المفصل في صنعة الإعراب

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري

المفصل في صنعة الإعراب

المؤلف:

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

في :

وفي معناها الظرفية كقولك : زيد في أرضه ، والركض في الميدان ، ومنه نظر في الكتاب ، وسعى في الحاجة ، وقولهم في قول الله عز وجل : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) إنها بمعنى على عمل على الظاهر ، والحقيقة إنها على أصلها لتمكن المصلوب في الجذع تمكن الكائن في الظرف فيه.

الباء :

والباء معناها الإلصاق كقولك به داء أي التصق به وخامره ، ومررت به وارد على الإتساع والمعنى التصق مروري بموضع يقرب منه. ويدخلها معنى الإستعانة في نحو كتبت بالقلم ، ونجرت بالقدوم ، وبتوفيق الله حججت ، وبفلان أصبت الغرض. ومعنى المصاحبة في نحو خرج بعشيرته ، ودخل عليه بثياب السفر ، واشترى الفرس بسرجه ولجامه. وتكون مزيدة في المنصوب كقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ، وقوله :

(بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) وقوله :

سود المحاجر لا يقرأن بالسور (١)

وفي المرفوع كقوله تعالى : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) وبحسبك زيد وقول امرىء القيس :

__________________

(١) صدره. هن الحرائر لا ربات أخمرة. وهو للراعي.

اللغة الحرائر جمع حرة. والأخمرة جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة وجهها. والمحاجر جمع محجر كمسجد ومحجر العين ما دار بها وبدا من البرقع من جميع العين.

الاعراب هن الحرائر مبتدأ وخبر. وربات عطف على الحرائر. وأخمرة جر بالاضافة إليه. وسود المحاجر خبر مبتدأ محذوف. ولا نافية. ويقرأن فعل مضارع ونون النسوة فاعل. وبالسور الباء زائدة والسور مفعول به منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد. وجملة لا يقرأن في محل رفع صفة حرائر (والشاهد فيه) دخول الباء على المنصوب وهو المفعول به.

٣٨١

ألا هل أتاها والحوادث جمة

بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا (١)

اللام :

واللام للإختصاص كقولك المال لزيد ، والسرج للدابة ، وجاءني أخ له وابن له. وقد تقع مزيدة قال الله تعالى : (رَدِفَ لَكُمْ).

رب :

ورب للتقليل. ومن خصائصها أن لا تدخل إلا على نكرة ظاهرة أو مضمرة. فالظاهر يلزمها أن تكون موصوفة بمفرد أو جملة كقولك رب رجل جواد ، ورب رجل جاءني ، ورب رجل أبوه كريم. والمضمرة حقها أن تفسر بمنصوب كقولك ربه رجلا. ومنها أن الفعل الذي تسلطه على الأسم يجب تأخيره عنها ، وإنه يجيء محذوفا في الأكثر كما حذف مع الباء في بسم الله قال الأعشى :

رب رفد هرقته ذلك اليو

م وأسرى من معشر أقيال (٢)

__________________

(١) اللغة جمة كثيرة. وبيقر قال في اللسان وبيقر الرجل هاجر من أرض إلى أرض. وبيقر خرج إلى حيث لا يدري. وبيقر نزل الحضر وأقام هناك وترك قومه بالبادية. وخص بعضهم به العراق. وقول امرىء القيس. ألا هل أتاها. البيت يحتمل جميع ذلك اه وأقول بيقر في كلامه بمعنى هلك والفه للاطلاق لا كما قال في اللسان.

الاعراب الا للاستفتاح. وهل حرف استفهام. وأتاها فعل ومفعول. والضمير إلى قبيلته. والحوادث جمة جملة ابتدائية حالية. والباء في بأن زائدة. وامرأ القيس اسم أن وبيقر فعل ماض فاعله ضمير يعود إلى امريء القيس. والجملة خبر أن. وجملة أن مع مدخولها فاعل أتاها (والشاهد فيه) زيادة الباء في المرفوع وهو الفاعل هنا.

(٢) اللغة الرفد القدح الكبير. وهرقته صببته. وأقيال جمع قيل وهو الملوك وأكثر ما يستعمل في ملوك حمير. ويروى اقتال جمع قتل وهو العدو.

الاعراب رب حرف جر. ورفد مجرور به. وهرقته جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل جر صفة رفد. وأسرى عطف على رفد. ومن معشر متعلق بمحذوف أي أسرى كائنين من معشر. وأقيال صفة معشر. وجواب رب مقدر أي رب رفد مهراق ضممته إلى أسرى. ورب أسرى من معشر أقيال ملكتهم (والشاهد فيه) حذف جواب رب على نحو ما سبق.

٣٨٢

فهرقته ومن معشر صفتان وأسرى والفعل محذوف. ومنها أن فعلها يجب أن يكون ماضيا ، تقول رب رجل كريم قد لقيت ، ولا يجوز سألقى أو لألقين. وتكف بما فتدخل حينئذ على الإسم والفعل كقولك ربما قام زيد ، وربما زيد في الدار. قال أبو دؤاد :

ربما الجامل المؤبّل فيهم

وعناجيج بينهن المهار (١)

وفيها لغات : رب الراء مضمومة والباء مخففة مفتوحة أو مضمومة أو مسكنة ، ورب الراء مفتوحة والباء مشددة ومخففة ، وربت بالتاء والباء مشددة أو مخففة.

