الأصول في النحو - ج ٢

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ٢

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-406-X
الصفحات: ٥٣٥

واعلم أنّ النون الساكنة إذا كانت في كلمة واحدة مع الميم والواو والياء والراء واللام فإنّهم بينونها في نحو : أنملة ومنية وأنوك لأنّهم لو أدغموها لالتبست فتوهم السامع أنّها من المضاعف وإنّما قالوا : امّحى فأدغموا النون ؛ لأن هذا بناء لا يكون إلا (انفعل) ولا يكون في الكلام (افّعل) فيخاف أن يلتبس بهذا وكذلك (انفعل) من وجلت أوّجل ومن رأيت ارّأى ومن لحن الحّن لا تبين النون ؛ لأن هذا موضع لا يخاف أن يلتبس بغيره وتقول في مثل : قنفخر من : عمل عنملّ ومثل : عنسل من : بعت وقلت : بنيع وقنول ومثال : قنفخر بنيّع وقنوّل فتبين النون لئلا يلبس ما كان من قنفخر بعلكد وتقول في مثل : جحنفل من علمت علنمم فتبين النون لئلا يلبس بغطمّش.

قال الأخفش : ولا تقوله من كسرت ولا جعلت ؛ لأن النون تقع قبل لام أوراء ، فإن بنيتها ثقل الكلام لقرب اللام والراء منها ، وإن أدغمت خشيت الإلتباس ولا تقول أيضا مثل (عنسل) من شريت ولا من علمت ؛ لأن النون من مخرج الراء واللام ، فإن أدغمت التبس ، وإن بنيت ثقل وتقول في مثل (عنسل) من قلت وعملت : عنمل وقنول ومن (بعت) بنيع ولم يجز الإدغام فيلتبس قال : وتقول في مثل (كنتأل من قويت) قنويّ تبين النون لأنّك لو أدغمتها التبست (بفعّل) من قويت إذا ثقلت العين واللام وكذلك مثل (كنتأل) من نميت ننميّ ومن قال : نموت قال : ننموّ ومن حييت حيييّ وتقول فيما كان من المضاعف على مثال (فعل) بغير الإدغام ، وذلك نحو قصص من قصّ يقصّ ومثله : مشش وعسس وتقول على مثال ذلك من (رددت ردد) ، فإن كان المضاعف على مثال : فعل وفعل لم يقع إلّا مدغما ، وذلك رجل صنفّ الحال هو (فعل) والدليل على ذلك قولهم : الضّفف في المصدر فهذا نظيره من غير المضاعف الحذر والرجل حذر وقد جاء حرف منه على أصله قالوا : قوم ضففو الحال فشذّ هذا كما شذّ (الحوكة) ، وإن كان المضاعف (فعل) أو (فعل) أو (فعل) مما لا يكون مثاله فعلا فهو على الأصل نحو : خزر ومرر وحضض وحضض ، وأما قولهم قصص وقصّ وهم يعنون المصدر فهما اسمان :

أحدهما : محرك العين.

٤٦١

والآخر : ساكن العين في لغتين.

وأمّا قول الشاعر (١) :

هاجك من أروى كمنهاض الفكك

فإنّه احتاج فحرك فجعل الفكّ الفكك.

قال المازني : فإذا ألحقت هذه الأشياء الألف والنون في آخرها تركت الصدر على ما كان عليه قبل أن تلحق ، وذلك نحو : رددان ، وإن أردت (فعلان) أو (فعلان) أدغمت فقلت :ردّان فيهما وهو أوثق من أن تظهر.

قال : وكان أبو الحسن الأخفش يظهر فيقول : رددان ورددان ويقول : هو ملحق بالألف والنون ولذلك يظهر ليسلم البناء.

قال المازني : والقول عندي على خلاف ذلك ؛ لأن الألف والنون يجيئان كالشيء المنفصل ألا ترى أنّ التصغير لا يحتسب بهما فيه كما لا يحتسب بياءي الإضافة ولا بألفي التأنيث فيحقرون (زعفران) : زعيفران وخنفساء : خينفساء فلو احتسبوا بهما لحذفوهما كما يحذفون ما جاوز الأربعة. قال : وهذا قول الخليل وسيبويه وهو الصواب.

الضرب الثاني مما قيس من المعتلّ على الصحيح :

هذا الضرب ينقسم بعدد الحروف المعتلة ثلاثة أقسام وهي : الياء والواو والهمزة ثمّ يمتزج بعضها مع بعض فتحدث أربعة أقسام : ياء وواو وياء مع همزة وواو مع همزة واجتماع ياء وواو وهمزة فذلك سبعة أقسام.

القسم الأول : المسائل المبنية من الياء :

تقول : في مثال حمصيصة من رميت رمويّة وكانت قبل أن تغيرها رمييّة فاجتمع فيها من الياءات ما كان يجتمع في رحييّة إذا نسبت إلى رحى فغيرت كما غيرت (رحى) في النسب

__________________

(١) البيت لرؤبة بن العجاج ت ١٤٥ ه‍ ، والبيت كاملا : [الرجز]

هاجك من أروى كمنهاض الفكك

همّ إذا لم يعده همّ فتك.

٤٦٢

فقلبت اللام الأولى ألفا ثم أبدلتها واوا ؛ لأن بعدها ياء ثقيلة كياء النسب ، فإن قلت : إنّ ياء النسب منفصلة فلم شبّهت هذا بها فإنّهم إذا كرهوا اجتماع الياءات في المنفصل فهم لغير المنفصل أكره ألا ترى أنّ الهمزتين إذا التقتا منفصلتين خلافهما إذا اجتمعتا في كلمة واحدة ؛ لأن الجميع من أهل التحقيق والتخفيف يجمعون على إبدالها إذا كانت في كلمة واحدة ومن قال في (حيّة) في النسب (حيّيّ) وفي أميّة : أميّيّ فجمع بين أربع ياءات لم يقل ذلك في (مثل) (حمصيصة) من (رميت) ولم يكن فيها إلّا التغير وهذا أقيس.

وكان الخليل وسيبويه وأبو الحسن الأخفش يرونه وهو قول المازني وتقول في (فيعل) من حييت حيّ وكان الأصل : حييّ فاجتمعت ثلاث ياءات الأولى الياء الزائدة في (فيعل) والثانية عين والثالثة لام فحذفت الأخيرة كما فعلوا في تصغير أحوى حين قالوا : أحيّ فحذفوا استثقالا للجمع بين هذه الياءات الثلاث التي آخرها لام قبلها كسرة وتقول في فعلان من حييت : حيوان فتقلب الياء التي هي لام واوا لإنضمام ما قبلها ومن أسكن قال : حيوان (كما يقول إذا أسكن) (لقضو الرجل) لا يغير ؛ لأن الإسكان ليس بأصل ، فإن قيل لم لم تقلب الياء من حيوان ألفا وهي عين متحركة قبلها فتحة قيل : إذا أعلت اللام لم تعل العين والواجب إعلال اللام دون العين ؛ لأن اللامات متى لم تدخل عليها الزوائد كانت أطرافا يقع عليها الإعراب ويلحقها التغير أيضا إذا دخلت عليها الزوائد.

