الأصول في النحو - ج ٢

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ٢

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-406-X
الصفحات: ٥٣٥

فلو لم يكن بزنتها محققة لانكسر البيت ، وأما أهل الحجاز فيخففون الهمزتين ؛ لأنه لو لم يكن إلا واحدة لخففت فتقول : اقرأ آية في قول من خفف الأولى ؛ لأن الهمزة الساكنة إذا خففت أبدلت بحركة ما قبلها ومن حقق الأولى قال : اقر آية ويقولون : اقري مثل : اقر آية ؛ لأنه خفف همزة متحركة قبلها حرف ساكن ، وأما أهل الحجاز فيقولون : اقرأ آية. ويقولون : (أقري باك السّلام) يبدلون الأولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ويحذفون الثانية لسكون ما قبلها ومن العرب ناس يدخلون بين ألف الاستفهام وبين الهمزة ألفا إذا التقتا ، وذلك لأنهم كرهوا التقاء الهمزتين ففصلوا كما قالوا : اخشينان فهؤلاء أهل التحقيق ، وأما أهل الحجاز فمنهم من يقول : آإنك وآأنت وهي التي يختار أبو عمرو ويدخلون بين الهمزتين ألفا ويجعلون الثانية بين بين كما يخفف بنو تميم في التقاء الهمزتين وكرهوا الهمزة التي هي بين بين مع الأول كما كرهوا معها المخففة ، وأما الذين لا يخففون الهمزة فيحققونهما جميعا ويدخلون بينها ألفا ، وإن جاءت ألف الاستفهام وليس قبلها شيء لم يكن من تحقيقها بد وخففوا الثانية واعلم أن الهمزة التي يحقق أمثالها أهل التحقيق من بني تميم وأهل الحجاز وتجعل في لغة أهل التخفيف بين بين قد تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحا والياء إذا كان ما قبلها مكسورا ياء مكسورة وليس هذا بقياس مطرد وإنما يحفظ عن العرب حفظا فمن ذلك قولهم في (منسأة) منسأة ومن العرب من يقول في أو أنت أوّنت وأبو يوب في أبو أيوب وكذلك المنفصلة إذا كانت الهمزة مفتوحة وقال بعض هؤلاء : سوّة وضو شبهوه بأوّنت ، فإن خففت في قولهم : أحلبني إبلك وأبو أمّك لم تثقل الواو كراهية لإجتماع الواوات والضمات والياءات والكسرات وحذفت الهمزة وألقيت حركتها على ما قبلها وبعضهم يقول : يريد أن يجيك ويسوك وهو يجيك ويسوك يحذف الهمزة ويكره الضمة مع الياء والواو وعلى هذا تقول : هو يرم خوانه يريد : يرم أخوانه حذف الهمزة وأذهب الياء لالتقاء الساكنين.

قال أبو بكر : ذكرنا ما يلحق الكلم بعد تمامها وبقي ما يلحق الكلم في ذاتها وهو تخفيف الهمز وقد ذكرناه والمذكر والمؤنث والمقصور والممدود والتثنية والجمع الذي على حدها والعدد وجمع التكسير والتصغير والنسب والمصادر وما اشتق منها والإمالة والأبنية والتصريف والإدغام وضرورة الشاعر.

٢٢١

باب المذكر والمؤنث

التأنيث يكون على ضربين : بعلامة وغير علامة ، فعلامة التأنيث في الأسماء تكون على لفظين : فأحد اللفظين التاء تبدل منها في الوقف هاء في الواحدة والآخر الألف ، أما الهاء فتأتي على سبعة أضرب :

الأول : دخولها على نعت يجري على فعله ، وذلك قولك : في قائم ومفطر وكريم ومنطلق إذا أردت تأنيث قائمة وقاعدة ومفطرة وما لم يسم فهذا بابه وجميع هذا نعت لا محالة وهو مأخوذ من الفعل.

الثاني : دخولها فرقا بين الاسم المذكر والمؤنث الحقيقي الذي لأنثاه ذكر ، وذلك قولهم :امرؤ وامرأة ومرء ومرأة ويقولون رجل وللأنثى رجلة قال الشاعر :

ولم يبالوا حرمة الرّجلة ...

والثالث : دخولها فرقا بين الجنس والواحد منه نحو قولك : تمر وتمرة ، وبسر وبسرة وشعير وشعيرة وبقر وبقرة فحق هذا إذا أخرجوا منه الهاء أن يجوز فيه التأنيث والذكير فتقول هو التّمر وهو البسر وهو العنب وكذلك ما كان في منهاجه ولك أن تقول : هي التمر وهي الشعير وكذلك ما كان مثلها قال الله عز وجل : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : ٧] فالتذكير على معنى الجمع والتأنيث على معنى الجماعة ومن هذا الباب جراد وجرادة وإنما هو واحد من الجنس ليس جراد بذكر جرادة.

واعلم أن هذا الباب مؤنثه لا يكون له مذكر من لفظه ؛ لأنه لو كان كذلك لالتبس الواحد المذكر بالجمع وجملتها أنها مخلوقات على هيئة واحدة فأما حيّة فإنما منعهم أن يقولوا في الجنس (حيّ) ؛ لأنه في الأصل نعت حي يقع لكل مذكر من الحيوان ثم تنفصل أجناسها لضروب.

الرابع : ما دخلته الهاء وهو مفرد لا هو من جنس ولا له ذكر وذلك : بلدة ومدينة وقرية غرفة.

٢٢٢

الخامس : ما تدخله الهاء من النعوت لغير فرق بين المذكر والمؤنث فيه وهو نعت للمذكر للمبالغة وذلك : علّامة ونسابة وراوية فجميع ما كانت فيه الهاء من أي باب كان فغير ممتنع جمعه من الألف والتاء لحيوان أو غيره لمذكر أو مؤنث قلت أو كثرت.

