المفصل في صنعة الإعراب

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري

المفصل في صنعة الإعراب

المؤلف:

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

وتقول إن مات فلان كان كذا ، وإن كان موته لا شبهة فيه إلا أن وقته غير معلوم فهو الذي حسن فيه.

زيادة ما على إن :

وتجيء إن مع زيادة ما في آخرها للتأكيد قال الله تعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً). وقال :

فإمّا تريني أزجي ظعينتي (١)

وجوب تقدم الشرط :

والشرط كالإستفهام في أن شيئا مما في حيزه لا يتقدمه. ونحو قولك آتيك إن تأتني ، وقد سألتك لو اعطيتني ، ليس ما تقدم فيه جزاء مقدما ، ولكن كلاما واردا على سبيل الإخبار. والجزاء محذوف وحذف جواب لو كثير في القرآن والشعر.

__________________

وزعم أن البيت صحفه الرواة وأصله (من يفعل الخير فالرحمن يشكره). وأجاز ذلك غيره والجواز أقرب إلى الصواب وشواهده في العربية كثيرة والله أعلم.

(١) تمامه (أصعد سيرا في البلاد وافرع) وهو لعبد الرحمن بن همام.

اللغة أزجي من الازجاء وهو السوق برفق ولين. والظعينة المرأة في الهودج. والمفرع هنا المنحدر وهو من الاضداد.

الاعراب ان حرف شرط جازم. وما زائدة. وتريني فعل مضارع مجزوم وضمير المخاطب فاعله والنون للوقاية والياء مفعوله. واليوم نصب على الظرفية. وازجي فعل مضارع فاعله ضمير المتكلم. ومطيتي مفعوله. والجملة حال من ضمير المفعول. هذا ان كانت تريني من الرؤية البصرية. فان كانت من العلمية فالجملة في محل نصب مفعولها الثاني. وقوله أفرع هو معطوف على أزجي بحذف العاطف. وسيرا نصب بالمصدر وجواب الشرط في البيت بعده وهو :

فاني من قوم سواكم وانما

رجالي فهم بالحجاز وأشجع

والشاهد والمعنى ظاهران.

٤٤١

وجوب مجيء الفعل بعد إن :

ولا بد من أن يليهما الفعل ونحو قوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) وقوله : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ)

على إضمار فعل يفسره هذا الظاهر. ولذلك لم يجز لو زيد ذاهب ، ولا إن عمرو خارج. ولطلبهما الفعل وجب في أن الواقعة بعد لو أن يكون خبرها فعلا كقولك : لو أن زيدا جاءني لأكرمته وقال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ). ولو قلت لو أن زيدا حاضري لأكرمته لم يجز.

لو قد تجيء للتمني :

وقد تجيء لو بمعنى التمني كقولك : لو تأتيني فتحدثني ، كما تقول :

ليتك تأتيني فتحدثني. ويجوز في فتحدثني النصب والرفع وقال الله تعالى :

(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ). وفي بعض المصاحف فيدهنوا.

أما لها معنى الشرط :

وأما فيها معنى الشرط. قال سيبويه إذا قلت أما زيد فمنطلق فكأنك قلت مهما يكن من شيء فزيد منطلق ، ألا يرى أن الفاء لازمة لها.

إذن :

وإذن جواب وجزاء. يقول الرجل : أنا آتيك ، فتقول : إذن أكرمك. فهذا الكلام قد أجبته به وصيرت إكرامك جزاء له على إتيانه. وقال الزجاج : تأويلها إن كان الأمر كما ذكرت فإني أكرمك. وإنما تعمل إذن في فعل مستقبل غير معتمد على شيء قبلها كقولك لمن قال لك أنا أكرمك : إذن أجيئك. فإن حدث فقلت إذن أخالك كاذبا ألغيتها لأن الفعل للحال. وكذلك إن اعتمدت بها على مبتدأ أو شرط أو قسم فقلت : أنا إذن أكرمك ، وإن تأتني إذن آتك ، وو الله إذن لا أفعل. وقال كثير :

٤٤٢

لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها

وأمكنني إذن لا أقيلها (١)

وإذا وقعت بين الفاء والواو وبين الفعل ففيها الوجهان قال الله تعالى :

(وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ) وقرىء لا يلبثوا. وفي قولك أن تأتني آتك وإذن أكرمك ثلاثة أوجه الجزم والرفع والنصب.

