الأصول في النحو - ج ٢

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ٢

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-406-X
الصفحات: ٥٣٥

باب ما تخبر فيه بالذي ولا يجوز أن تخبر فيه بالألف واللام

وما يجوز بالألف واللام ولا يجوز بالذي ، وذلك المبتدأ والخبر

أما ما يخبر فيه (بالذي) ولا يجوز بالألف واللام فالمبتدأ والخبر وقد بيناه فيما تقدم وكذلك ما جرى مجراهما والمضاف إليه والاسم المعطوف وكل اسم لا يتصل به فعل فيرفعه أو ينصبه أو يتصل به بحرف جر لا يجوز أن تخبر عنه إلا (بالذي) وكل فعل لا يتصرف فلا يجوز عنه الإخبار إلا (بالذي) وقد تقدم ذكر هذا.

وأما ما يجوز بالألف واللام ولا يجوز (بالذي) مكانه فقال الأخفش تقول : (مررت بالقائم أخواه إلا القاعدين) ولو قلت : (مررت بالذي قعدت جاريتاه لا الذي قامتا) لم يجز ؛ لأن (الذي) لا بد من أن يكون في صلتهما ذكرها وكذلك لو قلت : (مررت بالقاعد أبواها لا القائمين) كان جيدا.

ولو قلت : مررت بالتي قعد أبواها لا التي قاما لم يجز ؛ لأنه ليس في صلة (التي) ذكر لها ألا ترى أنك تقول : (المضروب الوجه عبد الله) ولا تقول : (الذي ضرب الوجه عبد الله) وتقول : المضروبة الوجه ضربتين أمة الله.

ولا تقول : (التي ضربت الوجه ضربتين أمة الله ؛ لأنه ليس في صلة (التي) لها ذكر.

١٤١

ذكر المحذوفات التي قاس عليها النحويون

وذلك قولك : (ضربت وضربني زيد) وضربني وضربت زيدا قال الأخفش : إذا قلت :(ضربت وضربني زيد) فأدخلت عليه الألف واللام وجعلت (زيدا) خبرا قلت : (الضاربه أنا والضاربي زيد) لا يحسن غير ذلك لأنك حين طرحت المفعول في (ضربت وضربني) لم تزد على ذلك وأنت لو طرحت (الهاء) من قولك (الضاربه أنا والضاربي زيد) كنت قد طرحت المفعول به كما طرحته في (ضربت) وطرحت الشيء الذي تصحّ به الصلة ؛ لأن كلّ شيء من صلة (الذي) لا يرجع فيه ذكر (الذي) فليس هو بكلام قال : إلا أنّ بعض النحويين قد أجاز هذا وهو عندي غير جائز لطول الاسم ؛ لأنه صير (الضارب أنا والضاربي) كالشيء الواحد ، وإذا جعلت (أنا) هو الخبر يعني إذا أخبرت عن (التاء) كان حذف (الهاء) أمثل من هذا ، وذلك أنك إذا قلت : (الضارب والضاربه زيد أنا) إنما أوقعت من (الضارب) المفعول به ولم توقع ذكر (الذي) فلم تزد على مثل ما صنعت في (ضربت وضربني زيد) لأنك إنما ألغيت ثم المفعول وألغيته هاهنا أيضا ، وإن كان في قولك : (الضارب والضاربه زيد أنا) أقبح منه في (ضربت وضربني زيد) ؛ لأن هذا مما يخل بصلة الاسم أن يحذف منه المفعول به حتى يصير الاسم كأنه لم يتعد.

قال المازني : إذا أردت الإخبار عن زيد ، فإن ناسا من النحويين يقولون : (الضارب أنا والضاربي زيد) قال : وما أرى ما قالوا إلا محالا إن كنت لم تنو أن يكون في (الضارب) مفعول محذوف ، فإن كنت أردت أن يكون محذوفا فإثباته أجود قال : وإن قلت : إني إنما أحذفه كما أحذفه في الفعل ، فإن ذلك غير جائز لأنك حين حذفته في الفعل لم تضمر وأنت هاهنا تحذفه مضمرا فحذفهما مختلف فلذلك لم يكن مثله في الفعل قال : والقياس عندي أن أقول :(الضارب أنا والضاربي زيد) فأجعل (الضارب) مبتدأ وأجعل (أنا) خبره فأجعل (الضاربي) مبتدأ وأجعل زيدا خبره وأجعله تفسيرا لما وقع عليه (ضربت) كما كان تفسيرا له مع الفعل وأجعل الضارب الأول غير متعدّ كما كان الفعل الذي بنيته منه غير متعدّ وأجعل (أنا) خبرا

١٤٢

له ؛ لأن الفعل والفاعل نظيرهما من الأسماء المبتدأ والخبر لأنك إذا قلت : (ضرب زيد) فلا بد لضرب من (زيد) كما أنك إذا قلت : (زيد منطلق) فلا بد له من (منطلق) أو ما أشبهه فجعلت الأول مبتدأ و (أنا) خبره وعطفت عليه مبتدأ وخبره لتكون جملة عطفتها على جملة كما كان الفعل والفاعل جملة عطفت عليها فعلا وفاعلا جملة قال : فهذا أشبه وأقيس مما قال النحويون.

قال أبو بكر : وهذا الباب عندي لا يجوز الإخبار فيه من أجل أن هاتين الجملتين كجملة واحدة لحاجة الأولى إلى ما يفسرها من الثانية ، وإذا أدخلت الألف واللام فصلت ، فإن أحوجت الضرورة إلى الإخبار فهما بالألف واللام فأقيس المذهبين مذهب المازني ليكون الاسم محذوفا ظاهرا غير مضمر كما كان في الفعل.

وقال الأخفش : من جوز الحذف في (ضربت وضربني زيد) إذا أدخل عليه الألف واللام قال في (ظننت وظنني زيد عاقلا) إذا أعمل الآخر (الظانّ) أنا (والظاني عاقلا زيد) ، فإن قال : قد أضمرت اسمين من قبل أن تذكرهما قلت : أما الأول منهما فأضمرته ليكون له في الصلة ذكر والثاني أضمرته ؛ لأنه لا بد إذا أعملت الفعل في واحد من أن تعمله في الآخر قال :فإن جعلت (أنا) هو الخبر يعني : إذا أخبرت عن الياء فحذف الهاء أمثل شيئا لأنك لم تزد على حذف المفعول به كما حذفته من قبل الألف واللام فتقول : (الظانّ والظانه زيد عاقلا أنا) ، وإن ألحقت (الهاء) قلت : (الظانه إياه والظانه عاقلا زيد أنا).

