المفصل في صنعة الإعراب

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري

المفصل في صنعة الإعراب

المؤلف:

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

الفصل الخامس : العطف بالحروف

هو نحو قولك جاءني زيد وعمرو. وكذلك إذا نصبت أو جررت يتوسط الحرف بين الاسمين فيشركهما في اعراب واحد. والحروف العاطفة تذكر في مكانها ان شاء الله تعالى.

والمضمر منفصله بمنزلة المظهر ، يعطف ويعطف عليه. تقول جاءني زيد وأنت ، ودعوت عمرا وإياك ، وما جاءني إلا أنت وزيد ، وما رأيت إلا إياك وعمرا. وأما متصله فلا يتأتى أن يعطف ويعطف عليه ، خلا أنه يشترط في مرفوعه أن يؤكد بالمنفصل. تقول ذهبت أنت وزيد ، وذهبوا هم وقومك ، وخرجنا نحن وبنو تميم. وقال تعالى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ) وقول عمر بن أبي ربيعة :

قلت إذ أقبلت وزهر تهادى (١)

__________________

(١) تمامه. كنعاج الفلا تعسفن رملا.

اللغة زهر جمع زهراء. وتهادى تتبختر وتتمايل. ونعاج الفلا بقر الوحش. وتعسفن أي ملن عن الطريق واخذن في غيرها.

الاعراب قلت فعل وفاعل. وإذ ظرف بمعنى حين. وأقبلت فعل ماض فاعله ضمير

١٦١

من ضرورات الشعر. وتقول في المنصوب ضربتك وزيدا ولا يقال مررت به وزيد ، ولكان يعاد الجار وقراءة حمزة والأرحام ليست بتلك القوية.

__________________

يعود إلى المحبوبة. وزهر عطف على الضمير في اقبلت. وتهادى فعل مضارع أصله تتهادى حذفت منه إحدى التاءين اكتفاء. وفاعله ضمير يعود إلى المحبوبة أيضا. والجملة في محل رفع صفة زهر. وكنعاج جار ومجرور. والفلا مضاف إليه. وتعسفن فعل ماض والنون فاعله. والجملة حال من النعاج. والعامل فيه تهادى. ورملا نصب على الظرفية أي في رمل. (والشاهد فيه) في قوله وزهر حيث عطف على الضمير المستتر المرفوع في أقبلت من غير توكيد ولا فصل. وقد جوز ذلك الكوفيون واحتجوا بهذا البيت. وأجيب عنه بأن الواو غير متعينة للعطف لأنها تصلح أن تكون للحال. وزهر مبتدأ وجملة تهادى خبر. والجملة في محل نصب على الحال. وأجاب المصنف عنه بأنه من ضرورة الشعر ولا ضرورة فيه لأنه كان يمكنه أن يقول وزهرا بالنصب على أنه مفعول معه.

١٦٢

الباب الثالث

الاسم المبني

تعريفه :

وهو الذي سكون آخره وحركته لا بعامل. وسبب بنائه مناسبته ما لا تمكّن له بوجه قريب أو بعيد بتضمن معناه ، نحو أين وأمس أو شبهه كالمبهمات ، أو وقوعه موقعه كنزال ، أو مشاكلته للواقع موقعه كفساق وفجار ، أو وقوعه موقع ما أشبهه كالمنادى المضموم ، أو إضافته إليه كقوله تعالى : (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ ،) و (هذا يَوْمُ)

(لا يَنْطِقُونَ) فيمن قرأها بالفتح ، وقول أبي قيس بن رفاعة :

لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت

حمامة في غصون ذات أو قال (١)

__________________

(١) نسبه هنا لأبي قيس بن رفاعة الأنصاري. وتبعه عليه شراحه. وليس في الصحابة من يقال له أبو قيس بن رفاعة. وانما الموجود قيس بن رفاعة. ونسبه المصنف في الأحاجي إلى الشماخ وليس هو في ديوان شعره. والصحيح أنه لأبي قيس بن الأسلت. قال صاحب الأغاني لم يقع إليّ اسمه قال ابن حجر في الاصابة واسمه صيفي وقيل الحارث وقيل عبد الله وكان سيدا شريفا مطاعا في قومه وكان قومه الأوس قد أسندوا إليه أمرهم في يوم بعاث فقام في حربهم وآثرهم على كل شيء حتى شحب وتغير وانكره من كان يعرفه حتى امرأته وقيل البيت :

ثم ارعويت وقد طال الوقوف بنا

فيها فصرت إلى وجناء شملال

١٦٣

وقول النابغة :

على حين عاتبت المشيب على الصبى (١)

__________________

اللغة نطقت صوتت وصدحت وعبر عنه بالنطق مجازا وفي بمعني على. والأوقال جمع وقل بفتح فسكون ثمر الدوم إذا يبس فان كان رطبا لم يدرك فهو البهش.

الاعراب لم حرف جازم. ويمنع فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بلم. والشرب مفعول يمنع. ومنها الضمير فيه إلى الوجناء في البيت قبله. وغير فاعل يمنع ولكنه بني على الفتح جوازا لاضافته إلى مبني والرفع مرويّ أيضا. وان مصدرية. ونطقت فعل ماض وحمامة فاعله. وفي غصون متعلق بمحذوف صفة حمامة. وذات صفة غصون. وزعم العيني أنه بالرفع صفة حمامة وهو غلط (والشاهد فيه) أن غيرا يجوز بناؤه على الفتح ويجوز اعرابه وقد استشهد النحاة بهذا البيت في باب الاستثناء على أن غيرا إذا أضيفت إلى أن وإن المشددة فلا خلاف في جواز بنائها على الفتح. وقد اعترض عليه هناك بأن أن حرف والحرف لا يضاف إليه. وأجيب عنه بأنهم جعلوا ما يلاقي المضاف من المضاف إليه كأنه المضاف إليه (والمعنى) أن هذه الناقة لم يمنعها أن تشرب مع حاجتها إلى الماء إلا أنها صوتت حمامة فنفرت منها. يريد أنها حديدة النفس يخامرها فزع وذعر لحدة نفسها وذلك محمود في الإبل.

