تهذيب اللغة - ج ٦

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٦

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

وقدْماً كان مأهولاً

فأَمسَى مَرْتَعَ العُفْرِ

وقال رؤبة :

عَرَفْتُ بالنَّصْرِيّة المنَازِلا

قَفْراً وكانت منهمُ مآهلا

وَكلُّ شيء من الدواب وغيرها إذا أَلِف مكاناً فهو آهل وأَهلِيٌ ، ولذلك قيل لمَا ألِفَ الناسَ والقُرَى : أَهلِيّ ، ولمَا استوْحَش : بَرِّيٌّ ووَحْشِيّ ، كالحمار الوحشيّ. والأهليُ هو الإنسيّ ، ونهَى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومَ خَيبر عن لحوم الحُمُر الأهلية.

والعرب تقول : مرحَباً وأَهلاً ، ومعناه نزَلْتَ رُحْبا ، أي سَعَةً ، وأَتيتَ أهلاً لا غَرَباء. وخَطأ بعضُ الناس قول القائل : فلانٌ يستأهل أن يُكرَم ، بمعنى يَستحقّ الكرامة ، وقال : لا يكون الاستئهال إلّا من الإهالة ، وأجازَ ذلك كثير من أهل الأدب ، وأما أنا فلا أنكره ولا أُخطِّىء من قاله ، لأني سمعتُه. وقد سمعتُ أعرابياً فصيحاً من بني أسَد يقول لرجُل أُولِيَ كَرامَةً : أنت تستأهل ما أُوْلِيتَ ، وذلك بحضرة جماعةٍ من الأعراب ، فما أَنكَروا قوله ، ويحقِّق ذلك قولُ الله جلّ وعزّ : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) [المدثر : ٥٦].

قال الأزهريّ : والصواب ما قاله أبو زيد والأصمعيّ وغيره ، لأن الأسديّ أَلِفَ الحاضرةَ فأَخذَ هذا عنهم.

قال أبو عبيد عن أصحابه : يقال : أَهَلَ فلانٌ امرأةً يأْهِلُ إذا تزوّجها ، فهي مأْهولة.

وقال في باب الدّعاء : آهلك الله في الجنةِ إيهالاً ، أي زوّجك منها وأَدْخَلَكَها.

قال : وقال أبو زيد : أهَلَ يَأْهِل أَهْلا ، ويأهُل أهُولاً ، إذا تزوّج.

وقال المازنيّ : لا يجوز أن تقول : أنت مستأْهلٌ هذا الأمر ، ولا أنتَ مستأَهلٌ لهذا الأمر ، لأنّكَ إنما تريد أنتَ مستوجِب لهذا الأمر ، ولا يدلّ مستأهل على ما أردتَ ، وإنّما معنى هذا الكلام أنت تطلبُ أن تكون من أَهل هذا المعنى ، ولم تُرِد ذلك ، ولكن تقول : أنت أهلٌ لهذا الأمر.

وهل : أبو عبيد عن أبي زيد : وَهِلْتُ في الشيء ، ووَهِلْتُ عنه وَهَلاً ، إذا نَسِيتَه وغَلطْت فيه ، ووَهَلْتُ إلى الشيء أَهِلُ وهَلَا إذا ذَهَبَ وَهْمُك إليه. وقال الكسائيّ : مثله. ويقال : وَهِلَ الرجلُ ، إذا جَبُنَ.

ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ ، وَهَلْتُ ، إذا أَوْهَمْت وسَهَوْت ، ووَهِلْتُ ، إذا فَزِعْت أَوْهَلُ وَهَلَا ، فأنا وَهِلُ ، ووهِلتُ فأَنا واهِل أي سَهَوْت.

وقال أبو زيد : وَهَلَ يَهِل وَهْلاً مثل : وَهِمَ يَهِم. وَهْماً. ومنه قولُ ابن عمر : وَهِلَ أَنَسٌ. قال : وأما الوَهَل فهو الفَزَع ، والمستَوْهِل الفَزع النّشِيط.

قال : ووَهِلْتُ إليه وَهْلاً : فَزِعْت إليه ، ووَهِلْتُ منه : فزِعْتُ منه.

٢٢١

قال : ووَهَلْتُ إلى الشيءِ ووَهَلتُ عنه ، إذا نسِيتَه وغَلطتَ فيه ، وتوهَّلْتُ فلاناً ، أي عرَّضْتَهُ لأن يَهِل أي يَغلط. ومنه الحديث : «كيف أنتَ إذا أَتَاك مَلكان فتوهَّلاكَ في قَبرك» ، جاء به أبو سعيد.

وقال أبو زيد : وَهلْتُ إلى الشيء أَهِلُ وَهْلاً ، وهو أن تُخطِىء بالشيء فتَهِلُ إليه وأنت تريد غيرَه.

ورَوَى أبو حاتم في كتابه في المُزال والمُفسَد عن الأصمعيّ : يقال : استوجَب ذاكَ واستحقَّه ، ولا يقال اسْتَأَهلْه ، ولا أنتَ تَسْتَأهِل ، ولكن يقال : هو أَهلُ ذاك وأهلٌ لذاك ، ونحو ذلك قال أبو زيد.

قال : ويقال هم أَهْلَةُ ذاك.

ويقال لقيتُه أوَّلَ وَهلة ، وهو أول ما تراه.

وله : رُوِي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا تُوَلَّهُ والدة عن ولدها».

قال أبو عُبيد : التَّوْلِيهُ أن يُفرَّقَ بينهما في البَيع ، وكلّ أنثى فارقتْ ولدَها فهي والِهٌ.

قال الأعشى يَذكرُ بقرةً أكلَ السِّباع ولدَها :

فأَقْبَلَتْ والِهاً ثَكْلَى على عَجَل

كلٌّ دَهَاها وكلٌّ عِندَها اجتمعَا

شمِر ، عن ابن شميل : ناقةٌ ميِلاهٌ وهي التي فَقَدت ولدَها ، فهي تَلِه إليه.

يقال : ولَهتْ إليه تَلِه ، أن تَحنّ إليه. وقال غيره : فيه لُغتان : ولِهَتْ تَوْلَه ، وولَهتْ تَلِهُ.

وقال بعضهم : الوَلَه يكون من الحُزنِ والسرور ، مِثل الطَّرَب.

وقال شمر : المِيلاهُ : الناقة تُرِبُّ بالفحْل ، فإذا فقدَتْه وَلِهتْ إليه. وناقةٌ والِهٌ.

قال : والجمَل إذا فَقَدَ أُلّافَهُ فحنَّ إليها والِهٌ أيضاً. وقال الكُمَيت :

وَلِهتْ نَفسيَ الطَّرُوبُ إليهم

وَلَهاً حال دُون طَعْمِ الطَّعام

وَلِهَت : حَنَّت. قال : والوَله يكون بين الوالدة وولدِها ، وبين الإخوة ، وبين الرّجل ووَلدِه.

وقال الليث : الوَلَه : ذَهاب العَقل لِفقْدان الإلْف. يقال : وَلِه يَوْلَه ويَلِه ، والأنثى والهٌ ووالِهة.

قال : والوَلْهان : اسم شيطان الماء يُولِع الناسَ بكثرة استعمال الماء. والميلاهُ : الرِّيح الشديدة الهُبوب ذاتُ الحَنين.

أله : جلّ وعزّ قال الليث : بلغَنا أنَّ اسم الله الأكبر هو : الله لا إله إلّا الله وحده.

قال : وتقول العرب : الله ما فَعلتُ ذاك ، تريد والله ما فعلتُه.

قال : والتَّأَلُّه : التعبُّد ، وقال رؤبة :

سَبَّحْنَ واسْتَرجعنَ من تألُّهِي *

قال : وقال الخليل : الله ، لا تُطرح الألفُ من الاسم ، إنما هو الله على التمّام.

قال : وليس من الأسماء التي يجوز منها اشتقاق فِعْل ، كما يجوز في الرَّحمن الرّحيم.

وأخبرني المنذريُّ عن أبي الهيثم أنه سأله عن اشْتقاق اسم الله في اللُّغة ، فقال : كان حقُّه إلهٌ ، أُدخلت الألِف واللام عليه للتعريف فقيل : الإله ، ثم حَذفت العربُ

٢٢٢

الهمزةَ استثقالاً لهما ، فلمّا تركوا الهمزةَ حَوّلوا كسرتها في اللام التي هي لام التعريف ، وذهبت الهمزةُ أصلاً فقيل : أَلِلَاه ، فحرَّكوا لامَ التعريف التي لا تكون إلّا ساكنةً ، ثم الْتَقَى لامان متحرِّكَتان فأدغَموا الأولى في الثانية ، فقالوا : الله ، كما قال الله جلّ وعزّ : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) [الكهف : ٣٨] : معناه لكنْ أنا.

ثم إن العرب لمّا سَمِعوا اللهمّ قد جرَت في كلام الخَلق توهَّمُوا أنّه إذا ألْقِيت الألفُ واللام من الله كان الباقي لاه ، فقالوا لاهُمَّ ، وأنشد :

لاهُمَ أَنْتَ تَجبُر الكَسيرا

أنتَ وهبْت جِلَّةً جُرْجُورا

ويقولون : لاهِ أبوك ، يريدون لله أبوك ، وهي لام التعجب يُضْمِرون قَبلها : اعجَبُوا لأبيه ما أَكْمَله ، فيَحذِفونَ لامَ التعجّب مع لام الاسم ، وأنشد لِذي الإصْبع :

لاهِ ابنَّ عمِّي ما يَخا

فُ الحادثاتِ من العَواقبْ

قال أبو الهيثم : وقد قالت العرب : بسم الله بغير مدّة اللام وحذفِ مَدَّةِ لاهِ ، وأنشد :

أَقْبَلَ سَيْلٌ جاءَ من أَمر الله

يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّة المُغِلَّه

وأنشد أبو الهيثم أيضاً :

لَهِنَّكِ من عَبْسِيَّةٍ لَوَسِيمةٌ

على هَنَواتٍ كاذبٍ من يقولُها

إنما هو لله إنك ، فحذَف الألف واللام فقال : لاهِ إنك ، ثم ترك همزة إنك ، فقال : لَهِنَّك.

