الأصول في النحو - ج ٢

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »

الأصول في النحو - ج ٢

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن السريّ بن سهل النحوي « ابن السراج »


المحقق: محمّد عثمان
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-406-X
الصفحات: ٥٣٥

قال سيبويه : حدثنا بذلك عيسى بن عمر ويونس وهذا اللغة أقل اللغتين فأما : لا تقه من وقيت ، وإن تع أعه من (وعيت) فإنه يلزمها الهاء في الوقف من تركها في (اخش) وقد قالوا :لا أدر في الوقف ؛ لأنه كثر في كلامهم وهو شاذ كما قالوا : (لم يك) شبهت النون بالياء حيث سكنت ولا يقولون : لم يك الرجل لأنها في موضع تحريك فيه فلم يشبه بلا أدر ولا تحذف الياء إلا في أدر وما أدر.

٢٠١

الوقف على الحرف

الحروف كلها لك أن تقف عليها على لفظها فالصحيح فيها والمعتل سواء وقد ألحق بعضهم الهاء في الوقف لبيان الحركة فقال : إنّه يريدون (أنّ) ومعناها أجل قال الشاعر :

ويقلن شيب قد علاك

وقد كبرت فقلت إنّه (١)

وليته ولعله كذلك.

باب الساكن الذي تحركه في الوقف إذا كان بعدها المذكر الذي هو علامة الإضمار :

وذلك قولك في : (ضربته ضربته وأضربه وقده ومنه وعنه) قال سيبويه : سمعنا ذلك من العرب ألقوا عليه حركة الهاء وقال أبو النجم :

فقرّبن هذا وهذا أزحله ...

وسمعنا بعض بني تميم من بني عدي يقولون : قد ضربته وأخذته حرك لسكون الهاء وخفائها فإذا وصلت أسكنت جميع هذا لأنك تحرك الهاء فتبين.

__________________

(١) على أن سيبويه ، قال : إن فيه حرف تصديق للخبر ، بمنزلة أجل. والهاء للسكت ، قال سيبويه في باب ما تلحقه الهاء لتتبين الحركة : ومثل ما ذكرت قول العرب إنه ، وهم يريدون إنه ، ومعناها أجل. وأنشد هذا البيت.

قال الأعلم : الشاهد فيه تبيين حركة النون بهاء السكت ، لأنها حركة بناء لا تتغير لإعراب ، فكرهوا تسكينها لأنها حركة مبني لازمة. ومعنى إن هاهنا نعم. انتهى.

وقال النحاس : وفي نسخة أبي الحسن الأخفش هذا البيت ، وليس عندي عن أبي إسحاق. وفي النسخة : أي فقلت أجل. وسألت عنه أبا الحسن ، فقال : إن بمعنى نعم ، والهاء لبيان الحركة ، وكانت خطباء قريش تفتتح خطبتها بنعم. انتهى.

وقال أبو علي في البغداديات بعد نقل قول سيبويه في البيت : وكان أبو بكر أجاز فيه مرة أن تكون إن المحذوفة الخبر ، كأنه قال : إن الشيب قد علاني ، فأضمره فجرى بذلك ذكره ، وحذف خبره للدلالة عليه.

قال : وحذف الخبر في هذا أحسن ، لأن عنايته بإثبات الشيب نفسه ، كما أنه يحذف معها الخبر لما كان غرضه ووكده ، كإثبات المحل في قوله : المنسرح

إن محلا وإن مرتحلا

قال : وهذا أحد ما تشبه فيه إن لا النافية العاملة النصب. انتهى. انظر خزانة الأدب ٤ / ١٥٨.

٢٠٢

الوقف على القوافي

العرب إذا ترنمت في الإنشاد ألحقت الألف والياء والواو فيما ينون ولا ينون لأنهم أرادوا مدّ الصوت فإذا لم يترنموا فالوقف على ثلاثة أوجه : أما أهل الحجاز فيدعون هذه القوافي ما نون منها وما لم ينون على حالها في الترنم ليفرقوا بينه وبين الكلام فيقولون :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي (١)

وفي النصب :

فبتنا نصد الوحش عنّا كأنمّا

قتيلان لم يعلم لنا النّاس مصرعا (٢)

__________________

(١) أورد سيبويه المصراع الأول في باب وجوه القوافي في الإنشاد من أواخر كتابه ، قال : أما إذا ترنّموا فإنهم يلحقون الألف والياء والواو ، ما ينوّن ، وما لا ينوّن ، لأنهم أرادوا مدّ الصوت ، وذلك كقول امرىء القيس : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي البيت. انظر خزانة الأدب ٤ / ٩٨.

(٢) هو من من قصيدة لامرئ القيس ، ورأينا أن نقتصر عليها ، وهي :

بعثت إليها والنجوم خواضع

حذارا عليها أن تقوم فتسمعا

فجاءت قطوف المشي هائية السرى

يدافع ركناها كواعب أربعا

يزجنيها مشي النزيف وقد جرى

صباب الكرى في مخها فتقطعا

تقول وقد جردتها من ثيابها

كما رعت مكحول المدامع أتلعا

وجدك لو شيء أتانا رسوله

سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

إذن لرددناه ولو طال مكثه

لدينا ولكنا بحبك ولعا

فبتنا نصد الوحش عنا كأننا

قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا

إذا أخذتها هزة الروع أمسكت

بمنكب مقدام على الهول أروعا

قوله : بعثت إليها ... إلخ ، قال شارح ديوانه خواضع حائلة للمغيب من آخر الليل حذارا عليها أن تقوم في سمع ولدها صوتها وقوله : فجاءت قطوف ... إلخ هذا البيت ساقط من رواية ديوانه ، وفاعل جاءت ضمير المرأة ، وقطوف بالنصب حال منه.

والقطف : ضيق المشي ، كمشي المقيد ، والفعل من باب ضرب. وكذلك : هائية السرى حال. وركناها :جانباها. والكواعب : جمع الكاعب ، وهي الجارية حين يبدو ثديها للنهود.