وقال الخليل : أقول في مثل (فعلان) من حييت : حيّان وتسكن وتدغم إن شئت ويقول في مثال (مفعلة) من (رميت) : مرموة إذا بنيتها على التأنيث ومرمية إذا بنيتها على التذكير ومعنى قولي : بنيتها على التأنيث أي : لا يقدر فيها التذكير قبل الهاء ثم تدخل الهاء إنّما تجعلها في أول أحوالها وقعت وصيغت مع الهاء ، فإن قدرت أنّ التذكير سبق ثم أدخلت الهاء للتأنيث فلا بدّ من الإعلال ؛ لأنه لا يجوز أن يكون اسم آخره واو قبلها ضمة والدليل على أنّ الذي يبنى على التأنيث لا يقلب فيها الواو قراءة الناس : خطوات ؛ لأنه إنما عرض التثقيل في الجمع ولم تكن الواحدة مثقلة ومن ثقل (خطوات) لزمه أن يقول : في كلية كلوات ؛ لأن الياء انضمّ ما قبلها وهو موضع تثبت فيه الواو لأنّها غير طرف ولكنّ العرب لا تقوله ؛ لأن له نظيرا من غير

٤٦٣

المعتلّ لا يحول في أكثر كلام العرب نحو (ظلمات) والرّسل فألزم هذا الإسكان إذ كان غير المعتلّ يسكن ولكن من قال (مدية) في (مدية) فلا بأس بأن يقول : مديات ؛ لأنه لا يلزمه قلب شيء إلى شيء والإسكان أكثر في الياء والواو لإستثقالهم الحركة فيهما ومن قال : رشوة ثم جمع بالتاء فحرك فقياسه رشيات كما يلزمه أن يقلب الياء في كلية واوا إذا انضمّ ما قبلها كذا يلزمه أن يقلب الواو ياء إذا انكسر ما قبلها للجمع في (رشوة) كما كان قائلا في (كلية) كلوات ولكنّ هذا متنكب كما كان تثقيل كلية متنكبا.

وقال الأخفش : تقول في (مفعلة) من (رميت) مرموة إذا بنيتها على التأنيث ومرمية إذا بنيتها على التذكير كما تقدم من قولنا مثل (عرقوة) وفعللة من (رميت) رميوة وفعلة من (قضيت ورميت) إذا لم تبنه على تذكير (قضوة ورموة إن بنيته على تذكير قلت : رمية. وفعلان من (رميت) رميان كما قلت : رميا. وتقول في فعلالة من رميت : رمياية ومن (حييت) حيايّة ، وإذا كانت على تذكير همزت وتقول في (فعللة) من (رميت) رميية قال : وتقول في (فعلان) من حييت حييان لا تدغم وإنّما قالت العرب : الحيوان فصيروا الآخرة واوا لأنّهم استثقلوا الياءين وكان هذا الباب مما لا يدغم فحولوا الآخرة واوا لئلا يختلف الحرفان.

قال : وتقول في (فعلان) من حييت : حيوان فتبدل الآخرة واوا لما انضمّ ما قبلها.

قال : وتقول في (فعلان وفعلان) : حييان وحييان ولا تقلب الأولى واوا ، وإن كان ما قبلها مضموما لأنّها في موضع العين.

قال أبو بكر : إن كان ما حكي عن الأخفش من قوله في (فعلان) من (حييت) : حييان صحيحا عنه فهو غلط ؛ لأنه قد ترك قوله في (فعلان) حيوان ، فإن احتجّ عنه محتج أنه كان يلزم أن يقول (حووان) فتقلب الياءين للضمتين ثم تقلب الواو الأخيرة ياء وتكسر ما قبلها فلمّا فعل ذلك وأعلّ اللّام لم يجز أن يعلّ العين ردّ الياء قيل له : إذا وجب إعلال اللام دون العين لم يتسع لنا هذا التقدير ؛ لأن العين كالحرف الصحيح إذا كانت اللام معتلة وكان بعض أصحابنا من الحذاق بالتصريف لا يجيز في شيء من الأبنية أن يجتمع واوان بينهما ضمة.

٤٦٤

وقال : أجري هذه الأشياء على ما تلفظ به العرب فأنقل (فعل) إلى (فعل) في (حيوان وقووان) فأقول : قويان وحييان فأمّا (فعلان) فأستقبح أن أبني مثله ؛ لأنه يخرج إلى ما ليس في الأسماء نحو : فعل وفعلان ، فإن قال قائل : فلم لا تدغم قيل : لا يجوز الإدغام في (فعل) و (فعلان) لخروجه عن مثال الفعل فالوجه أن لا أبني مثل هذا كما أنه لو قيل لي : كيف تبني على مثال (كابل) من (ضربت) لم يجز أن أبني.

وقال الأخفش : (أفعلّة) من رميت (أرموّة) وتقول في مثال (درجة) من (رميت) : رمية وجميع ما ذكرت لك من هذا المثقل بني مثقلا على أنّ الحرف الأول منه ساكن وتقول في مثل (عرضنة من) رميت : رمينة وتقول في مثل (صمحمح) من (رميت) : رميما وتقول في مثل (حلبلاب) من (رميت) : رميماء ولو قال قائل : ابن لي مثل بكر من يد قلت له : إنّ العرب لما أرادت هذا البناء جاءت به منقوصا ، وإذا أتممته فليس من كلامهم ، فإن أحبّ أن تتكلف له ذلك لتريه كيف يكون لو تكلموا به قلت : يدي أثبت الياء وأعربت ؛ لأنه مثل (ظبي) ، فإن قال لك قائل : ابن لي من ياء مثل (بكر) قلت : ليس في أسماء العرب اسم فاؤه وعنيه ولامه من موضع واحد ، فإن تكلفت ذلك على قياس كلامهم قلت : ييي يا هذا جمعت بين ثلاث ياءات كما فعلت ذلك في تصغير (حيّة) حين قلت : حييّة وهي في هذا أقوى منها في (حيييّة) ؛ لأن الياء الأولى في موضع الفاء وهي في تصغير (حيّة) في موضع العين وموضع العين أضعف من موضع الفاء ، فإن قال قائل ابن من ياء مثال (جعفر) قلت : (ييئا) ولو بنيت مثال : قعدد لقلت : ييئي. تحذف الرابعة وتدع ثلاث ياءات ولو أردت مثل (سفرجل) أو مثل (صمحمح) لقلت فيهما جميعا (يويّا) تبدل الواو.

