المفصل في صنعة الإعراب

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري

المفصل في صنعة الإعراب

المؤلف:

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

الباب الثامن

حرفا الخطاب

وهما الكاف والتاء اللاحقتان علامة للخطاب في نحو ذاك وذلك وأولئك وهناك وهاك وحيهلك والنجاك ورويدك ورأيتك وإياك وفي أنت وأنت.

وتلحقهما التثنية والجمع والتذكير والتأنيث كما تلحق الضمائر. قال الله تعالى : (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ،) وقال : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) ، وقال : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) وقال (عن تلكما الجنة) وقال (أولئك جعلنا لكم) وقال (كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ). وتقول أنتما وأنتم وأنتن.

ونظير الكاف الهاء والياء ، وتثنيتهما ، وجمعهما ، في إياه وإياي على مذهب أبي الحسن.

٤٢١
٤٢٢

الباب التاسع

حروف الصلة

ألفاظها : إن وأن وما ولا ومن والباء.

إن ، أن : في نحو قولك : ما أن رأيت زيدا. الأصل ما رأيت زيدا. ودخول أن صلة أكدت معنى النفي. قال دريد :

ما إن رأيت ولا سمعت به

كاليوم هانيء أينق جرب (١)

وعند الفرّاء إنهما حرفا نفي ترادفا كترادف حرفي التوكيد في أن زيدا لقائم. وقد يقال انتظرني ما ان جلس القاضي ، أي ما جلس بمعنى مدة جلوسه.

__________________

(١) اللغة هانيء اسم فاعل من هنأ الابل يهنأها ويهنئها ويهنؤها هنأ وهناء بكسر الهاء أي طلاها بالهناء وهو ضرب من القطران. وأنيق جمع ناقة. وجرب جمع أجرب للمذكر. وجرباء للأنثى ، والأجرب من به جرب ، وهو بثور تعلو أبدان الناس والابل.

الاعراب ما نافية. وان صلة لتأكيد النفي. ورأيت فعل وفاعل. وهانيء مفعوله. وأنيق جر بالاضافة إليه. وجرب صفة أنيق. وقوله ولا سمعت به عطف على رأيت (والشاهد فيه) ان إن زيدت في الكلام لتأكيد النفي. وعند المبرد هما حرفا نفي ترادفا (والمعنى) ما رأيت هانيء أينق جرب كالذي رأيته اليوم ولا سمعت به وكان رأي الخنساء أخت صخر تهنأ ابلا لها فقال فيها ذلك ثم خطبها من أبيها فعرض عليها ذلك فقالت ما كنت تاركة بني عمي كأنهم عوالي الرماح ومرتثة شيخ بني جثم هامة اليوم أوغد.

٤٢٣

وتقول في زيادة أن لما أن جاء أكرمته وأما والله أن لو قمت لقمت.

ما :

وغضبت من غير ما جرم ، وجئت لأمر ما ، وإنما زيد منطلق ، وأينما تجلس أجلس ، وبعين ما أرينك ، وقال تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ ،) وقال تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ،) وقال تعالى : (عَمَّا قَلِيلٍ ،) وقال تعالى : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ ،) وقال : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ،) وقال : (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ).

لا :

وقال تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ). أي لأن يعلم أهل الكتاب ، وقال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ). وقال العجاج :

في بئر لا حور سرى وما شعر (١)

ومنه ما جاءني زيد ولا عمرو ، وقال الله تعالى : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ ،) وقال الله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ).

من :

وتزاد من عند سيبويه في النفي خاصة لتأكيده وعمومه ، وذلك نحو قوله تعالى : (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ). والإستفهام كالنفي قال الله تعالى :

(هَلْ مِنْ مَزِيدٍ). وقال تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ). وعن

__________________

(١) اللغة الحور الهلكة. وسرى من السرى وهو السير ليلا.

الاعراب في بئر جار ومجرور متعلق بسرى. ولا زائدة. وحور مجرور باضافة بئر اليه. وسرى فعل ماض فاعله ضمير فيه. وجملة وما شعر عطف على جملة سرى (والشاهد فيه) زيادة لا في بئر قوله بين المتضايفين لا حور (والمعنى) ان هذا الرجل سرى في بئر هلكة وما علم بذلك وانه سيصير إلى الهلاك.

٤٢٤

الأخفش زيادته في الإيجاب.

الباء :

وزيادة الباء لتأكيد النفي والإيجاب في نحو ما زيد بقائم. وقالوا بحسبك درهم ، وكفى بالله.