واو القسم :

وواو القسم مبدلة عن الباء الإلصاقية في أقسمت بالله ، أبدلت عنها عند حذف الفعل ، ثم التاء مبدلة عن الواو في تالله خاصة. وقد روى الأخفش ترب الكعبة فالباء لأصالتها تدخل على المضمر والمظهر فتقول بالله وبك لأفعلن كذا. والواو لا تدخل إلا على المظهر لنقصانها عن الباء ، والتاء لا تدخل من المظهر إلا على واحد لنقصانها عن الواو. وقولهم والله قيل

__________________

(١) اللغة الجامل القطيع من الإبل مع رعاته وأربابه. والمؤبل اسم مفعول من أبل الرجل تأبيلا أي اتخذ الإبل واقتناها. والعناجيج الخيل الطوال الأعناق. والمهار بكسر الميم جمع مهر بضمها وهو ولد الفرس والأنثى مهرة.

الاعراب رب مكفوفة عن العمل بما. والجامل مبتدأ. والمؤبل وفيهم خبر المبتدأ. وعناجيج عطف على الجامل. وبينهن المهار جملة ابتدائية (والشاهد فيه) ان رب إذا كفت عن العمل دخلت على الجملتين الاسمية والفعلية كما دخلت هنا على الاسمية ويكون معناها حينئذ تقليل النسبة المفهومة من الجملة. فإذا قيل ربما قام زيد كان المفاد تقليل النسبة المفهومة من قيام زيد. وكذلك إذا قيل ربما زيد قائم. وهذا مذهب المصنف والمبرد وابن مالك. وذهب الفارسي إلى أن ربما بمعنى شيء والجامل خبر مبتدأ محذوف أي هو الجامل والجملة الاسمية صفة لما روي البيت بجر الجامل على أنه معمول رب وما زائدة (والمعنى) يصف قومه بالغنى يقول عندهم الابل المؤبلة والخيول الجياد معها أولادها.

٣٨٣

أصله من الله لقولهم من ربي أنك لأشر فحذفت النون لكثرة الإستعمال ، وقيل أصله أيم ومن ثم قالوا من ربي بالضم. ورأي بعضهم أن تكون الميم بدلا من الواو لقرب المخرج.

على :

وعلى للإستعلاء تقول عليه دين ، وفلان علينا أمير ، وقال الله تعالى : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) ، وتقول على الإتساع : مررت عليه إذا جزنه. وهو اسم في نحو قوله :

غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها (١)

__________________

(١) تمامه (تصل وعن قيض بزيزاء مجهل) والبيت لحزام العقيل.

اللغة غدا بمعنى صار كما يقال غدا زيد أميرا أي صار فهو مخصوص بوقت دون وقت بخلاف ما إذا استعمل في غير معنى صار فانه يختص بوقت الغداة والظمء مدة الصبر على الماء وهو من الشرب إلى الشرب. وروي في الكامل بدله خمسها وقال الخمس ظمء من أظمائها وهو أن ترد الماء ثم تغيب ثلاثا ثم ترد فيعتد بيومي وردها مع ظمئها فيقال خمس. وتصل من الصليل وهو صوت الشيء اليابس. والقيض بفتح القاف قشر البيضة الأعلى والزيزاء بفتح الزاي الأولى وكسرها الأرض المرتفعة واسم سوق في طريق مكة ومجهل لا يهتدى إلى ما فيها.

الاعراب غدت فعل ماض ناقص واسمها ضمير يعود إلى القطاة المذكورة في البيت قبله وهو :

اذلك أم كدرية ظل فرخها

لقى بشروري كاليتيم المعيل

ومن عليه متعلق بمحذوف خبر غدت. وبعد ظرف غدت. وما مصدرية. وتم فعل ماض. وظمؤها فاعل. وتصل فعل مضارع فاعله ضمير يعود إلى القطاة. وقوله عن قيض متعلق بغدت. وبزيزاء متعلق بمحذوف صفة قيض. وألفها ان كانت للتأنيث فهي ممنوعة من الصرف. وان كانت للالحاق كعلباء وحرباء فمعروفة. ومجهل صفة زيزاء (والشاهد فيه) أن على يتعين أن تكون اسما بمعنى فوق إذا دخل عليها حرف الجر (والمعنى) ان هذه القطاة أقامت مع فرخها حتى عطشت فغدت من فوقه تطلب الماء. وانما ذكر الفرخ ليدل بذلك على سرعة طيرانها لتعود إلى فرخها. وكان لجوفها صليل من شدة العطش.

٣٨٤

أي من فوقه.

عن :

وعن للبعد والمجاوزة كقولك رمى عن القوس لأنه يقذف عنها بالسهم ويبعده ، وأطعمه عن الجوع ، وكساه عن العري ، لأنه يجعل الجوع والعري متباعدين عنه. وجلس عن يمينه أي متراخيا عن بدنه في المكان الذي بحيال يمينه. وقال الله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ). وهو اسم في نحو قولهم جلست من عن يمينه أي من جانبها.

الكاف :

والكاف للتشبيه كقولك : الذي كزيد أخوك. وهو اسم في نحو قوله :

يضحكن عن كالبرد المنهمّ (١)

ولا تدخل على الضمير استغناء بمثل ، وقد شذ نحو قول العجاج :

وأمّ أوعال كها أو أقربا (٢)

__________________

(١) صدره. بيض ثلاث كنعاج جم. والبيت نسبه السيوطي في شرح شواهد المغني للعجاج.

