المفصل في صنعة الإعراب

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري

المفصل في صنعة الإعراب

المؤلف:

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

الباب التاسع

فعلا المدح والذم

لفظاهما :

هما نعم وبئس ، وضعا للمدح العام والذم العام ، وفيهما أربع لغات : فعل بوزن حمد وهو أصلها قال :

نعم الساعون في الأمر المبر (١)

وفعل وفعل بفتح الفاء وكسرها وسكون العين. وفعل بكسرهما.

__________________

(١) صدره. (ما أقلّت قدماي انهم) وهو لطرفة بن العبد من قصيدته الرائية المشهورة وقبله :

ففداء لبني قيس على

ما أصاب الناس من سر وضر

اللغة أقلت أي رفعت. والمبر اسم فاعل من ابر فلان على فلان أي غلبه فمعناه الغالب الذي لا يطاق لشدته.

الاعراب ما دوامية وأقلت فعل ماض. وقدماي فاعل. وان حرف توكيد ونصب. والتاء اسمها. ونعم فعل ماض. والساعون فاعله وفي الأمر متعلق به. والمبر صفة أمر. والمخصوص بالمدح محذوف (والشاهد فيه) استعمال نعم على الأصل بفتح النون وكسر العين (والمعنى) نفسي فداء هذه القبيلة ما أقلت قدماي جسمي لأنهم نعم الساعون في الأمر الشديد الذي لا يطيق غيرهم بمثله.

٣٦١

وكذلك كل فعل أو اسم على فعل ثانيه حرف حلق كشهد وفخذ. ويستعمل ساء استعمال بئس قال الله عز وجل : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا).

فاعل نعم وبئس :

وفاعلهما إما مظهر معرّف باللام ، أو مضاف إلى المعرّف به ، وإمّا مضمر مميز بنكرة منصوبة. وبعد ذلك اسم مرفوع هو المخصوص بالذم أو المدح. وذلك قولك : نعم الصاحب أو نعم صاحبا القوم زيد ، وبئس الغلام أو بئس غلام الرجل بشر ، ونعم صاحبا زيد وبئس غلاما بشر.

مميز نعم وبئس :

وقد يجمع بين الفاعل الظاهر وبين المميز تأكيدا فيقال نعم الرجل رجلا زيد. قال جرير :

تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا (١)

وقوله تعالى : (فَنِعِمَّا هِيَ :) نعم فيه مسند إلى الفاعل المضمر ، ومميزه ما وهي نكرة لا موصوفة ولا موصولة ، والتقدير فنعم شيئا هي.

إعراب مخصوص نعم وبئس :

وفي ارتفاع المخصوص مذهبان : أحدهما أن يكون مبتدأ خبره ما

__________________

(١) هو له من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.

اللغة تزود أمر من تزود يتزود إذا أخذ الزاد وهو طعام الحضر والسفر وكل ما انقلب به الانسان من خير أو شر فهو زاد.

الاعراب تزود فعل أمر فاعله ضمير المخاطب. ومثل صفة موصوف محذوف هو المفعول أي زادا مثل زاد. وفينا متعلق بتزود. ونعم فعل ماض. والزاد فاعله. والجملة خبر مقدم لقوله زاد أبيك. وزادا قال ابن سيده انه بدل من مثل ولا يبعد أن يكون مفعولا لقوله تزود (والشاهد فيه) أنه جمع فيه بين الفاعل وبين النكرة المفسرة (والمعنى) تزود في معاملتنا زادا صالحا مثل الذي تزوده أبوك من قبلك في معاملتنا فنعم الزاد زاده.

٣٦٢

تقدمه من الجملة ، كأن الأصل زيد نعم الرجل. والثاني أن يكون خبر مبتدأ محذوف والتقدير : نعم الرجل هو زيد. فالأول على كلام والثاني على كلامين.

حذف المخصوص :

وقد يحذف المخصوص إذا كان معلوما للمخاطب كقوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب) أي نعم العبد أيوب ، وقوله تعالى : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) أي فنعم الماهدون نحن.