قال الأخفش : لأنك إذا أبدلت الرابعة أبدلت معها الثالثة وينضم إلى ما قال ممّا احتجّ به أنّه لا أصل يرجع إليه في اجتماع الياءات إلّا ما جاء في النّسب ونحو هذا إذا وقع في النّسب قلبوا الياء ألفا ثم قلبوها واوا ، فإن بنيت نحو (جحمرش) من الياء.

قال الأخفش : تقول : ييّوي ثلاث ياءات ثمّ واو ثمّ ياء بعدها واجتمعت الياءات الأول لأنّهنّ لسن بأثقل من باب تصغير (حيّة) إذا قلت (حييّة).

٤٦٥

قال : ومثال (جحمرش) من حييت : (حيوي) تقلب إحدى الياءات واوا لئلا تجتمع أربع ياءات ولم تقلب الأولى والثانية من (حييت) لأنك لو قلبتها كنت قد قلبت حرفين فكان قلب الحرف الرابع أولى لأنّك إنّما تقلب حرفا واحدا.

قال : وتقول في مثال (قذعميلة من (قضيت) قضويّة لأنّها تصير في مثل النّسب إلى (أميّة) فيجتمع فيها أربع ياءات فتحذف منهنّ واحدة ثم تبدل الأولى واوا كما قلت في أميّة : أمويّ وتقول في مثل (قذعملة) وهي القصيرة من (قضيت قضيّة فتحذف ياء وكان الأصل (قضيّية) فتكون ثلاث ياءات أولها ساكن فحذفوا الآخرة كما أنّ أصل (معيّة) إذا صغرت : معوية معيّية فحذفوا الآخرة ، وإذا بنيت (فعلا) من قضيت اسما قلت : قض ، وإن بنيته (فعلا) قلت : قضوا وإنّما قلبت الواو ياء في الاسم ؛ لأن الاسم لا يكون آخره كذا وكذلك إن بنيت اسما على (فعل) من (قضيت) يستوي لفظ (فعل وفعل) ، فإن قال قائل : فكيف لا تخاف في هذا اللبس وكيف لا تترك بناء هذا أصلا إذا كان يلتبس كما تركت بناء (فنعل) من (ضربت) إذ كان يلتبس بفعّل قيل : إنّ بين هذين فرقا ؛ لأن (فنعل) من (ضربت) لا يظهر بناؤه واضحا أبدا ، وأما (فعل) من بنات الياء والواو فقد يصحّ إذا قلت (فعلة) ولم تبنه على تذكيره نحو : رموة وغزوة وتقول هو أيضا في الفعل فيصحّ تقول : لرمو الرجل ولغزو الرجل وأنت لا تصحح فنعل من ضربت في وجه من الوجوه.

واعلم أنّ أربع ياءات لا يجتمعن إلّا في لغة رديئة هذا عديييّ وأميّيّ في النسب إلى (عديّ) وأميّة وهذا لا يقاس علية ولا يقوله إلّا قليل من العرب.

واجتماع ثلاث ياءات مرفوض أيضا إذا سكنت الأولى.

فأمّا إذا سكن ما قبل الياء الأولى وهنّ ثلاث ياءات ، فإن ذلك في الكلام كثير نحو :(ظبييّ) ومكان محييّ فيه ، وإذا كانت ثلاث ياءات فكانت الأولى منهنّ مكسورة وما قبل الأولى متحرك ، فإن ذلك أيضا مرفوض تقلب الأولى منهن واوا نحو : (شجوىّ ورحويّ) ، فإن كانت الوسطى متحركة والأولى متحركة وما قبلها ساكن ، فإن ذلك متروك في كلامهم ،

٤٦٦

فإن بنيت مثل (جحمرش) من (رميت) فالأصل فيه أن تقول : رمييّ فتجتمع ثلاث ياءات والميم قبل الياء الأولى ساكنة وهذا لا مثل له.

قال الأخفش : من جمع هذه الياءات ، فإن أراد أن يدغم في قول من قال : قتّلوا فإنّه يقول :رميّ ياءان ويحذف الآخرة ؛ لأن الأولى قد سكنت قال : وما أرى إذا كانت الياء الأولى والثانية متحركتين إلّا أن تلقى ياء إذا كنّ فيه ثلاث ياءات متحركات ؛ لأن ياء متحركة أثقل من ياء ساكنة.

القسم الثاني : المسائل المبنية من الواو :

تقول في مثل : أغدودن من قلت : أقووّل تكرر العين وهي واو وتجعل واو افعوعل الزائدة بينهما وهي ساكنة فتدغمها في الواو التي بعدها وكان أبو الحسن الأخفش يقول : أقويّل فيقلب الواو الآخرة ياء ثم يقلب لها الواو التي تليها لأنّها ساكنة وبعدها ياء متحركة ويقول : أكره الجمع بين ثلاث واوات ، وإذا قلت (فعل) من هذا قلت : (أبيويع وأقوول) فلم تدغم ؛ لأن الواو مدة فهي بمنزلة الألف ويقول أبو الحسن : اقووول فلا يقلب ويقول :صارت الوسطى مدة بمنزلة الألف فلا يلزمه تغيير لذلك ويشبه ذلك (بفوعل) من وعد إذا قال فيها (ووعد) فلا يلزمه الهمز كما يلزمه الهمز إذا اجتمعت واوان في أول كلمة ؛ لأن الثانية مدة ومثله قول الله جلّ ثناؤه : (ما وري عنهما من سوآتهما) وجميع ذا عن المازني وتقول في مثل (هدملة) من قلت : قولّة وتقول في مثل عنكبوت من (بعت) وقلت : قوللوت وبيععوت فإذا جمعت قلت : بياعع وقوالل ، وإن عوضت قلت : بياعيع وقواليل ولم تدغم قبل العوض ؛ لأنه ملحق ببنات الأربعة ولم يعرض فيه ما يهمز من أجله فذهب الإدغام لذلك وتقول في مثال :اطمأننت من (غزوت) : اعزوّا ومن (رميت) ارميّا فتبدل الطّرف ويقول النحويون فيها من القول والبيع : اقولّل وابيعّع وإنّما فعلت هذا بالواو والياء ؛ لأن هذا موضع لا تعتلان فيه ويجريان مجرى غيرهما ويقولون فيها من الضرب (اضربّب) يحولون الحركة على اللّام الأولى كما فعلوا في (اطمأنّ) والذي يذهب إليه أبو عثمان وهو الصواب عندي أن يقول : اضربّب فيدع الكلام على أصله إذ كنت تخرج من إدغام إلى إدغام وإنّما تفعل هذا إذا اختلفت اللامات