اللغة بيض جمع بيضاء. والنعاج جمع نعجة وهي البقرة الوحشية. قال أبو عبيدة ولا يقال لغير البقر من الوحش نعاج. والجم قال السيوطي في شرح شواهد المغني التكثير وهو غلط وليس الجم هنا بفتح الجيم وانما هو بضمها وهو جمع جماء وهي التي لا قرون لها والمنهم المذاب.

الاعراب بيض مبتدأ. وثلاث صفته. وجم صفة نعاج. ويضحكن فعل مضارع.

ونون الأناث فاعل. وعن حرف جر. وكاف التشبيه مبنية على السكون في محل جر بعن لأنها بمعنى مثل. والمنهم صفة البرد (والشاهد فيه) وقوع الكاف اسما بمعنى مثل (والمعنى) يصف نسوة يقول انهن مثل النعاج اللواتي لا قرون لهن وانهن يضحكن عن أسنان كالبرد الذائب لطافة ونظافة.

(٢) صدره. خلى الذنابات شمالا كثبا.

اللغة خلى معناه ترك. ويروى نحى وهو من التنحية. والذنابات اسم موضع بعينه.

٣٨٥

مذ ومنذ :

ومذ ومنذ لابتداء الغاية في الزمان كقولك ما رأيته مذ يوم الجمعة ومنذ يوم السبت. وكونهما اسمين ذكر في الأسماء المبنية.

حاشا :

وحاشا معناها التنزيه قال :

حاشا أبي ثوبان أن به

ضنّا عن الملحاة والشتم (١)

__________________

وكثبا بفتح الكاف والمثلثة من قولهم رماه من كثب أي قرب. وأم أو عال اسم هضبة بعينها. ويقال لكل هضبة ذات أو عال أم أوعال وأوعال جمع وعل وهو تيس الجبل.

الاعراب خلى فعل ماض. فاعله ضمير يعود إلى حمار الوحش. والذنابات مفعول. وشمالا مفعوله الثاني. وكثبا صفته على تقدير أي جعل الذنابات ناحية شماله قريبة منه. وأم أوعال مبتدأ خبره قوله كها أي كالذنابات. وقوله أو اقربا عطف محل الجار والمجرور (والشاهد فيه) دخول كاف التشبيه على الضمير وهو نادر للاستغناء عنه بمثل (والمعنى) انه لما عدا ترك الذنابات عن شماله قريبة منه وتلك الهضبة كانت في القرب منه حين عدا كالذنابات أو أقرب إليه منها.

(١) هو للجميح واسمه منقذ بن الطماح الأسدي من شعراء الجاهلية. والبيت ركب فيه عجز بيت على صدر آخر وصواب انشاده هكذا كما ذكره السيوطي في شرح شواهد المغني :

حاشا أبي ثوبان ان أبا

ثوبان ليس ببكمة فدم

عمرو بن عبد الله ان به

ضنا عن الملحات والشتم

اللغة البكمة بضم الموحدة من البكم وهو الخرش والفدم بفتحتين العيي الثقيل. والضن بكسر الضاد البخل. والملحات مصدر ميمي كالملاحاة وهي المنازعة. والشتم السب.

الاعراب أبا ثوبان يروى بالنصب والجر فحاشا فعل على الأول وحرف جر على الثاني. وأبا ثوبان الثاني اسم ان وليس فعل ماض ناقص. والضمير اسمها. وببكمة خبرها. والباء زائدة. وفدم خبر ثان. وقوله عمرو بن عبد الله هو عطف بيان من أبا ثوبان الأول فيعرب باعرابه وبه خبر إن. وضنا اسمها. وعن الملحات متعلق بضنا (والشاهد فيه) ان حاشا معناها التنزيه (والمعنى) أنزه أبا ثوبان عما وسمت به قومه من الغدر وقلة الوفاء فان أبا ثوبان فصيح منطيق بين اللسن يكره الملاحاة والسباب فكيف ينكث العهد ويغدر في الجوار. وكان قوم هذا الرجل نزل بهم رجل فقتلوه فقال الشاعر يذكر ذلك ويحرض سيدهم على المطالبة بدم الرجل والخروج لأهله عن حقهم.

٣٨٦

وهو عند المبرد يكون فعلا في نحو قولك هجم القوم حاشا زيدا بمعنى جانب بعضهم زيدا ، أي فاعل من الحشا وهو الجانب. وحكى أبو عمرو الشيباني عن بعض العرب اللهم اغفر لي ولمن سمع حاشا الشيطان وابن الأصبغ بالنصب. وقوله تعالى : (حاشَ لِلَّهِ) بمعنى براءة لله من السوء.

عدا وخلا :

وعدا وخلا مر الكلام فيهما في الإستثناء.

كي :

وكي في قولهم كيمه من حروف الجر بمعنى لمه.

حذف حروف الجر :

وتحذف حروف الجر فيتعدى الفعل بنفسه كقوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) وقوله :

منا الذي اختير الرجال سماحة

وجودا إذا هبّ الرياح الزعازع (١)

وقوله :

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نشب (٢)

__________________

(١) هو للفرزدق من أبيات يهجو بها جريرا ويفتخر عليه بقومه ويذكر لهم من المناقب ما يفضلون به على غيرهم.

اللغة اختير من الاختيار. والزعازع الرياح الشديدة لأنها تزعزع الأشياء عن مواضعها.