السادس : الهاء التي تلحق الجمع الذي على حد مفاعل وبابه ينقسم على ثلاث أنحاء فمن ذلك ما يراد به النّسب نحو : الأشاعثة والمهالبة والمناذرة والثاني : أن يكون من الأعجمية المعربة نحو : الجواربة والموازجة والسيّابجة والبرابرة.

وهذا خاصة يجتمع فيه النسب والعجمة فأنث في حذف الهاء من هذا والذي قبله بالخيار الثالث : أن تقع الهاء في الجمع عوضا من (ياء) محذوفة فلا بد منها أو من الياء ، وذلك في جمع جحجاج جحاجيج وفي جمع زنديق زناديق وفيفرزان فرازين ، فإن حذفت الياء قلت فرازنة وزنادقة وجحاجحة وليس هذا كعساقلة وصياقلة لأنك حذفت من هذا شيئا لا يجتمع هو والهاء ولو اجتمعا لم يكن معاقبا ولا عوضا.

وإنما قلت : إن باب الهاء في الجمع للنسب والعجمة لمناسبة العجمة أن تناسب الهاء ألا ترى أن الاسم تمنعه الهاء من الإنصراف كما تمنعه العجمة فيما جاوز الثلاثة ، وإن الهاء كياء النسب تقول : بطة وبط وتمرة وتمر فلا يكون بين الواحد والجمع إلا الهاء وكذلك تقول :(زنجي وزنج وسندي وسند وروميّ وروم ويهوديّ ويهود) فلا يكون بين الجمع والواحد إلا الياء المشددة وكذلك التصغير إنما يصغر ما قبل الياء المشددة التي للنسبة تأتي بها في أي وزن كان وكذلك تفعل بالهاء تقول في تصغير تميمي تميميّ وفي تصغير جمزي جميزيّ وتقول : في عنترة عنتيريّ فالاسم على ما كان عليه.

السابع : ما دخلت عليه الهاء وهو واحد من جنس إلا أنه للمذكر والأنثى ، وذلك نحو :حمامة ودجاجة وبطة وبقرة واقع على الذكر والأنثى ألا ترى قول جرير :

لمّا تذكّرت بالدّيرين أرّقني

صوت الدّجاج وقرع بالنّواقيس

إنما يريد : زقاء الديوك.

٢٢٣

باب التأنيث بالألف

هذه الألف تجيء على ضربين : ألف مقصورة وألف ممدودة والألف المقصورة تجيء على ضربين : فضرب لا يشك في ألفه أنها ألف تأنيث وضرب يلبس فيحتاج إلى دليل.

الأول : ما جاء على فعلى فهو أبدا للتأنيث لا يكون هذا البناء لغيره ، وذلك نحو : حبلى وأنثى وخنثى ودنيا ؛ لأنه ليس في الكلام اسم على مثال (جعفر) فهذا ممتنع من الإلحاق.

الثاني منه : ما جاء على وزن الأصول وبابه أن ينظر هل يجوز إدخال الهاء عليه.

فإن دخلت فإنه ليس بألف تأنيث ؛ لأن التأنيث لا يدخل على التأنيث ، وإن امتنعت فهي للتأنيث فما الذي لا تدخل عليه الهاء فسكرى وغضبى ونحوه مما بني الذكر منه على فعلان نحو : سكران وغضبان وكذلك جمعه نحو : سكارى في أن الألف للتأنيث ومن ذلك : مرضى وهلكى وموتى فأما ما تدخله الهاء فنحو : علقاة وأرطأة وقد ذكرته فيما ينصرف وما لا ينصرف.

الضرب الثاني من ألف التأنيث : هو الألف الممدودة :

وهي تجيء على ضربين : منه ما يكون صفة للمؤنث ولمذكره لفظ منه على غير بنائه ومنه ما يجيء اسما وليس له مذكر اشتق له من لفظه.

فالضرب الأول يجيء على فعلاء نحو : حمراء وخضراء وسوداء وبيضاء وعوراء : والمذكر من جميع ذا على (أفعل) نحو : أحمر وأخضر وأعور وجميع ما جاء على هذا اللفظ مفتوح الأول فألفه للتأنيث.

وأما ما جاء اسما لواحد ولجميع فالواحد نحو : صحراء وطرفاء وقعساء وحلفاء وخنفساء وقرفصاء ، وأما ما جاء لجمع فنحو : الحكماء والأصدقاء والأخمساء ، وأما بطحاء وأبطح : فأصله صفة ، وإن كان قد غلب عليه حتى صار اسما مثل : أبرق وبرقاء وإنما هو اختلاط بياض البقعة بسوادها يقال : جبل أبرق ، وأما قوباء وخششاء فهو ملحق بقسطاط

٢٢٤

وقرطاط وكذلك : علباء وحرباء وقيقاء وزيزاء مذكرات ملحقات بسرادح ومداتهن منقلبات وما كان على هذا الوزن مضموم الأول أو مفتوحا ليست ألفه للتأنيث.

الضرب الثاني : من القسمة الأولى من المؤنث :

وهو ما أنث بغير علامة من هذه العلامات وهذا النوع يجيء على ثلاثة أضرب منه ما صيغ للمؤنث ووضع له وجعل لمذكره اسم يخصه أيضا فغير عن حرف التأنيث واسم يلزم التأنيث ، وإن لم تكن له علامة ولا صيغة تخصه ولكن بفعله وبالحديث عنه تأنيثه واسم يذكر ويؤنث.

