موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

الصبر على هذه الأعمال وأبدى لكلب علي خان خشونة وشدة فعصى عليه واستولى على جميع الأسرى فأرجعهم إلى أوطانهم.

علمت الدولة ضعفا في عبد الله باشا وأن لا فائدة منه في استخلاص البصرة وتجاه توغلات ايران فندمت على نصبه واليا. ظنت المماليك قوة كبيرة تستطيع صد ايران وغيرها من العشائر القوية فكان الواقع على خلاف ذلك. وعلى هذا لامت سليم أفندي الذي صار سببا في نصبه فأبدى أنه إذا عين فتح البصرة. وهنا لا ننسى أن فكرة القضاء على المماليك تجددت لما شعرت الدولة بضعف فيهم وليست البصرة وحدها كل الأمنية. ومن جهة أن حسن باشا لم يسكت عن التنديد بالوالي من جراء عدم إرسال المدد إليه فكان يتطلب الولاية لنفسه. ومن ثم تولد انشقاق ولذا قوي الأمل مرة أخرى في القضاء على المماليك (١).

حوادث أخرى :

١ ـ في سنة ١١٩١ ه‍ قتل سلطان آل محمد الخزعلي. ومات حمد الحمود الخزعلي أيضا (٢).

سليم أفندي :

تعهد سليم أفندي بحل هذه العقدة. فلما وصل بعث أملا في استرداد البصرة. ولكن لم يلبث أن زال. وجدوه منهمكا بالشرب ميالا إلى الأهواء النفسية. فمن حين وروده اختبره (عجم محمد) خازن عبد الله باشا فساقه إلى الملاذ وانهمك في الشرب بحيث نسي أنه أودع إليه أمر آخر وهو القضاء على المماليك.

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٧٢.

(٢) مجموعة عمر رمضان. عندي بخط جامعها.

٨١

كان عجم محمد هذا في الأصل من ايران. وفي أيام سليمان باشا جاء إلى بغداد وتوظف فاشتهر أمره. ثم صحا سليم أفندي من سكرته فوجد البصرة لا تزال بيد الاعداء وأن الدولة تنتظر منه العمل في استخلاصها. وحينئذ شاور بعض رجاله في بغداد لاتخاذ تدبير ناجع فقر الرأي على ارسال محمد بك الشاوي إلى كريم خان الزندي للمفاوضة. أما عجم محمد فطمح في نيل الوزارة ودخل في ذهنه حب الرئاسة خصوصا أنه بوظيفة خازن لدى عبد الله وبيده مقاليد الحلّ والعقد. ونسي الماضي البعيد. ولذا أكرم سليم أفندي إكراما عظيما فجعله راضيا عنه لحد النهاية فاضطر لمساعدته. حتى أنه أعطاه كيسا من مجوهرات.

أما عبد الله باشا فقد كان مصابا بالسل. ولذا لم يستطع مزاولة الشؤون. وكان الوالي الذي يتوفي أو يعزل اعتيد أن يعين كتخداه مكانه. ولم تجر العادة أن يعين الخازن واليا. وعلى هذا وبناء على التماس عجم محمد طلب سليم أفندي من عبد الله باشا عزل كتخداه إسماعيل الكهية ونصب عجم محمد مكانه ففعل (١).

حوادث سنة ١١٩٢ ه‍ ـ ١٧٧٨ م

وفاة الوزير عبد الله باشا :

كانت مدة حكم عبد الله باشا في بغداد سنتين. ولم يوفق لأمر مهم.

قال صاحب عنوان الشرف :

«عبد الله باشا كتخدا عمر باشا. ولما قتل عمر باشا ولي بغداد مصطفى باشا الاسبيناقجي ، فهرب عبد الله باشا باتباعه ، وأقام خارج

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٧٢.

٨٢

بغداد سنة ١١٨٩ ه‍ إلى أن دخلت سنة ١١٩٠ ه‍ فولي الوزارة ودخل بغداد ، وأرسل العساكر فملكوا جسّان (جصّان) وبدرة انتزعوها من الإيرانيين وقبض أهل مندلي على واليهم خالد باشا ابن سليمان باشا آل بابان وقتلوه وحملوا رأسه إلى بغداد. وفي سنة ١١٩١ ه‍ عاد عسكر الروم إلى بلادهم. وفي سنة ١١٩٢ ه‍ توفي عبد الله باشا. وهو زوج عائشة خانم بنت أحمد باشا» اه (١).