٤٢٥
٤٢٦

الباب العاشر

حرفا التفسير

وهما أي وأن.

أي المفسرة :

تقول في نحو قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ.)

أي من قومه كأنك قلت : تفسيره من قومه ، أو معناه من قومه. قال الشاعر :

وترمينني بالطرف أي أنت مذنب

وتقلينني لكنّ إياك لا أقلي (١)

__________________

(١) لم يعزه أحد ممن استشهد به إلى قائله.

اللغة ترمينني بالطرف يريد انها نظرت إليه نظرة مغضب بطرف عينها. وتقلينني من القلي وهو غاية البغض والكراهة يقال قلاه يقليه مثل رماه يرميه وقليه يقلاه مثل رضيه يرضاه وقلاه يقلوه مثل رجاه يرجوه.

الاعراب ترمينني فعل مضارع مرفوع. والنون فاعله. والياء مفعوله. وبالطرف متعلق به. وأي حرف تفسير. وأنت مذنب جملة من مبتدأ وخبر مفسرة للجملة الفعلية. وتقلينني مثل ترمينني. ولكن من اخوات إن. واسمها ضمير شأن محذوف. والجملة بعدها خبرها. وإياك مفعول أقلي وأقلي فعل مضارع فاعله ضمير المتكلم والتقدير لكنه لا أقليك. وعلى هذا جرى ابن يعيش في شرح كتاب المفصل وأقرب من هذا أن يجعل اسم لكن المحذوف ضمير المتكلم والتقدير لكنني لا أقليك (والشاهد فيه) ان أي هنا حرف تفسير جاء ما بعدها تفسيرا لما قبلها وذلك لأن معنى ترمينني بالطرف أي تنظرين إليّ نظر مغضب ولا يكون ذلك إلا عن ذنب.

٤٢٧

أن المفسرة :

وأما أن المفسرة فلا تأتي إلا بعد فعل في معنى القول كقولك ناديته أن قم ، وأمرته أن أقعد ، وكتبت إليه أن أرجع. وبذلك فسر قوله عز وجل : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا ،) وقوله تعالى : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ).

٤٢٨

الباب الحادي عشر

الحرفان المصدريان

ما ، أن :

وهما ما وأن في قولك اعجبني ما صنعت وما تصنع ، أي صنيعك. وقال الله تعالى : (ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) أي برحبها. وقد فسر به قوله عز وجل : (وَالسَّماءِ وَما بَناها). وقال الشاعر :

يسرّ المرء ما ذهب الليالي

وكان ذهابهن له ذهابا (١)

وتقول : بلغني أن جاء عمرو ، وأريد أن تفعل ، وأنه أهل أن يفعل ، أي أهل الفعل وقال الله تعالى : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا).

وبعض العرب يرفع الفعل بعد أن تشبيها بما قال الشاعر :

أن تقرآن على أسماء ويحكما

مني السّلام وأن لا تشعرا أحدا (٢)

__________________

(١) لم أر من نسبه إلى قائله.

الاعراب يسر فعل مضارع. والمرء مفعوله. وما مصدرية. وذهب فعل ماض. والليالي فاعله. والجملة في تأويل مصدر فاعل يسر أي يسر المرء ذهاب الليالي. وذهابهن اسم كان. وذهابا خبرها. وله متعلق بذهابا (والشاهد والمعنى) ظاهران.

(٢) لم يسم أحد قائله.

٤٢٩

وعن مجاهد أن يتم الرضاعة بالرفع.

__________________

اللغة أسماء اسم محبوبته. وويح كلمة رحمة. وويل كلمة عذاب. وقيل بل هما بمعنى واحد.

الاعراب ان حرف مصدري ملغى عن العمل. وتقرآن فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعله. والجملة في محل نصب بدل من حاجة في البيت قبله وهو :