٤٦٧

ألا ترى أنّ (اطمأنّ) لامه الأولى همزة والأخريان من جنس واحد فلم يوصل إلى الإدغام حتى ألقى حركة الأولى على الهمزة وليس ذلك في باب (ضرب) ؛ لأن اللامات من جنس واحد فإذا أنت غيرت لم يخرجك ذلك من أن يكون الإستثقال على حاله كما قال سيبويه في (فعّل) من (رددت) لا أغيره لأني لو فعلت ذلك لصرت من كثرة الدالات إلى مثل ما فررت منه فأقررت البناء على أصله فكذلك هذا إذا بنيته على مثال (اطمأنّ) تركته على أصله وحقّ هذا في التقدير أن لا تجعل اللام الأولى أصلا فتكون قد جمعت بين لامين زائدتين فتجمع ما لا يجمع مثله وكذلك أيضا إن جعلت الآخرة أصلا ولكن تجعل الأولى زائدة ملحقة والثانية أصلا والآخرة زائدة ، وإذا قلت (يفعل) من ارمياّ واغزوّا قلت : يرمييّ ولم يرمييّ فاعلم ولن يرمييّ يا فتى وكذلك : يغزوّي ولن يغزوّي فاعلم ولم يغزوّ يا هذا فأمّا مثال : (اغدودن) من (رددت) فإنّك تقول : اردودّ تدغم ؛ لأن اغدودن قد تكررت فيه الدال وهو ثلاثي وليس بملحق بالأربعة ؛ لأنه ليس في الأربعة مثل : احروجم فيكون : اغدودن ملحقا به وتقول فيه من وددت ايدودّ تقلب الواو ياء لانكسار ما قبلها وهي ساكنة وتقول في (فعلول) من (غزوت) غزويّ تبدل الواو الآخرة ياء فيصير غزووي فتبدل الواو الساكنة ياء من أجل الياء التي تليها ثم تدغمها فيها فتصير بمنزلة ياء النّسب إلى عدو وغزو وتقول في مفعول من القوّة مقويّ وكان الأصل : مقووّ فغيرت لإجتماع الواوات.

قال سيبويه : تقول في (فعلول) من غزوت : غزويّ وأصلها : (غزووّ) فلمّا كانوا يستثقلون الواوين في (عييّ) ومعديّ ألزم هذا بدل الياء حيث اجتمعت ثلاث واوات مع الضمتين في (فعلول) فألزم هذا التغيير كما ألزم (محنية) البدل إذ غيرت في ثيرة وسياط ونحوهما وتقول في (فعلول) من (قويت) : قويّ تغير منهما ما غيرت من (فعلول) من (غزوت) وتقول في (أفعولة) من (غزوت) : أغزوّة وقد جاء في الكلام (أدعوّة) وقد تكون أدعيّة على أرض مسنية هذا قول سيبويه.

وتقول في (أفعول) في (قويت) أقويّ ؛ لأن فيها ما في مفعول من الواوات.

٤٦٨

وقال سيبويه تقول في فعلان من (قويت) : قووان وكذلك (حييت) فالواو الأولى كواو (عور) وقويت الواو الأخيرة كقوتها في (نزوان) وصارت بمنزلة غير المعتلّ ولم يستثقلوهما مفتوحتين كما قالوا لوويّ وأحوويّ ولا تدغم ؛ لأن هذا الضرب لا يدغم في (رددت).

وقال المازني : تصحّ اللام في (فعلان) فتقول : (قووان) كما صحت في (نزوان) وتصحّ العين كما صحت في (جولان).

وقال سيبويه : تقول في (فعلان) من (قويت) قوّان وكذلك (فعلان) من حييت حيّان تدغم لأنّك تدغم (فعلان) من (رددت) وقد قويت الواو الأخيرة كقوتها في (نزوان) فصارت بمنزلة غير المعتلّ.

قال : ومن قال : حييّ عن بينّة قال : (قووان).

قال أبو العباس : قووان غلط ينبغي إن لم تدغم أن تقول : (قويان) فتكسر الأولى وتقلب الثانية ياء ؛ لأنه لا يجتمع واوان في أحدهما ضمة والأخرى متحركة.

قال : وهذا قول أبي عمر وجميع أهل العلم ، قال سيبويه : تقول في (فيعلان) من حييت وقويت وشويت : قيّان وحيّان وشيّان لأنّك تحذف ياء هاهنا كما حذفتها في (فيعل) يعني أنّك لو قلت : (فيعل) من القوة لقلت (قيّ) كي لا يجتمع ثلاث ياءات قبل الأخيرة التي هي لام ياء مشددة مكسورة قال : فهم يكرهون هاهنا ما يكرهون في تصغير (شاوية) في قولهم : رأيت شويّة.

قال أبو بكر : فجعل الألف والنون نظيرتي الهاء لأنّهما زائدتان كزيادتها وأنّ ما قبل الألف مفتوح كما أنّ ما قبل الهاء مفتوح وتقول في (فعلة) من : غزوت ورميت : غزوة ورموة ، فإن بنيتها على (فعل) على التذكير قلت : غزية ورمية ؛ لأن مذكرهما : رم وغز.

قال أبو بكر : وهو عندي قبيح ؛ لأنه يخرج إلى مثال لا يكون إلا للفعل فأمّا (خطوات) فلم يقلبوا الواو لأنّهم لم يجمعوا (فعل) ولا فعلة جاءت على (فعل) وإنّما عرضت هذه الحركة في الجمع ألا ترى أنّ الواحدة خطوة فخطوة نظير فعلة التي لا مذكّر لها ومن قال : خطوات بالتثقيل ، فإن قياس ذلك أن تقول في (كلية) : كلوات ولكنّهم لم يتكلموا إلّا بكليات مخففة

٤٦٩

فرارا من أن يصيروا إلى ما يستثقلون ولكنّه لا بأس بأن تقول في مدية : مديات كما قلت في خطوة : خطوات ؛ لأن الياء مع الكسرة والواو مع الضمة ومن ثقل في (مديات) ، فإن قياسه أن يقول : جروة جريات ؛ لأن قبلها كسرة وهي لام ولكنهم لا يتكلمون بذلك إلّا مخففا فرارا من الإستثقال والتغيير.

فإذا كانت الياء مع الكسرة والواو مع الضمة فكأنّك رفعت لسانك بحرفين من موضع واحد رفعته ؛ لأن العمل من موضع واحد ، فإن خالفت الحركة فكأنّهما حرفان من موضعين متقاربين الأول ساكن نحو : (وتد) هذا قول سيبويه : يريد أنّ الضمة في (خطوة) مع الواو من مخرج واحد وكذلك الكسرة من (مدية) مع الياء من موضع واحد من الفم وليست كذلك في (جروة) ومدية فشبّه الضمة مع الواو والكسرة مع الياء بدال ساكنة لقيت دالا متحركة فأدغمت فيها ضرورة لا بد من ذلك وشبّه الكسرة مع الواو والضمة مع الياء بحرفين متقاربين من مخرج واحد التقيا والأول ساكن فالنطق به ممكن لا ضرورة أحوجت إلى إدغامه ؛ لأن الإدغام إنّما هو حرف ساكن لقيه حرف مثله فمتى لم يقف المتكلم وقع الإدغام ضرورة.

