المفصل في صنعة الإعراب

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري

المفصل في صنعة الإعراب

المؤلف:

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

وضربكم وضربهم وعليهم وبهم ومنه وضربه بالإسكان فيمن ألحق وصلا أو حرّك ، وهذه فيمن قال هذه هي أمة الله وحتام وفيم وحتامه وفيمه بالإسكان والهاء ، ومجيء مه في مجيء م جئت وفي مثل م أنت بالهاء لا غير.

حكم النون الخفيفة :

والنون الخفيفة تبدل ألفا عند الوقف تقول في قوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ). لنسفعا قال الأعشى :

ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا (١)

وتقول في هل تضربن يا قوم هل تضربون بإعادة واو الجمع.

__________________

فهل يمنعني ارتيادي البلا

دمن حذر الموت أن يأتين

أليس أخو الموت مستوثقا

عليّ وان قلت قد انسأن

وكاسف صفة شانىء. ووجهه فاعل كاسف. وإذا شرطية. وما زائدة. وانتسبت فعل وفاعل. وله متعلق به. وأنكرن فعل ماض. والفاعل ضمير يعود إلى الشانىء. والنون الساكنة نون الوقاية. والمفعول محذوف للوقف وهو الياء. وأصله أنكرني فحذف الياء على لغة من يسكنها في الوصل ثم سكن النون فصار أنكرن وهذا هو الشاهد فيه (والمعنى) لا يمنعني من ارتياد البلاد والضرب فيها حذر الموت فان الموت واقع لا بد منه ولو لزم الانسان داره ولا عدو مبغض إذا رآني قطب وجهه وإذا انتسبت له أنكرني فقد لا أعدم من يهش إلي ويعرف نسبي ومكانتي.

(١) صدره (وإياك والميتات لا تقربنها) وهو له من كلمة يمدح بها النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد تقدم من حديثه في أول الكتاب.

الاعراب إياك للتحذير. والميتات نصب على التحذير. ولا ناهية. وتقربنها فعل مضارع مجزوم محلا بلا الناهية. وفاعله ضمير المخاطب. والهاء مفعوله. وقوله ولا تعبد عطف على تقربنها. والشيطان مفعول تعبد. ولفظ الجلالة مفعول اعبد. واعبد فعل أمر فاعله ضمير المخاطب. وألفه منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة. وأصله اعبدن. وهذا هو الشاهد. فيه والمعنى ظاهر.

٤٨١
٤٨٢

الباب الثالث

القسم

حده :

يشترك فيه الإسم والفعل. وهو جملة فعلية أو اسمية تؤكد بها جملة موجبة أو منفية نحو قولك : بالله ، وأقسمت ، وآليت ، وعلم الله ، ويعلم الله ، ولعمرك ، ولعمر أبيك ، ولعمر الله ، ويمين الله ، وأيمن الله ، وايم الله ، وأمانة الله ، وعليّ عهد الله لأفعلن أو لا أفعل. ومن شأن الجملتين أن تتنزلا منزلة جملة واحدة كجملتي الشرط والجزاء ، ويجوز حذف الثانية ها هنا عند الدلالة جواز ذلك ثمة. فالجملة المؤكد بها هي القسم ، والمؤكدة هي القسم عليها ، والإسم الذي يلصق به القسم ليعظم به ويفخم هو المقسم به.

تخفيف القسم :

ولكثرة القسم في كلامهم أكثروا التصرف فيه ، وتوخوا ضروبا من التخفيف ، من ذلك حذف الفعل في بالله ، والخبر في لعمرك وأخواته ، والمعنى لعمرك ما أقسم به ، ونون أيمن وهمزته في الدرج ، ونون من ومن وحرف القسم في والله والله بغير عوض ، وبعوض في ها الله وآلله وفالله ، والإبدال عنه تاء في تالله وإيثار الفتحة على الضمة هي التي أعرف في العمر.

