المفصل في صنعة الإعراب

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري

المفصل في صنعة الإعراب

المؤلف:

أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

الباب الثاني

الفعل المضارع

تعريفه :

وهو ما تعتقب في صدره الهمزة والنون والتاء والياء. وذلك قولك للمخاطب أو الغائبة تفعل ، وللغائب يفعل ، وللمتكلم أفعل. وله إذا كان مع غيره واحدا أو جماعة نفعل. وتسمى الزوائد الأربع. ويشترك فيه الحاضر والمستقبل. واللام في قولك إن زيدا ليفعل مخلصة للحال ، كالسين أو سوف للإستقبال. وبدخولهما عليه قد ضارع الأسم فأعرب بالرفع والنصب والجزم مكان الجر.

اتصاله بالضمائر :

وهو إذا كان فاعله ضمير اثنين أو جماعة أو مخاطب مؤنث لحقته معه في حال الرفع نون مكسورة بعد الألف مفتوحة بعد أختيها. كقولك : هما يفعلان ، وأنتما تفعلان ، وهم يفعلون ، وأنتم تفعلون ، وأنت تفعلين.

وجعل في حال النصب كغير المتحرك ، فقيل لن يفعلا ، ولن يفعلوا ، كما قيل لم يفعلا ولم يفعلوا.

وإذا اتصلت به نون جماعة المؤنث رجع مبنيا ، فلم تعمل فيه العوامل لفظا ، ولم تسقط كما لا تسقط الألف والواو والياء التي هي ضمائر لأنها

٣٢١

منها. وذلك قولك : لم يضربن ولن يضربن. ويبنى أيضا مع النون المؤكدة كقولك لا تضربنّ ولا تضربنّ.

وجوه إعرابه :

هي الرفع والنصب والجزم. وليست هذه الوجوه بأعلام على معان كوجوه إعراب الإسم ، لأن الفعل في الإعراب غير أصيل بل هو فيه من الأسم بمنزلة الألف والنون من الألفين في منع الصرف. وما ارتفع به الفعل وانتصب وانجزم غير ما استوجب به الإعراب. وهذا بيان ذلك :

٣٢٢

الفصل الأول : رفع المضارع

هو في الإرتفاع بعامل معنوي نظير المبتدأ وخبره. وذلك المعنى وقوعه بحيث يصح وقوع الأسم كقولك زيد يضرب كما تقول زيد ضارب ، رفعته لأن ما بعد المبتدأ من مظان صحة وقوع الأسماء. وكذلك إذا قلت يضرب الزيدان لأن من ابتدأ كلاما منتقلا إلى النطق عن الصمت لم يلزمه أن يكون أول كلمة تفوّه بها إسما أو فعلا ، بل مبدأ كلامه موضع خبره في أي قبيل شاء.

وقولهم كاد زيد يقوم وجعل يضرب وطفق يأكل ، الأصل فيه أن يقال قائما وضاربا وآكلا ولكن عدل عن الأسم إلى الفعل لغرض وقد استعمل الأصل فيمن روى بيت الحماسة :

فأبت إلى فهم وما كدت آيبا (١)

__________________

(١) تمامه. وكم مثلها فارقتها وهي تصفر. وهو لتأبط شرا من أبيات ذكرها في الحماسة.

اللغة أبت من آب يؤب إذا رجع. وفهم اسم قبيلة وهي فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان. وتصفر من صفير الطائر وهو صوته.

الاعراب أبت فعل وفاعل. وإلى فهم متعلق بأبت. وما نافية. وكدت من كاد

٣٢٣

__________________

الناقصة. والتاء اسمها. آيبا خبرها. وكم خبرية بمعنى كثير. ومثلها بالجر تمييزكم الخبرية. وفارقتها فعل وفاعل ومفعول. والجملة خبركم. وقوله وهي تصفر جملة اسمية وقعت حالا (والشاهد فيه) أنه استعمل خبر كاد إسما مفردا على الأصل وإنما قياسه الفعل. ويروي وما كنت وآيبا وعليه فلا شاهد (والمعنى) رجعت إلى هذه القبيلة بعد ما كدت أن لا أرجع عليها وكم مثلها من القبائل فارقتها وهي مقفرة من أهلها لا بادتي إياهم بالقتل.