قال المازني : فإن قلت : (ضربني وضربت زيدا) فأخبرت عن (زيد) قلت : (الضاربي هو والضاربه أنا) فجعلت الضاربي مبتدأ وهو خبره كما كان فاعلا في (ضربني) ليكون الضارب يستغني ويكون (هو) يحتاج إلى أن يفسر كما كان محتاجا وهو في موضع (ضربني) وليكون جملة معطوفة على جملة وكذلك إن كان فعلا تعدى إلى مفعولين نحو : أعطيت وأعطاني زيد درهما إذا أخبرت عن نفسك قلت : المعطي أنا والمعطى درهما زيد فجعلت (أنا) الأول خبرا (للمعطى) كما كان فاعلا (لأعطيت) وجعلت الثاني مبتدا وآخر الكلام خبره فجعلته جملة معطوفة على جملة.

١٤٣

قال أبو بكر : فعلى هذا يجيء هذا الباب ، وإن كثرت مسائله فقسه على ما ذكرت لك وليس أحد يقوله علمت من أهل العلم لأنهم إنما جروا على أشياء اصطلحوا عليها لم يفكروا في أصولها وهذا أقيس وأشبه بكلام العرب.

١٤٤

باب ما ألف النحويون من (الذي) و (التي) وإدخال (الذي) على (الذي) وما ركب من ذلك

وقياسه قد تقدم من قولنا : إن (الذي) لا يتم إلا بصلة وإنه وصلته بمنزلة اسم مفرد فمتى وصلت (الذي) بالذي فانظر إلى الأخير منهما فوقه صلته فإذا تم بصلته وخبره فضع موضعه اسما مضافا إلى ضمير ما قبله ؛ لأنه إن لم يكن فيه ضمير يرجع إليه لم يصلح فإذا كان الأول مبتدأ فإنه يحتاج إلى صلة وخبر كما كان يحتاج وصلته غير (الذي) ويكون (الذي) الثاني يحتاج إلى صلة وخبر ويكون الثاني وصلته وخبره صلة للأول ولا بد من أن يرجع إلى كل واحد منهما ضمير في صلته حتى يصح معناه إلا أن (الذي) التالي للأول يحتاج إلى أن يكون فيه ضميران أحدهما يرجع إلى الثاني والآخر يرجع إلى (الذي) الأول ، وإن كان (الذي) بعد (الذي) الأول مرتين أو ثلاثا أو أربعا أو خمسا أو ما بلغ فحاله كحال الذي ذكرت لك من المبتدأ والخبر وحاجة كل واحد منهما إلى ما يتمه وما يكون خبرا له تقول : (الذي التي قامت في داره هند عمرو) فيكون (الذي) الأول مبتدأ ويكون (التي) الثانية مبتدأة أيضا ويكون (قامت في داره) فيه ضميران : أحدهما مرفوع وهو المضمر في (قامت) وهو راجع إلى (التي) والهاء راجعة إلى (الذي) الأول وتكون (هند) خبر (التي) الثانية وتكون (التي) الثانية وصلتها وخبرها صلة للذي (الأول) ويكون (عمرو) خبر (الذي) الأول ، فإن ثنيت قلت : (اللذان اللتان قامتا في دارهما الهندان العمران) فظهر الضمير الذي كان في (قامت) في الواحدة والتفسير ذلك التفسير.

وكذلك لو قلت : الذي التي في داره هند عمرو ففي (داره) ضميران أحدهما مرفوع والآخر مجرور فالمرفوع مضمر في الاستقرار المحذوف الذي قام الظرف مقامه (فالتي) مع صلتها تقوم مقام اسم مضاف إلى ضمير (الذي) ألا ترى أنك لو وضعت موضع ذلك (أخته) لجاز أن تقول : (الذي أخته هند عمرو) وتقول : (الذي الذي ضرب عمرو زيد) تجعل الفاعل الذي في (ضرب) يرجع إلى (الذي) الأول ، وإن شئت إلى الثاني وتجعل المفعول المحذوف في

١٤٥

(ضرب) يرجع إلى الآخر وتجعل عمرا خبرا للثاني وزيدا خبرا للأول وتقول : (الذي التي أخته أمها هند زيد) فتجعل (الذي) مبتدأ والتي مبتدأ ثانيا وأخته أمها (صلة التي) وفيها ما يرجع إلى (الذي) وإلى (التي) وهند خبر (التي) فصارت (التي) مع صلتها مبتدأ خبره (هند) وهذا المبتدأ والخبر صلة (الذي) وقد تم به ؛ لأن فيه ذكره و (زيد) خبر (الذي) فكأنك قلت :(الذي أخته هند زيد) فلو قلت الذي التي أخته هند أختها زيد لم يجز لأنك لم تجعل في صلة التي شيئا يرجع إليهما ولو قلت الذي التي أختها هند أخته زيد جاز لأنك جعلت (أختها) مبتدأة و (هندا) خبرها وهما في صلة (التي) وجعلت قولك : أخته خبر التي وجعلت (الهاء) التي أضفت الأخت إليها راجعة إلى (الذي) وجعلت التي وصلتها وخبرها صلة (للذي) فصار خبرها مضافا إلى ضمير الذي يرجع إلى (الذي) في صلته وصار زيد خبرا عن (الذي) فكأنك قلت (الذي هند أخته زيد) فصلح أن تضع هذا موضع (التي) ؛ لأنه ليس في (التي) وصلتها ما يرجع إلى (الذي) ولو لا الهاء في (أخته) ما كان كلاما ، فإن أدخلت كان على هذا قلت : (كان الذي التي أختها هند أخته زيدا) ، وإن أدخلت (ظننت) قلت : (ظننت الذي التي أختها هند زيدا) فنصبت (الذي وزيدا) وتركت سائر الكلام الذي هو صلة للذي مرفوعا ، فإن أدخلت في هذه المسائل (الذي) ثالثة فالقياس واحد تقول : (اللذان الذي التي أخته أختها أختهما هند زيد أخواك) لا بد في صلة الأخير وخبره من ثلاثة مضمرات بعدد المبتدآت الموصولات.