ان تحملا حاجة لي خف محملها

تستوجبا نعمة عندي بها ويدا

أو في محل رفع خبر هي المقدرة. وعلى أسماء متعلق بتقرآن وويح نصب على المصدرية. ومني متعلق بتقرآن. والسّلام مفعول تقرآن. وقوله وأن لا تشعرا أحدا عطف على ان تقرآن. (والشاهد فيه) انه أجرى أن المصدرية مجرى ما فابقى الفعل بعدها مرفوعا بالنون. ولو نصب بها لحذف النون. وهذه لغة بعض العرب. وزعم الكوفيون ان أن هذه هي المخففة الا أنها اتصلت بالفعل شذوذا. أقول والصواب ان ان هي المصدرية وأنها عاملة لا ملغاة وانما منع من ظهور أثر عملها الضرورة الشعرية. ولو كان من مذهب بعض العرب ومنهم هذا الشاعر اهمال أن حملا على المصدرية لم يعملها في موضعين ويهملها في موضع واحد. ألا ترى انه قال ان تحملا ثم قال وان لا تشعرا فان قيل انه ترك ذلك لضرورة الشعر قلنا ليس العدول عن الكثير المستعمل إلى النادر الشاذ للضرورة أولى من العكس فلم جوزتم أحدهما ومنعتم الآخر ، سيما وانه لم يرد ذلك في كلام منثور. ولو انه ورد لكان ومع ان إعمالها هو القياس المتبع المطرد المتفق عليه ، فكيف يثبت خلافه لوروده في مواضع محصورة مع قيام ضرورة تسوغ العدول عن الأصل. وأما قول الكوفيين إن أن هنا هي المخففة إلى آخر ما ذكروه فمع انه قول بلا دليل فهو خروج من ورطة إلى ما هو أشد منها وادهى.

٤٣٠

الباب الثاني عشر

حروف التحضيض

ألفاظها :

وهي لو لا ولوما وهلا وألا. تقول : لو لا فعلت كذا ، ولوما ضربت زيدا ، وهلا مررت به ، وألا قمت تريد استبطاءه وحثه على الفعل.

دخولها على فعل ماض أو مستقبل :

ولا تدخل إلا على فعل ماض أو مستقبل قال الله تعالى : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ،) وقال الله تعالى : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ ،) وقال تعالى : (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها). دخل لو لا على ترجعونها.

إضمار الفعل بعدها :

وإن وقع بعدها اسم منصوب أو مرفوع كان بإضمار رافع أو ناصب كقولك لمن ضرب قوما : لو لا زيد أي لو لا ضربته. قال سيبويه وتقول لو لا خيرا من ذلك ، وهلا خيرا من ذلك ، أي هلا تفعل خيرا من ذلك ، قال ويجوز رفعه على معنى هلا كان منك خير من ذلك. وقال جرير :

٤٣١

تعدّون عقر النيب أفضل مجدكم

بني ضوطرى لو لا الكميّ المقنّعا (١)

معنى آخر للو لا ولوما :

وللو لا ولوما معنى آخر وهو امتناع الشيء لوجود غيره. وهما في هذا الوجه داخلتان على اسم مبتدأ كقولك لو لا علي لهلك عمر.

__________________

(١) نسبه هنا لجرير وهو الصواب. وزعم ابن الشجري انه للأشهب بن زميلة وليس ذلك بصواب.

اللغة عقر الناقة إذا ضرب قوائمها بالسيف وربما قيل عقر الناقة بمعنى نحرها. والنيب جمع ناب وهي الناقة المسنة. وضوطرى هو الرجل الضخم اللئيم الذي لا غناء عنه ، ويقال يا ابن ضوطرى أي يا ابن الأمة. والكمي الشجاع المتكمي في سلاحه أي المتستر به. والمقنع الذي على رأسه البيضة والمغفر.

الاعراب تعدون فعل مضارع والواو فاعله. وعقر النيب مفعول أول. وأفضل مفعول ثان. وفي هذا دليل على أن عدّ تتعدى إلى مفعولين ولا يجوز جعل أفضل حالا كما قيل في قول عبيد (لا أعد الاقتار عدما ولكن) لأن الحال يجب تنكيرها. والكمي منصوب على انه مفعول لتعدون المقدر بتقدير مضاف. والمفعول الثاني محذوف أي لو لا تعدون عقر الكمي أفضل مجدكم. والمقنعا صفة الكمي (والشاهد فيه) تقدير الفعل بعد لو لا التحضيضية (والمعنى) انكم تعتقدون ان عقر الإبل المسنة أفضل مجدكم على انها لا ينتفع بها ولا يرجى نسلها هلا تعدون قتل الشجعان أفضل مجدكم وهذا تعريض بجبنهم وضعفهم.

٤٣٢

الباب الثالث عشر

حرف التقريب

قد للتحقيق والتقريب :

قد تقرّب الماضي من الحال إذا قلت قد فعل ، ومنه قول المؤذن قد قامت الصلاة لا بد فيه من معنى التوقع. قال سيبويه وأما قد فجواب هل فعل؟ وقال أيضا : فجواب لما يفعل. وقال الخليل هذا الكلام لقوم ينتظرون الخبر.