٣٢٤

الفصل الثاني : نصب المضارع

حروف النصب :

انتصابه بأن وأخواته ، كقولك أرجو أن يغفر الله لي ، ولن أبرح الأرض ، وجئت كي تعطيني ، وأذن أكرمك.

وينصب بأن مضمرة بعد خمسة أحرف وهي : حتى ، واللام ، وأو بمعنى إلى ، وواو الجمع ، والفاء ، في جواب الأشياء الستة الأمر والنهي والنفي والإستفهام والتمني والعرض ، وذلك قولك : سرت حتى أدخلها ، وجئتك لتكرمني ، ولألزمنك أو تعطيني حقي ، ولا تأكل السمك وتشرب اللبن ، وائتني فأكرمك ، وقوله سبحانه وتعالى : (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) ، وما تأتينا فتحدثنا ، وأتأتينا فتحدثنا ، (فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا .. ويا ليتني كنت معهم فأفوز) وألا تنزل فتصيب خيرا.

ولقولك ما تأتينا فتحدثنا معنيان أحدهما ما تأتينا فكيف تحدثنا أي لو أتيتنا لحدثتنا. والآخر ما تأتينا أبدا إلا لم تحدثنا أي منك إتيان كثير ولا حديث منك وهذا تفسير سيبويه.

ويمتنع إظهار أن مع هذه الأحرف ، إلا اللام إذا كانت لام كي ، فإن الإظهار جائز معها ، وواجب إذا كان الفعل الذي تدخل عليه داخلة عليه لا ،

٣٢٥

كقولك : لئلا تعطيني. وأما المؤكدة فليس معها إلا التزام الإضمار.

حتى :

وليس بحتم أن ينصب الفعل في هذه المواضع بل للعدول به إلى غير ذلك معنى وجهة من الإعراب مساغ. فله بعد حتى حالتان : هو في إحداهما مستقبل أو في حكم المستقبل فينصب ، وفي الأخرى حال أو في حكم الحال فيرفع. وذلك قولك : سرت حتى أدخلها ، وحتى أدخلها ، تنصب إذا كان دخولك مترقبا لما يوجد ، كأنك قلت سرت كي أدخلها ، ومنه قولهم أسلمت حتى أدخل الجنة ، وكلمته حتى يأمر لي بشيء. أو كان متقضيّا إلا أنه في حكم المستقبل من حيث أنه في وقت وجود السير المفعول من أجله كان مترقبا. وترفع إذا كان الدخول يوجد في الحال كأنك قلت : حتى أنا أدخلها الآن ، ومنه قولهم مرض حتى لا يرجونه ، وشربت الإبل حتى يجيء البعير يجرّ بطنه أو تقضّى. إلا أنك تحكي الحال الماضية. وقرىء قوله تعالى :

(وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ ،) منصوبا ومرفوعا. وتقول كان سيري حتى أدخلها بالنصب ليس إلا. فإن زدت أمس وعلقته بكان أو قلت سيرا متعبا أو أردت كان التامة جاز فيه الوجهان. وتقول أسرت حتى تدخلها بالنصب. وأيهم سار حتى يدخلها بالنصب والرفع.

أو :

وقرىء قوله تعالى : (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُون) بالنصب على إضمار أن ، والرفع على الإشراك بين يسلمون وتقاتلونهم ، أو على الإبتداء كأنه قيل أو هم يسلمون. وتقول هو قاتلي أو أفتدي منه ، وإن شئت ابتدأته على أو أنا أفتدي وقال سيبويه في قول امرىء القيس :

فقلت له لا تبك عينك إنما

نحاول ملكا أو نموت فنعذرا (١)

__________________

(١) الاعراب فقلت فعل وفاعل عطف على بكى في البيت قبله وهو :

٣٢٦

ولو رفعت لكان عربيا جائزا على وجهين : على أن تشرك بين الأول والآخر كأنك قلت إنما نحاول ملكا أو إنما نموت ، وعلى أن يكون مبتدأ مقطوعا من الأول يعني أو نحن ممن يموت.