فإن لم يكن كذلك فالمسألة خطأ فتجعل اللذين ابتداء والذي ابتداء ثانيا والتي ابتداء ثالثا وتجعل أخته أختها صلة (للتي) والهاء في (أخته) ترجع إلى (الذي) وها في (أختها صلة للتي) والهاء في (أخته) ترجع إلى (الذي) وها في (أختها) ترجع إلى (التي) وأختهما خبر للتي وهي مضافة إلى ضمير (اللذين) وهي وصلتها وخبرها صلة (للذي) وزيد خبر الذي والذي وصلته وخبره صلة للذين وأخواك خبر (اللذين) وتعتبر هذا بأن تجعل موضع (التي) مع صلتها اسما مؤنثا مضافا إلى ضمير ما قبله كما كان في قولك : (أخته) فتقول : (اللذان الذي أمه أختهما زيد أخواك) فتجعل موضع (الذي) بتمامه صاحبهما فتقول : (اللذان صاحبهما زيد

١٤٦

أخواك) فالكلام ، وإن طال فإلى هذا يرجع فنعتبره إذا طال بهذا الإمتحان فإنه يسهله وتعرف به الخطأ من الصواب.

وتقول : (اللذان الذي أخوه زيد أخوهما أبوه أخواك) تجعل اللذين ابتداء والذي ابتداء ثانيا و (أخوه زيد) صلة الذي وأخوهما ابتداء وأبوه خبره وهما جميعا خبر (الذي) والضمير الذي في (أخيهما) راجع إلى (اللذين) والضمير الذي في قولك : (أبوه) راجع إلى الذي والكلام الذي بعد (اللذين) إلى قولك : (أبوه) صلة للذين وأخواك خبر عنهما ولو أدخلت على هذا (كان) أو ظننت وما أشبههما من العوامل كان الكلام على حاله كله ما خلا (اللذين وأخويك) فإنهما يتغيران ، وذلك قولك : (ظننت اللذين الذي أخوه زيد أخوهما أبوه أخويك) فلو أخبرت عن اللذين لقلت : (الظانّهما أنا أخويك اللذان الذي أخوه زيد أخوهما أبوه).

قال المازني : فإن أخبرت عن زيد جاز فقلت : (الظانّ أنا اللذين الذي أخوه هو أخوهما أبوه أخويك زيد) جعلت (الظانّ) ابتداء وأوقعته على (اللذين والأخوين) وجعلت صلتهما على حالها وجعلت قولك : هو راجعا إلى (الظانّ) فلذلك صح الكلام قال : ولو أخبرت عن (غير زيد) مما في الصلة لم يجز وإنما لم يجز ذلك ؛ لأن ما في الصلة من الأسماء التي هي غير (زيد) كلها مضافات إلى مضمرات فلو أخبرت عنهما احتجت أن تنتزعهما من الكلام وتجعل موضعهما ضميرا فلا يقوم مقام الراجع الذي كان شيء ولو أخبرت عن (الذي) لقلت : الظانّ أنا اللذين هو أخوهما أبوه أخويك الذي أخوه زيد.

وقال أبو بكر : وهذه مسألة في كتاب المازني ورأيتها في كثير من النسخ مضطربة معمولة على خطأ والصواب ما وجدته في كتاب أبي العباس محمد بن يزيد بخطه عن المازني وقد أثبته كما وجدته قال : لو قلت (الذي التي اللذان التي أبوهما أخواك أختها أخته زيد) جاز أن تجعل (الذي) مبتدأ (والتي) مبتدأة أيضا (واللذين) مبتدأين والتي مبتدأة ، وتجعل (أبوها) مبتدأ وهو مضاف إلى ضمير (التي) الثانية وأبوهما خبر (أبيها) وهو مضاف إلى ضمير (اللذين) وأختها خبر (التي) الثانية وهو مضاف إلى ضمير (التي) الأولى وهذا كله صلة للذين وأخواك

١٤٧

خبر اللذين وهذا كله صلة للتي الأولى يعني اللذين وصلتهما وخبرهما (وأخته) خبر عن (التي) وهي وصلتها وخبرها صلة (للذي) وزيد خبر عن (الذي).

قال أبو بكر : ويعتبر هذاه بأن تقيم مقام كل موصول مع صلته اسما حتى تردّ الجميع إلى واحد فإذا قلت : (الذي التي اللذان التي أبوها أبوهما أختها أخواك أخته زيد) عمدت إلى (التي) الثانية وصلتها أبوها أبوهما فأقمت مقامهما (أمهما) فصار الكلام الذي التي اللذان أمهما أختها أخواك أخته زيد ثم تقيم مقام (اللذين) وصلتهما اسما فتقول : الذي التي صاحباها أخواك أخته زيد ثم تقيم مقام (التي) مع صلتها (هند) فيصير الكلام : (الذي هند أخته زيد) فإلى هذا التقدير ونحوه ترجع جميع المسائل ، وإن طالت.

وإذا قلت : (الذي التي اللذان التي أبوها أبوهما أختها أخواك أخته زيد) فأردت الإخبار عن (الذي) قلت : (الذي هو زيد الذي التي اللذان التي أبوهما أختها أخواك أخته) ؛ لأن هذا كله صلة (للذي) الذي أخبرت عنه ، وإن أخبرت عن شيء في الصلة وكان مضافا إلى ضمير لم يجز ، وإن كان غير مضاف فالإخبار عنه جائز نحو الأخوين وزيد فالإخبار عن هذا كله جائز وتقول : (الذي إنّه زيد الذي إنّ أباه منطلق) تجعل (الذي) مبتدأ وتعمل (إنّ) في ضميره وتجعل (زيدا) خبرا (لأن) وتجعل (إن) وما عملت فيه صلة (للذي) وتجعل (الذي) الثاني خبرا للذين الأول وتجعل (إنّ أباه منطلق) صلة للذي الثاني.

قال المازني : وإنما جاز أن تجعل في صلة (الذي) إنّ ؛ لأنه قد جاء في القرآن : (ما إنّ مفاتحه) كأنه قال والله أعلم الذي إنّ (مفاتحه) ؛ لأن (ما) إذا كانت بمنزلة (الذي) كانت صلتها كصلة الذي.