(١) تمامه. فقلت ألما تصح والشيب وازع. وهو من قصيدة له يستعطف بها النعمان بن المنذر وكان سأله إن يصف امرأته المتجردة وكانت أجمل نساء أهل زمانها فوصفها عضوا عضوا حتى انتهى إلى هنها فقال :

وإذا طعنت طعنت في مستهدف

رابي المجسة بالعبير مقرمد

فحسده المنخل اليشكوي على هذه القصيدة ولحقته من أجلها غيرة فقال للنعمان انه لا يستطيع احد أن يصف هذا الوصف إلا وقد جرب وشاهد. فلما بلغ النابغة ذلك خاف بطش الملك فهرب إلى ملوك غسان بالشام وكتب إليه بهذه القصيدة يستعطفه ويعتذر ومنها :

فانك كالليل الذي هو مدركي

وان خلت أن المنتأى عنك واسع

فحملتني ذنب امرىء وتركته

كذي العر يكوى غيره وهو راتع

اللغة المشيب الشيب. والصبى التصابي. ووازع مانع يقال وزعه عن كذا إذا دفعه عنه.

الاعراب على حين جار ومجرور وحين مجرور بكسرة ظاهرة أو مبني على الفتح في محل جر. وعاتبت فعل وفاعل. والمشيب مفعول. وعلى الصبي يتعلق بعاتبت. وقلت فعل وفاعل. وألما الهمزة فيه للاستفهام الانكاري. ولما جازمة. وتصح مجزوم بلما بحذف حرف

١٦٤

البناء على السكون هو القياس :

والبناء على السكون هو القياس. والعدول عنه إلى الحركة لأجل ثلاثة أسباب : الهرب من التقاء الساكنين في نحو هؤلاء. ولئلا يبتدأ بساكن لفظا أو حكما كالكافين التي بمعنى مثل والتي هي ضمير. ولعروض البناء وذلك في نحو يا حكم ، ولا رجل في الدار ، ومن قبل ، ومن بعد ، وخمسة عشر. وسكون البناء يسمى وقفا. وحركاته ضما وفتحا وكسرا.

أهم الأسماء المبنية :

وأنا أسوق إليك عامة ما بنته العرب من الأسماء ، إلا ما عسى أن يشذ منها. وقد ذكرناه في هذه المقدمة في سبعة أبواب وهي المضمرات وأسماء الإشارة والموصولات وأسماء الأفعال والأصوات وبعض الظروف والمركبات والكنايات.

__________________

العلة. والجملة في محل نصب بالقول. وقوله والشيب جملة ابتدائية في محل نصب على الحال (والشاهد فيه) ان حينا يجوز اعرابه ويجوز بناؤه على الفتح (والمعنى) كيف ينسب إلى القبيح بعد أن تولى الصبى وأقبل المشيب وارعوى القلب ولم يبق له في ما ينسب إليه مأرب.

١٦٥

الفصل الأول : المضمرات

أنواع الضمائر :

وهي على ضربين متصل ومنفصل. فالمتصل ما لا ينفك عن اتصاله بكلمة ، كقولك أخوك وضربك ومرّ بك. وهو على ضربين بارز ومستتر.

فالبارز ما لفظ به كالكاف. في أخوك. والمستتر ما نوي كالذي في زيد ضرب. والمنفصل ما جرى مجرى المظهر في استبداده كقولك هو وأنت.

ولكل من المتكلم والخاطب والغائب مذكره ومؤنثه ومفرده مثناه ومجموعه ضمير متصل ومنفصل في أحوال الإعراب ، ما خلا حال الجر فإنه لا منفصل لها. تقول في مرفوع المتصل ضربت ضربنا وضربت إلى ضربتن ، وزيد ضرب إلى ضربن. وفي منصوبه ضربني ضربنا وضربك إلى ضربكن وضربه إلى ضربهن. وفي مجروره غلامي وغلامنا وغلامك إلى غلامكن وغلامه إلى غلامهن. وتقول في مرفوع المنفصل أنا نحن وأنت إلى أنتن وهو إلى هن وفي منصوبه إياي إيانا وإياك إلى إياكن وإياه إلى إياهن.

الحروف التي تلحق بالضمائر :

والحروف التي تتصل بأيّا من الكاف ونحوها لواحق للدلالة على أحوال المرجوع إليه. وكذلك التاء في أنت ونحوها في أخواته ولا محل لهذه اللواحق من الإعراب ، إنما هي علامات كالتنوين وتاء التأنيث وياء النسب.

١٦٦

وما حكاه الخليل عن بعض العرب إذا بلغ الرجل الستين فإياه وايا الشّوابّ مما لا يعمل عليه.

عدم تسويغ ترك المتصل إلى المنفصل :

ولأن المتصل أخصر لم يسوّغوا تركه إلى المنفصل إلا عند تعذر الوصل. فلا تقول ضرب أنت ولا هو ولا ضربت إياك إلا ما شذ من قول حميد الأرقط :

إليك حتى بلغت إياك (١)

وقول بعض اللصوص :

كأنا يوم قرّى

إنما نقتل إيانا (٢)

__________________

(١) صدره (أتتك عنس تقطع الاراكا).

اللغة العنس بسكون النون الناقة الشديدة. وتقطع الاراكا أراد تقطع الأرضين التي هي منابت الاراك.

الاعراب أتتك فعل ماض وضمير المخاطب مفعوله. وعنس فاعله. وتقطع الاراكا جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع صفة عنس. واليك متعلق بتقطع. وحتى غائبة. وبلغت فعل ماض فاعله ضمير يعود إلى العنس. واياكا مفعوله. والألف فيه للاطلاق. (والشاهد فيه) انه وضع الضمير المنفصل وهو إياك موضع المتصل والكاف ضرورة. وقال الزجاج أراد الشاعر حتى بلغنك إياك فحذف الكاف ضرورة اه يقول إن الضمير المتصل لم يستغن عنه بالمنفصل حتى يكون شاذا وانما المنفصل مؤكد للمتصل إلا أنه حذف المؤكد بالفتح لضرورة الشعر وفيه أن حذف المؤكد بالفتح وابقاء المؤكد مؤكدا لغير موجود أقبح من الاستغناء بالمنفصل عن المتصل.