الاعراب منا خبر مقدم. والذي موصول مبتدأ. واختير فعل ماض مجهول صلة الذي. والرجال نصب بنزع الخافض أصله من الرجال فحذف من وعدى الفعل إليه بنفسه. وسماحة مفعول لأجله وجودا عطف عليه. وهب الرياح الزعازع جملة فعلية ظرفية. وجواب إذا يدل عليه السياق (والشاهد فيه) حذف حرف الجر ونصب مجروره (والمعنى) منا الذي اختاره الناس عند اشتداد الزمان وهبوب الرياح لكرمه وجوده وسماحته.

(٢) لم يسم أحد قائله.

٣٨٧

وتقول استغفر الله ذنبي ، ومنه دخلت الدار. وتحذف مع أنّ وان كثيرا مستمرا.

وتضمر قليلا. ومما جاء من ذلك إضمار رب والباء في القسم وفي قول رؤبة خير إذا قيل له كيف أصبحت واللام في لاه أبوك بمعنى لله أبوك.

__________________

اللغة النشب المال من الذهب والفضة. وروي وذا نسب أي نسب شريف.

الاعراب أمرتك فعل وفاعل ومفعول. والخير نصب بنزع الخافض. وافعل فعل أمر فاعله ضمير المتكلم. وما موصولة وأمرت فعل ماض مجهول. والتاء نائب الفاعل. وبه في محل نصب مفعول أمرت. وتركتك فعل وفاعل ومفعول. وذا مال مفعول ثان لتركتك. وذا نشب عطف على ذا مال (والشاهد فيه) كما في الذي قبله (والمعنى) قد تركتك ذا قدرة على فعل الخير لما خلفت لك من الأموال فافعل الخير فاني آمرك به.

٣٨٨

الباب الثاني

الحروف المشبهة بالفعل

وهي ان وأن ولكن وكأن وليت ولعل. وتلحقها ما الكافة فتعزلها عن العمل ويبتدأ بعدها الكلام. قال الله تعالى : (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وقال : (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ) وقال ابن كراع :

تحلل وعالج ذات نفسك وانظرن

أبا جعل لعلما أنت حالم (١)

وقال :

أعد نظرا يا عبد قيس لعلما

أضاءت لك النار الحمار المقيدا (٢)

__________________

(١) ابن كراع اسمه سويد وهو من بني عكل وكان رجل نذر دمه فخاطبه بذلك. اللغة تحلل أي أخرج إلى الحل بالكفارة وحالم أي نائم.

الاعراب تحلل فعل أمر فاعله أنت. وعالج عطف عليه. وذات نفسك مفعول عالج. وانظرن فعل أمر والنون فيه للتوكيد. وأبا جعل منادى مضاف بحرف نداء محذوف. ولعل مكفوفة عن العمل بما. وأنت مبتدأ. وحالم خبره (والشاهد فيه) ان لعل كفت عن العمل لدخول ما الكافة عليها (والمعنى) تحلل بالكفارة عما أقسمت عليه من قتلي وعالج نفسك للرجوع عن هذا العزم فانك كالحالم فيما توعدتني به لانك لا تستطيع ان تناله مني.

(٢) البيت للفرزدق.

٣٨٩

ومنهم من يجعل ما مزيدة ويعملها. إلا أن الإعمال في كأنما ولعلّما وليتما أكثر منه في إنما وأنما ولكنما. وروى بيت النابغة :

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا (١)

على وجهين.

أن وإن : الفرق بينهما :

أن وإن هما تؤكدان مضمون الجملة وتحققانه إلا أن المكسورة الجملة معها على استقلالها بفائدتها ، والمفتوحة تقلبها إلى حكم المفرد. تقول إن زيدا منطلق وتسكت كما تسكت على زيد منطلق ، وتقول بلغني أن زيدا منطلق ، وحق أن زيدا منطلق ، فلا تجد بدّا من هذا الضميم كما لا تجده مع الإنطلاق ونحوه. وتعاملها معاملة المصدر حيث توقعها فاعلة ومفعولة ومضافا إليها في قولك بلغني أن زيدا منطلق ، وسمعت أن عمرا خارج. وعجبت من أن زيدا واقف. ولا تصدّر بها الجملة كما تصدر بأختها بل إذا وقعت في

__________________

الاعراب أعد فعل أمر فاعله أنت. ونظرا مفعوله. وعبد قيس منادى مضاف. ولعل مكفوفة بما. واضاء فعل ماض. والنار فاعله. والحمار مفعوله. والمقيد صفة حمار (والشاهد فيه) انه لما كف لعل عن العمل أولاها الفعل الذي لم يلها قبل ولا تكون ما هنا بمعنى الذي لان القوافي منصوبة ولا يجوز أن تكون لعل بمعنى الشأن وتكون ما نافية والحمار إسمها واضاءت الخبر لان ما لا يتقدم خبرها على اسمها (والمعنى) قال ابن يعيش وصفهم انهم أهل ذلة وضعف لا يأمنون من يطرقهم ليلا فلذلك قيدوا حمارهم وأطفؤوا نارهم. وفهم هذا المعنى من البيت بعيد جدا. وقال غيره يرمي هؤلاء القوم باتيان الأتن وتقييدها لذلك.

(١) تمامه إلى حمامتنا ونصفه فقد.

الاعراب قال فعل ماض. وفاعله ضمير المرأة وهي الزرقاء التي يضرب المثل بحدة بصرها. والا للاستفتاح. وليت مكفوفة بما. وهذا اسم اشارة. والحمام بدل أو عطف بيان. ولنا خبر المبتدأ. ونصفه عطف على الحمام. وقد خبر مبتدأ محذوف أي فهو حسب. ويجوز نصب الحمام على ان ليت عاملة فيه. والجار والمجرور خبرها. وهذا هو الشاهد في البيت.