الأول : قولك : أتان وحمار وعناق ورخل وجمل وناقة صار هذا المؤنث بمخالفته المذكر معرفا معروفا (بذي) عن العلامة ومن قال رجل وامرأة وهو المستعمل الكثير فهو من ذلك وكذلك حجر.

الثاني : ما كان تأنيثه بغير علامة ولا صيغة وكان لازما أما الثلاثي فنعرفه بتصغيره ، وذلك أنه ليس شيء من ذوات الثلاثة كان مؤنثا إلا وتصغيره يرد الهاء فيه ؛ لأنه أصل للمؤنث ، وذلك قولك : في بغل بغيلة وفي ساق سويقة وفي عين عيينة ، وأما قولهم في : حرب حريب وفي فرس فريس ، فإن حرابا إنما هو في الأصل مصدر سمي به ، وأما فرس فإنه يقع للمذكر والأنثى ، فإن أردت الأنثى خاصة لم تقل إلا فريسة ، فإن كان الاسم رباعيا لم تدخله الهاء في التصغير ، وذلك نحو : مقرب وأرنب وكل اسم يقع على الجمع لا واحد له من لفظه إذا كان من غير الآدميين فهو مؤنث ، وذلك نحو : إبل وغنم تقول في تصغير غنم غنيمة وفي إبل أبيلة ولا واحد في لفظه وكذلك خيل هو بمنزلة هند ودعد وشمس فتصغر ذلك فتقول :غنيمة وخييلة ، فإن كان شيء من ذلك من الناس فهو مذكر ولك أن تحمله على التأنيث.

الثالث : وهو ما يذكر ويؤنث :

فمن ذلك الجموع لك أن تذكر إذا أردت الجمع وتؤنث إذا أردت الجماعة فأما قوم فيقولون في تصغيره قويم وفي بقر بقير وفي رهط رهيط لأنك تقول في ذلك (هم) ولا يكون ذلك لغير الناس ، فإن قلت فقد أقول : جاءت الرجال و (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ)

٢٢٥

[الحج : ٤٢] وما أشبه ذلك فإنما تريد جاءت جماعة الرجال وكذبت جماعة قوم نوح كقول الله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] إنما هو أهل القرية وأهل العير فما كان من هذا فأنت في تأنيثه مخير ألا ترى إلى قول الله تعالى : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : ٢٠] فهذا على لفظ الجنس.

وقال : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : ٧] على معنى الجماعة وتقول : هذه حصى كبيرة وحصى. كثيرة وكذلك كل ما كان ليس بين جمعه وواحده إلا الهاء قال الأعشى :

فإن تبصرني ولي لمّة

فإنّ الحوادث أودى بها (١)

لأن الحوادث جمع حدث والحدث مصدر والمصدر واحده وجمعه يؤولان إلى معنى واحد وكذلك قول عامر بن حريم الطائي :

فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها (٢)

__________________

(١) على أن إن الشرطية المقرونة بما الزائدة ، يلزم توكيد شرطها بالنون عند الزجاج. وترك توكيد جيد عند غيره. وهذا البيت يدل لغير الزجاج ، فإنه لم يؤكد فعل الشرط فيه.

قال ابن الناظم : وأما الشرط بإما فتوكيده بالنون جائز ، قال تعالى : "فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ" ، و "إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً". وقد تخلو من التوكيد بها.

كما في قوله :

فإما تريني ولي لمة البيت

وقول الآخر : البسيط

يا صاح إما تجدني عير ذي جدة

فما التخلي عن الخلان من شيمي

وقال ابن هشام في المغني : يقرب التوكيد من الوجوب بعد إما. وذكر ابن جني أنه قرئ : فإما ترين بياء ساكنة بعدها نون الرفع. انظر خزانة الأدب ٤ / ٢٢٤.

(٢) هو نظير لعرفات : في كونها مؤنثة لا يجوز فيها التذكير إلا بتأويل بعيد ، وهو أن يراد بها المكان. وأورده أيضا في باب المذكر والمؤنث على أنه لا يحذف علامة التأنيث في المسند إلى ضمير المؤنث المجازي إلا لضرورة الشعر. وهو من شواهد الكتاب و" مغني اللبيب". قال ابن خلف : الشاهد فيه أنه ذكر" أبقل" وهو صفة للأرض ضرورة ، حملا على معنى المكان ، فأعاد الضمير على المعنى وهو قبيح. والصحيح أنه ترك فيه علامة

٢٢٦

لأن أرضا ومكانا سواء ولو قال على هذا : (إنّ زينب قام) لم يجز ؛ لأن تأنيث هذا تأنيث حقيقي فمهما اعتوره من الاسم فخبرت عنه بذلك ، فإن الخبر عنه لا عن الاسم.

واعلم أن من التأنيث والتذكير ما لا يعلم ما قصد به كما أنه يأتيك من الأسماء ما لا يعرف لأي شيء هو تقول : فهر فهي مؤنثة وتصغيرها فهيرة وتقول : قتّب لحشوة البطن وهو المعي وتصغيره قتيبة وبذلك سمي الرجل قتيبة وكذلك : طريق وطرق وطريقين جرن وجرنات وأوطب وأواطب والشيء قد يكون على لفظ واحد مذكر ومؤنث فمن ذلك :

__________________

التأنيث للضرورة واستغنى عنه مما علم من تأنيث الأرض. وإلى هذا الوجه أشار أبو علي. وقال غيره : وإنما قبح ذلك لاتصال الفاعل المضمر بفعله ، فكأنه كالجزء منه حتى لا يمكن الفصل بينهما بما يسد مسد علامة التأنيث. ولا يخفى ما فيه. وعند ابن كيسان والجوهري أن الفعل إذا كان مسندا لضمير المؤنث المجازي لا يجب إلحاق علامة التأنيث.