تأنيث نعم وبئس وتثنية اسميهما وجمعهما :

ويؤنث الفعل ويثنى الإسمان ويجمعان نحو قولك نعمت المرأة هند وإن شئت قلت نعم المرأة. وقالوا هذه الدار نعمت البلد ، لما كان البلد الدار كقولهم من كانت أمك. وقال ذو الرمة :

أو حرّة عيطل ثبجاء مجفرة

دعائم الزور نعمت زورق البلد (١)

__________________

(١) هو له من أبيات يمدح بها بلال بن أبي بردة.

اللغة الحرة أراد به الناقة الكريمة. والعيطل الطويلة العنق. وثبجاء ضخمة الثبج وهو الصدر. وقال ابن يعيش ثبجاء عظيمة السنام وهو أقرب. فان الثبج ما بين الكاهل إلى الظهر. ومجفرة عظيمة الجنب واسعة الجوف. والدعائم هنا القوائم. والزور أعلى الصدر والزورق السفينة والبلد الأرض والمفازة.

الاعراب أو حرة بالرفع عطف على عوج في البيت قبله وهو :

فرجت عن خوفه الظلماء يحملني

عوج من العبد والأسراب لم ترد

وقوله عيطل ثبجاء مجفرة صفات حرة. ودعائم الزور منصوب بمجفرة على التشبيه بالمفعول به فهو من باب الحسن الوجه أي عظيمة القوائم. وزورق فاعل نعمت. والمخصوص بالمدح محذوف وهو ضمير الحرة أي هي (والشاهد فيه) أنه قد يؤنث نعم لكون المخصوص بالمدح مؤنثا وان كان الفاعل مذكرا كما أنثه هنا مع أنه مضاف إلى مذكر وهو زورق البلد لأنه يريد الناقة فأنث حملا على المعنى.

٣٦٣

وتقول نعم الرجلان أخواك ، ونعم الرجال إخوتك ، ونعمت المرأتان هند ودعد ، ونعمت النساء بنات عمك.

المخصوص يجانس الفاعل :

ومن حق المخصوص أن يجانس الفاعل. وقوله عز وجل : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) على حذف المضاف أي ساء مثلا مثل القوم ، ونحوه قوله تعالى : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا) أي مثل الذين كذبوا.

ورؤي أن يكون محل الذين مجرورا صفة للقوم ، ويكون المخصوص بالذم محذوفا ، أي بئس مثل القوم المكذبين مثلهم.

حبذا :

وحبذا مما يناسب هذا الباب ومعنى حب صار محبوبا جدا. وفيه لغتان فتح الحاء وضمها. وعليها روي قوله :

وحبّ بها مقتولة حين تقتل (١)

__________________

(١) صدره. فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها. وهو للأخطل من قصيدة أولها :

أناخوا فجروا شاصيات كأنها

رجال من السودان لم يتسربلوا.

اللغة قتل الخمرة مزجها بالماء. وحب أصلها حبب بضم العين فان نقلت حركة العين إلى الفاء بعد حذف حركتها صارت حب بالضم. وان حذفت ضمة العين صار حب بالفتح. والإدغام واجب على الحملين لاجتماع المثلين وسكون الأول.

الاعراب قلت فعل وفاعل. واقتلوها فعل وفاعل ومفعول في محل نصب بالقول. وبمزاجها متعلق باقتلوا. وحب فعل ماض. وبها فاعله زيدت فيه الباء على غير قياس كقوله تعالى (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) ومقتولة نصب على الحال من الفاعل وقول العيني وانتصابها على التمييز بعيد وحين نصب على الظرف. وتقتل فعل مضارع. ونائب الفاعل يعود إلى الخمرة (والشاهد فيه) ان حب جاءت فيه للمدح وقد يستشهدون به على مجيء فاعل حب الذي للمدح متصلا بالباء الزائدة. ثم إن الرواية الصحيحة (وأطيب بها مقتولة) وعلى ذلك فلا شاهد أصلا (والمعنى) لما أرادوا شربها صرفا قلت لهم اقتلوا حدتها عنكم بمزجها بالماء واحبب