٣٩٠

موضع المبتدأ التزم تقديم الخبر عليها فلا يقال أن زيدا قائم حق ، ولكن حق أن زيدا قائم.

التمييز بين موقعيهما :

والذي يميز بين موقعيهما أن ما كان مظنة للجملة وقعت فيه المكسورة كقولك مفتتحا إن زيدا منطلق ، وبعد قال لأن الجمل تحكى بعده ، وبعد الموصول لأن الصلة لا تكون إلا جملة. وما كان مظنة للمفرد وقعت فيه المفتوحة نحو مكان الفاعل ، والمجرور ، وما بعد لولا ، لأن المفرد ملتزم فيه في الإستعمال ، وما بعد لولان تقدير لو انك منطلق لانطلقت لو وقع أنك منطلق أي لو وقع انطلاقك ، وكذلك ظننت أنك ذاهب على حذف ثاني المفعولين. والأصل ظننت ذهابك حاصلا.

ومن المواضع ما يحتمل المفرد والجملة فيجوز فيه إيقاع أيتهما شئت نحو قولك أول ما أقول أني أحمد الله ، إن جعلتها خبرا للمبتدأ فتحت ، كأنك قلت أوّل مقولي حمد الله وان قدّرت الخبر محذوفا كسرت حاكيا ومنه قوله :

وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا

إذا إنه عبد القفا واللهازم (١)

تكسر لتوفر على ما بعد إذا ما يقتضيه من الجملة ، وتفتح على تأويل حذف الخبر ، أي فإذا العبودية حاصلة وحاصلة محذوفة.

حركة ان بعد حتى :

وتكسرها بعد حتى التي يبتدأ بعدها الكلام فتقول قد قال القوم ذلك حتى إن زيدا يقوله. وإن كانت العاطفة أو الجارّة فتحت فقلت قد عرفت أمورك حتى أنك صالح ، وعجبت من أحوالك حتى أنك تفاخرني.

__________________

(١) تقدم الكلام عليه والشاهد فيه هنا جواز كسر همزة أن وفتحها بعد إذا الفجائية.

٣٩١

ولكون المكسورة للإبتداء لم تجامع لامه إلا إياها وقوله :

ولكنني من حبها لعميد (١)

على أن الأصل ولكن أنني كما أن أصل قوله تعالى : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) لكن أنا. ولها إذا جامعتها ثلاثة مداخل : تدخل على الإسم ان فصل بينه وبين إن كقولك إن في الدار لزيدا وقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً ،) وعلى الخبر كقولك إن زيدا لقائم وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ،) وعلى ما يتعلق بالخبر إذا تقدمه كقولك إن زيدا الطعامك آكل وإن عمرا لفي الدار جالس وقوله تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ). وقول الشاعر :

إن امرأ خصّني عمدا مودّته

على التنائي لعندي غير مكفور (٢)

__________________

(١) لم أر من ذكر له قائلا ولم أعرف له سابقا ولا لاحقا.

اللغة العميد من عمده الحب إذا كسر قلبه.

الاعراب لكن حرف توكيد ونصب. والياء اسمها. وعميد خبرها. (والشاهد فيه) دخول اللام في خبر لكنني. قيل وذلك لأن أصل لكن إن زيدت عليها اللام والكاف فصارت لكن ، فكما جاز دخول اللام في خبر إن جاز دخول اللام في خبر لكن. وهذا ضعيف فانهم جوزوا دخول اللام في خبر ان لاتفاقهما في المعنى وهو التأكيد وانها لم تغير معنى الابتداء بخلاف لكن.

(٢) أنشده سيبويه في الكتاب لأبي زيد الطائي يمدح الوليد بن عقبة.

اللغة التنائي البعد وكفران النعمة سترها بالجحود.

الاعراب امرأ اسم ان. وخصني فعل وفاعل ومفعول في محل نصب صفة امرأ. وعمدا تمييز أو مصدر في موضع الحال. ومودته نصب بنزع الخافض أي بمودته. وغير مكفور خبر ان.

(والشاهد فيه) دخول اللام على الظرف وهو لعندي والظرف يتعلق بمكفور لكنه لما تقدم عليه حسن دخول اللام عليه (والمعنى) من انعم عليّ نعمة قابلته عليها بالشكر ولم أكفرها بجحدها.

٣٩٢

ولو أخرت فقلت آكل لطعامك أو غير مكفور لعندي لم يجز لأن اللام لا تتأخر عن الأسم والخبر.

وتقول علمت أن زيدا قائم فإذا جئت باللام كسرت وعلقت الفعل قال الله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) ومما يحكى من جراءة الحجاج على الله تعالى أن لسانه سبق في مقطع والعاديات إلى فتح فأسقط اللام.

إعراب المعطوف على اسم إن :

ولأن محل المكسورة وما عملت فيه الرفع جاز في قولك إن زيدا ظريف وعمرا ، وإن بشرا راكب لا سعيدا أو بل سعيدا ، أن ترفع المعطوف حملا على المحل قال الله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) وقال جرير :

إن الخلافة والنبوّة فيهم

والمكرمات وسادة أطهار (١)

وفيه وجه آخر ضعيف وهو عطفه على ما في الخبر من الضمير. ولكنّ تشايع إن في ذلك دون سائر أخواتها. وقد أجرى الزجاج الصفة مجرى المعطوف وحمل عليه قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ). وأباه غيره. وإنما يصح الحمل على المحل بعد مضي الجملة فإن لم تمض لزمك أن تقول ان زيدا وعما قائمان بنصب عمرو ولا غير.

