الأصول في النحو - ج ٢

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ٢

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-406-X
الصفحات: ٥٣٥

ذكر النون الخفيفة

كل شيء تدخله النون الثقيلة تدخله الخفيفة إلا أن النون الخفيفة في الفعل نظير التونين في الاسم فلا يجوز الوقف عليها كما لا يجوز الوقف على التنوين تقول اضربن زيدا إذا وصلت فإذا وقفت قلت اضربا كما تقول : ضربت زيدا في الوقف وقد فرقوا بين التنوين والنون الخفيفة بشيء آخر بأن الخفيفة لا تحرك لالتقاء الساكنين والتنوين يحرك لالتقاء الساكنين فمتى لقي النون الخفيفة ساكن سقطت لأنهم فضلوا ما يدخل الاسم على ما يدخل الفعل وتقول : إذا أمرت امرأة : اضربن يا هذه فإذا وقفت قلت : اضربي ولم يجز أن تقول : اضربن في الوقف لأنها بمنزلة التنوين وأنت تحذف التنوين إذا انكسر ما قبله فحذفت التنوين هاهنا فلما حذفتها عادت الياء ؛ لأن سقوطها كان لالتقاء الساكنين وتقول للجماعة : اضربن يا قوم فإذا وقفت قلت : اضربوا : أعدت الواو لأنها إنما سقطت لالتقاء الساكنين ولم يجز أن تقول : اضربن في الوقف كما لم يجز أن تقول : زيد في الوقف فقد يقفون وهم ينوون النون كما ينوون التنون في الرفع والجزم في الوقف.

وتقول في الوقف : اخشى وللرجال اخشوا وحكى سيبويه : أن يونس يقول : اخشي واخشنووا ، وقال الخليل : لا أرى ذلك إلا على قول من قال : هذا عمرو ومررت بعمري قول العرب على قول الخليل ، وإذا أدخلت النون بعد حرف إضمار تحرك إذا لقيته لام المعرفة حرك من النون.

وتقول : هل تضربن يا امرأة وكان الأصل : تضربين فسقطت النون التي كانت علامة للرفع كما تسقط الضمة في : هل تضربن وتثبت النون الخفيفة أو الثقيلة إن شئت وتسقط الياء لالتقاء الساكنين فيصير : هل تضربن في الوصل وكان في الأصل تضربين ، وإذا وقفت قلت : هل تضربين ، فأعدت النون التي كانت للرفع لأنك لا تقف على النون الخفيفة ولا يجوز أن تسقطها لأنك لم تأت بما تسقط من أجله وكذلك هل تضربون وهل تضربان فأما الثقيلة فلا

٦١

تتغير في الوقف ، وإذا كان بعد الخفيفة ألف ولام ذهبت لالتقاء الساكنين. تقول : اضربا الرجل.

وإذا أردت فعل الإثنين في الخفيفة كان بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة في فعل الإثنين في الوصل والوقف لأنك لو أتيت بها لاحتجت إلى تحريكها لأنها بعد ألف وهي لا تحرك ، وذلك قولك : اضربا وأنت تنوي النون ، وإذا أردت الخفيفة في فعل جمع النساء قلت في الوقف والوصل : اضربن زيدا فيكون بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة ولو أتيت بها للزمك أن تقول : اضربنان زيدا فتاتي بالألف لتفصل بين النونين وتكسر النون لالتقاء الساكنين فتحركها وهي لا تحرك.

قال سيبويه : وأما يونس وناس من النحويين فيقولون : اضربان زيدا واضربنان زيدا.

ويقولون في الوقف : اضربا واضربنا فيمدون.

فإذا وقع بعدها ألف ولام أو ألف وصل جعلوها همزة مخففة وهذا لم تفعله العرب والقياس أن يقولوا في : اضربن اضرب الرجل فيحذفون لالتقاء الساكنين.

٦٢

مسائل من باب النون

تقول في المضاعف من الفعل : ردّن يا هذا وردّان وردّن وكان قبل النون ردّوا فسقطت الواو لالتقاء الساكنين وتقول في المؤنث ردّن وكان قبل النون : ردي فسقطت الياء لالتقاء الساكنين وتثنية المؤنث كتثنية المذكر.

تقول : ردّان يا امرأتان وتقول لجماعة النساء : ارددنان وكان قبل النون : ارددن.

فجئت بالألف لتفصل بين النونات.

وتقول : قولن وقولان وقولّنّ والمؤنث قولنّ : وقولان يا امرأتان وقلنا يا نسوة وقس على هذا جميع ما اعتلت عينه وكذلك ما عتلت لامه اقضين زيدا واقضيان واقضين تسقط الواو لسكون النون الأولى اقضين يا امرأة تسقط ياءين التي هي لام الفعل وياء التأنيث أما لام الفعل فتسقط كما تسقط في (تقضين) لالتقاء الساكنين لأنها ساكنة وياء التأنيث ساكنة ، وتسقط ياء التأنيث من أجل سكون النون الأولى ، فإن جمعت قلت : اقضينان والكوفيون يحكون إذا أمرت رجلا : اقضنّ يا هذا بكسر الضاد وإسقاط الياء كأنهم أسقطوا الياء لسكونها وسكون النون هكذا اعتلوا.

وعندي أنا : الذي فعل هذا إنما أدخل النون على (اقض) ولم يجد ياء فترك الكلام على ما كان عليه وهذا شاذ وتقول : من دعوت : ادعون زيدا أو ادعوان وادعن للجماعة سقطت الواوان في (ادعن) الواو التي هي لام الفعل سقطت لدخول واو الجمع وسقطت واو الجمع لدخول النون الأولى وهي ساكنة.