٢٠٣

__________________

ـ وقوله : يزجنيها .. إلخ ، هذا البيت أيضا ساقط من رواية ديوانه. ويزجنيها : يدفعنها ويسقنها. يقال : زجيته تزجيه ، إذا دفعته برفق للمشي. وهو بالزاي المعجمة والجيم. والنون ضمير الكواعب ، أي : يمشينها كمشي النزيف ، أي : السكران ، وهو بالنون والزاي المعجمة. والصبابة : البقية. والكرى : النون ، يعني كأن فيها فتور النوم.

وقوله : تقول وقد جردتها ... إلخ ، راعه يروعه روعا ، إذا أفزعه. والمدامع : الأجفان. والأتلع بالمثناة الفوقية : الطويل العنق. يقول : كأنها ظبي مكحول الأجفان ، أي : أكحل.

وقوله : وجدك لو شيء ... إلخ ، هذا البيت ، وما بعده مقول قولها. والواو للقسم ، وجدك مقسم به.

والجد ، بالفتح : العظمة ، والحظ والغنى ، والاجتهاد في الشيء ، وأبو الأب. وكل من هذه الخمسة مناسب.

والمشهور : وأقسم لو شيء فالمقسم به محذوف ، أي : وأقسم بما يقسم به ، كما نبه عليه الشارح المحقق في آخر الفصل.

قال شارح ديوانه : شيء بمعنى أحد ، قال تعالى : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار ، أي : أحد من أزواجكم.

تريد : لو أن إنسانا أتانا رسوله سواك ما أتيته ، ولكن لم نجد مدفعا ندفعك به عنا. انتهى.

وجملة أتانا رسوله : صفة شيء ، وسواك : إما ظرف متعلق بمحذوف ، وإما اسم خارج عن الظرفية صفة ثانية لشيء ، ويجوز أن يكون حالا من الهاء في رسوله.

وقوله : إذن لرددناه هذا يدل على أنه جواب لو ، لا جواب القسم ، فإذا إذن في الغالب تكون جوابا للو ، أو لإن الشرطيتين ، ظاهرتين أو مقدرتين ، ولم يسمع وقوعها في جواب القسم. وهذا البيت ساقط من رواية الديوان.

وقوله : فبتنا نصد الوحش عنا ... إلخ ، قال شارح ديوانه : لأن الوحش لا تقرب القتلى ، ولا النيام ، ولا غير ذلك من الناس. وإنما قال : قتيلان ، لأنهما نائمان في الفلاة.

وفي رواية الديوان بيت بعد هذا ، وهو :

تجافى عن المأثور بيني وبينها

وتدني عليها السابري المضلعا

تجافى : مضارع أصله تتجافى ، أي : ترتفع عنه.

قال شارحه : المأثور : السيف الذي به أثر ، أي : جوهر. والسابري : ضرب من الثياب. والمضلع : الذي فيه طرائق.

يقول : ترتفع عنه لئلا يؤذيها يبسه. يصف أنه متقلد سيفا وتدني عليها السابري ليقيها من يبس السيف.

٢٠٤

وفي الرفع :

هريرة ودعها ، وإن لام لائمو

هذا فيما ينون فأما ما لا ينون في الكلام وقد فعلوا به كفعلهم بما ينون فقول جرير في الرفع :

متى كان الخيام بذي طلوح

سقيت الغيث أيّتها الخيامو (١)

وقال في الجر :

أيهات منزلنا بنعف سويقة

كانت مباكة من الأيامي

وفي النصب :

أقلّي اللّوم عاذل والعتابا

وقولي إن أصبت لقد أصابا (٢)

فهذا وجه :

__________________

وقوله : إذا أخذتها هزة ... إلخ ، الهزة ، بالفتح مصدر هززت الشيء هزا فاهتز ، أي : حركته فتحرك ، والهزة ، بالكسر : نوع منه. والروع : الفزع. د قال شارح ديوانه : أي أخذتها رعدة الفزع ، إذا فزعت من شيء تراه ، أو من خوف أن يشعروا بنا.

ويقال : يعتريها رعدة الجماع ، ويقال : تخاف من الافتضاض ، فتمسك بمنكبي تضمني إليها ، لتسكن من شدة الفزع ، لأنها لم تخرج من خدرها ، ولم تباشر الرجال ، فهي فزعة مذعورة لما يراد منها. انظر خزانة الأدب ٣ / ٤٧٤.

(١) البيت من قصيدة لجرير هجا بها الأخطل النصراني. وهذا مطلعها :

متى كان الخيام بذي طلوح

سقيت الغيث أيتها الخيام

تنكر من معالمها ومالت

دعائمها وقد بلي الثمام

أقول لصحبتي لما ارتحلنا

ودمع العين منهمر سجام

انظر خزانة الأدب ٣ / ٣١٣.

(٢) على أن تنوين الترنم يلحق الفعل والمعرف باللام ـ وقد اجتمعا في هذا البيت ـ والفعل سواء كان ماضيا كما ذكر أو مضارعا. انظر خزانة الأدب ١ / ٢٥.

٢٠٥

الثاني : ناس كثيرون من بني تميم يبدلون مكان المدة النون فيما ينون ولا ينون لمّا لم يريدوا الترنم يقولون :

يا أبتا علّك أو عساكن

ويا صاح ما هاج الدموع الذّرفنّ

قال العجاج :

من طلل كالأتحمي أنهجن

وكذلك الجر والرفع والمكسور والمبني والمفتوح المبني والمضموم المبني في جميع هذا كالمجرور والمرفوع والمنصوب.