٤٨٣

ويتلقى القسم بثلاثة أشياء باللام وبان وبحرف النفي كقولك بالله لأفعلن ، وأنك لذاهب ، وما فعلت ولا أفعل. وقد حذف حرف النفي في قول الشاعر :

تالله يبقى على الأيام مبتقل (١)

الواو والتاء واللام ومن مكان الباء :

وقد أوقعوا موقع الباء بعد حذف الفعل الذي ألصقته بالقسم به أربعة أحرف : الواو والتاء وحرفين من حروف الجرّ وهما اللام ومن في قولك لله لا يؤخر الأجل ومن ربي لأفعلن روما للإختصاص ، وفي التاء واللام معنى التعجب ، وربما جاءت التاء في غير التعجب ، واللام لا تجيء إلا فيه وأنشد سيبويه لعبد مناة الهذلي :

لله يبقى على الأيام ذو حيد

بمشمخر به الظّيان والآس (٢)

__________________

(١) تمامه. جون السراة رباع سنه غرد. وهو للهذلي أبي كبير.

اللغة مبتقل اسم فاعل من ابتقل إذا رعى البقل. وانما يريد به حمار الوحش. والجون هنا الأسود. وقد يراد به الأبيض. والسراة الظهر. ورباع أي طلعت رباعيته والرباعية هي إحدى الأسنان الأربع التي تلي الثنايا بين الثنية والناب. وإنما يكون ذلك في الغنم في السنة الرابعة ، وفي البقر والحافر في السنة الخامسة. وفي الخف في السنة السابعة. وغرد أي حسن التطريب في الغناء.

الاعراب التاء للقسم. ولفظ الجلالة مقسم به. ويبقى فعل مضارع جواب القسم.

وعلى الأيام متعلق به. ومبتقل فاعله. وجون ورباع وغرد صفات لمبتقل. وسنه معمول رباع (والشاهد فيه) انه حذف حرف النفي من جواب القسم وهو يبقى وأصله تالله لا يبقى (والمعنى) يقول الأيام لا تبقى شيئا على حاله وكل ما فيها عرضة للتغير والزوال حتى حمار الوحش الموصوف بهذه الأوصاف لا يبقى على حاله بل لا بد أن يهرم ويضعف صوته وتنكسر حدة نشاطه.

(٢) نسبه هنا لعبد مناة الهذلي ونسبه غيره لامية بن أبي عائد وفي اللسان انه لمالك بن خالد الخزاعي. وقيل بل هو للفضل بن يحيي الليثي من أبيات يرثي بها قومه وقبله.

٤٨٤

وتضم ميم من فيقال من ربي أنك لأشر. قال سيبويه ولا تدخل الضمة في من إلا ههنا ، كما لا تدخل الفتحة في لدن إلا مع غدوة ، ولا تدخل إلا على اسم الله والكعبة. وسمع الأخفش من الله وتربى وإذا حذفت نونها فهي كالتاء تقول م الله وم الله كما تقول تالله ومن الناس من يزعم أنها من أيمن.

مميزات الباء :

والباء لأصالتها تستبدّ عن غيرها بثلاثة أشياء بالدخول على المضمر كقولك به لأعبدنه وبك لأزورن بيتك وقال :

فلا بك ما أبالي (١)

__________________

يا مي أن تفقدي قوما ولدتهم

أو تخلسيهم فان الدهر خلاس

يا مي ان سباع الأرض هالكة

والادم والعفر والآرام والناس

اللغة حيد جمع حيدة مثل بدرة وبدر. والحيد عقد في قرون الوعل. والمشمخر الجبل الشامخ. والظيان ياسمين البر. والآس الريحان.

الاعراب ذو حيد فاعل يبقى. ويبقى جواب القسم بحذف لا النافية على نحو ما مر في البيت قبله. وقوله بمشمخر الباء بمعنى في. وبه جار ومجرور خبر مقدم. والظيان مبتدأ.

والآس عطف عليه. والجملة في محل جر صفة مشمخر (والشاهد فيه) دخول اللام على اسم الله في القسم بمعنى التعجب (والمعنى) ان الأيام تفني بمرورها كل حي حتى الوعل المتحصن برؤس الجبال. وانما ضرب الوعل مثلا لذلك لأنه إذا كان في الجبل المرتفع وعنده ما يرعاه لم يحتج إلى الاسهال فيصاد. فإذا كان يناله الموت على هذا الحال فغيره من الحيوان مما يتعرض لأن يصاد أولى.

(١) هذا قطعة من بيت أنشده أبو زيد في نوادره ولم يسم قائله وهو :

ألا نادت أمامة باحتمال

لتحزنني فلا بك ما أبالي.

اللغة أمامة اسم زوجة الشاعر. والاحتمال التحمل والارتحال. وما أبالي أي ما أخاف.

