعلم أن التقدم خمسة : التقدم بالزمان وهو وقوع الشيء زمان مقدم ، كتقدم الأب على الابن ، وتقدم بالرتبة وهو أقريبة الشيء إلى مبدأ معين بالنسبة إلى شيء آخر كتقدم الإمام على المأموم ، وتقدم بالذات وهو سبق بعض أجزاء الزمان على بعض كتقدم العلم على العلوم ، وتقدم بالطبع وهو كون المتقدم بحيث يحتاج إليه المتأخر ولا يكون علة للثاني كتقدم حركة اليد على المفتاح ، وتقدم بالشرف وهو كون الشيء صاحب كمال وفضيلة بالنسبة لنا إلى الغير كتقدم المعلم على المتعلم (تعريفات سيدي).

(٢) فإن قلت : إذا كان الكلم جنسا واللام للجنس يجتمع جنسان! قلت : معنى الجنس الأول اسم الجنس والثاني الحقيقة فلا اجتماع. (داود).

١٥

(الكلمة)

(الكلمة) قيل : هي والكلام مشتقان (١) من الكلم ـ بتسكين اللام ـ : وهو الجرح ، لتأثير معانيهما (٢) في النفوس (٣) كالجرح ، وقد عبر بعض الشعراء (٤) عن بعض تأثيراتهما بالجرح حيث قال (٥) :

جراحات السّنان لها التئام

ولا يلتام ما جرح اللسان

__________________

(١) الاشتقاق رد كلمة إلى أخرى لتناسبهما في اللفظ في المعنى ، والمشهور المناسبة المعنوية أن يدخل معنى المشتق ، منه في المشتق ويعلم من هذا الكلام أنه يكفي في الاشتقاق أن يكون معنى المشتق منه لازما ، المعنى المشتق ، أو يكون لازما للأول كاشتقاق الكلمة والكلام من الكلم ، يعني : الكلم الجرح وهو غير لازم للكلمة ولكلام (عصام جلبي).

(٢) وتتأثر النفس بها ، كما أن الجرح يؤثر في النفس بإلا بلام تؤثر به النفس. (وجيه الدين).

(٣) أي : يعلم منه أن بعض تأثيراتها إحداها لا جميع تأثيراتها. (وجيه).

(٤) قوله : (وقد عبر بعض الشعراء) قال الشارح الكازروني : قائله أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي‌الله‌عنه ، ولم يبلغ ذلك الشارح ، ولو بلغه لم يرض بأن يعبر عنه ببعض الشعراء.

(٥) أول الشعر :

رحب الفضاء مع الأعداء ضيقة

سم الخياط مع الأحباب ميدان

قال المصنف : الكلمة ، أقول : إن الكلمة لغة تطلق ويراد بها الكلام التام ، كقوله تعالى : (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) [التوبة : ٤٠] وقد تطلق على الشهادتين فيقال : كلمة الشهادة وقد تطلق على قوله : لا إله إلا الله ، كما يقال : كلمة التوحيد وكلمة الإخلاص وقد تطلق على ما ذكره المصنف على القصيدة كما يقال هذه كلمة الحويدة ، واصطلاحا تطلق على ما ذكره المصنف.

فإن قيل : فحينها حقه أن يقال : هذه صطلاحا ؛ لأنها قد يكون لغة الكلم والجمل ، قلت : نعم إلا أنه تركه ذلك لاعتماده على كلامه في العلم الاصطلاحي ، وأنت تعلم أن كان للفظ معنى بحسب الاصطلاح ، وله معنى آخر بحسب اللغة ، وأرد أهل الاصطلاح أن يفسروا هذا بحسب الاصطلاح فيكون التعرض له من غير تقيد بالاصطلاح.

١٦

والكلم ـ بكسر اللام ـ : جنس (١) لا جمع (٢) ك : (تمر وتمرة) (٣) بدليل قوله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ) [فاطر : ١٠].

وقيل : جمع ، حيث لا يقع إلا على الثلاث فصاعدا.

والكلم الطيب يؤول ببعض الكلم (٤) ، واللام (٥) فيها للجنس والتاء للوحدة ، ولا منافاة بينهما ، لجواز اتضاف الجنس بالوحدة (٦) والواحد بالجنسية ، يقال : (هذا الجنس واحد) و (ذلك الواحد جنس). ويمكن حملها على العهد الخارجي (٧) بإرادة الكلمة المذكورة على السنة النحاة.

__________________

(١) لو كان جمعا لوجب رده في التصغير إلى الواحد فيقال : كلمة ، لأنه جمع كثرة ، وجمع الكثر عند المصنف رد الواحد ، بخلاف جمع القلة. (وجيه الدين).

