الأصول في النحو - ج ٢

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ٢

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-406-X
الصفحات: ٥٣٥

منقلبة لوجب إمالة (حتى) ؛ لأن الألف إذا كانت رابعة في اسم أو فعل فهي منقلبة فليس لك أن تقول في ألف (لا) إنّها منقلبة من شيء ولا ألف (ما) ولا (يا) ؛ لأن الحروف حكمها حكم الأصوات المحكية ولذلك بنيت.

وقال الأخفش : لم يجيء من هذا الباب مما علمنا إلا هذه الثلاثة يعني : حاحيت وهاهيت وعاعيت.

وقال محمد بن يزيد : مما يسأل عنه فيما جاء على أصله من بنات الواو التي على (فعل) نحو : الخونة والحوكة والقود هل في الياء مثل هذا وقد استويا في : عور وصيد البعير قال :والجواب في ذلك : أنّ عور وصيد فعلان جاءا في معنى ما لا يعتل من الأفعال فصحا ليدلا عليه نحو : اعورّ واصيدّ كما صحّ : اجتوروا واعتونوا إذا أردت معنى : تجاوروا وتعاونوا فأمّا :الخونة والحوكة ونحوهما فإنّما كان ذلك في الواو لأنّها تباعدت من الألف فثبت كما ثبت ما ردّ إلى الأصل ولم تجيء الياء في : ناب وغار وباعه ولا في شيء منه على الأصل لشبه الياء بالألف لأنّها إليها أقرب وبها أحقّ ألا ترى أنّ (باب) : قوقيت وضوضيت يظهر فيه الواو لا يأتي ما كان من بنات الياء في هذا الباب إلّا مقلوبا نحو : حاحيت وعاعيت وإنّما هو (فعللت).

قال أبو بكر : ولمعترض أن يعترض بقولهم : غيب وصيد ، فجوابه أن يقال له : (صيد) صحّ كما صحّ فعله وصحّ (عور) أيضا مثله ويجوز أن يكون : (غيب) شبه بصيد ، وإن كان جمع (غائب) ؛ لأنه يجوز أن يكون ينوي به المصدر.

قال : قول سيبويه في باب : على وإلى ولدى لم انقلبت الألف فيهنّ مع المضمر في قولك : عليك وإليك ولديك وكذلك : جاءني كلام الرجلين ورأيت كلا الرجلين ومررت بكلام الغلامين فإذا اتصل بذلك مضمر في موضع جرّ أو نصب قلبت الألف ياء فقلت : رأيت كليهما ومررت بكليهما وفي الرفع تبقى على حالها فتقول : جاءني أخواك كلاهما فزعم سيبويه :أنّ ذلك ؛ لأن (على وإلى ولدى) ظروف لا يكنّ إلا نصبا أو جرا كقولك : غدت من عليه فشبهت (كلا) مع المضمر بهنّ في الموضع الذي يقعن فيه منقلبات ولم تكن مما ترتفع فبقيت (كلا) في الرفع على حالها وشبه (كلا) بهن لأنّها لا تفرد كما لا يفردن.

٤٤١

قال أبو العباس : قيل لسيبويه : أنت تزعم أنّ الألفات في (على) ونحوها منقلبات من واو ويستدل على ذلك بأنّ الألفات لا تكون فيها إمالة ولو سمي رجل بشيء منهنّ قال في تثنيته :علوان وألوان فلم قلبتها مع المضمر ياء هلّا تركتها على حالها فقلت : علاك وإلاك كما يقول بعض العرب. قال : فقال : من قبل أنّ هاتين يعني : على ولدى اسمان غير متمكنين و (إلى) حرف جاء لمعنى.

ففصل بين ذلك وبين الأسماء المتمكنة فقيل له : فهلّا فصلت بينها مع الظاهر أيضا فقال :لأن المضمر يتصل بها.

قيل : فبين وعند ونحو ذلك غير متمكنة فلم لا فصلت أيضا بينها وبين المتمكنة قال : لأن الواو والياء والألف من الحظّ في إبدال بعضهن من بعض ما ليس لسائر الحروف قيل له : فما بال قولك : فيكم وفينا وفيّ بمنزلة : مسلميك ونحوها وما علمت بين هذين فصلا مقنعا قال : والقول عندي في هذا أنّ هذه الحروف لمّا كانت لا تخلو من الإضافة كما لا يخلو من الفاعل بنوها على المضمر على إسكان موضع اللام منها كما فعل ذلك الفعل بالفعل مع الفاعل والحجة واحدة ، وأما (كلا) فإنّما أشبهتهنّ في الجرّ والنصب على ما قال سيبويه. قال : وهذا القول مذهب الفراء وأصحابه.

قال أبو العباس : في هذا الباب نظر أكثر من هذا وقد صدق.

وقال : زعم أصحاب الفراء عنه أنه كان يقول في بنات الحرفين من الأسماء نحو : أخت وبنت وقلة وثبة وجميع هذا المحذوف أنّ كلّ شيء حذفت منه الياء فأوله مكسور ليدلّ عليها وكلّ ما حذفت منه الواو فأوله مضموم يدلّ عليها فأخت من قولك : أخوات وبنت كسر أولها ؛ لأن المحذوف (ياء) وقلة المحذوف (واو) فيقال له أمّا (قلة) فما تنكر أن تكون من (قلوت) إذا طردت وقولك في (بنت) دعوى ويبطل ما تقوله (عضة) ؛ لأن أولها مكسور وهي من الواو يقال في جمعها (عضوات). قال الشاعر :

هذا طريق يآزم المآزما

وعضوات تقطع اللهازما

٤٤٢

وكان يلزمه أن يضمّ أول (سنة) فيمن قال (سنوات) لأنّها من الواو وكذلك : هنة هنوات ينشدون فيها :

أرى ابن نزار قد جفاني وملنّى

على هنوات شأنها متتابع

قال أبو العباس : الذاهب من (ابن) واو كما ذهب من (أب وأخ).

فإن قيل : فما الدليل عليه وليس براجع في تثنية ولا جمع ما يدلّ على أحدهما دون الآخر قلنا : نستدلّ بالنظائر أمّا (ابن) فإنّك تقول في مؤنثه : (ابنة) وتقول : (بنت) من حيث قلت : (أخت) ومن حيث قلت : (هنت) ولم نر هذه التاء تلحق مؤنثا إلّا ومذكره محذوف الواو يدلك على ذلك (أخوان) ومن ردّ في هن قال : هنوان.

قال : وأما (اسم) فقد اختلف فيه.

فقال بعضهم : هو (فعل). وقال بعضهم : (فعل) وأسماء تكون جمعا لهذا الوزن وهذا الوزن تقول في جذع : أجذاع كما تقول في (قفل) : أقفال وهذا لا تدرك صيغته إلا بالسمع وأكثرهم أنشد :

في كلّ سورة سمه ...