__________________

(١) كان من سبب قول كثير هذا البيت انه دخل على عبد العزيز والد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وكان واليا على مصر فمدحه بمديح استجاده فقال : حكمك يا أبا صخر. قال فاني أحكم أن أكون مكان ابن رمانة ، وكان ابن رمانة كاتب عبد العزيز وصاحب أمره. فقال عبد العزيز ويلك ذاك رجل كاتب وأنت شاعر لا علم لك بخراج ولا كتابة اخرج عني. فخرج عنه نادما ثم لم يزل يتلطف حتى دخل عليه فأمر له بعشرين ألف درهم وصرفه فأنشد لئن عاد لي البيت.

الاعراب لأن اللام هي اللام الموطئة للقسم. وان حرف شرط جازم. وعاد فعل ماض. ولي متعلق به في محل نصب مفعوله. وعبد العزيز فاعله. وبمثلها متعلق بعاد. وأمكنني فعل وفاعل ومفعول عطف على عاد. ومنها متعلق به. وإذا مهملة لعدم التصدر. ولا نافية. واقيلها فعل مضارع جواب القسم المذكور في البيت قبله وهو :

حلفت برب الراقصات إلى منى

يغول الفيافي نصها وزميلها

وفاعله ضمير المتكلم والهاء مفعوله. (والشاهد فيه) ان إذن لما وقعت جوابا للقسم لم تعمل في المضارع بعدها (والمعنى) لئن عادلي عبد العزيز بمقالة مثل مقالته تلك لا أطلب منه الا ما لا اعتراض عليّ فيه ولا قدح. وقيل في معنى البيت غير ذلك وما ذكرناه هو الصواب.

٤٤٣
٤٤٤

الباب السابع عشر

حرف التعليل

كي :

يقول القائل : قصدت فلانا ، فتقول له كيمه؟ فيقول : كي يحسن إلي. وكيمه مثل فيمه وعمه ولمه ، دخل حرف الجرّ على ما الإستفهامية محذوفا ألفها ولحقت هاء السكت. واختلف في إعرابها ، فهي عند البصريين مجرورة ، وعند الكوفيين منصوبة بفعل مضمر ، كأنك قلت : كي تفعل ما ذا. وما أرى هذا القول بعيدا من الصواب.

وانتصاب الفعل بعد كي إما أن يكون بها نفسها أو بإضمار أن. وإذا دخلت اللام فقلت لكي تفعل فهي العاملة كأنك قلت لأن تفعل.

وقد جاءت كي مظهرة بعدها أن في قول جميل :

فقالت أكلّ الناس أصبحت مانحا

لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا (١)

__________________

(١) نسبه هنا لجميل العذري صاحب بثينة ونسبه غيره لحسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وليس بذاك.

اللغة مانح من المنح وهو الاعطاء. وتغر وتخدع من قبيل واحد.

الاعراب فقالت فعل ماض معطوف على قلت في البيت قبله وهو :

فقلت لها لو كنت أعطيت عنكم

عزاء لأقللت الغداة التضرعا

٤٤٥

__________________

وفاعله ضمير يعود إلى بثينة. وأكل الهمزة للاستفهام وكل مفعول أول لمانحا. وأصبحت فعل ماض ناقص. والتاء اسمها. ومانحا خبرها. ولسانك مفعول ثان لمانحا. وقوله كيما كي حرف مصدري وما زائدة لا مصدرية ولا كافة كما زعم العيني. وان حرف مصدري ونصب وتغر فعل مضارع منصوب بأن وفاعله ضمير المخاطب. وتخدعا عطف على تغر. وألفه للاطلاق. (والشاهد فيه) ظهور ان بعد كي وذلك شاذ لأن فيه جمعا بين النائب والمنوب عنه وذلك لأن كي إذا لم تقترن باللام تنصب المضارع باضمار ان فلا يجوز اظهار ان بعدها لأنه في قوة تكريرها وأصح الأقوال فيها في مثل هذا الحال أن تلغى ويكون العمل لأن بعدها. (والمعنى) انه أقسم لها انه لم يسل عن هواها وانه لو كان سلا عنها لم يدم البكاء والتضرع فاجابته بان هذا كله خداع وتغرير وان باطله لا ينطلي عليها كما انطلى بقوة لسانه وفصاحة بيانه على الناس.