وقال الآخر :

أبائنةٌ سُعْدَى نَعَمْ وتُماضِرُ

لَهِنَّا لمَقْضِيٌّ علينا التَّهاجُر

يقول : لاهِ إنَّا ، فحذف مدَّة لاه ، وترك همزة إنا.

قال الفراء في قول الشاعر : لَهِنَّك ، أراد لإِنَّك ، فأبدل الهمزَة هاء ، مِثل هَراق الماء وأَراق.

قال : وأَدخَل اللام في إن لليَمِين ، ولذلك أجابَها باللام في : لَوَسِيمة.

قال أبو الهيثم : وسمعتُ الثورِيّ يقول : سمعتُ أبا زيد يقول : قال لي الكسائيّ : ألَّفتُ كتاباً في معاني القرآن ، فقلتُ له : أسمعتَ الحمدُ لَاهِ رَبِّ العالمين؟ فقال : لا. فقلت : فاسمَعْها.

قلتُ : لا يجوز في القراءة إلا (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفَاتِحَة : ٢] بمدة اللام ، وإنما يقرأُ ما حكاه أبو زيد الأعرابُ ومَن لا يَعرِف سُنة القِراءة.

وقال أبو الهيثم : فالله أصلُه إلاه ، قال الله جلّ وعزّ : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) [المؤمنون : ٩١].

قال : ولا يكون إلهاً حتى يكون معبوداً وحتى يكون لعابده خالقاً ، ورازقاً ، ومدبِّراً ، وعليه مُقتدِراً ، فَمن لم يكن

٢٢٣

كذلك ، فليس بإله ، وإن عُبِد ظُلْماً ، بل هو مخلوقٌ ومُتعبَّدٌ.

قال : وأصل إله وِلاه. فقلِبت الواو همزة كما قالوا : للوشاح إشاح ، وللوِجاج إجاج ومعنى وِلَاه أَنّ الخلْق إليه يَوْلَهون في حوائجهم ، ويَفزعون إليه فيما يُصيبُهم ويَفزَعون إليه في كل ما يَنوبُهم كما يَوْلَه كلٌّ طِفْل إلى أمه.

وقد سَمَّت العربُ الشمسَ لمّا عَبَدُوها : إلاهة.

وقال عُتيبة بنُ الحارث اليَربوعيّ :

تَرَوَّحْنا من اللَّعْباء عَصْراً

فَأَعْجَلْنَا الإلهة أَن تَؤُوبَا

وكانت العَرَب في جاهليتها يَدعُون مَعبُوداتهم من الأصنام والأوْثان آلهة ، وهي جمعُ إلاهة.

قال الله جلّ وعزّ : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف : ١٢٧] ، وهي أصنامٌ عَبَدها قومُ فرعون معه.

ورُوِي عن ابن عباس أنه قرأ : (ويذَرَك وإلَاهتَك) ويُفسِّره وعِبادَتك. واعتلّ بأنّ فرعون كان يُعبَد ولا يَعْبُد والقراءة الأولى أكثر وأشهَر ، وعليها قراءةُ الأمصار.

وروى أبو العباس عن عمرو عن أبيه أنه قال : الإلاهَةُ : الحيَّة. قال : وهي الهلال.

قلت : فهذا ما سمعناه في تفسير اسم الله واشتقاقه.

ونذكُر الآن ما قيل في تفسير اللهمَ ، لاتصاله بتفسير الله.

فأما إعرابُ اللهمَ فضمُّ الهاء وفتح الميم ، لا اختلافَ فيه بين النحويين في اللفظ ، فأما العِلة والتفسير ففيهما اختلاف بينهم.

فقال الفراء : معنى اللهمّ : يا ألله أُمَّ بخيْر ، رواه سَلَمة وغيرُه عنه.

وقال أبو إسحاق الزّجّاج : هذا إقْدام عظيم ، لأن كل ما كان من هذا الهمز الذي طُرِح فأكثرُ الكلام الإتيانُ به. يقال : ويلُ أُمِّه وويل امِّه ، والأكثر إثبات الهمز ، ولو كان كما قال الفراء لجازَ : الله أَوْمُمْ والله أمَّ ، وكان يجب أن يلزمه (يا) لأن العرب إنما تقول : يا ألله اغفر لنا ، ولم يقل أحد من العرب إلّا اللهمَ ، ولم يقل أحدٌ يا اللهم. قال الله جلّ وعزّ : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ) [الزُّمَر : ٤٦] فهذا القول يُبْطَل من جهات : إحداها أن «يا» ليست في الكلام ، والأخرى أن هذا المحذوف لم يُتكلَّم به على أصله كما تكلم بمثله ، وأنه لا يُقدَّم أمام الدعاء. هذا الذي ذكره.

قال الزجاج : وزعَمَ الفراء أن الضمة التي هي في الهاء ضمةُ الهمزة التي كانت في أُمّ ، وهذا محال أن يُترك الضمّ الذي هو دليل على النداء المُفرَد ، وأَن يُجعَل في اسم الله ضمة أُمَّ ، هذا إلحادٌ في اسم الله.

قال : وزعم أنّ قولنا هَلمّ : مِثْل ذلك ، وأنّ أصلَها هَلْ أُمَّ ، وإنما هي لُمَّ وها للتنبيه ، قال : وزعم الفرّاء أنّ «يا» قد يقال مع اللهم ، فيقال : يا اللهُمَّ ، واستشهَد بشِعر لا يكون مِثلُه حُجّةً :

وما عليكِ أن تقولِي كلَّما

صلَّيْتِ أو سَبّحْتِ يا للهُمَّمَا

٢٢٤

اردُدْ علينا شَيخَنا مُسلَّما

وقال أبو إسحاق : قال الخليل وسيبويه وجميع النحويّين الموثوق بعلمهم : اللهمَ بمعنى يا ألله ، وأن الميم المشدّدة عِوَض من «يا» لأنهم لم يَجِدوا «يا» مع هذه الميم في كلمةٍ ووجَدُوا اسمَ الله مستعَملاً ب «يا» إذا لم تُذكَر الميم في آخر الكلمة فعَلموا أن الميم في آخر الكلمة بمنزلة «يا» في أوّلها والضمة التي في الهاء هي ضمة الاسم المنادى المفرد والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم قبلها.

وقال الزّجّاج في قول الله تعالى : (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَ رَبَّنا) [المَائدة : ١١٤] ذكر سيبويه أنّ اللهمّ كالصوت وأنه لا يوصَف ، وأن (رَبَّنا) منصوبٌ على نداء آخر.

قلت : وأنشد قُطربٌ :

إنِّي إذا ما مَطعَمٌ أَلمَّا

أَقُولُ يا اللهُمَ يا اللهُما

وقال أبو بكر بن الأنباريّ : الدليل على صحة قول الفرّاء وأبي العبّاس في اللهم أنّه بمعنى يا ألله أُمَّ ، إدخال العَرَب «يا» على «اللهم.

ورَوَى سلمة عن الفرّاء أنه قال بعد قوله الأوّل : ومن العرب من يقول إذا طَرَح الميمَ : يألله اغفر لي بهمزة ، ومنهم من يقول : يَلّله بغير همزة ، فمن حَذَف الهمزة فهو على السَّبيل ، لأنها ألف ولام ، مِثل الحارث من الأسماء وأشباهِه ، ومن هَمَزَها توهّمَ الهمزة من الحرف إذا كانت لا تَسقط منه ، وأنشد :

مُباركٌ هُوَ وَمن سَمَّاهُ

على اسمك اللهُمَّ يا ألله

قال : وقد كَثُرت اللهمّ في الكلام حتْى خُفِّفتْ ميمها في بعض اللّغات. أنشدني بعضهُم :

بحَلفةٍ من أبي رباح

يسمعها اللهُمَ الكُبارُ

قال : وإنشاد العامة : «يسمَعُها لاهُهُ الكُبار». قال : وأنشده الكسائيّ : يسمعها الله والله كُبار.

وقال الكسائيّ : العرب تقول : يأ الله اغفر لي ويَلله اغفر لي.

وقال ابن شميل : سمعتُ الخليلَ يقول : يَكرَهون أن يَنقُصوا من هذا الاسم شيئاً يأ الله ، أي لا يقولون : يَلَّه.

تفسيرُ : لها ـ لهى : وألهى وتَلهَّى واستَلْهى ولَاهَى.

أمَّا لَها ، فهو من اللهو. وقال الليث : اللهْو : ما شَغَلك من هَوًى وطَرَب ، يقال : لهَا يَلْهُو ، والتَهَى بامرأةٍ فهي لَهْوَتُه ، وقال العجّاج :

ولَهْوةُ اللّاهي ولو تَنَطَّسا*

قال : واللهْو : الصُّدُوف ، يقال : لهَوْت عن الشيء أَلْهُو لَهاً.

قال : وقولُ العامة : تلهّيتُ. وتقول : أَلْهاني فلانٌ عن كذا وكذا أي ، شَغلَني وأنساني.

قلتُ : كلامُ العرب جاءَ على خِلاف ما قاله الليث : تقول العَرَب : لهوْتُ بالمرأة وبالشّيء أَلْهُو لَهْواً لا غير ، ولا يقال : لَهىً ، ويقولون : لَهِيتُ عن الشيء أَلْهَى لُهِيّاً.

٢٢٥

ورَوَينا عن ابن الزُّبير أنّه كان إذا سَمع صوتَ الرّعد لَهِيَ عن حديثه.

قال أبو عبيد : قال الكسائيّ والأصمعيّ : قولُه لَهِيَ عن حديثه ، يقول : تَركه وأَعرَضَ عنه. وكلُّ شيء تركتَه فقد لَهِيت عنه.