__________________

(١) اللغة النبوة فعولة من النبأ وهو الخبر ويروى. ان الخلافة والمروة فيهم. وهي الرواية الصحيحة. وسادة جمع سائد كقادة جمع قائد واطهار جمع أو اسم جمع طاهر.

الاعراب الخلافة اسم ان. والنبوة عطف عليه. وفيهم متعلق بمحذوف خبر إن أي كائنتين فيهم. والمكرمات بالرفع عطفا على محل اسم إن أو مبتدأ محذوفا خبره والتقدير وفيهم المكرمات. وقيل انه بالجر معطوف على ما في الخبر من الضمير. وضعفه المصنف وغيره. وقوله وسادة اطهار هو خبر مبتدأ محذوف أي وهم سادة اطهار (والشاهد فيه) انه رفع المكرمات عطفا على محل اسم إن.

٣٩٣

وزعم سيبويه أن ناسا من العرب يغلطون فيقولون انهم اجمعون ذاهبون وأنك وزيد ذاهبان وذاك أن معناه معنى الإبتداء ، فيرى أنه قال هم كما قال.

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (١)

وأما قوله تعالى : (وَالصَّابِئُونَ). فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتداء والصابؤن بعد ما مضى الخبر وأنشدوا :

وإلا فاعلموا أنا وأنتم

بغاة ما بقينا في شقاق (٢)

عدم جواز الجمع بين إن وأن :

ولا يجوز إدخال إنّ على أن فيقال إن أن زيدا في الدار إلا إذا فصل بينهما كقولك إن عندنا أن زيدا في الدار.

تخفّف إن وأن فيبطل عملهما :

وتخففان فيبطل عملهما. ومن العرب من يعملهما. والمكسورة أكثر

__________________

(١) تقدم الكلام عليه قريبا. والشاهد فيه انه عطف سابق بالجر على خبر ليس في المصراع الأول لتوهم دخول الباء عليه.

(٢) هو لبشر ابن أبي خازم وقبله :

إذا جزت نواصي آل بدر

فأدوها واسرى في الوثاق

اللغة البغاة جمع باغ وهو الظالم من البغي وهو الطلب لأنه يطلب ما ليس له بحق والشقاق العداوة لأن كل واحد من المتعاديين يفعل ما يشق على الآخر أو من الشق بمعنى الجانب لأن كل واحد يكون في طرف غير طرف الثاني.

الاعراب وإلا أصله ان لا أبدلت النون لا ما وادغمت في اللام. واعلموا فعل أمر وفاعل جواب الشرط ولذلك دخلت عليه الفاء. وإنا مركب من إن واسمها. وانتم عطف على إنا.

وبغاة خبر إنا. والجملة في محل نصب مفعول اعلموا. وقوله في شقاق متعلق بمحذوف خبر ثان أي بغاة كائنون في شقاق. وما مصدرية. وبقينا فعل وفاعل (والشاهد فيه) العطف على محل اسم إن بعد مضي الخبر تقديرا (والمعنى) إذا جزرتم نواصي هؤلاء القوم فاطلقوا اسراهم والا فستستمر بيننا العداوة طول حياتنا.

٣٩٤

إعمالا. ويقع بعدهما الإسم والفعل. والفعل الواقع بعد المكسورة يجب أن يكون من الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر. وجوّز الكوفيون غيره. وتلزم المكسورة اللام في خبرها. والمفتوحة يعوّض عما ذهب منها أحد الأحرف الأربعة حرف النفي وقد وسوف والسين ، تقول إن زيد لمنطلق وقال الله تعالى : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) وقرىء : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) على الإعمال وأنشدوا :

فلو أنك في يوم الرخاء سألتني

فراقك لم أبخل وأنت صديق (١)

وقال الله تعالى : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) وقال : (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) وقال : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) وأنشد الكوفيون :

بالله ربّك إن قتلت لمسلما

وجبت عليك عقوبة المتعمد (٢)

__________________

(١) استشهد به كثيرون ولم يسم أحد منهم قائله.

الاعراب لو حرف شرط. وان مخففة من الثقيلة. والكاف اسمها. وفي يوم الرخاء متعلق بسألتني. وسألتني فعل وفاعل ومفعول. والجملة خبر أن. وطلاقك مفعول ثان لسألتني. وابخل فعل مضارع مجزوم بلم. وفاعله ضمير المتكلم. والجملة جواب لو. وقوله وأنت صديق جملة ابتدائية وقعت حالا (والشاهد فيه) ان أن خففت وبرز اسمها والكثير فيها ان يكون اسمها ضمير الشأن (والمعنى) انك لو سألتني الطلاق في أيام الرخاء وسعة الحال لم أبخل عليك به مع ان الانسان في ايام رخائه أكثر ضنا بأهله ومن يعوله يصف نفسه بالكرم ويقول انه لا يرد سائلا.

(٢) هو لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل من أبيات ترثي بها زوجها الزبير بن العوام رضي الله عنه.

اللغة بالله ربك يروى بدله شلت يمينك وهو خبر معناه الدعاء أي أشل الله يمينه. ويروى ثكلتك أمك أي عدمتك. ووجبت يروى بدله حلت أي نزلت.