الثالث : إجراء القوافي في مجراها لو كانت في الكلام ولم تكن قوافي شعر يقولون :

أقلّي اللّوم عاذل والعتاب

وقال الأخطل :

واسأل بمصقلة البكري ما فعل (١)

ويقولون :

قد رابني حفص فحرّك حفصا

يثبتون الألف التي هي بدل من التنوين في النصب كما يفعلون في الكلام والياءات والواوات اللواتي هنّ لا مات إذا كان ما قبلها حرف الروي فعل بها ما فعل بالواو والياء اللتين ألحقتا للمد في القوافي فالأصل والزائد للإطلاق والترنم سواء في هذا من أثبت الزائد أثبت الأصل ومن لم يثبت الزائد لم يثبت الأصل فمن ذلك إنشادهم لزهير :

وبعض القوم يخلق ثمّ لا يفر

__________________

(١) أي : عن مصقلة. وتغلب : قبيلة القطامي ، وهو تغلب بن وائل. ثم أخذ بعد هذا يذكر مآثر قومه في الجاهلية. انظر خزانة الأدب ٣ / ٣١٦.

٢٠٦

وكذلك : يغزو لو كانت في قافية كنت حاذفا الواو إن شئت وهذه اللامات لا تحذف في الكلام وتحذف في القوافي والفواصل فتقرأ (والليل إذا يسر) إذا وقفت ، وأما يخشى ويرضى ونحوهما مما لامه ألف فإنه لا يحذف منهنّ الألف ؛ لأن هذه الألف لما كانت تثبت في الكلام جعلت بمنزلة ألف النصب التي في الوقف بدلا من التنوين فلم تحذف هذه الألف كما لم يجز حذف ألف النصب ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول : لم يعلم لنا الناس مصرع فتحذف الألف قال رؤبة :

داينت أروي والدّيون تقضى

فمطلت بعضا وأدّت بعضا (١)

فكما لا تحذف ألف (بعضا) لا تحذف (لف تقضي).

وزعم الخليل : أن واو يغزو وياء (يقضي) إذا كانت واحدة منهما حرف الروي ثم تحذف لأنها ليست بوصل حينئذ وهي حرف روي كما أن القاف في (وقاتم الأعماق خاوي المخترق) حروق رويّ فكما لا تحذف القاف لا تحذف واحدة منهما وهذا هو القياس كما قال إذا كانتا حرفي روي فأما إذا جاءتا بعد حرف الروي فحكمها حكم ما يزاد للترنم.

وقال سيبويه : وقد دعاهم حذف ياء (يقضي) إلى أن حذف ناس كثيرون من قيس وأسد الواو والياء اللتين هما علامتا المضمر ولم تكثر واحدة منهما في الحذف ككثرة ياء (يقضي) لأنهما يجيئان لمعنى الأسماء وليستا حرفين بنينا على ما قبلهما فهما بمنزلة الهاء في قوله :

يا عجبا للدّهر شتّى طرائقه

وقال : سمعت من العرب من يروي هذا الشعر :

لا يبعد الله أصحابا تركتهم

لم أدر بعد غداة الأمس ما صنع

يريد : ما صنعوا.

وقال عنترة :

__________________

(١) الشاهد تنوين الترنم يلحق الفعل والمعرف باللام ـ وقد اجتمعا في هذا البيت ـ والفعل سواء كان ماضيا كما ذكر أو مضارعا. انظر خزانة الأدب ١ / ٢٥.

٢٠٧

يا دار عبلة بالجواء تكلّم (١) ...

يريد : تكلمي.

فأما (الهاء) فلا تحذف من قولك : شتّى طرائقه وما أشبهه ؛ لأن الهاء ليست من حروف المد واللين قال : وأنشدنا الخليل :

خليليّ طيرا بالتّفرّق أوقعا ...

فلم يحذف الألف كما لم يحذفها من (يقضي) فإنما جاء الحذف في الياء والواو إذا كانا ضميرين فقط ولم يجيء في الألف ولم يجز لما نقدم ذكره.

واعلم أن الساكن والمجزوم يقعان في القوافي فإذا وقع واحد منهما في القافية حرك وجعلوا الساكن والمجزوم لا يكونان إلا في القوافي المجرورة حيث احتاجوا إلى حركتها ولا يقع ذلك في غير المجرور كما أنهم إذا اضطروا إلى تحريكها لالتقاء الساكنين كسروا ، قال امرؤ القيس :

أغرّك منّي أنّ حبّك قاتلي

وأنّك مهما تأمري القلب يفعل

وقال طرفة :

متى تأتني أصبحك كأسا رويّة (٢) فإن كنت عنها غانيا فاغن وازدد

__________________

(١) يبنى المضارع على حذف النون إذا اتصل بآخره ألف الاثنين ؛ مثل : اخرجا ، أو واو الجماعة ، مثل : اخرجوا ، أو ياء مخاطبة ؛ مثل : اخرجى. فكل واحد من هذه الثلاثة فعل أمر ، مبنى على حذف النون ، والضمير فاعل (وهو ألف الاثنين ، أو واو الجماعة ، أو ياء المخاطبة). ومن الأمثلة قوله تعالى لموسى وفرعون : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ،) وقوله : (فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) وغدا ـ وقول الشاعر :

يا دار عبلة بالجواء تكلمى ....

وعمى صباحا ـ دار عبلة ـ واسلمى

(٢) هو من معلقة طرفة بن العبد. وقبله : الطويل

ولست بحلال التلاع مخافة

ولكن متى يسترفد القوم أرفد

فإن تبغني في حلقة القوم تلقني

وإن تقتنصني في الحوانيت تصطد

متى تأتني أصبحك كأسا روية

وإن كنت عنها ذا غنى فاغن وازدد

انظر خزانة الأدب ٣ / ٤١٢.

٢٠٨

ولو كانت في قواف مرفوعة أو منصوبة كان اقواء وقال أبو النجم :

إذا استحثّوها بحوب أو حلى ...

وحل مسكنة في الكلام.

قال سيبويه : ويقول : الرجل إذا تذكر ولم يرد أن يقطع كلامه (قالا) فيمد (قال ويقولوا) فيمد (يقول) ومن العامي فيمدّ (العام) سمعناهم يتكلمون به في الكلام ويجعلونه علامة ما يتذكرونه ولم يقطعوا كلامهم فإذا اضطروا إلى مثل هذا في الساكن كسروا سمعناهم يقولون : إنه (قدي) في (قد) ويقولون : إلى في الألف واللام يتذكرون الحارث ونحوه.