وأَنشد الكسائيّ :

إلْهُ منها فقد أَصابَك مِنها*

قال : وقال الأصمعيّ : لَهِيتُ مِن فلان وعنه فأَنا أَلْهَى.

وقال الكسائيّ : لَهِيتُ عنه لا غيْرُ. وقال : إلْهَ منه وعنه.

وقال ابن بزرج : لَهِيت منه وعنه. قال : ولَهوْتُ ولَهِيتُ بالشيء ، إذا لَعِبتَ به ، وأنشد :

خلعتُ عِذارَها ولهِيتُ عنها

كما خُلِعَ العِذارُ عن الجَوادِ

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : لَهيتُ به وعنه : كرِهْته ، ولهوْتُ به : أحبَبْته ، وأنشد :

صَرَمَتْ حِبَالَكَ فالْهَ عنها زَينبُ

ولقد أطلتَ عتابَها لو تُعْتِب

لو تعتب : لو تُرضيك.

وقال إبراهيم بن عرفة النحويّ في قول الله جلّ وعزّ : (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) [الأنبيَاء : ٣] أي مُتشاغلة عمّا يُدْعَوْن إليه.

قال : وهذا من لَهِيَ عن الشيء يَلهَى إذا تشاغل بغيره.

قال : وهذا من قول الله جلّ وعزّ : (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) [عَبَسَ : ١٠] أي تتشاغل ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يَلْهو ، لأنّه قال : «ما أنا مِن دَدٍ ولا الدَّدُ مِنَّي». ورُوِي عن عمرَ أنّه أخَذ أربعمَائة دينار فجعَلَها في صُرّة ثم قال للغلام : اذهَبْ بها إلى أبي عبيدة بنِ الجَراح ، ثم تَلَهَ ساعةً في البيت ، ثم انظر ماذا يَصنَع ، قال ففرَّقَها.

قال شمر : قوله : تَلَهَ ساعةً : التلهِّي بالشيء : التعلُّل به والتمكُّث ، يقال : تلهيْتُ بكذا ، أي تعلّلتُ به وأَقمتُ عليه ولم أفارِقْه. وتَلهت الإبلُ بالمَرعَى ، إذا تعلّلتْ به ، وأَنشد :

لنا هَضَباتٌ قد ثَنَيْن أكَارِعاً

تَلَهَّى ببَعْض النجم والليل أبْلَقُ

يريد ترعَى في القمر ، والنجم : نَبتٌ ، وأراد بهَضَبات هاهنا إِبلاً ، وأنشد شمر لبعض بني كلاب :

وساجِيَةٍ حَوْراءَ يَلْهو إزَارُها

إلى كَفَلٍ رابٍ وخَصْرٍ مُخصَّرٍ

قال : يلهو إزارُها إلى الكَفَل فلا يفارِقُه ، قال : والإنسان اللّاهي إلى الشيء ، إذا لم يفارِقْه ولَهِيَ عن الشيء وتلَهَّى عنه ، إذا غَفَل عنه.

قال شمِر : ويقال : قد لاهَى فلان الشيء إذا داناه وقاربه ، ولاهى الغلامُ الفِطامَ ، إذا دَنَا منه. وأنشد قول ابن حِلّزة :

أتَلهَّى بها الهواجِرَ إذْ ك

لُّ ابنِ هَمٍّ بَليَّةٌ عَمْياءُ

قال : تَلهِّيه بها : ركوبُه إياها ، وتعلُّلُه بسَيْرها. وقال الفَرَزْذَق :

ألا إنما أفنى شبابَي فانقَضَى

على مَرِّ ليلٍ دائبٍ ونهَارِ

٢٢٦

يُعيدانِ لي ما أمْضَيا وهما معاً

طَرِيدَانِ لا يَستَلْهِيانِ قَرارِي

قال : معناه لا ينتظران قَراري ، ولا يستوقِفاني.

وحدّثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، قال : حدّثنا صالح بنُ مالك قال : حدّثنا عبد العزيز بن عبدِ الله ، عن محمد بن المنكدِر ، عن يزيدَ الرَّقاشيّ ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «سألتُ ربّي ألَّا يُعذِّب اللَّاهين من ذرّية البَشَر ، فأعطانيهم». قيل في تفسير اللّاهين : إنهم الأطفال الذين لم يَقْتَرفُوا ذنباً. وقيل : اللّاهون الذين لم يتعمّدوا الذَّنْب ، إنما أَتوْه غفلةً ونِسياناً وخَطأً ، وهم الذين يَدْعون الله فيقولون : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) [البَقَرَة : ٢٨٦] كما علمهم الله.

وقال الليث في قول الله : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) [الأنبيَاء : ١٧].

قال : اللهْو : المرأةُ نفسها ههنا.

وقال الزّجاج : قال أهل التفسير : اللهْو في لغة أهل حَضْرَمَوْتَ : الوَلَدُ.

قال : وقيل : اللهو : المرأة.

قال : وتأويله في اللغة أنَّ الولَد لَهْوُ الدنيا ، أي لو أردْنا أن نتّخذ وَلَداً ذا لَهْوٍ يُلهَى به ، ومعنى (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) : أي لاصطفيناه ممّا نَخْلق.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : لاهاهُ ، أي دنا منه ، وهَالاه أي قَارَعه.

وقال ابن شميل : يقال : لاهِ أَخَاك يا فلان ، أي افعلْ به نحوَ ما يَفعل بك من المعروف. وأَلْهِه سواء.

وقال الليث : اللهاةُ : أقصَى الْحَلق ، وهي لَحمة مُشرِفة على الْحَلْق ، وهي من البعير العربيِّ الشِّقْشِقَة ، ولكلِّ ذي حَلْقٍ لَهاة ، والجميع : لهاً ولَهَوات.

قال : وبعضهم يجمَع اللُّهاة : لِهاءً ، وأنشد :

يَنشَب في المَسْعَل واللِّهاءِ*

وقال الليث : اللُّهْوة : ما أُلقِي في فَمِ الرَّحا من الحَبّ للطَّحن. وقال ابن كلثوم :

ولُهْوَتُها قُضاعة أجمعِينا*

قال : واللُّهَى : أَفضَل العَطايَا ، واحدتها لُهْوة ، ولُهية ، وأنشد :

إذا مَا باللُّهَى ضَنَّ الكِرامُ*

وقال النابغةُ يمدَح قوماً :

عظامُ اللُّهى أبناء أبناءِ عُذْرَةٍ

لَهامِيمُ يَسْتَلْهُونها بالجَراجِرِ

يقال : أراد بقوله عِظامَ اللُّهَى ، أي عظامَ العطايا ، واحدتها لُهْوَة ، يقال : أَلهَيْتُ له لُهْوَة من المال كما يُلهَى في حُرِيِّ الطاحونة. ثم قال : يَسْتَلْهُونها ، الهاءُ للمكارِم ، وهي العطايا التي وصفها.

والجَراجِر : الحَلاقِيم. ويقال : أراد باللُّهى الأموال ، أراد أنّ أموالهم كثيرة قد استَلْهَوْها ، أي استكثروا منها.

أبو الهيثم : قال ابن بزرج : تَلَهْلأتُ ، أي نَكصْتُ.

باب الهاء والنون

[هن (وايء)]

هنأ ، (يهنأ) ، نهى ، ناه ، وهن ، نهأ ، هان ، هنا ، (ها هنا) ، أنه ، أهن.

٢٢٧

هنأ : قال أبو زيد يقال في الهمزة : هَنَأتُ البعيرَ أهنَؤُه هَنْأُ ، إذا طَلَيْتَه بالهِنَاء ، وهو القَطِران.

قال : وتقول هَنأَني الطَّعامُ ، وهو يَهْنَؤُني هِنْأً وهَنْأً ويَهْنِئُني.

الحرانيّ عن ابن السكيت : يقال : هَنَأَكَ الله ومَرأَك ، وقد هَنأَني الطَّعامُ ومَرَأَني بغير ألف ، إذا أَتْبعوه هنَأَني ، فإِذا أفردُوه قالوا : أَمْرَأَني.

أبو حاتم عن الأصمعيّ : العربُ تقول لِيَهْنِئْك الفارسُ ، بجَزْم الهمزة ، وليَهْنِيك الفارسُ بياءٍ ساكنة ، ولا يجوز لِيَهْنِك ، كما تقول العامة.

وقال الفرَّاء : يقال : إنما سُمّيت هانِئاً لتهنَأَ ولِتَهْنِىء ، أي لتُعطِيَ : لغتان ، والاسم الهِنْءُ ، وهو العطاء.

وقال الزَّجاج في قول الله جلّ وعزّ : (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) [النِّساء : ٤] يقال : هنأَني الطعامُ ومَرَأَني.

قال : وقال بعضهم : يقال مع هنأَني : مَرَأَني ، فإذا لم تَذْكُر هنأني قلتَ : أَمْرَأَني.

أبو عبيد عن الأمويّ : هنَأْتُ الرجلَ : أعطيتُه.

وقال غيره : هنأتُ القَوْمَ ، إذا عُلْتَهم وكَفَيْتَهم وأعطيتهم ، يقال : هنأَهم شَهْرَيْن يَهنَؤُهم ، إذا عالهم ، ومنه المَثَل : إنما سُمِّيت هانئاً لِتَهنَأَ ، أي لتَعُول وتكفي ، يُضرَب لمن عُرِف بالإحسان ، فيقال له : اجْرِ على عادَتِك ولا تقْطَعْها.

