شرح ملّا جامي - ج ٢

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي

شرح ملّا جامي - ج ٢

المؤلف:

عبد الرحمن بن أحمد نور الدين الجامي


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية و الاُستاذ علي محمّد مصطفى
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢

متعلق) (١) أي : أمر غير الفاعل يتعلق الفعل به ، ويتوقف فهمه عليه (٢) فإن (٣) كل فعل لا بد له من فاعل وفهمه موقوف على فهمه ، لكن نسبة الفعل إلى الفاعل بطريق الصدور والقيام والإسناد ، فيقال : هذا الفعل صادر من الفاعل وقائم به ومسند إليه ، ولا يقال في الإصطلاح : إنه متعلق به ، فإن التعلق (٤) نسبة الفعل إلى غير الفاعل ، فالحاصل أن فهم الفعل إن موقوفا على فهم غير الفاعل فهو المتعدي ك : (ضرب) (٥) فإن فهمه موقوف على لقتل المضروب ، ولا يكن لقتله إلا بعد (٦) بقتله ، بخلاف الزمان والمكان والغاية وهيئة الفاعل والمفعول ، فإن فهم الفعل بدون هذه الأمور (٧) ممكن ، (وغير

__________________

(١) أي : معين كان فاندفع ما قيل أن التعريف غير مانع لدخول اللازمة التي مدلولاتها نسب كقرب وبعد لعدم أخذ النسبة إلى أمر معين في مفهومها بل إلى أمر ما لمجيء استعمالها بدون متعلقاتها كقرب زيد. (حاشية).

(٢) قوله : (ما يتوقف فهمه ... إلخ) اعلم أن نسبة الفعل المتعدي إلى المفعول كنسبة إلى الفاعل في أنه لا يجوز استعماله بدونهما إلا على خلاف مقتضى الظاهر لنكتة إلا أن نسبة الفاعل لما كانت مقصودة بالذات لا يجوز تركه إلا بإقامة شيء مقامه بخلاف نسبته إلى المفعول به فإنه فضلة مقصودة لتكميل الفاعل يجوز تركه من غير إقامة شيء مقامه وأما سائر المفاعيل فإنه يجوز استعماله بدونها فعلم من ذلك أن نسبته إلى المفعول المعين مأخوذة في مفهوم الفعل المتعدي كيلا يكون استعماله في مواده مجاز؟ لا حقيقة له كالنسبة إلى الفاعل فيكون فهم مدلوله موقوفا على فهم متعلقه. (سيالكوني).

(٣) تعليل لتخصيصه في الاصطلاح بغير الفاعل ولكون اعتبار قيد التعلق ظاهرا وقيد التوقف للإشارة إلى أن المراد به ما صدق عليه غير داخل في مفهومه لم يتعرض لتعليلهما. (س).

(٤) قوله : (فإن التعلق) قد دل عبارته سيما هذه العبارة أن المتعلق اسم الفاعل هو الفعل فالمفعول هو المتعلق اسم المفعول بالحذف والإيصال فما وقع في التعريف اسم مفعول إلا أن يقال التعلق من الجانبين فكان أن الفعل متعلق بالمفعول فالمفعول أيضا متعلق به وضح بيان تعلق الفعل معنى المتعلق الذي هو المفعول. (عصام).

(٥) وعلامة المتعدي أن يكون فعل عضو كضرب بيده وركض برجله وأبصر بعينه وسمع بأذنه وتكلم بلسانه أو كأمر كذاق وشمر أو قلب كعلم وظنّ. (خبيصي).

(٦) والمراد بالبعدية الزمانية لامتناع تعقل شيئين في زمان واحد أي : لا يمكن تعقل ضرب إلا بعد تعقل المضروب المعين بالزمان لما أن النسبة مأخوذة في مفهومه وفهم النسبة متأخرة عن فهم الطرفين زمانا. (س).

(٧) إن كان الفعل لا يوجد بدون هذه الأمور. (وجيه).

٣٠١

المتعدي (١) بخلافه) أي : بخلاف المتعدي يعني لا يتوقف فهمه على فهم أمر غير الفاعل ك: (قعد) ، فإنه وإن كان له بكل واحد من الزمان والمكان والغاية وهيئة الفاعل (٢) لكن فهمه مع النفلة عن هذه المتعلقات جائز ، وغير المتعدي (٣) يصير متعديا ، إما بالهمزة نحو أذهبت زيدا ، أو بتصفيف العين نحو فرّحت زيدا ، أو بألف المفاعلة (٤) نحو ماشيته ، أو لبسين الاستنعال نحو استخرجته ، أو بحرف الجر نحو ذهبت بزيد ، (والمتعدي يكون) متعديا (إلى) مفعول (واحد ك : (أعطى) وإلى اثنين ثانيهما عين الأول فيما (٥) صدق عليه (نحو (٦) علم ، وإلى) مفاعيل ثلاثة ك : (أعلم (٧).

__________________

(١) وعلامة اللازم ما كان فعل جميع البدن كقام وذهب وشبههما أو ما كان من فعل مفهوم العين أو من فعل مكسورة. (موشح).

(٢) قوله : (وهيئة الفاعل) قد حقق أن المفعول يبين الحالة أعم من المفعول فلا وجه لترك هيئة المفعول في هذا المقام فإن اللازم كالمتعدي له تعلق بهيئة الفاعل والمفعول. (فاضل محشي).

(٣) قوله : (وغير المتعدي) وما قيل أن المتعدي يصير لأن ما ثبوت الانفعال وتاء التفعلل فتوهم إذ معنى التعدي وصول الفعل إلى المفعول وعدم التعدي انقطاعه عنه فلا بد فيه من الاشتراك في المعنى وفيما نحن فيه ليس كذلك ؛ لأن باب الانفعال والتفعلل معناه التأثر والقبول والمطاوعة. (س).

(٤) اعلم أن الصرفيين لم يذكروا ألف المفاعلة وسين الاستفعال من أسباب التعدية ولعلهم لم يذكروهما اكتفاء بذكر غيرهما وإلا فلا فرق بينهما وبين التضعيف والهمزة. (أيوبي).

(٥) قوله : (ثانيهما غير الأول) كأعطى وهو سماعية كثيرة جمعتها إلى ستين وأرجو أن أضبطها وأعمل رسالة بها ينتفع الطالبون. (عصام).

(٦) قوله : (فيما صدق عليه) أي : فيما يحملان عليه فإن معنى الصدق الموصل بعلى سواء كانا كليين أو جزئيين أو أحدهما كليا والآخر جزئيا وإنما قيد بذلك لوجوب التغاير في المفهوم ليفيد الحكم. (س).

(٧) قوله : (نحو علم) هذا عند البصريين وقال الكوفيون : ثاني مفعول باب علمت حال وليس بشيء ؛ لأن الحال لا يكون علما وضميرا أو اسم إشارة ويجوز ذلك في هذين المنصوبين. (س).

(٨) قوله : (كأعلم) وأما علم فلم ينقل علمتك زيدا قائما بل لم يستعمل ثاني مفعولي علمت إلا ما هو مضمون الأول والثاني أو مضمون الثاني لعلمت تقوله في علمت زيدا عمرا منطلقا علمت زيدا انطلاق عمرو وعلمت زيدا انطلاق. (س).