الاعراب الا اداة استفتاح. ونادت فعل ماض. وأمامة فاعله. وباحتمال متعلق بنادت في محل نصب مفعوله. وقوله لتحزنني اللام لام كي وتحزنني فعل مضارع منصوب بها وفاعله

٤٨٥

وبظهور الفعل معها كقولك حلفت بالله ، وبالحلف على الرجل على سبيل الإستعطاف كقولك بالله لمّا زرتني وبحياتك أخبرني وقال ابن هرمة :

بالله ربك إن دخلت فقل له

هذا ابن هرمة واقفا بالباب (١)

وقال المجنون :

بدينك هل ضممت إليك نعما (٢)

حذف الباء :

وتحذف الباء فينتصب المقسم به بالفعل المضمر قال :

__________________

ضمير يعود إلى أمامة. والياء مفعوله. ولا نافية. وبك الباء حرف قسم. والكاف مقسم به. وجواب القسم لا أبالي (والشاهد فيه) جواز دخول القسم على الضمير كدخوله على الظاهر (والمعنى) ان هذه المرأة نادت بالرحيل لتحزنه بفراقها ظنا منها ان فراقها يؤلمه فاقسم بحقها ان ذلك لا يخيفه ولا يزعجه وانه في رغبته عنها.

(١) الاعراب بالله متعلق بمحذوف أي اسألك أو أخبرني بالله. وانما حذف لدلالة الحال عليه أو لقوله فقل له كما حذف من بسم الله ابتدىء لأن ذلك انما يقال في كثير الأمر في الابتداءات. وربك جر على انه صفة. وان شرطية ودخلت فعل وفاعل فعل الشرط. وقوله فقل له جملة فعلية وقعت جواب الشرط. وهذا مبتدأ. وابن هرمة خبره. وواقفا حال من المفعول المصدري. وعامله معنى الفعل كما في قوله تعالى (هذا بَعْلِي شَيْخاً) أي أشير اليه حال كونه على هذه الحال. وبالباب متعلق بواقفا. وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب بالقول (والشاهد فيه) ان الحلف هنا على سبيل الاستعطاف (والمعنى) ان دخلت على الأمير فأعلمه بمكاني وخذ لي منه اذنا بالدخول عليه.

(٢) هو للمجنون صاحب ليلى على ما هو في ديوان شعره لكن بابدال نعمى بليلى وتمامه :

(وهل قبلت قبل الصبح فاها).

الاعراب بالله متعلق بمحذوف أي أسألك. وهل حرف استفهام. وضممت فعل وفاعل جواب القسم. واليك متعلق بضممت. ونعما مفعوله. وقوله وهل قبلت عطف على ضممت. وفاها مفعول قبلت. (والشاهد فيه) كالذي في البيت قبله.

٤٨٦

ألا ربّ من قلبي له الله ناصح (١)

وقال :

فقلت يمين الله أبرح قاعدا (٢)

وقال :

إذا ما الخبز تأدمه بلحم

فذاك أمانة الله الثريد (٣)

__________________

(١) تمامه. ومن قلبه لي في الظباء السوانح. وهو لذي الرمة غيلان.

اللغة السوانح جمع سانح وهو من الظباء ما أخذ عن يمين الرامي فلم يمكنه رميه حتى ينحرف له فيتشاءم به. ومن العرب من يتيمن به لأخذه في الميامن. وقد جعله ذو الرمة مشؤوما لمخالفة قلبها وهواها لقلبه وهواه.

الاعراب رب حرف جر. ومن نكرة بمعنى شخص في محل جر برب. وقلبي مبتدأ وناصح خبره وله متعلق بناصح والجملة في محل جر صفة من والله منصوب بفعل مقدر أي أحلف أو أقسم وأصله احلف بالله فحذف الفعل والحرف معا وبقي مدخول الباء منصوبا بالفعل على تقدير ان الفعل حذف بعد أن حذف الحرف الجار وافضى الفعل إلى معموله وان كانا قد حذفا معا بدليل انه لم يوجد في كلامهم أقسم الله أو أحلف الله. وقوله ومن هو عطف على من الأولى. وقلبه مبتدأ. وفي الظباء خبره. والجملة في محل جر صفة من (والشواهد فيه) نصب لفظ الجلالة بالفعل المقدر (والمعنى) رب شخص أقسم بالله ان قلبي له ناصح ومحب وقلبه على خلاف ذلك وضرب لذلك مثلا بكون قلبه في الظباء السوانح اشارة إلى أن هذا الشخص شديد النفور عنه كما ينفر الغزال عن الانسان وانها أبدا معه على خلاف ما يحب ويشتهي.