وقال الكسائيّ : لِتَهْنِىء بالكسر ، ويقال : استهنَأَ فلانٌ بني فلان ، فلم يَهْنِئوه ، أي سأَلهم فلم يُعْطوه ، وقال عروة بن الوَرْد :

ومُسْتَهْنِىءٍ زَيدٌ أبوهُ فلم أَجِدْ

له مَدْفَعاً فاقْنَي حَياءكِ واصبِري

وقال ابن شميل يقال : ما هَنِىءَ لي هذا الطعامُ ، أي ما استهنَأْتُه ، وهَنِئَت الإبلُ مِن نَبْت الأرض ، أي شَبِعَتْ ، وأكلْنا من هذا الطعام حتى هَنِئْنا منه ، أي شَبِعنا. ويقال : هنَأَنِي خيرُ فلانٍ أي كان هنيئاً بغير تَبِعة ولا مَشَقّة ، وقد هنأَنا الله الطعامَ ، وكان طعاماً استَهْنَأَناه ، أي استَمْرَأْناه.

وقال أبو زيد : هَنِئَت الماشيةُ تَهْنأ هَنْأً ، إذا أَصابت حَظّاً من البَقْل من غير أن تَشبَع منه.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : يقال في الدعاء للرجل : هَنِئْتَ ولا تَنْكَهْ ، أي أصبتَ خيراً ولا أصابَك الضَّرُّ ، يدعو له.

وقال أبو الهيثم : معنى قوله : هَنِئْتَ ، يريد ظَفِرْتَ ، على الدعاء له.

وقال الليث : هَنُؤَ الطعامُ يَهْنُؤُ هناءَةً ، ولغةٌ أخرى هَنِيَ يَهْنا ، بلا همز.

وقال ابن السكيت : يقال هذا مُهَنَّأٌ ، قد جاء بالهمز : اسم رَجُل.

وقال أَبو عبيد : من أَمثالهم في المبالغة وترك التقصير قولُهم : ليس الهِناءُ بالدَّسّ ، الدَّسُّ أن يَطلِيَ الطَّالي مَساعِرَ البعير ، وهي المواضعُ التي يُسْرِع إليها الجَرَبُ من الآباط والأرفاغ وأمِّ القِرْدان ونحوها.

فيقال : دُسَّ البعيرُ فهو مَدْسُوس ، إذا

٢٢٨

طُليَت هذه المواضعُ منه ، ومنه قول ذي الرمة :

قَرِيعُ هجانٍ دُسَّ منه المَسَاعِرُ*

فإذا عُمَّ جسدُ البعير كله بالهِناء فذلك التَّدجِيل ، يُضرَب مثلاً للذي لا يُبالِغ في إحكام الأمور ولا يَستوثِق منها ، ويَرضَى باليسير منها.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : تهنَّأَ فلانٌ ، إذا كَثُر عَطاؤُه ، مأخوذٌ من الهِنْء ، وهو العطاء الكثير.

وقال ابن شميل : قال الخليل في قول الأعشى :

لا تَهَنَّا ذِكرَى جُبَيْرةَ أَمَّنْ

جاء منها بطائفِ الأهوال

قال : يقول : لا تُجَمْجِمُ عن ذِكرها ، لأنه يقول : قد فعلتُ وهنَيْتُ ، فتُجَمْجِم عن شيء ، فهو من هنَيْتُ ، وليس بأَمْر ، ولو كان أَمراً كان جَزْماً ، ولكنه خبر. يقول : أَنت لا تَهْنَا ذِكْرَها.

قلتُ : وقال غيرُ الخليل في قولهم : «لاتَ هنَّا» : «لاتَ» حرف ، و «هنَّا» كلمة أُخرى.

وأَنشد الأصمعيّ :

لات هَنَّا ذِكرَى جُبَيْرة*

البيت ، يقول : ليس جُبيرةُ حيثُ ذهبْتَ ، ايأَسْ منها ، ليس هذا بموضع ذِكرها.

قال : وقولُه :

.... أَمَّنْ

جاء منها بطائفِ الأهوالِ

يَستفهم ، يقول : مَن الذي دَلَّ خيالها علينا؟ وقال الراعي :

نعمْ لاتَ هَنَّا إنَّ قلْبَك مِتْيَحُ*

يقول : ليس الأمرُ حيث ذهبتَ ، إنما قلبُك مِتيحٌ في غير ضَيعة.

وقال أبو عبيد : من أَمثال العرب : «حَنَّتْ ولاتَ هَنَّت» ، وأَنَّى لك مقروع.

قال : يُضرَب مَثَلاً لمن يُتهَم في حديثه ولا يُصدَّق ، قاله مازن بنُ مالك بن عمرو ابن تميم لابنة أخيه الهَيْجُمانة بنت العَنْبر بن عَمْرِو بن تميم حين قالت لأبيها : إنّ عبد شمس بن سعد بن زيد مَناةَ يريد أن يُغِير عليهم فاتهمها مازِن ، لأنّ عبدَ شمسٍ كان يَهْوَاها وتهْوَاه ، يقال هذه المقالة ، وقوله : عَنَّت أي حَنَّت إلى عبد شمس ونزَعَتْ إليه وقوله : ولاتَ هَنَّتْ : أي ليس الأمرُ حيثُ ذهبَتْ.

وقال شمر : سمعتُ ابنَ الأعرابيّ يقول في قول مازِن : حَنَّت ولاتَ هَنَّتْ ، يقول : حَنّت إلى عاشقها ، وليس أوانَ حَنين ، وإنما هُوَ وَلَا ، والهاءُ صلة جُعِلْت تاءً ، ولو وقَفتَ عليها لقلتَ : لَاهْ في القياس ، ولكن يَقِفون عليها بالتاء.

قال ابن الأعرابيّ : وسأَلْتُ الكسائيّ : كيف تَقِف على بنت؟ ، فقال بالتاء اتّباعاً للكتاب ، وهي في الأصل هاء.

قلت : والهاء في قوله : هَنَّتْ كانت هاءَ الوَقْفة ، ثم صُيِّرتْ تاءً ليُزاوِجُوا به حَنّت.

والأصل هَنَّا ، ثم قيل في الوقف : هَنّه للوقف ، ثم صُيِّرتْ تاءً.

٢٢٩

هنا ـ هاهنا : أبو عُبَيد عن أبي زيد ، يقال : اجلِس هَهنا أي قريباً ، وتَنحَ هاهنا ، أي ابعدْ قليلاً.

قال : وهَهَنَّا أيضاً ، تقولُ قيسٌ وتميم.

وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن سلمة عن الفرّاء قال : من أمثالهم : «هَنَّا وهَنَّا عن جِمالِ وَعَوْعَهْ» كما تقول : كلُّ شيء ولا وَجَعُ الرأس ، وكل شيء ولا سَيْفُ فَراشَة.

وقال غيره : معنى هذا الكلام : إذا سَلِمْتُ وسَلِم فلانٌ لم أكتَرِثْ لغيره.

والعَرَبُ تقول : إذا أرادت البُعْدَ : هَنّا وهاهَنَّا وهَنَّاك وهاهَنَّاكَ ، وإذا أرادت القُربَ قالتْ : هُنَا وهَهنا ، ونقول للحبيب :

هَهُنا وهُنَا ، أي تَقرَّب ، وادْنُ ، وفي ضدِّه للبَغيض ها هَنَّا وَهَنَّا ، أي تَنحَّ بعيداً ، وقال الحُطيئة :

فَهاهَنَّا اقعُدِي عني بعيداً

أراحَ الله منكِ العالَمِينا

يخاطب أمَّه ويهجوها.

وقال ذو الرمة يصف فلاةً بعيدة الأطراف :

هَنَّا وهَنَّا ومن هَنَّا لهنّ بها

ذات الشمائلِ والإيمان هَيْنُومُ

أبو عبيد عن الأصمعيّ : هُنَا : اللهْو ، وهو مَعرِفة ، وأنشد :

وحديثِ الرَّكب يومَ هُنَا

وحديثٌ ما على قِصَرِه

وقال غيره : هُنَا : موضع بعَيْنه في هذا البيت. ومن العَرَب من يقول في قوله : يومَ هُنَا إنه كقولك : يومَ الأوَّل ، رواه ابن شميل عن أبي الخطَّاب.

ورُوِي عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الهُنَا النَسَب الدَّقيق الخسيس ، وأنشد :

حاشَا لَفَرْعَيْكِ من هُنَا وهُنَا

حَاشَ لأعراقِك التي تَشِجُ

وقول الأعشى :

يا ليتَ شِعرِي هلْ أعُودَنَّ ناشئاً

مِثلي زُمَيْنَ هَنَا ببُرْقَةِ أَنقَدَا

أراد زُمَيْن أنا ، فقَلَب الهمزة هاءً ، تقول العرب : هَنَا وهَنْتَ ، بمعنى أَنَا وأَنْتَ.

وقال أبو زيد : تقول العرب : يا هَنَا هلُمَّ ويا هَنَانِ هَلُمَّا ويا هَنُون هَلُمَّ ، ويقال للرجل أيضاً يا هَناةُ هَلُمَّ ، ويا هَنَانِ هَلُمَّ ، وللمرأة يا هَنَتَا هَلُمَّ ، وفي الوقف يا هَنَتَاه ، ويا هَنَاه ، وتُلْقَى الهاءُ في الإدراج ، وعامةُ قيس تقول : يا هنَاتُ هَلُمَّ.

وقال أبو الصقر يقال : يا هناه هَلُمَّ ويا هنَان هَلُمَّا ، ويا هَنُون هلُمُّوا ، ويا هنَتَاه هَلُمَّى ويا هَنَتَان هَلُمَّا ، ويا هنَاتُ هَلْمُمْنَ.

وهذا في لغة تميم.

قال ابن الأنباريّ في كتاب «التأنيث والتذكير» : إذا نادَيتَ مذكَّراً بغير التصريح باسمه قلتَ : يا هَنُ أَقْبِل ، وللرَّجُلَين : يا هنَان أَقْبِلَا ، وللرِّجال : يا هَنون أَقْبِلوا ، وللمرأة : يا هنَةُ أَقبِلِي ، وللمرأَتَيْن يا هنَتان ، وللنِّسوة يا هنَات.