(٢) قوله : (لا جمع) يدل عليه تصغيره على كليمة ؛ لأن المفرد يصغر لا الجمع ، وقولهم : أحد عشر كلما ؛ لأنه تمييز أحد عشر مفرد لا جمع.

(٣) والفرق بين الكلم وبين التمر بأن الكلم لم يطلق إلا على الثلاث ، بخلاف التمر. (عصام).

(٤) قوله : (يؤول ببعض الكلم) مع أنه يمكن أن يقال : قد صرح علما التفسير والأصول.

والنحو بأن لام التعريف يبطل معنى الجمعية ، قلما بطل هنا معنى الجمعية لم يؤنث.

(٥) قوله : (واللام حرف التعريف) هو الإشارة إلى معين في ذهن الخاطب ، وهو أربعة أقسام : لام الجنس لام أشير بها إلى الحقيقة من حيث هو هو ، أي : مع تحققه في ضمن كل الأفراد كقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ٢] الأية ، ولام عهد الخارجي لام أشير به إلى حصة معينة من ماهية مدخولها إما فردا وأفرادا كقوله تعالى : (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) [المزمل : ١٦] ، وعهد ذهني لام أشير به إلى خصة من حيث وجوده في ضمن ببعض الأفراد بلا تعين مثل قول المولى لعبده اشتر اللحم وادخل السوق.

(٦) قيل : حاصل الجواب أن الوحدة ثلاثة أنواع الوحدة الجنسية كالحيوان ، والوحدة النوعية كالإنسان ، والوحدة الفردية والشخصية كرجل وزيد ، والمراد بالوحدة هنا الوحدة الجنسية لا غيرها حتى تكون منافات بينهما. انتهى ، وفيه نظر ؛ لأن الوحدة المستفاد من التاء الوحدة الفردية ، وهذا مما لا يرتاب فيه أصلا ، والجواب الصواب قاله السيد الشريف الحسيني في شرح الرشاد المسمى بالإرشاد أن التاء ههنا من معنى الوحدة ، وفائدة دخولها للبيان والإشعار أن هذا الجنس من قبيل : ما يقبل الانقسام إلى أنواع لا من ما لا يقبل.

فمن جملة أفراد الكلام مثل قولنا زيد قائم ، ومن أفراد الكلمة مثلا زيد لو قائم فيكون أفرادها جزأ من أفراد الكلام ؛ لأن كل واحد من زيد وقائم جزأ من مجموع زيد قائم. (مصطفى جلبي).

(٧) وعلامة كون اللام للعهد الخارجي يوجب جهالة المحدود مقام التعريف مع أن الذهني ؛ وكلا منهما لا يناسب وكم يتعرض الاستغراق العهد.

١٧

(لفظ) اللفظ (١) في اللغة : الرمي (٢) يقال : (أكلت التمرة ولفظت النواة) أي : رميتها (٣) ، ثم نقل في عرف النحاة ابتداء أو بعد جعله بمعنى الملفوظ ، ك : (الخلق) بمعنى المخلوق إلى ما يتلفظ به الإنسان

حقيقة كان أو حكما مهملا كان أو موضوعا ، مفردا كان أو مركبا. واللفظ الحقيقي(٤) ك : (زيد) و (ضرب) والحكمي : كالمنوي في (زيد ضرب) و (أضرب) إذ ليس (٥) من مقولة الحرف (٦) والصوت أصلا (٧) ، ولم يوضع له لفظ (٨) ، وإنما عبروا عنه باستعارة (٩) لفظ المنفصل له من نحو : (هو) و (أنت) وأجروا عليه أحكام اللفظ (١٠) ،

__________________

(١) اللفظ أعم من الكلمة ؛ لأن كل كلمة صحة وضع الضمير موضعه.

(٢) بمعنى الرمي مطلق فلا يصير شاهدا على أن اللفظ ؛ لأن يتوهم أن اللغة رميها من الفم.

ـ المتعلق بالكسر وليس فيه مؤنثة تعدد النقاء (عبد الغفور) إنما صرح بقوله أي : رميتها دفعا مدور وكل مدور ليس يجوز لفظ دون العكس كما أن كل جوز.

(٣) فيكون من قبيل تسمية للمسبب باسم السبب ، أو من قبيل تسمية المتعلق بفتح اللام باسم التعليق.

(٤) قوله : (واللفظ الحقيقي والمراد بالحقيقي) ما يقابل الحكمي لا المجازي ؛ لأنه لو كان المراد ما يقابل المجازي يرد أن المنوي لفظ حقيقي بهذا ، إذ اللفظ موضوع عرفا ما يتلفظ به الإنسان حقيقة أو حكما.

