موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

ثم ورد الخبر إلى والي بغداد وهو برأس عين الخابور أن العرب المجمعة من عسكره وهم الجرباء والعبيد والملية والبو حمدان ، والبو سلمان أغار بعضهم على بعض من شدة الجوع ونهب القوى الضعيف وصار الكل أيدي سبا وهربوا إلى أماكنهم ولم يظهر لهم نبأ ونهبوا أموال مقدمتهم من عسكر بغداد أحد أمراء سليمان باشا ومن سلم من أتباعه قدم إلى عسكر سليمان باشا ...» اه (١)

وهذه الحروب لم تسفر عن نتيجة مشرفة ، أصابت الجيش أخطار ومهالك من كل صوب رأوا إهانة وخذلانا ، وأورثوا في الجيش نقصا وسببوا معائب في الرأي العام ...

وبهذه الحالة عاد الوزير إلى الموصل ونزل (باب الطوب) ، فبقي يومين ، وفي اليوم الثالث سار عنها.

اضطراب في الموصل :

أما آل عبد الجليل فإنهم كانوا قد اغبروا من نصب أحمد باشا متصرفا على الموصل ولكنهم تحملوه كرها ولم يبدوا معارضة سوى أنهم كانوا يترقبون الفرص للوقيعة به ... وفي هذه المرة رأوا أن الفرصة سانحة ، خصوصا أنه ظهر منه الخرق وعدم القابلية رأي العين ، وأن الوزير أيضا لم تبق له مهابة في قلوبهم فلما جاؤوا إلى الموصل اتفقوا عليهم في الخفاء فاختاروا من بينهم أسعد بك للمخاصمة وانحاز لجهتهم أكثر الأهلين فعاضدوهم.

فالوزير لم يعلم عن ذلك شيئا فلما أمر بالرحيل سمع في هذه الأثناء صوت البنادق قد ثارت وبوشر بالحرب ... وعند ذلك حاصر أسعد بك في داره وأعلن الخصام فعاد الوزير وأمر بنصب الخيام وطلب

__________________

(١) غرائب الأثر ص ٨٦ وفي الدوحة تفصيل.

٢٢١

من الأمراء الالتحاق بالجيش فجاؤوا ما عدا أسعد بك الجليلي. وفي خلال ذلك اشتد الخصام والنضال.

ولما كان جانب الجيش متصلا بالخندق قرب السور فالبنادق تأتي طلقاتها إلى الجيش وتصيب بعض أفراده خطأ أو عمدا حين القتال بين أحمد باشا من جهة وأسعد بك من أخرى فأحدث هذا تشوشا واضطرابا فاضطر الفيلق أن يرحل من مكانه لما أحس به من خطر ونزل في محل يبعد نحو ساعة من أسفل المدينة وصار ينتظر ما ستؤول إليه حال أحمد باشا ...

إن الأمراء الجليليين الذين أحضروا إلى الجيش أخبروا أن أسعد بك نجح على خصمه أحمد باشا وأن الأهلين ساعدوه وطردوا أحمد باشا استفادة من رحلة الجيش عنهم فاضطر الوالي إلى الهزيمة مع بعض أعوانه اثنين أو ثلاثة وجاؤوا إلى الفيلق ...

وصلت الحالة إلى هذا الحد ولم يتيسر اتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة حتى أنه ليس من المصلحة بقاء الجيش في هذا المحل. ولذا أمر الوزير أن يقوم الجيش ويذهب إلى (كشاف) (١) ، وآخر أبقي مع أحمد باشا وكذا جعل معه سليمان بك آل الفخري وهو من ندماء الوزير ونهض من المحل المذكور وتوجه نحو بغداد فدخلها في ٤ جمادى الثانية.

ومدة هذا السفر خمسة أشهر ويومان. أما الأمراء الجليليون فإنهم عادوا إلى الموصل أثر قيام الوزير وعودته إلى بغداد (٢) ...

__________________

(١) كشاف قرية على الزاب الأعلى. غرائب الأثر ص ٨٦.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٤٦.

٢٢٢

وقائع أخرى :

١ ـ نفي عبد الله آغا الخازن السابق ، وطاهر آغا الچوقدار الداخلي السابق بناء على وشاية وردت إلى الوزير بأنهما فاها بما يخالف واجبات وظائفهما ، وأبعدا إلى البصرة. أرسلهما مقيدين وحبسا فيها.

٢ ـ إن أحمد باشا تأخر في كشاف إلى أن تتخذ التدابير لإدارة شؤونه ، ومعه سليمان الفخري وعشائر شمامك ، وظاهر الحسن المنفصل من مشيخة طيىء مع مقدار من بندقيي إربل ، وشيخ الغرير محمود الخليفة مع عشيرته.