الواو :

ويجوز في قوله عز وجل (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) أن يكون تكتموا منصوبا ومجزوما كقوله :

ولا تشتم المولى وتبلغ أذاته (١)

وتقول زرني وأزورك بالنصب ، يعني لتجتمع الزيارتان فيه كقول ربيعة

__________________

بكي صاحبي لما رأى الدرب دونه

وأيقن أنا لاحقان بقصيرا

وله متعلق بقلت. ولا ناهية. وتبك فعل مضارع مجزوم بها بحذف حرف العلة.

وعينك فاعله. وإنما ملغاة عن العمل. ونحاول فعل مضارع فاعله ضمير المتكلمين. وملكا مفعوله. وقوله أو نموت منصوب بإضمار أن أي إلا أن نموت ، ويجوز رفعها بالعطف على نحاول أو على القطع. ونعذر عطف على نموت وألفه للاطلاق (والشاهد فيه) تجويز سيبويه رفع نموت على أحد وجهين عطفه على نحاول أو قطعه أي ونحن ممن يموت (والمعنى) ان رفيقه بكى لما وقع في بلاده فنهاه عن ذلك وقال له إنما خرجنا نطلب ملكا فإما أن نناله أو نعذر باليأس في عدم الحصول عليه بعدم التقصير في طلبه.

(١) تمامه. فانك ان تفعل تسفه وتجهل. أنشده سيبويه في كتابه وأغفل ذكر قائله.

اللغة الاذاة الأذية. وتسفه تنسب إلى السفه وهو وضع الشيء في غير موضعه وتجهل تكون جاهلا.

الاعراب لا ناهية. وتشتم فعل مضارع مجزوم بها. وبني على الكسر لالتقاء الساكنين. وفاعله ضمير المخاطب. والمولى مفعوله. وقوله وتبلغ يجوز نصبه بالواو وجزمه بالعطف على تشتم. واذاته مفعول تبلغ. والكاف في فانك إسم إن. وإن حرف شرط جازم ، وتفعل مجزوم بها فعل الشرط. وتسفه جوابها. وجملة تسفه خبر إن (والشاهد فيه) جواز الوجهين السابقين في تبلغ (والمعنى) لا تهن جارك ولا تؤذه فانك إن فعلت ذلك نسبك الناس إلى السفه وكنت جاهلا في فعلك.

٣٢٧

ابن جشم :

فقلت أدعي وأدعو إنّ أندى

لصوت أن ينادي داعيان (١)

وبالرفع يعني زيارتك على كل حال فلتكن منك زيارة كقولهم دعني ولا أعود. وإن أردت الأمر أدخلت اللام فقلت ولأزرك. وإلا فلا محمل لأن تقول زرني وأزرك لأن الأول موقوف. وذكر سيبويه في قول كعب الغنوي :

وما أنا للشيء الذي ليس نافعي

ويغضب منه صاحبي بقؤول (٢)

النصب والرفع. وقال الله تعالى : (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ ،) أي ونحن نقرّ.

__________________

(١) نسبه هنا إلى ربيعة بن جشم. وقال ابن يعيش هو للأعشى. ويقال إنه للحطيئة. وعزاه ابن بري لدثار بن شيبان النمري.

اللغة أندى أفعل تفضيل من الندى وهو بعد ذهاب الصوت.

الاعراب فقلت فعل وفاعل عطف على تقول في البيت قبله وهو :

تقول حليلتي لما اشتكينا

سيدركنا بنو القوم الهجان

وادعي فعل أمر فاعله ضمير المخاطبة. وادعو فعل مضارع منصوب باضمار أن وفاعله ضمير المتكلم. وأندى إسم ان. ولصوت في محل نصب صفة أندى. وان مصدرية. وينادي فعل مضارع منصوب بأن. وداعيان فاعله. والجملة خبر إن (والشاهد فيه) انتصاب أدعو بان مضمرة. قال ابن يعيش ليكن منك أن تدعي وادعو. وادعو يروى ادع على الأمر بحذف اللام (والمعنى) قلت لهذه المرأة ينبغي أن يجتمع صوتي وصوتك في الاستغاثة فان أرفع صوت دعاء داعيين.