٤٤٦

الباب الثامن عشر

حرف الردع

كلا :

وهو كلا. قال سيبويه : هو ردع وزجر. وقال الزجاج كلا ردع وتنبيه ، وذلك قولك : كلا لمن قال لك شيئا تنكره نحو فلان يبغضك وشبهه أي ارتدع عن هذا وتنبه عن الخطأ فيه. قال الله تعالى بعد قوله : (رَبِّي أَهانَنِ كَلَّا). أي ليس الأمر كذلك لأنه قد يوسع في الدنيا على من لا يكرمه من الكفار وقد يضيق على الأنبياء والصالحين للإستصلاح.

٤٤٧
٤٤٨

الباب التاسع عشر

اللامات

وهي لام التعريف ، ولام جواب القسم ، واللام الموطئة ، ولام جواب لو ولولا ، ولام الأمر ، ولام الإبتداء ، واللام الفارقة بين أن المخففة والنافية.

لام التعريف :

فأما لام التعريف فهي اللام الساكنة التي تدخل على الأسم المنكور فتعرّفه تعريف جنس كقولك : أهلك الناس الدينار والدرهم ، والرجل خير من المرأة ، أي هذان الحجران المعروفان من بين سائر الأحجار وهذا الجنس من الحيوان من بين سائر أجناسه. أو تعريف عهد كقولك : ما فعل الرجل ، وأنفقت الدرهم لرجل ودرهم معهودين بينك وبين مخاطبك. وهذه اللام وحدها هي حرف التعريف عند سيبويه ، والهمزة قبلها همزة وصل مجلوبة للإبتداء بها كهمزة ابن واسم. وعند الخليل إن حرف التعريف أل كهل وبل وإنما استمر بها التخفيف للكثرة. وأهل اليمن يجعلون مكانها الميم ، ومنه : ليس من أمبر امصيام في امسفر. وقال :

٤٤٩

يرمي ورائي بإمسهم وإمسلمه (١)

لام جواب القسم :

ولام جواب القسم نحو قولك : والله لأفعلن. وتدخل على الماضي كقولك : والله لكذب. وقال امرؤ القيس :

حلفت لها بالله حلفة فاجر

لناموا فما إن من حديث ولا صالي (٢)

والأكثر أن تدخل عليه مع قد كقولك والله لقد خرج.

اللام الموطئة للقسم :

والموطئة للقسم هي التي في قولك : والله لئن أكرمتني لأكرمنك.

__________________

(١) لم أر من نسبه إلى قائل وصدره. ذاك خليلي وذو يعاتبني.

اللغة السلمة واحدة السّلام بكسر اللام وهي الحجارة. والخليل الصديق.

الاعراب ذاك مبتدأ. وخليلي خبره. وذو اسم موصول. ويعاتبني فعل مضارع صلة الموصول. والفاعل ضمير المشار إليه. والياء مفعوله. والموصول مع صلته في محل رفع عطف على الخبر. ويرمي فعل وفاعل. وبامسهم متعلق به في محل نصب مفعوله. وأمسلمه عطف على بامسهم (والشاهد فيه) مجيء الميم مكان اللام (والمعنى) ذاك خليلي الذي يعاتبني على ما كان مني من تقصير ولا يوافقني عليه وإذا غبت دافع عني ورمى أعدائي من أجلي بالسهام والأحجار.

(٢) اللغة الفاجر الكاذب. والصالي المصطلي بالنار والقتار.

الاعراب حلفت فعل وفاعل ولها متعلق به في محل نصب مفعوله. وبالله متعلق به أيضا. وحلفة نصب على انه مفعول مطلق. وفاجر جر بالاضافة إليه. وقوله لناموا اللام جواب القسم. وناموا فعل ماض. والواو فاعله. وضمير الجماعة يعود إلى السمار والناس في البيت قبله وهو :

فقالت سباك الله انك فاضحي

ألست ترى السمار والناس أحوالي.