وتقول للواحدة : ادعن سقطت واوا وياء فالواو لام الفعل سقطت لدخول الياء التي هي للمؤنث حين قلت : ادعي.

وسقطت الياء للنون فصار ادعن وتقول : للإثنين : ادعوان مثل المذكرين وللجماعة ادعونان لأنك تقول : قبل النون : ادعون زيدا مثل اقضين زيدا تأتي بالألف إذا أردت النون

٦٣

الشديدة فتفصل بين النونات لئلا تجتمع كما تقول : اقضنان زيدا وتقول : من خشيت : اخشين زيدا يا هذا واخشينان زيد يا هذان واخشون زيدا يا نسوة. تحرك الواو بالضم.

وحكم هذا الباب أنّ كل واو وياء تحركت فيه إذا لقيتها لام المعرفة تحركت هنا ، وإن كانت تسقط هناك لالتقاء الساكنين سقطت هنا فلهذا قلت : اخشون زيدا ضممت الواو كما تضمّها إذا قلت : اخشوا الرجل وتقول للمرأة : اخشين زيدا كما تقول : اخشى الرجل وتثنية المؤنث كتثنية المذكر وتقول لجماعة النساء : اخشين زيدا والكوفيون يحكون : اخشن يا رجل بإسقاط الياء من (اخشين) وهذا نظير (اقضن) وحكوا : لا يخفن عليك : يريدون لا يخفين عليك وقال الفراء : هذه لغة طيء لأنهم يسكنون الياء في النصب ولا ينصبون ، والنون لا تشبه ذلك.

وتقول : لا تضربني ولا تضربننا ومنهم من يخفض لكثرة النونات فيقول : لا تضربني ولا تضربنا والكوفيون يحكون : اضربن يا رجل ينوون الجزم قد ذكرنا جميع أصناف الأسماء المعربة والمبنية والأفعال المبنية وبقي ذكر الحروف مفردة.

٦٤

باب الحروف التي جاءت للمعاني

قد ذكرنا أول الكتاب ما يعرف به الحرف والفرق بينه وبين الاسم والفعل وإنما هي أدوات قليلة تدخل في الأسماء والأفعال وتحفظ لقلتها وسنذكرها بجميع أنواعها وكلها مبني وحقها البناء على السكون وما بني منها على حركة فإنما حرك لسكون ما قبله أو ؛ لأنه حرف واحد فلا يمكن أن يبتدأ به إلا متحركا وهي تنقسم أربعة أقسام : ساكن يقال له موقوف ومضموم ومكسور ومفتوح الأول.

الموقوف : ويبدأ بما كان منه على حرفين ، وذلك أم وأو وهل وتكون بمعنى : (قد) ولم نفي فعل ولن نفي سيفعل ، فإن للجزاء ووجوب الثاني لوجوب الأول وتكون لغوا في (ما إن يفعل) وتكون (كما) في معنى (ليس) قال الشاعر :

ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته (١)

ومن ذلك (أن) المفتوحة يكون وما بعدها بمنزلة المصدر وتكون بمنزلة (أي) وتكون مخففة من الثقيلة وتكون لغوا نحو قولك : لمّا أن جاء.

وأما والله أن فعلت فأما كونها بمنزلة المصدر فقولك : أن تأتيني خير لك واللام تحذف من أن كقوله : أن تقتل أحدهما وأن كان ذا مال ويجوز أن تضيف إلى (أن) الأسماء تقول : إنه أهل أن يفعل ومخافة أن يفعل ، وإن شئت قلت : إنّه أهل أن يفعل ومخافة أن يفعل وإنّه خليق ؛ لأن يفعل وإنّه خليق أن يفعل وعسيت أن تفعل وقاربت أن تفعل ودنوت أن تفعل ولا تقول : عسيت الفعل ولا للفعل وتقول : عسى أن يفعل وعسى أن يفعلا وعسى أن يفعلوا وتكون

__________________

(١) زاد إن بعد ما المصدرية ، وليست بنافية ، تشبيها لها بما النافية.

ألا ترى أن المعنى : ورج الفتى للخير مدة رؤيتك إياه ، لا يزال يزيد خيرا على السن. لكن لما كان لفظها كلفظ ما النافية زادها بعدها ، كما تزاد بعد ما النافية ، في نحو قولك : ما إن قام زيد ، وقول الآخر : أنشده أبو زيد :

يرجي المرء ما إن لا يلاقي ... البيت

فزاد إن بعد ما ، وهي اسم موصول ، لشبهها باللفظ بما النافية. انظر خزانة الأدب ٣ / ٢٤٠.

٦٥

عسى للواحد والإثنين وللجميع والمذكر والمؤنث ومن العرب من يقول : عسى وعسيا وعسوا وعسيت وعسيت وعسين فمن قال ذاك كانت (أن) فيهن منصوبة ومن العرب من يقول : عسى يفعل فشبهها بكاد يفعل فيفعل في موضع الاسم المنصوب في قوله : عسى الغوير أبؤسا.

فأما (كاد) فلا يذكرون فيها (أن) وكذلك كرب يفعل ومعناهما واحد وجعل وأخذ فالفعل هنا بمنزلة الفعل في (كان) إذا قلت : كان يقول.