(٢) الاعراب ما نافية. وأنا مبتدأ. وبقؤول خبره. والباء فيه زائدة. وللشيء متعلق بقؤول. والذي مبتدأ. وليس فعل ماض ناقص. واسمها ضمير يعود على الذي. ونافعي خبرها. والجملة في محل جزم صفة الشيء. ويغضب يجوز رفعه على انه داخل في صلة الذي أي والذي يغضب منه صاحبي. والنصب على انه معطوف على الشيء أو بالواو إن جعلت للمعية. وأنكر ابن الحاجب في أماليه على المفصل كون الواو للمعية. وقال انها للعطف وصاحبي فاعل يغضب (والشاهد فيه) جواز الوجهين السابقين في يغضب (والمعنى) لا أقول ما لا نفع لي فيه ولا ما يضر صاحبي ويؤذيه.

٣٢٨

الفاء :

ويجوز ما تأتينا فتحدثنا الرفع على الإشتراك. كأنك قلت ما تأتينا فما تحدثنا ونظيره قوله تعالى : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ). وعلى الإبتداء كأنك قلت ما تأتينا فأنت تجهل أمرنا. ومثله قول العنبري :

غير أنّا لم تأتنا بيقين

فنرجيّ ونكثر التأميلا (١)

أي فنحن نرجي. وقال :

ألم تسأل الرّبع القواء فينطق

وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق (٢)

__________________

(١) نسبه هنا للعنبري وربما كان هو قريط بن أنيف. وقال البغدادي إنه من شواهد سيبويه التي لم يعرف لها قائل.

اللغة نرجي من الرجاء والتأميل مصدر أملته إذا رجوته.

الاعراب غير نصب على الاستثناء مما قبله. انا حرف توكيد ونصب. ولم حرف جازم. وتأتنا فعل مضارع مجزوم بلم. وفاعله ضمير المخاطب. ونا مفعوله. وبيقين متعلق به. والجملة خبر أن. وقوله فنرجي الفاء استئنافية. ونرجي فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة. وفاعله ضمير المتكلمين. ونكثر عطف عليه مثله. والتأميلا مفعول نكثر. وألفه للاطلاق (والشاهد فيه) انه قطع نرجي عن تأتنا ولو انه وصله به لحذف منه حرف العلة بالعطف على المجزوم.

(٢) البيت مطلع قصيدة لجميل بن معمر العذري صاحب بثينة. وكان خرج إلى الشام ثم رجع وبلغ بثينة مقدمه فراسلته مع امرأة من نساء الحي تذكر شوقها اليه وواعدته بموضع يلتقيان فيه. فصار اليها وحادثها. وكان أهلها قد رصدوها فلما فقدوها خرج أبوها وأخوها حتى هجما عليهما. فوثب جميل وسل سيفه وشد عليهما فما اتقياه الا بالفرار وناشدته بثينة بالانصراف. وقالت ان أقمت فضحتني فلم تزل به حتى انصرف. وقال هذه القصيدة.

اللغة الربع الدار مطلقا. والقواء القفر. والبيداء كذلك. والسملق التي لا شيء فيها.

الاعراب الهمزة في ألم للاستفهام. ولم حرف شرط جازم. وتسأل فعل مضارع مجزوم بلم. فاعله ضمير المخاطب. والربع مفعوله. والقواء صفة الربع. وينطق قال الأعلم انه

٣٢٩

قال سيبويه لم يجعل الأول سبب الآخر ، ولكنه جعله ينطق على كل حال. كأنه قال فهو مما ينطق ، كما تقول ائتني فأحدثك ، أي فأنا ممن يحدثك على كل حال. وتقول ودّ لو تأتيه فتحدثه. والرفع جيد كقوله تعالى :

(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ). وفي بعض المصاحف فيدهنوا وقال ابن أحمر :

يعالج عاقرا أعيت عليه

ليلقحها فينتجها حوارا (١)

كأنه قال يعالج فينتجها. وإن شئت على الإبتداء.