وقول بعضهم : وهذا ليس بضرورة لأنه كان يمكنه أن يقول" ولا أرض أبقلت إبقالها" بنقل حركة الهمزة إلى ما قبلها وإسقاطها ـ ليس بجيد ، لأن الصحيح أن الضرورة ما وقع في الشعر ، سواء كان للشاعر عنه فسحة أم لا. وأجاب السيرافي بأنه يجوز أن يكون الشاعر ليس من لغته تخفيف الهمزة ، وحينئذ لا يمكنه ما ذكره. وذكر ابن يسعون أن بعضهم رواه بالتاء بالنقل المذكور. وقال ابن هشام : فإن صحت الرواية وصح أن القائل ذلك هو الذي قال و" لا أرض أبقل" بالتذكير صح لابن كيسان مدعاة ، وإلا فقد كانت العرب ينشد بعضهم بعضا ، وكل يتكلم على مقتضى لغته التي فطر عليها ، ومن هنا كثرت الروايات في بعض الأبيات.

وزعم جماعة أنه لا شاهد فيه ، فقال أبو القواس في" شرح ألفية ابن معطي" أنه روى" إبقاها" بالرفع ، مسندا إلى المصدر. ويرده أن إبقالها منصوب على المصدر التشبيهي ، أي : ولا أرض أبقلت كإبقال هذه الأرض. ولو كان كما زعم كان معناه نفي الإبقال ، وهو نقيض مراد الشاعر. وزعم بعضهم أن ضمير أبقل عائد على مذكر محذوف ، أي : ولا مكان أرض ، فقال أبقل باعتبار المحذوف ، وقال إبقالها باعتبار المذكور.

وهذا فاسد أيضا ، لأن ضمير إبقالها ليس عائدا على الأرض المذكورة هنا ، فتذكير" أبقل" باعتبار المحذوف لا دليل عليه ، ولو قال إن الأرض مما يذكر ويؤنث ـ كما قال أبو حنيفة الدينوري في" كتاب النبات" عند ما أنشد هذا البيت : إن الأرض تذكر وتؤنث ، وكذلك السماء ، ولهذا قال أبقل إبقالها ـ لكان وجها. انظر خزانة الأدب ١ / ١٦.

٢٢٧

اللسان يقال هو وهي والطريق مثله والسبيل مثله ، وأما قولهم : أرض فكان حقه أن يكون الواحد أرضة والجمع أرض لو كان ينفصل بعضها من بعض كتمرة من تمر ولكن لما كانت نمطا واحدا وقع على جميعها اسم واحد كما قال الله عز وجل : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : ١٤] وقال : (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) [الطلاق : ١٢] فإذا اختلفت أجناسها بالخلقة أو انفصل بعضها من بعض بما يعرض من حزن وبحر وجبل قيل : أرضون كما تقول في التمر تمران تريد ضربين فكان حق أرض أن تكون فيها الهاء لو لا ما ذكرنا وإنما قالوا : أرضون والمؤنث لا يجمع بالواو والنون إلا أن يكون منقوصا كمشية وثبة وقلة وكلية لا بد أنها كانت هاء في الأصل فلذلك جاءت الواو والنون عوضا.

وطاغوت فيها اختلاف فقوم يقولون : هو أحد مؤنث وقال قوم : بل هو اسم للجماعة قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) [الزمر : ١٧] فهذا قول قال محمد بن يزيد : والأصوب عندي والله أعلم أنه جماعة وهو كل ما عبد من دون الله من إنس وجن وغيره ومن حجر وخشب وما سوى ذلك قال الله عز وجل : (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) [البقرة : ٢٥٧] فهذا مبين لا شك فيه ولا مدافعة له وقولهم : إنه يكون واحدة لم يدفعوا به أن يكونوا الجماعة وادعاؤهم أنه واحدة مؤنثة تحتاج إلى نعت والعنكبوت مؤنثة قال الله جل اسمه : (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) [العنكبوت : ٤١] والسّماء تكون واحدة مؤنثة بالبنية على وزن عناق وأتان وكل ما أنث وتأنيثه غير حقيقي والحقيقي : المؤنث الذي له ذكر فإذا ألبس عليك فرده إلى التذكير فهو الأصل قال الله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى) [البقرة : ٢٧٥] ؛ لأن الوعظ والموعظة واحد ، وأما حائض وطامث ومفصل فهو مذكر وصف به مؤنث.

٢٢٨

ذكر المقصور والممدود

وهما بنات الياء والواو اللتين هما لا مات فالمنقوص كل حرف من بنات الياء والواو وقعت ياؤه أو واوه بعد حرف مفتوح فأشياء يعلم أنها منقوصة ؛ لأن نظائرها من غير المعتل إنما يقع أواخرهنّ بعد حرف مفتوح ، وذلك نظائرها من غير المعتل ، وذلك نحو : معطي وأشباهه ؛ لأنه معتل مثل مخرج ومثل ذلك المفعول ، وذلك أن المفعول من سلقيته فهو مسلقى والدليل على ذلك أنه لو كان بدل هذه الياء التي في (سلقيت) حرفا غير الياء لم يقع إلا بعد مفتوح فكذلك هذا وأشباهه وكل شيء كان مصدرا لفعل يفعل وكان الاسم أفعل فهو منقوص ؛ لأنه على مثال : حول يحول فهو حول واسمه أحول فمن ذلك قولهم : للأعشى به عشي وللأعمى به عمى وللأقنى به قنى.