فضمه وجاء به على (فعل) وأنشد بعضهم : (سمه) فكسر السين وهو أقل وأنشد أبو زيد فذكر الوجهين :

فدع عنك ذكر اللهو واعمد لمدحة

لغير معدّ كلّها حيثما انتمى

لأعظمها قدرا وأكرمها أبا

وأحسنها وجها وأعلنها سما

فأمّا (ابن) فتقديره (فعل) متحرك ، وذلك أنّك تقول في جمعه (أبناء) كما تقول : جمل وأجمال وجبل وأجبال ، فإن قال قائل : فلعله (فعل) أو (فعل) ، فإن جمعها على (أفعال) قيل له :الدليل على ذلك أنّك تقول : بنون في الجمع فتحرك بالفتح ، فإن قال : ما أنكرت من أن يكون على (فعل) ساكن العين قيل ؛ لأن الباب في جمع (فعل) على (أفعل) نحو : كلب وأكلب

٤٤٣

وكعب وأكعب فأما دم فهو فعل لأنّك تقول : دمي يدمى فهو دم فهذا مثل : فرق يفرق فرقا فهو فرق (فدم) مصدر مثل بطر وحذر هذا قول أبي العباس.

قال أبو بكر : وليس عندي في قولهم : دمي يدمة دما حجة لمن ادّعى أنّ (دما) فعل ؛ لأن قولهم : دمي يدمى دما إنّما هو (فعل) ومصدر اشتقا من الدم كما : اشتقّ ترب من (التّراب) وشعر الجبين من الشعر فقولهم (دما) اسم للحدث والدم اسم للشيء الذي هو جسم وقد بينت هذا الضرب في كتاب الإشتقاق ولكنّ قولهم : دميان دلّ على أنّه (فعل) قال الشاعر لمّا اضطر :

فلو أنّا على حجر ذبحنا

جرى الدّميان بالخبر اليقين

وأمّا يد فتقديرها (فعل) ساكنة العين لأنك تقول : أيد في الجمع فهذا جمع (فعل) ولو جاء شيء لا يعلم ما أصله من هذه المتقوصات لكان الحكم فيه أن يكون فعلا ساكن العين ؛ لأن الحركة زيادة والزيادة لا تثبت إلّا بدليل ، وأما أست (ففعل) متحركة العين يدلّك على ذلك (أستاه) ، فإن قيل فلعلها ففعل أو فعل ، فإن الدليل على ما قلنا قولك : سه فتردّ الهاء التي هي لام وتحذف العين وتفتح السين فأمّا حر المرأة فتقديره (فعل) لقولهم : أفعال في جمعه بمنزلة : جذع وأجذاع ودليله بين ؛ لأن أوله مكسور.

قال محمد بن يزيد : ما كان على حرفين ولا يدرى ما أصله الذي حذف منه ، فإن حكمه في التصغير والجمع أن تثبت فيه الياء ؛ لأن أكثر ما يحذف من هذا : الواو والياء فالياء أغلب على الواو من الواو عليها فإنّما القياس على الأكثر فلو سمينا رجلا بإن التي للجزاء ثم صغرنا فقلنا. أنيّ وكذلك : أن التي تنصب الأفعال ، فإن سمينا (بإن) الخفيفة من الثقيلة قلنا : أنين.

فاعلم لأنا قد علمنا أنّ أصلها (نون) أخرى حذفت منها وكذلك لو سميناه (برب) الخفيفة (من) ربّ الثقيلة لقلنا : ربيب لأنا قد علمنا ما حذف منه وكذلك (بخ) المخففة تردّ فيهما الخاء المحذوفة ؛ لأن الأصل التثقيل كما قال :

في حسب بخّ وعزّ أقعسا

٤٤٤

ولو سميت رجلا : ذو لقلنا : ذوا قد جاء ؛ لأنه لا يكوون اسم على حرفين أحدهما : حرف لين ؛ لأن التنوين يذهب به فيبقى على حرف فإنّما رددت ما ذهب وأصله فعل يدلّك على ذلك : (ذَواتا أَفْنانٍ) [الرحمن : ٤٨] و (ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) [سبأ : ١٦].

وإنّما قلت : هذا ذو مال فجئت به على حرفين ؛ لأن الإضافة لازمة له ومانعة من التنوين كما تقول : هذا فو زيد ورأيت فا زيد فإذا أفردت قلت : هذا فم فاعلم ؛ لأن الاسم قد يكون على حرفين إذا لم يكن أحدهما حرف لين كما تقدم من نحو : يد ودم وما أشبهه.

قال : فإذا سميت رجلا (بهو) ، فإن الصواب أن تقول : هذا هوّ كما ترى فتثقل ، وإن سميته (بفي) من قولك : في الدار زيد زدت على الياء ياء فقلت : هذا فيّ فاعلم.

وإن سميته (بلا) زدت على الألف ألفا ثم همزت لأنك تحرك الثانية والألف إذا حرّكت كانت همزة فتقول : هذا لاء فاعلم.

وإنّما كان القياس أن تزيد على كلّ حرف من حروف اللين ما هو مثله ؛ لأن هذه حروف لا دليل على تواليها لأنّها لم تكن أسماء فيعلم ما سقط منها وهو وهي اسمان مضمران مجراهما مجرى الحروف في جميع محالهما وكذلك قالت العرب : في (لوّ) حيث جعلته اسما. قال الشاعر :

ليت شعري وأين مني ليت

إنّ ليتا ، وإن لوّا عناء

فزاد على الواو واوا ليلحق الأسماء ، وإن سميت رجلا (كي) قلت : هذا كيّ فاعلم.

وكذلك كلّ ما كان على حرفين ثانية ياء أو واو أو ألف.

وقال أبو الحسن الأخفش : ما كان على حرفين فلم تدر من الواو هو أم من الياء فالذي تحمله عليه الواو ؛ لأن الواو أكثر فيما عرفنا أصله من الحرفين فيما يعلم أنّه من الواو (أب) لأنك تقول : أبوان وأخ لأنك تقول : أخوان وهن لأنك تقول : هنوان وغد لأنّهم قد قالوا :وغدوا بلاقع.

قال : وأما (ذو) ففي القياس أن يكون الذاهب اللام وأن يكون ياء ؛ لأن ما عينه واو ولامه ياء أكثر مما عينه ولامه واوان.

٤٤٥

وأمّا (دم) فقد استبان أنه من الياء لقول بعض العرب إذا ثنّاه : دميان وقال بعضهم :دموان فما علمت أنه من الواو أكثر لأنّهم قد قالوا : هنوان وأخوان وأبوان فقد عرفت أنّ أصل دم : فعل وغد قد استبان لك أنّه (فعل) بقولهم : وغدوا بلاقع.

وإنما يحمل الباب على الأكثر.