(٢) نسبه المصنف هنا وسيبويه في الكتاب إلى بعض اللصوص. ونسبه القالي في أماليه لذي الأصبع العدواني واسمه حرثان بن عمر. وقبله :

لقينا منهم جمعا

فاوفي الجمع مآنا

اللغة قرى موضع في بلاد بني الحارث بن كعب وهي قرى ماءة من تبالة ، وتبالة بفتح التاء بلد في اليمن وهي التي يضرب المثل بها فيقال أهون على الحجاج من تبالة. وكان الحجاج

١٦٧

وتقول هو ضرب والكريم أنت وإن الذاهبين نحن وقال :

ما قطّر الفارس إلا أنا (١)

وجاء عبد الله وأنت وإياك أكرمت إلا ما أنشده ثعلب :

وما نبالي إذا ما كنت جارتنا

ألّا يجاورنا إلاك ديّار (٢)

__________________

وليها وهو أول عمل وليه فلما قرب منها قال للدليل أين هي قال تسترها عنك هذه الاكمة. قال أهون عليّ بعمل بلدة تسترها عني أكمة ثم كر راجعا.

الاعراب كأنا أن حرف توكيد ونصب. ونا اسمها ويوم نصب على الظرفية. وقرى مجرور تقديرا باضافة يوم إليه. وانما ملغاة. ونقتل فعل مضارع وفاعل. وايانا مفعوله والجملة في محل رفع خبر أن (والشاهد فيه) وضع ايانا موضع الضمير المتصل في نقتلنا والقبح في هذا دون القبح في البيت الذي قبله لأن اتصال الكاف ببلغت حسن بخلاف اتصال ضمير الفاعل بالفعل فانه غير صحيح إلا أن يكون من أفعال القلوب فلا يقال ضربتني ولا أضربني ولا ضربتك بفتح التاء ولا زيد ضربه على أن الضمير عائد إلى زيد ، ولكن يقال ضربت نفسي وضربت نفسك وزيد ضرب نفسه ، وانما حظروا تعدي الفعل إلى ضمير فاعله كراهة أن يكون الفاعل مفعولا في اللفظ فاستعملوا في موضع الضمير النفس تنزيلا لها منزلة الأجنبي ، واستجازوا ذلك في أفعال العلم والظن الداخلة على جملة الابتداء فقالوا حسبتني في الدار. ولم يأت في هذا الباب إلا في فعلين عدمتني وفقدتني (والمعنى) شبه أولئك الذين قتلوا ذلك اليوم بنفسه وقومه في السيادة والشرف فقال كأننا بقتلهم إنما نقتل أنفسنا. وقيل إن أولئك المقتولين كانوا بني عمه فمن هذا قال ذلك.

(١) صدره. قد علمت سلمى وجاراتها. استشهد به جماعة ولم يسم أحد قائله ونسبه العسكري في الصناعتين لعمرو بن معد يكرب.

اللغة جارات جمع جارة. وقطر الفارس أي صرعه صرعة شديدة.

الاعراب قد حرف تحقيق. وعلمت فعل ماض. وسلمى فاعله. وجاراتها عطف على الفاعل. وما نافية. وقطر فعل ماض. والفارس مفعوله. وإلا أنا فاعله (والشاهد فيه) أن الضمير في قوله إلا أنا جاء منفصلا لتعذر الاتصال للفصل بالا.

(٢) البيت لم يعرف له قائل.

اللغة نبالي من المبالاة وهي الخوف. وديار بمعنى أحد وهو من الألفاظ المستعملة في النفي العام يقال ما في الديار ديار وديور وهو فعال من الدور أو من الدار وأصله ديوار ففعل به ما فعل

١٦٨

حكم التقاء ضميرين

فإذا التقى ضميران في نحو قولهم الدرهم اعطيتكه ، والدرهم اعطيتكموه ، والدرهم زيد معطيكه ، وعجبت من ضربكه ، جاز أن يتصلا كما نرى ، وأن يفصل الثاني كقولك اعطيتك إياه ، وكذلك البواقي. وينبغي إذا اتصلا أن يقدم منهما ما للمتكلم على غيره ، وما للمخاطب على الغائب ، فتقول أعطنيك واعطانيه زيد والدرهم اعطاكه زيد وقال عز وجل :

(أَنُلْزِمُكُمُوها).

وإذا انفصل الثاني لم تراع هذا الترتيب ، فقلت اعطاه إياك وأعطاك إياي وقد جاء في الغائبين أعطاهاه وأعطاهوها ومنه قوله :

وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة

لضغمهما ها يقرع العظم نابها (١)

__________________

بأصل سيد ولو كان فعال لكان دوار.

الاعراب ما نافية. ونبالي فعل مضارع وفاعل. وإذا ظرف. وما زائدة. وكنت كان واسمها وجارتنا خبرها. وان مصدرية. ولا نافية. ويجاورنا فعل مضارع منصوب بأن. ونا مفعوله. وديار فاعله. والجملة في محل نصب مفعول نبالي ، أما على تقدير حذف حرف الجر كقولك ما باليت بزيد أو على أنه متعد بنفسه كقولك ما باليت زيدا. والا حرف استثناء.

والضمير مستثنى من ديار متقدم عليه. وذكر العيني الا بمعنى غير والمعنى لا يساعد عليه (والشاهد فيه) وقوع الضمير المتصل بعد الا وهو شاذ والقياس وقوعه بعدها منفصلا (والمعنى) إذا حصلت مجاورتك فانتفاء مجاورة كل أحد غير مبالي بها لأن مجاورتك هي المقصودة دون غيرها.