أن :

وتقول أريد أن تأتيني ثم تحدثني ويجوز الرفع. وخير الخليل في قول عروة العذري :

وما هو إلا أن أراها فجاءة

فأبهت حتّى ما أكاد أجيب (٢)

__________________

مرفوع على الاستئناف والقطع كأنه قال فهو ينطق ولو أمكنه النصب على الجواب لكان أحسن. ويخبرنك فعل مضارع ومفعول. والنون فيه نون التوكيد الخفيفة. واليوم نصب على الظرفية. وبيداء فاعل يخبر. وسملق صفة بيداء (والشاهد فيه) رفع ينطق على الاستئناف والقطع كما تقدم (والمعنى) ألم تسأل المنزل الخالي عن أهله. ثم أنكر ذلك على نفسه فقال وكيف يجيب السؤال أرض مقفرة لا شيء فيها.

(١) اللغة العاقر التي لا تلد. وأعيت من أعياه الأمر إذا تعذر عليه. ويلقحها من اللقاح وهو الضراب. وينتجها يولدها. والحوار ولد الناقة.

الاعراب يعالج فعل مضارع فاعله ضمير يعود إلى البعير. وعاقرا مفعوله وهو صفة موصوف محذوف أي ناقة عاقرا. وأعيت فعل ماض فاعله ضمير يعود إلى الناقة. وعليه متعلق بأعيت. والجملة في محل نصب صفة المفعول. ويلحقها فعل مضارع منصوب باللام. والفاعل ضمير يعود إلى البعير. والضمير المتصل مفعوله. وينتجها يجوز رفعه عطفا على يعالج أو على القطع والاستئناف. ونصبه عطفا على يلقحها وحوارا مفعول ينتجها (والشاهد فيه) رفع ينتجها على العطف على يعالج أو على الابتداء (والمعنى) ان هذه الناقة عاقر لا تلد فالفحل يطرقها مرة بعد أخرى لتحمل فتلد.

(٢) اللغة الفجاءة بالمد البغتة يقال فجئت الرجل أفجؤه من باب تعب إذا جئته بغتة.

٣٣٠

بين الرفع والنصب ، في فأبهت. ومما جاء منقطعا قول أبي اللحام التغلبي :

على الحكم المأتي يوما إذا قضى

قضيته أن لا يجور ويقصد (١)

أي عليه غير الجور وهو يقصد ، كما تقول عليه أن لا يجور ، وينبغي

__________________

وابهت من باب قرب وتعب أي أدهش وانجد.

الاعراب ما نافية وهو مبتدأ يفسره خبره كقوله تعالى (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا). قال الزمخشري هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه وأصله ان الحياة إلا حياتنا الدنيا وليس هو ضمير الشأن كما زعم الرضي وبعض شراح المفصل لأن ان لا بد وأن يفسر بجملة وليس هنا جملة فيفسر بها. وأما أن أراها فهو في تأويل المفرد لأن ان مصدرية لا مخففة كما ستراه من عبارة سيبويه. وأراها فعل مضارع. فاعله ضمير المتكلم. والضمير المتصل مفعوله وأرى هنا بصرية فلا تنصب غير مفعول واحد. وضبط في بعض نسخ المفصل بضم الهمزة فهو من أري المتعدي بالهمزة إلى مفعول ثان. فالمفعول الأول نائب الفاعل وهو ضمير المتكلم ، والثاني ضمير الغيبة. وفجاءة مفعول مطلق أي رؤية فجأة والمصدر المنسبك من أن مع مدخولها خبر المبتدأو قوله فأبهت يروى بالنصب عطفا على أراها من عطف المفرد أي إلا الرأي والبهت. والرفع على الاستئناف فهو خبر مبتدأ محذوف أي فأنا أبهت. وحتى هنا ابتدائية ومعناها الغاية. وما نافية. واكاد فعل مضارع ناقص. وضمير المتكلم اسمه.