وفي المطالع ما ملخصه : إن عبد الله باشا كان سبب الاختلال في أيامه تقاعده عن نصرة البصرة وأنه ولى أموره (عجم محمد) ، ولم يكن من أوصافه ما يحمد ، ولا هو من بيوت الرئاسة ، ولا من ذوي الإيالة والسياسة ... ورد من العجم ... وشاربه ما طر ... ومعه أختاه وأمه ، ففاز قدحه ... وذلك لكونهن يرقصن عند اولئك الاكابر ، والذين هم في الحقيقة أراذل وأصاغر ، .. (وبعد أن عدد أوصافه قال) : ومع هذا تنقلت به الأحوال ، حتى نال من المراتب ما نال ، فإنه قبل عبد الله باشا صار عند عمر باشا دوادارا ، ففتح له من الظلم أبوابه ، ووشى إليه بوشايات بها إبليس شابه ، وهرب أكثر التجار من أجله ، منهم من هرب بنفسه ، ومنهم بأهله فكان أظلم من أفعى ... حتى أنه لما قتل الوزير عمر ، فرح الناس بخلاصهم من دواداره ... وعاد على عبد الله باشا شره ، وأغرقه من مكره بحره ، لتفويضه الأمور إليه ، وتأخيره بتقديمه صدوره ، فإنه صيره خازندار ، فطاف عليه بالبوار ودار ، حتى أنه لما أرسل السلطان لعبد الله باشا خزائن جمّة ، ليستعين بها على فتح البصرة الذي هو من أعظم ما أهمه ، دار ذلك الفاجر من خلفها ومن بين يديها ، احترفها لنفسه واحتوى عليها ، وأبان لوزيره أنه صرفها في أموره ، ولبلادة ذلك الوزير الذي ما يعرف قبيلا من دبير ، صدّق ما أبانه له وتحققه ... فإن عبد الله باشا أعيى من باقل ، ومن

__________________

(١) عنوان الشرف ص ٤٠٧ مخطوطة عندي. وهو لياسين العمري.

٨٣

الحمق بحيث لا يعرف الصاعد من النازل ... وأخلد عبد الله باشا من البلادة إلى قعر مهواها ... أن السلطان ... وجه من العسكر ... لاستخلاص البصرة ... ففرقه خازنداره وهو لا يدري ... وكتب ذلك الخازندار على لسانه ، إلى الدولة أن لا حاجة إلى العسكر ... لكونه مواليا للعجم بباطنه (١).

والحاصل أن عجم محمد تمكن من استهواء عبد الله باشا ، وكذا تسلط على سليم أفندي بما لا مزيد عليه حتى نال منصب كتخدا ليتوصل إلى الوزارة إذ هي سلمها ... وفي الحقيقة كان الوزير عجم محمد لا عبد الله باشا ولا غيره.

اضطراب الحالة :

وحين وفاة الوالي وقع الاختيار على سليم أفندي ليكون قائممقاما نظرا إلى أنه من أكابر رجال الدولة ، وأنه موظف مرسل من جانبها فاتفق الكل عليه. فكانت الوجهة مصروفة ظاهرا إلى أن يعهد إليه بهذا المنصب فيسد باب الفتنة فيطوي خبر المماليك. إلا أن الكتخدا السابق عجم محمد من جهة ، والكتخدا الأسبق إسماعيل الكهية من الجهة الأخرى يطالبان بمنصب الوزارة فكل منهما يدعو لنفسه ويكوّن حزبا. وأن بغداد انقسمت إلى شقين. وبترغيب من سليم أفندي وحثه صار أهل الميدان والمهدية والقراغول ومحلة محمد الفضل جميعهم ، وأكثر العثمانيين وكذا الينگچرية برئاسة محمد آغا مالوا إلى محمد الكهية (عجم محمد) لعلمهم أن سليم أفندي موظف الدولة فتابعوا رغبته ونفروا من إسماعيل الكهية. وأن الذين التزموا جانبه أبدوا أن محمد الكهية ايراني الأصل ، وأنه إذا نال غرضه رجع إلى أصله وحينئذ يخشى أن

__________________

(١) مطالع السعود ص ٥٦.

٨٤

يسلم بغداد إلى ايران. لذا نفروا منه ووافقوا إسماعيل الكهية. وهكذا كان قولهم في آغا الينگچرية محمد آغا. بينوا أنه ايراني الأصل ولا يبعد أن يحن إلى قومه. وهذا هو الظاهر وفي الحقيقة كانت الدعوة للمماليك ولذا ألصقوا بعجم محمد كل منقصة.

هذه وجهات نظر الأحزاب والدولة آنئذ في غفلة ويظن أن رأيها لا يختلف عن رأي سليم أفندي المرسل من جانبها. وعلى كل دخل عجم محمد القلعة واستولى عليها وتحصن فيها ، وكذا إسماعيل الكهية استقر في داره واتخذ كل منهما متاريس ومهد وسائل النضال فاشعلوا نيران الفتنة وشرعوا في القتال.

أما أهل الكرخ فإنهم لم يميلوا إلى جانب إلا أنهم أخيرا استمد بهم إسماعيل الكهية فظن عجم محمد أنهم مالوا إليه فوجه إليهم المدفع وضربهم. وهذا ما سهل أن يكونوا في جهة إسماعيل ضرورة. فاشتعلت الفتنة أكثر وزاد لهيبها.

رأى سليم أفندي كل ذلك فصار يفكر في طريقة لحل هذا المشكل وحذر الاخطار التي تنجم ووخامة عاقبتها. لذا كان يرى أن عبد الله باشا حينما تعرض له بعض المصاعب يدعو سليمان بك الشاوي فيستعين برأيه ويتخذ له تدبيرا ناجعا يكشف به المعضلة. وفي الحال بعث إليه فجاءه وتذاكر معه فأرسل إلى الطرفين ونصحهما فوقف النزاع وسكنت الفتنة. والحق أنه مضت بضعة أيام لم يقع فيها بين الفريقين تشوّش (١).