٣٠٢

وأرى (١)) بمعنى أعلم وهما أصلان في هذا القسم ، فإنهما كانا قبل إدخال الهمزة متعديين إلى مفعولين فلما أدخلت عليهما الهمزة زاد مفعول آخر (٢) يقال له : المفعول الأول ، وأما (٣) الأفعال الأخر وهي (أنبأ ونبّأ وخبّر وأخبر وحدّث) فليست أصلا (٤) في التعدية إلى ثلاثة مفاعيل بل بق ٦ يتها إليها إنما هي بواسطة (٥) اشتمالها على معنى الإعلام ، (وهذه) الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل (فعولها الأول كمفعول) باب (أعطيت) في جواز الاقتصار عليه كقولك : أعلمت زيدا ، والاستغناء عنه كقولك أعلمت عمرا منطلقا ، (والثاني والثالث) من مفعوليها (كمفعولي علمت) في وجوب) ذكر أحدهما عند ذكر الآخر ، وجواز تركهما معا.

__________________

(١) إذ معنى أعلمت زيدا صيرته عالما والعلم يتعدى إلى مفعولين وكذا أرأيت وهذان مما يتعدي إلى ثلثة مفاعيل على التحقيق بالاتفاق. (خبيصي).

(٢) فإنا إذا قلنا : علم زيد عمرا فاضلا ثم قلنا : أعلم زيد بكرا عمرا فاضلا فالزائد هاهنا هو بكر. (أيوبي).

(٣) ولما كان مقصود الشارح أن يفرق بين الأفعال المتعدية إلى الثلاثة بما هو أصل فيها وبما هو ليس كذلك خرج كلام المصنف بكلامه وأشار إلى ما هو الأصل منها فأراد أن يشير إلى ما ليس بأصل منها فقال : (والأفعال ... إلخ). (تكملة).

(٤) قوله : (ليست أصلا في التعدية) أي : ليست مما صار بالهمزة والتضعيف متعديا إلى الثلاثة بعد التعدي إلى اثنين فلم يستعمل من ثلاثياتها فعل مناسب لهذا المعنى الأخير بكسر الياء بمعنى علم وأما حدث ونبأ ثلاثين فلم يستعملا مشتقين من النباء والحدث. (عبد الحكيم).

(٥) قوله : (بواسطة اشتمالها ... إلخ) لأن الأنباء والتنبئة والتحديث بمعنى الإعلام وأما في نفسها فكانت متعدية إلى واحد بنفسها وإلى آخر بالجار نحو : (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ)[البقرة : ٣٣](نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ)[الأنعام : ١٤٣] ومن هذا يعلم أن التضمين أيضا من أسباب التعدية وقد ذكر في المغني أن أسباب التعدية سبعة الأربعة المذكورة فيما سبق والخامس : صوغه على حد نصر ينصر لإفادة الغلبة نحو : كرمت زيدا ، والسادس : التضمين ، والسابع : إسقاط حرف الجر ولم يلحق سيبويه من هذه الخمسة الأنباء والبواقي ألحقها غير غيره وأما أحدث فلم يستعملوه بمعناه والحق بعضهم أرى الحلمية بأعلم سماعا نحو : أرى إليه في النوم عمرا سالما. (سيالكوني).

٣٠٣

(أفعال القلوب) (١)

وتسمى (٢) أفعال الشك واليقين أيضا. وكأنهم أرادوا بالشك (٣) الظن ، وإلا فلا شيء من هذه الأفعال بمعنى الشك المقتضي تسوي الطريفين.

وهي (ظننت (٤) ، وحسبت ، وخلت) وهذه الثلاثة للظن.

(وزعمت) وهي تكون تارة للظن وتارة للعلم.

(تدخل) أي : هذه الأفعال (على الجملة الاسمية لبيان ما هي) أي : تلك الجملة من حيث (٥) الإخبار بها ناشئة (عنه) من الظن (٦) والعلم كما إذا قلت : (علمت زيدا قائما) فقولك (علمت) لبيان أن ما أنشأت هذه الجملة عنه حيث تكلمت بها ، وأخبرت بها عن قيام زيد إنما هو العلم.

وإذا قلت : (ظننت زيدا قائما) فقولك (ظننت) لبيان أن منشأ الإخبار بهذه الجملة هو الظن ، وكذلك بواقي الأفعال.

__________________

(١) وإنما سميت هذه الأفعال القلوب ؛ لأنه لا تحتاج في صدورها إلى الجوارح والأعضاء الظاهرة بل يكفي فيها القوة العقلية. (فاضل أمير).

(٢) عطف على الخبر المحذوف أي : أفعال القلوب هذه المذكورات أو على مجموع المبتدأ والخبر والشارح تبع عبارة المتن فجعل قوله : (أفعال القلوب) مبتدأ محذوف الخبر وقدر لقوله ظننت مبتدأ آخر. (حاشية).

(٣) هذا خلط اللغة باصطلاح الميزانيين وإلا ففي اللغة الشك خلاف اليقين على ما في القاموس. (عصام).

(٤) وقد جاء ظن بمعنى علم قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ)[البقرة : ٤٦] ، ورأى بمعنى ظن كقوله تعالى : (يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً)[المعارج : ٦ ـ ٧] ، أي : يظنونه ونعلمه. (خبيصي).

(٥) قوله : (من حيث الإخبار) لما علمت أن فائدتها الإعلام بأن النسبة حاصلة عما دلت عليه من علم أو ظن طابق للواقع أولا فالمقصود منها إعلام المخاطب بالعلم أو الظن القائم بالفاعل بالمتعلق بالنسبة. (حكيم).

(٦) يعني : أن الإخبار عن الجملة ينشأ إما عن الظن أو العلم ؛ لأنه يعلم أو يظن أولا ثم يخبر. (وجيه الدين).

٣٠٤

(فتنصب) أي : هذه الأفعال (الجزئيتين) أي : جزئي الجملة الاسمية المسند والمسند إليه على أنهما مفعولان لها.

(ومن خصائصها) هي جمع خصيصة ، وهي ما يختص بالشيء ولا يوجد في غيره ، أي ومن خصائص أفعال القلوب (أنه إذا ذكر أحدهما ذكر الآخر) (١) فلا يقتصر (٢) على أحد (٣) مفعوليهما.

وسبب ذلك ـ مع كونهما في الأصل مبتدأ وخبرا ، وحذف المبتدأ والخبر غير قليل ـ أن المفعولين معا بمنزلة اسم واحد ؛ لأن مضمونهما معا هو المفعول به (٤) في الحقيقة ، فلو حذف أحدهما كان كحذف بعض أجزاء الكلمة (٥) الواحدة ، ومع هذا فقد ورد ذلك مع القرينة على قلة (٦).

أما حذف المفعول الأول فكما في قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما

__________________

(١) لكونهما على ما كان عليه من منسوب ومنوب إليه. (خبيصي).

(٢) قوله : (فلا يقتصر ... إلخ) الاقتصار حذف الشيء بغير دليل أعني الحذف نسيا منسيا فإن أريد يذكر الآخر الذكر الحقيقي كانت القاعدة باعتبار الغالب الكثير وإن أريد الشامل للتقديري أعني الحذف لدليل فإن المقدر كالملفوظ كانت القاعدة على عمومها كأنه قيل لابد من ذكر الآخر حقيقة أو تقديرا وما قيل عصام أنه يلزم على هذا أن لا يجوز علمت ضربي زيدا قائما ففيه أن حذف الخبر هاهنا مع القرينة على أن صحة الكلام المذكور ممنوع ولزم حذف إنما هو على تقدير كون المصدر المبتدأ. (سيالكوني).

(٣) بيان اللازم يعني : أنه إذا وجب عند ذكر أحدهما ذكر الآخر لزم أن لا يجوز الاقتصار. (أمير).

ـ وإن جاز أن لا يذكر معا كقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ)[الكهف : ٥٢] ، أي : زعمتموهم إياهم. (تكملة).

(٤) قوله : (هو المفعول به في الحقيقة) والفعل المتعدي إليهما يتعدى إليهما يتعدى إلى مفعول واحد في الحقيقة وهو المصدر المأخوذ من المفعول الثاني المضاف إلى المفعول الأول وإن كان جامدا فإن معنى علمت هذا زيدا علمت زيدية هنا. (عبد الحكيم).