وجملة أجيب خبره. ومفعول أجيب محذوف أي أجيبها (والشاهد فيه) أن أبهت يروى منصوبا ومرفوعا قال سيبويه : سألت الخليل عن قول الشاعر (وما هو الا أن أراها) فقال أنت بالخيار ان شئت حملتها على ان ، وان شئت لم تحملها فرفعت كأنك قلت ما هو الا الرأي فأبهت.

(١) اللغة الحكم من يحكم بين الناس. والمأتي الذي يأتيه الناس للحكم بينهم. وقضيته قضاؤه. والجور الميل عن الحق وضده القصد.

الاعراب على الحكم خبر مقدم. والمأتي صفة الحكم. ويوما نصب على الظرفية. وإذا ظرفية. وقضى فعل ماض فاعله ضمير يعود إلى الحكم. وقضيته مفعوله. وان مصدرية. ولا نافية. ويجوز فعل مضارع منصوب بأن. وفاعله ضمير يعود إلى الحكم. والمصدر مبتدأ أي عدم الجور حق على الحكم. وجملة ويقصد خبر مبتدأ محذوف أي وهو يقصد (والشاهد فيه) انه قطع يقصد عن يجور ولو نصب على انه معطوف عليه لم يمتنع ذلك.

٣٣١

له كذا. قال سيبويه : ويجوز الرفع في جميع هذه الحروف التي تشرك على هذا المثال.

٣٣٢

الفصل الثالث : جزم المضارع

الجزم بحروف الجزم وأسمائه :

تعمل فيه حروف واسماء ، نحو قولك لم يخرج ، ولما يحضر ، وليضرب ، ولا تفعل ، وإن تكرمني أكرمك ، وما تصنع أصنع بك ، وأيا تضرب أضرب ، وبمن تمرر أمر به.

الجزم بأن مضمرة :

ويجزم بأن مضمرة إذا وقع جوابا لأمر أو نهي أو استفهام أو تمن أو عرض ، نحو قولك أكرمني أكرمك ، ولا تفعل يكن خيرا لك ، وألا تأتني أحدثك ، وأين بيتك أزرك ، وألا ماء أشربه ، وليته عندنا يحدثنا ، وألا تنزل تصب خيرا. وجواز إضمارها لدلالة هذه الأشياء عليها. قال الخليل إن هذه الأوائل كلها فيها معنى إن فلذلك انجزم الجواب.

الجزم بما فيه معنى الأمر :

وما فيه معنى الأمر والنهي بمنزلتهما في ذلك تقول اتقى الله امرؤ وفعل خيرا يثب عليه ، معناه ليتق الله وليفعل خيرا ؛ وحسبك يتم الناس.

وحق المضمر أن يكون من جنس المظهر. فلا يجوز أن تقول : لا تدن

٣٣٣

من الأسد يأكلك ، بالجزم ، لأن النفي لا يدل على الإثبات ، ولذلك امتنع الإضمار في النفي فلم يقل ما تأتينا تحدثنا ، ولكنك ترفع على القطع كأنك قلت : لا تدن منه فإنه يأكلك وان أدخلت الفاء ونصبت فحسن.

الجزم على الجزاء :

وإن لم تقصد الجزاء فرفعت كان المرفوع على أحد ثلاثة أوجه : اما صفة كقوله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي ،) أو حالا كقوله تعالى : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ،) أو قطعا واستئنافا كقولك لا تذهب به تغلب عليه ، وقم يدعوك. ومنه بيت الكتاب :

وقال رائدهم أرسوا نزاولها (١)

ومما يحتمل الأمرين الحال والقطع قولهم : ذره يقول ذاك ، ومره يحفرها وقول الأخطل :

__________________

(١) نسبه سيبويه في الكتاب للأخطل وليس هو في ديوان شعره الذي رأينا وتمامه. فكل حتف أمرىء يجري بمقدار.

اللغة الرائد المقدم. وارسوا أي أقيموا من أرسيت السفينة التي حبستها بالمرساة. ونزاول من المزاولة وهي المحاولة والحتف الموت.