قال : وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول : (هذا سيفني يريد : سيف ولكنّه تذكر بعد كلاما ولم يرد أن يقطع اللفظ ولو أراد القطع ما نون فالتنوين حرف ساكن فكسر كما كسر دال (قد).

٢٠٩

باب (من) و (أي) إذا كنت مستفهما عن نكرة

إذا قال القائل : رأيت رجلا قلت : منا ، وإذا قال هذا رجل قلت : منو ، وإن قال : رأيت رجلين قلت : منين ، وإن قال : (هذان رجلان) قلت : منان (١) وفي الجميع منون ومنين وللمؤنث : منه ومنت مثل : بنت وابنة ومنتان ومنات.

وزعم الخليل : أنّ هذا الباب في (مأ) إذا وصلت قلت : من يا فتى وإنما يصلح هذا في الوقف فقط.

قال سيبويه : وحدثنا يونس : أن ناسا يقولون : منا ومنى ومنو واحدا كان أو اثنين أو جماعة ، وإذا قال : رأيت امرأة ورجلا قلت : من ومنا لأنك تقول : من يا فتى في الصلة للمؤنث ، وإن بدأت بالمذكر قلت : من ومنه قال : فإذا قال : (رأيت عبد الله) فلا تقل : منا لا يصلح ذلك في شيء من المعرفة.

قال سيبويه : وسمعنا من العرب من يقال له : ذهب معهم فيقول : مع منين وقد رأيته فيقول : منا ، وذلك أنه سأله على أن الذين ذكر ليسوا عنده ممن يعرفهم بأعيانهم والعرب تختلف في الاسم المعروف فأهل الحجاز إذا قال الرجل : (رأيت زيدا) قال : (من زيدا) يحكون نصب أو رفع أو جر ، وأما بنو تميم فيرفعون على كل حال وإنما يكون هذا في الاسم الغالب فإذا قال : (رأيت أخا زيد) لم يجز : (من أخا زيد) إلا قول من قال : (دعنا من تمرتان) وليس بقرشيا والواجب الرفع وقال يونس : إذا قال رجل : رأيت زيدا وعمرا أو زيدا وأخاه أو زيدا أخا عمرو فالرفع يرده إلى القياس والأصل إذا جاوز الواحد كما ترد : ما زيد إلا منطلق إلى

__________________

(١) تثنّى" من" الاستفهامية ، وذلك إذا كنت مستفهما عن نكرة ، تقول : " رأيت رجلين" فتقول : منين؟ كما تقول : أيّين؟ وأتاني رجلان ، فتقول : منان؟ ، وأتاني رجال فتقول : منون؟ ، وإذا قلت : رأيت رجالا ، فتقول :منين؟ كما تقول : أيّين. ، وإذا قال : رأيت امرأة ، قلت : منه؟ كما تقول : أيّة ، وإن قال : رأيت امرأتين ، قلت :منين؟ كما قلت : أيّتين ، ، فإن قال : رأيت نساء ، قلت : منات؟ كما قلت : أيّات. إلّا أنّ الواحد يخالف أيّا في موضع الجرّ والرّفع ، وذلك قولك" أتاني رجل" فتقول : منو؟ وتقول : مررت برجل ، فتقول : مني؟. انظر معجم القواعد ٢٥ / ١٠٠.

٢١٠

الأصل فأما ناس فإنهم قالوا : من أخو زيد وعمرو ومن عمرا وأخا زيد يتبع الكلام بعضه بعضا ، وإذا قالوا : (من عمرا ومن أخو زيد) رفعوا (أخا زيد) قال : وسألت يونس عن رأيت زيد بن عمرو فقال : أقول : من زيد بن عمرو ؛ لأنه كالواحد فمن نون زيدا رفع في قول يونس ، فإن أدخلت الواو والفاء في (من) فقلت : فمن أو منون لم يكن فيما بعده إلا الرفع ويقول القائل : رأيت زيدا فتقول : المنيّ ، فإن قال : رأيت زيدا وعمرا قلت : المنين ، وإن ذكر ثلاثة قلت : المنيينّ تحمل الكلام على ما حمل عليه المتكلم كأنك قلت : القرشيّ أم الثقفيّ نصب ، وإن شاء رفع على (هو) كما قال صالح في جواب كيف أنت وما أي فهي مخالفة (لمن) لأنها معرفة فإذا استفهمت بها عن نكرة قلت : إذا قال : رأيت رجلا أيا ، فإن قال : رجلين قلت : أييّن وللجميع : أيين ، فإن ألحقت (يا فتى) فهي على حالها ، وإذا قلت : رأيت امراة قلت : أية يا فتى وللإثنتين : أيتّين (١) يا فتى والجماعة أيّات يا فتى ، وإن تكلم بجميع ما ذكرنا ومجرورا جررت ، وإن رفع رفعت ، فإن قال : رأيت عبد الله ، فإن الكلام من عبد الله وأي عبد الله ليس مع (أيّ) في المعرفة إلا الرفع فأيّ ومن يتفقان في أشياء ويختلفان.

فأما اتفاقهما فإنهما يستفهم بهما ويكونان بمعنى (الذي) تقول : اضرب أيهم هو أفضل واعط أيهم كان أفضل واضرب أيهم أبوه زيد كما تقول : اضرب من أبوه زيد ومن هو أفضل ، فإن قلت : (اضرب أيهم عاقل) رفعت هذا مذهب سيبويه وهو عندي مبني (لأنّ) الذي عاقل قبيح ، فإن دخلت (هو) نصبت وزعم الخليل أنه سمع عربيا يقول : ما أنا بالذي قال لك شيئا فعلى هذا تقول : اضرب أيهم قائل لك خيرا إذا طال الكلام حسن حذف (هو) ومن لا يقدر فيها الرفع إذا قلت : اضرب من أفضل ورفع أضرب أيّهم أفضل وهو بمعنى (الذي) عندي

__________________

(١) تقول : أيّين؟ وأتاني رجلان ، فتقول : منان؟ ، وأتاني رجال فتقول : منون؟ ، وإذا قلت : رأيت رجالا ، فتقول : منين؟ كما تقول : أيّين. ، وإذا قال : رأيت امرأة ، قلت : منه؟ كما تقول : أيّة ،. وإن قال : رأيت امرأتين ، قلت : منين؟ كما قلت : أيّتين ، ، فإن قال : رأيت نساء ، قلت : منات؟ كما قلت : أيّات. إلّا أنّ الواحد يخالف أيّا في موضع الجرّ والرّفع ، وذلك قولك" أتاني رجل" فتقول : منو؟ وتقول : مررت برجل ، فتقول : مني؟. انظر معجم القواعد ٢٥ / ١٠٠.

