الأصول في النحو - ج ٢

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ٢

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-406-X
الصفحات: ٥٣٥

إلى الأصل وهو الواو فقلت : إودّ والذي كان أوجب قلب الواو ياء أنّها ساكنة وقبلها كسرة فلمّا تحركت زالت العلة.

قال المازني : ومثل ذلك : إوزّة.

وتقول في مثل (أبلم) من وأيت : أوء وكان ينبغي أن يكون : أوأي ولكن لا يجوز أن تكون الواو لاما وقبلها ضمة ومتى وقعت كذاك قلبت ياء كما قالوا : أدل وعرق وأصله : أدلو وعرقو وتقول فيها من أويت : أوّ وكان الأصل : أوويّ فأبدلت الهمزة الثانية واوا لأّنّها ساكنة وقبلها همزة مضمومة ثم تدغمها في الواو التي بعدها وهي عين (أويت) وتبدل من الضمة كسرة لتثبت الياء وهو موضع لا تكون فيه واو قبلها ضمة إلّا قلبت كما قد بيّن في مواضع.

وتقول في مثال (أجرد) من وأيت : إياء وكان الأصل : إوإي فقلبت الواو ياء لإنكسار ما قبلها وتقول فيها من أويت : إيّ وكان الأصل إئوي فأدغمت الواو في الياء فصارت (إيّي) فاجتمع ثلاث ياءات كما اجتمع في تصغير (أحوى) فحذفت منها الياء التي هي طرف ، فإن خفّفت مثال (أجرد) من وأيت قلت : إو فتردّ الواو إلى الأصل وتلقي عليها حركة الهمزة وتحذف الهمزة كما تفعل ذلك إذا خفّفت الهمزة وقبلها ساكن ممّا تلقى عليه الحركة.

وتقول في مثل (أوزّة) من وأيت : إيأأة ومثلها من أويت : إيّاة لأنّ (إوزّة) : إفعلة والدليل على ذلك قولهم : وزّة ولو بنيت مثال (هرملة) من وأيت قلت : وأيّة ومن أويت : إويّة.

وتقول في مثال (قوصرّة) من أويت : أويّة ؛ لأن العين واو فلو جمعتها كما تجمع (قواصر) لقلت : أوايا وكان الأصل : أواو فصارت كأوائل ثمّ غيرّت لأنّها عرضت في جمع ولأنها معتلة وقد مضى تفسير هذا ولو

عوضت قلت (أواويّ) فلم تهمز ولم تغير كما لم تهمز طواويس وما أشبهها ولو بنيتها من وأيت لقلت : أوأيّة ؛ لأنه اجتمع في أوله واوان وكان الأصل (ووأيّة) فهمزت الأولى ، فإن جمعته قلت : أواو ؛ لأن الهمزة لم تعرض في جمع ولو عوضت قلت أوائي.

وتقول في مثال (عنكبوت) من أويت : أيّوت وكان الأصل أوييوت فأبدلت الواو الأولى للياء التي بعدها وحذفت الياء التي أبدلتها ألفا لالتقاء الساكنين يعني : الياء الأخيرة لأنّها

٤٨١

متحركة قبلها فتحة فقلبت ألفا والواو التي بعدها ساكنة فسقطت لالتقاء الساكنين وتقول فيها من وأيت : وأيوت والعلة في الحذف واحدة.

ولو جمعته من وأيت لقلت : وأاي ولا تهمز ؛ لأنه ملحق ولم يعرض له ما يهمز من أجله.

ولو جمعته من أويت لقلت : أوايا وكان الأصل (أواوي) فوجب الهمز من حيث وجب في (أوائل).

فصارت (أوايّ) فعرضت الهمزة في جمع فقلت : أوايا ولو عوضت لقلت أواييّ كما قلت : طواويس وعواوير فلم تهمز.

وتقول في مثال (اغدودن) من وأيت : أيأوأي كما تقول فيها من وعيت : ايعوعي فتكرر الهمزة لأنّها عين الفعل كما كررت الدال في (اغدودن) ، فإن خفّفت الهمزة الثانية قلت : إيأوي ألقيت حركتها على الواو فحركت الواو وحذفت الهمزة ، وإن خفّفت الأولى وتركت الثانية قلت : أوأي وكان الأصل (ووأي) لأنّك ألقيت حركة الهمزة التي هي عين الفعل الأولى على الفاء وكانت واوا في الأصل فانقلبت ياء لكسرة ألف الوصل فحذفت ألف الوصل لتحريك ما بعدها فرجعت واوا وبعدها الواو الزائدة فهمزت موضع الفاء لئلا تجتمع واوان في أول كلمة ، فإن خففتهما جميعا قلت : أوي والعلة واحدة وتقول فيها من أويت : إيووّي ؛ لأن (أويت) عينها واو فتكرر الواو وتكون الواو الزائدة بين الواوين اللتين هما عينان فتدغم الزائدة في الواو التي بعدها فتصير فيها ثلاث واوات كما كان ذلك في (اقووّل) ومن رأى التغير في (اقوّول) رآه هاهنا. وتقول في مثال (صمحمح) من وأيت : وأيأا ومن أويت : أويّا.