وذكر الأخفش (سنين ومئين) فقال : فيها قولين : أختار أحدهما وهو الصحيح عندنا فقال : وأما سنين ومئين في قول من رفع النون فهو فعيل ولكن كسر الفاء لكسرة ما بعدها وأجمعوا كلّهم على كسرها وصارت النون في آخر (سنين) بدلا من الواو ؛ لأن أصلها من الواو وفي (مئين) النون بدل من الياء ؛ لأن أصلها من الياء كأنّها كانت (مئي) مثل معي وقد قالوها في بعض الشعر ساكنة ولا أراهم أرادوا إلّا التثقيل ثمّ اضطروا فخففوا لأنّهم لو أرادوا غير التخفيف لصار الاسم على (فعل) وهذا بناء قليل.

قال الشاعر :

حيدة خالي ولقيط وعلي

وحاتم الطائيّ وهّاب المئي

مثل (المعي) ، وأما قولهم : ثلاث مئي فاعلم. فإنه أراد (بمئي) جماعة المائة كتمر وتمرة وتقول فيه : رأيت مئيا مثل : معيا وقولهم : رأيت مئا مثل : معى خطأ ؛ لأن المئي إنّما جاءت في الشعر فتقول : ليس لك أن تدعي أنّ هذه الياء للإطلاق وأنت لا تجد ما هو على حرفين يكون جماعة ويكون واحده بالهاء نحو : تمرة وتمر.

قال أبو الحسن : وهو مذهب وهو قول يونس يعني (الياء) قال والقياس الجيد عندنا أن يكون سنين فعلين مثل غسلين محذوفة ويكون قول الشاعر : سني والمئي مرخما.

فإن قلت : فإن (فعلين) لم يجيء في الجمع وقد جاء (فعيل) نحو : كليب وعبيد وقد جاء فيه ما لزمه (فعيل) مكسور الفاء نحو : (مئين) ، فإن من الجمع أشياء لم يجىء مثلها إلّا بغير اطراد نحو (سفر) وقد جاء منه ما ليس له نظير نحو : (عدى) وأنت إذا جعلت (سنين) فعيلا جعلت النون بدلا والبدل لا يقاس ولا يطرد.

٤٤٦

ومخالفة الجمع للواحد قد كثر ، فإن تحمله على ما لا بدل فيه أولى وليس يجوز أن تقول :إنّ الياء في سنين : أصلية وقد وجدتها زائدة في هذا البناء بعينه لمّا قلت : (فعلين) وفعلون : يعني أنك تقول : سنين يا هذا وسنون وقال : اعلم أنّ قول العرب : (آوّه) لا يجوز أن تكون فاعلة والدليل على أنّ الهاء للتأنيث قول العرب : (أوتاه) وإنّما هذا شاذّ ؛ لأنه حرف بني هكذا لم يسمع فيه (فعل) قط العين واللام من الواو فلمّا بنوه كأنّه لم يكن له (فعل) بنوه على الأصل كما قالوا : مذروان فبنوه على الأصل إذ لم يكن له واحد يقلب فيه الواو إلى الياء وكما قالوا : ثنايان فلم يهمزوا إذا لم يكن لهذا واحد تكون الياء آخره قال : وأما قول الشاعر :

فأوّ لذكراها إذا ما ذكرتها

ومن بعد أرض دونها وسماء

فإنه من قولهم : أوتاه ولكن جعله مثل : سبح وهلّل وقوله : أو يريد : افعل ورأيت بخط بعض أصحابنا مما قريء على بعض مشايخنا من كلام الأخفش.

اعلم أنّ قول العرب (أوّه) لا يجوز أن يكون إلّا (فاعلة) ورأيت إلا ملحقة في الكتاب.

قال أبو بكر : جميع الأصوات التي تحكى محالفة للأسماء والأفعال في تقديرها فليس لنا أن نقول في (قد) أن أصلها (فعل) كما تقول في (يد) ولا ندعي أنه حذف من (قد) شيء كما حذف في (يد) ولا لنا أن نقول : إنّ الألف في (ما ولا) منقلبة من شيء وكذلك صه ومه وألف (غاق) لا تقول : إنّها منقلبة وإنّما تقدر الأسماء والأفعال بالفاء والعين واللام لتبين الزوائد من غيرها والحروف والأصوات أصول لا تكاد تجد فيها زائدا ولا تحتاج إلى تقديرها بالفاء والعين واللام لأنّها لا تتصرف تصرف الأسماء ولا تصرف الأفعال لأنّها لا تصغر ولا تثنى ولا تجمع ولا يبنى منها فعل ماض ولا مستقبل وأنّما جعلت الفاء والعين واللام في التمثيل ليعتبر بهنّ الزائد من الأصل والأبينة المختلفة.

فما لا تدخله الزيادة ولا تختلف أبنيته فلا حاجة إلى تمثيله وتقديره فأمّا قولهم (تأوّه) فإنّما هو مشتقّ من قولهم : آوّه يراد به أنه قال : أواه كما قالوا : سبّح إذا قال سبحان الله وهلّل إذا قال : لا إله إلّا الله فهلل فعّل أخذت الهاء واللام من بعض الكلام الذي تكلم به وجاز تقديم

٤٤٧

الهاء ؛ لأنه غير مشتق من مصدر وإنّما يصير للكلمة تقدير إذا كانت اسما أو فعلا فما عدا ذلك فلا تقدير له وقول الشاعر :

من أعقاب السّمي ...

فالسّمي مخفف من السّميّ ويدلك على ذلك أنّ (فعل) ليس من بناء الأسماء : وإنّما أراد : السّمي فخفف وهي (فعول) مثل عصي فلمّا خفف صار : سمي.

قال الأخفش : ولو سمى به لأنصرف ؛ لأنه (فعول) محذوسف وهو ينصرف إذا كان اسم رجل ألا ترى أنّ (عنوق جماعة العناق) لو كانت اسم رجل فرخمته فيمن قال : ياحار لقلت :باعني تحذف القاف وتقلب الواو.

قال : ولو سميت به لصرفته ؛ لأنه ليس (بفعل) ونظير التخفيف في سمى قول الشاعر :

حيدة خالي ولقيط وعلي

وحاتم الطائيّ وهّاب المئي

فخفف الياء من (عليّ) وقال في بيت آخر :

يأكل أزمان الهزّال والسني

فهذا إمّا أن يكون رخم (سنين) ومئين وإما أن يكون بنى : سنة ومائة على : سني ومئي وكان أصلهما : سنو ومئو فلمّا حذف النون ورخم بقي الاسم آخره واو قبلها ضمة فلما أراد أن يجعله اسما كالأسماء التي لم يحذف منها شيء قلب الواو ياء وكسر ما قبلها ؛ لأنه ليس في الأسماء اسم آخره واو قبلها ضمة فمتى وقع شيء من هذا قلبت الواو فيه ياء وقد بيّن هذا فيما تقدم.