محمد بك الشاوي :

وبينا هم كذلك إذ ورد محمد بك الشاوي من شيراز. وكذا جاء معه سفير ايران حيدر خان ورد من جانب كريم خان الزندي ويحكى أن

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٧٣.

٨٥

مجيئه كان للمفاوضة في أمر الصلح بين الحكومتين وأنه يحمل أمرا بخروج الجيش من البصرة إلا أن القضية مقرونة بشروط. وكان معنونا باسم الوالي عبد الله باشا ولكن لا يجسر أحد على فتحه إلا بعد أن يتحقق الوزير. ولو كان هناك أساس للصلح فالآن لا صلاحية لأحد للمداولة فيه ، وأن البصرة لا تزال بيد ايران. أرسل محمد بك الشاوي إلى كريم خان الزندي أيام عبد الله باشا. وجاء في مطالع السعود :

«اتفق أهل العقد والحل ، دفعا لما نزل من الخطب وحل ، أن يطلبوا من كريم خان صلحه ... فاختاروا لتسهيل هذا الصعب ، وتحليل عقد هذا الخطب ، محمد بن عبد الله بن شاوي الحميري ، إذ هو لدهائه وعقله لهذا الأمر حري ، فتوجه على طرف سلهب ، طاويا لكل هوجل وسبسب (ومدحه بأبيات وقال) :

فلما فاوض ذلك الزندي. علم بسبره ما يخفي ويبدي ، ووجد به الزندي ألمعيا ، وخريتا في سباسب الآراء ذكيا ، وضاعف لذلك بره ، ورآه في وجه عصره غره ، ولكن لما عرض له في أسرى البصرة ، أبدى الاشمئزاز ... وقال : ولكن لكرامتك لدينا ... نعدك بالاطلاق ، إذا تم مع السلطان الاتفاق ... فخرج بعد ما وادعه ... فدخل بغداد والفتنة مادة أعناقها ...» اه (١).

عود الفتنة :

تمكن سليمان الشاوي من تسكين الغائلة لمدة يومين أو ثلاثة. ولما كان كل واحد من الزعيمين يأمل أن يكون وزيرا فلا تركد ما لم يقض على واحد منهما. لذا تجدد الخصام واشتد القتال. وكل احتفظ بمتاريسه.

__________________

(١) مطالع السعود ص ٥٧.

٨٦

حاول سليم أفندي مرة أخرى تسكين هذا الاضطراب وطلب سليمان بك الشاوي أيضا لاستطلاع رأيه في طريقة للخلاص من هذه الورطة. فقر رأيه على أن هذه الفتنة نشأت من جانب هذين الشخصين إسماعيل الكهية ومحمد الكهية فينبغي أن لا يبقوا حتى يعين وال إلى بغداد ويجب أن يذهب الاثنان إلى حسن باشا والي كركوك ويقيما عنده إلى أن ينجلي هذا المبهم. فامتثل إسماعيل الأمر وكان في حدّ ذاته صاحب دين وتقوى وثبات فتطلب راحة العباد وترك مطلبه وكف عن دعوته فعبر إلى الكرخ وأن الحاج سليمان بك أركبه فرسا وأرسله إلى كركوك اطفاء لنار الفتنة.

أما محمد الكهية فلم يوافق على هذا الحل وتوقف. وأن أعوانه وحاشيته لم يفترقوا منه. لذا لا يزال متعندا. فلما شاهد الحاج سليمان منه هذا التصلب انكشفت حيلته له وقال مخاطبا الجماعات :

إذا كان الغرض من هذه الجماعة أن يجعل محمد الكهية واليا فهذا من العجم ، وأن الدولة لا يسعها أن توجه بغداد إلى العجم.

فأجابه أهل الميدان : (بلسان عربي وفي لهجة واحدة).

ليكن عجما. فإن الروم عينوا خمسة وزراء من العجم. وهذا سادس.

فقال الحاج سليمان :

بل عينوا سبعة وهذا ثامن ومراده الإشارة إلى الآية الكريمة : (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ).

هذا ، وأن كلام الحاج سليمان موجه إلى العوام وهم كالأنعام بل هم أضل فلم يفهموا مغزى كلامه. فإنه حينما رأى تصلبهم وعنادهم حاذر أن يجبروه على تدوين محضر أو أن يؤخذ منه ختم أو توقيع بذلك

٨٧

قسرا لذا عاد إلى الكرخ خوفا من حدوث شيء من هذا القبيل. وبهذه المرة أشعل هو نار الحرب. فتابعه أهل الكرخ حتى أنهم جعلوا متاريسهم إلى قرب (المولاخانة) أي (جامع الآصفية). فشوّق هؤلاء وهيجهم على محمد الكهية وضيق على خصمه تضييقا مرا.