(١) البيت لمغلس بن لقيط من قصيدة يرثي بها أخاه أطيطا وكان له ثلاثة أخوة أطيط بالتصغير ومدرك ومرة. وكان أطيط برا به دون أخويه. فلما مات أطيط أظهرا له العداوة فقال هذه القصيدة واولها :

أبقت لك الأيام بعدك مدركا

ومرة والدنيا قليل عتابها

اللغة الضغمة العضة كنى بها عن المصيبة. وروى أبو الحسن علي بن عيسى الرابعي بيت الشاهد هكذا :

فقد جعلت نفسي تهم بضغمة

على عل غيظ يقصم العظم نابها

١٦٩

وهو قليل ؛ والكثير أعطاها إياه ، وأعطاه إياها ، والإختيار في ضمير خبر كان وإخواتها الإنفاصل كقوله :

لئن كان إياه لقد حال بعدنا

عن العهد والإنسان قد يتغيّر (١)

__________________

والعل بفتح العين التكرار والقصم الكسر مع الفصل. وعلى هذه الرواية فلا شاهد فيه والرواية الأولى أشهر.

الاعراب قد حرف تحقيق. وجعلت فعل ماض من أفعال القلوب. ونفسي اسمها.

وتطيب فعل مضارع فاعله ضمير يعود إلى النفس. والجملة خبر تطيب. وقوله لضغمة متعلق بتطيب. واللام فيه بمعنى الباء وليست بمعنى من لأنه لم يرد أن نفسه تطيب من أجل الضغمة وانما أراد أنها تطيب بها وقوله يقرع العظم نابها جملة من الفعل والفاعل وهو نابها والمفعول وهو العظم في محل جر صفة ضغمة. وقوله لضغمهماها اللام فيه للتعليل والضمير الأول في موضع جر بالاضافة وهو فاعل في المعنى يرجع إلى الرجلين المذكورين في البيت قبله وهو :

سقيتكما قبل الظلام بشربة

يمر على باغي الظلام شرابها

والضمير الثاني في محل نصب على المفعولية وهو عائد إلى الضغمة (والشاهد فيه) اجتماع الضميرين وهو شاذ وكان القياس في الثاني الانفصال بأن يقول لضغمهما إياها. قال سيبويه في باب إضمار المفعولين إذا ذكرت مفعولين كلاهما غائب قلت اعطاهوها واعطاها هو جاز وهو عربي ولا عليك بأيّهما بدأت من قبل أن كلاهما غائب. وهذا أيضا ليس بالكثير في كلامهم والكثير في كلامهم أعطاه إياها (والمعنى) يصف شدة أصابه بها رجلان فقال وقد جعلت نفسي تثيب لاصابتهما بمثل الشدة التي أصاباني بها. وضرب الضغمة مثلا. ثم وصف الضغمة فقال يقرع العظم نابها فجعل لها نابا على السعة. والمعنى يصل وضرب الضغمة مثلا. ثم وصف الضغمة فقال يقرع العظم نابها فجعل لها نابا على السعة. والمعنى يصل فيها الناب إلى العظم فيقرعه.

(١) هو من قصيدة لعمر بن أبي ربيعة شبب فيها بمحبوبته نعم أولها :

أمن آل نعم أنت غاد فمبكر

غداة غد أم رائح فمهجر

إلى أن قال :

قفي فانظري أسماء هل تعرفينه

أهذا المغيري الذي كان يذكر

أهذا الذي اطربت ذكرا فلم أكن

وعيشك أنساه إلى يوم أقبر

فقالت نعم لا شك غير لونه

سرى الليل يحيي نصه والتهجر

١٧٠

وقوله :

ليس إيّاي وإيّا

ك ولا نخشى رقيبا (١)

وعن بعض العرب عليه رجلا ليسني وقال :

إذ ذهب القوم الكرام ليسي (٢)

__________________

اللغة حال تغير من قولهم حالت القوس أي انقلبت عن حالها التي عمرت عليها وحصل في قالبها اعوجاج. وعن العهد أي عما عهدناه من شبابه وجماله.

الاعراب اللام موطئة للقسم. وإن حرف شرط جازم. وكان ناقصة اسمها ضمير فيها يعود إلى المغيري. واياه خبرها. والجملة فعل الشرط. وقوله لقد اللام فيه للتأكيد وقد حرف تحقيق. وحال فعل ماض. وفاعله ضمير فيه. وبعدنا ظرف يتعلق بحال. وعن العهد يتعلق بحال أيضا. والجملة جواب الشرط. والانسان مبتدأ. وقد يتغير جملة فعلية خبره والجملة الابتدائية حالية. (والشاهد) في قوله لئن كان إياه حيث جاء خبر كان ضميرا منفصلا قال المصنف وهو الاختيار. وقال بدر الدين في شرح الألفية الصحيح اختيار الاتصال لكثرته في النثر والنظم الفصيح. والصحيح ما ذهب إليه المصنف لأن منصوب كان خبر في الأصل والأصل في الخبر الانفصال (والمعنى) لئن كان هذا هو المغيري لقد تغير بعد فراقنا له عما عهدناه عليه من الشباب والجمال وذلك غير منكر فان الانسان عرضة للتغير.

(١) هو لعمر بن أبي ربيعة أيضا وقيل هو لعبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان العرجي نسبة إلى العرج ، وهو من نواحي مكة. قال صاحب الأغاني لأنه ولد بها وقيل لأنه كان له بها مال فكان يختلف إليها فنسب إليها. وقبله :

ليت هذا الليل شهر

لا نرى فيه عريبا

الاعراب ليس هنا تحتمل أمرين. الأول أن تكون في موضع الوصف للاسم قبلها كأنه قال لا يرى فيه أحدا غيري وغيرك. والثاني أن تكون استثناء بمنزلة الا وقوله ولا نخشى رقيبا جملة من الفعل والفاعل والمفعول (والشاهد فيه) مجيء خبر ليس ضميرا منفصلا.

(٢) قيل انه لرؤبة وصدره ـ عددت قومي كعديد الطيس ـ ويروى عهدي بقومي.