(٥) لكون هذه الأفعال داخلة على المبتدأ والخبر فكما أنه للمبتدأ من الخبر وبالعكس لا بد لأحد المفعولين من الآخر. (فاضل أمير).

(٦) قوله : (قلة) أي : مع بقائه على المفعولية وأما إذا حذف الفاعل وأقيم المفعول الأول مقامه فهو واقع على كثير كما مر في بحث المفعول به. (سيالكوني).

٣٠٥

آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) على قراءة (ولا يحسبن) بالياء (١) المنقوطة من تحت بنقطتين ، أي : لا يحسبنّ هؤلاء بخلهم هو خير لهم. فحذف (بخلهم) الذي هو المفعول الأول.

وأما حذف الثاني فكما في قول الشاعر :

لا تخلنا (٢) على غراتك إنّا

طالما قد وشى بنا الأعداء

أي : لا تخلنا جازعين ، فحذف (جازعين) الذي هو المفعول الثاني.

(بخلاف باب أعطيت) فإنه يجوز فيه الاقتصار على أحدهما مطلقا ، يقال : (فلان يعطي الدنانير) من غير ذكر المعطي له و (يعطي الفقراء) من غير ذكر المعطي.

وقد يحذفان (٣) معا كقولك (فلان يعطي ، ويكسو) إذ يستفاد من مثله فائدة بدون المفعولين بخلاف مفعولي (٤).

__________________

(١) وجعل الذي يبخلون فاعله وأما على قراءة الخطاب فالذين يعجلون مفعوله الأول على حذف المضاف إلى محل الذين وإقامة المضاف إليه مقامه وخيرا مفعوله الثاني. (حاشية).

(٢) والمعنى لا تظن أنا جاز عون لإغرائك الملك إذ قد وشى قبل ذلك الوشاة أي : لغماز عند الملك فلا يضرنا. (وجيه).

ـ كلمة على بمعنى اللام متعلق بالمفعول الثاني المحذوف والغراء بمعنى الإغراء أي : التخصيص مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف والملك وكلمة ما في طالما كافة لطال عن العمل في الفاعل ولهذا دخل على قد وشى يقال: وشى إلى السلطان أي : سعى بالغمز بنا متعلق بوشى والأعداء فاعل له وجملة قد وشى مرفوعة المحل على أنها خبر أن في أنا وجملة أنا في مقام التعليل لقوله : لا تخلنا. (لمحرره).

(٣) قوله : (وقد يحذفان نسيا منسيا جملة مستأنفة) كأن سائلا يقول : قد علم حال بأبي علمت وأعطيت في الاقتصار على أحدهما فما حالهما في المفعولين وفيهما تدافع لتوهم جواز حذف مفعولي باب علمت مطلقا المستفاد من قوله : إذا ذكر أحدهما ذكر الآخر بطريق المفهوم المخالف. (س).

(٤) وإن وقع موقع المفعولين ظرف نحو : ظننت عندك أو شبهه نحو : علمت لك أو ضمير نحو : ظننته أو اسم إشارة نحو : ظننت ذلك فإن كان أحد هذه الأشياء أحد المفعولين امتنع الاقتصار عليه وإن لم يكن أحد المفعولين جاز الاقتصار انتهى قول شرح التسهيل فاندفع ما قيل : لا نسلم عدم حصول الفائدة لجواز أن يحصل بأمر آخر سوى المفعولين. (س).

٣٠٦

(باب علمت) فإنك لا تحذفهما (١) نسيا منسيا. فلا تقول (٢) : (علمت وظننت) لعدم الفائدة إذ من المعلوم أن الإنسان لا يخلو من علم وظن (٣).

وأما مع قيام القرينة فلا بأس بحذفهما ، نحو : (من يسمع يخل (٤) أي : يخل مسموعه صادقا.

(ومنها) أي : ومن خصائص أفعال القلوب (جواز الإلغاء) أي إبطال عملها (إذا توسطت) بين مفعوليها نحو : (زيد ظننت قائم).

(أو تأخرت) عنهما نحو : (زيد قائم ظننت).

وإنما يجوز الإلغاء على التقديرين (لاستقلال الجزأين (٥) الصالحين (٦) ؛ لأن يكونا

__________________

(١) فقائل : أظن وأعلم بدون قرينة دالة على تجدد ظن أو علم بمنزلة قائل : النار حارة. (ك).

(٢) قوله : (فلا تقول علمت وظننت ... إلخ) فيه بحث إذ لا يلزم من عدم إفادة بعض المواد فائدة عدم الفائدة في جميع المواد كيف وقوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)[الزمر : ٩] ، من أمثلة حذف المفعولين معا نسيا منسيا عند أهل المعاني يدلك تتبع كتبهم بل كفاك النظر في أحوال متعلقات الفعل من التلخيص فالتحقيق أن المفعولين من هذه البابين قد يحذفان معا إما بطريق تنزيل المتعدي منزلة اللازم نحو : فلان يعطي أي : يفعل الإعطاء وقوله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ)[الزمر : ٩] الآية أو بطريق التقدير عند القرينة. (فاضل أمير).

(٣) أصله يخال فلما أنجزهم لوقوعه جزاء من يسمع اجتمع الساكنين الألف المقلوبة من الياء واللام فحذف الألف فبقي يخل مجزوما والمعنى ما يسمع شيئا يخل المسموع صحيحا أي : بحسب والحسبان منه أيضا من أفعال القلوب.

(٤) قال الأصمعي : من أمثالهم في ذم مخالطة الناس واستحباب الاجتناب عنهم قولهم من يسمع يخل يقول من يسمع من أخبار الناس ومن معايبهم يقع في نفسه عليهم المكروه ومعناه أن مجانبة الناس أسلم كذا في أمثال أبي عبيدة. (ك).

(٥) قوله : (لاستقلال الجزأين) بخلاف باب أعطيت ؛ لأن مفعولية ليسا بمستقلين لعدم صحة الحمل فلا يجوز الإلغاء وإذا توسطت أو تأخرت. (سيالكوني).

(٦) قوله : (الصالحين) إنما قال ذلك إشارة إلى علة استقلال الجزأين كلاما تاما وإنما قيد بالتام ليصلح علة لجواز الإلغاء. (وجيه).

ـ قوله : (الصالحين) في الإفادة قيد بذلك احترازا عن صورة التطبيق فإن الجزأين وإن كانا مستقلين لكونهما ليسا صالحين ؛ لأن يكونا مفعولين لوجود المانع. (حكيم).

٣٠٧

مبتدأ وخبر ، أو مفعولين (١) لها (كلاما) تاما (٢) على تقدير (٣) الإلغاء (٤) ، وجعلهما مبتدأ وخبرا ، مع ضعف عملها بالتوسط أو التأخر.

وقد نقل الإلغاء (٥) عند التقديم أيضا نحو : (ظننت زيد قائم) لكن الجمهور على أنه لا يجوز (٦).

وهذه الأفعال (٧) على تقدير إلغائها في معنى الظرف (٨).

فمعنى (زيد قائم ظننت) زيد قائم في ظني.

وفي قوله : (جواز الإلغاء) إشارة إلى جواز إعمالها أيضا على تقدير التوسط والتأخر. وفي بعض الشروح (٩) أن الإعمال أولى على تقدير التوسط وفي بعضها أنهما متساويان.

والإلغاء أولى على تقدير التأخر.

__________________

(١) قوله : (ومفعولين) الظاهر الواو إلا أنه اختارا وللتنبيه على أن صلاحيتها لأمرين المذكورين على البدلية. (حكيم).