٣٦٤

وأصله حبب ، وهو مسند إلى اسم الإشارة ، إلا أنهما جريا بعد التركيب مجرى الأمثال التي لا تغير ، فلم يضم أوّل الفعل ، ولا وضع موضع ذا غيره من أسماء الإشارة ، بل التزمت فيهما طريقة واحدة. وهذا الإسم في مثل إبهام الضمير في نعم ، ومن ثم فسر بما فسر به ، فقيل حبذا رجلا زيد كما يقال نعم رجلا زيد. غير أن الظاهر فضل على المضمر بأن استغنوا معه عن المفسر ، فقيل حبذا زيد ولم يقولوا نعم زيد ، ولأنه كان لا ينفصل المخصوص عن الفاعل في نعم وينفصل في حبذا.

__________________

بها حين تمزج أي ما أحبها إلى النفوس وأشهاها يريد أن مزجها كما يكسر من حدتها ويفت من عضد شدتها فهو كذلك يزيد طعمها حسنا ومذاقها لذة.

٣٦٥
٣٦٦

فعلا التعجب

بناؤهما :

هما نحو قولك ما أكرم زيدا ، وأكرم بزيد. ولا يبنيان إلا مما يبنى منه أفعل التفضيل. ويتوصل إلى التعجب مما لا يجوز بناؤهما منه بمثل ما توصل به إلى التفضيل ، إلا ما شذ من نحو ما أعطاه وما أولاه للمعروف ، ومن نحو ما أشهاها وما أمقته. وذكر سيبويه أنهم لا يقولون ما أقيله استغناء عنه بما أكثر قائلته كما استغنوا بتركت عن وذرت.

معناهما :

ومعنى ما أكرم زيدا ، شيء جعله كريما ، كقولك أمر أقعده عن الخروج ومعهم أشخصه عن مكانه ، يريد أن قعوده وشخوصه لم يكونا إلا لأمر. إلا أن هذا النقل من كل فعل خلا ما استثني منه مختص بباب التعجب. وفي لسانهم أن يجعلوا لبعض الأبواب شأنا ليس لغيره لمعنى. وأما أكرم بزيد فقيل أصله أكرم زيد أي صار ذا كرم ، كأغدّ البعير أي صار ذا غدّة ، إلا أنه أخرج على لفظ الأمر ما معناه الخبر ، كما أخرج على لفظ الخبر ما معناه الدعاء في قولهم رحمه الله والباء مثلها في كفى بالله. وفي هذا ضرب من التعسف. وعندي أن أسهل منه مأخذا أن يقال إنه أمر لكل أحد بأن يجعل زيدا كريما ، أي بأن يصفه بالكرم. والباء مزيدة مثلها في قوله

٣٦٧

تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) للتأكيد والإختصاص ، أو بأن يصيره ذا كرم والباء للتعدية. هذا أصله ثم جرى مجرى المثل فلم يغير عن لفظ الواحد في قولك يا رجلان أكرم بزيد ويا رجال أكرم بزيد.

ما :

واختلفوا في ما فهي عند سيبويه غير موصولة ولا موصوفة ، وهي مبتدأ ما بعده خبره. وعند الأخفش موصولة صلتها ما بعدها وهي مبتدأ محذوف الخبر. وعند بعضهم فيها معنى الإستفهام كأنه قيل : أي شيء أكرمه.

لا تقديم ولا تأخير :

ولا يتصرّف في الجملة التعجبية بتقديم ولا تأخير ولا فصل. فلا يقال عبد الله ما أحسن ، ولا ما عبد الله أحسن ، ولا بزيد أكرم ، ولا ما أحسن في الدار زيد ، ولا أكرم اليوم بزيد. وقد أجاز الجرمي الفصل وغيره من أصحابنا. وينصرهم قول القائل ما أحسن بالرجل أن يصدق.

ويقال ما أحسن زيدا للدلالة على المضي. وقد حكي ما أصبح أبردها ، وما أمسى أدفأها والضمير للغداة.