وقال سيبويه : تقول في (فوعلّة) من غزوت : غوزوّة وأفعلّة : أغزوّة وفي (فعلّ) : غزوّ وفوعلّ : غوزوّ.

وأفعلّة من رميت : أرميّة تكسر العين كما تكسرها في (فعول) إذا قلت : ثديّ ومن قال في عتوّ عتيّ قال في (أفعلّة) من غزوت. أغزيّة.

وتقول في (فعلالة) من غزوت : غزواوة إذا لم تكن على (فعلال) وتقول في مثل : كوألل من غزوت : غوزوا ومن قويت : قووّا ومن حييت : حويّا وتقول في (فعول) من غزوت : غزووّ لا تجعلها ياء والتي قبلها مفتوحة ألا ترى أنّهم لم يقولوا في (فعلّ) : غزيّ للفتحة كما قالوا :عتيّ.

وتقول في مثال (عثولّ) من القوة : قيّوّ وكان الأصل : قيووّ ولكنّك قلبت الواو ياء كما قلبتها في (سيّد).

٤٧٠

وتقول في مثل : حلبلاب من (غزوت) ورميت : غزيزاء ورميماء كسرت الزاي والواو ساكنة وقلبتها ياء.

وتقول في (فوعلّة) من أعطيت : عوطوّة على الأصل لأنّها من (عطوت) وتقول في (فعل) من غزوت : غز تلزمها البدل إذا كانت تبدل وقبلها الضمّة فهي هاهنا بمنزلة محنية.

وتقول في (فعلوة) من غزوت : غزوية وكان الأصل : (غزووة) فقلبت الأخيرة وكسرت ما قبلها ؛ لأنه لا يجتمع واوان الأولى مضمومة ولكن إذا كانت واو واحدة قبلها ضمة قد ثبتت إذا لم تكن طرف اسم نحو : عرقوة جعلت الواو في (سرو ولغزو) ألا ترى أنّ (فعلت) في المضاعف من الواو لم يستعمل لم يقولوا : قووت من القوة وألزموه (فعلت) لتنقلب الواو ياء ، وأما (غزوّ) فلمّا انفتحت الزاي صارت الواو الأولى بمنزلة غير المعتلّ وصارت بمنزلة واو (قوّ) هذا لفظ سيبويه.

وتقول في (فيعلى) من غزوت غيزوى لأنّك لم تلحق الألف (فيعلا) ولكنّك بنيت الاسم على هذا ألا تراهم قالوا : مذروان إذ كانوا لا يفردون الواحد فهو في (فيعلى) : أجدر ؛ لأن هذه الألف لا تلحق اسما بني على التذكير.

وقال الأخفش : إذا اشتققت من (وعدت) اسما على (أفعل) مثل (يزيد) في العلة قلت :هذا عد ، وإن أردت اسما على حدّ (أبين) قلت : أيعد وكذلك (يفعل) : يوعد.

قال أبو بكر : قوله : اشتققت اسما على (أفعل) إن لم يرد به أنّه سمى بالفعل بعد أن أعلّ كما سمى (بيزيد) وإلّا فالكلام خطأ ؛ لأن هذا البناء لا يكون إلّا للفعل أعني : عد ولو سميت (بقم) لقلت : هذا قوم ؛ لأن الواو إنّما كانت تسقط لالتقاء الساكنين فلمّا وجب الإعراب وتحركت الميم ردت الواو ، فإن سميت بالمصدر من وعدت قلت : عدة ومن (وزنت) زنّة ، فإن أردت أن تبني (فعلة) ولا تنوي مصدرا قلت : وعدة ووزنة ، وأما (وجهة) فإنّه جاء على الأصل ولم يبن على (فعل).

قال الأخفش : وأما قولهم : الدّعة والضّعة وفي الوقاح : هذا بيّن القحة فكل شاذ فالذين قالوا : الضّعة والقحة أخرجوه على فعلة ونقصوه لعلة الواو وإنما يقولون في الوضيع : قد

٤٧١

وضع يوضع ولكنّ المصدر لا يجيء على القياس وتقول في (فوعل) من وددت : أودد وكان الأصل : وودد فأبدلت الأولى همزة لإجتماع الواوين في أول الكلمة وتقول في المفعول : موودد ولا تدغم ؛ لأنه ملحق ولا تهمز كما تهمز (فوعل) ؛ لأن الواو ليست أول الكلمة ألا ترى أنّ من يقول : أعد يقول : موعود ولا يبنيه على (أعد) ؛ لأن تلك العلة قد زالت وهي أنّ الواو مضمومة.

قال الأخفش : وليس كلّ ما غيّر (فعل) منه غيّر المفعول منه ألا ترى أنّهم يقولون : غزي ودعي ثم يقولون : مغزوّ ومدعوّ وتقول في (فيعول) من غزوت : غيزوّ مثل : مفعول منه إذا قلت : مغزوّ وفيعول من قويت : قيّوّ تقلب الواو التي في موضع العين ياء ؛ لأن قبلها ياء ساكنة وتقول في (مفعلة) من قويت : مقوية تقلب الأخيرة ياء ؛ لأنه لا يجتمع واوان إحداهما مضمومة وتقول في مثال : عرقوة من غزوت : غزوية لئلا يجتمع واوان إحداهما مضمومة وتقول في (فعلة) من غزوت : غزية إن بنيتها على تذكير ، فإن لم تبنها على تذكير قلت : غزوة ؛ لأنه غير منكر أن يكون في حشو الكلمة واو قبلها ضمة وإنّما يتنكب ذلك إذا كانت طرف اسم وتقول في مثل : ملكوت من غزوت وقضيت : غزوت وقضوت وكان الأصل : غزووت فقلبت الواو التي هي لام ألفا لأنّها (فعلوت) فالتقى ساكنان فحذفت الألف لالتقاء الساكنين وكذلك عملت في (قضوت) وتقول في (فعلالة) من غزوت وقويت : غزواوة وقوّاوة إذا لم يكن على تذكير ، فإن كانت على تذكير همزتها فقلت : قوّاءة وغزوّاءة.

وتقول في مثال : كوألل من غزوت : غوزوا ومن (قويت) على مذهب الأخفش : قويّا وعلى مذهب غيره : قووّا تجمع بين ثلاث واوات كما فعل ذلك في (افعوعل) من : قلت فقال اقووّل والأخفش يقول : اقويّل.