٢١١

ناقص لأصول العربية إلا أن تراد الحكاية أو ضرب من الضروب يمنع الفعل من الإتصال (بأي) وما يفارق (أي) فيه (من) أن أي تضاف و (من) لا تضاف ومن تصلح للواحد والإثنين والجماعة والمذكر والمؤنث فمن ذلك : (ومنهم من يستمعون إليك) ومن كانت أمّك وتقول أيضا : أيهم كانت أمّك وزعم الخليل أن بعضهم قرأ : (ومن يقنت منكنّ لله) وقال الفرزدق :

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (١)

فأي : إنما هي بعض لما أضيفت إليه ومن قد حكى فيها أنها تكون نكرة وتوصف نحو قولك : مررت بمن صالح وقالوا : من تكون استفهاما وتعجبا وجزاء قال بعض الكوفيين : إذا وقعت على نكرة كانت تعجبا ولم تكن استفهاما ولم يجاز بها إذا وقعت على نكرة أزادتها كلها ، وإذا وقعت على معرفة أزادت بعضها في الجزاء والاستفهام فإذا قلت : أيّ الرجلين أخواك وأي رجال إخوتك فهو على العدد ، وإذا قلت : أي الزيدين أخوك وأي الثلاثة صاحبك وصاحباك فلا يجوز أصحابك لأنها تزيد بعد المعرفة.

واعلم أنها في جميع ذلك لا تخرج عن معنى البعض لأنك إذا قلت : أي الرجلين أخواك إنما تريد : أي الرجال إذا صنفوا رجلين رجلين أخواك وقد حكى أن (ذا) قد جاءت بمعنى (الذي).

__________________

(١) أن يقترن بالعاقل في عموم فصل ب" من" الموصولة ، نحو : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ)(مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) (الآية : ٤٥ سورة النور) فأوقع" من" على غير العاقل لمّا اختلط بالعاقل. وقد يراد ب" من" الموصولة المفرد والمثنّى والجمع والمذكّر والمؤنّث ، فمن ذلك في الجمع قوله عزّ وجلّ : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) (الآية : ٤٥ سورة النور) وقال الفرزدق في الاثنين :

تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

وفي المؤنث قرأ بعضهم : ومن تقنت منكن لله ورسوله (الآية : ٣١ سورة الأحزاب).

أما المفرد المذكر فكثير. انظر معجم القواعد ٢٥ / ١٠١.

٢١٢

باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام

يقول الرجل : ضربت زيدا ، فتقول إذا أنكرت : أزيدنيه ، وإن كان مرفوعا أو مجرورا فهذا حكمه.

إذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرته لالتقاء الساكنين مثل التنوين.

وإن كان مضموما جعلته واوا ، وإن كان مكسورا جعلته ياء ، وإن كان مفتوحا جعلته ألفا ، فإن قال : (لقيت زيدا وعمرا) قلت : أزيدا وعمرنيه ، وإذا قال : ضربت عمر قلت :أعمراه ، فإن قال : ضربت زيدا الطويل قلت : الطويلاه ، وإن قلت : أزيدا يا فتى تركت الزيادة إذا وصلت ومن العرب من يجعل بين هذه وبين الاسم أن فيقول : أعمرانيه.

قال سيبويه : سمعنا رجلا من أهل البادية قيل له : أتخرج إن أخصبت البادية فقال : أنا إنيه منكرا.

ومما زادوا الهاء فيه بيانا قولهم : أضربه يريد : اضرب وتقول إني قد ذهبت فيقول : أذهبتوه ويقول : أنا خارج فتقول : أنا إنيه تلحق الزيادة ما لفظته وتحكيه.

٢١٣

ذكر الهمزة وتخفيفه

الهمزة لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة ، فالساكنة لها ثلاث جهات : إما أن يكون قبلها فتحة أو كسرة أو ضمة.

فإن كان قبلها فتحة أبدلت ألفا ، وذلك في راس راس وفي يأس ياس وفي قرأت قرات ، وإن كان قبلها كسرة أبدلت ياء ، وذلك قولهم : في الذئب الذيب (١) وفي المئرة الميرة ، وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واوا ، وذلك قولك في البؤس البوس والمؤمن المومن وإنما يبدل مكان كل همزة ساكنة الحرف الذي منه حركة ما قبلها ؛ لأنه ليس شيء أقرب منه فالفتحة من الألف والضمة من الواو والكسرة من الياء والهمزة المتحركة لا تخلو من أن يكون ما قبلها ساكنا أو متحركا فالهمزة المتحركة التي قبلها ساكن تكون على ضربين :

١ ـ همزة قبلها حرف مد وهو واو قبلها ضمة أو ياء قبلها كسرة أو ألف زيد للمد.

٢ ـ والضرب الآخر : همزة قبلها حرف غير مد فالضرب الأول : الهمزة المتحركة التي قبلها مدّة فهي تبدل إذا كان قبلها واوا أو ياء ، وذلك في قولك مقروءة مقروة ومقروّ فاعلم وأبدلت الهمزة واوا وإنما فعلت ذاك ؛ لأن الواو زائدة وقبلها ضمة وهي على وزن مفعولة ومفعول ، وإذا كان قبل الهمزة ياء ساكنة قبلها كسرة وهي زائدة أبدلت الهمزة ياء تقول في : خطيئة خطيّة ، وفي النسيء النسيّ يا هذا ، وفي أفيئس تصغير أفأس أفيّس ، وفي سويئل وهو تصغير سائل سويل ، فياء التصغير بمنزلة ياء خطية.