٣٦٨

الباب العاشر

الفعل الثلاثي

أوزان الثلاثي المجرد ثلاثة :

للمجرّد منه ثلاثة أبنية فعل وفعل وفعل. فكل واحد من الأوّلين على وجهين : متعدّ وغير متعد. ومضارعه على بناءين : مضارع فعل على يفعل ويفعل ، ومضارع فعل على يفعل ويفعل. والثالث على وجه واحد غير متعد ومضارعه على بناء واحد وهو يفعل. فمثال فعل ضربه يضربه ، وجلس يجلس ، وقتله يقتله ، وقعد يقعد. ومثال يفعل شربه يشربه ، وفرح يفرح ، وومقه يرمقه ، ووثق يثق. ومثال فعل كرم يكرم. وأما فعل يفعل فليس بأصل ومن ثم لم يجىء إلا مشروطا فيه أن يكون عينه أو لامه أحد حروف الحلق : الهمزة والهاء والحاء والخاء والعين والغين إلا ما شذ من نحو أبى يأبى وركن يركن. وأما فعل يفعل نحو فضل يفضل ومتّ تموت فمن تداخل اللغتين. وكذلك فعل يفعل نحو كدت تكاد.

أوزان الثلاثي المزيد خمسة وعشرون :

وللمزيد فيه خمسة وعشرون بناء تمر في أثناء التقاسيم بعون الله تعالى. والزيادة لا تخلو إما أن تكون من جنس حروف الكلمة أو من غير جنسها كما ذكر في أبنية الأسماء.

٣٦٩

وأبنية المزيد على ثلاثة أضرب : موازن للرباعي على سبيل الإلحاق ، وموازن له على غير سبيل الإلحاق ، وغير موازن له. فالأول على ثلاثة أوجه ملحق بدحرج نحو شملل وحوقل وبيطر وجهور وقلنس وقلسي. وملحق بتدحرج نحو تجلبب وتجورب وتشيطن وترهوك وتمسكن وتغافل وتكلم. وملحق باحرنجم نحو إقعنسس واسلنقي. ومصداق الإلحاق اتحاد المصدرين. والثاني نحو أخرج وجرب وقاتل يوازن دحرج غير أن مصدره مخالف لمصدره. والثالث نحو انطلق واقتدر واستخرج وأشهاب وأشهبّ واغدودن واعلوّط.

وزن فاعل :

فما كان على فعل فهو على معان لا تضبط كثرة وسعة. وباب المغالبة مختص بفعل يفعل. منه كقولك كارمني فكرمته أكرمه ، وكاثرني فكثرته أكثره ، وكذلك عازني فعززته أعزه ، وخاصمني فخصمته ، وهاجاني فهجوته. إلا ما كان معتل الفاء كوعدت أو معتل العين أو اللام من بنات الياء كبعت ورميت فأنك تقول فيه أفعله بالكسر ، كقولك راميته أرميه وخايرته فخرته أخيره. وعن الكسائي إنه استثنى أيضا ما فيه أحد حروف الحلق وأنه يقال فيه أفعله بالفتح. وحكى أبو زيد شاعرته أشعره ، وفاخرته أفخره بالضم. قال سيبويه وليس في كل شيء يكون هذا ، ألا يرى أنك لا تقول نازعني فنزعته استغنى عنه بغلبته. وفعل يكثر فيه الإعراض من العلل والأحزان وأضدادها كسقم ومرض وحزن وفرح وجذل وأشر والألوان كأدم وشهب وسود. وفعل للخصال التي تكون في الأشياء كحسن وقبح وصغر وكبر.

وزن تفعلل :

وتفعلل يجيء مطاوع كجوربة فتجورب ، وجلببه فتجلبب ، وبناء مقتضيا كتسهوك وترهوك.

٣٧٠

وزن تفعّل :

وتفعّل يجيء مطاوع فعل نحو كسرته فتكسر ، وقطعته فتقطع. وبمعنى التكلف نحو تشجع وتصبر وتحلم وتمرأ. قال حاتم :

تحلم عن الأذنينّ واستبق ودّهم

ولن تستطيع الحلم حتى تحلما (١)

قال سيبويه وليس هذا مثل تجاهل لأن هذا يطلب أن يصير حليما ومنه تقيس وتنزر ، وبمغنى استفعل كتكبر وتعظم وتعجل الشيء وتيقنه وتقصاه وتثبته وتبينه ، وللعمل بعد العمل في مهلة كقولك تجرّعه وتحساه وتعرفه.