قال أبو بكر : والذي أذهب إليه : القلب والإبدال كما فعل الأخفش لأنّي وجدتهم يقلبون إذا اجتمعت واوان وضمة فإذا اجتمعت ثلاث واوات فهي أثقل ؛ لأن الضمة بعض واو والكلّ أثقل من البعض وتقول في (فعليّة) من غزوت : غزويّة ومن قويت : قويّة.

٤٧٢

وقال الأخفش : تقول في (فعل) من غزوت : غزي لا تكون فيه إلّا الياء لإنكسار ما قبلها.

وقال بعض أصحابنا : لا أقول إلّا غزو فأمّا مذهب الأخفش فإنّه أبدل الواو الأولى الساكنة لكسره ما قبلها ثم أدغمها في الأخرى فقلبها ياء أو يكون أبدلها لأنّها طرف قبلها كسرة وحجة من لم يبدل أن يقول : المدغم كالصحيح ولا يكون قلب الأولى ياء لأنّها غير منفصلة ممّا بعدها وإنما وقعتا معا مشددة ، وإذا كانت مشددة فهي كالحرف الصحيح.

القسم الثالث : المسائل المبنية من الهمزة :

تقول فيما فاؤه همزة إذا ألحقتها همزة قبلها نحو : أخذ وأكل وأبق لو قلت : هذا أفعل من ذا قلت : هذا آكل من ذا تبدل الهمزة التي هي فاء ألفا ساكنة كألف (خالد) فإذا أردت تكسيره أو تصغيره جعلتها واوا فتقول في تصغير آدم : أويدم وفي تصغير آخر : أويخر.

وزعم الخليل : أنّهم حين جعلوا الهمزة ألفا جعلوها كالألف الزائدة التي في (خالد وحاتم) فحين احتاجوا إلى تحريكها فعلوا بها ما فعلوا بألف (خالد وحاتم) حين قالوا : خوالد وحواتم قال الشاعر (١) :

أخالد قد هويتك بعد هند

فشيبني الخوالد والهنود

فكذلك فعلوا بألف (آدم) حين قالوا : أوادم.

قال المازني : سألت أبا الحسن الأخفش عن : هذا أفعل من هذا من (أمّمت) أي : قصدت فقال : أقول : هذا أوّم من هذا فجعلها واوا حين تحركت بالفتحة كما فعلوا ذلك في أويدم.

قال : فقلت له : فكيف تصنع بقولهم : أيّمة ألا تراها : أفعلة والفاء منها همزة فقال : لمّا حركوها بالكسرة جعلوها ياء وقال : لو بنيت مثل (أبلم) من (أممت) لقلت : أوّم أجعلها واوا فسألته : كيف تصغر أيّمة فقال : أويّمة لأنّها قد تحركت بالفتحة.

__________________

(١) البيت لجرير ، ويقول بعده :

هوى بتهامة ، وهوى بنجد ،

فتبليني التهائم والنّجود.

٤٧٣

قال المازني : وليس القول عندي على ما قال : لأنّها حين أبدلت في آدم وأخواته ألفا ثبتت في اللفظ ألفا كالألف التي لا أصل لها في الفاء ولا في الواو فحين احتاجوا إلى حركتها فعلوا بها ما فعلوا بالألف ، وأما ما كان مضاعفا فإنّه تلقى حركته على الفاء ولا تبدل همزته ألفا ولو أبدلت ألفا لمّا حركوا الألف ؛ لأن الألف قد يقع بعدها المدغم ولا تغير فتغييرهم أيّمة يدل على أنّها لا تجري مجرى أيّم ما تبدل منه الألف.

قال : والقياس عندي أن أقول في : هذا أفعل من ذا من (أممت وأخواتها) : هذا أيّم من ذا وأصغر أيمة : أييمة ولا أبدل الياء واوا لأنّها قد ثبتت ياء بدلا من الهمزة إلّا أنّ هذه الهمزة إذا لم يلزمها تحريك فبنيت مثل (الأبلم) من الأدمة قلت : أودم ومثل (إصبع) : إيدم ومثل أفكل فاجعلها ألفا إذا انفتح ما قبلها وياء ساكنة إذا انكسر ما قبلها وواوا ساكنة إذا انضمّ ما قبلها فإذا احتجت إلى تحريكها في تصغير أو تكسير جعلت كلّ واحدة منهن على لفظها الذي قد بنيت عليه فاترك الياء ياء والواو واوا واقلب الألف واوا كما فعلت ذلك العرب في تصغير آدم وتكسيره.

قال أبو بكر : هذا مذهب المازني والقياس عنده وأبو الحسن الأخفش يرى : أنّها إذا تحركت بالفتحة أبدلها واوا.

قال أبو بكر : والذي أذهب إليه قول الأخفش فأمّا الذي قاله المازني في : (هذا أفعل من ذا) (من) أقمت انّه يقول : أيّم من ذا وأنّه يصغر أيّمة : أييمة ففيه نظر وقول الأخفش عندي أقيس لأنّها أبدلت ياء في (أيّمة) من أجل الكسرة فإذا زالت العلة بطل المعمول وقوله : إني أصغر فأقول : أييّمة لأنّها قد ثبتت في (أيمة) غير واجب ولو وجب هذا لوجب أن يقول في ميزان : ميازين في الجمع ويصغر فيقول : مييزين ؛ لأن الياء قد ثبتت في الواحد وليس الأمر كذا ألا ترى أنّهم يقولون : ميزان وموازين ومويزين لأنّهم إنّما أبدلوا الواو ياء في الواحد من أجل الكسرة فقالوا : ميزان والأصل موازن ؛ لأنه من الوزن فلمّا انفتحت الميم رجعت الواو فقالوا :موازين ؛ لأن ذلك السبب قد زال والهمزتان إذا اجتمعا في كلمة فحقّ الثانية أن تبدل فتقول في : أنا أفعل من (أممت) : أنا أؤمّ الناس وتقول فيها من أط : أيطّ وكان الأصل : أأمم وآطط

٤٧٤

فأدغمت وألقيت الحركة على الهمزة وأبدلت منها الحرف الذي فيه حركتها وكذلك (أيّمة) كان أصله : أأممة.

فإن قال قائل : فلم لم تبدل من الهمزة ألفا كما فعلت في (آدم) وهي ساكنة مثلها قبلها فتحة كما أنّ قبلها فتحة فهلا قلت : أنا أأمّ إذا أردت : أومّ وآمّه في أيمّة وهذا موضع يقع فيه المدغم كما قالوا : آمّة وهم يريدون (فاعلة) قيل له : الفرق بين : آمة وأيمة أنّ الألف في (فاعلة) لا يجوز أن تتحرك لأنّها زائدة غير منقلبة من شيء ، وإذا قدرت في (أيمّة) القلب فصارت آممة فأردت الإدغام ساغ لك أن تلقي الحركة على ما قبل الميم ؛ لأن الألف بدل من همزة والهمزة يجوز أن تتحرك وأن تثبت إذا لم يكن قبلها همزة وليست ألف (فاعلة) كذلك ولا أعلم للمازني في ذلك حجة إلّا أن يقول : إنّه أبدلت الهمزة لغير الكسرة ويحتجّ بأنّها قد تبدل ياء في بعض المواضع لغير كسر يقول في مثل (اطمأنتت) من قرأت : اقرأيأت.