__________________

(١) الهمزة الساكنة إن كان كا قبلها متحركا : تكتب الهمزة السّاكنة وقبلها متحرّك على حرف من جنس الحركة التي قبلها ، ، فإن كان ما قبلها مفتوحا كتبت على" ألف" نحو" رأس" و" بأس" و" كأس" ، وإن كان ما قبلها مكسورا كتبت على" ياء" (عنما قلت على ياء ، ولم أقل على نبرة كما هو اصطلاح المتأخّرين ، لأنها تسهّل إلى ياء والحجازيّون وهم أفصح العرب وأكثر السّلف يسهّلون هذا النوع من الهمزات إلى الحروف التي تحتها فيقولون مثلا" ذيب" و" بير" و" يومن" و" كاس" ، ، فإن لم تقل توضع الهمزة على ياء وعلى ألف وعلى واو ضاع التّسهيل ، وأضعنا نطفا فصيحا) ، نحو"" ذئب" و" بئر" وشئت" و" جئت" ، وإن كان ما قبلها مضموما كتبت على" واو" نحو" مؤمن" و" يؤمن" و" بؤس". انظر معجم القواعد ٣٠ / ٤.

٢١٤

وإن كان ما قبل ياء التصغير مفتوحا قلبوها لأنهم أجروها مجرى المدة كانت لا تحرك أبدا وهي نظير الألف التي تجيء في جمع التكسير ونحو ألف دراهم ألا ترى أنك تقول : دريهم فتقع ياء التصغير ثالثة كما تقع الألف ويكسر ما بعدها كما يكسر ما بعد الألف ولا تحرك كما لا تحرك الألف ، وإن كان الساكن الذي قبل الهمزة ألفا جعلت بين بين ومعنى قول النحويين :(بين بين) أن تجعل الهمزة في اللفظ بين الحرف الذي منه حركتها وبين الهمزة بأن تلينها ، فإن كانت مفتوحة جعلت بين الألف والهمزة ، وإن كانت مضمومة جعلت بين الواو والهمزة ، وإن كانت مكسورة جعلت بين الياء والهمزة.

وقال سيبويه : ولا يجوز أن تجعل الهمزة بين بين في التخفيف إلا في موضع يجوز أن يقع موضعها حرف ساكن ولو لا أن الألف يقع بعدها الحرف الساكن ما جاز ذلك ؛ لأنه لا يجمع بين ساكنين ، وذلك في المسائل المسايل يجعلها بين الياء والهمزة وفي هباءة هباأة فيجعلونها بين الهمزة والألف يلين الصوت بها وتقول في : جزاء أمه جزاؤامه جزاؤامه.

الضرب الثاني : الهمزة المتحركة التي قبلها حرف ساكن ليس بحرف مدّ

فمن يخفف الهمزة يحذفها ويلقي حركتها على الساكن الذي قبلها ، وذلك قولك في المرأة المرة وفي الكماة الكمة وقال الذين يخففون : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١) [النمل : ٢٥] ومن

__________________

(١) (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) هذه قراءة أبي عمرو ، وعاصم ، ونافع ، وحمزة ؛ وقرأ الزهري ، وأبو جعفر ، وأبو عبد الرحمن ، وحميد ، وطلحة ، والكسائي : (ألا يا اسجدوا لله) القراءة الأولى هي أن دخلت عليها ، و (إن) في موضع نصب ، قال الأخفش المعنى : لئلا يسجدوا ، وقال الكسائي المعنى : فصدهم أن لا يسجدوا ، وقال علي بن سليمان : أن بدل من أعمالهم في موضع نصب ، وقيل : موضعها خفض على البدل من (السبيل) ، والقراءة الثانية بمعنى : ألا يا هؤلاء اسجدوا ؛ كما قال :

ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى

ولا زال منهلا بجرعائك القطر

وقال آخر :

يا لعنة الله والأقوام كلهم

٢١٥

ذلك : من بوك ومن مّك وكم بلك إذا خففت ومثل ذلك : الحمر تريد الأحمر وقد قالوا : الكماة والمراة ومثله قليل ومما حذف في التخفيف ؛ لأن ما قبله ساكن قولهم : أرى وترى ونرى ويرى.

وقد أجمعت العرب على تخفيف المضارع من رأيت لكثرة استعمالهم إياه فإذا خففت همزة أرأوه قلت : روه حذفت الهمزة وألقيت حركتها وهي الفتحة على الراء وسقطت ألف الوصل وتقديره أرأوه مثل : أرعوه دخلت ألف الوصل من أجل سكون الراء فلما حركت سقطت ألف الوصل ، فإن أمرت واحدا قلت : ذاك نطقت بالراء وحدها وكان الأصل ارأى فحذفت الألف التي هي لام الفعل للأمر كما حذفتها في : اخش يا هذا وكان الأصل اخشى وحذفت الهمزة للتخفيف وألقيت حركتها على الراء فسقطت ألف الوصل فبقيت الراء وحدها قال سيبويه : وحدثني أبو الخطاب : أنه سمع من يقول : قد أراهم فجاء به على الأصل.

__________________

والصالحين على سمعان من جار

والمعنى : يا هؤلاء لعنة الله ؛ قال أبو جعفر : وهذا موجود في كلام العرب ؛ إلا أنه غير معتاد أن يقال : يا قدم زيد ؛ والقراءة به بعيدة ؛ لأن الكلام يكون معترضا ، والقراءة الأولى يكون الكلام بها متسقا ، وأيضا السواد على غير هذه القراءة ؛ لأنه قد حذف منها ألفان ، وإنما يختصر مثل هذا بحذف ألف واحدة نحو : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) [إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس : ٣ / ١٤٢].