اللغة الطيس كل ما على وجه الأرض من الأنام وقيل هو كل خلق كثير النسل نحو النمل والذباب والهوام وقيل هو الكثير من الرمل والماء وغيرهما وأراد به رؤبة الرمل. وعددت من العد وهو الاحصاء. والعديد الاسم مثل العدد.

الاعراب عددت فعل وفاعل. وقومي مفعول. وقوله كعديد الطيس حال من قومي أي

١٧١

والضمير المستتر يكون لازما وغير لازم. فاللازم في أربعة أفعال إفعل وتفعل للمخاطب وافعل ونفعل. وغير اللازم في فعل الواحد الغائب وفي الصفات. ومعنى اللزوم فيه أن أسناد هذه الأفعال إليه خاصة لا تسند البتة إلى مظهر ولا إلى مضمر بارز ، ونحو فعل ويفعل يسند إليه وإليهما في قولك عمرو قام وقام غلامه وما قام إلا هو. ومن غير اللازم ما يستكن في الصفة نحو قولك زيد ضارب ، لأنك تسنده إلى المظهر أيضا في قولك زيد ضارب غلامه ، وإلى المضمر البارز في قولك هند زيد ضاربته هي ، والهندان الزيدان ضاربتهما هما ، ونحو ذلك مما أجريتها فيه على غير من هي له.

ضمير الفصل :

ويتوسط بين المبتدأ وخبره قبل دخول العوامل اللفظية وبعده إذا كان الخبر معرفة أو مضارعا له في امتناع دخول حرف التعريف عليه كافعل من كذا أحد الضمائر المنفصلة المرفوعة ، ليؤذن من أول أمره بأنه خبر لا نعت ، وليفيد ضربا من التوكيد. وتسميه البصريون فصلا ، والكوفيون عمادا. وذلك في قولك زيد هو المنطلق ، وزيد هو أفضل من عمرو ، وقال تعالى : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ ،) وقال تعالى : (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ،) وقال :

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ ،) وقال تعالى : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً.) ويدخل عليه لام الإبتداء ، تقول إن كان زيد لهو ظريف ، وإن كنا لنحن الصالحون. وكثير من العرب يجعلونه مبتدأ وما بعده مبنيا عليه. وعن رؤبة أنه يقول أظن زيدا هو خير منك ويقرؤون : وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمون و (أَنَا أَقَلَّ.)

__________________

عددتهم وهم في هذه الكثرة. وقال العيني انه صفة لمصدر محذوف أي عدا كعديد الطيس. وإذ ظرفية. وذهب فعل ماض. والقوم فاعله. والكرام صفة قوم. وقوله ليسي ليس ناقصة. واسمها ضمير فيها. والضمير المتصل خبرها أي ليس الذاهب إياي (والشاهد فيه) مجيء خبر ليس ضميرا متصلا وهو شاذ. وفيه شذوذ آخر وهو حذف نون الوقاية. وحقه أن يقول ليسني (والمعنى) عددت قومي فوجدتهم في عدد الرمل ومع هذا فلم أر فيهم كريما غيري.

١٧٢

ضمير الشأن :

ويقدمون قبل الجملة ضميرا يسمى ضمير الشأن والقصة. وهو المجهول عند الكوفيين. وذلك نحو قولك هو زيد منطلق اي الشأن والحديث زيد منطلق ، ومنه قوله عز وجل : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ). ويتصل بارزا في قولك ظننته زيد قائم ، وحسبته قام أخوك ، وأنه أمة الله ذاهبة ، وأنه يأتنا نأته ، وفي التنزيل : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ ،) ومستكنا في قولهم ليس خلق الله مثله وكان زيد ذاهب ، وكان أنت خير منه ، وكاد تزيغ قلوب فريق منهم.

ويجيء مؤنثا إذا كان في الكلام مؤنث نحو قوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ ،) وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ). وقال :

على أنها تعفو الكلوم (١)

__________________

(١) تمامه. (وإنما نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي) هو من قصيدة لأبي خراش الهذلي ، يرثي بها أخاه عروة ويبكيه. ويذكر خلاص ابنه خراش من الأسر ، ويحمد الله على ذلك. وأولها :

حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا

خراش وبعض الشر أهون من بعض

اللغة تعفو تنمحي وتبرأ من قولهم عفت الدار إذا اندرست وذهبت آثارها. والكلوم الجروح وأحدها كلم بفتح فسكون. ونوكل مبنيا للمفعول من قولهم وكلته بالأمر إذا فوضته إليه وألزمته به. والأدنى الأقرب.

الاعراب أن حرف مصدري ونصب وضمير القصة اسمها. وتعفو الكلوم فعل وفاعل في محل رفع خبر أن. ولم يحتج إلى الرابط لأن الخبر نفس المبتدأ في المعنى. وانما كافة ومكفوفة. ونوكل فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله. ونائب الفاعل ضمير المتكلم وبالأدنى متعلق به. وان حرف شرط جازم. وجل فعل ماض فعل الشرط. وما موصولة فاعل جل. ويمضي فعل مضارع صلة الموصول. وفاعله ضمير يعود إلى ما وجواب الشرط يدل عليه ما قبله. (والشاهد فيه) أن الضمير في أنها ضمير القصة لأن في الكلام مؤنثا وهو الكلوم. ويجوز تذكيره أيضا على اعتبار الشأن. وهذا مذهب البصريين. ومذهب الكوفيين أنه لا يؤنث ما لم يله مؤنث أو مذكر شبه به مؤنث نحو انها قمر جاريتك أو فعل بعلامة التأنيث كقوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى

١٧٣

والضمير في قولهم ربه رجلا نكرة مبهم ، يرمي به من غير إلى مضمر له ، ثم يفسر العدد المبهم في قولك عشرون درهما ونحوه في الإبهام والتفسير والضمير في نعم رجلا.