(٢) من غير ضم الفعل إليهما فقتنعان عن التأثير عند ضعف العامل بالتأخير. (ك).

(٣) هذا قيد لقوله : (كلاما تاما) يعني : تماميته معتبرة على تقدير إبطال عملها.

(٤) لكونهما حينئذ في معنى الظرف بخلاف تقدير العمل فإنهما ليسا كلاما تاما إذ المقصود نسبة الفعل إليهما بطريق الوقوع عليهما. (حاشية).

(٥) مع قبح ذلك لضعف عمل أفعال القلوب ؛ لأن تأثيرها ليس بظاهر كالعلاج. (وجيه).

(٦) لأنها قويت بالتقديم ؛ لأن دليل العناية والإلقاء دليل عدمها إذ فيه جعل وجود الشيء كعدمه فلا يجتمعان. (وجيه الدين).

ـ لأن عامل الرفع معنوي عند النحاة وعامل النصب لفظي فمع تقدمها يغلب اللفظ المعنوي. (س).

(٧) شرع في بيان أحوال هذه الأفعال حين كون عملها لغوا فقال : (وهذه ... إلخ). (محرم).

(٨) لتحقق معنى الإلغاء وهو إبطال العمل لفظا ومعنى وإذا وقع المصدر بينهما كان منصوبا على الظرفية نحو : زيد ظنك ذاهب ؛ لأن التقدير : في ظنك.

(٩) أي صاحب المتوسط حيث قال : وينبغي أن يعلم أن الأعمال أولى إذا توسطت والإلغاء أولى إذا تأخرت. (لمحرره).

٣٠٨

وقد يقع الإلغاء فيها إذا توسطت بين الفعل ومرفوعه ، نحو : (ضرب أحب زيد) وبين اسم الفاعل ومفعوله ومعموله نحو : (لست بمكرم لحسب زيد) وبين معمولي (أن) نحو : (أن زيد أحسب قائم) وبين سوف ومصحوبها نحو : (سوف أحسب يقوم زيد) وبين المعطوف والمعطوف عليه ، نحو : (جاءني زيد احسب وعمرو) ولا شك أن إلغاءها في هذه الصور (١) واجب ، فلهذا قيد (٢) جوازه المنبئ عن جواز الإعمال بقوله : (إذا توسطت) يعني : بين مفعوليها (أو تأخرت) يعني عنهما.

وإنما خص (٣) هذا الإلغاء الخاص (٤) بالذكر مع أن مطلقه أيضا من خصائصها لشيوعه وكثرة وقوعه.

(ومنهما) أي : ومن خصائص أفعال القلوب (أنها تعلق(٥) وتعليقها وجوب إبطال عملها لفظا دون معنى بسبب وقوعها (٦) (قبل) معنى (الاستفهام) (٧).

__________________

(١) يعني في صور توسطها بين الفعل وفاعله إلى بين المعطوف والمعطوف عليه. (لمحرره).

(٢) قوله : (فلهذا) أي : فلكون جواز الإعمال مختصا بالتوسط بين المعمولين لا بين الأجنبيين. (محرم).

ـ قوله : (فلهذا قيد إلخ) تقديم الجار والمجرور لمجرد الاهتمام والاعتناء بشأن العلة لا للحصر أي : لأجل إخراج هذه الصور قيد الجواز بالتوسط للخصوص أعني بين المفعولين وأما للتقييد بمطلق التوسط فلإخراج صورة التقديم فإن قلت : إن المصنف لم يفيد التوسط بكونه بين للمفعولين والتأخر بكونه عنهما؟ قلت : ذلك مستفاد من السوق ؛ لأن كلامنا في المفعولين. (سيالكوني).

(٣) قوله : (وإنما خص هذه الإلغاء) أي : الإلغاء الحاصل إذا توسطت هذه الأفعال أو تأخرت بين مفعوليها دون مطلق الإلغاء بحيث يشمل ما ذكر من الصور أيضا. (وجيه الدين).

ـ ولما كان للإلغاء معنيان أحدهما : الإلغاء المقيد بعارض وهو التوسط والتعرض كما أشرنا إليه وهو الإلغاء الجائز والثاني : الإلغاء المطلق أعني سواء كان بعارض التوسط والتأخر أو بعارض آخر كما كان فيما ذكره الشارح من الإلغاء الواجب ولما خصه المصنف بالأول أراد أن يشير إلى وجهه فقال : (وإنما خص ... إلخ). (أيوبي).

(٤) وهو التوسط والتأخر بين مفعوليها دون مطلق الإلغاء بحيث يشمل ما ذكر من الصور أيضا. (وجيه الدين).

(٥) والتعليق عبارة عن إبطال عملها لفظا لا محلا بخلاف الإلغاء فإنه إبطال لفظ ومعنى جوازا. (موشح).

(٦) إشارة إلى المعتبر فأما اصطلاح النحاة إنه سبب مخصوص ذكره المصنف. (محرم).

(٧) ولم يقل : حرف الاستفهام ليتناول الاسم كقوله تعالى : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) ـ

٣٠٩

بلا واسطة (١) كما يجيء مثاله أو بواسطة (٢) كما إذا كان قبل المضاف إلى ما فيه معنى الاستفهام نحو : (علمت غلام من أنت؟).

(و) قبل (النفي) الداخل (٣) على معموليها (و) قبل (اللام) أي : لام الابتداء الداخلة على معمولها.

(مثل (علمت أزيد عندك أم عمرو) مثال للتعليق بالاستفهام (٤) ، وترك مثال أخويه بالمقايسة.

فمثال النفي (علمت ما زيد في الدار) ومثال اللام (علمت لزيد منطلق) وإنما تعلق قبل هذه الثلاثة ؛ لأن هذه الثلاثة تقع في صدر الجملة وضعا (٥) ، فاقتضت بقاء صورة الجملة (٦).

__________________

ـ [الكهف : ١٢] ، وإنما قال قبل الاستفهام ؛ لأنه لو كان بعد الاستفهام لم تعلق نحو : أيهم عملت زيدا. (فاضل أمير).

ـ سواء كان في قال الحرف أو في قالب الاسم نحو : قوله : تعالى : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) ، وللتنبيه على العموم زاد لفظ المعنى. (سيالكوني).

(١) قوله : (بلا واسطة) يحتمل أن يكون تصحيحا لمعنى الاستفهام. (حكيم).

(٢) قوله : (أو بواسطة) نحو : غلام من أنت فيه بحث ؛ لأن : علمت واقع قبل الاستفهام بلا واسطة ؛ لأن المضاف وإلى ما فيه الاستفهام وحروف الجر الداخل عليه تمتزجان معه امتزاجا تاما بحيث يسري الاستفهام في المضاف وحرف الجر معتبر قبلها ولذا جاز تقديمهما على كلمة تضمنت الاستفهام.

(٣) قوله : (الداخل على معموليها) قيد النفي بالداخل على المعمولين وكذا لام الابتداء ؛ لأنه إذا تقدم أحد الأشياء الثلاثة على المفعول الثاني فقط لا يوجب التعليق في الأول نحو : علمت زيدا من هو أو ما قائم أو لقائم وجوز بعضهم تعليقه عن المفعولين في هذه الصور أيضا وإنما لم يقيد الاستفهام بذلك ؛ لأنه قد يكون المفعول الأول متضمنا للاستفهام كما مر. (سيالكوني).

(٤) فإن علمت لما دخل على همزة الاستفهام بطل لسبب ذلك عمله في زيد وعمرو ولكنهما في المعنى مفعولان لعلمت أيضا. (أيوبي).

(٥) قوله : (وضعا قيد بذلك) لأن لام الابتداء تدخل على الخبر نحو : إن زيد القائم احتراز عن اجتماع التي للتأكيد لكنه خلاف الوضع. (حكيم).