١٤٨

باب أخوات (الذي)

وهي (ما (١) ومن وأي) مضاف ومفرد يكنّ استفهاما وجزاء وخبرا بمنزلة (الذي) فإذا كن استفهاما أو جزاء لم يحتجن إلى صلات وكن أسماء على حدتهن تامات نحو : (من أبوك) وما مالك وأي أبوك والجزاء نحو : (من يأتنا نأته) وأي يذهب تذهب معه وأيا تأكل آكل وقد يكن بمنزلة (الذي) فإذا كن كذلك وصلن بما وصل به (الذي) بالابتداء والخبر وبالظروف وبالفعل وما يعمل فيه نحو : (اضرب من في الدار واضرب من أبوه منطلق) وكل ما أكل زيد تريد : (ما أكله زيد) وتحذف الهاء من الصلة كما تحذفها من صلة (الذي) لطول الاسم وقد توصل (أي) بالابتداء والخبر وقد يحذف المبتدأ من اللفظ ويؤتي بالخبر فإذا كانت كذلك وكانت مضافة بنيت على الضمة في كل أحوالها كقولك : اضرب أيهم أفضل واضرب أيهم قائم ومثل ذلك قراءة الناس : (ثمّ لننزعنّ من كل شيعة أيّهم أشدّ) (٢) لأنك لو وضعت (الذي) هاهنا كان قبيحا إنما تقول : (الذي هو قائم) ، فإن قلت : (الذي قائم) كان قبيحا ، فإن قلت :اضرب أيهم في الدار واضرب أيهم هو قائم واضرب أيهم يأتيك نصبت لأنك لو وضعت

__________________

(١) ما الموصولة : وتستعمل فيما لا يعقل نحو : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ) (الآية : ٩٦ سورة النحل) ، وقد تكون له مع العاقل نحو (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (الآية : ١ سورة الصف) ومنه (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) ومنه (إنما توعدون لآت) وفي كليهما : إنّ الذي صنعوا ، وإن الذي توعدون. وتكون لأنواع من يعقل نحو : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (الآية : ٣ سورة النساء) وتكون للمبهم أمره ، كقولك حين ترى شبحا من بعد" انظر إلى ما ظهر".

وإن جعلت الصّفة في موضع الموصوف على ما يعقل ، ومن كلام العرب : " سبحضان ما سبّح الرعد بحمده" ، وقال تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) (الآية : ٥ سورة الشمس). انظر معجم القواعد ٢٥ / ٥.

(٢) في حالة أن تضاف ويحذف صدر الصلة نحو يعجبني أيهم قائم ففي هذه الحالة تبنى على الضم فتقول يعجبني أيهم قائم ورأيت أيهم قائم ومررت بأيهم قائم وعليه قوله تعالى (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) وقول الشاعر

إذا ما لقيت بني مالك

فسلم على أيهم أفضل

انظر شرح ابن عقيل ١ / ١٦٢.

١٤٩

(الذي) هاهنا كان حسنا وزعموا أن من العرب من يقول : (اضرب أيهم أفضل) على القياس وقد قرأ بعض أهل الكوفة : (ثم لننزعنّ من كل شيعة أيّهم أشّد) وإنما حذف المبتدأ من صلة (أي) مضافة لكثرة استعمالهم إياها فإذا كانت مفردة لزمها الإعراب فقلت : (اضرب أيا أفضل) ولا تثني هاهنا ، وإن كانت (الذي) تقبح هاهنا من قبل أنهم إنما بنوها مضافة وتركوها مفردة على القياس.

قال أبو بكر : هذا مذهب أصحابنا وأنا أستبعد بناء (أي) مضافة وكانت مفردة أحق بالبناء ولا أحسب الذين رفعوا أرادوا إلا الحكاية كأنه إذا قال : (اضرب أيهم أفضل) فكأنه قال : اضرب رجلا إذا قيل : (أيهم أفضل) قيل : هو.

والمحذوفات في كلامهم كثيرة والإختصار في كلام الفصحاء كثير موجود إذا آنسوا بعلم المخاطب ما يعنون وهذا الذي اختاره مذهب الخليل.

قال سيبويه : زعم الخليل : أن (أيهم) إنما وقع في قولهم اضرب أيهم على أنه حكاية كأنه قال : (اضرب الذي يقال له أيّهم أفضل).

وشبهه بقول الأخطل :

ولقد أبيت من الفتاة بمنزل

فأبيت لا حرج ولا محروم (١)

__________________

(١) على أن لا حرج عند الخليل مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، والجملة محكية بقول محذوف ، أي : أبيت مقولا في : هو لا حرج ولا محروم. وهذا من حكاية الجمل بتقدير المبتدأ ، ولا يصح أن يكون من حكاية المفرد ، لأن حكاية إعرابه إنما تكون إذا أريد لفظه ، نحو : قال فلان : زيد ، إذا تكلم بزيد مرفوعا ، وفي غير هذا يجب نصبه ، إلا أن يكون بتقدير شيء ، فنجب حكاية إعرابه كما هنا. وهذا نص سيبويه في المسألة : وزعم الخليل أن أيهم إنما وقع في قولهم : اضرب أيهم أفضل على أنه حكاية ، كأنه قال : اضرب الذي يقال له : أيهم أفضل. وشبه بقول الأخطل :

ولقد أبيت من الفتاة بمنزل ... البيت

قال الأعلم : الشاهد في رفع حرج ومحروم ، وكان وجه الكلام نصبهما على الحال. ووجه رفعهما عند الخليل الحمل على الحكاية ، والمعنى : فأبيت كالذي يقال له لا حرج ولا محروم. ولا يجوز : رفعه حملا على مبتدأ مضمر ، كما لا يجوز : كان زيد لا قائم ولا قاعد ، على تقدير : لا هو قائم ، ولا هو قاعد لأنه ليس موضع

١٥٠

وأما يونس فزعم : أنه بمنزلة قولك : (أشهد أنه لعبد الله) واضرب (معلقة) يعني (بمعلقة) أنها لا تعمل شيئا والبناء مذهب سيبويه والمازني وغيرهما من أصحابنا ومن العرب من يعمل (من) وما نكرتين فإذا فعلوا ذلك ألزموهما الصفة ولم يجيزوهما بغير صفة قالوا : اضرب من طالحا أو امرر بمن صالح قال الشاعر :

يا ربّ من يبغض أذوادنا

رحن على بغضائه واغتدين (١)