قد للتقليل :

وتكون للتقليل بمنزلة ربما إذا دخلت على المضارع كقولهم ان الكذوب قد يصدق.

حذف الفعل بعدها :

ويجوز الفصل بينه وبين الفعل بالقسم كقولك : قد والله أحسنت ، وقد لعمري بت ساهرا. ويجوز طرح الفعل بعدها إذا فهم كقوله :

أفد الترحل غير أن ركابننا

لما تزل برحالنا وكأن قد (١)

__________________

(١) هو للنابغة الذبياني من قصيدة أولها :

امن آل مية رائح أو مغتدي

عجلان ذا زاد وغير مزود

٤٣٣

__________________

اللغة أفد بمعنى قرب. ويروى أزف وهو مثله وزنا. ومعنى والترحل الرحيل. والركاب الإبل واحدتها راحلة من غير لفظها وليس لها واحد من لفظها.

الاعراب أفد فعل ماض. والترحل فاعله. وغير نصب على الاستثناء المنقطع. وان حرف توكيد ونصب. وركابنا اسمها. ولما حرف جزم. وتزل مضارع مجزوم بلما واسمها ضمير فيها يعود إلى الرجال. وبركابنا خبر تزل. والباء فيه للمصاحبة. وأن مخففة من الثقيلة والا فصح الغاؤها. وان أعملت فضمير الشأن المقدر اسمها والجملة المحذوفة بعد قد خبرها والتقدير وكأنها قد زالت. ونقل عن ابن جني في الخصائص انه جوز ان تكون قد هنا بمعنى حسبي وعليه فتكون قد هي الخبر نفسها والتقدير وكان ذلك حسبي (والشاهد فيه) طرح الفعل بعد قد لدلالة الكلام عليه وقد علمت بما نقلناه عن ابن جني انه غير متعين (والمعنى) قرب الرحيل الا ان ركابنا ورحالنا لم تنتقل وكأنها قد انتقلت وزالت.

٤٣٤

الباب الرابع عشر

حروف الإستقبال

ألفاظها :

وهي سوف والسين وأن ولا ولن. قال الخليل أن سيفعل جواب لن يفعل ، كما أن يفعل جواب لا يفعل ، لما في لا يفعل من اقتضاء القسم.

وفي سوف دلالة على زيادة تنفيس ، ومنه سوّفته كما قيل من آمين أمن.

وأن تدخل على المضارع والماضي فيكونان معه في تأويل المصدر. وإذا دخل على المضارع لم يكن إلا مستقبلا كقولك أريد أن تخرج ، ومن ثم لم يكن منها بدّ في خبر عسى. ولما انحرف الشاعر في قوله :

عسى طيء من طيء بعد هذه

ستطفىء غلات الكلى والجوانح (١)

__________________

(١) البيت لقسام بن رواحة القيسي من شعراء الحماسة.

اللغة طيء اسم قبيلة والمشار إليه بهذه الحالة المذكورة في الأبيات السابقة وهي :

لبئس نصيب القوم من أخويهم

طراد الحواشي واستراق النواضح

وما زال من قتلى رزاح بعالج

دم ناقع أو جاسد غير ماصح

دعا الطير حتى أقبلت من ضرية

دواعي دم مهراقه غير بارح

٤٣٥

عما عليه الإستعمال جاء بالسين التي هي نظيرة أن.

وهي مع فعلها ماضيا أو مضارعا بمنزلة أن مع ما في حيزها.

وتميم وأسد يحولون همزتها عينا فينشدون بيت ذي الرمة :

أأن ترسّمت من خرقاء منزلة (١)

أعن ترسمت ، وهي عنعنة بني تميم.

وقد مرّ الكلام في لا ولن.

__________________

وغلات جمع غلة وهي حرارة العطش. والكلى جمع كلية. والجوانح جمع جانحة وهي الضلوع القصار.

الاعراب عسى من الأفعال الناقصة. وطيء اسمها. وبعد نصب على الظرفية. وهذه في محل جر بالاضافة إليه. وقوله ستطفيء السين للتقريب وتطفىء فعل مضارع فاعله ضمير يعود إلى طيء الأولى. وغلات مفعوله منصوب بالكسرة. والكلى مجرور تقديرا بالاضافة إليه.