(٦) بمرفوعيتها من المبتدأ والخبر على حالهما قبل دخول تلك الأفعال. (أيوبي).

٣١٠

وهذه الأفعال توجب تغيرها بنصب جزئيها (١) فوجب التوفيق باعتبار أحدهما لفظا والآخر معنى.

فمن حيث اللفظ روعي الاستفهام (٢) والنفي ولام الابتداء (٣) ، ومن حيث المعنى روعيت هذه الأفعال.

والتعليق (٤) مأخوذ من قولهم (امرأة معلقة) أي : مفقودة الزوج ، تكون كالشيء المعلق لا مع الزوج لفقدانه (٥) ، ولا بلا زوج لتجويزها وجوده. فلا تقدر (٦) على التزوج.

فالفعل المعلق ممنوع من العمل لفظا عامل معنى وتقديرا ؛ لأن معنى : (علمت لزيد قائم) علمت قيام زيد ، كما كان كذلك عند انتصاب الجزأين.

ومن ثم جاز عطف الجملة المنصوب جزاءاها على الجملة التعليقية نحو : (علمت لزيد قائم وبكرا قاعدا).

والفرق بين الإلغاء (٧) والتعليق من وجهين.

__________________

(١) على المفعولية لها لكونها عاملة لفظية فحينئذ تعارض المقتضيان وامتنع جمعهما. (محرم).

(٢) أبقيت الجملة على حالها بإبدال مقتضى الأفعال من العمل. (أيوبي).

(٣) لكن الجزأين اللذين هما قولك : علمت أزيد عندك أم عمرو في موضع النصب ؛ لأن المعلم وقع عليها بالحقيقة وعدل عنه محافظة للفظ. (وافية).

(٤) شروع في بيان معنى العرفي للتعليق وفي بيان وجه المناسبة بين هذا المعنى وبين المعنى الاصطلاحي. (أيوبي).

(٥) أي : لعدم حضوره عندها حتى يجوز لها الخروج من بينها لمؤنث بينها. (شرح).

(٦) كالأختين إذا تزوجهما رجل ولم يدر الأول من نكاحهما فهما ليستا بذات بعل لا يجوز نكاحهما ولا مطلقة ؛ لأنه لا يجوز تزوجهما بزوج آخر. (افتتاح).

(٧) قوله : (والفرق ... إلخ) فيه بحث لأنه : لو كان الإلغاء جائزا لكان في قوله : (ومنها جواز الإلغاء) استدراك ولما صح ما تقدم من أن الإلغاء واجب في الصور المفصلة وغاية ما يمكن أن يقال : إنه لم يرد الفرق بين معنى الإلغاء والتعليق بل أراد الفرق بين خصيصتي الإلغاء والتعليق في هذا الباب باب الإلغاء جائز ولهذا قيده بالجواز والتعليق واجب ولم يقيد بالجواز بل يسبق الكلام فيه بحث بقيد الوجوب فتدبر. (عصام).

ـ قوله : (والفرق ... إلخ) مع اشتراكهما في إبطال العمل والمراد الإلغاء المذكور منها ـ

٣١١

أحدهما : أن الإلغاء (١) إبطال العمل في اللفظ والمعنى والتعليق إبطال العمل في اللفظ لا في المعنى.

(ومنها) أي : ومن خصائص أفعال القلوب.

(أنه يجوز أن يكون فاعلها) أي : فاعل أفعال القلوب (ومفعولها ضميرين) (٢) متصلين (٣) (لشيء واحد).

وإنما قلنا (متصلين) لأنه إذا كان أحدهما متصلا لم يختص جواز اجتماعهما بفعل دون آخر ، نحو : (إياك (٤) ظلمت).

(مثل : علمتني منطلقا) (٥) وعلمتك منطلقا (٦).

__________________

ـ لتخرج الصور الواجبة المذكورة سابقا وأما الفرق بين مطلق الإلغاء والتعليق فبالوجه الثاني فقط. (سيالكوني).

(١) قوله : (إن الإلغاء جائز) لأن ترك الأعمال لفظا ومعنى بلا مانع والتعليق واجب ؛ لأن ترك الأعمال لمانع يعني أن الإلغاء مأخوذ في مفهومه الجواز والتعليق مأخوذ في مفهومه الوجوب. (حاشية).

(٢) قوله : (ضميرين) إما أن يكون أحدهما ضميرا متصلا والآخر ظاهر نحو : زيد أظن قائما وأظنه زيد قائما لم يجز المثال الأول مطلقا وجاز الثاني في أفعال القلوب خاصة وإن كان الضمير منفصلا جاز مطلقا. (نجم الأئمة).

(٣) صفة لضميرين أي : ضميرين كائنين لشيء واحد بأن يكونا عبارة عنه أو يشتمل أحدهما على الآخر فيدخل نحو قول عائشة رضي‌الله‌عنها : لقد رأيتنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما لنا من طعام الأسودان التمر والماء [أخرجه البخاري (٢٥٦٧)]. (حكيم).

(٤) فإن إياك ضمير منصوب منفصل على أنه مفعول ظلمت والضمير المرفوع المتصل بالفعل فاعله مع أن الضميرين عبارتان عن شيء واحد وهو المخاطب فجاز هذا مع أن الفعل ليس من أفعال القلوب. (أيوبي).

(٥) وقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى)[العلق : ٦ ـ ٧] ، بخلاف سائر الأفعال فإنه عدل فيها إلى نفس المضاف إلى ذلك الضمير في ضربت نفسي ليتعلق الفعل الفاعل في مثل ضربت نفسي. (خبيصي).

(٦) قوله : (لأن أصل الفاعل) أي : أصل مدلول الفاعل النحوي يعني ما يبني عليه غيره أن يكون مؤثرا فإن نحو : طال زيد إنما أطلق عليه الفاعل لكونه على طريقته وصفته والأصالة بهذا المعنى لا تنافي كونه داخلا في التعريف. (سيالكوني).

٣١٢

ولا يجوز ذلك في سائر الأفعال فلا يقال : (ضربتني ، وشتمتني) بل يقال (ضربت نفسي، وشتمت نفسي) وذلك ؛ لأن أصل الفاعل أن يكون مؤثرا والمفعول به متأثرا وأصل المؤثر أن يغاير المتأثر.

فإن اتحدا معنى كره اتفاقهما لفظا فقصد (١) مع اتحادهما معنى تغايرهما لفظا (٢) بقدر الإمكان فمن ثم قالوا : (ضربت نفسي) ولم يقوموا : (ضربتني) فإن الفاعل والمفعول (به) ليسا بمتغايرين بقدر الإمكان لاتفاقهما من حيث كون (٣) كل واحد منهما ضميرا متصلا (٤) بخلاف (ضربت نفسي) فإن (النفس) بإضافتها إلى ضمير المتكلم صارت كأنها غيره ، لغلبة مغايرة المضاف للمضاف إليه ، فصار الفاعل والمفعول فيه متغايرين بقدر الإمكان.

وأما أفعال القلوب فإن المفعول به فيها ليس المنصوب الأول في الحقيقة (٥) ، بل مضمون (٦) الجملة فجاز اتفاقهما لفظا ؛ لأنهما ليسا (٧) في الحقيقة فاعلا ومفعولا به.

ومما أجرى مجرى أفعال القلوب (فقدتني ، وعدمتني) لأنهما نقيضا (وجدتني) فحملا عليه حمل النقيض على النقيض.

وكذلك أجرى (رأى) البصرية (٨) والحلميّة على (رأى) القلبية ، فجوز فيهما ما

__________________

(١) قوله : (فقصد عطف على كره) أي : بسبب استكراه الاتفاق في اللفظ. (محرم).