الاعراب قال فعل ماض. ورائدهم فاعله. وارسوا فعل أمر فاعله جماعة المخاطبين. ونزاولها فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة. وضمير المتكلمين فاعل. والضمير المتصل مفعول وهو يعود إلى الحرب. والجملة في محل رفع خبر مبتدأ محذوف أي نحن نزاولها. وكل مبتدأ وجملة يجري بمقدار خبره. (والشاهد فيه) استئناف نزاولها وقطعه عن أرسو ولذلك رفعه قال سيبويه في الكتاب وتقول إئتني آتك فتجزم على ما وصفنا وإن شئت رفعت على أن لا تجعله معلقا ولكنك تبتدئه وتجعل الأول مستغنيا عنه أه (والمعنى) قال مقدم القوم لمن معه أقيموا نضرم نار الحرب ونعالجها فان موت كل أحد بمقدار لا يؤخره الإحجام ولا يعجله الإقدام.

٣٣٤

كروا إلى حرّتيكم تعمرونهما (١)

وقوله تعالى : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى).

وتقول إن تأتني تسألني أعطك وإن تأتني تمشي أمش معك ، ترفع المتوسط. ومنه قول الحطيئة :

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد (٢)

وقال عبيد الله بن الحرّ :

__________________

(١) تمامه كما تكر إلى أوطانها البقر.

اللغة كروا أي ارجعوا. والحرة أرض ذات حجارة سود وهي حرة بني سليم وثناها بحرة أخرى تجاورها.

الاعراب كروا فعل وفاعل. وإلى حرتيكم متعلق به. وتعمرونهما فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو فاعله والهاء مفعوله. وقوله كما الكاف للتشبيه وما مصدرية هي وما بعدها في تأويل مصدر مجرور أي ككر البقر. وتكر فعل مضارع والبقر فاعله وإلى أوطانها متعلق بتكر (والشاهد فيه) رفع تعمرونهما إما على الاستئناف وقطعه عما قبله وإما على الحال كأنه قال عامر بن أي مقدرين ذلك وصائرين إليه ولو أمكنه الجزم على الجواب لجاز (والمعنى) يعيرهم بنزول الحرة لحصانتها وامتناعها على طلابها ويقول ارجعوا إلى بلادكم فالاقامة فيها خير لكم من النزول هنا.

(٢) اللغة تعشو أي تأتي على غير هداية فتهتدي بضوء ناره وقال ابن يعيش عشوته إذا قصدته ظلاما ثم اتسع فقيل لكل قاصد عاش.

الاعراب متى اسم شرط جازم. وتأته مجزوم به وهو فعل وفاعل ومفعول. وتعشو فعل مضارع فاعله ضمير المخاطب. وإلى ضوء ناره متعلق بتعشو. والجملة في محل نصب حال من الفاعل في تأته أي تأته عاشيا في الظلام. وتجد فعل الشرط مجزوم وخير نار مفعول تجد. وعندها خير موقد جملة ابتدائية في محل جر صفة نار.

(والشاهد فيه) انه رفع الفعل المتوسط بين فعل الشرط وجوابه وهو تعشو. (والمعنى) متى تأت هذا الممدوح وهو بغيض بن عامر عاشيا إلى ضوء ناره المضرمة ليلا تجد أنفع نار للدفء والأكل عند أفضل موقد لاكرام الضيفان واطعامهم.

٣٣٥

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأججا (١)

فجزمه على البدل.

وتقول إن تأتيني آتك فأحدثك بالجزم ، ويجوز الرفع على الإبتداء.

وكذلك الواو وثم قال الله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ.)

وقرىء ويذرهم بالجزم وقال تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ ،) وقال : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ).

وسأل سيبويه الخليل عن قوله تعالى : (رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) مِنَ الصَّالِحِينَ فقال هذا كقول عمرو بن معد يكرب :

دعني فأذهب جانبا

يوما وأكفك جانبا (٢)

وكقوله :

__________________

(١) اللغة تلم من الالمام وهو الاتيان والنزول. والجزل من الحطب الغليظ منه. وتأجج أي اضطرم وتوقد.

الاعراب تأتنا فعل مضارع وفاعل ومفعول مجزوم بمتى. وتلمم بدل من تأتنا لأنه من جنسه. وتجد جواب الشرط. وحطبا مفعوله. وجزلا صفة حطب. ونارا عطف على حطبا. وتأجج فعل ماض. والفاعل ضمير يعود إلى النار وهي مؤنثة وقد تذكر. (والشاهد فيه) جزم تلمم على البدل من تأتنا.