وهو في موضع اسم منصوب بمنزلته ثم وقد جاء في الشعر : كاد أن يفعل ويجوز في الشعر : لعلّي أن أفعل بمنزلة عسيت أن أفعل وتقول : يوشك أن تجيء فيكون موضع (أن) رفعا ويجوز أن يكون نصبا وقد يجوز : (يوشك) تجيء بمنزلة (عسى) قال أمية بن أبي الصلت :

يوشك من فرّ من منيته

في بعض غراته يوافقها

قال سيبويه : وسألته ـ يعني : الخليل ـ عن معنى : أريد ؛ لأن تفعل فقال : المعنى إرادتي لهذا كما قال تعالى : (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) [الزمر : ١٢].

وأما (إن) التي بمعنى (أي) فنحو قوله : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص : ٦] ومثله : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [المائدة : ١١٧] فأما كتبت إليه أن افعل وأمرته أن قم فتكون على وجهين : على التي تنصب الأفعال وعلى (أي) ووصلك لها بالأمر كوصلك للذي يفعل إذا خاطبت والدليل على أّنّها يجوز أن تكون الناصبة قولك : أوعز إليه بأن افعل وقولهم : أرسل إليه أن ما أنت وذا فهي على أي والتي بمعنى أن لا تجيء إلا بعد استغناء الكلام لأنها تفسير ، وأما مخففة من الثقيلة فنحو قوله : (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) يريد ، (أنه) ويجوز الإضمار بعد أن هذه وقولك و (كأنّ) هي أنّ دخلت عليها الكاف كما دخلت على ما خففت منه.

وقال سيبويه : لو أنّهم جعلوا أن المخففة بمنزلة إنّما كان قويا وفي هذا الباب شيء مشكل أنا أبينه.

٦٦

اعلم أن الأفعال على ضروب ثلاثة : فضرب منها يقين وهو علمت وضرب هو لتوقع الشيء نحو : رجوت وخفت وضرب هو بينهما يحمل على ذا وعلى ذا نحو : ظننت وحسبت.

واعلم أن (أنّ) إنما هي لما تتيقنه ويستقر عندك وأن الخفيفة إنما هي لما لم يقع نحو قولك : أريد أن تذهب فإذا كانت أن الخفيفة بعد (علمت) فهي مخففة من الثقيلة ، وإذا خففت أتى بلا والسين وسوف عوضا مما حذف.

وجعلوا حذفها دليلا على الإضمار وقد ذكروا فيما تقدم و (أن) التي تنصب بها الأفعال تقع بعد رجوت وخفت. تقول : خفت أن لا تفعل.

فأما بعد حسبت وظننت فإنها تكون على ضربين : إن كان حسبانك قد استقر كانت مخففة من الثقيلة ، وإن حملته على الشك كانت خفيفة كقوله : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ)(١) [المائدة : ٧١]. تقرأ بالرفع والنصب.

فمن رفع فكأنه أراد وحسبوا أن لا تكون لما استقر تقديرهم فصار عندهم بمنزلة اليقين وهذا مذهب مشايخنا.

وقد حكي عن المازني نحو منه ثم يتسعون فيحملون (رجوت) على علمت إذا استقر عندهم الرجاء وهذا أبعدها.

__________________

(١) واختلفوا في رفع النون ونصبها من قوله جل وعز : (وَحَسِبُوا) أن لا (تَكُونَ فِتْنَةٌ.)

فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر : أن لا تكون فتنة نصبا.

وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : أن لا تكون فتنة رفعا.

ولم يختلفوا في رفع (فتنة).

قيل : إن المراد بقوله : (وَحَسِبُوا) أن لا (تَكُونَ فِتْنَةٌ :) حسبوا أن لا تكون فتنة بقولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ.)

قال أبو علي : الأفعال على ثلاثة أضرب : فعل يدل على ثبات الشيء واستقراره ، وذلك نحو : العلم والتيقن والتبين والتثبت.

وفعل يدل على خلاف الاستقرار والثبات [الحجة للقراء السبعة ٣ / ٢٤٧].

٦٧

وحكي عن أبي العباس ولست أحفظه من قوله : إنه إن سئل عن أن الخفيفة المفتوحة ومواضعها فقال : أن الخفيفة المفتوحة أصلها أنّ المفتوحة الثقيلة في جميع أحوالها وأنها مفتوحة كما انفتحت أنّ المعمول فيها كأنما خففت أنّ فصارت أن مخففة فلها في الكلام موضعان :

أحدهما : تقع فيه على الأسماء والأخبار.

والآخر : تقع فيه على الأفعال المضارعة للأسماء.

فأما كون وقوعها على الأسماء والأخبار : فإن ذلك لها إذا دخلت محل (أنّ) الثقيلة أعني في التأكيد للابتداء والخبر فإذا كانت بهذه المنزلة لم يقع عليها إلا فعل واجب وكانت مؤكدة لما تدخل عليه ، وأما كون وقوعها على الأفعال المضارعة فلأنّ العامل فيها غير واجب ولا واقع وإنما يترجى كونه ووقوعه فإذا وجدت العامل فيها واجبا على (أن) ففتحتها وأوقعتها على المضمر وجعلته اسما لها.

وأما قولهم : أما أن جزاك الله خيرا أو أما أن يغفر الله لك.

قال سيبويه : إنما جاز ؛ لأنه دعاء وقال : سمعناهم يحذفون إنّ المكسورة في هذا الموضع ولا يجوز حذفها في غيره.

يقولون : أما إن جزاك الله خيرا وهذا على إضمار الهاء في المحذوفة وقال : يجوز ما علمت إلا أن تأتيه إذا أردت معنى الإشارة لا أنك علمت ذلك وتيقنته.