وإذا كنى عن الأسم الواقع بعد لو لا وعسى فالشائع الكثير أن يقال لو لا أنت ولو لا أنا وعسيت وعسيت قال تعالى : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) وقال :

(فَهَلْ عَسَيْتُمْ). وقد روى الثقات عن العرب لولاك ولولاي وعساك وعساني وقال يزيد بن أم الحكم :

وكم موطن لولاي طحت كما هوى

بأجرامه من قلة النيق منهوي (١)

__________________

الْأَبْصارُ) فإذا وجد أحد هذه الأمور جاز التأنيث باعتبار القصة والتذكير باعتبار الشأن (والمعنى) أن الكلوم تندمل ويذهب أثرها حتى لا يبقى لها أثر يذكرها المجروح به وإنما نحزن على الأقرب فالأقرب من المصائب وننسى ما مضى وبعد عهده وان كان هو أجل وأوجع مما قرب منا وهذا يجري مجرى الاعتذار عن قوله قبله وهو :

فو الله لا أنسى قتيلا رزئته

بجانب قوسي ما مشيت على الأرض

(١) اللغة الموطن المشهد من مشاهد الحروب. وطحت من طاح يطوح ويطيح إذا هلك وسقط. واجرام جمع جرم وهو الجسد والقلة أعلى الجبل والنيق أعلى الجبل أيضا والمنهوي الساقط.

الاعراب كم للتكثير مبتدأ. وموطن جر بالاضافة إليه. والخبر محذوف تقديره لك. ولولاي قال سيبويه لو لا هنا حرف جر والضمير بعدها في محل جر بها وهذا الجار لا يحتاج إلى شيء يتعلق به. وقال غيره لو لا هنا حرف امتناع والياء مبتدأ استعير لفظ غير المرفوع للمرفوع. وخبره محذوف. تقديره حاضر. وطحت جملة من فعل وفاعل في محل جر صفة موطن. والرابط محذوف تقديره فيه. وهو جواب لو لا عند من يجعلها على بابها. وعلى رأي سيبويه فجملة لولاي طحت صفة موطن. وقوله كما هوى مفعول مطلق لطحت من غير لفظه أي طحت طوحا كهوي الساقط. فما مصدرية وقيل كافة. وهوى فعل ماض وباجرامه متعلق بهوى وقد جعل أعضاءه اجراما توسعا كما قالوا شابت مفارقه. ومن قلة النيق جار ومجرور ومضاف ومضاف إليه يتعلق بهوى. ومنهوي فاعل هوى وهو مطاوع هوى. وقد طعن فيه المبرد قال انفعل لا يجيء مطاوع فعل الا حيث يكون علاج وتأثير. وقال ابن جني إن انفعل أصله من الثلاثي ثم تلحقها الزيادتان نحو قطعته فانقطع ولا يكاد يكون فعل منه الا متعديا حتى تمكن

١٧٤

وقال :

لولاك هذا العام لم أحجج (١)

وقال :

يا أبتا علّك أو عساكا (٢)

__________________

المطاوعة والانفعال. وقد جاء فعل منه غير متعد وهو. وكم موطن لولاي طحت. البيت فانما هذه مطاوع هوى إذا سقط وهو غير متعد كما ترى. وقال الفارسي إنما بنى منهوي منفعلا لضرورة الشعر (والشاهد فيه) مجيء الضمير المشترك بين الرفع والجر على قلة بعد لو لا ولو جاءت علامة الاضمار على القياس لقال أنتم كما قال الله تعالى : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) ومذهب المبرد أنه لا يجوز أن يليها من المضمرات الا المنفصل المرفوع كما جاء في القرآن. ودفع الاحتجاج بهذا البيت بأن في هذه القصيدة شذوذا في مواضع وخروجا عن القياس بالاتفاق فلا معرج عليه ولا وجه للتمسك به. وهذا الدفع مدفوع بما سيأتي من الشواهد بعده. وثم مذهب ثالث وهو مذهب الأخفش الذي حكاه المصنف وهو أن الضمير المتصل بعدها مستعار للرفع فيحكم بأن موضعه رفع بالابتداء وان كان بلفظ المضمر المنصوب أو المجرور (والمعنى) كم مشهد من مشاهد الحرب لو لا أنا موجود فيه أذب عنك لهلكت فيها كما هلك الساقط من أعلى الجبل.

(١) هذا عجز البيت وصدره. أومت بعينيها من الهودج. ذكر التبريزي أنه للعرجي من قصيدته التي أولها :

عوجي علينا ربة الهودج

إنك إلا تفعلي تحرجي

وليس كذلك. وليس هذا البيت في القصيدة ولا في سائر ديوان العرجي. وانما هو مطلع قصيدة لعمر بن أبي ربيعة.

أنت إلى مكة أخرجتني

ولو تركت الحج لم أخرج

اللغة أومت من الإيماء وهو الاشارة. والهودج مركب النساء في السفر.

الاعراب أومت فعل ماض فاعله ضمير يعود إلى المحبوبة. وبعينيها متعلق بأومت من الهودج كذلك. ولولاك مثل لولاي في الشاهد السابق وفي ذا العام متعلق بأحجج. (والشاهد فيه) كالذي قبله (والمعنى) أشارت إليّ بعينيها من الهودج تقول أنت الذي أخرجتني إلى مكة ولو لا خروجك للحج لم أخرج إليه ولا تجشمت مشقة السفر.

(٢) اختلف في قائله فقيل هو العجاج. والاكثرون على أنه رؤبة ابنه وصدره كما في روح الشواهد. تقول بنتي قد أنى أناكا. قال ابن الاعرابي وهو خطأ من وجهين. الأول أن هذا الصدر

١٧٥

وقال :

ولي نفس أقول لها إذا ما

تنازعني لعلي أو عساني (١)

واختلف في ذلك : فمذهب سيبويه وقد حكاه عن الخليل ويونس أن

__________________

صدر لبيت آخر من أرجوزة أخرى لرؤبة يمدح بها الحارث ابن سليم وهو :

تقول بنتي قد أنى أناكا

فاستعزم الله ودع عساكا

أي حان ارتحالك في سفر تطلب فيه الرزق فاطلب من الله أن يثبت عزمك على الرحيل ودع عنك قول عسى أن لا أحصل من هذا السفر شيئا. الوجه الثاني أن قولهم (يا أبتا) تصحيف وانما هو (تأنيا علك أو عساكا) وصدر هذا البيت (تصغير أيدي العرس المداكا). وهو من أرجوزة لرؤبة أيضا يمدح بها إبراهيم بن عربي هذا ما نقل عن ابن الاعرابي والله أعلم بصواب ذلك.