٣ ـ بعد عودة سليمان باشا إلى بغداد عين معه عساكر العمادية. ولكنه حينما أراد المضي إلى الموصل نبه أن ينهب القرى وينكل بها ...

٤ ـ لما علم ذلك آل الجليلي أمراء الموصل اتخذوا جيشا ومشوا على أحمد باشا. وأن متصرف العمادية زبير باشا حسب الأمر نظم نحو ثلاثة آلاف من الخيالة والمشاة وأرسلهم لمعاونة أحمد باشا تحت قيادة أخيه موسى بك ولم يمض نصف ساعة حتى التقى الجيشان فدارت الدائرة على الموصليين فكسروا وألقي القبض على عثمان بك من (الجليليين) وبعد انتهاء الوقعة أصابت أحمد باشا رمية رصاصة فأردته قتيلا فتوفي ...

ولما وصل خبر ذلك إلى الوزير تيقن أن عمل هؤلاء مرذول لدى الدولة وأن ذلك مما دعاه أن يضيق على الثوار داخل الموصل ويتسلط على القرى فعين أخاه من الرضاعة أحمد بك للقيام بذلك وكان ولاه حكومة البصرة وجهز معه العساكر ليحاصر الموصل فوصل إليها وأقام في إربل وبواسطة العشائر التي حاربت الموصل بأمر من الوزير قبيلة الزگاريط (الزقاريط) وكانت في ماردين وقبيلة زوبع وكانت أيضا في أنحاء ماردين وكذا أرسل الوزير إلى شمر الجرباء لينهبوا قرى الموصل

٢٢٣

وإلى أهل قرية شيخان يحثهم على نهب أموال الرعايا وتخريب القرى فلم يمتثل أمير الشيخان حسن بك ما أمر به وامتثل الأمر أخوه عبدي بك فأضروا كثيرا ... وهاجم أحمد بك بالزگاريط الموصل مرتين لينتقم من الثوار وانتهب قراها.

وفي هذه الحروب أسر الحاج عثمان بك الجليلي وجيء به إلى بغداد فوبخه الوزير ... وأن قبيلة الزگاريط أسرت عثمان العمري ولم تفكه إلا بفكاك دراهم مقبوضة (١) ... فسمعت الدولة بقتل أحمد باشا من قبل أسعد بك. لذا وجهت إيالة الموصل في غرة شوال إلى محمود بك آل محمد باشا الجليلي برتبة مير ميران وأمرت بترك التضييق عن الموصل فدعي أحمد بك إلى بغداد ... وصل المنشور إلى محمود بك في ذي القعدة وعزم أسعد بك على معارضة محمود باشا فلم يطعه أحد وتوفي في ٩ ذي الحجة (٢).

٥ ـ وكان أحمد باشا بعد قتلته دفن قرب نهر الخازر. هذا والتحامل على أحمد باشا مبالغ فيه. وأحواله الماضية تؤيد أنه لم يصح ما توجه عليه من الذم. وهو صاحب المدرسة المعروفة في الموصل باسمه.

وكانت مدة إقامة أحمد باشا بالموصل لما ولي الحكم أربعين يوما من وقت قدومه ثم سافر ولما عاد أقام ستة أيام فكان ما كان ...

قاضي بغداد :

كان قاضي بغداد فخري أفندي عرف بسوء الأحوال مما لا يليق بالقضاء. ولذا كف الوالي سليمان باشا يده ، وأناب الكاتب الأول

__________________

(١) غرائب الأثر ص ١٠٤.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٤٦.

٢٢٤

فأقامه مقامه في الأمر ، ونقله إلى محل آخر حذر الفتنة. فعاد إلى استنبول ونفي إلى جزيرة لمنى (١). وهو المعروف بـ (مفتي زاده محمد فخر الدين). وعندي حجج شرعية في مجموعة خطية صدرت في أيامه منها بتاريخ ربيع الأول سنة ١٢٢٢ ه‍ ومنها وقفية جامع الصاغة في ٢١ شهر رمضان سنة ١٢٢٣ ه‍.

حوادث نجد والجزيرة :

في أواخر شعبان وردت إلى استنبول قائمة من وزير بغداد تنبىء بظهور مرض الطاعون في الجزيرة العربية ، ففتك فيها ، وأدى إلى أضرار كبيرة في النفوس ، فخلت غالب البيوت من الناس ، مما أدى إلى خلل كبير فيها. وبين أن هذه الحالة دعت إلى ضعفهم وقلتهم وأدت إلى نكبتهم (٢).

شمر الجرباء والوزير :

قبض الوزير على أحد أمراء الجرباء في بلدة عانة وصلبه فغضب عمه فارس أمير الجرباء فرحل عن بغداد ونزل قريبا من جبل سنجار فأرسل إليه الوالي يترضاه ويأمره بمعاداة أهل الموصل فأبى. واتفق مع أمير طيىء فارس بن محمد لحقده عليهم (٣).