وتفوقه ومنه تفهم وتبصر وتسمع ، وبمعنى إتخاذ الشيء نحو تديرت المكان وتوسدت التراب ومنه تبناه ، وبمعنى التجنب كقولك تحوّب وتأثم وتهجد وتحرّج أي تجنب الحوب والإثم والهجود والحرج.

وزن تفاعل :

وتفاعل لما يكون من اثنين فصاعدا نحو تضاربا وتضاربوا ولا يخلو من أن يكون من فاعل المتعدي إلى مفعول أو المتعدي إلى مفعولين : فإن كان من المتعدي إلى مفعول كضارب لم يتعد. وان كان من المتعدي إلى مفعولين نحو نازعته الحديث وجاذبته الثوب وناسيته البغضاء تعدي إلى مفعول واحد ، كقولك تنازعنا الحديث وتجاذبنا الثوب وتناسينا البغضاء.

__________________

(١) اللغة تحلم أي كلف نفسك الحلم واضبطها عند الغضب. والادنين الأقارب. والود المحبة والصداقة.

الاعراب تحلم فعل أمر فاعله ضمير المخاطب. وعن الأدنين متعلق به. واستبق عطف على تحلم. وودهم مفعول استبق. ولن حرف ناصب. وتستطيع فعل مضارع منصوب بلن. وفاعله ضمير المخاطب. والحلم مفعوله. وحتى غائية. وتحلم منصوب بحتى. والفه للاطلاق. وأصله تتحلم حذفت إحدى تاءيه (والشاهد فيه) مجيء تفعل بمعنى التكلف لا بمعنى المطاوعة (والمعنى) كلف نفسك الحلم واحملها عليه واستبق ودّ أقاربك بتحمل ما تراه منهم مما لا يسرك فانك لن تستطيع أن تكون حليما حتى تكلف نفسك الحلم وتأخذها به.

٣٧١

ويجيء ليريك الفاعل أنه في حال ليس فيها نحو تغافلت وتعاميت وتجاهلت قال :

إذا تخازرت وما بي من خزر (١)

وبمنزلة فعلت كقولك توانيت في الأمر وتقاضيته وتجاوز الغاية. ومطاوع فاعلت نحو باعدته فتباعد.

وزن أفعل :

وأفعل للتعدية نحو أجلسته وأمكنته. وللتعريض للشيء وأن يجعل بسبب منه نحو أقتلته وأبعته إذا عرضته للقتل والبيع. ومنه أقبرته وأشفيته وأشقيته إذا جعلت له قبرا وشفاء وسقيا وجعلته بسبب منه من قبل الهبة أو نحوها. أو لصيرورة الشيء ذا كذا نحو أغدّ البعير إذا صار ذا غدة ، وأجرب الرجل وانحز وأحال أي صار ذا جرب ونحاز وحيال في ماله ، ومنه الأم وأراب وأصرم النخل وأحصد الزرع وأجرّ ، ومنه أبشر وأفطر وأكب وأقشع الغيم. ولوجود الشيء على صفة نحو أحمدته أي وجدته محمودا ، وأحييت الأرض أي وجدتها حية النبات. وفي كلام عمرو بن معد يكرب لمجاشع السلمي : لله دركم يا بني سليم قاتلناكم فما أجبنّاكم وسألناكم فما أبخلناكم وهاجيناكم فما أفحمناكم. وللسلب نحو أشكيته وأعجمت الكتاب إذا أزلت الشكاية والعجمة. ويجيء. بمعنى فعلت تقول قلت البيع وأقلته وشغلته وأشغلته وبكر وأبكر.

وزن فعّل :

وفعّل يؤاخي أفعل في التعدية نحو فرّحته وغرّمته ، ومنه خطأته وفسقته

__________________

(١) لم أر من سمى له قائلا ولا من ذكر له سابقا أو لاحقا.