٤٨٢

باب ما ذكره الأخفش من المسائل على مثال مرمريس

قال أبو بكر : وإنّما أفردت هذا الباب ؛ لأنه مخالف لما مضى من المسائل لا شكل له وجميع ما مضى ممّا فيه تكرير فإنّما هو تكرير عين نحو : (افعوعل) أو تكرير لام نحو : (فعلل) أو تكرير عين ولام نحو : (فعلعل).

ومرمريس وزنها (فعفعيل) فقد كرّرت الفاء والعين وإنما استدلوا على ذلك بأنّها مشتقة من المراسة.

قال : إذا بنيت مثال مرمريس من واو قلت : أوّييّ واوان وثلاث ياءات وكان الأصل أن يكون الأول ثلاث واوات فهمزت الأولى ؛ لأنه إذا اجتمع في أول الكلمة واوان همزت الأولى.

وقال : تقول في مثال (مرمريس) من (الويل والويح). وييّيل ووييّيح أربع ياءات بين الواو واللام وبين الواو والحاء فمن كان من قوله جمع بين ثلاث ياءات في هذه الصفة جمع بين هذه الأربع ياءات ؛ لأن الياء الرابعة لا يحتسب بها لأنّها مثل ياء (مهييمّ) ، وإذا كانت مدة هكذا لم يحتسب بها ألا ترى أنّك لو قلت في قوّام (قوييم) لم يكن تثقيل كما تثقل في (أحيّ) ومن حذف حذف واحدة لئلا يجتمع ثلاث ياءات يكنّ مثل ياءات (شوييّ) تصغير (الشّاوي) فإذا قلت : مرمريس من يوم قلت : ييوّيم وكان الأصل : يويويم فقلبت الواو للياء التي بعدها واجتمعت ثلاث ياءات لأنّهن مثل النّسب إلى (طيء) إذا قلت : طييّ ولو أردت مثل (مرمريس) من أتيت قلت : أتأتيّ ، فإن خفّفت الهمزة قلت : أتتيّ ومن أبت : أواويب ، فإن خفّفت قلت : أوويب وتقول مثال مرمريس (من) إن أوأويي ومن أاأة) أوأوي.

وحكي عن الخليل أنّه كان يصغر (أأأة) أوئة قال : وتأسيس بنائها من تألف واو بين همزتين فلو قلت : ألا أو كما تقول من النوم منامة على تقدير (مفعلة) لقلت : أرض مأآة ولو اشتق منه (مفعول) لقلت : مووء مثل (معوع).

٤٨٣

وتقول في مثال : (مرمريس) من أول : أوييل فتقلب الواو الآخرة ياء أقربهنّ إلى العلة وتهمز الأولى لإجتماع واوين في أول كلمة وكان أصلها (ووّويل) أربع واوات الثانية منهنّ مدغمة في الثالثة ومن أجاز جمع ثلاث واوات فقال في (افعوعل) من قلت : اقووّل قال في هذا : أوّويل.

قال الأخفش : وهذا عندي ضعيف.

وقال : وتقول في مثل (قصعة) من الواو ويّة ؛ لأنه لا تجتمع ثلاث واوات وكان أصلها (ووّة) ، وإن شئت قلت : أوّة فجعلت الأولى همزة وكلّ مذهب.

قال : إلّا أنّ الأولى أقواهما ؛ لأن موضع العين إن كان ياء فلا بدّ من (ويّة) إلا أنّ النحويين لا يجعلون الألف التي في (واو) إلّا واوا.

قال : وما أعلمه إلّا أبعد الوجهين وهم يصغرون (واوا) أويّة.

قال : وإنّما جاز أن أبني من واو اسما ؛ لأن الواو اسم ولا يجوز أن أبني منها فعلا وذكر بعد هذا كيف يبنى من التامّ مثل المنقوص المحذوف.

قال أبو بكر : وهذا لا يجوز عندي ولا دربة فيه ؛ لأن الحذف ليس بعمل ولكني أذكر ما قال.

قال : ويبنى من رأيت مثل (شاة) راة قال : ومثلها من القول : قاة ومن البيع : باة وضعّفه مع ذلك.

٤٨٤

باب : من مسائل الجمع

تقول في (فيعول) من بعت : بيّوع فإذا جمعته قلت : بياييع فلا تهمز لأنّها لمّا بعدت من الطرف قويت فلم تهمز ، وإذا جمعت (فوعلا) من (قلت) همزت فقلت : قوائل وتهمز فواعل من (عورت وصيدت) وكذلك إذا جمعت (سيدا وعيّلا) ، وذلك قولك : سيائد وعيائل وميائت جمع (ميّت) على التكسير شبهوه (بأوائل).

قال المازني : وسألت الأصمعي عن عيّل : كيف تكسره العرب فقال : عيائل يهمزون كما يهمزون في الواوين يعني في أوّل.

وأمّا (ضيون وضياون) فلم يهمزوا لأنّها صحت في الواحد فجاءت على الأصل وقول الشّاعر (١) :

وكحل العينين بالعواور

إنّما ترك الهمز ؛ لأنه أراد : العواير ولكنّه احتاج فحذف الياء وترك الواو على حالها.

قال الأخفش : فإذا جمعت (فعلّ) نحو : هبيّ ورميّ وأنت تريد مثل : معدّ قلت : هبايّ ورمايّ تجريه مجرى ما ليس من بنات الياء نحو : طمر ومعدّ تقول : طمارّ ومعاد تدعه على إدغامه ولا تظهر التضعيف وقد كان الأصل التضعيف ؛ لأنه ملحق ولكنّ العرب لما وجدت الواحد مدغما أجرت الجمع على ذلك.