وأن سليم أفندي كان مقيما في الدنكجية (شارع المأمون) في دار عمر باشا فنقل مكانه إلى دار عبد الله باشا قرب الميدان خوف المضايقة وفي هذه المدة اشتد الأمر بمحمد الكهية وكاد يظهر الشاوي عليه وتبينت علائم النصر. فاضطر لمكاتبة أحمد باشا آغا (رئيس كتيبة) حسن باشا والي كركوك ثم فارقه لأمر ما. وجاء إلى عبد الله باشا بأمل أن يخمده. فضرب خيامه في أنحاء بعقوبة وكانت بينه وبين محمد الكهية صحبة قديمة. فطلب معاونته فأمده وأرسل إليه مقدارا وافرا من اللوند. نصبوا خيامهم تجاه (الشيخ عمر) فأيدوا أهل الميدان.

وكذا الشاوي ألف بين النجادة والموصليين في الكرخ فاستخدمهم لتقوية الجهات الضعيفة. جمعهم في خان جغاله (خان جغان) وقام بكافة مصاريفهم فكثرت جماعته فاستعمل كل جانب ما لديه من قوة فطالت الفتنة خمسة أشهر فاختلت الأمور ولم يسلم من ضررها غني ولا فقير فكم من مثر أصبح فقيرا وكم من فقير صار غنيا وكم وكم .... حتى بلغ الضجر غاية لا تطاق. فصاروا يتضرعون بالدعاء ويلجأون إلى الله تعالى لتخليصهم من هذا البلاء (١).

وزارة حسن باشا

كان النزاع على الوزارة لا يزال قائما وكل من الكهيات طلبها لنفسه وكتب محضرا بالترشيح قدمه إلى دولته. وكذا والي كركوك حسن

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٧٥.

٨٨

باشا رشح نفسه لوزارة بغداد. أما عجم محمد وإسماعيل الكتخدا فقد اخفقا في مسعاهما. فوجهت الوزارة إلى حسن باشا بولاية بغداد والبصرة في أواسط سنة ١١٩٢ ه‍ فوصل إليه البشير وجاء الخبر إلى بغداد. وهنأه الشيخ حسين العشاري بقصيدة (١).

وحينئذ سكن الاضطراب وخرج الأهلون من خطر هذه الفتنة ، وخرج اللوند إلى باش آغا ابن خليل واختفى أرباب الزيغ ومن جملتهم آغا الينگچرية والمطرجي. ذهبوا إلى دشخرو فارين وعاشوا في غربة. لكن محمد الكهية (عجم محمد) لم يترك له المجال لينهزم فبقي وبعض أعوانه في القلعة محاصرا ينتظر الوالي الجديد بكفالة من أهل الميدان على أن لا يفر إلى جانب آخر قبل أن يراه الوزير الجديد. وفي الظاهر أنهم يحرسونه ويراقبون حركاته ليلا ونهارا.

أما الوزير الجديد فإنه مطلع على أحوال المملكة بصير بها. وكان الواجب أن يأتي بأقرب وقت إلى بغداد ولكن الحروب بين أمراء الكرد والحالة التي كانت عليها إيالته اقتضت أن يتأخر في كركوك بضعة أيام.

تفصيل حادثة الكرد :

بعد أن اضطر محمد باشا أن يترك (قلعة چولان) ويقيم في لواء كوى مع تمر باشا ضبط أحمد باشا لواء بابان وعاد جيش ايران إلى الوراء إلا أنه في موسم الربيع خرج محمد باشا من لواء كوى وذهب إلى مكان قريب من لواء بابان مما هو تابع للواء كوى ونصب خيامه. ولما وجهت إيالة بغداد والبصرة إلى حسن باشا علم محمد باشا أن عسكر ايران انسحب ووجد في جيش أحمد باشا قلة وضعفا ، ورأى في نفسه قدرة إذ تابعه الكثير. فهاجم أحمد باشا وتقاتل معه لاعتقاده أن

__________________

(١) ديوان العشاري ص ٣١٤ ودوحة الوزراء ص ١٧٥.

٨٩

حسن باشا يعضده لكن الوزير حاول منعه واقناعه بكل وسيلة فلم يفلح. ولذا لم يخالف الوزير رغبته وعيّن أن يكون تمر باشا وجيوشه معه وكذا رتب له ما في كركوك من اللوندات والطوائف الأخرى وكل ما استطاع من جند فعبر محمد باشا النهر الفاصل بين الطرفين بمن معه ومشى على أحمد باشا.

ولما سمع أحمد باشا بالخبر تقدم هو أيضا بما لديه وكانت تقدر قوته بربع قوة محمد باشا. فتقابلوا في محل قريب من طاشليجة يقال له (جيشانة) فكانت النتيجة أن انتصر أحمد باشا وألقي القبض على كل من محمد باشا وتمر باشا (متصرف كوى) وعلى كثيرين من الأعيان والمعتبرين فقتل حالا تمر باشا وأرسل محمد باشا مكبلا إلى قلعة سروچك (سروجق) وعرض الأمر على حسن باشا وطلب العفو عما بدر منه وبسط معاذيره والتمس أن يشمله بانظاره. أما حسن باشا فإنه نظر إلى القضية بعين البصيرة فقبل معذرته ووجه لواء بابان إليه. ثم أضاف إليه لواء كوى وحرير وأرسل إليه الخلعة الفاخرة. فلم تبق غائلة هناك (١).