اللغة تخازرت كلفت نفسي إظهار الخزر والخزر العرج. والاعراب ، والشاهد ، والمعنى ، ظاهرة.

٣٧٢

وزنيته وجدعته وعقرته. وفي السلب نحو فزعته وقذيت عينه وجلدت البعير وقرّدته ، أي أزلت الفرزع والقذي والجلد والقراد. وفي كونه بمعنى فعل كقولك زلته وزيلته وعضته وعوّضته ومزته وميزته. ومجيئه للتكثير هو الغالب عليه نحو قولك قطعت الثياب وغلقت الأبواب ، وهو يجوّل ويطّوف أن يكثر الجولان والطواف وبرّك النعم وربض الشاء وموّت المال ولا يقال للواحد.

وزن فاعل :

وفاعل لأن يكون من غيرك إليك ما كان منك إليه ، كقولك ضاربته وقاتلته ، فإذا كنت الغالب قلت فاعلني ففعلته. ويجيء مجيء فعلت كقولك سافرت. وبمعنى أفعلت نحو عافاك الله ، وطارقت النعل. وبمعنى فعلت نحو ضاعفت وناعمت.

وزن انفعل :

وانفعل لا يكون إلا مطاوع فعل كقولك كسرته فانكسر ، وحطمته فانحطم ، إلا ما شذ من قولهم : أقحمته فانقحم ، وأغلقته فانغلق ، وأسقفته فانسقف ، وأزعجته فانزعج. ولا يقع إلا حيث يكون علاج وتأثير ، ولهذا كان قولهم انعدم خطأ. وقالوا قلته فانقال لأن القائل يعمل في تحريك لسانه.

وزن افتعل :

وافتعل يشارك انفعل في المطاوعة كقولك غممته فاغتم ، وشويته فاشتوى ، ويقال انغم وانشوى. ويكون بمعنى تفاعل نحو اجتوزوا واختصموا والتقوا وبمعنى الإتخاذ نحو إذّبح وأطبخ واشتوى إذا اتخذ ذبيحه وطبيخا وشواء لنفسه. ومنه اكتال واتزن. وبمنزلة فعل نحو قرأت واقترات وخطف واختطف. وللزيادة على معناه كقولك اكتسب في كسب ، واعتمل في عمل. قال سيبويه أما كسبت فإنه يقول أصبت ، وأما اكتسبت فهو التصرف والطالب ، والإعتمال بمنزلة الإضطراب.

٣٧٣

وزن استفعل :

واستفعل لطلب الفعل ، تقول استخفه واستعمله واستعجله إذا طلب عمله وخفته وعجلته مرّ مستعجلا أي مرّ طالبا ذلك من نفسه مكلفها إياه ، ومنه استخرجته أي لم أزل أتلطف به وأطلب حتى خرج. وللتحوّل نحو استتيبست الشاة ، واستنوق الجمل ، واستحجر الطين ، وان البغاث بجرضنا يستنسر. وللإصابة على صفة نحو استعظمته واستسمنته واستجدته أي أصبته عظيما وسمينا وجيدا. وبمنزلة فعل نحو قرّ واستقرّ وعلا قرنه واستعلاه.

افعوعل :

وافعوعل بناء مبالغة وتوكيد. فاخشوشن واعشوشبت الأرض واحلولى الشيء مبالغات في خشن وأعشبت وحلا. قال الخليل في اعشوشبت إنما يريد أن يجعل ذلك عاما قد بالغ.

٣٧٤

الباب الثاني عشر

الفعل الرباعي

أوزان الرباعي :

للمجرّد منه بناء واحد فعلل ويكون متعديا نحو دحرج الحجر ، وسرهف الصبي. وغير متعد نحو دربخ وبرهم. وللمزيد فيه بناءان إفعنلل نحو احرنجم وافعللّ نحو اقشعر.

وكلا بنائي المزيد فيه غير متعد. وهما في الرباعي نظير انفعل وافعل وأفعالّ في الثلاثي. قال سيبويه وليس في الكلام احرنجمته لأنه نظير انفعلت في بنات الثلاثة ، زادوا نونا وألف وصل كما زادوهما في هذا. وقال ليس في الكلام افعللته ولا أفعاللته ، وذلك نحو احمررت واشهاببت ، ونظير ذلك من بنات الأربعة اطمآننت واشمأززت والله أعلم.