قال : وليس هو بالقياس وكذلك (فعلّ) نحو : غزوّ تقول : غزاو إذا جمعتها.

قال : وإذا جمعت (فعلل) من غزوت ورميت وهو غزوا ورميا قلت : غزاو ورماي ولم تهمز لأنّها من الأصل.

__________________

(١) من شعر جندل الطهوي ، والأبيات كاملة :

غرك أن تقاربت أبا عري

وأن رأيت الدهر ذا الدوائر

حنى عظامي وأراه ثاغري

وكاحلا عيني بالعواور.

٤٨٥

قال : فإن أردت فعاليل قلت : رمائيّ فهمزت لمّا اجتمع ثلاث ياءات قبلهنّ ألف والألف شبه الياءات فشبّهوا ذلك بالنسب إلى (راية).

تقول : رائيّ وقال بعضهم : راويّ فأبدلها واوا فلهذا يقول في (فعاليل) من رميت : رماويّ ومن قال : أمييّ قال : رماييّ فلم يغير وتركهن ياءات وكذلك (فعاليل) من (حييت) ومفاعيل تحذف أو تبدل واوا لأنّهم قد كرهوا جمع ياءين في نحو (أثاف) حتى خففوها وخفف بعضهم : أغاني وأضاحي ومعطاء ومعاطي.

قال : ولو قال قائل : أحذف هذا في الجمع إذا رأيتهم قد حذفوا إحدى الياءين في (معاط) و (أثاف) ذهب مذهبا وما غيّر من الجمع كثير نحو : معايا ومكّوك ومكاكي.

قال : (وفعاليل) من غزوت : غزاوي لا تغيّره ؛ لأنه لم يجتمع فيهن ثلاث ياءات.

٤٨٦

باب الإدغام (١)

قال أبو بكر : أصل حروف العربية تسعة وعشرون حرفا الهمزة الألف الهاء العين الحاء الغين الخاء القاف الكاف الضاد الجيم الشين الياء اللام الراء النون الطاء الدال التاء الصاد الزاي السين الظاء الذال الثاء الفاء الباء الميم الواو.

وتكون خمسة وثلاثين. حرفا مستحسنة النون الخفيفة وهمزة بين بين والألف الممالة والشين كالجيم والصاد كالزاي وألف التفخيم ويكون اثنين وأربعين حرفا بحروف غير مستحسنة.

مخارج الحروف ستة عشر :

فللحق ثلاثة فأقصاها مخرجا : الهمزة والهاء والألف.

والأوسط : العين والحاء.

والأدنى من الفم : الغين والخاء.

الرابع : أقصى اللسان وما فوقه من الحنك : القاف.

الخامس : أسفل من موضع القاف من اللسان قليلا ومما يليه من الحنك : الكاف.

السادس : وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك : الجيم والشين والياء.

السابع : من بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس : الضاد.

الثامن : من بين أول حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينهما وبين ما يليها من الحنك الأعلى مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية : مخرج اللام.

التاسع : النون وهي من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا.

العاشر : ومن مخرج النون غير أنّه أدخل في ظهر اللسان قليلا لإنحرافه إلى اللام : مخرج الراء.

__________________

(١) قال الجرجاني : الإدغام في اللغة : إدخال الشيء في الشيء ، يقال : أدغمت الثياب في الوعاء ، إذا أدخلتها ؛ وفي الصناعة : إسكان الحرف الأول وإدراجه في الثاني ، ويسمى الأول : مدغما ، والثاني : مدغما فيه. وقيل : هو إلباث الحرف في مخرجه مقدار إلباث الحرفين ، نحو : مد ، وعد.

٤٨٧

الحادي عشر : ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا : مخرج الطاء والدال والتاء.

الثاني عشر : ممّا بين اللسان وفويق الثنايا السّفلى : مخرج الزاي والسين والصاد.

الثالث عشر : ممّا بين طرف اللسان وأطراف الثنايا : مخرج الظاء والثاء والذال.

الرابع عشر : ومن باطن الشّفة السفلى وأطراف الثنايا العليا : مخرج الفاء.

الخامس عشر : ومما بين الشفتين : الباء والميم والواو.

السادس عشر : ومن الخياشيم مخرج النون الخفيفة.

أصناف هذه الحروف أحد عشر صنفا :

المجهورة والمهموسة والشديدة والرخوة والمنحرف والشديد الذي يخرج معه الصوت والمكررة واللينة والهاوي والمطبقة والمنفتحة.

الأول : المجهورة :

وهي تسعة عشر حرفا : الهمزة والألف والعين والغين والقاف والجيم والياء والضاد واللام والزاي والراء والطاء والدال والنون والظاء والذال والباء والميم والواو.

فالمجهورة كلّ حرف أشبع الإعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه حتّى ينقضي الإعتماد يجري الصوت إلّا أنّ النون والميم قد يعتمد لهما في الفم والخياشيم فتصير فيهما غنّة والدليل على ذلك أنّك لو أمسكت بأنفك ثمّ تكلمت بهما رأيت ذلك قد أخلّ بهما.