__________________

ـ تبعيض ولا قطع ، فلذلك حمله على الحكاية. اه. وقال النحاس : قال سيبويه : زعم الخليل أن هذا ليس على إضمار أنا ، ولو كان كذلك لجاز : كان عبد الله لا مسلم ولا صالح ، ولكنه فيما زعم الخليل : فأبيت كالذي يقال له : لا حرج ولا محروم. وإنما فر الخليل من إضمار أنا وإن كانت قد تضمر في هذا الموضع ، لأنه يلزم عليه أن يقول : كنت لا خارج ولا ذاهب. وهذا قبيح جدا ، فجعله على الحكاية : فأبيت بمنزلة الذي يقال له : لا حرج ولا محروم ، أي : إنها لم تحرمني ، فيقال لي محروم ، ولم أتحرج من حضوري نعها ، فيقال لي : حرج. وقال أبو إسحاق الزاج : هو بمعنى لا حرج ولا محروم في مكاني. فإذا لم يكن في مكانه حرجا ولا محروما ، فهو لا حرج ولا محروم. وزعم الجرمي أنه على معنى فأبيت وأنا لا حرج ولا محروم. قال سيبويه : وقد زعم بعضهم أنه على النفي ، كأنه قال : فأبيت لا حرج ولا محروم بالمكان الذي أنا فيه. وكلام أبي إسحاق شرح لهذا. قال أبو الحسن : فيكون في المكان الذي أنا فيه خبرا عن حرج ، والجملة خبر أبيت. انتهى كلام النحاس. قال السيرافي :وهذا التفسير أسهل ، لأن المحذوف خبر حرج ، وهو ظرف ، وحذف الخبر في النفي كثير كقولنا : " لا حول ولا قوة إلا بالله" ، أي : لنا. وقوله : ولقد أبيت ، قال صاحب المصباح : بات له معنيان : أحدهما كما نقل الأزهري عن الفراء : بات الرجل ، إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية. وثانيهما : بمعنى صار ، يقال : بات بموضع كذا ، أي : صار به ، سواء كان في ليل ، أو نهار. وعليه قوله عليه الصلاة والسّلام : " فإنه لا يدري أين باتت يده" ، أي : صارت ووصلت. اه. والمناسب هنا المعنى الثاني. والرواية في ديوان الأخطل : ولقد أكون.

والمستقبل هنا في موضع الماضي ، لأنه يريد أن يخبر عن حاله فيما مضى ، وأكثر ما يجيء هذا فيما علم منه ذلك الفعل خلقا وطبعا ، وقد تكرر ذلك الفعل منه ، ولا يكون كفعل فعله في الدهر مرة واحدة. والفتاة : الجارية الشابة ، يريد أنه كان في شبابه تحبه الفتيات ، ويبيت عندهن بمنزل يعنى بمنزلة جميلة. والحرج بفتح الحاء وكسر الراء : المضيق عليه. يقول : إن موضعه لم يكن مضيقا به ، ولا هو محروم من جهتها ما يريده. انظر خزانة الأدب ٢ / ٣١٢.

(١) من النّكرة الموصوفة : وتدخل عليها" ربّ" دليلا على أنّها نكرة وذلك في قول الشّاعر : ـ

ربّ من أنضجت غيظا قلبه

قد تمنّى لي موتا لم يطع

واستشهد سيبويه على ذلك بقول عمرو بن قميئة :

يا ربّ من يبغض أذوادنا

رحن على بغضائه واغتدين

وظاهر في البيتين أنها واقعة على الآدميّين

١٥١

وقال الآخر :

ربّما تكره النّفوس من الأمر

له فرجة كحلّ العقال (١)

فجعلها نكرة وأدخل عليها (ربّ).

واعلم أنه يجوز أن تقول : لأضربن أيهم في الدار وسأضرب أيهم في الدار ولا يجوز : (ضربت أيهم في الدار) وهذه المسألة سئل عنها الكسائي في حلقة يونس فأجازها مع المستقبل ولم يجزها مع الماضي فطولب بالفرق فقال : (أي) كذا خلقت.

قال أبو بكر : والجواب عندي في ذلك أن (أيا) بعض لما تضاف إليه مبهم مجهول فإذا كان الفعل ماضيا فقد علم البعض الذي وقع به الفعل وزال المعنى الذي وضعت له (أيّ) والمستقبل ليس كذلك.

__________________

أي للعاقل.

كما أنها وصفت بالنّكرة في نحو قولهم" مررت بمن معجب لك". ومثالها قول الفرزدق :

إني وإيّاك إذ حلّت بأرحلنا

كمن بواديه بعد المحل ممطور

أي كشخص ممطور بواديه. انظر معجم القواعد ٢٥ / ١٠١.

(١) قد تدخل" ما" النكرة الموصوفة على" ربّ" وتوصف بالجملة التي بعدها ، نحو قول أمية بن أبي الصّلت :

ربّما تكره النّفوس من الأم

ر له فرجة كحلّ العقال

والتّقدير : ربّ شيء تكرهه النّفوس ، وضمير له يعود على ما. وقد تلحق ربّ ما الزّائدة فتكفّها عن العمل فتدخل حينئذ على المعارف وعلى الأفعال فتقول : " ربّما عليّ قادم" و" ربّما حضر أخوك".

انظر معجم القواعد ١١ / ١.

١٥٢

باب الاستفهام إذا أردت الإخبار عنه

إذا قلت : (أيهم كان أخاك (١)) فأردت الإخبار عن الأخ قلت : أيهم الذي هو كأنه أخوك ، وإن شئت (كان إيّاه) كما ذكر في مفعول (كان) المضمر فيما مضى ، وذلك أن اسم (أي) كان مضمرا في (كان) ولم يستقم أن تجعل (الذي) قبل (أي) ؛ لأنه استفهام فجعلت (هو الذي) هو ضمير أي تقوم مقامه فصار (أي) ؛ لأنه استفهام فجعلت (هو الذي) هو ضمير أي تقوم مقامه فصار (أي) ابتداء في (كان) وأخوك خبر (الذي) والذي وخبره خبر أي وتقديره تقدير :زيد الذي أبوه ضربه عمرو تجعل (الذي) لعمرو والأب هو الفاعل ، فإن أخبرت عن (أي) في هذه المسألة قلت : (أيهم الذي هو ضرب أخاك) تجعل (أيهم) خبرا مقدما وتجري الكلام مجراه كأنه في الأصل : (الذي هو ضرب أخاك أيّهم) ثم قدمته ؛ لأنه بمنزلة : زيد ضرب أخاك فالإخبار عن (زيد) الذي هو ضرب أخاك زيد فإذا قدمت زيدا وأدخلت عليه ألف الاستفهام قلت : (أزيد الذي هو ضرب أخاك) فهذا نظير (أيهم) ، فإن قلت : (أيهم ضرب أخوك) فجعلت (أي) مفعولة فأردت الإخبار عن (أي) قلت : أيهم الذي إياه ضربت أخوك والتقدير : (الذي إياه ضرب أخوك أيهم) إلا أنك قدمت (أي) وهي خبر الابتداء لأنها استفهام.

(الذي بعضهم هو زيد) ولكنك قدمت للاستفهام (فبعض) يجوز فيها التقديم والتأخير وأن يقع صلة وغير صلة وخبرا وأيهم إذا كانت استفهاما لا يجوز أن يكون إلا صدرا كسائر حروف الاستفهام.