قال : ومنهم من يزيد الألفَ والهاءَ ، فيقول للرجل : يا هناهُ أَقْبِل ، يا هناهِ أقبِلْ ، بضمُّ الهاء وخَفْضِها ، حكاهما

٢٣٠

الفرَّاء ، فمن ضَمَّ الهاء قدَّر أنها آخر الاسم ، ومن كَسَرها قال : كَسرْتُها لاجتماع الساكنين ، ويقال في الاثنين على هذا المذهب : يا هنَانِيِه أَقْبِلا وإن شئتَ قلتَ يا هنَانَاه أَقْبِلا.

قال الفرَّاء : كسرُ النون وإتباعُها للياء أكثر ، ويقال في الجمع على هذا : يا هَنَوْناه أَقْبِلوا.

قال : ومن قال للمذكَّر : يا هَناهُ ويا هَناهِ ، قال للأنثى : يا هنَتَاهُ أَقْبلي ، ويا هنَتَاه ، وللاثنتين : يا هنَتَانِيهِ ويا هنَتَانَاهُ أَقْبِلا ، وللجَميع من النِّساء : يا هنَاتَاه ، وأنشد :

وقد رابَني قولُها : يا هنا

ةُ وَيْحَكَ ألْحَقْتَ شَرَّا بِشَرِّ

وإذا أَضفتَ إلى نفسك قلت : يا هَنِي أَقْبِلْ ، وإن شئتَ يا هَنَ أَقْبِل ، وإن شئت يا هَنُ أَقْبِل ، وتقول : يا هَنَى أَقْبِلا ، وللجميع يا هَنِيَ أَقْبِلوا ، فتَفْتَحُ النون في التثنية ، وتكسِرُها في الجمع.

نهى ـ نها : قال أبو عبيد عن الكسائيّ : النَّهِيءُ على مِثالِ فَعِيل : النِّيُّ ، وقد نهِىءَ نُهُوءَةً على فُعولةِ ونَهاءَةً ممدود على فَعالة ، وهو بيِّن النُّهوء ، مهموزٌ ممدود ، وبيِّن النَّيُوء مثل النُيُوع.

قال : وأنْهأْت اللَّحْمَ وأَنَأْتُه ، إذا لم تُنْضِجْه.

أبو زيد : أنْهأْتُه فهو مُنْهَأٌ ومُنَأٌ وقد ناءَ اللحمُ يَنِيءُ نَيْأً. وتقول : نَهِىءٌ يَنْهأُ نَهْأَ ونَهاءةً ونُهُوءَةً.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : النَّاهِي : الشَّبْعان والرَّيَّان.

وقال غيره : شَرِب حتى نَهِيَ ونَهَّى.

وقال الليث : النَّهْي : ضدّ الأمر. تقول : نهيتُه ، وفي لغة نَهوْته.

قال : والنِّهاية كالغاية حيث ينتهي إليه الشيءُ ، وهو النِّهاء ممدود.

قال : والنِّهاية : طرف العِرَان الذي في أنْف البعير.

قال أبو سَعيد : النِّهاية : الخَشَبة التي يُحمَل بها الأحمالُ.

قال : وسألت الأعرابَ عن الخَشَبة التي تُدعَى بالفارسيَّة : باهو ، فقالوا : النِّهايتان والعاضِدَتان والحامِلَتان.

قال اللحيانيّ : النَّهيَة العَقْل ، وكذلك النُّهى جمع نُهْيَة.

ونُهية كلِّ شيء : غايته ، ورجل نَهٍ ونَهِيُ من قوم نَهِين وأَنْهياء ، ولقد نَهُوَ ما شاء ، كلُّ ذلك من العقل ، وسمي العقل نهية لأنه يُنتَهى إلى ما أَمَرَ به ، ولا يُعْدَى أمرَه.

وقال النضر : النَّهِيَّة : الناقة التي تناهت شحماً وسِمَناً ، وجَمَلٌ نَهيٌ.

وقال الأصمعيّ : جَزُورٌ نَهِيّةٌ ، أي سمينة.

وحكي عن أعرابيّ أنه قال : للخَبزُ أحبُّ إلي من جَزورٍ نَهِيَّة ، في غَداةٍ عَرِيَّة.

ابن شميل : استَنْهَيْتُ فلاناً عن نفسه فأَبى أن ينتهي عن مساءتي ، واستنهيت فلاناً من فلان أقُولُ للناس : أغنُوه فإنه قد ظَلَمني وإنّي أستَنهي منه فأنهوه ، واعذرُونى منه

٢٣١

وقد استنهيت فلاناً من فلان ، إذا قلت له : انهَهُ عني.

والنِّهْي : الغدير حيثُ يتحير السيل في الغدِير فيوسِّع ، والجميع النِّهاء. وبعض العَرَب يقول : نِهْيٌ ، وبعض يقول : تَنْهِيية ، وجمعها التَّناهي.

وقال أبو عمرو : التناهي حيث ينتهي الماء ، واحدتها تنهية.

وقال الليث : قال أبو الدُّقَيْش : نِهاءُ النهار : ارتفاعه قِرابَ نصفِ النهار.

ويقال : ما تنهاه عنا ناهية ، أي ما تكُفُّه عنا كافة ، والإنهاء : الإبلاغ ، وتقول : أنهيتُ إليه السهمَ ، أي أوصلتُه إليه ، وأنهيتُ إليه الكتابَ والرسالةَ.

أبو عبيد عن أبي زيد : هذا رجل نَهْيُكَ مِن رجل ، وناهِيكَ من رجل ، أي كافيك من رجل.

وقال اللحيانيّ : بلغت مَنهَى فلانٍ ومَنهاتَه ، ومُنهاه ومُنهاته.

شمر عن أبي عدنان عن الكلابيّ ، يقول الرجل للرجل إذا وَلِيتَ ولاية فانْهِ ، أي كُفَّ عن القبيح.

قال : وانْهِ بمعنى انْتَهِ. قاله بكسر الهاء وإذا وقف قال فانْهِهْ أي كُفَّ.

وقال ابن السكيت : النَّهاة : الوَدَعة ، وجمعها نَهاً. وبعضهم يقول النهاءُ ممدود.

وقال ابن دريد : النَّهاء ممدود ، وقال ابن دريد : النَّهاءُ : القوارير ، لا أعرفُ لها واحداً من لفظها.

وفلان يركب المناهِي ، أي يأتي ما نُهي عنه.

هون ـ هين : قال الليث : الهَوْن : مصدرُ الهيِّن في معنى السكينة والوقار ، تقول : هو يمشي هَوْناً ، وجاء عن عليّ عليه‌السلام أَحْببْ حبيبَك هوناً ما وتقول : تكلَّمْ على هِينَتِك ، ورجل هَيِّن لَيِّن وهَيْنٌ لَيْنٌ.

والهَوْن : هَوَان الشيء الحقير الهيِّن الذي لا كَرامةَ له. وتقول : أهنتُ فلاناً وتهاوَنت به واستهنتُ به.

وقال شمر : الهَوْنُ : الرِّفق والدَّعة والهِينة ، قاله في تفسير حديث عليّ ، قال : يقول : لا تفرط في حُبِّه ولا بغضه.

وقال ابن شميل : يقال : أَخَدَ أمره بالهُونَى ، ثأنيثُ الأهْوَن ، وأخذ فيه بالهُوَيْنى وإنك لتعمد للهويني من أَمرك ، أي لأَهْوَنه ، وإنه ليأخذ في أمره بالهُون ، أي الأهون.

قال : وقال بعضهم : الهَوْن والهُون واحد وقال الآخرون : الهُون : الهوان ، والهَون : الرِّفق. وأنشد :

مَررْتُ على الوَرِيقَةِ ذات يوم

تهادى في رداء المِرْطِ هَوْنا

وقال امرؤ القيس :

تميلُ عليه هَوْنةً غير مِعْطالِ*

قال : هَونة : ضعيفة من خِلقتها ، لا تكون غليظة كأنها رجل.

وروى غيرُه : هُونة ، أي مُطاوِعة.

وقال جَنْدَل :

داوَيتُهمْ مِن زمنٍ إلى زَمنْ

٢٣٢

دواءَ بُقْيَا بالرُّقى وبالهُوَنْ

وبالهويْنَا ذائِباً فلمْ أُوَنْ

بالهُوَن : يريد بالتسكين وبالصلح.

وقال ابن الأعرابيّ يقال : هيِّنٌ بيِّنُ الهُون.

وقال ابن شميل : إنه ليهُون عليَ هَوْناً وهواناً.

قال : والهُون : الهَوان : والشِّدَّة. أصابه هُونٌ شديد ، أي شدّة ومَضَرّة وعَوَز.

وقالت خنساء :

تُهِينُ النُّفوسَ وهُونُ النُّفوس*

تريد إهانة النفوس.

وقال الفرَّاء في قول الله : (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ) [النّحل : ٥٩].

قال : الهُون في لغة قريش : الهَوان.

قال : وبعضُ بني تميم يَجعَل الهُونَ مصدراً للشيء الهيِّن.

قال : وقال الكسائيّ : سمعتُ العرب تقول : إن كنت لقليل هُون المَؤُونة مُذُ اليوم ، وقد سمعتُ الهَوانَ في مثل هذا المعنى. قال رجل من العرب لبعيرٍ له : ما بِه بأس غيرُ هَوانِه ، يقول : إنه خفيف الثَّمن.

وإذا قالت العرب : أَقبلَ يمشي على هَوْنِه ، لم يقولوه إلَّا بالفَتْح ، قال الله جلّ وعزّ : (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) [الفُرقان : ٦٣].

قال الفرَّاء : حدَّثني شَرِيك عن جابر الجُعْفيّ عن عكرمة ومجاهد قالا : بالسَّكينة والوَقار.

وقال ابن الأعرابيّ : العرب تَمدَح بالهَيْن اللَّيْن وتَذُمّ بالهيِّن الليِّن.

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المسلمون هَيْنُون لَيْنُون» ، جعلَه مدحاً لهم.