(٥) قوله : (إذ ليس من مقولة الحرف ... إلخ) اعلم أن قول الشارح : والحكمي كالمنوي هذا يتضمن أمرين : أحدهما أنه ليس بمتلفظ به حقيقة ودليله إن ليس مقولة الحرف والصوت ، وثانيهما أنه متلفظ به حكما ودليله أنهم أجروا عليه أحكام اللفظ من كونه مسندا إليه وبه مؤكدا أو معطوفا عليه وغير ذلك.

(٦) يعني أن المنوي في زيد ضرب واضرب ليس من جزئيات الحرف والصوت ، ولا يصدقان عليه أصلا إذ لم يوضع له لفظ حتى يكون لفظ حقيقة ، اعلم أن مادة الكلام ومادة الكلمة الحروف ، ومادة الحروف الصوت ، ومادة الصوت الهواء (وجيه الدين).

(٧) قوله : (أصلا) أي : لا في بعض الأحيان ولا في كلها ، بخلاف اللفظ الحقيقي الغير المحذوف فإنه من مقولة الحرف والصوت في كل أحيان ، وبخلاف المحذوف فإنه من مقولته في بعض الأحيان. (داود الإسكندري).

(٨) قوله : (ولم يوضع له لفظ) خاص به حكما لا يكون مذكورا عبارة خاصة دالة عليه لكن جعلوا مثل هو وأنت كناية عنه فهو عارية (غفور).

(٩) بأنه قيل : أنتم قلتم إن ليس بمعنى ؛ لأنه لم يوضع له لفظ ، فما التعبير عنه بالمنفصلة من نحو هو وأنت ، فأجاب بقوله : (باستعارة) وهذه الاستعارة من قبيل عمل ليس لما ولا.

(١٠) بعد الاستعارة ، والمراد بأحكام الإسناد والعطف عليه وتأكيده وكونه ذا حال وغير ذلك.

١٨

فكان لفظا حكما (١) لا حقيقة والمحذوف لفظ حقيقة ؛ لأنه قد يتلفظ به الإنسان في بعض الأحيان وكلمات (٢) الله تعالى داخله فيه ؛ إذ هي مما يتلفظ به الإنسان ، وعلى هذا القياس كلمات الملائكة والجن (٣).

والدوال الأربع (٤) : وهي الخطوط والعقود والإشارات والنصب غير داخلة (٥) في اللفظ فلا حاجة إلى قيد زائد يخرجها. وإنما قال (لفظ) (٦) ولم يقل

__________________

(١) يعني : أنهم حكموا أنه لإجراء أحكام لألفاظ عليه مثل الإسناد إليه والإبدال منه وتأكيدا فالمنوي في حد ذاته أمرا اعتبروه وهو الذي عبروا عنه بهو وأنت ، وليس بلفظ بل كيفية للفظ الذي نوى فيه فيكون من مقولة الكيف فلا يصح ما قيل : لا أدري من أي مقولة هو ، وقال : إن المنوي قد يكون من مقولة الواجب ، وقد يكون من مقولة الجسم ، وقد يكون من مقولة العرض ، فقد اشتبه الدال بالمدلول ، فإن مقولتهما إنما هو مرجعه لا نفسه الذي هو من الكيفيات. (وجيه الدين).

(٢) ولم يقل ألفاظ الله تعالى رعاية للأدب ؛ لأن اللفظ يطلق على المهمل والمستعمل ، بخلاف الكلمة فإنه لا يطلق على المهملات ، ولأن اللفظ خاص مما يخرج من الفم بخلاف القول ، يقال لفظ الله كما يقال : قول الله تعالى. (سيدي).

(٣) نقل من عجائب المخلوقات أن نوعا من الجن يقال له الهاتف صاح على حرب بن أمية فمات ، فقال له ذلك الجني : في قرشية وقبر ، حرب بمكان قفر ، وليس قرب قبر حرب قبر ، أي : حال عن الماء والكلاء. (ح ع ب).

(٤) قوله : (والدوال الأربع) وكذا أمثالها مثل ضرب النقارة ، الدال على ركوب السلطان النقار ، طبل الويل ضيق الوسط واسع الطرفين ، ومثل عض الشفتين الدال على إسكات الغير ، وكتحريف الأجفان الدال على تحريك العين. (مع عصام) لأن الدوال الأربع ليست مما يتلفظ به الإنسان أصلا وغيره ، وما لم يتلفظ حقيقة لا يكون داخلا في اللفظ.

(٥) قوله : (غير داخلة في اللفظ) الذي هو أو لأجزاء التعريف ، ولما لم يدخل فيه لم يحتج في تصحيح التعريف إلى اعتبار إخراجه بقيد حتى يلزم علينا ارتكاب تعسف كما تعسفوا ، حيث قالوا : إن الجنس والفصل إذا كان بينهما عموم من وجه جاز الاحتراز بالجنس ؛ لجواز أن يعتبر الفصل جنسا والجنس فصلا.