__________________

(١) تاريخ شاني زاده ج ١ ص ٢٦٧.

(٢) تاريخ شاني زاده ج ١ ص ٢٦٧.

(٣) غرائب الأثر ص ٩٩ والمعروف أن رئيس طيىء فارس الحمد ولعل اسم أبيه محمد.

٢٢٥

حوادث سنة ١٢٢٥ ه‍ ـ ١٨١٠ م

حالت محمد سعيد :

إن الدولة العثمانية سيرت حالت محمد سعيد المعروف بالرئيس (١) إلى بغداد لبعض المطالب الظاهرية. والأسباب الخفية أظهرتها الوقائع. قال الأستاذ سليمان فائق :

«إن حركة الوزير بفيلقه وتجاوزه حدود إيالته إلى إيالة أخرى مما أغضب عليه رجال الدولة لا سيما أنه أبدى إمهالا بل أهمالا في تأدية بدل مخلفات سليمان باشا وعلي باشا فلم يؤد شيئا من ذلك ...

فاختير لهذه المهمة (رئيس الديوان الهمايوني) حالت ...» اه (٢).

وصل إلى بغداد في ٢٥ جمادى الأولى. فواجه الوزير وأعطاه الأوامر وبلغه بما أرسل إليه. وحينئذ خصص له محلا للضيافة والإقامة فيه. وكان الرئيس يترقب ظهور نتيجة من مهمته فمضت أيام وليال ولم تظهر لها آثار ، وذكره بها فكان يعتذر ويدافع ، ونصحه ببعض النصائح الخيرية فلم ير لها فائدة ، وكان يلمح فيرى منه تجاهلا ، ويصرح فيجد عدم مبالاة. وألح في الطلب فلم يسمع له قول (٣) ...

تحدث الناس آنئذ بأنه جاء بعزل الوزير ... فلما استراب منه أمر بعض من يثق به أن يكون له كالأنيس ليطلع على ما في ضميره من الخبايا ويكشف عما أخفاه.

وبينا الناس في حيرة من أمره ، وفي دهشة من توقع مكره يتيهون في موامي الاستطلاع ويستنشقون أرج الأخبار وهو لا ينطق ببنت شفة

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٩١. وتاريخ شاني زاده ج ١ ص ٤٠٦.

(٢) تاريخ الكولات ص ١٥.

(٣) دوحة الوزراء ص ٢٤٧.

٢٢٦

ولا يبدي ما عنده من نكرة ومعرفة ... أشفق من فوات مرامه وانحلال مغار ابرامه فبادر وخرج من بغداد ... ولم يقم بأمر ما فيها ولا تمكن أحد أن يعرف نواياه حتى الوزير فصرف ذلك إلى المطالبة بما جاء من أجله ظاهرا (١) ...

سوى أنه صرح بأن الوزير إذا لم يجر أمر السلطان فسوف يندم ، ولذا بين الوزير أنه تكلف آلافا من الخدمات المطلوبة وتعهد بمقادير جزئية واعتذر لحكومته بأعذار باردة وكتب لها بذلك وأعاد الرئيس بإكرام قليل وأرجعه إلى حكومته (٢) ... إذ لم ير سامعا لأقواله ولم يجد لها تأثيرا فقفل راجعا خصوصا أنه لم يجد مجالا لبث فكرة وقد التف حوله رجال الوزير فلم يأمن من أحد ...

أراد حالت التدخل في أمور المال فلم يتيسر له لقوة الوزير ولعدم تمكينه كما أنه لم يبح لأحد بالسلطة المخولة له إذا لم يجد التربة صالحة (٣) ...

عصيان سليم آغا متسلم البصرة :

ظهر للوزير أن سليم آغا راسل الدولة طالبا منها أن توجه إيالة بغداد وشهرزور والبصرة إليه ، فكتب إلى حمود بن ثامر شيخ المنتفق أن يخرج سليما من البصرة فتكاسل حمود وأبدى تهاونا ليتبين له الحال لأن سليم آغا أفهمه أن الرئيس حالت أقبل من الدولة بعزل سليمان باشا وتوجيه الإيالة إليه (٤).

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٩١.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٤٧.

(٣) نتائج الوقوعات ج ٤ ص ٨٠.

(٤) دوحة الوزراء ص ٢٤٨.

٢٢٧

قال صاحب المطالع : وقد كان فيما بلغني له يد معه في ذلك ...

فلما استبطأ حمود قدوم الرئيس إذ لم يأته خبر عنه مع ترادف رسل الوزير عليه قرب من البصرة وكان سليم آغا أعد المراكب وله عسكر في سور البصرة وأبوابه فاستنهض حمود سكان قصبة الزبير من النجديين فنهضوا وحاصروا البصرة مع برغش بن حمود فخاف بعض العسكر وفتحوا أبواب السور فندم سليم وبقي في المراكب أياما ثم سلمها وسافر بمركب إلى أبي شهر (١) ...