قال أبو بكر : ويجوز عندي أن يكون تقدير قول الشاعر : (سمي) أنّه (فعل) قصره من (فعول) فلمّا وقعت الواو بعد ضمة وهي طرف قلبها ياء وهذا التأويل عندي أحسن من حذف اللام ؛ لأن حذف الزائد في الضرورة أوجب من حذف الأصل وسماء مثل (عناق) في البناء والتأنيث وكذلك جمعهما سواء تقول (سميّ) وعنوق فسميّ (فعول) وعنوق (فعول)

٤٤٨

وقد حكوا : ثلاث أسمية بنوها على (أفعلة) وهي مؤنثة وإنّما هذا البناء للمذكر وإنّما فعلوا ذلك ؛ لأنه تأنيث غير حقيقيّ وليس كعناق ؛ لأن (عناقا) تأنيثها حقيقيّ.

واعلم أنّ قولهم (يهريق) الهاء مفتوحة في مكان الهمزة وكان الأصل : يؤريق ؛ لأن أصله (أفعل) مثل (أكرم) فأكرم مثل (دحرج) ملحق به وكان القياس أن يقول في مضارع أكرم يؤكرم مثل (يدحرج) فاستثقلوا ذلك ؛ لأنه كان يلزم منه أن يقول : أنا أكرم مثل أدحرج أأكرم فحذفوا الهمزة استثقالا لإجتماع الهمزتين ثمّ أتبعوا باقي حروف المضارعة الهمزة وكذلك يفعلون ألا تراهم حذفوا الواو من (يعد) استثقالا لوقوعها بين ياء وكسرة ثمّ أسقطوها مع التاء والألف والنون فقالوا : أعد ونعد وتعد فتبعت الياء أخواتها التي تأتي للمضارعة فالذي أبدل الهاء من الهمزة فعل ذلك استثقالا لئلا يلزمه أن يجمع بين همزتين في أنا أفعل وأبدل فلم يحذف شيئا ، فإن قال قائل : فما تقديره من الفعل قلت : يهفعل ؛ لأن الهاء زائدة وحقّ كلّ زائد أن ننطق به بعينه وكذلك لو قال الشاعر : (يؤكرم) كما قالوا : يؤثفين لكان تقديره ووزنه من الفعل (يؤفعل) وتقول في قول من قال (يهريق) فأسكن الهاء وجعلها عوضا من ذهاب الحركة إن قيل : ما تقديره من الفعل لم يجز أن تنطق به على الأصل لأنّك إذا قيل لك : ما وزن : يريق قلت : يفعل وكذا عادة النحويين والفاء ساكنة والهاء ساكنة فلا يجوز أن تنطق بهما إذا كان تقدير (يريق) يفعل.

وأنا أبين لك ذلك بيانا أكشفه به ، فإن الحاجة إلى ذلك في هذه الصناعة شديدة فأقول إني قد بينت ما دعا النحويين إلى أن يزنوا بالفاء والعين واللام.

وأنهم قصدوا أن يفصلوا بين الزائد والأصل فالقياس في كلّ لفظ مقدر إذا كان فيه زائد أن تحكي الزائد بعينه فتقول في (أكرم) إنه (أفعل) وفي (كرامة) أنها (فعالة) وفي كريم أنّه (فعيل) ومكرم مفعل ؛ لأن ذلك كلّه من الكرم فالأصل الذي هو الكاف والراء والميم موجود في جميعها فالكاف فاء والراء عين والجيم لام فعلى هذا يجري جميع الكلام في كلّ أصلي وزائد فإذا جئنا إلى الأصول التي تعتلّ وتحذف ، فإن النحويين يقولون إذا سئلوا : ما وزن (قام) قالوا : (فعل).

٤٤٩

فيذكرون الأصل ؛ لأنه عندهم مثل (ضرب) وإنّما كان الأصل (قوم) ثمّ قلبت الواو ألفا ساكنة ، وإذا قيل لهم : ما وزن يقول : قالوا : (يفعل) ؛ لأن الأصل (كان يقول) فحولت الحركة التي كانت في الواو إلى القاف ، وإذا قيل لهم : ما وزن مقول قالوا : مفول لإنّ الأصل : مقوول فحولت الضمة إلى القاف فاجتمع ساكنان فحذف أحدهما فهذا الذي قالوه صحيح وإنّما يريدون بذلك المحافظة على الأصول لتعلم وأنّ ما يغير من اللفظ فلعلة إلّا أنه يجب أن تمثل الكلمة المعتلة بما هي عليه من اللفظ كما يمثل الأصل فيقول : مثالها المسموع كذا : والأصل كذا كما قالوا في (رسل) فيمن خفف إنّ الأصل (فعل) ، وإن الذين خففوا قالوا : (فعل) فيجب على من أراد أن يمثل الكلمة من الفعل بما هي عليه ولم يقصد الأصل إذا قيل له : ما وزن (قال) بعد العلة قال (فعل) ، وإن قيل له : ما وزن قلت قال : فلت : فإن قيل : ما الأصل قال : فعلت قيل له : ما وزن قيل قال : فعل ، فإن أريد الأصل قال : فعل ، فإن قيل له : ما وزن مقول ، فإن كان ممن يقدر حذف واو مفعول وذاك مذهبه قال (مفعل).

وإن كان ممن يذهب إلى أنّ العين الذاهبة قال : مفول ، فإن سئل عن الأصل قال : مفعول وكذلك إذا سئل عن (يد) قال (فع) ، فإن سئل عن الأصل قال (فعل) كما بينا فيما تقدم ، وإن سئل عن (مذ) قال : (فل) ، فإن سئل عن الأصل قال : فعل ؛ لأن أصل (مذ) : منذ فالعين هي الساقطة وكذلك : (سه) إن قال : ما وزنها في النطق قلت : (فل).

فإن قال : ما الأصل قلت (فعل) كما ذكرنا ويلزم عندي من مثل قال : يفعل ومقول :بمفعول أن يمثل يكرم بيؤفعل فيذكر الأصل فأمّا (أمهات) فوزنها (فعلهات) يدلّك على ذلك أنّهم يقولون : أمّ وأمهات فيجيئون في الجمع بما لم يكن في الواحد.

وقد حكى الأخفش على جهة الشذوذ أنّ من العرب من يقول : (أمّهة) ، فإن كان هذا صحيحا فإنّه جعلها فعّلة وألحقها بجخدب ومن لم يعترف بجخدب ولم يثبت عنده أنّ في كلام العرب (فعللا) وجب عليه أن يقول (أمّهة) فعلهة كما قال : إنّ جندبا فنعل ولم يقل :فعلل ، وإذا قيل لك ما وزن (يغفر) ، فإن قال السائل ما أصله فقل : يفعل ولكن أتبعوا الضمّ الضمّ ، وإن كان سئل عن اللفظ فقل (يفعل) وكذلك (منتن) إن قال ما وزنه قلت : الأصل

٤٥٠

(مفعل) ولكن أتبعوا الكسر الكسر واللفظ (مفعل) وتقول في (عصي) إنّها (فعول) في الأصل وفعيل في اللفظ والتمثيل باللفظ غير مألوف فلا تلتفت إلى من يستوحش منه ممن يطلب العربية ، فإن من عرف ألف ومن جهل استوحش وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش وتقول في (قسيّ) أصله : فعول وكان حقه (قووس) ولكن قدموا اللام على العين وصيروه (فلوع) وكان حقه أن يكون (قسو) فصنعوا به ما صنعوا بعصيّ قلبوا الواو ياء وكسروا القاف كما كسروا عين (عصيّ) فالمسموع من (قسيّ) (فليع).