__________________

(١) الثالث أن يكون الخبر له صدر الكلام وهو المراد بقوله كذا إذا يستوجب التصديرا نحو أين زيد فزيد مبتدأ مؤخر وأين خبر مقدم ولا يؤخر فلا تقول زيد أين ؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام وكذلك أين من علمته نصيرا فأين خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وعلمته نصيرا صلة من. انظر شرح ابن عقيل ١ / ٢٤٣.

١٥٣

باب من الألف واللام يكون فيه المجاز

تقول في قولك : (ضربنا الذي ضربني) إذا كنت وصاحبك ضربتما رجلا ضربك فأردت أن تجعل اسميكما الخبر قلت : (الضاربان الذي ضربني نحن).

وتصحيح المسألة : (الضاربان الذي ضرب أحدهما نحن) وإنما جاز أن تقول : (الذي ضربني) على المجاز وإنه في المعنى واحد ألا ترى أنك لا تقول : (الضارب الذي ضربني أنا) إلا على المجاز وتصحيح المسألة : (الضارب الذي ضربه أنا) ؛ لأن الضارب للغائب وإنما جاز الضارب الذي ضربني أنا على قصد الإبهام كأنه قال : (من ضرب الذي ضربك).

فأجبته بحسب سؤاله فقلت : (الضارب الذي ضربني أنا) كما تقول : (الضارب غلامي أنا) والأحسن : (الضارب غلامه أنا) ؛ لأن الذي هو غلامه قد تقدم ذكره والأحسن أن تضيفه إلى ضميره.

فإن أردت أن تجعل اسم المضروب هو الخبر من قولك : (ضربنا الذي ضربني) قلت :(الضاربة نحن الذي ضربني) هذا المجاز وتصحيح المسألة الضاربه نحن الذي ضرب أحدنا.

١٥٤

باب مسائل من الألف واللام

تقول : هذا ثالث ثلاثة قلت : الذين هذا ثالثهم ثلاثة ، فإن قيل لك : في حادي أحد عشر وثالث ثلاثة عشر أخبر عن أحد عشر وثلاثة عشر.

لم يجز أن تقول : الذين هذا حاديهم أحد عشر ولا الذين هذا ثالثهم ثلاثة عشر كما قلت :الذين هذا ثالثهم ثلاثة ؛ لأن أصل (حادي) أحد عشر وثالث ثلاثة عشر حادي عشر أحد عشر وثالث عشر ثلاثة عشر هذا الأصل ولكن استثقلوا أن يجيئوا باسم قد جمع من اسمين ويوقعوه على اسم قد جمع من اسمين فلما ذهب لفظ (أحد عشر) وقام مقامه ضمير رد حادي عشر إلى أصله ومع هذا فلو جاز أن تضمر أحد عشر واثني عشر من قولك حادي أحد عشر وثاني اثني عشر ولا ترد ما حذف لوجب أن تقول : حاديهم وثانيهم وثالثهم ورابعهم فيلبس بثالثهم وأنت تريد ثلث ثلاثة ولو أردت إدخال الألف واللام ، فقلت : الحادي عشرهم أنا أو الثاني عشرهم أنا لم يجز في شيء من هذا إلى العشرين ؛ لأن هذا مضاف ولا يجري مجرى الفعل ؛ لأنه اشتق من شيئين وكان حق هذا أن لا يجوز في القياس ولو لا أن العرب تكلمت به لمنعه القياس وإنما ثاني اثني عشر في المعنى أحد اثني عشر وليس يراد به الفعل وثالث ثلاثة إنما يراد به أحد ثلاثة.

قال الأخفش : ألا ترى أن العرب لا تقول : هذا خامس خمسة عددا ولا ثاني اثنين عددا وقد يجوز فيما دون العشرة أن تنون وتدخل الألف واللام ؛ لأن ذلك بناء يكون في الأفعال ، وإن كانت العرب لا تتكلم به في هذا المعنى قال : ولكنه في القياس جائز أن تقول : الثاني اثنين أنا والثانيهما أنا اثنان ليس بكلام حسن ، وإذا قلت : هذا ثالث اثنين ورابع ثلاثة فهو بما يؤخذ من الفعل أشبه لأنك تريد : هذا الذي جعل اثنين ثلاثة والذي جعل ثلاثة أربعة ومع ذلك فهو ضعيف ؛ لأنه ليس له فعل معلوم إنما هو مشتق من العدد وليس بمشتق من مصدر معروف كما يشتق (ضارب) من الضرب ومن ضرب فإذا قلت : هذا رابع ثلاثة تريد رابع ثلاثة ، فأخبرت عن ثلاثة قلت : الذين هذا رابعهم ثلاثة وبالألف واللام : الرابعهم هذا ثلاثة

١٥٥

وإنما يجوز مثل ذا عندي في ضرورة ؛ لأن هذه الأشياء التي اتسعت فيها العرب مجراها مجرى الأمثال ولا ينبغي أن يتجاوز بها استعمالهم ولا تصرف تصرف ما شبهت به فثالث ورابع مشبه بفاعل وليس به وتقول : مررت بالضاربين أجمعون زيدا فتؤكد المضمرين في (الضاربين) ؛ لأن المعنى : (الذين ضربوا أجمعون زيدا).

ولو قلت : مررت بالضاربين أجمعين زيدا لم يجز ؛ لأن الصلة ما تمت ولا يجوز أن تؤكد (الذين) قبل أن يتم بالصلة ألا ترى أنك لو قلت : (مررت بالذين أجمعين في الدار) لم يجز أنك وصفت الاسم قبل أن يتم.

وتقول : (زيد الذي كان أبوه راغبين فيه) فزيد : مبتدأ و (الذي) خبره ولا بد من أن يرجع إليه ضمير أما الهاء في (أبويه) ، وأما الهاء في (فيه) لا بد من أن يرجع أحد الضميرين إلى (الذي) والآخر إلى (زيد) فكأنك قلت : (زيد الرجل الذي من قصته كذا وكذا) ، فإن جعلت (الذي) صفة لزيد احتجت إلى خبر فقلت : زيد الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق.