عزله الوزير ونصب أحمد بك أخاه من الرضاعة متسلما مكانه وجهزه الوزير بجيش فوصل إلى كوت العمارة فتأهب سليم آغا لمقاومته. ولما كان في هذا المنزل جاءه خبر سقوط البصرة على يد شيوخ المنتفق وأن المتسلم فر في زورق إلى جهة بندر أبي شهر. وحينئذ رخص أحمد بك العساكر التي معه وذهب هو بنفسه شطا إلى البصرة فانحدر إلى هناك. فدخلها (٢).

ورود علي بن محمد السويدي :

وفي هذه السنة ورد البصرة الشيخ علي السويدي أرسله الوزير سليمان باشا إلى حمود قبل أن تفتح البصرة ، وكان من خواصه الناصحين له. فكف الله به عن أهل البصرة ما عسى أن يتوقعوا من حاكمها أحمد بك لكونه غاية في سوء التدبير (٣).

عود حالت محمد سعيد :

عاد حالت أفندي من بغداد خائبا فلم يحصل على مطالب الدولة ،

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٩١.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٤٨.

(٣) مطالع السعود ص ١٩١.

٢٢٨

ولم يتمكن من التشويش على الوزير لأنه اتخذ له كل حيطة. ولما رأى ذلك تكتم بمطلوبه الحقيقي ووقف عند الأمر الذي جاء لأجله. ولكنه سير الإدارة من طرف خفي ... ولما جاء الموصل عرض القضية على دولته ومكث يستطلع الجواب. والإدارة في بغداد معروفة ، ويد المماليك الحديدية مسيطرة فلا تحتاج إلى بصيرة ، ونفوذ نظر زائد.

حصلت تذمرات من هذا الوزير حين سفره إلى محاربة الظفير. فتطاول الجيش على قرى كثيرة من ديار بكر ، وأضروا بأهليها ذهابا ، وعلى قرى الموصل وأهليها إيابا فاستغاث الجميع منه ، وضيق على الموصليين أثناء قتلة أحمد باشا متصرف الموصل. فقدم العلماء والأعيان في ديار بكر والموصل ، والأمراء شكاوى تظلموا فيها من أوضاعه. عرضوها على الدولة وكذا وردت تقارير حالت أفندي ...!!

ذلك ما دعا أن يصدر الفرمان بعزله ، وأنه إذا بدا منه ما لا يليق فيجب قتله ، وأن يعهد حالت أفندي بالقائممقامية لمن يختاره ويراه أهلا ، وأن يقوم بسائر ما يقتضي فزود بسلطة واسعة النطاق تفوق ما تقدمها.

وعلى هذا خابر عبد الرحمن باشا متصرف بابان. وبينه وبين الوزير مشادة. ومثلها مع متصرف الموصل وجد موافقة من هؤلاء. وسار مع محمود باشا متصرف الموصل واستصحبا معهما شيخ طيىء فارس الحمد ، وأمير شمامك ورجالهما وفرسانهما فتوجها نحو بغداد. وكذا تلاحقت معهما جيوش عبد الرحمن باشا فأنضموا إلى حالت أفندي فصار الكل تحت إمرته وتجمعوا في كركوك. والتحقت بهم عشائر العبيد والغرير وقسم من البيات فتابعوهم واتفقوا معهم ...

فلما علم سليمان باشا بذلك صار يفكر في أمر الدفاع والمقاومة فعين كتخداه فيض الله الكهية لمقاتلتهم فنزل (خرنابات) من جهة

٢٢٩

الخالص واستراح فاتخذ فيها متاريس وأحكم أمرها ... وكذا الجيش وافى لملاقاتهم فضربوا الخيام تجاههم فحصلت بضع مبارزات بين الفريقين ومجاولات فردية تطارد فيها بعض الفرسان ثم تأهب الفريقان للقتال ولازم كل مكانه فلم يحصل تقدم من أحد.

أما حالت أفندي فإنه أخبر خفية الأهلين ببغداد أن الفرمان صدر بعزل الوزير فأثر ذلك ببعض الناس. وكان في مقدمة هؤلاء عبد الرحمن الموصلي. قام بالأمر وتابعه جماعة من الموصليين وبعض البغداديين فاتفقوا بغتة ومشوا على الآغوات وقتلوا آغا الينگچرية السيد إسماعيل آغا وقطعوا رأسه ، وعلى الفور مشوا إلى القلعة الداخلية وضبطوها وتابعهم الأهلون ومشوا نحو الميدان وبذلك استولوا على القلعة ولواحقها واتخذوا المتاريس وشرعوا بحرب أعوان الوزير سليمان باشا.