بخلاف المهملات وغيرها فإنها داخلة في اللفظ فيتحاج إلى قيد يخرجها ولذا قال وضع لمعنى. ـ قوله : (فلا حاجة إلى قيد يخرجها) كأنّ هذا اعتراض لمن جعله اللفظ جنسا من وجه ، وفصلا من وجه ، حتى يدخل الدوال الأربع ثم يخرجه.

في اللغة جعل الشيء في خبر فكان الواضع بتعينه يجعل المعنى خبر اللفظ.

(٦) قوله : (وإنما قال لفظ ولم يقل لفظة) ، يعني : عدل عن قول صاحب المفصل : لفظه ، مع أنه أخص منه ؛ لأنه لم يقصد الوحدة ؛ لأنه وقع حيث يشمل المطابقة بين المبتدأ والخبر ـ

١٩

(لفظة) لأنه لم يقصد الوحدة (١).

والمطابقة غير لازمة (٢) لعدم الاشتقاق مع كون اللفظ أخصر.

(وضع) (٣) الوضع (٤) : تخصيص شيء بشيء ، بحيث (٥) متى أطلق (٦) وأحسّ الشيء الأول فهم منه الشيء الثاني.

__________________

ـ واجب ، فلا وجه للعدول عنه. قلت : المطابقة غير لازمة ؛ لأن المطابقة إنما تشترط فيما إذا كان الخبر مشتقا مع أن اللفظ أخص من اللفظة فرجح على اختيار اللفظة ، ولم يخبر اختيار أيها شاء على السوية. (وجيه الدين).

(١) لأن قصد الوحدة غير صحيح وإلا لم يصح قصدها في الكلمة ؛ بل لأنه لا يحتاج إلى قصدها فيها لصدقها بدون التاء على الكلمة الواحدة ، بخلاف الكلم لكن الكلمة الواحدة واللفظة الواحدة عند المصنف ما وضع لمعنى مفرد ، فمناط الوحدة عنده الإفراد بخلاف صاحب المفصل فإنه جعل مناط الوحدة أن لا يصح التلفظ بها مرتين حينا من الأحيان ، فعبد الله عند المصنف ليس بكلمة لإمكان التلفظ به مرتين باعتبار المعنى الإضافي (وجيه الدين).

(٢) بين المبتدأ والخبر غير لازمة ؛ لأن وجوب مطابقة الخبر مشروطة بثلاثة أشياء : الأول الاشتقاق أو ما في حكمه كاسم المنسوب ، والثاني الإسناد إلى الضمير الراجع إلى المبتدأ بشرط كونه تحته ، والثالث عدم التساوي بين المذكر والمؤنث كجريح وصبور ، وقد انتفت الشروط الثلاثة جمعيا كما لا يخفى على أولي النهى. (زيني داود).

(٣) وإنما قال : (وضع) بالماضي المجهول لأن في واضع اللغة خلافا ، قال بعضهم هو الله تعالى ، وقال بعضهم غيره ، وتفصيله في علم الوضع خصوصا في رسالة أستاذنا (لمحرره رضا).

(٤) الوضع مشترك بين معنيين أحدهما تعيين اللفظ بإزاء المعنى ، وعلى هذا ففي المجاز وضع ، وثانيها تعيين اللفظ بنفسه لمعنى ، وعلى هذا لا وضع في المجاز لا شخصيا ولا نوعيا إذا لا بد فيه من اعتبار القرنية الشخصية والنوعية ، والمعتبر عند الجمهور هو الثاني حسبة ، اعلم أن الوضع اللفظي ثلاثة أنواع : وضع جنس كالحيوان فإنه وضع لجسم تام خاص متحرك بالإرادة ، ووضع شخصي كزيد فإنه وضع للحيوان الناطق الشخص أو شخص معين (شرح مطالع).

الذي وضعوا بالبلاغة وهم أهل الحل والعقد (محرم).

(٥) قوله : (بحيث) أي : حال كون ذلك الشيء المخصص ملابسا لذلك الحيثية التي هي مضمون الشرطية ، وبه يخرج تخصيص حروف الهجاء لغرض التركيب. (لارى).

(٦) والإطلاق إجراء اللفظ على اللسان كإجراء لفظ زيد مثلا ، فإنه إذا أجري على اللسان يفهم منه الذات الشخصية ، وأما الحس فكما إذا أحس العقد فهم العقود ، وكما إذا أحس الحظ فهم معناه ، هذا إذا كان به عالما بالوضع ، فإن لم يكن عالما لا يمكن بالإطلاق أو الإحساس فهم الشيء الثاني.

٢٠