والجوانح عطف على الكلى. ومن طيء متعلق بقوله ستطفىء (والشاهد فيه) انه لما لم يكن بد من دخول أن في خبر عسى ولم يتمكن الشاعر من الاتيان بها لمكان الوزن اعتاض عنها بالسين لاشتراكهما في افادة معنى الاستقبال (والمعنى) عسى طيء أن تطفىء من طيء غلات الكلى والجوانح بأخذ ثار من قتل منهم وعدم الاجتزاء من صاحبهم بطرد الإبل وسرقة النواضح التي يستقى عليها الماء فان هذا لا يغنيهم شيئا.

(١) تمامه ماء الصبابة من عينيك مسجوم.

اللغة ترسمت الدار إذا تأملت رسمها. وخرقاء صاحبة ذي الرمة. والصبابة رقة الشوق. ومسجوم مصبوب.

الاعراب الهمزة للاستفهام. وان مصدرية. وترسمت فعل وفاعل. ومنزلة مفعوله. وان وما بعدها في تأويل مصدر أي لتوسمك من خرقاء. وماء مبتدأ. والصبابة جر بالاضافة إليه. ومسجوم خبره ومن عينيك متعلق به.

٤٣٦

الباب الخامس عشر

حرفا الإستفهام

الهمزة ، هل :

وهما الهمزة وهل في نحو قولك أزيد قائم؟ وأقام زيد؟ وهل عمرو خارج؟ وهل خرج عمرو؟ والهمزة أعم تصرّفا في بابها من أختها. تقول أزيد عندك أم عمرو؟ وأزيدا ضربت؟ وأتضرب زيدا وهو أخوك؟ وتقول لمن قال لك مررت بزيد : أبزيد ، وتوقعها قبل الواو والفاء وثم. قال الله تعالى : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً) ، وقال : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) ، وقال تعالى : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ). ولا تقع هل في هذه المواضع.

وعند سيبويه أن هل بمعنى قد إلا أنهم تركوا الألف قبلها لأنها لا تقع إلا في الإستفهام. وقد جاء دخولها عليها في قوله :

سائل فوارس يربوع بشدّتنا

أهل روانا بسفح القاع ذي الأكم (١)

__________________

(١) البيت لم يعزه أحد إلى قائل.

اللغة الفوارس الفرسان. ويربوع أبو قبيلة. والشدة بفتح الشين الحملة الشديدة.

والسفح منقطع الجبل وغيره. والقاع الأرض. والأكم جمع أكمة وهي ما نشز عن الأرض قليلا.

الاعراب سائل فعل أمر فاعله ضمير المتكلم. وفوارس مفعوله. ويربوع جر بالاضافة

٤٣٧

وتحذف الهمزة إذا دل عليها الدليل قال عمر بن أبي ربيعة :

لعمرك ما أدري وان كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان (١)

وللإستفهام صدر الكلام لا يجوز تقدم شيء مما في حيزه عليه لا تقول ضربت أزيدا وما أشبه ذلك.

__________________

إليه. وبشدتنا متعلق بسائل. وقوله أهل الهمزة للاستفهام التقريري وهو تقرير حصول مضمون ما بعدها. وهل بمعنى قد. ورأونا فعل ماض وفاعل ومفعول. ويسفح القاع متعلق برأونا. وذي الاكم صفة القاع (والشاهد فيه) اجتماع همزة الاستفهام وهل وقد استشهد المصنف بهذا البيت على مجيء هل بمعنى قد في تفسيره عند الكلام على قوله تعالى (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (والمعنى) اسأل فوارس هذه القبيلة عن حملتنا التي حملناها عليهم هل كانت قوية فقد رأونا بسفح تلك الأكمات وعرفوا مقدار شدتنا في حملتنا وصبرنا على ما نلاقيه من مصائب الحروب.

(١) البيت كما قال المصنف لعمر بن أبي ربيعة القرشي من أبيات شبب فيها بعائشة بنت طلحة بن عبيد الله ، وقد كان يتعشقها وكانت من أجمل نساء زمانها.

اللغة لعمرك يروى بدله فو الله وان كنت داريا يروى وان كنت حاسبا.