والمبتدأ وخبره بعد (أن) يحسن بلا تعويض تقول : قد علمت أن عمرو ذاهب وأنت تريد (أنه) ويجوز : كتبت إليه أن لا تقل ذاك وأن ترفع (تقول) وأن تنصب.

فالجزم على النهي والنصب على (لئلا) والرفع على (لأنك لا تقول) أو بأنّك لا تقول وقد تكون أن بمنزلة لام القسم في قول الله : (أن لو فعل) وتوكيدا في قوله : لما أن فعل.

ومن الحروف (ما) وهي تكون نفي هو يفعل إذا كان في الحال وتكون كليس في لغة أهل الحجاز.

٦٨

وتكون توكيدا لغوا تغير الحرف عن عمله نحو : إنما وكأنما ولعلما جعلتهنّ بمنزلة حروف الابتداء ومن ذلك حيثما صارت بمجيء (ما) بمنزلة إن التي للجزاء وما في (لمّا) مغيرة عن حال لم كما غيرت (لو ما) ألا ترى أنك تقول : (لمّا) ولا تتبعها شيئا ومنها (لا) وهي نفي لقوله يفعل ولم يقع الفعل وتكون (كما) في التوكيد واللغو في قوله (لئلا يعلم أهل الكتاب) وهو ؛ لأن يعلم ولا تكون توكيدا إلا في الموضع الذي لا يلتبس فيه الإيجاب بالنفي من أجل المعنى.

وقد تغير الشيء عن حاله كما تفعل (ما) ، وذلك قولك : (لو لا) غيرت معنى لو وستبين إذا ذكرنا معنى (لو) وكذلك هلا صيرت (لا) هل في معنى آخر وتكون ضدا لنعم وبلى ومنها (لو) وهو كان التي للجزاء ؛ لأن إن توقع الثاني من أجل وقوع الأول ولم تمنع الثاني من أجل إمتناع الأول تقول : إن جئتني أكرمتك فالإكرام إنما يكون متى إذا كان منك مجيء وتقول : لو جئتني لأكرمتك والمعنى : أنه امتنع إكرامي من أجل امتناع مجيئك.

وقال سيبويه : (لو) لما كان سيقع لوقوع غيره وهو يرجع إلى هذا المعنى ؛ لأنه لم يقع الأول لم يقع الثاني فتقدير إن قبل (لو) تقول : إن أتيتني أتيتك. يريد : فيما يستقبل فإذا لم تفعل وطالبتك بالإتيان قلت : لو أتيتني أتيتك.

ومنها (لو لا) وهي مركبة من معنى إن ولو وتبتدأ بعدها الأسماء ، وذلك أنها تمنع الثاني لوجود الأول تقول : لو لا زيد لهلكنا تريد : لو لا زيد في هذا المكان لهلكنا وإنما امتنع الهلاك لوجود زيد في المكان وقال عز وجل : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٣١] وقد يستعملونها بمعنى هلا يولونها الفعل.

ومنها (كي) وهي جواب لقوله : كيمه كما تقول : لمه.

ومنها (بل) وهي لترك شيء من الكلام وأخذ في غيره.

ومنها (قد) وهي جواب لقوله : لمّا يفعل.

وزعم الخليل : أنّ هذا لقوم ينتظرون الخبر. وقد تكون (قد) بمنزلة ربّما.

٦٩

ومنها (يا) وهي تنبيه وقد ذكرناها في باب النداء ومنها (من) وهي لابتداء الغاية وتكون للتبعيض وتدخل توكيدا بمنزلة (ما) إلا أنها تجرّ ، وذلك قوله : ما أتاني من رجل وويحه من رجل أكدتهما بمن. وقد ذكرناها فيما تقدم.

ومنها (مذ) وهي في قول من جرّ بها حرف فهي لابتداء غاية الأيام والأحيان وحقّ (مذ) أن لا تدخل على ما تدخل عليه (من) وكذلك (من) لا تدخل على ما تدخل عليه (مذ).

ومنها (عن) وهي لما عدا الشيء وقد استعملت اسما. وقد ذكرتها في الظروف.

وذكرها سيبويه في الحروف وفي الأسماء ، فقال : (عن) اسم إذا قلت : من عن يمين كذا.

وأما (مع) فهي اسم ويدلك على أنها اسم أنها متحركة ولو كانت حرفا لما جاز أن تحرك العين ؛ لأن الحروف لا تحرك إذا كان قبلها متحرك.

٧٠

باب (أم) و (أو) والفصل بينهما

اعلم أنّ (أم) لا تكون إلا استفهاما وهي على وجهين : على معنى أيهما وأيهم وعلى أن تكون منقطعة من الأول.

فإذا كان الكلام بهما بمنزلة أيهما وأيّهم فهو نحو قولك : أزيد عندك أم عمرو وأزيدا لقيت أم بشرا. تقديم الاسم أحسن. لأنك عنه تسأل ويجوز تقديم الفعل.

وإذا قلت : أضربت زيدا أم قتلته كان البدء بالفعل أحسن لأنك عنه تسأل وتقول : ما أبالي أزيدا لقيت أم عمرا وسواء عليّ أزيدا كلمت أم عمرا وما أدري أزيد ثمّ عمرو أدخلت حرف الاستفهام للتسوية وعلى ذا ما أدري أقام أم قعد على التسوية.

وأما المنقطعة فنحو قولك : أعمرو عندك أم عندك زيد وأنّها لإبل أم شاء ويجوز حذف ألف الاستفهام في الضرورة.