الوزير في طريقه إلى بغداد :

وحينئذ توجه إلى بغداد بمن معه إلا أن ابن خليل جمّع على نهر ديالى قوة كبيرة وكانت له آمال فتأهب للنضال. أما الوزير فقد أمده الحاج سليمان بك بخيالة من العبيد وبنحو أربعمائة من فرسان النجادة المسلحين بالبنادق وكذا بغيرهم. وعلى هذا هبط من غرور ابن خليل وصار يخشى على حياته فضلا عن المقاومة والحرب. وحينئذ حفر الخنادق وتحصن هو وجيشه فيها وأرسل وجهاء عسكره للدخالة على

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٧٦.

٩٠

الوزير وطلب الأمان منه. فالوزير نظرا لحلمه عفا عن زلته ونصبه أيضا باش آغا (رئيس كتيبة) وأرسل إليه خلعة فلبسها وتحرك نحو بغداد بعجل وهذا لم يكن حلما من الوزير وإنما أراد أن يقضي على سلطة محمد الكهية (عجم محمد) وقوته فربح قسما من قضيته باستمالة بعض الأعداء إليه.

وفي ١٧ ربيع الآخر دخل بغداد. وفي اليوم التالي رتب الديوان وقرىء فرمانه وقام بشؤون الإدارة فأبدى الرأفة أكثر من اللازم وتجاوز بعفوه عن المفسدين. ولا شك أنه أظهر ذلك حذر أن يرتكب الغلط الذي ارتكبه في لواء بابان فاضطر قسرا لقبول معذرة أحمد باشا. وكذا تسامح في أمر محمد الكهية وأغمض عنه العين. وبهذه الصورة بقي محمد الكهية في القلعة خمسة أيام دون أن يتخذ في حقه أي قرار. لذا دعا محمد الكهية إليه أحمد آغا طيفور وهو كهية البوابين وقال له :

ماذا يبتغي الوزير مني؟ أراه تركني داخل القلعة لا قربني ولا أبعدني وبقيت مهملا فلم يلتفت إلي. وكيف يتسنى له إدارة الوزارة دون أن يقربني؟! وقد قمت بأعمال جليلة ...!!.

أما أحمد آغا فإنه نقل إلى الوزير كلامه. وفي هذه المرة أيضا أغمض العين عنه ولم يبال به. وفي خلال هذه المدة كانت خيالة ابن خليل تأتي إليه كل يوم تنتظره خارج السور. ولما كان له أمل في الوزير لم يشأ أن يذهب إلا أنه لم تظهر نتائج من أقوال أحمد طيفور وبقي في يأس. وفي الليلة السادسة نزل من السور فأخذه الخيالة وجاؤوا به إلى جيشهم. وحينما وصل جعلوه رئيسا واعطوه لقب (باشا) واتفق ابن خليل معه فعصى على الوزير. وجمع هؤلاء أناسا كثيرين معهم وشرعوا في ارتكاب المنكرات وأضرموا نيران الفتنة فقطعت الطرق وزالت الراحة.

٩١

وبينا الوزير يحاول اطفاء فتنتهم والقضاء عليهم إذ انعزل عنهم سبعون بيرقا مع خالد آغا الكيكي (١) وجاؤوا إلى بغداد فاستخدمهم الوالي وجعل خالد آغا (باش آغا) رئيس كتيبة له وكسا الذين جاؤوا معه من البلوگباشية (رئيس رعيل) خلعا تشويقا لهم وترغيبا للباقين وعين خمسين بيرقا (رعيلا) من بيارقهم في الحلة وسيرهم إليها وأبقى العشرين بيرقا الأخرى في بغداد مع رئيس الكتيبة (باش آغا) إلا أنه لم يأمن شر هؤلاء ولذا لم يبعثهم إلى الخارج للتنكيل بالعصاة. فأراد تسكين الاضطراب ، أو التنكيل بالعصاة فطلب أن يأتيه أحمد باشا متصرف بابان بعساكره وسير محمد بك الشاوي لجذبه واقناعه.

وفي هذه الأثناء اشتد العصيان فلم يبق مجال لانتظار أحمد باشا. ولذا بعث كتخداه عثمان الكهية ومعه (دلي باشي) أي رئيس أدلاء وثلة من عسكره كما أن الحاج سليمان الشاوي كتب إلى عشيرة العبيد ليكون خيالتها بمعيته. ولما علم الكتخدا أن خيالة العبيد تحركوا من مكانهم نهض هو أيضا ليلا إلا أن أكثر أهل الميدان كانوا مع العصاة فأخبروهم أن عثمان الكهية خرج عليهم بشرذمة قليلة. وحينئذ عبر محمد الكهية وابن خليل بكل ما عندهم فهاجموا عثمان فجأة ليحولوا دون أن يتصل به العبيد لا سيما أن دلي باشي قد خان فانحاز بمن معه إلى جهة الأعداء. وكذا تبعثر الباقون ولم يرجع عثمان الكهية إلا بعد أن أبلى البلاء الحسن مقبلا مدبرا في حين أنه لم يبق معه سوى خمسة عشر أو عشرين فارسا. فورد بغداد ولم تظهر عليه علائم الهزيمة.