(٢) تقدم الكلام عليه قريبا الا أن الشاهد فيه نصب المقسم به وهو يمين بالفعل المضمر.

(٣) لم يسم أحد له قائلا. قال ابن يعيش وقالوا انه مصنوع.

اللغة تأدمه تخلطه.

الاعراب إذا شرطية. وما زائدة. والخبر منصوب بفعل محذوف ، يفسره المذكور. وتأدمه فعل مضارع وفاعل ومفعول. وبلحم متعلق بتأدم. وذاك مبتدأ. والثريد خبره. وامانة منصوب بفعل القسم المقدر. ويجوز رفع أمانة على أنه مبتدأ. وخبره محذوف أي أمانة الله قسمي كما يجوز في يمين الله في البيت السابق.

٤٨٧

وقد روي رفع اليمين والأمانة على الإبتداء محذوفي الخبر ، وتضمر كما تضمر اللام في لاه أبوك.

حذف الواو :

وتحذف الواو ويعوّض عنها حرف التنبيه في قولهم لا هالله ذا ، وهمزة الإستفهام في آلله. وقطع همزة الوصل في أفألله وفي لا هالله ذا لغتان :

حذف ألف ها وإثباتها. وفيه قولان : أحدهما قول الخليل أن ذا مقسم عليه وتقديره : لا والله للأمر ذا ، فحذف الأمر لكثرة الإستعمال ، ولذلك لم يجز أن يقاس عليه فيقال هالله أخوك على تقديرها الله لهذا أخوك. والثاني وهو قول الأخفش. أنه من جملة القسم توكيد له ، كأنه قال ذا قسمي. قال :

والدليل عليه أنهم يقولون لاها الله ذا لقد كان كذا فيجيئون بالمقسم عليه بعده.

والواو الأولى في نحو : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى). للقسم وما بعدها للعطف كما تقول بالله فالله وبحياتك ثم حياتك لأفعلن.

٤٨٨

الباب الرابع

تخفيف الهمزة

تشترك فيه الأضرب الثلاثة. ولا تخفف الهمزة إلا إذا تقدمها شيء ، فإن لم يتقدمها نحو قولك ابتداء أب أم ابل فالتحقيق ليس إلا. وفي تخفيفها ثلاثة أوجه : الإبدال ، والحذف ، وأن تجعل بين بين ، أي بين مخرجها وبين مخرج الحرف الذي منه حركتها.

إبدال الهمزة :

ولا تخلو إما أن تقع ساكنة فيبدل منها الحرف الذي منه حركة ما قبلها كقولك رأس وقرأت وإلى الهداتنا وبير وجيت والذيتمن ولوم وسوت ويقولوذن.

وأما أن تقع متحرّكة ساكنا ما قبلها ، فينظر إلى الساكن فإن كان حرف لين نظر ، فإن كان ياء أو واوا مدتين زائدتين أو ما يشبه المدة كياء التصغير قلبت إليه وأدغم فيها كقولك : خطية ومقروّة وأفيّس. وقد التزم ذلك في نبي وبريه.

الهمزة بين بين :

وإن كان ألفا جعلت بين بين كقولك : سأل وتساؤل وقائل.

حذف الهمزة :

وإن كان حرفا صحيحا أو واوا أو ياء أصليتين أو مزيدتين لمعنى ألقيت

٤٨٩

عليه حركتها وحذفت كقولك : مسلسلة والخب ومن بوك ومن بلك وجيل وحوبة وأبو يّوب وذو مرهم واتبعي مره وقاضوبيك ، وقد التزم ذلك في باب يري وأري يرى ، ومنهم من يقول المراة والكماة فيقلبها ألفا وليس بمطرد ، وقد رآه الكوفيون مطردا.