٢١٦

باب ذكر الهمزة المتحركة

لا تخلو الهمزة المتحركة من إحدى ثلاث جهات من الضم أو الكسر أو الفتح وكل همزة متحركة وقبلها حرف متحرك فتخفيفها أن تجعلها (بين بين) إلا أن تكون مفتوحة قبلها ضمة أو كسرة فإنك تبدلها وإنما صار ذلك كذلك ؛ لأن الهمزة لو خففتها وقبلها ضمة أو كسرة لنحوت بها نحو الألف والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، وذلك محال فأما ما تجعل من ذلك (بين بين) فنحو : سأل وسيئم وقد قرأه وكل همزة متحركة قبلها حرف متحرك فهذا حكمها أن تجعلها (بين بين) إلا ما استثنيته من الهمزة المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة ، فإن كانت وقبلها فتحة جعلت بين بين بين الألف والهمزة ، وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واوا ، وإن كان قبلها كسرة أبدلتها ياء فتقول في التخفيف في التؤدة التودة فيجعلونها واوا خالصة ونريد أن نقريك في نقرئك وفي المئر المير ياء خالصة وتقول في المتصل من غلام يبيك وهذا غلام وبيك ، وإن كانت الهمزة مكسورة وقبلها فتح صارت بين الهمزة والياء ، وذلك في يئس ييس وفي سئم سيم (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) [إبراهيم : ٣٥].

وإن كانت مضمومة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والواو ، وذلك قولك : ضربت أختك ، وإن كانت مضمومة وقبلها ضمة جعلت بين بين ، وذلك : هذا درهم أختك ، وإن كانت مضمومة وقبلها كسرة جعلت بين بين ، وذلك من عند أختك وقال سيبويه : وهو قول العرب والخليل.

٢١٧

باب الهمزتين إذا التقتا

وذلك على ضربين : فضرب يكونان فيه في كلمة واحدة (١) وضرب في كلمتين منفصلتين اعلم أن الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة لم يكن بدّ من إبدال الآخرة ولا تخفف فمن ذلك قولك في فاعل جائي أبدلت مكانها الياء ؛ لأن ما قبلها مكسور وكذلك إن كان قبلها مفتوح جعلتها ألفا نحو : آدم لانفتاح ما قبلها قال : وسألت الخليل عن فعلل من جئت فقال : جيأي

__________________

(١) لما كانت الهمزة حرفا جلدا على اللسان في النطق بها كلفة بعيد المخرج يشبه بالسعلة لكونه نبرة من الصدور توصل إلى تخفيفه فسهل النطق به كما تسهل الطرق الشاقة والعقبة المتكلف صعودها ، فلهذا سمي تخفيفها تسهيلا ثم تخفيفها يكون على ثلاثة أنواع الإبدال والنقل وجعلها بين بين وتجتمع الأنواع الثلاثة في باب وقف حمزة وهشام وللنقل باب مختص به والإبدال له باب الهمز المفرد وهو يقع في المتحركة والساكنة ، ، وأما النقل وبين بين فلا يكونان إلا في المتحركة وهذا الباب وما بعده مختصان بما يسهل بين بين ويقع فيهما ذكر الإبدال قليلا ولفظ التسهيل ، وإن كان يشمل هذه الأنواع الثلاثة تسمية من حيث اللغة والمعنى إلا أنه قد صار في اصطلاح القراء وكثرة استعمالهم وتردده في كلامهم كالمختص ببين بين أي تكون الهمزة بينها وبين الحرف الذي منه حركتها وقد بين ذلك في آخر الباب الذي بعد هذا ، ثم الهمزة الأولى في هذا الباب لا تكون إلا مفتوحة محققة إلا أن يأتي قبلها ساكن فتنقل حركتها إليه في مذهب من يرى ذلك بشرطه نحو (قل أؤنبئكم) ـ (قلءأنتم أعلم) ـ (قل أئنكم لتكفرون) ، وهذا سيأتي ذكره في بابه إن شاء الله تعالى ، وأخرى بمعنى أخيرة أي الهمزة الأخيرة من همزتين واقعتين بكلمة وهي الثانية والأصل الأخرى تأنيث آخر بفتح الخاء كقوله تعالى ، (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى ،) ثم استعملت أخرى بمعنى أخيرة كقوله تعالى (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى ،) وقال تعالى في موضع آخر (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ،) فقابل بهما سبحانه لفظ الأولى في قوله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى ،) وقال تعالى أيضا (قالَتْ أُخْراهُمْ) و (قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ ،) أي الفرقة المتقدمة للفرقة المتأخرة ومنه قوله جاء بي في أخريات الناس أي أواخرهم ولا أفعله أخرى الليالي أي أبدا ، فالهمزة الأخيرة من همزتين وهي الثانية تسهيلها بأن يجعل لفظها بين الهمزة والألف إن كانت مفتوحة وبين الهمزة والياء إن كانت مكسورة وبين الهمزة والواو إذا كانت مضمومة والذين فعلوا هذا التسهيل مدلول قوله سما وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وسما خبر قوله وتسهيل أخرى همزتين وإنما صح الابتداء بلفظ تسهيل وهو نكرة لتخصيصه بإضافته إلى مضاف إلى موصوف إن جعلنا بكلمة صفة لهمزتين أي كائنتين بكلمة كقولك بيت رجل ذي علم مقصود.

٢١٨

مثال جيعا ، وإذا جمعت آدم قلت : أوادم كما أنك إذا حقرت قلت : أويدم صيروا ألفه بمنزلة ألف خالد ؛ لأن البدل من نفس الحرف فشبهت ألف آدم بألف (خالد) لإنفتاح ما قبلها لأنها ليست من نفس الكلمة ولا بأصل فيها ، وأما خطايا فأصلها خطائي فحقها أن تبدل ياء فتصير : خطائي فقلبوا الياء ألفا رفعوا ما قبلها كما قالوا مداري أبدلوا الهمزة الأولى ياء كما أبدلوا (مطايا) وفرقوا بينها وبين الهمزة التي من نفس الحرف وناس يحققون فإذا وقعت الهمزة بين ألفين خففوا ، وذلك قولهم : كساءان ورأيت كساءين كما يخففون إذا التقت الهمزتان ؛ لأن الألف أقرب الحروف إلى الهمزة ولا يبدلون ياء ؛ لأن الألف الآخرة تسقط ويجري الاسم في الكلام.