وما نافية. وان صلة لتأكيد النفي.

(والشاهد فيه) دخول اللام التي هي جواب القسم على الفعل الماضي وهو ناموا.

٤٥٠

لام جواب لو ولولا :

ولام جواب لو ولو لا نحو قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ،) وقوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ). ودخولها لتأكيد ارتباط احدى الجملتين بالأخرى. ويجوز حذفها كقوله تعالى : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً). ويجوز حذف الجواب أصلا كقولك لو كان لي مال وتسكت ، أي لأنفقت وفعلت. ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ ،) وقوله تعالى : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً).

لام الأمر :

ولام الأمر نحو قولك : ليفعل زيد. وهي مكسورة ويجوز تسكينها عند واو العطف وفائه كقوله تعالى : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي). وقد جاء حذفها في ضرورة الشعر ، قال :

محمد تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من أمر تبالا (١)

لام الإبتداء :

ولام الإبتداء هي اللام المفتوحة في قولك لزيد منطلق. ولا تدخل إلا على الإسم والفعل المضارع كقوله عز وجل : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً) و (إِنَّ رَبَّكَ

__________________

(١) قال المبرد قائله مجهول يخاطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم.

اللغة التبال الفساد وقيل سوء العاقبة وأصله الوبال فالتاء بدل من الواو ، كالتراث والتجاه.

الاعراب محمد منادى بحرف نداء محذوف مبني على الضم. وتفد فعل مضارع مجزوم بلام مقدرة. ونفسك مفعوله. وكل نفس فاعله. وإذا ظرفية شرطية. وما زائدة. وخفت فعل وفاعل. ومن شيء متعلق به. وتبالا مفعوله. وجواب إذا يدل عليه السياق (والشاهد فيه) حذف لام الأمر لضرورة الشعر ، وأقرب من هذا أن يجعل تفد مرفوعا بضمة مقدرة على الياء المحذوفة للضرورة فان هذا أشهر وأكثر.

٤٥١

لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ). وفائدتها تأكيد مضمون الجملة. ويجوز عندنا إن زيدا لسوف يقوم ولا يجوّزه الكوفيون.

اللام الفارقة :

وللام الفارقة في نحو قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) وقوله تعالى : (وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ). وهي لازمة لخبر ان إذا خففت.

لام الجر :

ولام الجرّ كقولك المال لزيد ، وجئتك لتكرمني ، لأن الفعل المنصوب بإضمار أن في تأويل المصدر المجرور والتقدير لاكرامك.

٤٥٢

الباب العشرون

تاء التأنيث الساكنة

وهي التاء في نحو ضربت. ودخولها للإيذان من أول الأمر بأن الفاعل مؤنث. وحقها السكون ولتحرّكها في رمتا لم تردّ الألف الساقطة لكونها عارضة ، إلا في لغة ردية يقول أهلها رماتا.

٤٥٣
٤٥٤

الباب الحادي والعشرون

التنوين

أنواعه الخمسة :

وهو على خمسة أضرب : الدال على المكانة في نحو زيد ورجل ، والفاصل بين المعرفة والنكرة في نحو صه ومه وايه ، والعوض من المضاف إليه في نحو اذ وحينئذ ومررت بكل قائما ولات أوان ، والنائب مناب حرف الإطلاق في إنشاد بني تميم في نحو قول جرير :

أقلي اللوم عاذل والعتابن

وقولي ان أصبت لقد أصابن (١)

والتنوين الغالي في نحو قول رؤبة :

__________________

(١) اللغة أقلّي أمر من الاقلال واللوم الملامة.

الاعراب أقلّي فعل أمر فاعله ضمير المخاطبة. واللوم مفعوله. وعاذل منادى مرخم بحرف نداء محذوف. والعتابن عطف على العذل. وقوله وقولي عطف على إقلي وقد اصابن جملة فعلية في محل نصب مقول القول. وان حرف شرط جازم. وأصبت فعل وفاعل. وجواب الشرط محذوف يدل عليه السياق تقديره ان أصبت فدعي اللوم وقولي لقد أصاب (والشاهد فيه) ان التنوين في عتابا وأصابا أصله الألف الا انه جيء به بدلا عن الألف لأجل الترنم بالقافية.