وأما أن تقع متحرّكة متحرّكا ما قبلها فتجعل بين بين كقولك : سأل ولؤم وسئل ، إلا إذا انفتحت وانكسر ما قبلها أو انضم فقلبت ياء أو واوا محضة كقولك ميروجون. والأخفش يقلب المضمومة المكسور ما قبلها ياء أيضا فيقول يستهزيون ، وقد تبدل منها حروف اللين فيقال منساة ومنه قول الفرزدق :

فارعي فزارة لا هناك المرتع (١)

وقال حسان :

سالت هذيل رسول الله فاحشة

ضلّت هذيل بما سالت ولم تصب (٢)

__________________

(١) صدره (راحت بمسلمة البغال عشية)

الاعراب راحت فعل ماض. وبمسلمة متعلق به. والبغال فاعله. وعشية نصب على الظرفية. وقوله فارعي هو فعل أمر من رعى يرعى. وفاعله ضمير المخاطبة. وفزارة منادى بحرف نداء محذوف أي يا فزارة. ولا نافية. وهناك فعل ماض. والكاف مفعوله. والمرتع فاعله. والشاهد فيه قلب الهمزة في هنأك ألفا وكان القياس ان تجعل بين بين إلا أنه لما لم يتزن له البيت بحرف متحرك أبدل منها الألف ضرورة فقال هناك (والمعنى) انه يدعو على فزارة وكان على خراسان مسلمة فعزل عنها ووليها بعده رجل من فزارة فقال الفرزدق ذلك.

(٢) اللغة الهذيل قبيلة معروفة وكانوا وفدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسألوه أن يحل لهم الزنا وهذه هي الفاحشة التي سألوها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتصب من الاصابة.

الاعراب سالت فعل ماض. وهذيل فاعله. ورسول الله مفعوله الأول. وفاحشة مفعوله الثاني. وضلت فعل ماض. وهذيل فاعله. وقوله بما الباء للسببية وما مصدرية أي بسؤالها أو ما موصولة وقوله سالت صلة الموصول وفاعل سالت ضمير يعود إلى هذيل. والعائد محذوف أي سألته. وقوله ولم تصب جملة فعلية عطف على ضلت (والشاهد فيه) كالذي في سابقه.

٤٩٠

وقال ابنه عبد الرحمن :

يشجّج رأسه بالفهر واجي (١)

وقال سيبويه وليس ذا بقياس متلئبّ وإنما يحفظ عن العرب كما يحفظ الشيء الذي تبدل التاء من واوه نحو أتلج.

وقد حذفوا الهمزة في كل ومر وخذ حذفا غير قياسي ، ثم التزموه في اثنين دون الثالث فلم يقولوا أوخذ ولا أوكل. وقال الله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ).

حكم همزة أحمر :

وإذا خففت همزة الأحمر على طريقها فتحرّكت لام التعريف اتجه لهم في ألف اللام طريقان : حذفها وهو القياس ، وابقاؤها لطرو الحركة ، فقالوا لحمر وألحمر ومثل لحمر عاد لّولى في قراءة أبي عمرو ، وقولهم من لان في من الآن ، ومن قال ألحمر قال من لان بتحريك النون كما قرىء من رض أو ملان بحذفها كما قيل ملكذب.

إلتقاء همزتين :

وإذا التقت همزتان في كلمة فالوجه قلب الثانية إلى حرف لين كقولهم

__________________

(١) وكنت أذل من وتد بقاع. وهو له من أبيات يهجو بها ابن الحكم بن أبي العاص.

اللغة الوتد خشبة تربط إليها أطناب البيت. والقاع الأرض. ويشجج يدق. والفهر الحجر. والواجي اسم فاعل من وجأ بمعني طعن ودق.

الاعراب أذل خبر كان. والتاء اسمها. ومن وتد متعلق بأذل. وبقاع متعلق بمحذوف صفة وتد أي كائن بقاع. ويشجج فعل مضارع. ورأسه مفعوله. وبالفهر متعلق بيشجج. واجي فاعل يشجج. والجملة في محل جر صفة وتد (والشاهد فيه) إبدال همزة واجي بالياء وانما أصلها الهمزة.

٤٩١

آدم وأيمة وأويدم ، ومنه جائي وخطايا ، وقد سمع أبو زيد من بقول اللهم اغفر لي خطائئي ، قال همزها أبو السمح وردّاد ابن عمه وهو شاذّ ، وفي القراءة الكوفية أئمة. وإذا التقتا في كلمتين جاز تحقيقهما وتخفيف إحداهما بأن تجعل بين بين. والخليل يختار تخفيف الثانية كقوله تعالى : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها). وأهل الحجاز يخففونهما معا. ومن العرب من يقحم بينهما ألفا قال ذو الرمة :

آ أنت أم أمّ سالم (١)

وأنشد أبو زيد :

حزقّ إذا ما القوم أبدوا فكاهة

تفكّر آإياه يعنون أم قردا (٢)

وهي في قراءة ابن عامر. ثم منهم من يحقق بعد إقحام الألف. ومنهم من يخفف.