وحينئذ انفصل من الوزير جميع أتباعه وعساكره ما عدا نحو المائتين من آغوات الداخل ومن يتصل بهم. فقاوم هؤلاء واتخذوا المتاريس وتحاربوا من الضحى إلى العصر. وعلى هذا تغلب أتباع الوزير وفر عبد الرحمن باشا وأعوانه إلى الجيش العثماني ومعهم آغا الينگچرية فقدموه إلى عبد الرحمن باشا آل بابان ومحمود باشا الجليلي.

ولما شاهد الجيش العثماني ذلك انبعث فيهم الأمل. ولذا لم يبالوا بخصومهم وذهبوا إلى الجديدة.

وذهب فيض الله الكهية بعسكره إلى بغداد وتبعهم على الأثر جيش حالت فنزلوا بمحل يبعد ساعة عن الأعظمية ، وكذا الوزير لم يبق له اعتماد على أحد فعزم على الحرب فخرج بما لديه من قوة في ١٠ شهر رمضان. وصادفه أعداؤه فتلاقى الجمعان فدامت الحرب واكتسبت شدة ، فلا تسمع إلا إطلاق المدافع وصوت البنادق والقتل والضرب ...

وفي هذه المعركة قتل عبد العزيز بك بن أحمد باشا ابن عم عبد

٢٣٠

الرحمن باشا ، وقتل معه نحو الثمانين من أعوانه أثناء المعمعة. أما الجرحى فكانوا يبلغون نحو المائة وخمسين فانكسر عبد الرحمن باشا كسرة فاحشة جدا ولكن قرب الغروب وتلاحق الظلام حالا دون تعقيبهم واللحاق بهم. لذا ترك القتال إلى الصباح على أن يستأنف لإتمامه وذهب جيش الوزير للاستراحة.

أما عبد الرحمن باشا فإنه لما وافاه الليل سكن جأشه وذهب روعه فثبت مكانه وتراجع جيشه رغم انكساره.

وأدى فيلق الوزير صلاة المغرب إلا أنه اختل نظامه حينما سمع بالفرمان فانحل نصف جيشه بين المغرب والعشاء ، وفي الليل عاد إلى بغداد ، ولم يبال بانحلال جيشه بهذه الصورة وحاول أن يدخل الحرب مع عبد الرحمن باشا فتفرق عنه باقي عسكره ورجع إلى بغداد فاحتار في أمره وأسف لما ناله ولم يبق معه من اتباعه إلا نحو خمسة عشر رجلا (١) ...!!

قتلة سليمان باشا الصغير :

وحينئذ خرج خائفا وضرب في البادية هائما بيأس وحرمان ومضى لجهة ديالى وغرضه الذهاب إلى شيخ المنتفق حمود فعبر إلى الجانب الشرقي ووصل إلى (عشيرة الدفافعة). فرأت الفرصة سانحة للحصول على السمعة فقتلوا الوزير وقطعوا رأسه فجاؤوا به إلى عبد الرحمن باشا. ولم يفعل من العرب فعلة هذه العشيرة. ومن ثم لصق بها العار وأن القاتل علي الشعيب من فخذ البو نجاد (٢). وهو جد علي بن شخناب بن إبراهيم بن حمد بن علي الشعيب.

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٤٨.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٤٩ ومجموعة السيد محمود حموشي ومطالع السعود ص ١٩٢.

٢٣١

وفي تاريخ زاده أن أطوار هذا الوالي كانت لا تليق بمهمة الوزارة وأن معاملاته قد خرجت عن حدود الطاعة فعهد بالأمر إلى (حالت محمد سعيد) فقام بالمهمة لإعادة النظام إلى بغداد وبسهولة ثم قتله وورد رأسه المقطوع إلى استنبول في يوم الخميس ١٠ شوال ١٢٢٥ ه‍ فدفعت بقتله غائلة جسيمة (١).

ثم بين أن حالت عمل بعد ذلك لإعادة النظام ، وأن عبد الله باشا نصب قائممقاما. ولما خول بأن بوجه الولاية إلى من يشاء بفرمان مفتوح وله أن يحشي اسم من أراد ، عهد بولاية بغداد إلى عبد الله باشا ، وأرشده إلى ما يجب عمله لإعادة النظام وعاد (٢).

حياة الوزير سليمان باشا القتيل :

إن الوزراء الأخيار قليلون وأقل منهم من راعوا حقوق الأفراد ، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وأصلحوا حالة المجتمع ... وهذا أحدهم إلا أن سلطة الحكومة لم تناصره بل لا تريد أن تساعده في مشروع يفسد عليها ادارتها ويكون قدوة مثلى ونتيجة صالحة وإنما بذلت الجهود للقضاء عليه وإحباط مساعيه لا سيما بعد أن عرفت أنه حاول إصلاح القضاء ، والسلوك الديني المرضي أتباعا للسلف الصالح ، والطريقة المثلى.