وما يعلم أنه منقوص أن ترى الفعل فعل يفعل والاسم منه فعل ، وذلك فرق يفرق فرقا فمصدر هذا من بنات الياء والواو على (فعل) هوي يهوى ورديت تردى وهو رد وهو الردّى وصديت صدى وهو صدّ ولويت لوى وكذلك : كري يكرى كرى ، وإذا كان (فعل) يفعل فعلاء والاسم منه فعلان فهو أيضا منقوص نظيره من الصحيح : عطش يعطش عطشا وهو عطشان وله فعلى نحو : عطشى والمعتل : نحو طوي يطوي طوى وصدي يصدى صدى وهو صديان وقالوا : رضي يرضى رضا وهو راض وهو الرضا ونظيره : سخط يسخط سخطا وهو ساخط وكسروا الراء من رضا كما قالوا : الشيع فلم يجيئوا به على نظائره وذا لا يجسر عليه إلا سماعا ومن المنقوص ما لا يعلم أنه منقوص إلا بالسماع نحو : قفا ورحىّ وقد يستبدل بالجمع إذا سمعت أرحاء وأقفاء علمت أنه جمع لمنقوص وهذا بين في الجمع وكل جماعة واحدها فعلة أو فعلة فهي مقصورة نحو : عروة وعرى وفرية وفرى أما الممدود فكل شيء ياؤه أو واوه بعد ألف فمنها ما يعلم أنه ممدود في كل شيء نحو : الإستسقاء ؛ لأن استسقيت مثل استخرجت فكذلك الإشتراء ؛ لأن اشتريت مثل احتقرت ومن ذلك الأحبنطاء والإسلنقاء فإنه يجيء على مثال الإستفعال في وروده ووزن متحركاته وسواكنه ومما يعلم أنه ممدود أن تجد المصدر

٢٢٩

مضموم الأول ويكون للصوت ، وذلك نحو : العواء والزقاء والرّغاء ونظيره من غير المعتل الصّراخ والنّباح ومن ذلك البكاء.

قال الخليل : والذين قصروه جعلوه كالحزن ويكون العلاج كذلك نحو النّزاء ونظيره من غير المعتل القماص وقلما يكون ما ضم أوله من المصدر منقوصا ؛ لأن فعلا لا تكاد تراه مصدرا من غير بنات الياء والواو ومنه ما لا يعلم إلا سماعا نحو : السماء والرشاء والألاء والمقلاء ومما يعرف به الممدود الجمع الذي يكون على مثال أفعلة فواحدها ممدود نحو : أفنية واحدها فناء وأرشية واحدها رشاء.

٢٣٠

ذكر التثنية والجمع الذي على حد التثنية

الأسماء المثناة والمجموعة على ضربين : صحاح ومعتلة ، فأما الصحاح فقد تقدمت معرفتها ، وهذا الجمع إنما يكون لمن يعقل خاصة.

والمعتل على ثلاثة أضرب : مقصور ، وممدود ، وما آخره ياء.

الأول المقصور : ما كان على ثلاثة أحرف فصاعدا فالألف بدل غير زائدة ، فإن كان من بنات الواو أظهرت الواو ، وإن كان ياء أظهرت الياء فبنات الواو مثل : قفا وعصا ورحا والدليل عليه قولهم رضا فلا يميلون وليس شيء من بنات الياء لا يجوز فيه الإمالة فتقول على هذا فيه : قفوان وعصوان ورحوان ومن ذلك رضا والدليل على أن الألف منقلبة من واو قولهم : مرضوّ ورضوان ، وأما مرضي فبمنزلة مسنية وهي من سنوت استثقلوا الواوين فأبدلوا وبنات الياء مثل : رحى وعمى وهدى وفتى ، لأنهم يقولون : فتيان ورحيان فأما الواو في الفتوة فمن أجل الضمة التي قبلها وحكم الجمع بالتاء في هذا حكم التثنية قالوا : قنوات وأدوات وتقول في ربا ربوان لقولهم : ربوت فإذا جاء من المنقوص شيء ليس له فعل ولا اسم تثبت فيه الواو وألزمت ألفه الإنتصاب فهو من بنات الواو نحو : لدىّ وإلىّ وإنما يثنيان إذا صار اسمين ، وإن جاء من المنقوص شيء ليس فعل تثبت فيه الياء وإلا اسم وجازت إمالته فالياء أولى به ، وذلك نحو : متى وبلى وحكم الجمع بالتاء حكم التثنية ، فإن كان الاسم المقصور على أربعة أحرف فما زاد أو كانت ألفه بدلا من نفس الحرف أو زائدة فتثنية ما كان من الواو من هذا كتثنية ما كان من الياء والجمع بالتاء كالتثنية ، وذلك نحو قولك : في مصطفى مصطفيان ومصطفيات وأعمى وأعميان ، فإن جمعت المنقوص جمع السلامة فإنك تحذف الألف وتدع الفتحة التي قبلها على حالها تقول في مصطفى مصطفون وفي رجل سميته : قفا قفون.

الثاني : من الممدود : اعلم أن الممدود بمنزلة غير المعتل تقول في كساء : كساءان وهو الأجود ، فإن كان لا ينصرف وآخره زيادة جاءت للتأنيث فإنك تبدل الألف واوا وكذلك إذا جمعته بالتاء ، وذلك قولك جمراوان وحمراوات وناس كثيرون يقولون : علباوان وحرباوان

٢٣١

شبهوه بحمراء إذ كان زائدا مثله وإنما تثنيته علباءان وحرباءان ؛ لأن علباء ملحق بسرواح والملحق كالأصل وهذا يبين في التصريف وقال ناس : كساوان وغطاوان ورداوان ، وإن.

جعلوه بمنزلة علباء وعلباوان أكثر من كساوان.

قال سيبويه : وسألته ـ يعني : الخليل ـ عن عقلته بثنايين لم لم يهمز فقال : لأنه لم يفرد له واحد.