وأصل (فليع) فلوع وفلوع مقلوب من فعول.

وقالوا في (أينق) إنّ أصلها (أنوق) فاستثقلوا الضمة في الواو فحذفت الواو وعوضت الياء فيقولون إذا سئلوا عن وزنها أنّها (أفعل) واللفظ على هذا التأويل هو (أيفل) ولقائل أن يقول : إنّهم قلبوا فصار (أونقا) ثمّ أبدلوا من الواو ياء والياء قد تبدل من الواو لغير علة استخفافا فعلى هذا القول يكون وزن (أينق) (أعفل) كما قال الخليل في أشياء : إنّها (لفعاء) ؛ لأن الواحد شيء فاللام همزة فلمّا وجدها مقدمة قال هي : لفعاء وقد قال غيره : إنّها (فعلاء) كان الأصل عنده شيئاء فحذفت الهمزة.

قال المازني : قال الخليل : أشياء (فعلاء) مقلوبة وكان أصلها شيئاء مثل : حمراء فقلب فجعلت الهمزة التي هي لام أولا فقال : أشياء كأنّها لفعاء ثمّ جمع فقال : أشاوى مثل : صحارى وأبدل الياء واوا كما قال : جبيت الخراج جباوة وهذا شاذّ وإنّما احتلنا لأشاوى حيث جاءت هكذا لتعلم أنّها مقلوبة عن وجهها.

قال : وأخبرني الأصمعي : قال : سمعت رجلا من أفصح العرب يقول لخلف الأحمر : إنّ عندك لأشاوي قال : ولو جاءت الهمزة في (أشياء) في موضعها مؤخرة بعد الياء كنت تقول :شيئاء.

قال : وكان أبو الحسن الأخفش يقول : أشيئاء أفعلاء وجمع شيء عليه كما جمعوا شاعرا على شعراء ولكنّهم حذفوا الهمزة التي هي لام استخفافا وكان الأصل : أشيئاء أشيعاع فثقل

٤٥١

ذلك فحذفوا فسألته عن تصغيرها فقال : العرب تقول أشيّاء فاعلم فيدعونها على لفظها فقلت : لم لاردت إلى واحدها كما ردت (شعراء) إلى واحدها فلم يأت بمقنع.

وقال : قال الخليل : أشياء مقلوبة كما قلبوا (قسيّ) وكان أصلها (قووس) ؛ لأن ثاني (قوس) واو فقدّم السين في الجمع وهم مما يغيرون الأكثر في كلامهم قال الشاعر :

مروان مروان أخو اليوم اليمي

يريد (اليوم) فأخّر الواو وقدم الميم ثم قلب الواو حيث صارت طرفا كما قال : (أدل) في جمع (دلو) ومما ألزم حذف الهمزة لكثرة استعمالهم (ملك) إنّما هو (ملأك) فلمّا جمعوه وردوه إلى أصله قالوا : ملائكة وملائك ، وقد قال الشاعر فردّ الواحد إلى أصله حين احتاج :

فلست لإنسيّ ولكن لملأك

تنزّل من جوّ السّماء يصوب

قال : ومن القلب : طأمن واطمأن قال : وأمّا : جذب وجبذ فليس واحد منهما مقلوبا عن صاحبه لأنّهما يتصرفان ، وأما (طأمن) فليس أحد يقول فيه (طمأن) ومما يسأل عنه (أوّل) إن قال قائل : هذه همزة أبدل منها واو واحتجّ بأنّه لم ير الفاء والعين من جنس واحد قيل له : قد قالوا : الدّدن وكوكب ويقال لمن اعترض بهذا أي : الواوين من أوّل تجعلها بدلا من الهمزة ، فإن قال : الأولى قيل له : لو كانت همزة لوجب أن تبدل الفاء كما قالوا : آمن ، وإن قال : الثانية قيل له : لو كانت الثانية همزة لوجب حذفها في التخفيف وكنت تقول : أوّل فعّل كما تقول في تخفيف (مؤلة) مولةّ ، فإن قال : ولم قالوا : أوائل ولم يقولوا : أواول قيل : هذا كان الأصل ولكنّهم تجنبوا اجتماع الواوين وبينهما ألف الجمع ومما يغيّر في الجمع الهمزتان إذا اكتنفتا الألف نحو : ذؤابة إذا جمعتها قلت : ذوائب وكان الأصل : (ذأآئب) ؛ لأن الألف التي في (ذؤابة) كالألف التي في (رسالة) حقّها أن تبدل منها همزة في الجمع ولكنّهم استثقلوا أن تقع ألف الجمع بين همزتين كما استثقلوا أن تقع بين واوين فأبدلوا الأولى التي هي أصل وتنكبوا إبدال الثانية التي هي بدل من حرف زائد الزوائد أصلها السكون وإنّما أبدلت لمّا أرادوا حركتها واضطرهم إلى ذلك الفرار من الجمع بين ساكنين وكان ملازمة الهمزة تدلّ على أنّ المبدل زائد

٤٥٢

فأمّا خطايا وأداوى فإنّهم جعلوا موضع الهمزة ياء وواوا وأزالوا البناء عن وزن (فعائل) إلى (فعال) ثم نقلوها إلى (فعائل) وعاول فجاءوا ببناء أخر ولم ينطقوا بالهمزة مع هذا البناء وإنّما هو شيء يقدره النحويون ألا ترى أنّ الشاعر إذا اضطرّ فقال :

سماء الإله فوق سبع سمائيا

لمّا ردّ البناء إلى (فعائل) وكسر ردّ الهمزة فحروف المدّ إذا أبدلت للضرورة قبح أن تبدل بدلا بعد بدل فتشبه الأصول ألا ترى أنّ ألف (سائر) لما أبدلت في (سوير) واوا لم تدغم فتقدير خطيئة : فعيلة وتقدير إداوة : فعالة وخطيئة مثل : صحيفة كان القياس على ذلك أن يقال فيها : خطائي خطاعي مثل صحائف فكان يجتمع همزتان فتنكبوا (فعائل) إلى (فعائل) كما قالوا في مداري : مدارى وكان مداري : مفاعل فجعلوه (مفاعل).