أنه : أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ : رجلٌ نافِسٌ ونفِيسٌ وآنِهٌ وحاسدٌ ، بمعنى واحد.

قال الأزهريّ : هو من أَنَه يأْنِه وأَنحَ يأْنِحُ أَنِيهاً وأَنِيحاً.

نوه : وقال الليث : نُهْتُ بالشيء ونَوَّهْتُ به : إذا رَفَعْتَ بذكْره.

قال : والهَامَةُ إذا صرخت فرفعتْ رأسها.

يقال : ناهَتْ نَوْهاً ، وأنشد لرؤبة :

على إكامِ النّائحاتِ النُّوَّهِ *

إذا رفعْتَ الصوتَ فدعوتَ إنساناً ، قلت : نوّهتُ.

وفي حديث عمرَ : أنا أوّلُ من نَوَّه بالعرب.

قال شمر : يقال : نوَّه فلانٌ بفلانٍ ، ونَوَّه باسمه ، إذا رَفَعه وطَيَّرَ به وقَوَّاه.

والنَّوْهَةُ : قوّة البَدَن.

قال : وقال ابن الأعرابي : التّمر واللبن تَنُوهُ النفسُ عنهما ، أي تَقوى عليهما.

وقال الفرّاء : أعطِني ما يَنُوهُنِي أي ما يَسُدّ خَصاصَتي ، وإنها لتأكل وما يَنُوهُها ، أي لا يَنْجَع فيها.

وقال ابن شميل : ناهَ البَقلُ الدَّوابَ يَنُوهُها ، أي مَحَدَها ، وهو دُونَ الشِّبَع ،

٢٣٣

وليس النَّوْه إلّا في أوّل النَّبْت ، فَأَمَّا المَجْدُ فَفي كُلٍّ.

ونوَّهْتُ باسمِه ، إذا دعوْتَه وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ ، قال : قال أعرابيٌّ : إذا أكلْنا التَّمْرَ وشَرِبْنا الماء ناهَتْ أنفُسُنا عن اللحم تَنُوه نَوْهاً ، أي تركتْه النفسُ وأَبَتْه.

وأَنشد :

يَنهُون عن أَكلِ وشربِ مثله*

قال : وهذا مقلوبٌ وإلّا فلا يجوز.

أبو عبيد عن أبي عمرو : المُهْوَأَنُ : المكان البعيد.

وقال شمر : يقال مُهَوَأَنّ ومُهَوَئِنّ ، وأنشد :

من مُهْوَأَنَ بالدَّبَا مدبوش*

ويقال : إنه لَهَوْنٌ من الخيل ، والأنثى هَوْنة إذا كان مِطواعاً سَلِساً.

وهن : قال الليث : الوَهْن : الضَّعْف في العمل والأمْر ، وكذلك في العَظْم ونحوه. وقد وَهَنَ العَظْمُ يَهِن وَهْناً وأَوْهَنَه يُوْهِنُه ، ورجلٌ واهِنٌ في الأمر والعَمَل ومَوْهُون في العَظْم والبَدَن. والوَهَن لغةٌ فيه.

وأنشد :

وما إنْ بعظْمٍ لهُ من وَهَنْ *

والوَهِين بلُغة أهل مضر : رجلٌ يكونُ مع الأجير في العمل يحثّه على العمل. وقيل في قول الله جلّ وعزّ : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) [لقمَان : ١٤] أي حملتْه ضعفاً على ضَعْف ، أي : لزمها لحملِها إيّاه أَنْ ضَعُفَتْ مَرَّةً بعد مَرَّة.

وقال الله جلّ وعزّ : (فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) [آل عِمرَان : ١٤٦] أي فما فَتَروا وما جَبُنوا عن قتالِ عدوّهم.

وقال شمر : المُهْوَئنّ : الوَطِيءُ من الأرض نحو الهِجْل والغائط والوادي ، وجمعُه مُهْوَئنّات ، والوهدَة مُهْوَئنٌ ، وهي بُطونُ الأرض وقَرارُها ، ولا تُعَدّ الشِّعاب والمِيث من المهْوَئنِّ ، ولا يكون المهْوَئنّ من الجبال ولا في القِفاف ولا في الرِّمال ، ليس المهْوَئِن إلّا من جَلَد الأرض وبطونها.

قال : والمُهْوَئِنُ والخَبْثُ واحد ، وخُبُوت الأرض : بطونُها ، وقال الكميت :

لما تَحرّم عنه الناسُ رَبْرَبه

بالمهْوَئنِّ فمرْمِيٌّ ومُحْتَبَلُ

ويقال للمُهْوَئنِ : ما اطمأنّ من الأرض واتّسَع ، واهوَأَنّت المفَازَةُ ، إذا اطمأنّت في سَعَة.

وقال رؤبة :

ما زال سُوءُ الرَّعْي والنِّتاجِ

بمهْوَئنٍّ غير ذي لَمَاجِ

وطولِ زَجْر نجلٍ وعاجِ

شمر عن الأشجعيّ : الواهِنَةُ : مرضٌ يأخذ في عَضُد الرِّجْل فتَضْرِبها جاريةٌ بِكْر بيَدِها سبعَ مرّات ، وربما عُقِد عليها جِنْسٌ من الخرز ، يقال له : خَرَزُ الواهنة ، وربما ضربها الغُلام ، ويقول : يا واهِنَةُ تَحَوَّلي بالجارية ، وهي لا تأخذ النِّساء ، وإنما تأخذ الرجال.

عمرو عن أبيه قال : الوَهْنانة من النِّساء : الكَسْلَى عن العمل تنعُّماً.

٢٣٤

أبو عبيد : الوَهْنانةُ : التي فيها فَتْرَةٌ.

ويقال : كان وكان وَهْنٌ بذِي هَنَاتٍ ، إذا قال كلاماً باطلاً يتعلّل به.

أبو عبيد : المَوْهِن والوَهْن : نحوٌ من نِصْفِ الليل.

وقال الليث : أوهنَ الرجُل : دخل في ساعةٍ من الليل.

قال : والوَهْن : ساعةٌ تمضي من الليل.

يقال : لقيتُه مَوْهِناً ، أي بعد وَهْن.

قال : والواهن : عِرقٌ مستبطِنٌ حَبْلَ العاتِق إلى الكَتِف ، وربّما وَجِعَه صاحبُه فيقول : هِنِي يا واهِنة اسكُبي يا واهنة ، قلت : ويقال للّذي أصابَه وجَعُ الواهنة : مَوهُون ، وقد وُهِن ، وقال طَرَفة :

إنّني لستُ بمَوْهُونٍ فَقِرْ*

يقال : أوهَنُه الله فهو مَوْهون ، كما يقال : أَحَمَّه الله فهو مَحْموم ، وأَزْكَمَه الله فهو مَزْكوم ، ويقال للطائِر إذا ثَقُل من أكْل الجِيف فلم يَقْدِر على النُّهوض : قد توَهَّن تَوَهُّناً ، وقال الجَعديّ :

تَوهَّن فيهِ المَضْرَحِيّةُ بعد ما

رأَيْنَ نَجِيعاً من دَمِ الجَوْفِ أَحْمَرَا

والمَضْرَحِيّة : النُّسور ههنا. وقال النضر : الواهِنَتان : عَظْمان في تَرقُوة البَعير ، والتَّرْقُوَة من البعير : الواهنة ، يقال : إنه لشديد الواهِنَتين ، أي شديد الصَّدْر والمُقَدِّم ، وتسمَّى الوَاهِنة من البَعير : النَّاحِرَة ، لأنّها ربّما نَحرَت البعيرَ بأن يُصرَعَ عليها فينكسر ، فَيُنْحر البعير فلا يُدرك ذَكاته ، ولذلك سمِّيتْ ناحرةً ، ويقال : كوَيْناه من الوَاهنة ، والواهِنَة : الوجع نفسُه ، وإذا ضَرَب عليه عِرقٌ في رأسِ مَنكِبَيُهِ قيل : به واهِنة ، وإنه لَيشتكِي واهنَتَه.

أهن : قال الليث : الإهان هو العُرْجون ، يَعنِي ما فوق الشَّماريخ ، ويجمع أُهُناً ، والعَدَد ثلاثة آهِنَةٍ ، وأَنشدَني أعرابيّ :

منحتَني يا أكرمَ الفتْيانْ

جُبَّارة ليست من العَيْدانْ

حتى إذا ما قُلتُ : الآنَ الآن

دبَّ لها أسوَدُ كالسِّرْحانْ

بِمخْلَبٍ يختذِم الإهانْ

باب الهَاء والفاء

[هف (وايء)]

هفا ، وهف ، هاف ، فاه ، وفه.

هفا : قال الليث : الهَفْو : الذَّهاب في الهَواء ، ويقال : هَفَت الصُّوفةُ في الهَواء فهي تَهفُو هَفْواً وهُفُوّاً ، والثَّوْبُ وَرِفارِفُ الفَسْطاط ، إذا حرّكَتْه الرّيحُ قلت : يقال : هو يَهْفُو وتَهْفو به الرِّيح.

والهَفْوَة : الزَّلَّة ، وقد هَفَا ، ويقال الظَّلِيم إذا عَدَا : قد هَفَا ، والفُؤادُ إذا ذَهَب في إثْرِ شيء قيل : قد هَفَا ، ويقال : الألف الليّنة هافِيَةٌ في الهَواء. قلت : وسمعتُ العرب تقول لضَوَالِّ الإبل : هي الهَوافِي بالفاء ، والهَوامِي ، الواحدة هافِيَة وهامِيَة.