الثالث : الاسم المعتل : الذي لامه ياء قبلها كسرة نحو : قاض وغاز تثنيه : قاضيان وغازيان وتجمعه : قاضون وتثبت الياء في التثنية وتسقط في الجمع.

كما كانت في مصطفى إذا ثنيت فقلت : مصطفيان ، وإذا جمعت قلت : مصطفون والتثنية ترد فيها الأشياء إلى أصولها.

٢٣٢

باب جمع الاسم

الذي آخره هاء التأنيث إذا سميت رجلا : طلحة أو امرأة فجمعه بالتاء لا تغيره عما كان عليه فأما حبلى وحمراء وخنفساء إن سميت بها رجلا قلت : حبلون وحمراوون تجمع جميع هذا بالواو والنون لأنها ليست تزول إذا قلت : حمراوان فمن حيث قلت حمراوان قلت : حمراوون ولما لم يجز تمرتان لم يجز تمرتون وتجمع عيسى وموسى عيسون وموسون.

باب جمع الرجال والنساء

قال سيبويه : إذا جمعت اسم رجل فأنت فيه بالخيار إن شئت جمعته بالواو والنون ، وإن شئت كسرته ، وإذا جمعت اسم امرأة فأنت بالخيار جمعت بالتاء ، وإن شئت كسرته على حد ما تكسر عليه الأسماء للجمع فإذا سميت بأحمر قلت : الأحامر جعلته مثل أرنب وأرانب وأخرجته من جمع الصفة ، وإن سميت بورقاء جعلتها كصلفاء تقول : صلاف وصحراء صحار ، وإن جمعت خالدا وحاتما قلت : خوالد وحواتم ولو سميت رجلا أو امرأة بسنة لكنت بالخيار ، وإن شئت قلت : سنون ، وإن شئت قلت : سنوات وكذلك ثبة تقول : ثبات وثبون لا تجاوز جمعهم الذي كان عليه وشية وظبة شيات وظبات لأنهم لم يجاوزوا هذا وكان اسما قبل أن يسمى به.

وابن بنون وأبناء وأم أمهات وأمات واسم وأسمون وأسماء.

وامرؤ امرؤن مستعمل بألف الوصل وإنما سقطت في بنون لكثرة استعمالهم إياه.

وشاة إذا سميت بها لم تقل إلا شياة لأنهم قد جمعوه ولم يجمعوه بالتاء.

ولو سميت رجلا بربة فيمن خفف قلت : ربات وربون وعدة عدات وعدون كلدون وشفة في التكسير شفاه ولا يجوز في أمة آمات ولا شفات كذا.

قال سيبويه والقياس يجيزه وقالوا : آم وإماء في أمة وقال بعضهم : أمّة وإموان ولو سميت رجلا ببرة لقلت : برى مبرة كما فعلوا به قبل : وإذا جاء شيء مثل (برة) لم تجمعه العرب ثم قست ألحقت التاء والواو والنون ؛ لأن الأكثر مما فيه هاء التأنيث من الأسماء التي على حرفين

٢٣٣

الجمع بالتاء والواو والنون ولم تكسر على الأصل ، وإن سميت رجلا وامرأة بشيء كان وصفا ثم أردت أن تكسره كسرته على تكسيرك إياه لو كان اسما على القياس ، فإن كان اسما قد كسرته العرب لم تجاوز ذلك ، وأما والد وصاحب فجعلوهما كضارب ، وإن تكلم بهما كما يتكلم بالأسماء ، فإن أصلهما الصفة ، وإذا كسرت الصفة على شيء قد كسر عليه نظيرها من الأسماء كسرتها إذا صارت اسما على ذلك كما قالوا في أحمر أحامر والذين قالوا : في حارث حوارث إنما جعلوه اسما ولو كان صفة لكان حارثون ولو سميت رجلا بفعيلة قلت : فعائل ، وإن سميته بشيء قد جمعوه فعلا جمعته كما جمعوه مثل صحيفة وصحف وسفينة وسفن ، وإن سميته بفعيلة صفة لم يجز إلا فعائل ؛ لأنه الأكثر ولو سميته بعجوز قلت : العجز نحو : عمود وعمد وقالوا في أب أبون وفي أخ أخون لا يغير إلا أن تحذف العرب شيئا كما قال :

وفديننا بالأبينا (١) ...

وعثمان : لا يجوز أن تكسره لأنك توجب في تحقيره عثيمين وإنما تحقيره. عثيمان وهذا يبين في التصغير وما يجمع الاسم فيه بالتاء من هذه المنقوصة لمذكر كان أو لمؤنث فرجل تسميه :ببنت وأخت وهنت وذيت تقول في جمعه : بنات وذيّات وهنات وفي أخت أخوات ، وإن سميته : بمساجد ومفاتيح جمعته للمذكر بالواو والنون والمؤنث بالالف والتاء ؛ لأنه جمع لا يكسر وكذلك قالوا : سراويلات حين جاء على هذا المثال ، وإن سميت بجمع يجوز تكسيره كسرته ، وإن سمعت اسما مضافا فهو مثل جمعه مفرد تقول في عبد الله كما تقول : عبدون وأسقطت النون للإضافة ، وإن جمعت أبا زيد قلت : أباء زيد لأنك عرفتهم بالثاني ، وإن جمعت بالواو والنون قلت : أبو زيد تريد : أبون.

__________________

(١) أجاز المبّرد أبي وأخيّ ، وأنشد : وأبيّ مالك ذو المجاز بدار وصحّة محمله على الجمع في قوله : وفدّيننا بالأبينا تدفع ذلك. يريد أن أبيّ جاء على لفظ الجمع ، ولا قرينة مخلّصة للإفراد فتعارض الاحتمالان ، فحمل على لفظ الجمع وسقط الاحتجاج به في محلّ الخلاف فيكون أصله على هذا أبين ، حذفت النون عند الإضافة ، فأدغمت الياء التي هي ياء الجمع في ياء المتكلّم. فوزن أبي فعي لا فعلي.