(٢) بأن يجعل أحد الضميرين معبرا بالاسم الظاهر المنشئ عن التغاير. (محرم).

(٣) وإن اختلفتا من حيث كون أحدهما مرفوعا والآخر منصوبا فإن الواجب رعاية تغايرهما بقدر الإمكان في اللفظ. (حاشية).

(٤) والحال إنه اعتبر تغايرهما لفظا بقدر الإمكان هذا خلف. (أيوبي).

(٥) حتى يجري فيه ما يجري في غيرها من الأفعال منها أصالة تغاير الفاعل والمفعول به. (تكملة).

(٦) فإن المفعول به في قولنا : علمت زيدا قائما ليس زيد فقط بل مجموع قيام زيد فكان قولنا : علمتني قائما بمنزلة علمت قيامي وهو بعينه كقولنا : ضربت نفسي. (شرح الشرح).

(٧) أي : الفاعل والمنصوب الأول في الحقيقة فاعلا ومفعولا به أي : مؤثرا أو متأثرا أما الفاعل فلعدم كون أفعال القلوب من قبيل التأثير وأما المنصوب الأول فلعدم تعلق الفعل به بل بمضمون الجملة وبهذا ظهر أن الدليل يختص بأفعال القلوب. (فاضل محشي).

(٨) قوله : (رأي البصرية والحلمية) أي : أجري التي بمعنى أبصير والتي بمعنى رأى في المنام ـ

٣١٣

جوز فيه ، من كون فاعلهما ومفعولهما ضميرين لشيء واحد ، كقول الشاعر :

ولقد أراني للرماح (١) دريئة (٢)

من عن يميني تارة وأمامي

وكقوله تعالى : (إِنِّي أَرانِي)(٣) أَعْصِرُ خَمْراً [يوسف : ٣٦](٤).

(ولبعضها) (٥) أي : ولبعض أفعال القلوب (٦) ما عدا (حسبت ، وخلأت ، وزعمت) (معنى آخر) قريب (٧) من معانيها الأول.

__________________

ـ مجرى رآه التي بمعنى علم للتشارك اللفظي وإن كان منصوبهما يتعلق الفعل به حقيقة في القاموس الحلم بالضم وبضمتين الرؤيا. (سيالكوني).

(١) قوله : ولقد أراني للرماح درئته الدرئية بهمزة ولا يهمز الخلقة التي يتعلم عليها الطعن وهو مفعول لأرى ومن عن يميني فعن اسم بمعنى جانب وأما الظهر فإن الفارس لم يكن منعه أحدا والمعنى والله لقد رأيت نفسي مرارا كثيرا كأني للرماح بمنزلة الخلقة التي تعلم عليها الطحن فتأتين من الجوانب كلها ثم سلمت ورجعت من الحرب. (وجيه الدين).

(٢) قوله : (دريئة) حال من مفعول أراني لا مفعول ثان إذ الرؤية الرؤية البصرية لا تتعلق بالوصف ولو كان مفعولا يلزم ذلك إذ المفعول في الحقيقة مضمون المفعولين. (فاضل أمير).

(٣) مثال المرأة الحلمية يعني : أني أراني في المنام. (أيوبي).

(٤) قيل : الظاهر أنه حال لا مفعول ثان ؛ لأن الرؤية البصرية وإن كانت في المنام لا تتعلق بالوصف أعني مضمون المفعولين المفروضين. (فاضل أمير).

(٥) ولما كان بعض أفعال القلوب متعديا إلى مفعول واحد على خلاف ما هو الأصل فيه أشار إلى التنبيه عليه فقال : (ولبعضها ... إلخ). (أيوبي).

(٦) يعني أن المراد بالبعض ما عدا حسبت وخلت وزعمت فهو يدل من بعضها أو خبر مبتدأ محذوف. (وجيه).

ـ قوله : (أفعال ما عدا حسبت ... إلخ) لا يصح إلا نشأ من بعض أفعال القلوب لا متصلا ولا منفصلا فيجب حمله على البدل ثم إنه لا فائدة في هذا البيان لكمال ظهوره من بيان المعنى. (عصام).

(٧) صفة بعد صفة للمعنى يعني أن تلك المغايرة لمعناها ولكنه ليس ببعيد بل قريب.

ـ قوله : (بحيث) وفيه إشارة إلى وجه تخصيص بعض الأفعال المذكورة بأن لها معاني آخر متعدية بها إلى مفعول واحد مع أن لها معاني آخر غير متعدية بها يعني لدفع توهم تعديتها بهذا المعنى أيضا إلى مفعولين سيما إذا ذكر بعد مفعولها حال أو صفة وهذا حاصل ما ذكره الرضي. (سيالكوني).

٣١٤

وهي : إما (العلم) أو (الظن) بحيث يمكن أن يتوهم أنه بهذا المعنى أيضا متعد إلى مفعولين.

وإنما قيدنا بذلك لئلا يقال : لا وجه للتخصيص بالبعض ؛ لأن لكل واحد معنى آخر.

فإن (خلت) جاء بمعنى (صرت ذا خال) ، و (حسبت) بمعنى (صرت ذا حسب) و (زعمت) بمعنى (١) (كفلت).

(يتعدى به) أي : بذلك المعنى الآخر (إلى) مفعول (واحد) لا اثنين.

(فظننت : بمعنى : اتهمت) من الظنة بمعنى التهمة.

و (ظننت زيدا) بمعنى : اتهمته أي : أخذته مكانا لوهمي.

والوهم (٢) : نوع من العلم. ومنه قوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) [التكوير : ٢٤] أي : بمتّهم.

(وعلمت : بمعنى عرفت) (٣).

تقول : (علمت زيدا) بمعنى : عرفت شخصه ، وهو العلم بنفس شيء (٤) من غير حكم عليه.

(ورأيت : بمعنى أبصرت) ومعنى (أبصرت) قريب من معنى (٥) (علمت) بالحاسة.

__________________

(١) ووجه الدفع أن هذه المعاني ليست بقرينة من معناها الأول ولا يتوهم منه أنه متعد إلى مفعولين لكونها بعيدة من العلم والظن. (محرم).

(٢) قوله : (والوهم نوع من العلم) بمعنى الإدراك المطلق فيكون قريبا من العلم والظن الذي هو معنى أفعال القلوب لاشتراكهما في مطلق الإدراك. (حاشية).

(٣) الفرق بين العلم والمعرفة أن المعرفة تتعلق بالذات المجردة والعلم يتعلق بالذات والصفة. (فاضل أمير).

(٤) قوله : (وهو العلم بنفس الشيء) يعني أن العرب خصوا المعرفة بإدراك نفس الشيء وذلك لا ينصب إلا مفعولا واحدا بخلاف العلم فإنهم يستعملونه في العلم بنفس الشيء أو بكونه على صفته فلذلك ينصب مفعولا واحدا أو اثنين وليس هذا الفرق بمعنوي بين حقيقة العلم والمعرفة. (عبد الحكيم).

(٥) قوله : (قريب) يعني : أبصرت وإن كان بمعنى استعمال البصر من أفعال الجوارح إلا أنه يستلزم العلم فهو قريب من علمت بالبصر. (ك).

٣١٥

ومنه قوله تعالى : (فَانْظُرْ ما ذا تَرى) [الصافات : ١٠٢].

(وجدت : بمعنى أصبت).

تقول : (وجدت الضّالة) أي : أصبتها وعلمتها بالحاسة.

ولما كان (١) مراده أن لها معاني أخر قريبة من معنى (العلم أو الظن) لم يتعرض ل : (علم) بمعنى صار مشقوق الشّفة العليا.