فيبدل من الهمزة الوسطى ياء لئلا تجتمع همزتان ويدع باقي الهمز على حاله فإذا قلت : هو يفعل قلت : هو يقرئي يا فتى مثل : يقرعين فلم يغيره ولم يلق حركة الياء على الهمزة ؛ لأن هذا ليس موضع تغيير وقد فارق حكم (اطمأن) ؛ لأن الحروف قد اختلفت ووجب ذلك فيها والهمزة أخت الحروف المعتلات فإذا كانت لاما مكررة أبدلت الثانية ياء وجرى عليها ما يجري على ياء (رميت) ولو بنيت مثل (دحرجت) من (قرأت) قلت : قرأيت ومثله من كلام العرب جاء وتقول في مثال (قمطر) من (قرأت) : قرأي ومثل (معدّ) : قرأي فتغير الهمزة.

قال المازني : سألت أبا الحسن الأخفش وهو الذي بدأ بهذه المقالة فقلت : ما بال الهمزة الأولى إذا كان أصلها السكون لا تكون كهمزة : سأآل ورأآس فقال : من قبل أن العين لا تجيء أبدا إلّا وبعدها مثلها واللام قد يجيء بعدها لام ليست من لفظها ألا ترى أنّ قمطرا و (هدملة) و (سبطرا) قد جاءت اللامان مختلفتين وكذلك جميع الأربعة والخمسة والعينان لا تنونان كذلك فلذلك فرقت بينهما.

قال المازني : والقول عندي كما قال.

٤٧٥

قال الأخفش : وقد ذكروا في (جائي وشائي) أنّهما يهمزان جميعا فيرفعونه ويجرونه وينصبون ويهمزون همزتين.

قال : وقد سمعنا من العرب من يجمع بين همزتين فيقول : غفر الله له خطائئه وخطائي.

قال : وهو قليل لا يكاد يعرف قال : وإنّما أبدلوا في (جاء وشاء) ولم يفتحوا كما فتحوا في (خطائي) ؛ لأن خطائي قد وجدوا لها نظيرا من الجمع يقولون في مدار : مدارى وفي إبل معاي معايا ولم يجدوا في (فاعل) بناء قد ذهب به إليه غير فاعل فيذهبوا به إليه.

وقال بعضهم : إنّ همزة جائي هي اللام وقلب العين وجعلها بعد اللام كما قالوا : لاث وشاك يريدون : شائكا ولائثا ، وأما الذين قالوا : شاك السلاح فإنّهم حذفوا الهمزة ولم يقلبوها.

٤٧٦

باب اجتماع الحروف المعتلة في كلمة

هذا الباب ينقسم أربعة أقسام : اجتماع ياء وواوء وياء مع همزة وواو مع همزة واجتماع الثلاثة.

الأول : اجتماع الياء والواو في كلمة :

تقول في مثل (كوألل) من رميت : روميا ومن حييت : حويّا ومن شويت : شويّا وحدها شوويا ولكنّك قلبت الواو إذ كانت ساكنة.

وتقول في مثال (عثول) من شويت : شييّ والأصل (شيويّ) ولكن قلبت الواو ياء وأدغمت.

وتقول في مثل (اغدودن) من رميت : ارموما فكررت العين ثمّ قلبت الياء ألفا لأنّها لام الفعل قبلها فتحة.

وقال المازني : تقول في مثال (قوصرّة) من (بعت : بيّعّة) وكان أصلها (بويعّة) فالواو ساكنة وبعدها ياء متحركة فلذلك قلبت كما قلت : لويت يده ليّة ولو جمعتها كما تجمع (قواصر) لقلت (بوائع) فهمزت كما تهمز (أوائل) لإجتماع الواو والياء ليس بينهما إلّا الألف كما همزت (فواعل) من (سرت) وتقول في مثال (عنكبوت) من رميت : رميوت فتكرر اللام فتنقلب الثانية ألفا لإنفتاح ما قبلها ولأنّ أصلها الحركة.

وتقول من (بعت) : بيععوت فإذا جمعت قلت : بياعع ، وإن عوضت قلت : بياعيع ولم تدغم قبل العوض ؛ لأنه ملحق ببنات الأربعة فذهب الإدغام لذلك.

وتقول في مثال (حمصيصة) من غزوت : غزويّة وكان الأصل (غزويوة) فأدغمت الياء في الواو فصارت ياء مشددة وقلبت الواو الأولى ألفا لأنّها لام متحركة قبلها فتحة ثمّ أبدلتها واوا كما فعلت في النّسب إلى (رحى) حين قلت : رحويّ وتقول في (فعلول) من (رميت) رمييّ لا تغير ؛ لأن الحرف الذي قبل الياء الأولى ساكن فصار بمنزلة النّسب إلى (ظبي).

٤٧٧

وتقول في (فعلول) من (شويت) و (طويت) شوويّ وطوويّ وكان الأصل : شويوي وطويوي فقلبت الواو الأولى ياء ؛ لأن بعدها ياء متحركة وقلبت الواو الأخرى ياء للياء التي بعدها أيضا فاجتمعت أربع ياءات وصارت بمنزلة (أميّيّ) فكأنّها (طيييّ) (وشيييّ) ففعلت بها ما فعلت بأميّة حين نسبت إليها فقلت : أمويّ وتقول في (فيعول) من غزوت : غيزوّ فتصير بمنزلة (مغزوّ) وتقول فيها من قويت : قيّوّ فتقلب العين التي هي واو ياء ؛ لأن قبلها ياء ساكنة وتدغم الياء الأولى فيها وتدع واوي الطرف على حالهما ؛ لأن هذا ليس موضع تغير وتقول في (فيعل) من (حويت) و (قويت) : حيّا وقيّا فتقلب العين ياء ؛ لأن قبلها ياء ساكنة وتقلب اللام ألفا ؛ لأن أصلها التحريك وقبلها فتحة وتقول في (فيعل) من (حويت) و (قويت) : حيّ وقيّ وكان الأصل (حيوو وقيوو) ؛ لأنه من الحوّة والقوّة فقلبت الواو الأولى ياء من أجل الياء التي قبلها وسكونها وأدغمتها فيها ثمّ قلبت الواو التي هي لام ياء لإنكسار ما قبلها لأنّها لام فصار (حييّ) فاجتمعت ثلاث ياءات فحذفت كما تحذف من تصغير (أحوى) حين قلت : أحيّ كما ترى.