الثاني : المهموسة :

وهي عشرة أحرف : الهاء والحاء والخاء والكاف والسين والشين والتاء والصاد والثاء والفاء.

وهو حرف أضعف الإعتماد في موضعه حتى جرى معه النفس وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرردت الحرف مع جري النفس ولو أردت ذلك في المجهورة لم تقدر عليه.

٤٨٨

الثالث : الشديد من الحروف :

هو الذي يمنع الصوت أن يجري فيه وهي ثمانية أحرف : الهمزة والقاف والكاف والجيم والطاء والتاء والباء والدال فلو أردت مدّ صوتك بالحرف الشديد لم يجر لك ، وذلك أنّك لو قلت : ألحج لم يجر لك مد الصوت بالجيم.

الرابع : الحروف الرّخوة :

الهاء والحاء والغين والخاء والشين والصاد والضاد والزاي والسين والظاء والثاء والذال والفاء ، وذلك أنّك إذا قلت : الطّس وانقض وأشباه ذلك أجريت فيه الصوت إن شئت أما (العين) فبين الرّخوة والشديدة تصل إلى الترديد فيها لشبهها بالحاء.

الخامس : الحرف المنحرف :

وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لإنحراف اللسان مع الصوت ولم يعترض على الصوت كإعتراض الشديدة وهو اللام ، وإن شئت مددت فيه الصوت وليس كالرّخوة ؛ لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه وليس يخرج الصوت من موضع اللام ولكن من ناحيتي مستدقّ اللّسان فويق ذلك.

السادس : الشديد الذي يخرج معه الصوت :

لأنّ ذلك الصوت غنّة من الأنف فإنّما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف لأنّك لو أمسكت بأنفك لم يجر معه صوت وهو النون والميم.

السابع : المكرر :

وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره وإنحرافه إلى اللام فتجافى للصوت كالرّخوة ولو لم يكرر لم يجر الصوت فيه وهو الراء.

الثامن : اللينة :

الواو والياء ؛ لأن مخرجهما يتسع لهواء الصوت أشدّ من اتساع غيرهما.

٤٨٩

التاسع : الهاوي :

حرف اتسع لهواء الصوت مخرجه أشدّ من اتساع مخرج الياء والواو لأنّك قد تضمّ شفتيك في الواو وترفع لسانك في الياء قبل الحنك وهي الألف وهذه الثلاثة أخفى الحروف لإتساع مخرجها وأخفاهنّ وأوسعهنّ مخرجا الألف ثمّ الياء ثمّ الواو.

العاشر : المطبقة :

هي أربعة : الصاد والضاد والطاء والظاء.

الحادي عشر : المنفتحة :

وهو كلّ ما سوى المطبقة من الحروف لأنّك لا تطبق لشيء منهنّ لسانك ترفعه إلى الحنك وهذه الأربعة الأحرف إذا وضعت لسانك في مواضعهن انطبق لسانك من مواضعهنّ إلى ما حاذى الحنك الأعلى من اللسان ترفعه إلى الحنك فإذا وضعت لسانك فالصوت محصور فيما بين اللسان والحنك إلى موضع الحروف.

وأمّا الدال والزاي ونحوهما فإنّما ينحصر الصوت إذا وضعت لسانك في مواضعهن ولو لا الإطباق لصارت الطاء دالا والصاد سينا والظاء ذالا ولخرجت الضاد من الكلام ؛ لأنه ليس شيء من موضعها وغيرها.

٤٩٠

ذكر الإدغام

وهو وصلك حرفا ساكنا بحرف مثله من موضعه من غير حركة تفصل بينهما ولا وقف فيصيران بتداخلهما كحرف واحد ترفع اللسان عنهما رفعة واحدة ويشتدّ الحرف ألا ترى أنّ كلّ حرف شديد يقوم في العروض والوزن مقام حرفين الأول منهما ساكن.

والإدغام في الكلام يجيء على نوعين :

أحدهما : إدغام حرف في حرف يتكرر.

والآخر : إدغام حرف في حرف يقاربه.

النوع الأول : إدغام الحرفين

اللذين تضع لسانك لهما موضعا واحدا لا يزول عنه ، وذلك يجيء على ضربين : أحدهما : أن يجتمع الحرفان في كلمة واحدة والآخر : أن يكونا من كلمتين.

فأمّا ما كان من ذلك في الفعل الثلاثي الذي لا زيادة فيه فجميعه مدغم متى التقى حرفان من موضع واحد متحركين حذفت الحركة وأدغم أحدهما في الآخر ، وذلك نحو : فرّ وسرّ والأصل : فرر وسرر.

ففرّ نظير (قام) أعلّت العين في ذا كما أعلّت في ذا.

وسرّ : نظير (قيل) في أصلها ألا ترى أنّ بعضهم يقول : قول وبوع كما أنّ منهم من يقول :ردّ مثل (قيل) ، وأما مدّ وفرّ في الأمر فقد ذكرناه في حدّ الوقف والابتداء وكذلك ما جاء من الأسماء على وزن الأفعال المدغمة أعلّ وأدغم ؛ لأن الإدغام اعلال إلّا (فعل) مثل (طلل وشرر) ، فإن كان المضاعف على مثال (فعل) و (فعل) لم يقع إلّا مدغما ، وذلك رجل ضفّ الحال هو (فعل).