فأما (أو) فقد ذكرناها مع حروف العطف كما ذكرنا أم.

وقد تختلط مسائلهما لاشتراك بينهما بعض المعاني.

واعلم أنّ (أو) إنما تثبت أحد الشيئين أو الأشياء وأنّ أم مرتبتها أن تأتي بعد أو.

ويقول القائل : لقي زيد عمرا أو خالدا.

فيثبت عندك أنه قد لقي أحدهما إلا أنك لا تدري أيّهما هو فتقول : حسب أعمرا لقي زيد أم خالدا.

وكذلك إذا قال لك القائل : قد وهب لك أبوك غلاما أو جارية.

فقد ثبت عندك أن أحدهما قد وهب لك إلا أنك لا تدري أغلام أم جارية فإذا سألت أباك عن ذلك قلت : أغلاما وهبت لي أم جارية وتقول : أيّهم تضرب أو تقتل ومن يأتيك أو يحدثك ؛ لأن (أم) قد استقر على أي ومن وكأنّك قلت : زيدا أم عمرا تضرب أو تقتل ثم أتيت بأي موضع زيد وعمرو ، فقلت : أيهما تضرب أو تقتل؟

٧١

وعلى هذا يجري (ما ومتى وكيف وأين) ؛ لأن جميع هذه الأسماء إذا كانت استفهاما فقد قامت مقام الألف وأم جميعا.

واعلم أن جواب أو نعم أو لا وجواب (أم) الشيء بعينه إن سأل سائل عن اسم أجبت بالاسم ، وإن سأل عن الفعل أجبت بالفعل إذا قال : أزيد في الدار أو عمرو فالجواب نعم أو لا ؛ لأن المعنى : أأحدهما في الدار وجواب أأحدهما في الدار : نعم أو لا وكذلك إذا قال : أتقعد أو تقوم فالجواب : نعم أو لا ، فإن قال أزيد أم عمرو في الدار فالجواب : أن تقول : زيد إذا كان هو الذي في الدار.

وكذلك إذا قال : أتقوم أم تقعد قلت : أقعد (فأو) تثبت أحد الشيئين أو الأشياء مبهما وأم تقتضي وتطلب إيضاح ذلك المبهم و (أو) تقوم مقام (أم) مع هل ، وذلك لأنك لم تذكر الالف وأو لا تعادل الألف ، وذلك قولهم : هل عندك شعير أو بر أو تمر وهل تأتينا أو تحدثنا لا يجوز أن تدخل (أم) في (هل) إلا على كلامين وكذلك سائر حروف الاستفهام وتقول : ما أدري هل تأتينا أو تحدثنا يكون في التسوية كما هو في الاستفهام ، وإذا قلت : أزيد أفضل أم عمرو لا يجوز إلا (بأم) لأنك تسأل عن أيهما أفضل ولو قلت : (أو) لم يصلح ؛ لأن المعنى يصير أحدهما أفضل فليس هذا بكلام ولكنك لو قلت : أزيد أو عمرو أفضل أم خالد جاز ؛ لأن المعنى أحد ذين أفضل أم خالد وجواب هذه المسألة أن تقول خالد إن كان هو الأفضل أو أحدهما إن كان هو الأفضل ويوضح هذه المسألة أن يقول القائل : الحسن أو الحسين أشرف أم ابن الحنفية فالجواب في هذه المسألة أن تقول : أحدهما بهذا اللفظ ولا يجوز أن تقول : الحسن دون الحسين أو الحسين دون الحسن ؛ لأنه إنما سألك أأحدهما أشرف أم ابن الحنفية وكذاك الدرّ أو الياقوت أفضل أم الزجاج فالجواب أحدهما ، فإن كان قال : الزّجاج أو الخزف أفضل أم الياقوت قلت :الياقوت.

وتقول : ما أدري أقام أو أقعد إذا لم يطل القيام ولم يبن من سرعته وكان بمنزلة ما لم يكن كما تقول : تكلمت ولم أتكلم فيجوز أن يكون ثمّ كلام ولكنه لقلّته جعله بمنزلة من لم يتكلم ويجوز أن يكون لم يبلغ به المراد فصار بمنزلة من لم يتكلم وهذا في الحكم بمنزلة قولك : صليت

٧٢

ولم تصلّ فإذا قال : ما أدري أقام أو قعد وهو يريد ذا المعنى فهو قد علم منه قيامه ولكنه لم يعتد به وليس (لأم) هنا معنى ؛ لأنه إذا قال : ما أدري أقام أم قعد فقد استوى جهله في القيام والقعود وهاهنا قيام قد علم إلا أنه جعل بمنزلة ما يشك فيه لما خبرتك فعلى هذا تقول : ما أدري أقام أو قعد إذا كان لم يبن قيامه حتى قعد فهذا الباب كله إنما جعل بأو.

وكذلك أأذن أو أقام إذا كان ساعة إذن أقام وما أدري أبكى أو سكت ؛ لأنه لم يعد بكاؤه بكاء ولا سكوته سكوتا ، فإن كان لا يدري أأذن أم أقام قال : ما أدري أأذن أم أقام كما تقول :ما أدري أزيد في الدار أو عمرو إذا كنت تستيقن أن أحدهما في الدار ولا تدري أيهما هو.

٧٣

باب ما جاء من ذلك على ثلاثة أحرف

فمن ذلك (على) ذكر محمد بن يزيد : أنها تكون حرفا واسما وفعلا ، وإن جميع ذلك مأخوذ من الإستعلاء وقد ذكرتها فيما تقدم.