فكأنك قلت : (زيد الظريف منطلق) ، فإن جعلت موضع زيد (الذي) فلا بد من صلة ولا يجوز أن تكون (الذي) الثانية صفة ؛ لأن (الذي) لا يوصف حتى يتم بصلته فإذا قلت :الذي الذي كان أبواه راغبين فيه فقد تم الذي الثاني بصلته والأول ما تم فإذا جئت بخبر تمت صلة الأولى (بالذي الثانية) وخبرها فصار جميعه يقوم مقام قولك : زيد فقط واحتجت إلى خبر ، فإن قلت : أخوك تم الكلام فقلت : الذي الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق أخوك كأنك قلت : (الذي أبوه منطلق أخوك) ، فإن جعلت موضع (منطلق) مبتدأ وخبرا ؛ لأن كل مبتدأ يجوز أن تجعل خبره مبتدأ وخبرا قلت : (الذي الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة أخوك).

فكأنك قلت : (الذي أبوه جاريته منطلقة أخوك) ، فإن جعلت موضع (أخوك) مبتدأ وخبرا قلت الذي الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه فالذي الثانية صلتها (كان أبواه راغبين فيه) وهي مع صلتها موضع مبتدأ وجاريته مبتدأ ومنطلقة خبر جاريته وجاريته ومنطلقة جميعا خبر الذي الثانية والذي الثانية وصلتها وخبرها صلة للذي الأولى فقد

١٥٦

تمت الأولى بصلتها وهي مبتدأ ، وعمرو مبتدأ ثان ، وأخوه خبر عمرو وعمرو وأخوه جميعا خبر الذي الأولى ، فإن جعلت (من) موضع الذي فكذلك لا فرق بينهما تقول : من من كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه ، فإن أدخلت (كان) على (من) الثانية قلت : (من كان من أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه) لا فرق بينهما في اللفظ إلا أن موضع جاريته منطلقة نصب ألا ترى أنك لو جعلت خبر (من) الثانية اسما مفردا كمنطلق لقلت :(من من كان أبواه راغبين فيه منطلقا عمرو أخوه) ، فإن أدخلت على (من) الأولى (ليس) فاللفظ كما كان في هذه المسألة إلا أن موضع قولك : (عمرو أخوه) نصب ؛ لأن (من) بجميع صلتها اسم ليس وعمرو أخوه الخبر فكأنك قلت : (ليس زيد عمرو أخوه).

وقال الأخفش : (إذا قلت الضاربهما أنا رجلان) جاز ولا يجوز : الثانيهما أنا اثنان لأنك إذا قلت : (الضاربهما) لم يعلم أرجلان أم امرأتان فقلت : رجلان أو أمرأتان ، وإذا قلت :الثانيهما أنا لم يكونا إلا اثنين فكان هذا الكلام فضلا أن تقول : الثانيهما أنا اثنان قال : ولو قالت المرأة الثانيتهما أنا اثنان كان كاملا لأنها قد تقول : الثانيتهما أنا اثنتان إذا كانت هي وامرأة.

قال : فإن قلت : الضاربتهن أنا إماء الله والضاربهن أنا إماء الله وقد علم إذا قلت : الضاربهن أنهن من المؤنث قلت : أجل : ولكن لا يدري لعلهن جوار أو بهائم وأشباه ذلك مما يجوز في هذا ولو قالت المرأة : (الثالثتهن أنا ثلاث) كان رديئا ؛ لأنه قد علم إذا قالت : الثالثتهن أنه لا يكون إلا ثلاث وكذلك إذا قالت : الرابعتهن أنا أربع يكون رديئا ؛ لأنه قد علم.

فإذا قلت : رأيت الذي قاما إليه فهو غير جائز ؛ لأن قولك : الذي قاما إليه ابتداء لا خبر له وتصحيح المسألة رأيت اللذين الذي قاما إليه أخوك فترجع الألف في (قاما) إلى (اللذين) والهاء في (إليه) إلى (الذي) وأخوك خبر (الذي) فتمت صلة اللذين وصح الكلام ولو قلت :(ظننت الذي التي تكرمه يضربها) لم يجز ، وإن تمت الصلة ؛ لأن (التي) ابتداء ثان وتكرمه صلة لها وتضربها خبر (التي) وجميع ذلك صلة (الذي) فقد تم الذي بصلته وهو مفعول أول (لظننت) وتحتاج (ظننت) إلى مفعولين فهذا لا يجوز إلا أن تزيد في المسألة مفعولا ثانيا فتقول :(ظننت الذي التي تكرمه يضربها أخاك) وما أشبه ذلك وتقول : (ضرب اللذان القائمان إلى

١٥٧

زيد أخواهما الذي المكرمه عبد الله) فاللذان ارتفعا (بضرب) والقائمان إلى (زيد) مبتدأ وأخواهما خبرهما وجميع ذلك صلة اللذين فقد تمت صلة (اللذين) (١) والذي مفعول والمكرمة مبتدأ وعبد الله خبره وجميع ذلك صلة (الذي) وقد تم بصلته.

وإن جعلت (الذي) الفاعل نصبت (اللذين) وتقول : رأيت الراكب الشاتمه فرسك والتقدير رأيت الرجل الذي ركب الرجل الذي شتمه فرسك وتقول : (مررت بالدار الهادمها المصلح داره عبد الله) فقولك : (الهادمها) في معنى (التي هدمها الرجل الذي أصلح داره عبد الله) وتقول : (رأيت الحامل المطعمة طعامك غلامك) أردت : رأيت الرجل الذي حمل الذي أطعمه غلامك طعامك وحق هذه المسائل إذا طالت أن تعتبرها بأن تقيم مقام (الذي) مع صلته اسما مفردا وموضع (الذي) صفة مفردة لتتبين صحة المسألة وتقدير هذه المسألة : رأيت الحامل الرجل الظريف وتقول : (جاءني القائم إليه الشارب ماءه الساكن داره الضارب أخاه زيد) فالقائم إليه اسم واحد وهذا كله في صلته والشارب ارتفع بقائم والساكن ارتفع (بشارب) والضارب ارتفع (بساكن) وزيد (بضارب) وتقول : (الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهما القائم في داره أخوك سوطا أكرم الآكل طعامه غلامه) تريد : (أكرم الآكل طعامه غلامه الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهما القائم في داره أخوك سوطا) كأنك قلت : أكرم زيد الضارب الرجل سوطا.

__________________

(١) الموصول الاسمي فالذي للمفرد المذكر والتي للمفرد المؤنثة ، فإن ثنيت أسقطت الياء وأتيت مكانها بالألف في حالة الرفع نحو اللذان واللتان والياء في حالتي الجر والنصب فتقول اللذين واللتين

وإن شئت شددت النون عوضا عن الياء المحذوفة فقلت اللذان واللتان وقد قرىء (واللذان يأتيانها منكم) ويجوز التشديد أيضا مع الياء وهو مذهب الكوفيين فتقول اللذين واللتين وقد قرىء (ربنا أرنا اللذين) بتشديد النون.