والدليل على ذلك قولهم الضفف في المصدر فهذا نظيره من غير المضاعف : الحذر ورجل حذر وقد جاء حرف منه على أصله كما قالوا (الخونة والحوكة) على أصولهما قالوا : قوم ضففو الحال فشذّ هذا كما شذّ غيره.

٤٩١

(وفعل) لم يسمع منه شيء جاء على أصله ، وإن كان المضاعف (فعلا) أو (فعلا) أو فعلا ممّا لا يكون مثاله فعلا فهو على الأصل نحو : (خزو ومرر) وحضض وضض فأمّا قولهم :قصص وقصّ وهم يعنون المصدر فإنّما هما اسمان : أحدهما محرّك العين والآخر ساكن العين.

فجاءا على أصولهما ومثله من غير المضاعف : معز ومعز وشمع وشمع وشعر وشعر وهذا كثير وليس أنّ (قصّا) مسكّن من (قصص) ولكن كل واحد منهما أصل ، وأما قول الشاعر :

هاجك من أروى كمنهاض الفلك

فإنّما احتاج إلى تحريكه فبناه على (فعل) كما قال :

ولم يضعها بين فرك وعشق

وإنّما هو عشق فاحتاج فبناه على (فعل).

قال المازني : وزعم الأصمعي قال : سألت أعرابيا ونحن بالموضع الذي ذكره وزهير حيث يقول :

ثم استمرّوا وقالوا : إنّ مشربكم

ماء بشرقيّ سلمى فيد أو ركك

هل تعرف (رككا) فقال : قد كان هاهنا ماء يسمّى ركّا.

فهذا مثل فكك فإذا ألحقت هذه الأشياء التي ذكرت الألف والنون في آخرها ، فإن الخليل وسيبويه والمازنيّ يدعون الصدر على ما كان عليه قبل أن يلحق ، وذلك نحو : رددان ، وإن أردت (فعلان) أو (فعلان) أدغمت فقلت : (ردّان) فيهما وكان أبو الحسن الأخفش يظهر فيقول : رددان ورددان ويقول : هو ملحق بالألف والنون فلذلك يظهر ليسلم البناء.

قال المازني : والقول عندي على خلاف ذلك ؛ لأن الألف والنون يجب أن يكونا كالشيء الواحد المنفصل ألا ترى أنّ التصغير لا يحتسب بهما فيه كما لا يحتسب بياءي الإضافة ولا بألفي التأنيث ويحقرون (زعفرانا) فيقولون : زعيفران وخنفساء. خنيفساء فلو احتسبوا بهما لحذفوهما كما يحذفون ما جاوز الأربعة فيقولون في (سفرجل). سفيرج فأمّا ما جاء من

٤٩٢

التضعيف فيما جاوز عدته ثلاثة أحرف فإنّه يكون على ضربين. ملحق وغير ملحق فالملحق يظهر فيه التضعيف نحو : مهدد وجلببة. فمهدد ملحق بجعفر وجلببة ملحق بدحرجة.

وإن كان غير ملحق أدغم ، وذلك نحو : احمّار واحمر ولو كان له في الرباعي مثال لما جاز تضعيفه كما لم يجز إدغام (اقعنسس) لمّا كان ملحقا (باحرنجم) وقد مضى ذكر ذا وأشباهه ، وأما (اقتتلوا) فليس بمحلق والعرب تختلف في الإدغام وتركه فمنهم من يجريه مجرى المنفصلين فلا يدغم كما لا يدغم اسم (موسى) وإنّما فعل به ذلك ؛ لأن التاء الأولى دخلت لمعنى فمن أبى الإدغام كره أن يزيل البناء الذي دخلت له التاء فيزول المعنى وذهب إلى أنّ التاء غير لازمة وأنّها ليست مثل راء (احمررت) اللازمة ؛ لأنه يجوز أن يقع بعد تاء (افتعلوا) كلّ حرف من حروف المعجم.

ومنهم من أدغم لمّا كان الحرفان في كلمة ومضى على القياس فقال : يقتّلون وقد قتّلوا كسروا القاف لالتقاء الساكنين وشبهت بقولهم : (ردّ).

وقال آخرون : قتّلوا ألقوا حركة المتحرك على الساكن وتصديق ذلك قراءة الحسن (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ)(١) [الصافات : ١٠] ومن قال : يقتّل قال : مقتّل ومن قال : يقتّل قال : مقتّل.

قال سيبويه : حدثني الخليل وهارون : أنّ ناسا يقولون : مردّفين يريدون : مرتدفين أتبعوا الضمة الضمة ومن قال هذا قال : مقتّلين وهذا أقلّ اللغات.

وكلّ ما يجوز أن تدغمه ولا تدغمه فلك فيه الإخفاء إلّا أن يكون قبله ساكن وبعده ساكن كنحو (أردد).

الضرب الثاني : أن يكون الحرفان من كلمتين منفصلتين

وهو ينقسم قسمين :

__________________

(١) (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) فيه لغات قد قرىء ببعضها ، وهي غير مخالفة للخط ، يقال : إذا أخذ الشيء بسرعة خطف وخطف وخطّف وخطّف وخطّف ، والأصل : المشددات اختطف ، فأدغمت التاء في الطاء ؛ لأنها أختها ، وفتحت الخاء ؛ لأن حركة التاء ألقيت عليها ، ومن كسرها فلالتقاء الساكنين ، وممن كسر الطاء أتبع الكسر الكسر. [إعراب القرآن للنحاس : ٣ / ٢٨٠].