وعلى هذا حمل ابن جنّي وغيره قراءة من قرأ : " نعبد إلهك وإله أبيك إبراهيم وإسمعيل وإسحق" ؛ ليكون في مقابلة آبائك في القراءة الآخرى. انظر خزانة الأدب ٢ / ١٠٨.

٢٣٤

قال سيبويه : وسألت الخليل عن قولهم الأشعرون فقال : كما قالوا : الأشاعرة والمسامعة حين أراد بني مسمع وكذلك الأعجمون كما قال بعضهم : النميرون وليس كل هذا النحو تلحقه الواو والنون ولكن تقول فيما قالوه يعني بقوله : هذا النحو الجمع الذي جاء على معنى النسبة.

قال سيبويه : وسألت الخليل عن (مقتوى ومقتوين) فقال : هو بمنزلة النسب للأشعرين ، وقال سيبويه : لم يقولوا : (مقتون) جاءوا به على الأصل وليس كل العرب تعرف هذه الكلمة وقوله : جاءوا به على الأصل ؛ لأن الواو حقها إذا تحرك ما قبلها فانفتح أن تقلب ألفا ، فإن صارت ألفا طرحت لالتقاء الساكنين كما قال : مصطفون وقال في تثنية المبهمة ذان وتان واللذان ويجمع اللذون وإنما حذفت الياء (في) من الذي والألف في ذا في. هذا الباب ليفرقا بينها وبين الأسماء المتمكنة غير المبهمة وهذه الأسماء لا تضاف.

٢٣٥

ذكر العدد

الأسماء التي توقع على عدة المؤنث والمذكر لتبين ما العدد إذا جاوز الاثنين والثنتين إلى أن يبلغ تسع عشرة وتسعة عشر ، فإذا جاوز الاثنين فيما واحدة مذكر ، فإن أسماء العدد مؤنثة فيها الهاء ، وذلك ثلاثة بنين وأربعة أجمال ، فإن كان واحده مؤنثا أخرجت الهاء ، وذلك قولك :ثلاث بنات وأربع نسوة فإذا جاوز المذكر العشرة فزاد عليها واحدا قلت : أحد عشر ، وإن جاوز المؤنث العشرة فزاد عليها واحدا قلت : إحدى عشرة في لغة بني تميم وبلغة أهل الحجاز :إحدى عشرة ، وإن زاد المذكر واحدا على أحد عشر قلت : اثنا عشر ، وإن له اثني عشر حذفت النون ؛ لأن عشر بمنزلة النون والحرف الذي قبل النون حرف إعراب ، وإذا زاد المؤنث واحدا على إحدى عشرة قلت ثنتا عشرة ، وإن له ثنتي عشرة واثنتي عشرة وبلغة أهل الحجاز عشرة فإذا جاوزت ذلك قلت : ثلاثة عشر وأذا زاد على ثنتي عشرة واحدا قلت : ثلاث عشرة وحكم أربعة عشر وما يليها من العدد إلى العشرين من حكم ثلاثة عشر.

٢٣٦

باب ما اشتق له من العدد اسم به تمامه وهو مضاف إليه

وذلك قولهم : خامس خمسة وثاني اثنين وثالث ثلاثة إلى قولك : عاشر عشرة فقولك : ثاني وثالث مشتق من اثنين وثلاثة وبالثالث كمل العدد فصار ثلاثة وقد أضفته إلى العدد وهو (ثلاثة) فمعناه : أحد ثلاثة وأحد أربعة وتقول للمؤنث : خامسة فتدخلها الهاء كما تدخل في (ضاربة) لأنك قد بنيته بناء اسم الفاعل فإذا أضفت قلت : ثالثة ثلاث ورابعة أربع وتقول :هذا خامس أربعة تريد : هذا الذي خمس الأربعة وتقوله في المؤنث : هذا خامسة أربع وكذلك جميع هذا من الثلاثة إلى العشرة فإذا أردت أن تقول في أحد عشر كما قلت : في (خامس) قلت :حادي عشر وثاني عشر وثالث عشر إلى أن تبلغ إلى تسعة عشر ويجري مجرى خمسة عشر في فتح الأول والآخر.

وفي المؤنث : حادية عشرة كذلك إلى أن تبلغ تسعة عشر.

ومن قال خامس خمسة قال : خامس خمسة عشر وحادي أحد عشر. (فحادي وخامس) هاهنا يجرّ ويرفع ولا يبنى وبعضهم يقول : ثالث عشر ثلاثة عشر ونحوه وهو القياس وليس قولهم : ثالث ثلاثة عشر في الكثرة كثالث ثلاثة لأنهم قد يكتفون بثالث عشر وتقول : هذا حادي أحد عشر إذا كنّ عشر نسوة فيهن رجل ومثل ذلك : خامس خمسة إذا كن أربع نسوة فيهن رجل كأنك قلت : هو تمام خمسة والعرب تغلب التذكير إذا اختلط بالمؤنث وتقول : هو خامس أربعة إذا أردت به أن صير أربع نسوة خمسة ولا تكاد العرب تكلم به وعلى هذا تقول :رابع ثلاثة عشر كما قلت : خامس أربعة فأما بضعة عشر فبمنزلة تسعة عشر في كل شيء وبضع عشرة كتسع عشرة في كل شيء.

٢٣٧

باب العدد المؤنث المواقع على معدود مؤنث

تقول : ثلاث شياه ذكور وله ثلاث من الشّاء والإبل والغنم فأجريت ذلك على الأصل ؛ لأن أصله التأنيث.