اللغة انى بمعنى حان وقرب والإنى بكسر الهمزة والقصر الوقت كما في قوله تعالى (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) وذكر السيوطي في شرح شواهد المغني أنه بفتح الهمزة قال وأصله أناءك وهو اسم من فعل انى.

الاعراب تقول فعل مضارع. وبنتي فاعله. وقد حرف تحقيق. وانى فعل ماض. وأناك فاعله. والجملة في محل نصب مقول القول. وقوله يا أبتا يا حرف نداء وأبتا منادى مضاف. وقوله علك علّ حرف توكيد ونصب والكاف اسمها. وخبرها محذوف تقديره تظفر ببغيتك في سفرك هذا. وقوله أو عساكا فيه الأقوال الثلاثة. فمذهب سيبويه أن الكاف منصوبة لا مجرورة والا لقال عساي تنزيلا لها منزلة لعل فان قيل إذا كانت بمنزلة لعل اقتضت مرفوعا لأن المنصوب لا يكون بدون مرفوع. قيل إن مرفوعها محذوف وليس هو عمدة كالفاعل حتى يمتنع حذفه لأنها لما شبهت بلعل جاز أن يحذف مرفوعها كما جاز أن يحذف مرفوع لعل واخواتها لأن الأصل في معموليها المبتدأ والخبر وحذف اخبار المبتدآت لا حجر فيه. ومذهب المبرد أن الكاف مفعول مقدم والفاعل مضمر كأنه قال عساك الخير والشر. المذهب الثالث الذي حكاه المصنف عن الأخفش وهو أن الضمير بعدها للرفع كما تقدم شرحه في الشاهد السابق. والشاهد والمعنى ظاهران.

(١) البيت لعمران بن حطان الخارجي من قصيدة يمدح بها الخوارج ويزعم أنهم أهل الحق وهو من رؤوس الخوارج وفضلائهم أخرج له البخاري وأبو داود واعتذر البخاري بأنه إنما أخرج عنه ما حدث به قبل أن يبتدع واعتذر أبو داود بأن الخوارج أصح أهل البدع حديثا وهو القائل يمدح عبد الرحمن بن ملجم قاتل أمير المؤمنين على ابن أبي طالب كرم الله وجهه.

يا ضربة من تقي ما أراد بها

إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

الاعراب لي خبر مقدم. ونفس مبتدأ مؤخر. وأقول فعل مضارع فاعله ضمير المتكلم ولها متعلق بأقول. وإذا ظرف. وما زائدة. وتنازعني فعل مضارع وفاعل هو ضمير يعود إلى النفس

١٧٦

الكاف والياء بعد لو لا في موضع الجر ، وإن لو لا مع المكنى حالا ليس له مع المظهر ، كما أن للدن مع غدوة حالا ليست له مع غيرها. وهما بعد عسى في محل النصب بمنزلتهما في قولك لعلك ولعلي. ومذهب الأخفش أنهما في الموضعين في محل الرفع ، وأن الرفع في لو لا محمول على الجر ، وفي عسى على النصب ، كما حمل الجرّ على الرفع في قولهم ما أنا كأنت والنصب على الجر في مواضع.

نون الوقاية :

وتعمد ياء المتكلم إذا اتصلت بالفعل بنون قبلها صونا له من أخي الجرّ ، ويحمل عليه الأحرف الخمسة لشبهها به. فيقال إنني. وكذلك الباقية ، كما قيل ضربني ويضربني. وللتضعيف مع كثرة الإستعمال جاز حذفها من أربعة منها في كل كلام. وقد جاء في الشعر ليتي لأنها منها قال زيد الخيل :

كمنية جابر إذ قال ليتي

أصادفه وأفقد بعض مالي (١)

__________________

ومفعول هو الياء. ولعل حرف توكيد ونصب. والياء اسمها. وخبرها محذوف. وكذلك عساني على الاختلاف السابق. وجملة لعلّي أو عساني في محل نصب مقول القول. (والشاهد فيه) في قوله عساني على نحو ما مر (والمعنى) إذا نازعتني نفسي في حملها على ما هو أصلح لها أقول لها طاوعيني يا نفس على ما أريد بك وأحملك عليه لعلّي أظفر ببغيتي أو لعلي أجد السبيل إلى موافقتك على ما تدعينني إليه ، فإذا قلت لها ذلك قرت وسكنت.

(١) هو زيد بن مهلهل الطائي. وفد على النبي صلّى الله عليه وسلّم سنة تسع فأسلم وسماه عليه الصلاة والسّلام زيد الخير ، وقال له ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الاسلام إلا رأيته دون الصفة غيرك. وانما قيل له زيد الخيل لخمسة أفراس كانت له. وهذا البيت له من أبيات قالها يذكر أن قوما ما تمنوا لقاءه فلما لقيهم تمنوا ان لم يكونوا لقوه. وقبله.

تمنى مزيد زيدا فلاقى

اخا ثقة إذا اختلف العوالي

اللغة المنية بالضم اسم للتمني وفي الأصل الشيء الذي يتمنى. وجابر رجل من غطفان كان تمنى لقاء زيد فلما لقيه رأى منه ما يكره. وقيل ان المتمني هو قيس بن جابر بدليل قول زيد في قصيدة أخرى.

١٧٧

وقد فعلوا ذلك في من وعن ولدن وقط وقد إبقاء عليها من أن تزيل الكسرة سكونها وأما قوله :

قدني من نصر الخبيبين قدي (١)

__________________

ألا أبلغ الأقياس قيس بن نوفل

وقيس بن أهبان وقيس بن جابر

فان صح ان المراد في البيتين واحد فقوله كمنية جابر فيه تسمية الابن باسم أبيه كما قال الآخر.