قال أبو عثمان : تقول في (فيعلان) من قويت وحويت وشويت : قيّان وحيّان وشيّان تحذف الياء التي هي آخر الياءات ولم تعد هذه الألف أن تكون كهاء التأنيث وألف النصب فهكذا أجر هذا.

قال : وأما قولهم : حيوان فجاء على ما لا يستعمل ليس في الكلام فعل يستعمل موضع عينه ياء ولامه واو فلذلك لم يشتقوا منه فعلا وعلى ذلك جاء (حيوة) فافهمه.

وكان الخليل يقول : (حيوان) قلبوا فيه الياء واوا لئلا تجتمع ياءان استثقالا للحرفين من جنس واحد يلتقيان.

قال أبو عثمان : ولا أرى هذا شيئا ولكنّ هذا كقولهم : فاظ الميت يفيظ فيظا وفوظا ولا يشتقون من فوظ (فعلا) وكذلك : ويل وويس وويح هذه مصادر وليس لهن فعل كراهة أن يكثر في كلامهم ما يستثقلون ولإستغنائهم بالشيء عن الشيء حتى يكون المستغنى عنه مسقطا وتقول في مثل (قمحدوة) من رميت : رميوّة وتقول في مثال (ترقوة) من رميت : رميوة وعلى

٤٧٨

التذكير : رميية لأنّك تقلب الطرف ياء كما فعلت (بأدل وعرق) لأنّك جئت بالهاء بعد ما لزم الواو القلب والدليل على أنّ الذي يبنى على التأنيث لا تقلب فيه الواو قراءة الناس (خطوات) ؛ لأنه إنّما عرض التثقيل في الجمع.

وتقول في مثل (أحدوثة) من قضيت : أقضيّة وفي مثل (فعلول) من (طويت وشويت) :طوويّ وشوويّ كما قالوا في حيّة : حيويّ.

وتقول في (فيعول) من غزوت : غيزوّ مثل (مفعول) من (غزوت).

وتقول في (فيعول) من قويت : قيّوّ تقلب الواو التي في موضع العين ياء ؛ لأن قبلها ياء ساكنة وتقول في (فيعول) من (حييت وعييت) : حيويّ وعيويّ ؛ لأنه اجتمع أربع ياءات.

وتقول في (فيعل) من (قويت وطويت) : طيّا وقيّا هذا قول الأخفش.

قال : وإن شئت بنيتها على (فيعل) فهو وجه الكلام ؛ لأن (فيعلا) فيما عينه واو أكثر ، فإن بنيته على (فيعل) قلت : طيّ وقيّ لأنك أنقصت ياء ؛ لأنه لا تجتمع ثلاث ياءات.

قال : وتقول في (فيعلان) من (شويت وطويت) : طيّان وشيّان تحذف إحدى الياءات لأنّهن اجتمعن وكذلك إن أردت (فيعلان) قلت : طيّان وشيّان ؛ لأنه قد اجتمع ثلاث ياءات لا يجتمع مثلهن.

قال : وهذا في قول من قال في شاوي : شويّ وفي معاوية : معيّة ومن قال في شاو : شويي وفي أحوى : أحيّ قال فيه : شيّيان وطيّيان وتقول في (فعلية) من غزوت : غزوية ومن قويت :قويّة ومن شويت : شييّة وتقول في (فوعلة) من رويت : رويّة وتقول في (فوعلة) من حييت في لغة من قال : (أمييّ) : حييّة ومن قال : أمويّ قال : حيوية.

الثاني : اجتماع الياء والهمزة :

تقول في مثال (اغدودن) من رأيت : ارأوأيت وأرأوأ زيد تكرر الهمزة لأنّها عين الفعل كما كررت الدال في (اغدودن) ، فإن خفّفت الهمزة الثانية قلت : أرأويت وارأوى زيد حذفت الهمزة وألقيت حركتها على الواو.

٤٧٩

فإن خفّفت الأولى قلت : روأا واروآيت مثل روعيت حذفت الهمزة وألقيت حركتها على الراء فلما تحركت الفاء سقطت ألف الوصل ، فإن خفّفت الهمزتين جميعا صار : (رويت) حذفت الهمزة الأولى وألقيت حركتها على الواو وسقطت ألف الوصل ثمّ حذفت الثانية وألقيت حركتها على الواو وتقول في مثال (عرضنة) من رأيت : رأينة وتقول في مثل (صمحمح) من رأيت : رأيا أو تقول في مثل (جعفر) من جئت : جيّأ ، فإن خفّفت قلت : جيا.

الثالث : اجتماع الواو والهمزة :

تقول في مثال (قوصرّة) من آب يؤوب : أوّبة أدغمت واو فوعلّة الزائدة في العين ، فإن جمعته قلت : أوائب فأبدلت من الواو همزة لإجتماع الواوين مع الألف كما فعلت في (أوائل) وحذفت إحدى الياءين كما حذفت إحدى الراءين من قواصر ومسائل : هذا الباب والباب الذي قبله يدلّ عليها ما يأتي في الباب الذي تجتمع فيها الهمزة والواو والياء ويغني عنهما ؛ لأنه يعمّهما ويزيد عليهما.

الرابع : اجتماع الثلاثة :

تقول في مثال (اطمأنّ) من وأيت : ايايا وكان الأصل : أوايا ؛ لأن (اطمأنّ) أصله (اطمأنن) فاللام الأولى ساكنة والثانية مفتوحة والآخرة حرف الإعراب ولكنّه لمّا أدغم النون في النون ألقى الحركة على الهمزة فلذلك قلت في هذه (أيّ) أيايا فأبدلت الواو التي هي ألف ياء لإنكسار ما قبلها فصارت الياء الأولى نظيرة الطاء والهمزة نظيرة الميم والياء الأولى نظيرة الهمزة من (اطمأنّ) إلّا أنّ هذه الياء ساكنة على أصلها لم تلق عليها حركة ما بعدها ؛ لأن ما بعدها مثلها ولام الإعراب قد انقلبت ألفا.

وتقول في مثال (إصبع) من وأيت : إيأي ، كان الأصل (أوأي) فقلبت الواو ياء لسكونها وإنكسار ما قبلها وقلبت الياء التي هي اللام ألفا وتقولها من أويت : أيّا وكان الأصل : إوأي فقلبت الياء التي هي اللام ألفا لإنفتاح ما قبلها ولكنّك لو قلت في مثل (إصبع) من وددت لكان : إودّ وكان الأصل : إودد فلزمك أن تبدل الواو ياء لكسره ما قبلها ووجب أن تدغم الدال في الدال فلمّا أدغمت احتجت إلى أن تلقي حركة الدال على ما قبلها فلمّا تحركت رددتها

٤٨٠