إن مجيئه إلى بغداد بهذه الحالة أحدث تشوشا وكانت القلعة إلى ذلك الحين في يد أهل الميدان وتحت حراستهم. ولكن لم يبق عليهم اعتماد فأخرجوا ووضع غيرهم من اللوند مكانهم. وأن عثمان الكهية قد

__________________

(١) نسبة إلى الكيكية عشيرة كردية (عشائر الشام ج ٢ ص ٣٢٠).

٩٢

حبط عمله. ونظرا لذلك كتب إلى محمد بك الشاوي في التعجيل بإحضار أحمد باشا. وعند وصوله إلى قلعة چولان بادر أحمد باشا إلى امتثال الأمر إلا أنه كان حبس أخاه محمد باشا في قلعة سروچك ففكر في الأمر. ولذا اقتضى أن يبقى بضعة أيام هناك لاتخاذ تدبير. وأن بعضهم زين له قتل أخيه إلا أنه لم يشأ ذلك واكتفى بسمل عينيه وأخذ جميع عسكره ونهض من قلعة چولان وأسرع في المجيء إلى بغداد.

ولما وصل إلى جبل (أزمر) عرض له مرض. ولما جاء إلى قره طاغ تغلب عليه فاضطر إلى التأخر فامتد مرضه نحو ستة أيام أو سبعة فتوفي.

وافى خبر ذلك إلى الوزير فوجهت ألوية بابان وكوى وحرير إلى بقية إخوته وأرشدهم محمود باشا وخلعت عليه خلعة فاخرة وأرسلت مع منشور بوجه السرعة وكتب إليه أن يعجل بالمجيء. أما الباشا فإنه بلا توان وحينما وصل إليه الخبر استصحب كافة الجيوش كما أن الوزير اصدر الأمر إلى عثمان الكهية وما يقدر عليه من الجيش وإلى الحاج سليمان بك مع جميع ما لديه من الخيالة من العبيد أن يتجهزوا بالمدافع والخمبرة والمهمات الأخرى فعبروا من الدجيل إلى الجانب الشرقي ليتصلوا بمحمود باشا فالتقوا به في (أم تل) ولما تلاحقوا تلاقى حرس الوالي مع طليعة تقدر بنحو ألف من خيالة الأعداء في الخالص فسلوا السيوف وأوقعوا فيهم القتل والضرب حتى أفنوا أكثرهم. والباقون منهم كسروا شر كسرة وانسحبوا إلى جهة مندلي ومن ثم لم تمهلهم الجيوش وإنما عقبتهم ومضت في أثرهم. وفي مندلي في محل (سبع رحي) التقى الجيشان ووقع القتال فدمر الأعداء وولوا الأدبار وأسر منهم أكثر من مائة.

هرب محمد الكهية (عجم محمد) ، وأحمد آغا ابن محمد خليل

٩٣

على ظهور الخيل طلبا للنجاة وتشتت شمل جموعهم. وفي هذه الوقائع أبدت قبيلة العبيد ما لا يوصف من الشجاعة وناصرها الكرد مناصرة تذكر (١).

عاقبة سليم أفندي :

جال عليه الدهر بنوبة جولة ، وداس عليه بمناسمه فأذهب طوله وحوله ، فلما خرج من بغداد ووصل ديار بكر بلغ السلطان ما فعل من الفساد ، فأرسل من يأخذ ما عنده ، ويوهن بالإسار زنده ، ويجعله في قلعة هناك ويبشره بعدم الانفكاك وأمر السلطان مع ذلك بأخذ داره وما فيها من لجينه ونضاره وأعطيت لشيخ الإسلام لكونها دارا حسنة لم ير مثلها من الدور في دار السلطنة ، وأرسل هو بعد حبسه وإشفاقه على روحه ونفسه إلى الوزير حسن باشا سائلا شفاعته في درء هذه المحن وإلى أمير حمير ابن شاوي مع ما فعله من المساوي ... ثم بعد أيام جاء الخبر بقتل سليم (٢).

حوادث سنة ١١٩٣ ه‍ ـ ١٧٧٩ م

نجاة البصرة :

مر أن صادق خان الزندي استولى على البصرة وانتهب أموال الاغنياء وأضر بالآخرين وسحقهم ، وأنه نصب علي محمد خان حاكما عليها ومعه اثنا عشر ألفا من الجنود ، ثم ذهب بباقي الجيش إلى شيراز. أما علي محمد خان فإنه تمكن في البصرة مدة سنة جار في خلالها على الأهلين وأرهقهم ذلا لدرجة لا تطاق فتذمروا منه كثيرا ، وأراد أن يمد

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٧٨ ومطالع السعود ص ٦٦.

(٢) مطالع السعود ص ٦٧.

٩٤

نفوذه على العشائر فكلف ثامرا شيخ المنتفق بالإذعان والطاعة وأن يرضخ له إلا أن تكاليفه كانت شاقة فلم يمتثلها. ولذا أبقى محمد حسين خان السيستاني في البصرة مع ألفين من جنده لمحافظتها وعزم هو بنفسه للتنكيل بثامر. أخذ باقي الجيوش معه وتقدم إلى المنتفق بنحو عشرة آلاف إلا أن شيخ المنتفق حاول التجنب عن مقاتلته وطلب المصافاة معه بصورة معقولة لأجل أن يبتعد عنه. لكنه اضطره على الحرب. فلم ير بدّا من منازلته بالرغم من قلة من معه.