٤٥٥

وقاتم الأعماق خاوى المخترقن (١)

ولا يلحق إلا القافية المقيدة.

إلتقاء الساكنين :

والتنوين ساكن أبدا إلا أن يلاقي ساكنا فيكسر أو يضم كقوله تعالى :

وعذابن أركض وقد قرىء بالضم. وقد يحذف كقوله :

فألفيته غير مستعتب

ولا ذاكر الله إلا قليلا (٢)

وقرىء : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ).

__________________

(١) تمامه مشتبه الاعلام لماع الخفقن.

اللغة القاتم المظلم. والاعماق الابعاد. والنواحي. وخاوي خالي. والمخترق الطريق. والاعلام جمع علامة وهي الامارات التي يهتدي بها السابلة في المفاوز. والخفق السراب يلوح للناظر كأنه ماء وليس بماء.

الاعراب قاتم مجرور برب. والأعماق جر بالاضافة إليه. وخاوي صفة قاتم. والمخترق جر بالاضافة إليه. ومشتبه ولماع صفتان لقاتم. وجواب رب في البيت بعده (والشاهد فيه) ظاهر (والمعنى) رب مكان مظلم الاطراف خالي الطريق من مار يمر فيه ليس به علامة يهتدى بها يلوح فيه السراب لشدة بعد اطرفه قطعته ولم أتهيبه.

(٢) البيت لأبي الأسود الدؤلي من أبيات يصف بها امرأة كان تزوجها فرآها على غير ما يحب من الأخلاق.

اللغة الفيته بمعنى وجدته. ومستعتب من عاتب فلان فلانا فأعتبه إذا أزال عتبه.

الاعراب ألفيته فعل وفاعل ومفعول وضمير المفعول يعود إلى امرأ المذكور في أول أبيات القصيدة وهو :

أريت امرأ كنت لم أبله

أتاني فقال اتخذني خليلا

وغير مفعول ثان. ومستعتب جر بالاضافة إليه. ولا ذاكر عطف على غير وهو اسم فاعل يعمل ما يعمله فعله. وفاعله ضمير فيه يعود إلى المرء. والله مفعوله. والا اداة استثناء. وقليلا نصب على الاستثناء (والشاهد فيه) انه حذف التنوين من ذاكر لالتقاء الساكنين. وزعم بعضهم أن التنوين انما حذف هنا تشبيها بما حذف تنوينه من الاعلام الموصوفة بابن مضاف إلى علم. وهذا خروج عن معلوم إلى مزعوم.

٤٥٦

الباب الثاني والعشرون

النون المؤكدة

هذه النون نوعان :

وهي على ضربين : ثقيلة وخفيفة. فالخفيفة تقع في جميع مواضع الثقيلة إلا في فعل الإثنين وفعل جماعة المؤنث تقول : اضربنّ واضربنّ واضربن واضربن واضربن. وتقول اضربان واضربنان ولا تقول اضربان ولا أضربنان إلا عند يونس.

النون لتأكيد المستقبل :

ولا يؤكد بها إلا الفعل المستقبل الذي فيه معنى الطلب وذلك فيما كان قسما أو أمرا أو نهيا أو استفهاما أو عرضا أو تمنيا كقولك : بالله لأفعلن ، وأقسمت عليك إلا تفعلن ، ولما تفعلن واضربن ، ولا تخرجن ، وهل تذهبين ، وإلا تنزلن ، وليتك تخرجن.

ولا يؤكد بها الماضي ولا الحال ولا ما ليس فيه معنى الطلب. وأما قولهم في الجزاء المؤكد حرفه بما : إما تفعلن قال الله تعالى : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي ،) وقال : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ). فلتشبيه ما بلام القسم في كونها مؤكدة. وكذلك قولهم : حيثما تكونن آتك وبجهد ما تبلغن وبعين ما أرينك. فإن دخلت في الجزاء بغير ما ففي الشعر تشبيها للجزاء

٤٥٧

بالنهي. ومن التشبيه بالنهي دخولها في النفي وفيما يقاربه من قولهم : ربما تقولن ذاك ، وكثر ما يقولن ذاك. قال عمرو بن هند :

ربما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات (١)

حذف النون المؤكدة :

وطرح هذه النون سائغ في كل موضع إلا في القسم فإنه فيه ضعيف ، وذلك قولك : والله ليقوم زيد.