٣٧٥
٣٧٦

القسم الثالث : الحروف

٣٧٧
٣٧٨

حروف الإضافة

تعريف الحرف :

الحرف ما دل على معنى في غيره. ومن لم ينفك من اسم أو فعل يصحبه إلا في مواضع مخصوصة حذف فيها الفعل واقتصر على الحرف فجرى مجرى النائب ، نحو قولهم نعم وبلى وإي وإنه ويا وزيد قد في قوله وكأن قد.

أنواعها :

سميت بذلك لأن وضعها على أن تفضي بمعاني الأفعال إلى الأسماء. وهي فوضى في ذلك وان اختلفت بها وجوه الإفضاء. وهي على ثلاثة أضرب : ضرب لازم للحرفيّة. وضرب كائن اسما وحرفا. وضرب كائن حرفا وفعلا. فالأول تسعة أحرف : من وإلى وحتى وفي والباء واللام ورب وواو القسم وتاؤه. والثاني خمسة أحرف : على وعن والكاف ومذ ومنذ.

والثالث ثلاثة أحرف : حاشا وخلا وعدا.

من :

فمن معناها ابتداء الغاية كقولك سرت من البصرة إلى الكوفة ، وكونها مبعضة في نحو أخذت من الدراهم ، ومبينة في نحو (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ،) ومزيدة في نحو ما جاءني من أحد راجع إلى هذا ، ولا تزاد عند

٣٧٩

سيبويه إلا في النفي ، والأخفش يجوّز الزيادة في الإيجاب ويستشهد بقوله عز وجلّ : (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ).

إلى :

وإلى معارضة لمن دالة على انتهاء الغاية كقولك سرت من البصرة إلى بغداد ، وكونها بمعنى المصاحبة في نحو قوله عز وجل : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) راجع إلى معنى الإنتهاء.

حتى :

وحتى في معناها إلا أنها تفارقها في أن مجرورها يجب أن يكون آخر جزء من الشيء أو ما يلاقى آخر جزء منه ، لأن الفعل المعدى بها ، الغرض فيه أن يقتضى ما تعلق به شيئا فشيئا حتى يأتي عليه ، وذلك قولك أكلت السمكة حتى رأسها ونمت البارحة حتى الصباح ، ولا تقول حتى نصفها أو ثلثها كما تقول إلى نصفها وإلى ثلثها .. ومن حقها أن يدخل ما بعدها فيما قبلها. ففي مسألتي السمكة والبارحة قد أكل الرأس ونيم الصباح. ولا تدخل على مضمر فتقول حتاه كما تقول إليه. وتكون عاطفة ومبتدأ ما بعدها في نحو قول امرىء القيس :

وحتى الجياد ما يقدن بأرسان (١)

__________________

(١) صدره. سريت بهم حتى تكل مطيهم. وهو له من قصيدته التي أولها.

قفا نبك من ذكري حبيب وعرفان

وربع خلت آياته منذ أزمان

اللغة سريت بهم أي أسريتهم ليلا فالباء للتعدية أو سرت معهم ليلا فهي للمصاحبة. وتكل من الكلال وهو الاعياء. ومطي جمع مطية. وأرسان جمع رسن وهو ما تقاد به الدابة.

الاعراب سريت فعل وفاعل. وبهم متعلق به. وحتى غائية. وتكل منصوب بحتى. ومطيهم فاعل تكل. وحتى الثانية عاطفة. والجياد مبتدأ. وما نافية. ويقدن فعل مضارع مبني للمجهول والنون فيه ضمير النسوة نائب الفاعل. وبأرسان متعلق بيقدن (والشاهد فيه) مجيء حتى عاطفة ووقوع الاسم بعدها مبتدأ (والمعنى) ما زلنا نسري ليلا حتى كلت المطايا ولم يبق لها قدرة على السير وحتى أن الجياد صارت إذا قيدت بأرسانها لم تنقد لكثرة ما نالها من التعب.

٣٨٠