٤٩٣

أحدهما : ما يجوز إدغامه.

والآخر : لا يجوز إدغامه.

وأحسن ما يكون الإدغام في الحرفين المتحركين اللذين هما سواء إذا كانا منفصلين أن تتوالى خمسة أحرف متحركة بهما فصاعدا ؛ لأنه ليس في أصل بناء كلامهم بناء لكلمة على خمسة أحرف متحركة.

وقد تتوالى الأربعة متحركة في مثل (علبط) وهو محذوف من علابط ولا يكون ذلك في غير المحذوف وليس في الشعر خمسة أحرف متحركة متوالية ، وذلك نحو : جعل لك وفعل لبيد لك. أن تدغم ولك أن تبين والبيان عربي حجازي ؛ لأن المنفصل ليس بمنزلة ما هو في كلمة واحدة لا ينفصل نحو : مدّ واحمرّ ولك الإدغام في كلّ حرفين منفصلين إلّا أن يكون قبل الأول حرف ساكن فحينئذ لا يجوز الإدغام ؛ لأنه لا يلتقي ساكنان إلّا أن يكون الساكن الذي قبل الأوّل حرف مدّ ، فإن الإدغام يجوز في ذلك كما كان في غير الإنفصال كما قالوا : رادّ وتمودّ الثوب.

فأمّا المنفصل فنحو قولك : المال لك وهم يظلمونيّ والبيان هاهنا يزداد حسنا لسكون ما قبله ، فإن كان قبله ساكن ليس بحرف مدّ لم يجز الإدغام ، وذلك قولك : ابن نوح واسم موسى لا تدغم ولكنّك إن شئت أخفيت وتكون بزنة المتحرك ولا يجوز إذا كان قبل الحرف الأول حرف ساكن أن يدغم ويحرك ما قبله لالتقاء الساكنين فأمّا قول بعضهم : (نعمّا) محرّك العين فليس على لغة من قال (نعم) فأسكن ولكن على لغة من قال : (نعم) فحرّك العين هذا قول سيبويه.

قال : وحدّثنا أبو الخطاب : أنّها لغة هذيل وكسروا كما كسروا (لعب) ، وأما قوله (فلا تتناجوا) ، فإن شئت أسكنت وأدغمت ؛ لأن قبله حرف مدّ وهو الألف ، وأما (ثوب بكر) فالبيان هاهنا أحسن منه في الألف ؛ لأن الواو في (ثوب) لا تشبه الألف ؛ لأن حركة ما قبلها ليس منها وكذلك (جيب بكر) والإدغام في هذا جائز ، وإن لم يكونا بمنزلة الألف وإنّما يكونان بمنزلة الألف إذا كان قبل الواو ضمّة قبل الياء كسرة فالإدغام في (ثوب بكر) في

٤٩٤

المنفصل مثل (أصيم) في المتصل وإنّما فعل ذلك بياء التصغير لأنّها لا تحرك وأنّها نظير الألف في (مفاعل ومفاعيل).

القسم الثاني : الذي لا يجوز إدغامه :

وإذا قلت : مررت بوليّ يزيد وعدوّ وليد ، فإن شئت أخفيت ، وإن شئت بنيت ولا يجوز الإدغام لأنك حيث أدغمت الواو في (عدوّ) والياء في (وليّ) فرفعت لسانك رفعة واحدة ذهب المدّ وصارتا بمنزلة ما يدغم من غير المعتل فالواو الأولى في (عدوّ) بمنزلة اللام في (دلو) والياء الأولى في (وليّ) بمنزلة الباء في (ظبي) والدليل على ذلك أنه يجوز في القوافي (ليّا) مع قولك : ظبيا و (دوّا) مع قولك : غزوا ، وإذا كانت الواو قبلها ضمّة والياء قبلها كسرة ، فإن واحدة منهما لا تدغم إذا كان مثلها بعدها ، وذلك قولك : ظلموا واقدا واظلمي ياسرا ويغزو واقد وهذا قاضي ياسر لا تدغم وإنّما تركوا المدّ على حاله في الانفصال كما قالوا : قد قوول حيث لم تلزم الواو وأرادوا أن تكون على زنة (قاول) فكذلك هذه إذا لم تكن الواو لازمة فأمّا الواو إذا كانت لازمة بعدها واو في كلمة واحدة فهي مدغمة ، وذلك نحو : معزوّ وزنه مفعول فالواو لازمة لهذا البناء وليست بمنزلة قوول الذي إذا بنيته للفاعل صار : قاول ، وإذا قلت وأنت تأمر : اخشي يّاسرا واخشوا واقدا أدغمت لأنّهما ليسا بحرفي مدّ كالألف ؛ لأنه انفتح ما قبل الهاء والواو والهمزتان ليس فيهما إدغام في مثل قولك : قرأ أبوك وأقرىء أباك وقد ذكر في باب الهمز ما يجوز في ذا وما لا يجوز.

النوع الثاني من الإدغام وهو ما أدغم للتقارب :

اعلم أنّ المتقاربة تنقسم قسمين : أحدهما : أن يدغم الحرف في الحرف المقارب له والقسم الآخر لا يدغم الحرف في مقاربه.