وقال الخليل : قولك : هذا شاة بمنزلة قولك : هذا رحمة. أي هذا شيء رحمة وتقول : له ثلاث من البط لأنك تصيره إلى بطة وتقول له ثلاثة ذكور من الغنم لأنك لم تجيء بشيء من التأنيث إلا بعد أن أضفت إلى المذكر ثم جئت بالتفسير فقلت : من الإبل ومن الغنم لا تذهب الهاء كما أن قولك : ذكور بعد قولك : من الإبل لا تثبت الهاء.

وتقول : ثلاثة أشخص ، وإن عنيت نساء ؛ لأن الشخص اسم مذكر وكذلك : ثلاث أعين ، وإن كانوا رجالا ؛ لأن العين مؤنثة تريد الرجل الذي هو عين القوم وثلاثة أنفس ؛ لأن النفس عندهم : إنسان وثلاثة نسابات وهو قبيح ؛ لأن النسابة صفة فأقمت الصفة مقام الموصوف فكأنه لفظ بمذكر ثم وصفه فلم يجعل الصفة تقوى قوة الاسم.

وتقول : ثلاثة دواب إذا أردت المذكر ؛ لأن أصل الدابة عندهم صفة فأجروها على الأصل ، وإن كان لا يتكلم بها كأسماء.

وتقول : ثلاث أفراس إذا أردت المذكر ؛ لأنه قد ألزم التأنيث وتقول : سار خمس عشرة من بين يوم وليلة لأنك ألقيت الاسم على الليالي فكأنك قلت : خمس عشرة ليلة ، وقولك : من بين يوم وليلة توكد بعد ما وقع على الليالي ؛ لأنه قد علم : أن الأيام داخلة مع الليالي وتقول :أعطاه خمسة عشر من بين عبد وجارية لا غير لاختلاطها.

قال سيبويه : وقد يجوز في القياس : خمسة عشر من بين يوم وليلة وليس بحدّ في كلام العرب وتقول : ثلاث ذود ؛ لأن الذود أنثى وليس باسم كسر عليه فأما ثلاثة أشياء فقالوها لأنهم جعلوا أشياء بمنزلة أفعال لو كسروا عليه (فعل) ومثل ذلك : ثلاثة رجلة ؛ لأنه صار بدلا من أرجال وزعم الخليل : أن أشياء مقلوبة كقسى وزعم يونس عن رؤبة : أنه قال : ثلاث أنفس على تأنيث النفس كما قلت : ثلاث أعين.

٢٣٨

واعلم أن الصفة في هذا الباب لا تجري مجرى الاسم ولا يحسن أن تضيف إليها الأسماء التي تعدد تقول : هؤلاء ثلاثة قرشيون وثلاثة مسلمون كراهية أن يجعل الاسم كالصفة إلا أن يضطر شاعر.

٢٣٩

ذكر جمع التكسير

هذا الجمع يسمى : مكسرا ؛ لأن بناء الواحد فيه قد غير عما كان عليه فكأنه قد كسر ؛ لأن كسر كل شيء تغييره عما كان عليه والتكسير يلحق الثلاثي من الأسماء والرباعي ولا يكادون يكسرون اسما خماسيا لا زائد فيه فمتى كسروه حذفوا منه وردوه إلى الأربعة ويكسرون ما يبلغ بالزيادة أربعة أحرف فأكثر من ذلك ؛ لأنه يسوغ لهم حذف الزائد منه.

والذي يحذف على ضربين : ضرب يحذف ويعرض من الحذف الياء تعويضا لازما وضرب التعويض فيه وتركه جائزان وسنذكر كل واحد من ذلك في موضعه إن شاء الله.

وأبنية هذه الجموع تجيء أيضا على ثلاثة أضرب : ضرب يكون اسما للجمع ومنها ما بني للأقل من العدد وهي العشرة فما دونها ومنها ما هي للأكثر والكثير ما جاوز العشرة ويتسعون فيها فمنها ما يستعمل في غير بابه ومنها ما يقتصر به على بناء القليل عن الكثير والكثير منها ما يستغنى فيه بالقليل عن الكثير فالذي يستغنى فيه بناء الأقل عن الأكثر فتجده كثيرا والإستغناء بالكثير عن القليل نحو : ثلاثة شسوع وثلاثة قروء ، وإذا أردت أن تعرف ما يكون اسما للجمع فهو الذي ليس له باب يكسر فيه وتطرد الأسماء المجموعة المكسرة على ضربين :أحدهما عدته ثلاثة أحرف والآخر عدته أربعة أحرف والثلاثة على ضربين أحدهما مذكر لا هاء فيه أو على لفظ المذكر والآخر فيه هاء التأنيث وكذلك ما كان على أربعة أحرف ونبدأ بالاسم الثلاثي الذي لا زائد فيه وهو يجيء على عشرة أبنية : فعل فعل فعل فعل فعل فعل فعل فعل فعل.

وأبنية الجموع على ثلاثة عشر بناء : فعل فعل فعلة فعلة أفعل فعيل فعال فعول فعالة فعولة فعلان فعلان أفعال فأفعل وإفعال بناءان للقليل وفعال وفعول أخوان وهما للكثير وفعالة وفعولة ومؤنثاهما يجريان مجراهما والثلاثي يجيء أكثره على بناء هذه الأربعة وفعول وفعال أخوان وليست أفعل وإفعال أخوين ؛ لأن ما يجيء على فعال يجيء فيه بعينه كثيرا فعول وفعلان وفعلان ايضا للكثير وما لم يخص القليل ولا الكثير فيهما فهو اسم للجمع وأسماء

٢٤٠