وفي اقرأ آية ثلاثة أوجه : أن تقلب الأولى ألفا ، وأن تحذف الثانية تلقي حركتها على الأولى ، وان تجعلا معا بين بين وهي حجازية.

__________________

(١) تقدم الكلام عليه في أول الكتاب وقد أورده هنا شاهدا على إقحام الألف بين الهمزتين.

(٢) لم يسم قائله.

اللغة الحزق القصير من الرجال. والفكاهة ما يتفكه به من الحديث.

الاعراب حزق مبتدأ. وإذا شرطية ظرفية. وما زائدة. والقوم مبتدأ. وأبدوا فعل وفاعل. وفكاهة مفعوله. والجملة خبر المبتدأ الثاني. وتفكر فعل ماض فاعله ضمير يعود إلى حزق. وآإياه الهمزة فيه للاستفهام. وإياه مفعول يعنون. ويعنون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله. وقوله أم قردا عطف على إياه. والجملة جواب إذا والشرط مع جوابه خبر المبتدأ الأول. وهو حزق (والشاهد فيه) كالذي في سابقه (والمعنى) ان هذا الرجل لقصره ودمامته إذا جلس لقوم فتكلموا بكلام يضحكون به تفكر ان القوم يعنونه بهذا الكلام أم القرد.

٤٩٢

الباب الخامس

التقاء الساكنين

حذف الساكن الأول :

يشترك فيه الأضرب الثلاثة. ومتى التقيا في الدرج على غير حدهما وحدهما أن يكون الأول حرف لين ، والثانى مدغما ، في نحو دابة ، وخويصّة ، وتمودّ الثوب ، وقوله تعالى : (قل أتحاجونا). لم يخل ، أولهما من أن يكون مدة أو غير مدّة ، فإن كان مدة حذف كقولك : لم يقل ، ولم يبع ، ولم يخف ويخشى القوم ، ويغزو الجيش ، ويرمي الغرض ، ولم يضربا اليوم ، ولم يضربوا الآن ، ولم تضربي ابنك ، إلا ما شذّ من قولهم آلحسن عندك ، وآيمن الله يمينك ، وما حكي من قولهم : حلقتا البطان. وإن كان غير مدة فتحريكه في نحو قولك لم أبله ، واذهب اذهب ، ومن ابنك ، ومذ اليوم ، وألم الله ، ولا تنسوا الفضل ، واخشوا الله ، واخشى القوم ، ومصطفى الله ، ولو استطعنا ، ومنه قولك الأسم والابن والإنطلاق والإستغفار ، أو تحريك أخيه في نحو قولك : انطلق ، ولم يلده ، ويتقه وردّ ، ولم يردّ ، في لغة بني تميم. قال :

٤٩٣

عجبت لمولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان (١)

حركة الساكن الأول :

والأصل فيما حرك منهما أن يحرك بالكسر ، والذي حرك بغيره فلأمر ، نحو ضمهم في نحو : وقالت اخرج عليهن ، وعذابن اركض ، وعيونن أدخلوها للإتباع ؛ وفي نحو أخشوا الله ، للفصل بين واو الضمير وواو لو. وقد كسرها قوم كما ضم قوم واو لو في لو استطعنا تشبيها بها ، وقرىء مر يبين الذي بفتح النون هربا من توالي الكسرات. وقد حركوا في نحو ردّ ولم يردّ بالحركات الثلاث ، ولزموا الضم عند ضمير الغائب ، والفتح عند ضمير الغائبة فقالوا ردّه وردّها ، وسمع الأخفش ناسا من بني عقيل يقولون مده وعضه بالكسر. ولزموا فيه الكسر عند ساكن يعقبه فقالوا : رد القوم. ومنهم من فتح وهم بنو أسد فقال :

فغضّ الطرف انك من نمير (٢)

__________________

(١) استشهد به كثيرون ولم يسم أحد قائله.

الاعراب عجبت فعل ماض. والتاء فاعله. والمولود متعلق بعجبت. وقوله وليس الواو للحال. وليس فعل ماض ناقص. وأب اسمها. وله خبرها مقدم. وذي ولد عطف على مولود. ولم حرف جازم. ويلده فعل مضارع مجزوم بلم. والهاء مفعوله. وأبوان فاعله.