فأمّا الذي يدغم في مقاربه فهو على ضربين :

أحدهما : يدغم كلّ واحد من الحرفين في صاحبه.

والآخر : ليس كذلك بل لا يدغم أحد الحرفين في الآخر ولا يدغم الآخر فيه.

٤٩٥

ذكر ما يدغم في مقاربه

اعلم أنّ أحسن الإدغام أن يكون في حروف الفم وأبعد ما يكون في حروف الحلق فكلّما قرب من الفم فالإدغام فيه أحسن من الإدغام فيما لا يقرب والبيان في حروف الحلق.

وما قرب منها أحسن وما قرب من الفم لا يدغم في الذي قبله.

واعلم أنّ هذه المدغمة تنقسم ثلاثة أقسام منها ما يبدل الأول بلفظ الثاني ثمّ يدغم فيه وهذا أحقّ الإدغام ومنها ما يبدل الثاني بلفظ الأول ثم يدغم الأول في الثاني ومنها ما يبدل الحرفان جميعا بما يقاربهما ثمّ يدغم أحدهما في الآخر وقد كتبنا جميع ذلك في مواضعه وقد قلنا : إنّ المخارج ستة عشر مخرجا ونحن نذكر جميع ذلك وما يجوز وما لا يجوز وما يحسن وما لا يحسن.

الأول : ما يدغم من حروف الحلق :

ولها ثلاثة مخارج كما ذكرنا الهاء مع الحاء تدغم كقولك : اجبه حملا البيان أحسن ولا يدغم الحاء في الهاء العين مع الهاء : أقطع هلالا البيان أحسن ، فإن أدغمت لقرب المخرجين حوّلت الهاء حاء والعين حاء ثمّ أدغمت الحاء في الحاء ؛ لأن الأقرب إلى الفم لا يدغم في الذي قبله وكان التقاء الحاءين أخفّ في الكلام من التقاء العينين وبنو تميم يقولون : محّم يريدون :معهم ومحّاؤلاء يريدون : مع هؤلاء.

العين مع الهاء :

اقطع حّملا الإدغام حسن والبيان حسن لأنّهما من مخرج واحد ولا تدغم الحاء في العين ؛ لأن الحاء يفرون إليها إذا وقعت الهاء مع العين.

الحاء مع العين :

قال سيبويه : ولكنّك لو قلبت العين حاء فقلت في (امدح عرفة) : امدحّرفة جاز.

الغين مع الخاء :

البيان أحسن والإدغام حسن ، وذلك قولك : أدمغ خلفا.

٤٩٦

الخاء مع الغين :

البيان أحسن ويجوز الإدغام ؛ لأنه المخرج الثالث وهو أدنى مخارج الحلق إلى اللسان ألا ترى أنّ بعض العرب يقول : منخل ومنغل فيخفي النون كما يخفيها مع حروف اللسان ، وذلك قولك في اسلخ غنمك : اسلغّنمك ويدلّك على حسن البيان عزتها في باب (رددت) لأنّهم لا يكادون يضعفون ما يستثقلون.

القاف مع الكاف :

الحق كلدة الإدغام حسن والبيان حسن.

الكاف مع القاف :

انهك قطنا البيان أحسن والإدغام حسن وإنّما كان البيان أحسن ؛ لأن القاف أقرب إلى حروف الحلق من الكاف فإدغام الكاف فيها أحسن من إدغامها هي في الكاف.

السادس الجيم مع الشين :

ابعج شبثا الإدغام والبيان حسنان.

السابع اللام مع الراء :

اشغل رّجبة يدغم وهو أحسن.

النون مع الراء واللام والميم :

من رّاشد يدغم بغنّة وبلا غنّة وتدغم في اللام (من لّك) إن شئت كان إدغاما بلا غنّة ، وإن شئت بغنّة وتدغم النون مع الميم.

النون مع الباء :

تقلب النون مع الباء ميما ولم يجعلوا النون باء لبعدها في المخرج ، وأنّها ليست فيها غنّة ، وذلك قولهم : ممبك يريدون : من بك وشمباء وعمبر يريدون : شنباء وعنبرا.

النون مع الواو :

٤٩٧

وتدغم النون مع الواو بغنّة وبلا غنّة لأنّها من مخرج ما أدغمت فيه النون وإنّما منعها أن تقلب مع الواو ميما أنّ الواو حرف لين تتجافى عنه الشّفتان والميم كالباء في الشدة وإلزام الشّفتين.

النون مع الياء :

تدغم بغنّة وبلا غنّة ؛ لأن الياء أخت الواو وقد تدغم فيها الواو فكأنّهما من مخرج واحد ؛ لأنه ليس مخرج من طرف اللسان أقرب إلى مخرج الراء منه الياء ألا ترى أنّ الألثغ بالراء يجعلها ياء وكذلك الألثغ باللام وتكون النون مع سائر حروف الفم حرفا خفيا مخرجه من الخياشيم ، وذلك أنّها من حروف الفم وأصل الإدغام لحروف الفم لأنّها أكثر الحروف فلمّا وصلوا إلى أن يكون لها مخرج من غير الفم كان أخفّ عليهم أن لا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة واحدة ، وذلك قولك : من كان ومن قال ومن جاء وهي مع الراء واللام والياء والواو إذا أدغمت بغنّة ليس مخرجها من الخياشيم ولكنّ صوت الفم أشرب غنّة ولو كان مخرجها من الخياشم لما جاز أن تدغمها في الواو والياء والراء واللام حتى تصير مثلهن في كلّ شيء وهي مع حروف الحلق بنية موضعها من الفم.