وقال أبو سَعيد : الهَفاة : خَلِقَة تَقدُم الصَّبِير ليستْ من الغَيْم في شيء ، غير أنّها تَستُر عنك الصَّبير ، فإذا جاوزتْ بدا لك الصَّبير ، وهو أعناقُ الغَمام الساطعة في

٢٣٥

الأفُق ، ثم يَرْدَف الصَّبيرَ الحَبِيُّ وهو ما استكَفَّ منه وهو رَحَا السّحابَة ، ثم الرَّباب تحت الحَبِيّ ، وهو الّذي يَقدم الماء ثمّ رَوَادِفُهُ بعد ذلك ، وأنشد :

ما رَعدتْ رَعْدةً ولا بَرَقتْ

لكنها أنشأت لنا خَلَقهْ

فالماء يجري ولا نظام له

لو يَجدُ الماءُ مَخرَجا خَرَقهْ

قال : هذه صفة غيث لم يكن برِيح ولا رَعْدٍ ولا بَرْق ، ولكن كانت دِيمةً ، فوَصَف أنها أَغدَقَتْ حتى جَرَتْ الأرضُ بغيرِ نظامٍ ونظامُ ، الماء : الأودِية.

أبو زيد : هَفَوتُ في الشيء هفْواً إذا خفَّفْتَ فيه وأَسْرَعْتَ ، قالها في الذّي يَهْفو بين السّماء والأرض.

وفلان يَهْفُو فؤادُه ، إذا كان جائعاً يَخْفُق فؤادُه. والهَفْو : المَرّ الخفيف.

أبو زيد ، الهَفَاءة وجمعُها الهَفاء : نحوٌ مِن الرِّهْمة.

وقال العنبريّ : أفاةٌ وأفاءَةٌ.

وقال النضر : هي الهَفَاءَةُ والأَفاءَة والسُّدُّ والسَّماحِيق والجِلْب والجُلْب.

وهف : قال الليث : الوَهْف مِثلُ الوَرْف وهو اهتزاز النّبات وشدّةُ خُضْرته ، يقال : هو يَهِف ويَرِف وَهِيفاً وَوَرِيفاً.

أبو عبيد عن أبي زيد : ما يُوهِف له شيء إلا أَخَذَه ، أي ما يرتفع له شيء إلا أَخَذَه ، وكذلك ما يَطِفُّ له شيء وما يُشرِف إيهَافاً وإشْرافاً.

ورُوِي عن قتادة أنّه قال في كلام له : كلما وَقفَ لهم شيء من الدّنيا أخَذُوه ، معناه ما بَدا لهم وعَرَض. ويقال : وهفَ الشيءُ وهفَا يَهْفُو ، إذا طارَ ، وقال الراجز :

سائلةُ الأصْداغِ يَهْفُو طاقُها*

أي يطير كساؤها ، ومنه قيل للزَّلة : هفْوَة.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل أنّه قال : الواهف قَيّم البَيْعَة قال : ومنه قول عُمَر في عَهدِه للنّصارى : ويُترَك الواهفُ على وَهافَتِه.

قال : وَهف يَهِف وَهْفاً.

قال : ومنه قول عائشة في صفة أَبيها : قلّده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وَهْفَ الدِّين ، أي قَلَّدَه القيام بشَرَف الدِّين بعدَه ، كأنّها عَنَتْ أَمَره إيّاه بأن يُصلِّي بالنَاس في موضعه.

وقال ثعلب : قال غير ابن الأعرابيّ : يقال : وَهْفٌ وهفْوٌ ، وهو المَيل من حَقٍّ إلى باطل وضعف. قال : وكلا القولين مَدحٌ لأبي بكر ، أحدُهما القيامُ بالأمر ، والآخَر رَدُّ الضَّعْف إلى قوَّة الحق.

وفه : قال الليث : الوافِهُ : القَيِّم الذي يقوم على بيت النّصارى الذي فيه صَليبُهم بلُغة أهل الجزيرة.

وفي الحديث «لا يُغيَّرَ وافِهٌ عن وَفْهِيَّتِه ولا قِسِّيس عن قِسّيسّيتِه».

قلت : ورواه ابن الأعرابيّ : واهِف ، وكأنهما لغتان.

وقال ابن بزرج : وافِه ، كما قال الليث.

وقد جاء في بعض الأخبار : واقِهٌ بالقاف.

والصواب الفاء.

٢٣٦

هيف : قال الليث : الهَيْف : ريح باردة تجيء من مَهَبّ الجَنوب ، وهي أيضاً كلُّ ريحٍ سَمُوم تُعَطِّشُ المالَ وتُيَبِّسُ الرَّطْب ، وقال ذو الرمّة :

وصَوّح البَقْلَ نئَّاجٌ تجيءُ به

هَيْفٌ يَمانيَّةٌ في مَرِّها نَكَبُ

الحرانيّ ، عن ابن السكيت : الهَيْف والهُوف ريحٌ حارّة تأتي مِن قِبَل اليَمن.

قال : والهِيفُ جَمْعُ أَهْيَف وهَيْفَاء ، وهو الضَّامِر البَطْن.

وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال : نكساء الصَّبَا والجَنوبِ مِهْيَافٌ مِلْوَاحٌ مِيباسٌ للبَقْل ، وهي التي تجيء بين الرِّيحين.

قلت : والذي قاله الليث في الهَيْف إنه ريحٌ باردةٌ خطأ. لا تكون الهَيْفُ إلَّا حارّة.

ورَوَى أبو عبيد عن الأصمعيّ أنّه قال : الهَيْف : الجَنوبُ إذا هبّت بِحرٍّ.

وقال الليث : رجلٌ مِهْياف هَيُوف : لا يَصْبِر عن الماء.

قال : والهَيَف : دِقّة الخَصْر ، والفِعْل هَيِفَ ، ولغه تميم : هافَ يَهافُ هَيَفاً.

وقال اللّحيانيّ : يقال للعَطْشان : إنّه لَهَافٌ ، والأنثى هافَةٌ.

وقال الأصمعيّ : الهافةُ : السّريعة العَطش ، وهي المِهياف والمِهْيَام.

فوه : قال ابن شميل : رجل مُفَوَّهٌ ومُسْتَفِيهٌ أي شديد الأكل ، وشدَّ ما فَوَّهْتَ في هذا الطعام وتَفَوَّهْتَ وفُهْتَ ، أي شدَّ ما أكلْتَ ، وإنّه لمفوَّهٌ ومُسْتَفِيهٌ في الكلام أيضاً ، وإنّه لذو فَوْهَةٍ ، أي شديدُ الكلام بسيطُ اللّسان.

قال : وفاهَاه ، إذا ناطَقه وفاخَرَه. وهافاه ، إذا مايَلَه إلى هواه.

وقال الليث : الفُوه : أصلُ بناءِ تأسيسِ الفم ، تقول : فاهَ الرجلُ بالكلام يَفُوه إذا لفَظ به ، وأنشد لأميّة :

وما فَاهُوا به لهمُ مُقيم*

ورجُلٌ مُفوَّه : قادرٌ على الكلام وقال أبو زيد : قد استفاه استِفاهَةً في الأكل ، وذلك إذا كان قليلَ الطُّعْم ، ثم اشتدَّ أَكْله وازداد.

ورجلٌ مُفوَّه تَفوِيهاً ، وهو المِنْطِيق.

والفَيِّهُ الشديد الأكل ، وَالفَيِّهُ : المفوَّه المِنْطِيق أيضاً.

قال أبو زيد : واستفاه الرَّجلُ ، إذا اشتدَّ أكلُه بعد قِلَّة.

ورجلٌ أفوَه : واسعُ الفم. وقال الراجز يصف الأسد :

أَشْدَقُ يَفْتَرُّ افتِرَارَ الأفوَهِ *

وفرَسٌ فَوْهاء شَوْهاء : واسعةُ الفم ، في رأسها طول ، والفَوَه في بعض الصِّفات : خروج الثَّنايا العُلْيا وطولُها.

أبو عبيد : يقال للرجل إذا كان كثيرَ الأكل : فَيِّهٌ ـ على فَيْعِل ـ وامرأةٌ فَيِّهة :كثيرةُ الأكل.

وقال ابن السكيت : رَجل أَفْوَه : عَظيمُ الفَم طويلُ الأسنان ، وكذلك محالةٌ فَوْهَا :

٢٣٧

إذا طالت أسنانُها التي يَجْري الرِّشاء بينها.

قال : ويقال : قَعَد على فُوَّهةِ الطَّريق وعلى فُوَّهة النَّهر ، ولا تقُل فم النهر ، ولا فُوهَة بالتخفيف.

ويقال : إن ردّ الفُوَّهة لشديدة ، أي القالَة : قال ورجلٌ فَيِّهٌ : جيِّدُ الكلام.

أبو عبيد عن الكسائي : أفْوَاه الأزقَّة ، واحدتُها فُوَّهة ، مثل حُمَّرة ، ولا يقال : فَم. قال : ووَاحِدُ أفواه الطِّيب فُوهٌ.

وقال الليث : المُفَوَّهة : فم النهر ، ورأسُ الوادي.

قال : والفُوهُ : عُروق يُصْبَغُ بها. قلت : لم أسمع الفُوهَ بهذا المعنى.

وقال أبو زيد : فاهَ الرجل يَفوه فَوْهاً إذا كان متكلِّماً. وقال غيرُه : هوَ فاهٌ بِجُوعِه ، إذا أظهره وباح به ، قال : والأصل : فائِه بجوعه ، فقيل فاهٌ ، كما قالوا جُرُفٌ هارٌ وهائرٌ ، ويقال لِمحَالة السّانية إذا طالت أسنانُها : إنها لفَوْهاء بيّنة الفَوَه. وقال الراجز :

كَبْدَاءَ فَوهاء كجَوْزِ المُقْحَمِ*

وفي الحديث أنَّ النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج فلمَّا تفَوَّه البقيعَ قال : السلامُ عليكم ، يريد : لمّا دخل فَمَ البقيع.

ويقال : هو يَخافُ فُوَّههَ الناس ، أي قالَتَهُمْ.

وقال أبو زيد : يقال استفاه الرجلُ ، إذا كان قليلَ الأكل ، فازداد أكلُه.