وهذا التشديد يجوز أيضا في تثنية ذا وتا اسمي الإشارة فتقول ذان وتان وكذلك مع الياء فتقول ذين وتين وهو مذهب الكوفيين والمقصود بالتشديد أن يكون عوضا عن الألف المحذوفة. انظر شرح ابن عقيل ١ / ١٤١.

١٥٨

واعلم أنه لك أن تبدل من كل موصول إذا تم بصلته ولا يجوز أن تبدل من اسم موصول قبل تمامه بالصلة فتفقد ذا فمن قولك (الضارب) إلى أن تفرغ من قولك سوطا اسم واحد فيجوز أن تبدل من القائم بشرا ومن المعطي بكرا ومن المكرم عمرا ومن الشاتم خالدا ثم لك أن تبدل من الضارب وما في صلته فتقول : (عبد الله) فتصير المسألة حينئذ : الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهما القائم في داره أخوك سوطا بشر بكرا عمرا خالدا عبد الله أكرم الآكل طعامه غلامه وإنما ساغ لك أن تبدل من القائم مع صلته لأنك لو جعلت موضعه ما أبدلته منه ولم تذكره لصلح ولا يجوز أن تذكر البدل من (المعطيه) قبل البدل من (القائم) لأنك إذا فعلت ذلك فرقت بين الصلة والموصول والبدل من القائم في صلة المعطي والبدل من المعطي في صلة المكرم فحق هذه المسألة وما أشبهها إذا أردت الإبدال أن تبدأ بالموصول الأخير فتبدل منه ثم الذي يليه وهو قبله فإذا استوفيت ذلك أبدلت من الموصول الأول ؛ لأنه ليس لك أن تبدل منه قبل تمامه ولا لك أن تقدم البدل من الضارب الذي هو الموصول الأول على اسم من المبدلات الباقيات لأنها كلها في صلة الضارب ولو فعلت ذلك كنت قد أبدلت منه قبل أن يتم ، فإن أبدلت من الفاعل وهو (الآكل) فلك ذاك فتقول : الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهما القائم في داره أخوك سوطا أكرم الآكل طعامه غلامه جعفر.

وتقول : الذي ضربني إياه ضربت فالذي مبتدأ وخبره إياه ضربت والهاء في (إياه) ترجع إلى الذي وإنما جاء الضمير منفصلا لأنك قدمته وتقول بالذي مررت بأخيه مررت تريد : مررت بأخيه إذا قلت : (الذي كان أخاه زيد) إن أردت النسب لم يجز ؛ لأن النسب لازم في كل الأوقات ، وإن أردت من المؤاخاة والصداقة جاز تكون الهاء ضمير رجل مذكور وتقول :الذي ضربت داره دارك فالذي مبتدأ وضربت صلته وداره مبتدأ ثان ودارك خبرها وهما جميعا خبر (الذي) وتقول : (الذي ضربت زيد أخوك) فالذي مبتدأ و (ضربت) صلته وزيد الخبر وأخوك بدل من زيد وتقول : الذي ضربت زيدا شتمت تريد : (شتمت الذي ضربته زيدا) فتجعل زيدا بدلا من الهاء المحذوفة وتقول : (الذي إياه ظننت زيد) (الذي ظننته زيدا) وتجعل إياه لشيء مذكور ولا يجوز أن تقول : (الذي إياه ظننت زيد).

١٥٩

وإن جعلت (إياه) للذي ؛ لأن الظن لا بد أن يتعدى إلى مفعولين ولا يجوز أن تعديه إلى واحد ، فإن قلت : المفعول الثاني الهاء محذوفة من (ظننت) فلا يجوز في هذا في الموضع أن تحذف الهاء لأنها ليست براجعة إلى الذي وإنما هي راجعة إلى مذكور قبل الذي وإنما تحذف الهاء من صلة (الذي) متى كانت ترجع إلى (الذي) وكذاك : (الذي أخاه ظننت زيد) ، وإن أضمرت هاء في (ظننت) ترجع إلى الذي جاز ، وإن جعلت الهاء في (أخيه) ترجع إلى (الذي) لم يجز أن تحذف الهاء من (ظننت) لأنها حينئذ لمذكور. غير الذي وإنما جاز حذف الهاء إذا كانت ضمير (الذي) لأنها حينئذ لا يتم الذي إلا بها فتحذف منه لطول الاسم كما حذفوا الياء من اشهيباب فقالوا : اشهباب لطول الاسم.

فأما إذا كانت الهاء ضميرا لغير الذي فقد يجوز أن تخلو الصلة من ذلك البتة فأفهم الفرق بين الضميرين وما يجوز أن يحذف منهما وما لا يجوز حذفه وتقول : (الذي ضارب أخوك) تريد الذي هو ضارب أخوك فتحذف هو وإثباتها أحسن (فهو) مبتدأ وضارب خبره وهما جميعا صلة (الذي) وهو يرجع إلى (الذي).

وتقول : الذي هو وعبد الله ضاربان لي أخواك.

نسقت بعبد الله على (هو) فتقول في هذه المسألة على قول من حذف : (هو الذي وعبد الله ضاربان لي أخوك) عطفت (عبد الله) على (هو) المحذوف وهو عندي قبيح والفراء يجيزه وإنما استقبحته ؛ لأن المحذوف ليس كالموجود ، وإن كنا ننويه ويجب أن يكون بينهما فرق والعطف كالتثنية فإذا جئت بواو وليس قبلها اسم مسموع يعطف عليه كنت بمنزلة من ثنى اسما واحدا لا ثاني له ألا ترى أن العرب قد استقبحت ما هو دون ذلك ، وذلك قولك : (قمت وزيد) يستقبحونه حتى يقولوا : قم أنت وزيد فاذهب أنت وربّك ؛ لأنه لو قال (اذهب وربك) كأن في السمع العطف على الفعل ، وإن كان المعنى غير ذلك وهو يجوز على قبحه وتقول : (الذي هو وعبد الله ضرباني أخوك) ، فإن حذفت (هو) من هذه المسألة لم يجز لا تقول : (الذي وعبد الله ضرباني أخوك) فتضمر (هو) ؛ لأن هو إنما تحذف إذا كان خبر المبتدأ اسما ألا ترى أنك إذا قلت : (الذي هو ضربني زيد) لم يجز أن تحذف (هو) وأنت تريده فتقول : (الذي ضربني زيد) ؛

١٦٠