وقال سيبويه : (على) معناها استعلاء الشيء ويكون أن تطوى مستعليا كقولك : أمررت يدي عليه ومررت على فلان كالمثل.

وكذلك علينا أمير وعليه دين ؛ لأنه شيء اعتلاه. ويكون مررت عليه : مررت على مكانه.

ويجيء كالمثل وهو اسم لا يكون إلا ظرفا قال : ويدل على أنه اسم قول بعضهم : غدت من عليه ومن ذلك (إلى) وهي منتهى لابتداء الغاية ومنها (سوف) وهي تنفيس فيما لم يكن بعد.

ألا تراه يقول : سوفته وهذا لفظ سيبويه ومنها (إنّ) وهي توكيد لقوله زيد منطلق ، وإذا خففت فهي كذلك غير أنّ لام التوكيد تلزمها إذا خفضت عوضا لما ذهب منها لئلا تلتبس بأن التي للنفي ومنها (ليت) وهي تمنّ ومنها بلى وهي توجب بها بعد النفي ومنها نعم وهي عدة وتصديق قال سيبويه : وليس بلى ونعم اسمين ، وإذا استفهمت فأجبت بنعم.

قال أبو بكر : والدليل على أنّ (نعم) حرف : أنها نقيضة (لا) ومنها (إذن) وهي جواب وجزاء. ومنها إلا وهي تنبيه.

باب ما جاء منها على أربعة حروف

من ذلك حتى : هي كإلى وقد بيّن أمرها في بابها ولها نحو ليس (لإلى) يقول : الرجل إنما أنا إليك أي أنت غايتي ولا تكون (حتى) هاهنا وهي أعم في الكلام من حتى.

تقول : قمت إليه فتجعله منتهى له من مكانك ولا تقول : حتاه ومنها (لكن) خفيفة وثقيلة توجب بها بعد النفي وقد ذكرناها فيما تقدم لعلّ.

قال سيبويه : لعلّ وعسى طمع وإشفاق.

٧٤

باب ما جاء منها على حرف واحد

كل هذه التي جاءت على حرف واحد متحركات إلا لام المعرفة فإنها ساكنة فإذا أرادوا أن يبدأوا أيضا أتوا بألف الوصل قبلها ، وأما لام الأمر فهي مكسورة ويجوز أن تسكن ولا تسكن إلا أن يكون قبلها شيء نحو قولك : فليقم زيد فالحرف على ثلاثة أضرب : مبني على السكون وعلى الفتح وعلى الكسر فأما المبني على الفتح فواو العطف وليس فيه دليل أن أحد المعطوفين قبل الآخر والفاء كالواو غير أنها تجعل ذلك بعضه في أثر بعض.

وكاف الجر للتشبيه ولام الإضافة مع المضمر وفي الاستغاثة وواو القسم وتاء القسم بمنزلتها والسين في (سيفعل) وزعم الخليل أنها جواب لن.

وألف الاستفهام ولام اليمين في لأفعلنّ ولام الابتداء في قولك : لزيد منطلق.

وأما المبني على الكسر فباء الجر وهي للإلزاق والاختلاط ولام الإضافة مع الظاهر ومعناها الملك واستحقاق الشيء.

فجميع هذه جاءت قبل الحرف الذي جيء بها لها فأما ما جاء بعد فالكاف التي تكون للخطاب فقط في قولك : ذاك والتاء في أنت.

باب الحرف المبني مع حرف

من الحروف ما يبنى مع غيره ويصير كالحرف الواحد ويغير المعنى.

فمن ذلك : لو لا غيرت (لا) معنى لو.

وكذلك لما غيرت (ما) معنى لم و (مهما) زعموا : أنها (ما) ضمت إليها (ما) وأبدلوا الألف الأولى هاء ولما فعلوا ذلك صار فيها معنى المبالغة والتأكيد فكأنّ القائل إذا قال : مهما تفعل أفعل فقد قال لا أصغر عن كبير من فعلك ولا أكبر عن صغير أو ما أشبه هذا المعنى.

ومن ذلك (إنّما) إذا رفعت ما بعدها يصير فيها معنى التقليل : تقول (إنّما أنا بشر) إذا أردت التواضع وقال أصحابنا : إنّ اللام في (لعل) زائدة لأنهم يقولون علّ والذي عندي أنهما لغتان وأن الذي يقول لعلّ لا يقول علّ إلا مستعيرا لغة غيره لأني لم أر زائدا لغير معنى.

٧٥

فإن قيل : إنها زيدت توكيدا فهو قول.

ومن ذلك كأنّ بنيت الكاف للتشبيه مع إنّ وجعلت صدرا ولو لا بناؤها معها لم يجز أن تبتدىء بها إلا وأنت تريد التأخير ومنها : هلّا بنيت (لا) مع (هل) فصار فيها معنى التحضيض وما لم أذكره فهذا مجراه فيما بنى له حرف مع حرف.

قال أبو بكر : قد أتينا على ذكر الاسم والفعل والحرف وإعرابها وبنائها ونحن نتبع ذلك ما يعرض في الكلام من التقديم والتأخير والإضمار والإظهار إن شاء الله.