والنحويون يقولون : إنّه لما نقل وقعت الهمزة بين ألفين فأبدلت ياء : قالوا : وإنّما (فعل) ذلك بها لأنّك جمعت بين ثلاثة ألفات وهذا المعنى إنّما يقع إذا كانت الهمزة عارضة في الجمع وهذا تقدير قدروه لا أنّ هذا الأصل سمع من العرب كما قد تأتي بعض الأشياء على الأصول مثل : حوكة واستحوذ فخطايا وبابها لم يسمع فيه إلّا الياء ، وأما (إداوة) فهي (فعالة) مثل (رسالة) وكان القياس فيها (أدائيء) مثل (رسائل) تثبت الهمزة التي هي بدل من ألف (إداوة) كما تثبت الهمزة التي هي بدل من ألف (رسالة) فتنكبوا (أداي) كما تنكبوا (خطاي) فجعلوا فعائل : فعائل وأبدلوا منها الواو ليدلوا على أنّه قد كانت في الواحد واو ظاهرة فقالوا :أداوي فهذه الواو بدل من الألف الزائدة في (إداوة) والألف التي هي لام بدل من الواو التي هي لام في (إداوة).

ومما يسأل عنه (سريّة) ما تقديرها من الفعل وهل هي (فعليّة) أو (فعيلة) وممّ هي مشتقة والذي عندي فيها أنّها فعليّة مشتقة من (السرّ) ؛ لأن الإنسان كثيرا ما يسرّها ويستر أمرها عن حرّته.

٤٥٣

وكان الأخفش يقول : إنّها (فعيلة) مشتقة من (السرور) لأنّها يسرّ بها وإنّما حكمنا بأنّها (فعليّة) ولم نقل : إنّها (فعيلة) لضربين : لأن مثال (فعليّة) كثيّر نحو : قمرية وفعيلة قليل نحو :مريقة.

والضرب الآخر : الاشتقاق وما يدلّ عليه المعنى ؛ لأن الذي يقول إنّها (فعيلة) يقال له :ممّ اشتققت ذلك ، فإن قال : أردت : ركبت سراتها وسراة كلّ شيء أعلاه فقد ردّ هذا أبو الحسن الأخفش فقال : ذا لا يشبه ؛ لأن الموضع الذي تؤتى المرأة منه ليس هو سراتها وإنّما سراة الشيء ظهره أو مقدمه ؛ لأن أول النهار سراته وظهر الدابة : سراتها فهذا عندي بعيد كما قال أبو الحسن ، فإن قيل : إنّه من (سريت) فهو أقرب من أن يكون من (السّراة) والصواب عندي ما بدأت به ، وأما (عليّة) فهي (فعيّلة) ولو كانت (فعليّة) لقلت (علويّة) وهي من (علوت) ؛ لأن هذه الواو إذا سكن ما قبلها صحت كما تنسب إلى (دلو) دلويّ ولكنّها قلبت في (عليّة) لمّا كانت (فعيّلة) مثل (مريّقة) وكان الأصل (عليوة) فأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء فيها وكذلك كلّ ياء ساكنة بعدها واو تقلب لها ياء وتدغم فيها وقد مضى ذكر هذا في الكتاب.

ومن ذلك قولهم : لا أدر ولم يك ولم أبل وجميع هذه إنّما حذفت لكثرة استعمالهم إيّاها في كلامهم وإنّما كثر استعمالهم لهذه الأحرف للحاجة إلى معانيها كثيرا لأنّ : لا أدري أصل في الجهالات ويكون عبارة عن الزمان ولم أبل مستعملة فيما لا يكترث به وهذه أحوال تكثر فيجب أن تكثر الألفاظ التي يعبر بهنّ عنها وليس كلّ ما كثر استعماله حذف فأصل لا أدر : لا أدري وكان حقّ هذه الياء أن لا تحذف إلّا لجزم فحذفت لكثرة الاستعمال وحقّ لم يك : لم يكن وكان أصل الكلمة قبل الجزم (يكون) فلمّا دخلت عليها (لم) فجزمتها سكنت النون فالتقى ساكنان ؛ لأن الواو ساكنة فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فوجب أن تقول : لم يكن فلمّا كثر استعمالها وكانت النون قد تكون زائدة وإعرابا في بعض المواضع شبهت هذه بها وحذفت هنا كما تحذف في غير هذا الموضع وأمّا : لم أبل فحقه أن تقول : لم أبال كما تقول لم أرام يا هذا فحذفت الألف لغير شيء أوجب ذلك إلّا ما يؤثرونه من الحذف في بعض ما يكثر استعماله وليس هذا مما يقاس عليه.

٤٥٤

وزعم الخليل : أنّ ناسا من العرب يقولون : لم أبله لا يزيدون على حذف الألف كما حذفوا : علّبط وكذلك يفعلون في المصدر فيقولون :بالة : (بالية) كما قيل في عافى : عافية.

ولم يقولوا : لا أبل ؛ لأن هذا موضع رفع كما لم يحذفوا حين قالوا : لم يكن الرجل ؛ لأن هذا موضع تحرك فيه النون ومما يشكل قولهم : متّ تموت وكان القياس أن يقول من قال : متّ :تمات مثل : خفت تخاف ومن قال : تموت وجب أن يقول : متّ كما قلت : قمت تقوم فهذا إنّما جاء شاذّا كما قالوا في الصحيح : فضل يفضل.

قال المازني : وأخبرني الأصمعي قال سمعت عيسى بن عمر ينشد لأبي الأسود :

ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر

وما مرّ من عيشي ذكرت وما فضل

قال : ومثل (متّ تموت) : دمت تدوم وهذا من الشاذّ ومثله في الشذوذ : كدت أكاد.

وزعم الأصمعي : أنّه سمع من العرب من يقول : لا أفعل ذاك ولا كودا فجعلها من الواو.

وقال أصحابنا : إنّ (ليس) أصلها ليس نحو : صيد البعير ولم يقلبوا الياء ألفا لأنّهم لم يريدوا أن يصرفوها فيستعملوا منها (يفعل) ولا فاعل ولا شيئا من أمثلة الفعل فأسكنوا الياء وتركوها على حالها بمنزلة (ليت) ومن ذلك (همّرش).

قال الأخفش : الميم الأولى عندنا نون لتكون من بنات الخمسة حتّى تصير في مثال (جحمرش) ؛ لأنه لم يجيء شيء من بنات الأربعة على هذا النباء ، وأما (همّقع) فهما ميمان لأنّا لم نجد هذا البناء في بنات الخمسة وكذلك (شمّخر) ندعه على حاله ونجعله من بنات الأربعة ؛ لأن الأربعة قد جاءت على هذا البناء نحو (دبّخس) وكذلك (غطمّش) مثل : عدبّس وهو من بنات الأربعة.