وفي الأثناء جاء إلى ثامر المدد من أطرافه وتصادموا فكانت القاضية على جيوش إيران. نزلوا عليهم كأمثال الصواعق فلم يجدوا لأنفسهم مهربا وصار قسم منهم طعما للسيوف والقسم الآخر غرقوا في شط العرب. ألقوا بأنفسهم فيه. ولم تمض مدة حتى انجلت الحرب عن انتصار العرب. وهلك في هذه الحرب علي محمد خان وأخواه وباد جيشهم سوى ٣٥ خيالا وغنمت العشائر كافة مهماتهم ومعداتهم.

ويحكى عن ثامر شيخ المنتفق نفسه أنه قال :

أقسم بالله أنه حينما صال عليهم جيش العجم ذهلت العشائر وصار كل منها يفكر في نجاة أهله وأطفاله وتفرقوا مختلفين ، ولم يبق معنا سوى ثمانين فارسا. وبهؤلاء هاجمناهم ووقفنا في وجوههم وكانت حملتنا عليهم صادقة ، ولم تمض برهة من الزمن حتى رأينا القتلى مكدسة على القتلى. وبعد أن أسفرت الحرب علمنا أن قتل مثل هذا المقدار لا يكاد يستطيعه جمع كجمعنا. فتحيرنا من عملنا ، وبهرنا هذا الانتصار المهول. ولا شك أن نصرتنا هذه بتوفيق من الله تعالى وإلا فلا يقدر على القيام بهذا أمثالنا (١).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٨٠.

٩٥

٩٦

وفي مطالع السعود تفصيل. ذكر وقعة الفضلية وفيها انتصر العرب. وفي وقعة أبي حلانة قتلوا القائد وغالب جيشه. وكان مع الإيرانيين عشيرة (الكثير) وشيخهم علوان و (كعب) وغيرهما فتم الانتصار الباهر للمنتفق وأثنى على شجاعتهم ، وبين ما ربحوه من غنائم لا تحصى ، فكانت من الوقائع الشهيرة وكانت أعظم سبب في خروج دولة إيران من البصرة. وفي سنة ١١٩٢ ه‍ (١) تمكن حسين خان السيستاني في البصرة بالقوة القليلة التي كانت معه وحينما وصل الخبر إلى كريم خان أرسل أخاه صادق خان بجيش عظيم إلى البصرة. وبقيت بأيدي الإيرانيين نحو ثلاث سنوات إلى سنة ١١٩٣ ه‍ ، وفي هذه السنة توفي كريم خان فانصرف أمل صادق خان إلى طلب السلطنة ، فتركها ذاهبا إلى (شيراز). ومن ثم عادت البصرة إلى العراق أيام حسن باشا فعين لها نعمان أفندي متسلما (٢).

سليمان آغا متسلم البصرة السابق :

كان كريم خان حبس سليمان آغا مدة ثم أطلق سراحه وأبقاه تحت المراقبة في شيراز فائتلف مع الإيرانيين حتى أنه بسبب علمه الجم نال رضا (زكي خان) وهو ابن عم كريم خان. ولما أخلى صادق خان البصرة وجّه زكي خان حاكميتها إلى سليمان آغا وأرسل معه مرافقا فوصل إلى الحويزة. وحينئذ عرف أن نعمان أفندي نصب متسلما فتوقف في الحويزة فراسل الأعيان وحينئذ رغبوا في دخوله البصرة إلا أن ثامرا شيخ المنتفق كان مغبرا منه فالتزم جانب نعمان وعارض في سليمان آغا كما أن حسن باشا والي بغداد اعتذره وبقي في محله منتظرا مجاري الحوادث.

__________________

(١) مطالع السعود ص ٥٨.

(٢) تحفه عالم ص ٩٠ ودوحة الوزراء ص ١٨٠.

٩٧

وفي هذه الأثناء حصلت خصومة بين الخزاعل والمنتفق فمشى ثامر على الخزاعل فقابلوه فانكسرت عشائر المنتفق وقتل منهم خلق عظيم حتى أن ثامرا قتل في تلك المعركة فخلفه ثويني في المشيخة. وهذا كانت بينه وبين سليمان آغا حقوق قديمة ، ولذا أدخله البصرة وأقره في حكومتها فألقى القبض على نعمان وحبسه وعند ما كان في الحويزة أرسل بواسطة الباليوز عرضا إلى الدولة طلب به البصرة وذكر خدماته وبعد أن تغلب عليها ومضت بضعة أيام وجهت الدولة إليه البصرة برتبة الوزارة وإثر ورود المنشور طلب من الدولة مرة أخرى أن توجه إليه إيالة بغداد ضميمة إلى إيالة البصرة (١).