(والشاهد فيه) انه نقل سكون الدال العارض بسبب الجازم إلى اللام قبلها تشبيها لها بكتف فسكن اللام (والمعنى) انه يعجب من مولود ليس له أب يعني بذلك عيسى عليه السّلام فانه ولد من غير أب. ويعجب ممن يلد ولم يكن ولده أبوان يعني بذلك آدم وحواء عليهما السّلام فانهما خلقا من غير أب ولا أم.

(٢) تمامه. فلا كعبا بلغت ولا كلابا. وهو لجرير من أبيات يهجو بها عبيد بن حصين الراعي أحد بني نمير. وكان الواحد من هؤلاء القوم إذا قيل له ممن الرجل قال من بني نمير ورفع بها صوته فلما قال فيهم جرير ذلك صاروا إذا قيل للواحد منهم ذلك قال من نمير وخفض بها صوته.

اللغة غض الطرف أي كف بصرك ذلا ومهانة. والطرف البصر. ونمير أبو قبيلة.

٤٩٤

وقال :

ذمّ المنازل بعد منزلة اللوى (١)

وليس في هلم إلا الفتح.

ولقد جدّ في الهرب من التقاء الساكنين من قال دأبّة وشأبّة ، ومن قرأ ولا الضألّين ولا جأنّ ، وهي عن عمرو بن عبيد ومن لغته النّقر في الوقف.

من :

وكسروا نون من عند ملاقاتها كل ساكن سوى لام التعريف فهي عندها مفتوحة ، تقول من ابنك ومن الرجل. وقد حكى سيبويه عن قوم فصحاء من ابنك بالفتح. وحكي في من الرجل الكسر ، وهي قليلة خبيثة. وأما نون عن فمكسورة في الموضعين وقد حكي عن الأخفش عن الرجل بالضم.

__________________

وكعب وكلاب قبيلتان.

الاعراب غض فعل أمر فاعله ضمير المتكلم. والطرف مفعوله. وانك ان حرف توكيد ونصب والكاف اسمها ومن نمير خبرها. ولا نافية. وكعبا مفعول. وبلغت فعل ماض. والتاء فاعله. ولا كلابا عطف على كعبا (والشاهد فيه) انه لما التقت الضاد ساكنة مع ما بعدها حركها بالفتح والقياس يقتضي تحريكها بالكسر هذا هو صريح كلام المصنف. إلا أن ابن يعيش قال في شرح هذا الكتاب فأما إذا لقي ساكنا بعده نحو رد الرجل وفل الجيش فالكسر دون الوجهين الآخرين لأنه لما كان الكسر جائزا لالتقاء الساكنين في الكلمة الواحدة ثم عرض التقاؤهما من كلمتين قوي سبب الكسر وصار الجائز واجبا لقوة سببه قال جرير. فغض الطرف. البيت ومنهم من يفتحه مع الألف واللام فجعل الشاهد فيه تحريك الضاد بالكسر لقوة سببه وهو التقاء الساكنين من كلمتين (والمعنى) أولى لك أن تكف بصرك ذلا ومهانة وتكف لسانك عن مفاخرة الناس فانك من قبيلة وضيعة. ولست من كعب ولا كلاب حتى تصاول وتفاخر.

(١) تقدم الكلام عليه في باب الموصولات والشاهد فيه هنا كالذي في سابقه.

٤٩٥
٤٩٦

الباب السادس

أوائل الكلم

الحالات التي تسكن فيها أوائل الكلم :

تشترك فيه الأضرب الثلاثة. وهي في الأمر العام على الحركة. وقد جاء منها ما هو على السكون. وذلك من الأسماء في نوعين : أحدهما أسماء غير مصادر وهي ابن وابنة وابنم واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة واسم واست وأيمن الله وأيم الله. والثاني مصادر الأفعال التي بعد ألفاتها إذا ابتدىء بها أربعة أحرف فصاعدا نحو انفعل وافتعل واستفعل تقول : إنفعال وافتعال واستفعال ، ومن الأفعال فيما كان على هذا الحد ، وفي أمثلة أمر المخاطب من الثلاثي غير المزيد فيه نحو اضرب واذهب ، ومن الحروف في لام التعريف وميمه في لغة طىء ، فهذه الأوائل ساكنة كما ترى يلفظ بها كما هي في حال الدرج ، فإذا وقعت في موضع الإبتداء أو وقعت قبلها همزات مزيدة متحرّكة ، لأنه ليس في لغتهم الإبتداء بساكن كما ليس فيها الوقوف على متحرّك.