ول : (وجدت جدة) ووجدت موجدة ووجدت وجدا ، أي : استغنيت وغضبت وحزنه ؛ لأنها بمعنى (العلم والظن).

إنما سميت ناقصة ؛ لأنها لا تتم بمرفوعها (٢) كالأفعال الغير الناقصة (٣).

(ما وضع) أي : أفعال وضعت (لتقرير الفاعل (٤) على صفة) (٥).

__________________

(١) قوله : (ولما كان) دفع لما يتوهم أن لهذه الأفعال المذكورة معاني سوى ما ذكر فلم يتعرض لها ونصب قرينة على التقييد المذكور وتذكير قريب باعتبار كل واحد منها كأنه قال : معاني آخر كل واحد منها قريب من العلم والظن. (حاشية ك).

(٢) وقيل : لنقصان مدلولها عن مدلول التامة بالحدث الداخل في التامة دونها وفيه نظر لأنهم لا يسمون أفعال المدح والذم ناقصة مع نقصان مدلولها من غيرها بالزمان ولك أن تقول : سميت بها لنقصان عددها بالنسبة إلى الأفعال التي يتم بمرفوعها وفيه ما فيه. (عصام).

(٣) قوله : (كالأفعال الغير الناقصة) إما خبر لا تتم أو حال من ضمير تتم أو مفعول مطلق أي : تاما مثل الأفعال التامة يعني أن مرفوعها لا تصير مركبا تاما يصح السكوت عليه حتى يكون الخبر قيدا فيه لترتب الفائدة بل المرفوع مسند إليه والمنصوب مسند يتم أي : بهما ويفيد كان تقييد بمضمونه فإن معنى كان زيد قائما زيد متصف بالقيام المتصف بالحصول في الزمان الماضي وقس على ذلك. (سيالكوني).

(٤) وقد تقدم أن بعضهم يسمي المرفوع بعد كان فاعلا ومنهم المصنف فلا تغفل. (زيني زاده).

(٥) أن تنسب إلى الفاعل باعتبار حال له ولا يتم الفاعل إلى بذلك الحال ولذلك سميت ناقصة وعن الزجاج وتابعيه أنها حروف لكونها دالة على معنى في غيرها حيث جاءت لتقرير الخبر للمبتدأ على صفته أي : صفة الكينونة والصيرورة والدوام فهي تدل على كينونة في الخبر فيكون حرفا فلدلالته على معنى في غيره وهو والخبر والجواب أن هذه الأفعال وإن دلت على معنى في غيره وهي يدل على معنى في نفسها أيضا ؛ لأن كان يدل على حصوله كون في الماضي وصار على صيرورة في الماضي والحرف ما لا يدل إلا على معنى في غيره فظهر الفرق. (خبيصي). ـ

٣١٦

أي : العمدة (١) فيما وضعت له هذه الأفعال هو تقرير (٢) الفاعل على صفة.

ولا شك (٣) أن هذه الصفة خارجة عن ذلك التقرير الذي هو العمدة في الموضوع له؛ لأن ذلك التقرير نسبة بين الفاعل والصفة ، فكل من طرفيها خارج عنها.

فخرج من الحد الأفعال التامة ؛ لأنها موضوعة لصفة (٤) وتقرير الفاعل عليها فكل من الصفة (٥) والتقرير عمدة فيما وضعت له لا التقرير وحده.

وإنما جعلنا التقرير المذكور عمدة للموضوع له في الأفعال الناقصة ، لا التامة لاشتمالها على معان زائدة على ذلك التقرير ، كالزمان في الكل ، والانتقال والدوام والاستمرار في بعضها.

__________________

ـ مخصوصة نحو : كان زيد عالما فكان جعل زيدا على صفة كونه عالما في الزمان الماضي. (أمير).

(١) وبهذا أشار إلى الفرق بين التامة والناقصة أن كون أحد المعتبرين عمدة فالعمدة في الناقصة هو التقرير وحده وفي التامة هو التقرير مع الصفة.

(٢) قوله : (هو تقرير الفاعل) اعلم أن مدلول كان لنسبة الصفة إلى فاعله والزمان والنسبة هي ثبوت الصفة للفعال وفرق بينهما وبين التقرير الذي هو صفة المتكلم إن كان مصدرا مبينا للفاعل كما هو الظاهر وبين التقرير الذي هو صفة الفاعل إن كان مبنيا للمفعول فإرادة ثبوت الصفة للفاعل مسامحة لا يليق بمقام التعريف.

(٣) جواب عما يرد عليه وهو أنه إذا كان ما في ما وضع عبارة عن الفعل والفعل لا يخلو عن الحدث والزمان والفاعل لكونها أجزاء له فيكون ذكر الفاعل والصفة مستدركا فأجاب عنه.

ـ بيان لفائدة القيد بعد تصحيح التعريف وإلا فلا دخل لاعتبار قيد العمدة في كون الصفة خارجة عن التقرير.

(٤) يعني : الحدث والنسبة إلى الفاعل المعين ولم يتعرض للزمان لاشتراكه في التامة والناقصة. (سيالكوني).

(٥) قوله : (فكل من الصفة) معنى كلاهما منسوبان بالنظر إلى الموضوع ليس لأحدهما مزية على الآخر بحيث يمكن أن يقال أنه الموضوع له فلا يصدق على الأفعال التامة أنها وضعت للتقرير باعتبار أنه عمدة بالقياس إلى الحدث والزمان فلا يرد ما قيل : إنه إذا كان كل منهما عمدة فيها يصدق أن التقرير عمدة فيما وضعت له فلا يخرج عن التعريف إلا أن يعتبر قيد فقط واللفظ لا يساعده. (عبد الحكيم).

٣١٧

ولو جعل (١) الموضوع له جزئيات ذلك التقرير فيقال (صار) مثلا موضوع لتقري (٢) الفاعل على صفة على وجه الانتقال إليه في الزمان الماضي ، وكذا كل فعل منها ، فلا شك أن كل جئي تمام الموضوع له بالنسبة إلى ما هو موضوع له ، والصفة خارجة عنه.

فخرج الأفعال التامة منها (٣) ، ولا يبعد أن يجعل (٤) اللام في قوله : (لتقرير الفاعل) للغرض ، لا صلة الوضع ، ولا شك أن الغرض من وضع الأفعال الناقصة هو التقرير المذكور ، لا الصفات ، بخلاف الأفعال التامة ، فإن الغرض من وضعها مجموعهما ، لا التقرير فحسب ، كما عرفت ، فخرجت عن حدها ، فظهر بما ذكرنا أن هذا الحد لا يحتاج (٥) إلى قيد زائد (٦) لإخراج الأفعال التامة أصلا.

(وهي) أي : الأفعال الناقصة (كان) (٧)

__________________

(١) إشارة إلى تصحيح الحد بالتصرف في معاني الأفعال الناقصة وجعلها مجرد التقرير بدعوى خروج ما زاد على التقرير عن معناها وكونها قيودا له. (عصام).

ـ قوله : (ولو جعل) أشار بذلك إلى جعل التقرير تمام الموضوع له فإن التقرير الجزئي أعني تقرير الفاعل على صفة على وجه الانتقال بمعنى الماضي تمام الموضوع له بالنسبة إلى اللفظ الذي وضع ذلك اللفظ له كصار مثلا. (وجيه الدين).

(٢) يعني : يكون التقرير مع ما اعتبر معه من كونه على وجه الانتقال إليه في الزمان الماضي موضوعا كما يرشده إليه قوله : ولا شك أن كل جزئي تمام الموضوع ؛ لأن التقرير والتقييد موضوع له على ما وهم. (حاشية).