قال : ولو كانت من بنات الخمسة وكانت الأولى نونا لأظهرت النون لئلا تلتبس بمثل (عدبّس).

٤٥٥

وقال : إن صغّرت (همّرش) فالقياس أن تقول : هنيمر ؛ لأن الأولى كانت نونا ، وإن شئت قلت : همّيرش وقلت مثل هذا يجوز أن يكون جمعه (همارش) ؛ لأن النون والميم من الحروف الزوائد ، وإن لم تكن في هذا المكان زائدة فإنّها تشبه ما هو زائد فتلقى هاهنا.

قال : فإن قلت : ما لك لم تبين النون في (همّرش) فلأنّه ليس لها مثال تلتبس به فتفصل بينهما.

وقال الأخفش : كلمون مثل : زرجون وهو العنب تقول : هذه كلمونك ؛ لأن هذه النون من الأصل وهذا من بنات الأربعة مثل : (قربوس) ولم تزد فيه هذه الواو والنون كزيادة نون الجميع.

وحكي عن الفراء في قولهم : ضرب عليهم ساية أنّ معناه طريق قال : وهي فعلة من (سوّيت) قلبوا الياء ألفا استثقالا لسيّة فقلبوا الياء ؛ لأن قبلها فتحة كما قالوا : دويّة وداوية وهذا الذي قاله الفراء يجوز أن يكون كما قال والقياس أن يكون وزن (ساية) فعلة ؛ لأن الألف لا تبدل إبدالا مطردا إلّا من حرف متحرك وقد مضى ذكر هذا في الكتاب.

وقال محمد بن يزيد : قول سيبويه في (ضيون) إذا جمعه قال : ضياون فيصححه في الجمع كما جاء في الواحد على أصله.

وزعم أنّه لو جمع (ألبب) في قوله : قد علمت ذاك بنات ألببه لقال (الألبّب) فاعلّة قال :فيقال له : هلا صححته في الجمع كما صحّ في الواحد أو أعللت (ضيون) في الجمع كما أعللته وقلت : صححته في الواحد شذوذا فأرده في الجمع إلى القياس كما فعلت (بألبب) ولم فرقت بينهما وقد استويا في مجيء الواحد على الأصل.

وزعم أنّه إذا صغرّ ألبب وحيوة وضيون أعلّهن وسوى بينهن في التصغير فقال (أليّب وضيين وحييّة).

فيقال له : لم استوين في التصغير وخالفت بين (ألبب) وبينهما في الجمع ولم خالف بين جمع (حيوة) وبين تصغيرها فصححت (ضيون) في الجمع وأعللتها في التصغير وزعم أنّ الواو لا تصحّ بعد ياء ساكنة وقد صحتا في الواحد في (حيوة وضيون) على الأصل شاذتين فهلّا

٤٥٦

أتبعتهما التصغير أو رددت إلى القياس في الجمع كما فعلت في التصغير كما سويت بين جمع (ألبب) وتصغيره في الرد إلى القياس.

قال : والجواب عندي في ذلك أنّ الباب مختلف فأمّا (ضيون) فقد جعل في الواحد بمنزلة غير المعتلّ فالوجه أن يجري على ذلك في الجمع فيصير : (ضياون) بمنزلة جداول وأساود وتقول في التصغير : ضييّن على ما قاله سيبويه ؛ لأن ياء التصغير قبل الواو فيصير بمنزلة (أسيّد) ولا يكون أمثل منه حالا مع ما فيه قبل التصغير ويكون جمعه بمنزلة (أساود) ومن قال في التحقير : (أسيود) فلا أرى بأسا بأن يقول : (ضييون) لأنها عين مثلها ولا يكون إلّا ذلك لصحتها.

وأمّا (ألبب) فيجب أن يكون في الجمع والتحقير مبيّنا جاريا على الأصل فتقول : (ألابب وأليبب) فتجري جمعه على واحده كما فعلت (بضيون) لا فرق بينهما وكذلك تصغيره ؛ لأن ياء التصغير ليس لها فيه عمل كما كان لها في تصغير (ضيون) فكذلك خالفه وكان تصغيره كجمعه ، وأما (حيوة) فمن بنات الثلاثة والواو في موضع اللام فلا سبيل إلى تصحيحها ؛ لأن أقصى حالاتها أن تجعل (كغزوة) في التصغير فتقول : (حييّة) وجمعها كجمع (فروة) حياء تقول : (فراء).

وأمّا (معيشة) فكان الخليل يقول : يصلح أن تكون (مفعلة) ويصلح أن يكون (مفعلة).

وكان أبو الحسن الأخفش يخالفه ويقول في (مفعلة) من العيش (معوشة) وفي (فعل) من البيع والعيش (بوع وعوش) ويقول في (أبيض وبيض) : هو (فعل) ولكنّه جمع والواحد ليس على مذهب الجمع.

قال أبو عثمان المازني : قول الأخفش في (معيشة) (معوشة) ترك لقوله في (مبيع ومكيل) وقياسه على (مكيل ومبيع) (معيشة) ؛ لأنه زعم أنّه حين ألقى حركة عين (مفعول) على الفاء انضمت الفاء ثمّ أبدلت مكان الضمة كسرة ؛ لأن بعدها ياء ساكنة وكذلك يلزمه في (معيشة) وإلّا رجع إلى قول الخليل في (مبيع) وذكر لي عن الفراء أنّه كان يقول : (مؤونة من الأين) وهو التعب والشدة فكان المعنى : أنّه عظيم التعب في الإنفاق على من يعول.

٤٥٧

قال أبو بكر : وهذا على مذهب الخليل لا يجوز أن يكون : (موؤنة من الأين) لأنّها (مفعلة) ولو بنى (مفعلة) من الأين لقال : (مئينة) كما قال : (معيشة) وعلى مذهب الأخفش يجوز أن تكون (مؤونة) من الأين إلّا أنّ أبا عثمان قد ألزمه المناقضة في هذا المذهب وموؤنة عندي وهو القياس (مفعلة) مأخوذ من (الأون) يقال (للأتان) إذا أقربت وعظم بطنها : قد (أوّنت) ، وإذا أكل الإنسان وشرب وامتلأ بطنه وانتفخت خاصرتاه يقال : قد (أوّن) تأوينا.

قال رؤبة (١) :

سرا وقد أوّن تأوين العقق

وقال أيضا : (الأونان) جانبا الخرج فينبغي أن يكون (موؤنة) مأخوذة من (الأون) لأنّها ثقل على الإنسان فتككون (موؤنة) مفعلة ، فإن قال قائل : إنّ موؤنة مفعولة قيل له : فقل في معيشة إنّها مفعولة مثل : (مبيعة) ومفعول ومفعولة لا يكاد يجيء إلّا على ما كان مبنيا على (فعل) تقول : (بيع) فهو مبيع وبعت فهي مبيعة وقيلت فهي مقولة وليس حقّ المصادر أن تجيء على (مفعولة) وقد اختلف أصحابنا في (معقول) فقال بعضهم : هو مصدر وقال بعضهم : صفة ولو كان (معقول) مصدرا لا خلاف فيه ما وجب أن يردّ إليه شيء ولا يقاس عليه إذا وجد عنه مذهب لقلته. ومن هذا الباب (أسطوانة).