كانت مدة وزارته بانضمام أيام القائممقامية ثلاث سنوات وشهرين وخمسة وعشرين يوما. وعمره نحو خمس وعشرين سنة جاء في الدوحة :

«هو في حد ذاته صاحب مروءة ، وليس له ميل إلى الظلم

__________________

(١) تاريخ شاني زاده ج ١ ص ٤٠٦.

(٢) تاريخ شاني زاده ج ٢ ص ٢٦.

٢٣٢

والتعدي ، وهو بشوش متواضع ، رقيق القلب ، رؤوف وحليم. وكان وقاد الذهن ذكيا ، شجيعا وجلدا ، ومقبولا من الكل» اه (١) ...

قال عثمان بن سند :

«ولما تولى الوزارة ... سار سيرة حسناء ، في أهل بغداد والرعناء ، وجرى على منهاج السلف في الاعتقاد ، وانحرف عن الجور وحاد ، ورغب في الفنون الحديثة ، ونكب عن الأبحاث الفلسفية ، ومنع قضاة أعماله عن أخذ العشور ورتب لهم معلوما من بيت المال بانقضاء الشهور وله أشياء حسنة ، فطابقت عليها الألسنة ، وحظي عنده شيخنا علي بن محمد السويدي العالي الإسناد ... قال : بعد أن أثنى عليه :

وسمعته يقول إنه عباسي النسب فهو على ما قال من أشرف العرب» اه (٢) ....

وقال بعد قتله :

«فمذ قتله ذلك الدفاعي ، وأخبر بموته الناعي ، كثر عليه الأسف ، وذرف عليه كل طرف ووكف ، وندبه الفضل والعدل ، وأشمت كل مبغض كل :

بكى الفضل والانصاف والعلم والتقى

عليه وزالت كل شمس عن السمت

وأصبحت الآفاق تندب مفردا

أحض على تقوى وأبقى على سمت

فأغصان الفضل بموته ذوابل ، وأجفان الفضل عليه هواطل ،

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٤٨.

(٢) مطالع السعود ص ١٨٨ وترجمة الشيخ علي السويدي في غرائب الاغتراب. كان أحد شيوخ أبي الثناء الآلوسي وذكر اتصاله بالوزير وأنه لا يصدر عن رأيه وهو يسعى في نصحه غاية سعيه. وامتحن بعد قتله بسبب ذلك.

٢٣٣

وأقمار العدل إذ أفل أوافل. أدرك شمس أبهته الميل بعد الاعتدال ، وانحطت بعد غاية الارتفاع إلى الزوال ، فبكى عليه أهل بغداد والبصرة ، وتزفروا لمصابه زفرة بعد زفرة ، لكونه في مكان من الإنصاف ، وعلى سمت لا يوصم بالانحراف ، ومن مراعاة الأفاضل والجريان ، على منهاج الأماثل ، في مكان. لا يطاوله فيه مطاول ، أبطل كثيرا من عوائد ذميمة ، وأعمل فكره فيما يوجب الفضل تقديمه. فقد منع القضاة مما يوبقهم في النار ، وفطمهم عن ارتكاب ما فيه شنار.

وقد ذكر لي محمد أمين مفتي الحلة ، من فضله الذي لا يكون إلا في أشراف الجلة ، أنه سريع الفهم للأبحاث العلمية ، خصوصا في العلوم الحديثة ، مع أنه ما قرأ إلا القليل ، فرحمه الله وأسبغ ظله الظليل» اه (١).

وقال في تاريخ الكولات :

«إن الوزير في حد ذاته ذو أخلاق حسنة ، وعدل ، وهو صاحب إنصاف ومروءة ، متشرع وذو دين ، حليم كريم ، وممن شعارهم العاطفة ... ألغى رسوم التحصيلية ، وخدمة المباشرية ، والمصادرات ، وضبط المخلفات وأمثال ذلك من الرسوم القديمة والحادثة ، ومنع من كافة العقوبات ما عدا الإعدام ، وفي كل أحواله وأعماله مراع أحكام الشرع الشريف ، حتى أنه عين لقضاة بغداد وللنواب والقضاة الآخرين رواتب من الخزانة بدل حاصلاتهم ومعيناتهم. ومن العجائب أن تلغى هذه الرسوم وتبطل واردات أساسية ، وترفع الغرامات والعقوبات المغايرة للشريعة المطهرة والتعذيب ، والسخر والأذيات ... ومع هذا تتزايد الأموال الأميرية فتبلغ الواردات أضعاف ما تقدمها. وكذا أزال من البين

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٩٣.