(٢) نسبه المصنف إلى عمرو بن معد يكرب وانكر غيره أن يكون له.

الاعراب دعني فعل أمر وفاعل ومفعول. واذهب منصوب بأن بعد فاء السببية. وفاعله ضمير المتكلم. وجانبا نصب على الظرفية. ويوما مثله. وقوله واكفك عطف على اذهب وهو مجزوم في جواب الأمر على توهم سقوط الفاء من المعطوف عليه. وجانبا مفعول ثان لاكفك (والشاهد فيه) انه عطف اكفك مجزوما على جواب الأمر المنصوب وهو فاذهب على توهم سقوط فاء السببية (والمعنى) اتركني اذهب في جانب من الأرض واكفك جانبا من الجواب التي تتوجه إليها.

٣٣٦

بدالي أني لست مدرك ما مضي

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (١)

أي كما جروا الثاني لأن الأول قد تدخله الباء فكأنها ثابتة فيه فكذلك جزموا ، الثاني لأن الأول يكون مجزوما ولا فاء فيه فكأنه مجزوم.

وتقول والله إن أتيتني لا أفعل كذا بالرفع ، وأنا والله إن تأتيني لا آتك بالجزم ، لأن الأول لليمين والثاني للشرط.

__________________

(١) اضطرب سيبويه في قائله فتارة ينسبه لزهير وتارة ينسبه لابن خلف. قال الأعلم الشنتمري النحوي في شرح ديوان زهير وقد أنكر الأصمعي أن تكون هذه القصيدة من شعر زهير. قال ومن قرأ شعر زهير علم انها ليست منه.

الاعراب بدا فعل ماض. ولي متعلق به في محل نصب مفعوله. واني حرف توكيد ونصب. والياء اسمها. وليس فعل ماض ناقص. والتاء اسمها. ومدرك خبرها. وما موصولة في محل جر بالاضافة. ومضى فعل ماض فاعله ضمير يعود إلى الذي. والجملة من ليس واسمها وخبرها خبر أن. والمصدر المنسبك من أن واسمها وخبرها فاعل بدا. وقوله ولا سابق جر بالعطف على مدرك على توهم الباء فيه لكثرة دخول الباء في خبر ليس. وشيئا مفعول سابق. وفاعله الضمير المستتر فيه. وإذا ظرفية. وكان ناقصة واسمها ضمير يعود إلى الشيء. وجائيا خبرها وجواب إذا يدل عليه السياق (والشاهد فيه) جر سابق بالعطف على مدرك لتوهم دخول الباء عليه كما سبق.

٣٣٧
٣٣٨

الباب الثالث

الأمر

كيف يصاغ الأمر من المضارع :

وهو الذي على طريقة المضارع للفاعل المخاطب لا تخالف بصيغته صيغته ، إلا أن تنزع الزائدة فتقول : في تضع ضع ، وفي تضارب ضارب ، وفي تدحرج دحرج ، ونحوها مما أوله متحرك ؛ فإن سكن زدت همزة وصل لئلا يبتدأ بالساكن ، فتقول في تضرب إضرب ، وفي تنطلق وتستخرج إنطلق وإستخرج ، والأصل في تكرم تأكرم كتدحرج فعلى ذلك خرج أكرم.

وأما ما ليس للفاعل فإنه يؤمر بالحرف داخلا على المضارع دخول لا ولم ، كقولك لتضرب أنت ، وليضرب زيد ، ولأضرب أنا. وكذلك ما هو للفاعل وليس بمخاطب كقولك ليضرب ريد ولأضرب أنا.

وقد جاء قليلا أن يؤمر الفاعل على المخاطب بالحرف ومنه قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم (فبذلك فلتفرحوا).

وهو مبني على الوقف عند أصحابنا البصريين. وقال الكوفيون هو مجزوم باللام مضمرة وهذا خلف من القول.

٣٣٩
٣٤٠