وتسمى هذه الهمزات همزات الوصل ، وحكمها أن تكون مكسورة ، وإنما ضمت في بعض الأوامر ، وفيما بني من الأفعال. الواقعة بعد ألفاتها أربعة أحرف فصاعدا للمفعول للإتباع ، وفتحت في الحرفين وكلمتي القسم للتخفيف.

٤٩٧

وإثبات شيء من هذه الهمزات في الدرج خروج عن كلام العرب ولحن فاحش ، فلا تقل الإسم والإنطلاق والإقتسام والإستغفار ومن إبنك وعن إسمك وقوله :

إذا جاوز الإثنين سرّ فإنّه (١)

من ضرورات الشعر. ولكن همزة حرف التعريف وحدها إذا وقعت بعد همزة الإستفهام لم تحذف ، وقلبت ألفا ، لأداء حذفها إلى الإلباس.

إسكان أول هو وهي :

وأما اسكانهم أول هو وهي متصلتين بالواو والفاء ولام الابتداء وهمزة الاستفهام ولام الامر متصلة بالفاء والواو كقوله تعالى : (وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) وقوله تعالى : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) وقوله تعالى : (لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) وقول الشاعر :

* فقلت أهي سرت أم عادني حلم (٢) *

__________________

(١) تمامه. بنشر وافشاء الحديث قمين. والبيت لقيس بن الخطيم وانما قيل له خطيم لضربة كانت بانفه.

اللغة نشر الحديث وافشاؤه شيوعه بين الناس. وقمين أي حقيق وجدير.

الاعراب إذا ظرفية شرطية. وجاوز فعل ماض. والاثنين مفعوله. وسر فاعله. وان حرف توكيد ونصب. والهاء اسمها. وقمين خبرها. وبنشر متعلق بقمين. وافشاء عطف على نشر (والشاهد فيه) انه أثبت همزة الوصل في الدرج ضرورة ولو لا الضرورة لم يسغ إثباتها. ومثله قول الآخر.

لا نسب اليوم ولا خلة

إتسع الخرق على الراقع

فاثبت همزة اتسع في حال الوصل ضرورة الا أن هذا أسهل مما قبله في أول النصف الثاني. والعرب قد تسكت على أنصاف الأبيات وتبتديء بالنصف الثاني فكأن الهمزة فيه وقعت أولا.

(٢) صدره (فقمت للزور مرتاعا فأرقني) ولم أر من نسبه لقائله.

اللغة الزور الزائر. وروى صاحب اللسان بدله الطيف وهو ما يطوف على الانسان في النوم. وارقني منعني النوم. وسرت من السرى وهو السير ليلا. والحلم الرؤيا تكون في المنام.

٤٩٨

وقوله تعالى : (فَلْيَنْظُرْ) وقوله : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) فليس بأصل. وانما شبه الحرف عند وقوعه في ذا الموقع بضاد عضد وباء كبد ومنهم من لا يسكن.

__________________

الاعراب قمت فعل وفاعل. وللزور متعلق به. ومرتاعا خال من ضمير الفاعل. وارقني فعل ماض فاعله ضمير يعود إلى الزور. والياء مفعوله. وقلت فعل وفاعل. والهمزة للاستفهام. وهي مبتدأ. وسرت جملة فعلية في محل رفع خبر المبتدأ. وأم حرف عطف. وعادني فعل ماض والياء مفعوله. وحلم فاعله (والشاهد فيه) انه سكن هاء هي وليس ذلك بأصل وانما شبهها في هذا الموضع بضاد عضيد وباء كبد وقال صاحب اللسان فلما كانت أهي كقولك بهي خفف على قولهم في بهي (بكسر الهاء) بهي (بسكونها) وفي علم علم اه. (والمعنى) انه انتبه من نومه مذعورا لطروق طيف خيالها وزيارته له فقال أترى ان المحبوبة بنفسها زارته أم هذا الزائر طيف خيالها غبة الشوق على القوة المميزة فلم ببق عنده ما يمكنه أن يفرق به بين نفسها وطيف خيالها.

٤٩٩
٥٠٠