الاعراب بالله الباء حرف قسم. ولفظ الجلالة مقسم به. وربك صفته. وان مخففة من الثقيلة. وقتلت فعل وفاعل. وقوله لمسلما مفعوله. واللام فيه للابتداء وهي التي تفرق بين ان

٣٩٥

ورووا إن تزينك لنفسك وإن تشينك لهيه. وتقول في المفتوحة علمت أن زيد منطلق والتقدير أنه زيد منطلق. وقال الله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). وقال :

في فتية كسيوف الهند قد علموا

أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (١)

__________________

المخففة وان النافية. ووجبت فعل ماض. وعقوبة المتعمد فاعل. وعليك متعلق بوجبت (والشاهد فيه) دخول ان المخففة على غير الأفعال الناسخة وهذه طريقة الكوفيين. والبصريون يرون انها اذا خففت واهملت لا يليها غالبا إلا فعل ناسخ ماضيا كان أو مضارعا وتقييد ابن مالك له بالماضي لم يرتضه أحد لقوله تعالى (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ونحوه مما هو في القرآن كثير (والمعنى) أقسم بالله لقد قتلت مسلما كاملا في الاسلام حلت عليك بسبب قتلك إياه عقوبة الجاني الذي تعمد الجناية.

(١) هو للأعشى ميمون من معلقته التي أولها :

ودع هريرة إن الركب مرتحل

وهل تطيق وداعا أيها الرجل

قال العيني والبيت المستشهد به هكذا أورده النحاة سيبويه وغيره من المتقدمين والمتأخرين والذي ثبت في ديوانه ان عجز البيت هكذا (ان ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل).

وأما العجز الذي أوردوه فليس هو من كلام الأعشى وقد قيل انه من بيت لآخر وهو. أما ترانا حفاة لا نعال لنا. إنا كذلك لا نحفى وننتعل اه أقول ولعل العجز الذي أوردوه رواية في بيت الأعشى.

اللغة في فتية جمع فتى وهو الشاب. وحفي يحفى من باب علم يعلم إذا مشى بلا خف ولا نعل وينتعل من انتعل إذا لبس النعل وأراد بمن يحفى الفقراء المعدمون وبمن ينتعل الأغنياء الموسرون.

الاعراب في فتية يتعلق بغدوت في البيت قبله وهو :

وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني

شاو مثل شلول شلشل شول

وقد غلط العيني في جعله في فتية في محل نصب على الحال من شاو وتجويزه أن يكون حالا من الضمير المنصوب في يتبعني. وقوله كسيوف الهند متعلق بمحذوف صفة فتية. وعلموا فعل وفاعل صفة فتية أيضا. وان مخففة من الثقيلة. واسمها ضمير الشأن. وهالك خبر مقدم. وكل مبتدأ مؤخر. ويحفى وينتعل صلة الموصول. والجملة من المبتدأ والخبر خبر أن المخففة. والجملة من أن واسمها وخبرها في محل نصب مفعول علموا (والشاهد فيه) مجيء أن مخففة

٣٩٦

وعلمت أن لا يخرج زيد وأن قد خرج وان سوف يخرج وأن سيخرج قال الله تعالى : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) وقال تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى).

ضرورة مشاكلة الفعل لها في التحقيق :

والفعل الذي يدخل على المفتوحة مشدّدة أو مخففة يجب أن يشاكلها في التحقيق كقوله تعالى : (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) قوله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ). فإن لم يكن كذلك نحو أطمع وأرجو وأخاف فليدخل على أن الناصبة للفعل كقوله تعالى : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي ،) وقولك أرجو أن تحسن إلي وأخاف أن تسيء إلي. وما فيه وجهان كظننت وحسبت وخلت فهو داخل عليهما جميعا تقول ظننت أن تخرج وأن ستخرج وأنك تخرج وقرىء قوله تعالى : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ). بالرفع والنصب.

معنى آخر لأن وإن :

وتخرج إن المكسورة إلى معنى أجل. قال :

ويقلن شيب قد علا

ك وقد كبرت فقلت إنّه (١)

__________________

وخبرها جملة (والمعنى) ذهبت إلى الحانوت غدوة في فتية كأنهم في المضاء سيوف الهند البواتر وكلهم قد علموا ان الناس كلهم إلى الموت لا يخلد في الدنيا أحد فهم لذلك لا يتأخرون عن اجابة داع إلى لذة وطرب.

(١) البيت لعبد الله بن قيس الرقيات من أبيات أولها :

بكر العواذل في الصبوح يلمنني وألومهنه

الاعراب يقلن فعل مضارع ونون النسوة فاعله. وشيب مبتدأ وقد حرف تحقيق. وعلاك فعل وفاعل ومفعول. والجملة خبر شيب. وقد كبرت عطف على شيب علاك. وقلت فعل وفاعل. وانه حرف جواب بمعنى نعم. والهاء للسكت (والشاهد فيه) مجيء ان حرف تصديق كما تأتي له أجل.

٣٩٧

وفي حديث عبد الله بن الزبير إن راكبها. وتخرج المفتوحة إلى معنى لعل كقولهم أئت السوق إنك تشتري لحما. وتبدل قيس وتميم همزتها عينا فتقول أشهد عنّ محمدا رسول الله.

لكنّ :

هي للإستدراك لتوسطها بين كلامين متغايرين نفيا وإيجابا ، فيستدرك بها النفي بالإيجاب والإيجاب بالنفي وذلك قولك : ما جاءني زيد لكن عمرا جاءني ، وجاءني زيد لكن عمرا لم يجىء.

والتغاير في المعنى بمنزلته في اللفظ كقولك : فارقني زيد لكن عمرا حاضر ، وجاءني زيد لكن عمرا غائب ، وقوله عز وجل : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ ،) على معنى النفي وتضمن ما أراكهم كثيرا.