٢٣٤

السرقة ، وقطع الطرق وما شاكل من الحالات الفجيعة. وبذلك زال العناء عن الأهلين ... إلا أنه نظرا لحداثة سنه لم ينظر بعيدا في بعض الأمور يضاف إلى ذلك إلقاءات بعض قرنائه فسقط في حب دعوى التفرد فتوالت المصائب المتنوعة عليه من كل صوب لحد أن حالت أفندي المشهور الذي هو من دهاة عصره ومن يعد في مقدمتهم اتخذ معه تدابير حكيمة فأخرج بغداد من قبضته وقضى عليه ولم يبلغ حدود الثلاثين من عمره ... ثم ذكر وقعة اليزيدية والظفير وأنه رجع مخذولا في حربهما ...

ثم قال : إن حركته هذه بفيلق عظيم ، وتجاوزه حدود إيالته إلى ايالات أخرى مما أغضب عليه وكلاء الدولة لا سيما أنه لم يقم بما تعهد به من بدل مخلفات سليمان باشا وعلي باشا فأهمل الأداء فأرسلت الدولة حالت أفندي الرئيس السابق للمطالبة فوصل إلى بغداد فلم تؤثر في الوزير أقواله فعاد إلى الموصل فمكث فيها ثم كتب إلى عبد الرحمن باشا. وهذا جاءه بجيش يتجاوز العشرة آلاف بين خيالة ومشاة وجلب معه عبد الله آغا الخازن وكان في السليمانية. وهذا من عتقاء سليمان باشا الكبير ، وله حق السبق بالنظر لأقرانه. فنصبه حالت أفندي (قائممقاما) وتوجه إلى بغداد فصار الجيش في أطرافها وحواليها ، فحدثت معركة بين جيش الوزير وجيش حالت فكانت وبيلة جدا ولم يدخر أحد منهما وسعا. وأن عبد الرحمن باشا انسحب إلى جانب وظهرت بوادر النجاح لسليمان باشا ولكن جيشه تفرق عنه بلا سبب ليلا مما ولد حيرة وعلى هذا سار ومعه نحو ١٥ من آغوات الداخل فعبر نهر ديالى فغدرت به عشيرة الدفافعة. ولذا استولى أسف على الكل حينما علموا بقتله ونالهم حزن عظيم» اه (١) ...

__________________

(١) تاريخ الكولات ص ١٦.

٢٣٥

ومما يؤثر عنه أنه لم يكتف بإلغاء عشور المحاكم بل أبطل رسم القسام ، والساليانة (الصليان). ومحا كثيرا من البدع السيئة والمظالم القبيحة ... وعوض عنها بتخصيصات من الأموال الأميرية.

كان مشفقا على الرعية ، رؤوفا بالأهلين إلا أنه كان يتراخى في خدمات الدولة ويتساهل في شأنها أو يتناساها (١) ...

وكل أولئك المؤرخين يعتذرون له بحداثة السن وقلة الممارسة ، وأنه لا يزال غير مطلع على الرسوم والقواعد كما هي فأدى ذلك إلى ما أدى. والحال أن الوزراء السابقين أهلكوا البلاد والعباد لتأمين سطوتهم من جهة ، ولإرضاء الدولة من أخرى. وهذا الوزير أراد أن يرفع هذه المظالم ويقوم بإصلاح مهم. فلم يرض دولته وهي لا تريد إلا تمشية أمورها ولا يهمها الأهلون كما أن أرباب الوظائف اعتادوا النهب والسلب باسم (الجباية) ، فعادوه وحرم أعوانه الفائدة. فقضى في سبيل العراق وإرادة الخير له ما قضى. فهو من أكبر رجال الإصلاح. وأثره لا ينسى في تاريخ الضرائب وتاريخ القضاء.

ثم إنه قرب علماء بغداد وصالح آل الشاوي ولم يتصلب كأسلافه في البغض للعرب والكره للأكراد. وهكذا أبعد آل الجرباء لما تبين له من أوضاعهم آنئذ (٢).

ومن هذا كله يعرف أن من لازمه أو رماه بحداثة السن كان يماشي في ارضاء الدولة والمماليك معا ولكن أعماله تشهد بصفوته. وكل ما يقال فيه قليل. ومعاصروه لم ينكروا أعماله الجليلة. وإنما نسبوا له الخرق بلا وجه حق.

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٥٠.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٥٠.

٢٣٦

وزارة عبد الله باشا

إن عبد الله آغا حينما عاد سليمان باشا من سفر الظفير أسند إليه بعض الأمور فنفي هو وطاهر آغا إلى البصرة. وبعد بضعة أشهر عفا عنه وأذن له بالمجيء إلى بغداد إلا أنه لم يأمن. فلما وصل إلى قرب القرنة من الجانب الشرقي ذهب مع طاهر آغا إلى (بلاد اللر) من طريق الحويزة ثم وردا إلى السليمانية فأقاما عند عبد الرحمن باشا. وكانت بينهما وبين عبد الرحمن باشا معرفة سابقة. لذا بالغ في إكرام عبد الله والتزم جانبه.