٧٦

باب التقديم والتأخير

الأشياء التي لا يجوز تقديمها ثلاثة عشر سنذكرها ، وأما ما يجوز تقديمه فكل ما عمل فيه فعل متصرف أو كان خبرا لمبتدأ سوى ما استثنيناه فالثلاثة عشر التي لا يجوز تقديمها : الصلة على الموصول ، والمضمر على الظاهر في اللفظ والمعنى ؛ إلا ما جاء على شريطة التفسير ، والصفة وما اتصل بها على الموصوف ، وجميع توابع الاسم حكمها كحكم الصفة ، والمضاف إليه وما اتصل به على المضاف ، وما عمل فيه حرف أو اتصل به حرف زائد لا يقدم على الحرف ، وما شبه من هذه الحروف بالفعل فنصب ورفع فلا يقدم مرفوعه على منصوبه ، والفاعل لا يقدم على الفعل ، والأفعال التي لا تتصرف لا يقدم عليها ما بعدها ، والصفات المشبهة بأسماء الفاعلين ، والصفات التي لا تشبه أسماء الفاعلين لا يقدم عليها ما عملت فيه ، والحروف التي لها صدور الكلام لا يقدم ما بعدها على ما قبلها ، وما عمل فيه معنى الفعل فلا يقدم المنصوب عليه ولا يقدم التمييز وما عمل فيه معنى الفعل ، وما بعد إلا وحروف الاستثناء لا تعمل فيما قبلها ، ولا يقدم مرفوعه على منصوبه ولا يفرق بين الفعل العامل والمعمول فيه بشيء لم يعمل فيه الفعل.

شرح الأول من ذلك : وهو الصلة :

لا يجوز أن تقدم على الموصول لأنها كبعضه ، وذلك نحو صلة (الذي) وأن فالذي توصل بأربعة أشياء بالفعل والفاعل والمبتدأ والخبر وجوابه والظرف ولا بدّ من أن تكون في صلتها ما يرجع إليها والألف واللام إذا كانت بمنزلة (الذي) فصلتها كصلة (الذي) إلا أنك تنقل الفعل إلى اسم الفاعل في (الذي) فتقول في (الذي قام) : القائم وتقول في (الذي ضرب زيدا) : الضارب زيدا فتصير الألف واللام اسما يحتاج إلى صلة وأن تكون في صلته ما يرجع إلى الألف واللام فلو قلت : (الذي ضرب زيدا عمرو) فأردت أن تقدم زيدا على (الذي) لم يجز ولا يصلح أن تقدم شيئا في الصلة ظرفا كان أو غيره على (الذي) البتة فأما قوله : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف : ٢٠] فلا يجوز أن تجعل (فيه) في الصلة.

٧٧

وقد كان بعض مشايخ البصريين يقول : إنّ الألف واللام هاهنا ليستا في معنى (الذي) وأنّهما دخلتا كما تدخل على الأسماء للتعريف وأجاز أن يقدم عليها إذا كانت بهذا المعنى ومتى كانت بهذا المعنى لم يجز أن يعمل ما دخلت عليه في شيء فيحتاج فيه إلى عامل فيها.

قال أبو بكر : وأنا أظن أنه مذهب أبي العباس يعني أنّ الألف واللام للتعريف والذي عندي فيه أنّ التأويل : (وكانوا فيه زاهدين من الزاهدين) فحذف (زاهدين) وبينه بقوله : (مِنَ الزَّاهِدِينَ)(١) وهو قول الكسائي ولكنه لم يفسر هذا التفسير وكان هو والفراء لا يجيزانه إلا في صفتين في (من وفي) فيقولان : (أنت فينا من الراغبين وما أنت فينا من الزاهدين) ، وأما (أن) فنحو قولك : (أن تقيم الصلاة خير لك) لا يجوز أن تقول : (الصلاة أن تقيم خير لك) ولا تقدم (تقيم) على (أن) وكذلك لو قلت : (أن تقيم الصلاة الساعة خير لك) لم يجز تقديم (الساعة) على (أن) وكذلك إذا قلت : (أأن تلد ناقتكم ذكرا أحبّ إليكم أم أنثى) لم يجز أن تقول : أذكرا أأن تلد ناقتكم أحبّ إليكم أم أنثى ؛ لأن (ذكرا) العامل فيه (تلد) وتلد في صلة (أن) وكذلك المصادر التي في معنى (أن نفعل) لا يجوز أن يتقدم ما في صلتها عليها لو قلت : أولادة ناقتكم ذكرا أحبّ إليكم أم ولادتها أنثى ما جاز أن تقدم (ذكرا) على (ولادة) وكل ما كان في صلة شيء من اسم أو فعل مما لا يتمّ إلا به فلا يجوز أن نفصل بينه وبين صلته بشيء غريب منه لو قلت : (زيد نفسه راغب فيكم) لم يجز أن تؤخر (نفسه) فتجعله بين (راغب) و (فيكم) فتقول : زيد راغب نفسه فيكم ، فإن جعلت (نفسه) تأكيدا لما في (راغب) جاز.

شرح الثاني : توابع الأسماء :

وهي الصفة والبدل والعطف لا يجوز أن تقدم الصفة على الموصوف ولا أن تعمل الصفة فيما قبل الموصوف ولا تقدم شيئا بصيغة المجهول مما يتصل بالصفة على الموصوف وكذلك البدل إذا قلت : مررت برجل ضارب (زيدا) لم يجز أن تقدم (زيدا) على (رجل)

__________________

(١) قال أبو إسحاق : ليست (فيه) داخلة في الصلة ، ولكنها تبيين. أي : زهادتهم فيه. وحكى سيبويه ، والكسائي : زهدت فيه وزهدت. بكسر الهاء وفتحها. [إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس : ٢ / ١٩٧].