وتخفف فيبطل عملها كما يبطل عمل إن وأن ، وتقع في حروف العطف على ما سيجيء بيانها إن شاء الله تعالى.

كأن :

هي للتشبيه ، ركبت الكاف مع أن كما ركبت مع ذا وأي في كذا وكأين. وأصل قولك كأن زيد الأسد أن زيدا كالأسد ، فلما قدمت الكاف فتحت لها الهمزة لفظا والمعنى على الكسر ، والفصل بينه وبين الأصل إنك ههنا بان كلامك على التشبيه من أول الأمر ، وثم بعد مضى صدره على الإثبات.

وتخفف فيبطل عملها قال :

ونحر مشرق اللون

كأن ثدياه حقّان (١)

__________________

(١) استشهد به سيبويه واغفل ذكر قائله.

اللغة نحر يروى بدله وصدر. ويروى ووجه ومشرق أي مضيء. وحقان تثنية حقة كما

٣٩٨

ومنهم من يعملها قال :

كأن وريديه رشاء خلب (١)

وفي قوله :

كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (٢)

ثلاثة أوجه الرفع والنصب والجر على زيادة أن.

__________________

قالوا خصيان في تثنية خصية.

الاعراب ونحو الواو بمعنى رب. ونحر مجرور بها. ومشرق اللون صفة نحر. وأن مخففة من الثقيلة. واسمها ضمير الشأن. وثدياه مبتدأ. وحقان خبره. والجملة خبر ان (والشاهد فيه) كالشاهد في بيت. في فتية كسيوف الهند. (والمعنى) رب نحر مشرق اللون مضيئه كان ثديا صاحبه حقتان.

(١) ظاهر كلام العبني انه عزاه في الكتاب إلى رؤبة مع أنه أنشده غفلا ولم يتعرض أحد ممن كتب عليه لبيان قائله. وقال بعض الأفاضل ان ما قبل هذا المصراع :

ومعتد فظ غليظ القلب.

وبعده. تركته مجدلا كالكلب.

اللغة الوريدان عرقان يكتنفان صفحتي العنق في مقدمهما متصلان بالوتين يردان من الرأس اليه. والرشاء بالكسر والمد الحبل. والخلب بضم الخاء واللام وبتسكين اللام الليف.

الاعراب أن مخففة. ووريدية اسمها. ورشاء خبرها. وخلب جر باضافة رشاء إليه.

(والشاهد فيه) إعمال أن المخففة ويروى البيت كأن وريداه وعليه فلا شاهد فيه بل فيه شاهد على الغائها إذا خففت كما في الأبيات السابقة.

(٢) صدره. ويوما توافينا بوجه مقسم. وقد اختلف في قائله فقيل انه لأرقم بن علباء اليشكري وقيل انه لصريم وقيل لباغت والله أعلم بصواب ذلك.

اللغة توافينا من الموافاة وهي المقابلة بالاحسان والخير هكذا زعم العيني ولا أظنه الا قد اشتبه عليه. وافى يوفي فان وافى من الموافاة بمعنى الاتيان ومقسم أي جميل حسن. وتعطو أي تميل. والوارق المورق والسلم ضرب من الشجر.

الاعراب يوما نصب على الظرفية بعامل سبقه. وروي يوم على أنه مجرور بواو رب. وتوافينا فعل مضارع فاعله ضمير يعود إلى المرأة الممدوحة. ونا مفعوله. وبوجه متعلق

٣٩٩

ليت :

ليت هي للتمني كقوله تعالى : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ) ويجوز عند الفراء أن تجرى مجرى أتمنى فيقال ليت زيدا قائما كما يقال أتمنى زيدا قائما والكسائي يجيز ذلك على إضمار كأن والذي غرهما منها قول الشاعر :

يا ليت أيام الصبا رواجعا (١)

وقد ذكرت ما هو عليه عند البصريين.

وتقول ليت أن زيدا خارج وتسكت كما تسكت على ظننت أن زيدا خارج.

لعلّ :

هي لتوقع مرجوّ أو مخوف ، وقوله عز وجل : (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) و (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ترج للعبادة ، وكذلك قوله عز وجل : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ،) معناه اذهبا أنتما على رجائكما ذلك من فرعون. وقد لمح فيها معنى التمني من قرأ فأطلع بالنصب. وهي في حرف عاصم.

وقد أجاز الأخفش لعل أن زيدا قائم. قاسها على بيت وقد جاء في الشعر :

لعلك يوما أن تلمّ ملمة

عليك من اللائي يدعنك أجدعا (٢)

__________________

بتوافينا. ومقسم صفة وجه. وأن مخففة. وظبية روي بالرفع والنصب والجر. فالرفع على أنها خبر كأن والتقدير كأنها ظبية. والنصب على أنها اسم كأن. والخبر قوله تعطو إلى وارق والجر على كون أن زائدة والكاف للتشبيه ولا يجوز على رواية الرفع جعل ظبية مبتدأ وجملة تعطو خبره لأن ظبية نكرة لا يجوز الابتداء به والشاهد والمعنى ظاهران.

(١) سبق الكلام عليه في أول الكتاب مستوفى فراجعه ثمة.

(٢) هو لمتمم بن نويرة من أبيات كثيرة يرثي بها أخاه مالكا وقد كان قتل في الردة وأولها :

لعمري وما عمري بتأبين هالك

ولا جزعا مما أصاب فأوجعا

٤٠٠