(٣) أي : من الأفعال الناقصة فإن الصفة التي هي الحدث والنسبة إلى فاعل ما ليست بخارجة عن تمامه كذا وجهه الشارح على تقرير جعل اللام في تقرير الفاعل صلة الوضع. (أيوبي).

(٤) قوله : (أن يجعل) ويجعل التقرير مصدرا مبينا للفاعل وفاعله المحذوف الضمير العائد إلى الأفعال الناقصة ومعنى تقريرها الفاعل على صفة وتثبيتها إياه عليها دلالتها على حصول تلك الصفة له. (سيالكوني).

(٥) قوله : (لا يحتاج إلى قيد زائد) دفع لما قاله الرضي من أن كان ينبغي أن يقيد الصفة فيقول على صفة غير صفة مصدره لئلا يرد الأفعال التامة والحق عندي أنه تام من غير اعتبار التكلفات التي ذكرها الشارح ومن غير اعتبار قيد زائدا. (عبد الحكيم).

(٦) كأنه أشار إلى قيد ذكره المحقق الشريف أن المراد صفة خارجة عن مدلولها ترك ذكره لتبادره عن العبارة. (عصام).

(٧) وهو لثبوت خبره لاسمه في الماضي دائما نحو : كان زيد فاضلا أو منقطعا نحو : كان زيد غنيا فافتقر وبمعنى صار. (أعلى).

٣١٨

وصار (١) ، وأصبح ، وأمسى وأضحى وظل ، وبات ، وآض ، وعاد وغدا ، وراح (٢) ومازال(٣) ، وما أنفك ، وما فتئ (٤) بالهمزة وقيل : بالياء (وما برح ، وما دام (٥) ، ليس)(٦) ولم يذكر سيبويه منها سوى (كان ، وصار ، وما دام ، وليس) ثم قال : وما كان نحوهن من الفعل مما لا يستغني عن الخبر.

والظاهر أنها غير محصورة.

وقد تضمّن (٧) كثير من الأفعال التامة معنى الناقصة ، كما تقول : (تتم التسعة بهذا عشرة) أي : تصير عشرة تامة و (كمل زيد عالما) أي : صار زيد عالما كاملا.

(وقد جاء) (٨)

__________________

(١) قوله : (وصار) للانتقال إما من صفة إلى صفة نحو : صار زيد عالما أو من حقيقة إلى حقيقة نحو : صار الطين خزفا وقدمهما لبساطتهما وأصالتهما ولغلبة الأول قدمه على الثاني. (نتائج الأفكار).

(٢) يقال : راح زيد إذا مشى في وقت الرواح وهو ما بعد الزوال إلى الليل ولا يخفى أن الغالب في هذه الأربعة كونها تامة وإنما تكون ناقصة إذا كانت بمعنى صار فتكون من الملحقات. (امتحان).

(٣) من زال يزال كخاف يخاف لا يستعمل إلا ناقصا لاستمرار خبرها لاسمها من وقت صلاحيته له ويلزمه النفي لا من زال يزول من بابه قال يقول ولا من زال يزيل من اليائي أي : فرقة نحو : كال يكيل ؛ لأنهما تامتان. (فتح الأسرار).

(٤) ما فتئ : بالفارسية ما برح معنا حرف نفي مقدر مقدرا لو كقوله تعالى : (تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً)[يوسف : ٨٥] أي : ما تفتأ وما تزال تذكر يوسف تضجعا وبكاء عليه حتى تكون مريضا مشرفا على الهلاك.

(٥) لتوقيت أمر بمدة ثوبت خبرها لاسمها بأن جعلت تلك المدة ظرف زمان ؛ لأن ما فيها مصدرية وتقدير الزمان قبل المصادر كثير كما في آتيتك حقوق النجم أي : وقت غروب النجم.

(٦) لنفي مضمون الجملة حالا عند الجمهور أو مطلقا عند سيبويه آخره مع أصالته وبساطته لعدم كماله في الفعلية لشبهه بالحرف في الصورة وعدم التصرف. (نتائج الأفكار).

(٧) قال التفتازاني في شرح الكشاف : حقيقة التضمين أن يقصد بالفعل معناه الحقيقي مع فعل آخر يناسبه وله طرق أشهرها جعل الفعل المذكور حالا أو عكسه وهاهنا طريق آخر نحو : أحمد إليك أي : انتهى إليك حمدي انتهى فعلم أنه ليس يتعين له طريق الحالية فجعل تسعة كاملة صفة كما تقتضيه سلامة الطبع أولى من جعلها حالا. (حكيم).

(٨) أي : لفظ جاء يجيء في كلام العرب بمعنى تقرير شيء على صفة. (أمير).

٣١٩

في قولهم (١) (ما جاءت (٢) حاجتك) ناقصة ، ضميرها اسمها و (حاجتك) خبرها إمّا بأن يكون (ما) نافية ، و (جاءت) بمعنى (كانت) بمعنى (كانت) وفيها ضمير لما تقدم من الغرارة (٣) ونحوها ، أي : لم تكن هذه على قدر ما تحتاج إليه أو استفهامية ، والضمير في (ما جاءت) يعود إليها.

وإنما أنثت باعتبار خبرها ، كما في (من كانت (٤) أمك؟).

ومعناه (٥) : أية حاجة صارت حاجتك.

(و) جاء أيضا (قعدت) ناقصة ، في قولهم : (أرهف (٦) شفرته حتى قعدت) أي: صارت الشفرة (كأنها حربة) (٧) ، أي : رمح قصير.

__________________

(١) وهو أول ما قال الخوارج لابن عباس رضي‌الله‌عنه حين جاءهم رسولا من قبل علي رضي‌الله‌عنه لدفع شبهتهم وردهم عن الخروج. (فاضل هندي).

ـ وسبب مجيء ابن عباس إلى الخوارج رسولا من على كرم الله وجهه مبين في تعطيل تلبيس لابن الجوزي. (زيني زاده).

(٢) قوله : (جاءت ناقصة) بمعنى كانت وضميرها اسمها يعود على ما تقدم من الفرارة ونحوها وما نافية أي : لم يكن هذه على قدر ما يحتاج إليه. إفصاح.

(٣) قوله : (من الغرارة) وهو الغفلة فإن التركيب حدث من الخوارج حين أرسل إليهم علي رضي‌الله‌عنه ابن عباس أي: ما جاءت غفلتنا حاجتك أي : لم تجدنا غافلين كما تريدنا. (عصام).

(٤) فإن من في من كانت استفهامية مرفوعة المحل على أنها مبتداء وكانت من الأفعال الناقصة اسمها مستتر راجع إلى من وخبرها أمك والجملة خبر المبتدأ وأنت ضمير كانت باعتباره الذي هو الأم وكذا هذا التركيب وهذا التوجيه هو ما ارتضاه الرضي فحينئذ جاءتك بالنصب خبر جاءت وتكون الجملة خبر المبتدأ وفي زيني زاده توجيه آخر فارجع إليه. (أيوبي).

(٥) قوله : (ومعناه أية حاجة) والاستفهام إنكاري أي : لم تصر حاجة بين الحاجات متصفة بوصف كونها حاجة لك وروي برفع حاجتك فخبره ما تقدم لتضمنه معنى الاستفهام. (عبد الحكيم).

(٦) قوله : (أرهف شفرته) والإرهاف التحديد من الحدة الشفرة بفتح الشين أو ضمها السكين العظيم يقال : فلان حدد سكينه حتى صارت تلك السكينة مشبهة بالرمح القصير وحتى ابتدائية. (زيني زادة ووجيه الدين).

(٧) قوله : (كأنها جربة) في موضع النصب خبر قعدت وأصل التركيب وجاء لفظ قول الأعرابي ، أرهف شفرته حتى قعدت حربة ثم اقتصر على هذا. إفصاح.

٣٢٠