وإذا لقي الخفيفة ساكن بعدها حذفت حذفا ولم تحرك كما حرّك التنوين فتقول : لا تضرب ابنك. وقال :

__________________

(١) نسبه هنا لعمرو بن هند الملك. ونسبه شارح الايضاح لجذيمة بن مالك الأبرش صاحب الزباء. وقال نسبه ابن حزم لتأبط شرا وهو غلط.

اللغة رب هنا للتكثير بقرينة المقام. وأوفيت أي أتيت يقال أوفيت رأس الجبل ووافيت فلانا بمكان كذا. والعلم الجبل. والشمالات جمع شمال وهو من الريح ما هب من قبل الشمال.

الاعراب رب ملغاة بدخول ما عليها. وأوفيت فعل وفاعل والمفعول محذوف أي أوفيت مرقبة في رأس جبل. وترفعن فعل مضارع والنون للتوكيد. وهذا منقطع عما قبله كأنه استأنف الحديث وليس في موضع الحال لأن هذه النون لا تدخل على الحال. وثوبي مفعوله. وشمالات فاعله (والشاهد فيه) دخول النون على ترفع في مقام الاثبات. وان كانت لا تدخل الا على المنفي ضرورة. ووجه ذلك انه شبه ما في ربما بما النافية تشبيها لفظيا فصار ترفعن وان كان مثبتا منفي وقيل انما قال ذلك لأن رب للتقليل والتقليل يضارع النفي كما قال (قليل بها الأصوات الا بغامها) أي ليس بها صوت الا بغامها وهذا انما يتمشى على جعل رب للتقليل. وقد علمت أن المقام لا يساعد عليه. ورواه أبو الفرج في الأغاني بلفظ (ترفع أثوابي شمالات) وهي رواية حسنة وعليها فلا شاهد فيه (والمعنى) يصف نفسه أنه يحفظ أصحابه في رأس جبل إذا خافوا عدوا فيكون طليعة لهم وهذا مما يتمدح به لأنه يدل على شهامة النفس وحدة البصر وأشار بقوله (ترفعن ثوبي شمالات) إلى أن ثوبه لا يلتصق بجلده لخمصه. وهذا مدح سيما إذا كان من أهل النعم لأن الغالب عليهم السمن لخفض العيش وراحة البال.

٤٥٨

لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدهر قد رفعه (١)

أي لا تهينن.

__________________

(١) هو للأضبط بن قريع السعدي من أبيات كلها حكم ومواعظ وأولها :

لكل ضيق من الأمور سعة

والمسا والصبح لا فلاح له

الاعراب لا ناهية جازمة. وتهين فعل مضارع في محل جزم بلا الناهية. وفاعله ضمير المخاطب. والفقير مفعوله. وعلك حرف توكيد ونصب. والكاف اسمها. وان حرف مصدري ونصب. وتركع فعل مضارع منصوب بأن. وضمير المتكلم فاعله. ويوما نصب على الظرفية. وقوله والدهر قد رفعه الواو للحال والدهر مبتدأ وجملة رفعه من الفعل والفاعل والمفعول خبر المبتدأ. وأن مع معمولها خبر علك (والشاهد فيه) حذف نون التوكيد الخفيفة لالتقائها ساكنة مع ساكن آخر بعدها. ورواه ابن قتيبة في كتاب الشعر والشعراء بلفظ لا تهن للفقير وعليه فلا شاهد في البيت (والمعنى) لا تؤذي الفقير ولا تحتقره فاني أشفق عليك أن يزول عنك ما تترفع به عليه ويصير إليه مثل ما كان لك فتحتاج إليه ولم تكن أسلفته ما تستمطر به ديم رحمته وحنانه.

٤٥٩
٤٦٠