٧٨

وكذلك إذا قلت : (هذا رجل يضرب زيدا) لم يجز أن تقول (هذا زيدا رجل يضرب) ؛ لأن الصفة مع الاسم بمنزلة الشيء الواحد وكذلك كل ما اتصل بها فإذا قلت : (عبد الله رجل يأكل طعامك) لم يجز أن تقدم (طعامك) قبل (عبد الله) ولا قبل (رجل).

والكوفيون يجيزون إلغاء (رجل) فيجعلونه بمنزلة ما ليس في الكلام فيقولون : (طعامك عبد الله رجل يأكل) لا يعتدون برجل وتقديره عندهم (طعامك عبد الله يأكل) وإلغاء هذا غير معروف وللإلغاء حقوق سنذكرها إن شاء الله ولكن هذه المسألة تجوز على غير ما قدروا وهو أن تجعل (رجلا) بدلا من (عبد الله) ترفعه بالابتداء وتجعل (يأكل) خبرا فحينئذ يصلح تقديم (طعامك) ، وأما البدل فلا يتقدم على البدل منه وكذلك ما اتصل به لا يتقدم على الاسم المبدل منه.

وأما العطف فهو كذلك لا يجوز أن يتقدم ما بعد حرف العطف عليه وكذلك ما اتصل به والذين أجازوا من ذلك شيئا أجازوه في الشعر ولو جعلنا ما جاء في ضرورات الشعر أصولا لزال الكلام عن جهته فقدموا حرف النسق مع المنسوق به على ما نسق به عليه وقالوا : إذا لم يكن شيء يرفع لم يجز تقديم الواو والبيت الذي أنشدوه :

عليك ورحمة الله السّلام (١) ...

__________________

(١) ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السّلام

لما تقدم في البيت قبله ، بدليل العطف عليه. فإن قوله" ورحمة الله" عطف على الضمير المستكن في" عليك" الراجع إلى" السّلام" ، لأنه في التقدير : السّلام حصل عليك ، فحذف حصل ونقل ضميره إلى عليك واستتر فيه. ولو كان الفعل محذوفا مع الضمير لزم العطف بدون المعطوف عليه.

وبهذا البيت سقط قول ابن خروف بأن الظرف إنما يتحمل الضمير إذا تأخر عن المبتدأ. قال ابن هشام في المغني : " قول ابن خروف مخالف لإطلاقهم ولقول ابن جني في هذا البيت : إن الأولى حمله على العطف على ضمير الظرف لا على تقديم المعطوف على المعطوف عليه. قد اعترض بأنه تخلص من ضرورة بأخرى ، وهو العطف مع عدم الفصل ، ولم يعترض بعدم الضمير. وجوابه : أن عدم الفصل أسهل لوروده في النثر ، كمررت برجل سواء والعدم ، حتى قيل : إنه قياس".

٧٩

فإنما جاز عندهم ؛ لأن الرافع في مذهبهم (عليك) وقد تقدم ولا يجيزون للشاعر إذا اضطر أن يقول : (إنّ وزيدا عمرا قائمان) ؛ لأن (إنّ) أداة وكل شيء لم يكن يرفع لم يجز أن تليه الواو عندهم على كل حال فهذا شاذ لا يقاس عليه وليس شيء منصوب مما بعد حرف النسق يجوز تقديمه إلا شيء أجازه الكوفيون فقط ، وذلك قولهم : زيدا قمت فضربت وزيدا أقبل عبد الله فشتم. وقالوا : الإقبال والقيام هنا لغو.

شرح الثالث : وهو المضاف إليه :

لا يجوز أن تقدم على المضاف ولا ما اتصل به ولا يجوز أن تقدم عليه نفسه ما اتصل به فتفصل به بين المضاف والمضاف إليه إذا قلت : (هذا يوم تضرب زيدا) لم يجز أن تقول : (هذا زيدا يوم تضرب) ولا هذا يوم زيدا (تضرب) وكذلك : هذا يوم ضربك زيدا لا يجوز أن تقدم (زيدا) على (يوم) ولا على (ضربك) ، وأما قول الشاعر :

لله درّ اليوم من لامها ...

وقوله :

كما خطّ الكتاب بكفّ يوما

يهودي يقارب أو يزيل (١)

__________________

وإنما نسب الأولوية إلى ابن جني لأنه ذهب ـ تبعا لغيره ـ في حرف الواو من المغني إلى أنه من باب تقدم المعطوف على المعطوف عليه ، وأنه من خصائص الواو.

وما زعمه الدماميني في" الاختصاص" : بأن السعد قال في" شرح المفتاح" إن تقديم المعطوف جائز بشرط الضرورة ، وعدم التقديم على العامل ، وكون العاطف أحد حروف خمسة : الواو ، والفاء ، وثم ، وأو ، ولا ، وصرح به المحققون. قال ابن السيد في" شرح أبيات الجمل" : مذهب الأخفش أنه أراد : عليك السّلام ورحمة الله ، فقدم المعطوف ضرورة ؛ لأن السّلام عنده فاعل عليك. ولا يلزم هذا سيبويه لأن السّلام عنده مبتدأ ، وعليك خبره ، ورحمة الله معطوف على الضمير المستر. انظر خزانة الأدب ١ / ١٣٩.

(١) البصريون احتجوا بأن قالوا إنّما قلنا لا يجوز ذلك لأنّ المضاف والمضاف إليه بمنزلة شيء واحد ، فلا يجوز أن يفصل بينهما. وإنّما جاز الفصل بالظرف وحرف الجرّ كما قال ابن قميئة : لله درّ اليوم من لامها وقال أبو حيّة النميريّ : " الوافر"

٨٠