قال سيبويه : وذلك أنّ هذه الستّة تباعدت عن مخرج النون فلم تخف هاهنا كما لا تدغم في هذا الموضع وكما أنّ حروف اللسان لا تدغم في حروف الحلق وإنّما أخفيت النون في حروف الفم كما أدغمت في اللام وأخواتها تقول : من أجل ذنب ومن خلف زيد ومن حاتم ومن عليك ومن غلبك ومنخل فتبين وهو الأجود والأكثر وبعض العرب يجري الغين والخاء مجرى القاف ، وإذا كانت النون متحركة لم تكن إلا من الفم ولم يجز إلّا إبانتها وتكون النون ساكنة مع الميم إذا كانت من نفس الحرف بينة وكذلك هي مع الواو والياء بمنزلتها مع حروف الحلق ، وذلك قوله : شاة زنماء وغنم زنم وقنواء وقنية وكنية.

وإنّما حملهم على البيان كراهية الإلباس فيصير كأنّه من المضاعف ؛ لأن هذا المثال قد يكون في كلامهم مضعّفا ألا تراهم قالوا : امّحى حيث لم يخافوا الإلباس ؛ لأن هذا المثال لا تضاعف فيه الميم.

٤٩٨

قال سيبويه : وسمعت الخليل يقول في انفعل من (وجلت) : اوّجل كما قالوا : امّحى لأنّها نون زيدت في مثال لا تضاعف فيه الواو فصار هذا بمنزلة المنفصل في قولك : من مثلك وكذلك إن بنيت (انفعل) من (يئس) قلت : إيّاس ، وإذا كانت مع الباء لم تتبين ، وذلك قولك : شمباء لأنّك لا تدغم النون وإنما تحوّلها ميما والميم لا تقع ساكنة قبل الباء في كلمة فليس في هذا لبس ولا تعلم النون وقعت في الكلام ساكنة قبل راء ولا لام ليس في الكلام مثل : قنر ولا.

عنل وإنّما احتمل ذلك في الواو والياء لبعد المخارج وليس حرف من الحروف التي تكون النون معها من الخياشيم تدغم في النون لم تدغم فيهنّ.

فأمّا اللام فقد تدغم في النون ، وذلك قولك : هنّرى. فتدغم في النون والبيان أحسن ؛ لأنه قد امتنع أن يدغم في النون ما أدغمت فيه سوى اللام فكأنّهم يستوحشون من الإدغام فيها ولم يدغموا الميم في النون لأنّها لا تدغم في الياء التي هي من مخرجها فلمّا لم تدغم فيما هو من مخرجها كانت من غيره أبعد ولام المعرفة تدغم في ثلاثة عشر حرفا ولا يجوز فيها معهن إلّا الإدغام لكثرة لام المعرفة في الكلام وكثرة موافقتها لهذه الحروف واللام من طرف اللسان وهذه الحروف أحد عشر حرفا منها من طرف اللسان وحرفان بخالطان طرف اللسان فلمّا اجتمع فيها هذا وكثرتها في الكلام لم يجز إلا الإدغام والأحد عشر حرفا : النون والواو والدال والتاء والصاد والطاء والزاي والسين والظاء والثاء والذال.

وقد خالطتها الضاد والشين ؛ لأن الضاد استطالت لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج الطاء ، وذلك قولك : النعمان والرجل فكذلك سائر هذه الحروف فإذا كانت غير لام المعرفة نحو لام (هل وبل) ، فإن الإدغام في بعضها أحسن ، وذلك قولك : هرّأيت ؛ لأن الراء أقرب الحروف إلى اللام ، وإن لم تدغم فهي لغة لأهل الحجاز وهي عربية جائزة وهي مع الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين جائزة وليس ككثرتها مع الراء وإنّما جاز الإدغام ؛ لأن آخر مخرج اللام قريب من مخرجها وهي حروف طرف اللسان وهي مع الظاء والثاء والذال جائزة وليس كحسنه مع هؤلاء وإنّما جاز الإدغام لأنّهنّ مع الثنايا وهنّ من حروف طرف

٤٩٩

اللسان كما أنهن منه واللام مع الضاد والشين أضعف ؛ لأن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان والشين من وسطه.

قال طريف بن تميم العنبري :

تقول إذا استهلكت مالا للذّة

فكيهة هشّيء بكفيك لائق

يريد : (هل شيء) فأدغم اللام في الشين.

وقرأ أبو عمرو : هثّوب الكفّار فأدغم اللام في الثاء وقرىء : (بتؤثرون الحياة الدنيا) (١) [الأعلى : ١٦] فأدغم اللام في التاء.

قال سيبويه : وإدغام اللام في النون أقبح من جميع هذه الحروف لأنّها تدغم في اللّام كما تدغم في الياء والواو والراّء والميم فلم يجسروا أن يخرجوها من هذه الحروف التي شاركتها في إدغام النّون وصارت كأحدها في ذلك.

__________________

(١) هذه القراءة للسوسي عن أبي عمرو بإدغام اللام في التاء ، والنطق بها مشددة.

٥٠٠