الضرب الثاني : من التقاء الهمزتين وهو ما كان منه في كلمتين منفصلتين (١) :

__________________

(١) قال الشاطبي : وأسقط الأولى في اتّفاقهما معا إذا كانتا من كلمتين فتى العلا

فتى العلا فاعل أسقط يعني ولد العلا وهو أبو عمرو بن العلاء أسقط الهمزة الأولى من المتفقتين بالفتح والكسر والضم وهذا نقل علماء القراءات عن قراءة أبي عمرو بإسقاط الهمزة ، ثم منهم من يرى أن الساقطة هي الأولى ؛ لأن أواخر الكلم محل التغيير غالبا ومنهم من يجعل الساقطة هي الثانية ؛ لأن الثقل بها حصل ، والذي نقله النحاة عن أبي عمرو أنه يخفف الأولى من المتفق والمختلف جميعا ، قال أبو علي في التكملة أهل التحقيق يحققون إحداهما فمنهم من يخفف الأولى ويحقق الثانية ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الثانية وهو الذي يختاره الخليل ويحتج بأن التخفيف وقع على الثانية إذا كانتا في كلمة واحدة نحو آدم وآخر فكذلك إذا كانتا من كلمتين ، قال الخليل رأيت أبا عمرو قد أخذ بهذا القول في قوله (يا ويلتي أألد) ، قال العبدي في شرحه مذهب أبي عمرو تخفيف الأولى ، ومذهب الخليل تخفيف الثانية والقراء على خلاف ما حكاه النحويون عنه وذلك أنهم يقولون الهمزتان إذا التقيا بحركة واحدة حذفت إحداهما حذفا من غير أن تجعلها بين بين ، وإذا اختلفت الحركة عادوا إلى ما قلناه ، قال وقياس قول أبي عمرو المحذوفة هي الأولى ؛ لأنه حكى مذهبه أن تكون الأولى بين بين ، قلت ومن فوائد هذا الاختلاف ما يظهر في نحو (جاء أمرنا) ، من حكم المد فيه ، ، فإن قيل الساقطة هي الأولى كان المد فيه من قبيل المنفصل ، ، وإن قيل هي الثانية كان المد من قبيل المتصل ، وقد نص مكي في كتاب التبصرة على قول أن الساقطة هي الأولى ، ثم إن القارئ لأبي عمرو إذا وقف على جاء فإنه يمد يعني قوله تعالى في سورة يوسف (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ،) خالفا فيها أصلهما فعدلا عن تسهيل همزة السوء بين بين ؛ لأن لغة العرب في تخفيف همزة مثل ذلك على وجهين سيأتي ذكرهما في باب وقف حمزة

٢١٩

اعلم أن الهمزتين إذا التقتا وكل واحدة منهما في كلمة ، فإن أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما كما يستثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة وليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان محققتان إلا إذا كانتا عينا مضاعفة في الأصل نحو : سمائين ومن كلامهم تحقق الآخرة وهو قول أبي عمرو ، وذلك قول الله عز وجل : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) [محمد : ١٨](يا زَكَرِيَّا إِنَّا) [مريم : ٧] ومنهم من يحقق الأول ويخفف الآخرة وكان الخليل يستجب هذا ويقول : لأني رأيتهم يبدلون الثانية في كلمة واحدة كآدم وأخذ به أبو عمرو في قوله : (يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) [هود : ٧٢].

فحقق الأولى وقال سيبويه : وكل عربي والزنة واحدة محققة ومخففة ويدلك على ذلك قول الأعشى :

أأن رأت رجلا أعشى أضرّبه

__________________

وهشام ، أحدهما أن تلقى حركة الهمزة على الواو وبحذف الهمز وهذا لم يقرأ به لهما وهو الوجه المختار في تخفيف همز ذلك وقد نبه عليه مكي رحمه الله في التبصرة ، والثاني أن تبدل الهمزة واوا وتدغم الواو التي قبل الهمزة فيها وهذا الوجه هو المذكور لهما في هذا البيت أي أبدلا الهمز واوا ثم أدغما فيها الواو التي قبلها وإنما اختارا هذا على وجه نقل الحركة ؛ لأن النقل يؤدي هنا إلى أن تنكسر الواو بعد ضمة فتصير مثل قول وهو مرفوض في اللغة وقول بالتشديد مستعمل وهو أخف من قول ولعل سببه حجز الساكن بين الضمة والكسرة ، وقد فعل قالون نحو ذلك في لفظ النبي في موضعين في سورة الأحزاب ؛ لأنه يهمز لفظ النبي وقبل الهمز ياء فأبدل الهمزة ياء وأدغم فيها الياء التي قبلها وذلك متعين ثم لا يجوز فيه نقل حركة الهمزة إلى الياء لأنها زائدة بخلاف الواو هنا وهذا سيأتي ذكره في سورة البقرة إن شاء الله تعالى ثم قال وفيه أي وفي تخفيف بالسوء خلاف عن قالون والبزي ليس مقفلا أي ليس مغلقا أو ليس مقفلا عليه أي ممنوعا لا يوصل إليه بل هو مشهور معروف في كتب مصنفة منها التبصرة لمكي ، وإن كان صاحب التيسير ما ذكره ولم يذكر هذه المسألة إلا في سورتها والخلاف المشار إليه أنهما قرآها بين بين على أصلهما ولا يمنع من ذلك كون الواو ساكنة قبلها فإنها لو كانت ألفا لما امتنع جعلها بين بين بعدها لغة على ما يأتي فالواو قريبة منها والله أعلم ، قال مكي ذكر عن قالون فيها أنه يجعل الأولى كالياء الساكنة قال والأحسن الجاري على الأصول إلقاء الحركة ولم يرو عنه ويليه في الجواز الإبدال والإدغام وهو الأشهر عن قالون وهو الاختيار لأجل جوازه والرواية قال فأما البزي فقد روي عنه الوجهان. انظر إبراز المعاني لأبي شامة ١ / ١٩٨.

٢٢٠