قال الأخفش : تقول في (أسطوانة) إنّه فعلوانة لأنك تقول : أساطين فأساطين فعالين كانت (أفعلانة) لم يجز : أساطين ؛ لأنه لا يكون في الكلام (أفاعين).

وقد قال بعض العرب في ترخيم (أسطوانة) : سطينة فهذا قول من لغته حذف بعض الهمز كما قالوا : ويلمه يريدون : ويل لأمه.

وقد قال قوم على قول من قال : سطينة أنها (أفعلانة) وغيّر الجمع فجعل النون كأنّها من الأصل كما قالوا : مسيل ومسلان وهذا مذهب وهو قليل والقياس في نحو هذا أن تكون الهمزة هي الزيادة.

__________________

(١) البيت لرؤبة بن العجاج ت ١٤٥ ه‍ ، والبيت كاملا : [الرجز]

وسوس يدعو مخلصا ربّ الفلق

سرّا وقد أوّنّ تأوين العقق.

٤٥٨

وقد قال بعض العرب : (متسطّ) فهذا يدل على أنّ (أسطوانة) أفعوالة وأشباهها نحو : (أرجوانة وأقحوانة) الهمزة فيها زائدة ؛ لأن الألف والنون كأنّهما زيدا على (أفعل) ولا يجيء في الكلام (فعلو) ومع ذا إنّ الواو لو جعلها زائدة لكانت إلى جنب زائدتين وهذا لا يكاد يكون.

قال : وأما موسى فالميم هي الزائدة ؛ لأن (مفعل) أكثر من (فعلى) مفعل يبنى من كلّ (أفعلت) ويدلّك على أنّه (مفعل) أنّه يصرف في النكرة. و (فعلى) لا تنصرف على حال.

الضرب الثاني ما قيس على كلام العرب وليس من كلامهم :

هذا النوع ينقسم قسمين :

أحدهما : ما بني من حروف الصحة وألحق بما هو غير مضاعف.

والقسم الآخر : ما بني من المعتل بناء الصحيح ولم يجىء في كلامهم مثاله إلّا من الصحيح.

النوع الأول : وهو الملحق إذا سئلت كيف تبني مثل (جعفر) من ضرب قلت : ضربب ومن (علم) قلت : علمم. ومن ظرف قلت : (ظرفف) ، وإن كان فعلا فكذلك تجريه مجرى :دحرج في جميع أحواله.

وقال أبو عثمان المازني : المطرد الذي لا ينكسر أن يكون موضع اللام من الثلاثة مكررا للإلحاق مثل : (مهدد وقردد) قال : وأما مثال : حوقل الرجل حوقلة وبيطر الدابة بيطرة وسلقيته وجعبيته فليس بمطرد إلّا أن يسمع.

قال : ولكنّك إن سئلت عن مثاله جعلت في جوابك زائدا بإزاء الزائد وجعلت البناء كالبناء الذي سئلت عنه فإذا قيل لك : ابن من ضرب مثل (جدول) قلت : ضروب ومثل (كوثر) قلت : ضورب ومثل جيأل قلت : ضيرب ، وإن كان فعلا فكذلك.

وقد يبلغ ببنات الأربعة الخمسة من الأسماء كما بلغ بالثلاثة الأربعة فما ألحق من الأربعة بالخمسة قفعدد ملحق (بسفرجل) وهمرجل وقد يلحق الثلاثة بالخمسة نحو (عفنجج) هو من الثلاثة فالنون وإحدى الجيمين زائدتان ومثل ذلك : حبنطى ودلنطى وسرندى النون

٤٥٩

والألف زائدتان لأنك تقول : حبط ودلظه بيده وسرده فهذا من الثلاثة وقال جميع أصحابنا إذا بنيت من (ضرب) نحو : دحرج قلت : ضربب حتى يصير الحرف أربعة ولا يدغم الباء في الباء لأنك إنما أردت أن تلحقه بوزن دحرج ولو أدغمت لحركت ما كان ساكنا وسكنت ما كان متحركا وزال دليل الإلحاق ، وإن بنيت من (دحرج) مثل : سفرجل اسما زدت حرفا حتى يكون خمسة تقول : دحرجج ولا تكون الألف ملحقة أبدا إلّا أن تكون آخرا نحو : (علقى) وتعرف أنّها ملحقة إذا رأيتها منونة في كلام العرب لأنّها إنّما تكون للتأنيث في نحو : عطشى وبشرى فإذا لم تكن للتأنيث كانت ملحقة وكانت منونة نحو (علقى ومعزى) لأنّها منونة ومن العرب من ينون دفلى وذفرى فيجعلهما ملحقتين.

واعلم أنّ الواو إذا انضمّ ما قبلها والياء إذا انكسر ما قبلها لا يكونان ملحقين نحو : عجوز وعمود وسعيد وقضيب ، وإذا كان ما قبلها مفتوحا نحو : حوقل وبيطر فهما ملحقتان وكذلك إذا سكّن ما قبلهما فحكمها حكم الصحيح نحو (جهور) وحذيم ، وأما الميم والهمزة فلا تكادان تكونان ملحقتين إلّا قليلا في نحو : زرقم وستهم وشأمل وشمأل ودلامص ، وأما التاء فتكون ملحقة في نحو : (سنبتة) وعنكبوت وجبروت وبنت وأخت إلّا أنّها في (بنت) وأخت قامت مقام حرف من الأصل ولا تكون السين ملحقة وكذلك الهاء ولا تكون اللام ملحقة إلّا في (عبدل) وحده والنون تكون ملحقة في (رعشن) و (سرحان).

وأما حروف الأصل فتكون كلها ملحقة نحو : مهدد وقعدد وجلباب وكوألل واسحنكك فإذا وجدت شيئا ملحقا قد ضعف واجتمع فيه حرفان مثلان فلا تدغمه فإنّه إنّما ضعف ليبلغ زنة ما ألحق به فمثل : اسحنكك واقعنسس لا يدغم ؛ لأنه ألحق باحرنجم ، وأما (احمرّ واصفرّ) فهو مدغم ليس له شيء مثله ليس فيه حرفان مثلان فيلحق به وكذلك اطمأنّ مدغم ؛ لأنه ليس له شيء مثله ليس فيه حرفان مثلان فيلحق به وأمّا : معدّ وصملّ وطمرّ ، فإن هذه إنّما أدغمت لأنّ الأول منها ساكن وبعده حرف مثله فإذا التقى حرفان مثلان والأول منهما ساكن لم يكن فيهما إلّا الإدغام.

٤٦٠