يحملن عباس بن عبد المطلب. وانما يريد عبد الله بن عباس على أنه يمكن غير هذا.

ويروى حائن يعني هالك يريد بن جابر المذكور وافقد بمعنى اعدم وهو من باب ضرب وبعض مالي يروى بدله جل مالي وجل الشيء معظمه وهذه الرواية انسب بالمقام.

الاعراب كمنية جابر جار ومجرور ومضاف ومضاف إليه في محل نصب على انه مفعول مطلق ، أي تمنى مزيد تمنيا كتمني جابر. وإذ ظرف معمول لمنية. وقال فعل ماض فاعله ضمير يعود إلى جابر. وليت حرف توكيد ونصب. والياء اسمها. وجملة اصادفه خبرها. وافقد فعل مضارع منصوب باضمار أن بعد واو المعية الواقعة بعد التمني. وفاعله ضمير المتكلم. وقال العيني أفقد بالرفع جملة فعلية عطف على اصادفه كذا قيل وفيه نظر لأنه يلزم أن يكون فقد بعض ماله متمنى وليس كذلك. والصحيح انه مرفوع على انه خبر مبتدأ محذوف تقديره وانا افقد. وتكون الواو للحال وبعض منصوب بأفقد ويقال أفقد منصوب لأنه جواب التمني كما في قوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) قلت هذا لا يتمشى إلا إذا قرىء بالفاء فأفقد ولكن يجوز نصبه باضمار ان تقديره ليتني اصادفه وان افقد بعض مالي اه. كلامه اقول لا مانع على الوجه الأول من جعل الواو للمعية فيندفع الاشكال وأما قوله هذا لا يتمشى إلا إذا قرىء بالفاء فهو غاية في الغرابة فان المضارع ينصب باضمار أن بعد واو المعية كما ينصب بعد فاء السببية في جواب أحد الأشياء الثمانية وجل من لا يسهو. (والشاهد فيه) حذف نون الوقاية من ليتني وهو ضرورة عند سيبويه (والمعنى) ان جابرا تمنى أن يلقى زيدا ليقتله فلما لقيه فر منه خوفا على نفسه.

(١) تمامه. ليس الامام بالشحيح الملحد. قال الجوهري وهو لحميد بن الأرقط ونسبه ابن يعيش في شرح المفصل لأبي بحدلة. والصحيح انه لحميد يذكر لعبد الملك بن مروان تقاعده عن نصرة عبد الله بن الزبير.

اللغة قدني بمعنى حسبي. والخبيبين قيل انه تثنية خبيب. وقيل انه جمع له. وعلى الوجه الأول قيل ان المراد به عبد الله بن الزبير وابنه خبيب ، وقيل المراد عبد الله واخوه مصعب. وعلى الوجه الثاني فالمراد عبد الله ومن كان على رأيه. ورد البطليوس في شرح الكامل رواية التثنية وقال إن حميدا الأرقط قال ذلك في حصار طارق ومصعب مات قبل ذلك بسنين اه وهذا لا يصلح منعا

١٧٨

فقال سيبويه لما اضطر شبهه بحسبي وعن بعض العرب مني وعني وهو شاذ ولم يفعلوه في عليّ ولديّ لأمنتهم الكسرة فيها.

__________________

لاحتمال أن يكون المراد بالخبيبين عبد الله وابنه خبيبا لا أخاه مصعبا. والشحيح البخيل. والملحد الجائر المائل عن طريق الحق الظالم في الحرم.

الاعراب قدني في محل رفع على أنه مبتدأ ومن نصر خبر ونصر مضاف إلى الخبيبين إضافة المصدر إلى مفعوله أي حسبي من نصري إياهما. وقدي تأكيد للأول. والامام اسم ليس.

وبالشحيح خبرها. والباء زائدة. والملحد صفة امام (والشاهد فيه) في قوله قدي حيث اضيف قد إلى ياء المتكلم بلا نون الوقاية تشبيها له بحسبي. وفي الصحاح قدك بمعنى حسبك فهو اسم تقول قدي وقدني أيضا بالنون على غير قياس لأن هذه النون إنما تزاد في الأفعال وقاية لها مثل شتمني وضربني ثم أنشد هذا البيت.

١٧٩

الفصل الثاني : أسماء الإشارة

تعدادها :

ذا للمذكر ، ولمثناه ذان في الرفع وذين في النصب والجر ، ويجيء ذان فيهما في بعض اللغات ومنه (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ). وتا وتي وته وذه بالوصل وبالسكون. وذي بالمؤنث ولمثناه تان وتين ، ولم يثن من لغاته إلا تا وحدها. ولجمعها جميعا أولا بالقصر والمدّ ، مستويا في ذلك أولو العقل وغيرهم. قال جرير :

ذمّ المنازل بعد منزلة اللوى

والعيش بعد أولئك الأيام (١)

__________________

(١) هو له من قصيدة بهجو بها الفرزدق أولها :

سرت الهموم فبتن غير نيام

وأخو الهموم يروم كل مرام

اللغة المنازل جمع منزل أو منزلة كالمساجد والمحامد واللوى موضع.

الاعراب ذم فعل أمر وفاعله ضمير المخاطب. قال ابن هشام الأرجح فيه كسر الميم الذي هو واجب عند فك الادغام على لغة الحجاز ودونه الفتح للتخفيف وهو لغة بني أسد والضم ضعيف. ووجهه ارادة الاتباع. والمنازل مفعول. وبعد نصب على الظرفية. ومنزلة جر بالاضافة إليه. واللوى في محل جر بالاضافة إلى منزلة. والعيش عطف على المنازل. والأيام صفة لاسم الاشارة أو عطف بيان. (والشاهد فيه) ان أولاء يشار به إلى الجمع عاقلا كان أو غيره ويروى الأقوام بدل الأيام وعلى هذه الرواية فلا شاهد فيه وزعم بعضهم أن هذه الرواية هي الصحيحة.

١٨٠