محمد الكهية وابن خليل :

مضى القول في مغلوبية محمد الكهية وابن خليل حوالي مندلي في محل (سبع رحى) ثم إنهما استقرا في (ديار اللّر) أي (الفيلية) وأستندا إلى إسماعيل خان أميرهم فأقاما عنده. وأن زكي خان لم تطل حكومته ، وإنما قام الإيرانيون عليه وقتلوه.

فاختلت أمور إيران مدة ثم تولى حكومتها علي مراد خان (ابن أخي كريم خان)

وفي هذه الأثناء ذهب محمد الكهية وابن خليل إليه فأعانهما بأتباعه. وفي أيام استقلاله أيضا ساعدهما أكثر. أما حسن باشا فقد حدث في زمن حكومته تهاون وظهر المتنفذون فلم تنقطع الفتن فاستفاد المرقومان من هذه الحالة فتمكنا من جمع جيش كبير فوصلا به إلى أنحاء بعقوبة وضبطا المقاطعات المجاورة والقرى القريبة وأماكن كثيرة. فأوقدوا نيران الفتنة.

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٨١. وفي تاريخ الكولات ما هو قريب منه.

٩٨

لم يتمكن حسن باشا من تجهيز قوة لأنه لم يكن معتمدا على جيشه ولا في وسعه أن يخابر أمراء بابان فيأتي بمحمود باشا ولا يقدر أن يجهز بعض العشائر الموالية لأنّه يخشى أن يقضوا عليهم فيكون الأمر أشد وخامة وأكثر خطرا لا سيما أنهم كسروا قبيلة العبيد في جهة (الشيخ سكران) فجاؤوا بهم إلى قرب الأعظمية. ولم يكتفوا بذلك بل أثروا على نفس بغداد فتفاقم ضررهم. وقطعوا الطرق ، ومنعوا سير القوافل ، وعاثوا بالأمن فضاق الأمر بالأهلين ونالهم ضنك وشدة ومل الناس من الوزير وكرهوه. وكانوا يتربصون الفرصة للوقيعة به وإثارة الفتنة.

في ٣ شوال حدث نزاع بين شخصين قرب الشيخ عمر السهروردي فلما سمع أهل الميدان اتخذوا ذلك وسيلة فأعلنوا أنهم لا يريدون حسن باشا وعلت الأصوات بذلك فعمد حسن باشا إلى الروية والتبصر في القضية ، وراعى الحيطة فجعل خازنه خالد آغا في القلعة الداخلية. وفي اليوم التالي تجمع الأهلون فاتخذوا متاريس وحاولوا أن يهجموا على السراي. فتحمل الوزير ذلك إلى المغرب. ولما أدرك الليل خرج من السراي ودخل القلعة الداخلية. وفي اليوم التالي خرج من الباب الحديد وركب زورقا فعبر إلى جانب الكرخ ونزل قرب الحديثة فنصب خيمته. وبعد أن مكث بضعة أيام ذهب إلى أنحاء ديار بكر. فأصابه مرض لازمه بضعة أيام فمات.

بلغت مدة وزارته ١٧ شهرا و ٢٨ يوما. وغاية ما يقال فيه إنه اتخذ الوسائل الكثيرة ولم يقصر في تدبير إلا أنه خانته القوة وأعوزه التوفيق. خاف من الجيش الذي هو تحت سلطته كحذره من عدوه. فهو بين نارين.

٩٩

بغداد بلا وال :

وبعد أن خرج الوزير أجمع الرأي على أن يكون إسماعيل الكهية (قائممقاما). وعرضوا الأمر على الدولة في محضر ارسلوه. وكان (باش چوخة دار) في بغداد أرسلته الدولة بوظيفة خاصة. وهذا أرسل چوخة داره إلى استنبول وسلم إليه محضر الأهلين.

أما الدولة فقد وردها عرض من متسلم البصرة سليمان آغا يلتمس فيه توجيه بغداد إليه. وكذا وصل محضر أهل بغداد فوجهت حكومة بغداد إلى سليمان آغا بانضمام إيالة شهرزور فجاء البشير بذلك إلى بغداد في ١٥ شوال بواسطة الچوخة دار المذكور فولد في الأهلين فرحا وسرورا.

محافظة بغداد :

وأمرت الدولة سليمان باشا آل أمين باشا الجليلي والي الموصل أن يذهب إلى بغداد (محافظا) إلى أن يأتي الوزير فيدبر شؤونها ويقوم بحراستها وفي هذه الأثناء وجه منصب (قائممقام بغداد) إلى عبد الله بك آل محمد أفندي من قبل وزير البصرة فتولّى المنصب وانفصل إسماعيل الكهية. وبقي متحيرا كثيرا. ثم إنه استصحب جماعة من أعوانه وذهب لاستقبال الوزير ، وتابعه لفيف من العثمانيين. أما سليمان باشا فإنه حينما ورد إليه عين (أبا حمزة مصطفى باشا قبطان شط العرب سابقا) وكيل المتسلم وأخرج نعمان أفندي المتسلم السابق من الحبس وجعله وكيل الكتخدا ورتب أمور الوزارة. ثم تحرك من البصرة واستصحب معه شيخ المنتفق ثوينيا وجاء إلى بغداد (١).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٨٣.

١٠٠