الاعراب عمرك مبتدأ ، وخبره محذوف وجوبا تقديره قسمي. وما نافية. وادري مرفوع تقديرا. وان حرف شرط جازم. وكنت كان الناقصة واسمها. وداريا خبرها. وجواب الشرط يدل عليه السياق. والجملة معترضة بين ادري ومعمولها. وقوله بسبع على حذف همزة الاستفهام أي أبسبع. وبسبع متعلق برمين. ورمين فعل وفاعل والضمير يعود إلى البنان المذكور في البيت قبله وهو :

بدالي منها معصم حين جمرت

وكف خضيب زينت ببنان

قال البدر الدماميني أو إلى المرأة وصواحباتها. والجمر مفعول رمين. وقوله ام بثمان عطف على بسبع (والشاهد فيه) حذف همزة الاستفهام من قوله بسبع حين دل الدليل عليها وهو أم في قوله أم بثمان فان أم لا تأتي الا ولها معادل.

٤٣٨

الباب السادس عشر

الشرط

حرفاالشرط :

وهما إن ولو يدخلان على جملتين فيجعلان الأولى شرطا والثانية جزاء كقولك : إن تضربني أضربك ، ولو جئتني لأكرمتك ـ خلا أنّ إن تجعل الفعل للإستقبال وان كان ماضيا ولو تجعله للمضي وإن كان مستقبلا كقوله تعالى : (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ). وزعم الفراء أن لو تستعمل في الإستقبال كإن.

فعلا الشرط والجزاء :

ولا يخلو الفعلان في باب إن من أن يكونا مضارعين ، أو ماضيين ، أو أحدهما مضارعا والآخر ماضيا. فإذا كانا مضارعين فليس فيهما إلا الجزم ، وكذلك في أحدهما إذا وقع شرطا ، فإذا وقع جزاء ففيه الجزم والرفع. قال زهير :

وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول لا غائب مالي ولا حرم (١)

__________________

(١) البيت له من قصيدة طويلة يمدح بها هرم بن سنان المري أولها :

قف بالديار التي لم يعفها القدم

بلى وغيرها الأرواح والديم

٤٣٩

دخول فاء الربط على فعل الجزاء :

وإن كان الجزاء أمرا ، أو نهيا ، أو ماضيا صريحا ، أو مبتدأ وخبرا ، فلا بدّ من الفاء كقولك : إن أتاك زيد فأكرمه ، وإن ضربك فلا تضربه ، وإن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس ، وإن جئتني فأنت مكرم. وقد تجيء الفاء محذوفة في الشذوذ كقوله :

من يفعل الحسنات الله يشكرها (١)

ويقام إذا مقام الفاء قال الله تعالى : (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ).

استعمال إن في المعاني المشكوك فيها :

ولا تستعمل إن إلا في المعاني المحتملة المشكوك في كونها ولذلك قبح إن احمرّ البسر كان كذا ، وإن طلعت الشمس آتك إلا في اليوم المغيم.

__________________

اللغة الخليل الفقير ذو الخلّة ، يقال اختل الرجل إذا قصر واحتاج. والحرم بفتح الراء وكسرها الممنوع وقيل الحرام كأنه قال ليس بحرام أن يعطي سائله منه وكأن الحرم بالفتح مصدر وبالكسر صفة.

الاعراب ان حرف شرط جازم. وأتاه فعل ماض. والهاء مفعوله. والضمير فيه إلى الممدوح. وخليل فاعل. ويوم مسغبة نصب على الظرفية. ويقول فعل مضارع فاعله ضمير الممدوح. ولا نافية. وغائب مبتدأ. ومالي خبر. وقوله ولا حرم عطف عليه. والجملة في محل نصب بالقول. (والشاهد فيه) رفع المضارع الواقع جزاء للشرط ويجوز فيه الجزم أيضا (والمعنى) انه ان أتاه سائل يسأله لم يتعذر بغيبة ماله عن اعطائه ولم يحرمه.

(١) عزاه سيبويه في كتابه وتبعه شارحوه لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت. ورواه جماعة لكعب بن مالك الانصاري. وتمامه. والشر بالشر عند الله مثلان.

الاعراب من شرطية. ويفعل فعل مضارع فعل الشرط مجزوم. وانما كسر لالتقاء الساكنين. وفاعله ضمير فيه يعود إلى من. والحسنات مفعوله. والله مبتدأ وجملة يشكرها خبره. والجملة جواب الشرط. وقوله والشر هو مبتدأ. وبالشر الباء فيه للمقابلة كما تقول قابلت احسانه بضعفه. ومثلان خبر المبتدأ (والشاهد فيه) انه حذف الفاء من جواب الشرط ضرورة أي فالله يشكرها. ومنع ذلك أبو العباس المبرد فقال لا يجوز ذلك حتى في الشعر.

٤٤٠