ويقال : ما أَشدَّ فُوَّهَةَ بعيرِك في هذا الكَلأ ، يريدونَ أكلَه ، وكذلك فُوّهة فَرَسك ودابّتك ؛ ومِن هذا قولهم : أفواهُها مَجاسُّها ، المعنى أن جَوْدة أَكلِها يدلُّك على سِمَنها ، فيُغنِيك عن جَسّها.

ويقال : طَلَع علينا فُوَّهةُ إبلِك ، أي أوّلها ، بمنزلة فُوَّهة الطريق.

وأفْواه المكان : أوائله ، وأَرْجُله : أَواخِرُه ، وقال ذو الرّمة :

ولو قُمتُ ما قامَ ابنُ لَيلى لقد هَوَتْ

رِكابي بأفواهِ السَّماوَةِ والرِّجْلِ

يقول : لو قمتُ مقامَهُ انقطعتْ رِكابي.

ويقال للرَّجُل الصغير الفمِ : فُو جُرَذٍ ، وفُو دَبَا ، يُلقّب به الرجل.

ويقال للمنتن ريحِ الفم : فُو فرَسٍ حَمِرٍ.

ويقال : لو وَجَدْتُ إليه فَاكَرِشٍ ، أي لو وجدتُ إليه سبيلاً.

أبو العبّاس ، عن ابن الأعرابيّ : الفُوَّهَة مَصَبُّ النهر في الكِظامَةِ ، وهي السِّقاية.

والفُوّهة : تَقطيعُ المسلمين بعضِهم بعضاً بالغيبة ، يقال : مَن ذا يطيق رَدَّ الفُوَّهة ، والفُوّهة : الفم.

وقال أبو المكارم : ما أحسنتُ شيئاً قَطّ كثَغْرٍ في فُوّهةِ جاريةٍ حسناء ، أي ما صادَفْتُ شيئاً حَسَناً.

أبو عبيد عن أبي زيد ، في باب الدّعاء على الناس : العربُ تقول : فاهَا لِفِيك ، المعنى الخَيْبَةُ لك ، وأصله أنه يريد جَعَل الله بفِيك الأَرضَ ، كما يقال : بفيك

٢٣٨

الحَجَر وبِفيكَ الأثْلَب. وقال رجل من بلْهُجَيْم :

فقلت له : فاهَا لِفِيكَ فإنها

قَلوصُ امرىءٍ قارِيكَ ما أنت حاذِرُهْ

قال شمر : سمعتُ ابنَ الأعرابيّ يقول : فاهاً بفِيكَ منّوناً ، أي أَلصَقَ الله فاكَ بالأرض ، ورواه أبو نصر عن الأصمعيّ : فاهَا بفِيك ، غيرَ منوَّن ، يريد فا دَاهِيَةٍ.

قال : وقال بعضهم : من قال فاهاً بِفيكَ ، فَنَوَّن ، دَعَا عليه بكَسْر الفَمِ ، أي كَسَر الله فمه.

قال : وقال سيبويه : فاهَا بِفيكَ غير منون ، إنما يريد فَا الدّاهيةِ ، وصار الضميرُ بدلاً من اللفط بالفِعْل ، وأَضمر له كما أَضْمَرَ للتُّرْب والجَنْدَل ، وصار بَدلاً من اللفظ بقوله : دَهَاك الله.

قال : ويدلّك على ذلك قولُه :

وداهيةٍ مِن دَواهِي المَنُو

نِ يَرهَبُها الناسُ لا فَا لَها

فجعَل للداهية فماً. وقال الآخَر :

لئن مالِكٌ أَمسَى ذليلاً لَطالَ ما

سَعَى للّتي لا فَا لَها غيرَ آيِبِ

أراد لا فَمَ لها ولا وَجْه ، أي الدّاهية.

والعرب تقول : سَقَى فلانٌ إبِلَه على أَفْواهها ، إذا لم يكن جَبَى لها الماءَ في الحَوْض قَبْلَ وِرْدِها ، وإنما نَزَع الماءَ نَزْعاً على رؤوسها وهذا كما يقال : سَقَى إبِلَه قَبْلاً.

ويقال أيضاً : جَرَّ فلانٌ إبلَه على أفواهِها ، إذا تركَها تَرعَى وتَسير. قاله الأصمعيّ ، وأنشد :

أَطلَقَها نِضْوَ بُلَيٍّ طِلْح

جَرَّا على أَفواهِها والسْجحِ

بُلَيّ تصغيرُ بِلْوٍ ، وهو البعير الّذي بَلاه السَّفَرُ ، وأراد بالسُّجْح خَراطيمَها الطِّوال.

ومن دعائهم كَبَّهُ الله لِمنْخَريه وفمِه ، ومنه قولُ الهُذَليّ :

أَصخْرَ بنَ عبدِ الله من يَغْوَ سادِراً

يَقُلْ غيرَ شَكِّ لليدين ولِلفم

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الأهْفاء الحَمْقَى من الناس ، والأفْهاء : البُلْه من الناس.

وقال : فَهَا إذا فَصُح بعد عُجْمه ، وفاهَ إذا تَكلَّم يفُوه فَوْهاً.

باب الهاء والباء

[هب (وايء)]

هبا ، هاب ، بها ، باه ، وهب ، وبه ، أبه ، أهب ، بهو ، بهى.

هبا : قال ابن شميل : الهبَاء : التّراب الّذي تُطيِّره الرِّيحُ ، فتَراه على وجوه الناس وجلودِهم وثيابِهم يَلزَق لزُوقاً.

وقال : أَقول : أرَى في السَّماء هَباءً ، ولا يقال : يومنا ذُو هَباء ، ولا ذو هَبْوَة.

والهابي من التُّراب : ما ارتفع وَدَقّ. ومنه قولُ الشاعر :

تزوَّدَ منَّا بين أذْناهَ ضَربةً

دعتْه إلى هابي التُّرابِ عَقيمُ

٢٣٩

وقال الليث : الهَبْوَة : غُبَارٌ ساطعٌ في الهواء كأنّه دُخان.

وقال رؤبة :

في قِطَع الآلِ وهَبْواتِ الدُّقَقْ*

ويقال : هبا يَهْبو هَبْواً ، إذا سَطَع ، وهبَا الرَّماد يَهبو إذا اختلط بالتراب ، وتراب هابٍ.

وقال مالكُ بنُ الرَّيب :

ترَى جَدَثاً قد جرَّت الريحُ فوقَه

تراباً كلَون القَسْطلانيِ هابيا

والهبَاء : دُقاق التُّراب ساطعُه ومنثورُه على وجه الأرض.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : إذا سكن لَهَبُ النّار ولم يَطفَأ جَمْرُها : قيل : خَمَدَتْ ، فإِن طَفِئتْ البتّة ، قيل : هَمَدت ، فإذا صارت رَماداً قيل : هَبَا يَهْبُو ، وهو هابٍ ، غير مهموز.

قلتُ : فقد صحّ هبَا للتّراب والرّمادِ معاً.

وأما قولُ الله جلّ وعزّ : (هَباءً مُنْبَثًّا) [الواقِعَة : ٦] فمعناه أن الجِبالَ صارت غُباراً ، ومِثلُه : (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) [النّبإِ : ٢٠] ، وقيل : الهباء المُنبَثّ : ما تُثِيره الخَيْل بحَوافرها من دُقاق الغُبار.

ويقال لما يَظهر في الكُوَى من ضَوْء الشمسِ : هَباء.

وفي الحديث : أنّ سُهيل بنَ عَمرو جاء يتهبّأ كأنّه جَملٌ آدم.

يقال : جاء فلانٌ يتَهبَّى إذا جاء يَنفُض يَدَيْه ، قال ذلك الأصمعيّ ، كما يقال : جاءَ يَضرِب أَصْدَرَيه ، إذا جاء فارغاً.

ويقال : أهبَى الترابَ إهبَاءً ، إذا أثاره ، وهي الأهابيُ ، ومنه قولُ أوْس بن حَجَر :

أهابِيَ سَفْسافٍ من التُّراب تَوْأمِ*

وأنشد أبو الهيثم :

يكون بها دليلَ القوم نجمٌ

كعَين الكلْب في هُبَّى قِبَاعِ

قال : وَصَف النجمَ الهابي الّذي في الهباء فشبّهه بعَين الكَلب نَهاراً ، وذلك أن الكلب باللّيل حارِسٌ ، وبالنهار ناعِس ، وعَين الناعس مُغمَّضة ، ويبدو من عينيه الخَفِيُّ ، فكذلك النّجم الّذي يُهتَدى به هو هابٍ ، كعيْن الكلب في خَفائه.

وقال في هُبَّى : وهي جمعُ هابٍ ، مثل غازٍ وغُزَّى ، المعنى أنّ دليل القوم نجمٌ هابٍ ، أي في هباء يخفَى فيه إلّا قليلا منه ، يَعرِف به الناظرُ إليه أي نجمٍ هو ، وفي أي ناحيةٍ هو ، فيَهتدِي به ، وهو في نجوم هُبَّى ، أي هابِيَةٌ ، إلّا أنّها قِباعٌ كالقَنافِذ إذاً قَبعتْ فلا يُهتدَى بهذه القِباع. إنما يهتدَى بهذا النجم الواحد الذي هو هابٍ غير قابعٍ في نجوم هابِيَه قابِعَة ، وجمع القَابع على قِباع ، كما جَمَعوا صاحباً على صِحَاب وبَعيراً قامحاً على قِماح.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : هَبَا إذا فَرَّ ، وهَبَا إذا مات أيضاً ، وتَهَا إذا غَفَل ، وَذَها إذا تكبَّر ، وهذا إذا قَتَل ، وهَزَا إذا سارَ ، وثَهَا إذا حَمُق.

بهو ـ بهي : قال ابن السكيت : بَهَأْتُ به وَبَهِئْتُ به ، إذا أنِسْتَ به ، وأنشد :

٢٤٠