ولما جاء حالت لقضاء مهمته أخذه معه إلى بغداد ونصبه (قائممقاما) وأمر بمتابعته ، وعند انتهاء أمر سليمان باشا جاء كتخداه فيض الله الكهية ، وندماؤه ، وآغواته وخازنه إسماعيل آغا وآغوات الداخل فناصروه إلا أن فيض الله حينما كان في البلدة رأى أن الأهلين اختاروا سعيد بك بن سليمان باشا لمنصب القائممقامية لمدة يوم أو يومين ، وأن الخازن إسماعيل آغا حينما كان الجيش في خرنابات كاتب حالت أفندي وعبد الرحمن باشا خفية وأبدى رغبته في الوزارة. وحينئذ طالبهما القائممقام بخزانة سليمان باشا وبهذه الوسيلة ألقى القبض عليهما وقتلهما.

ثم جعل كتخداه الحاج عبد الله بك (أخا أحمد الكهية) ، وعزل الحاج محمد سعيد من الدفترية وعين بدله داود الدفتري السابق وهو صهر الوزير سليمان باشا الكبير وكان عزل منها ثم عين طاهر آغا خازنا وكان بمنصب (چوخه دار) ، ونصب للينگچرية عبد الرحمن آغا الموصلي (الأورفه لي) (١) الذي جاء برأس السيد إسماعيل آغا (رئيس الينگچرية

__________________

(١) وأسرة الأورفه لي في بغداد معروفة منها معالي الأستاذ جميل ، والأساتذة مكي ونوري وسامي.

٢٣٧

السابق). وبعد أن مكث عبد الله باشا في الخارج نحو ستة أيام أو سبعة دخل بغداد فاستقر في القائممقامية.

مضت مدة شهر واحد على هذه الحالة (١).

مشاغبات جديدة :

لم يكن هم حالت الرئيس عزل وزير من المماليك لينصب آخر منهم مكانه بل كان يود القضاء عليهم وتحويل السلطة للعثمانيين ولكنه لم يستطع أن يقوم بالأمر أو أن يصارح عبد الرحمن باشا إذ رآه بعيدا عن ذلك فأراد أن يطحن بعضهم ببعض. وفي مدة بقائه في بغداد عرف كبار رجالهم واتصل بهم دون رقيب فتمكن من بث فكره على لسان غيره في أن (عبد الله آغا) إنما جرت رئاسته ونال منصبه بواسطة عبد الرحمن باشا أمير بابان. وهذا تابع إيران فلم يرض به الأهلون ، ولا العثمانيون.!

لذا أوعز حالت إلى عبد الرحمن الموصلي آغا الينگچرية أن يحرك الأهلين في دفع عبد الرحمن باشا وعسكره ، وعزل عبد الله آغا من القائممقامية ، ونصب سعيد بك مكانه. اتفقت كلمتهم على ذلك وتوجهت رغبتهم.

وليلا أعدوا أسباب النزاع واتخذوا المتاريس وقاموا صباحا بالشغب وثاروا إلا أن العثمانيين والطوائف الأخرى لم ترغب في متابعة الأهلين. فأكدوا رابطة اتفاقهم مع عبد الرحمن باشا وأظهروا تأييد القائممقام. فدام القتال بين الفريقين من الضحى إلى المغرب واستمر الفريقان في تصلبهم ولكن الأهلين انكسر جمعهم وتفرقوا ، وعاد عبد الرحمن الموصلي بالخيبة واختفى. ونصب للينگچرية قاسم وهو آغا

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٥٠.

٢٣٨

كركوك السابق ، وأن القائممقام أصدر أمرا بالعفو عن الجميع.

لم يتزلزل القائممقام من مخالفة الأهلين وأن العثمانيين وسائر العسكر ناصروه ودافعوا عنه أشد الدفاع. فلما رأى ذلك حالت حذر أن يشيع عنه أنه السبب في توليد الشغب. ولما كان أودع إليه الأمر من دولته اختار (عبد الله آغا) للوزارة وكانت لديه فرامين لم يحش الاسم بها وأدرج اسمه بها بتوجيه الإيالة برتبة وزارة وقدمه إليه على أن يقرأ في الغد في الديوان المرتب للاحتفال ، وحينئذ أعلن ذلك للجميع. بتاريخ ٢١ ربيع الآخر سنة ١٢٢٦ ه‍ (١).

قال صاحب المطالع :

«ولما تولى عبد الله باشا أعطى عبد الرحمن باشا الكردي من رأيه رسنه ، فوقعت بينه وبين الرئيس فتنة قتل فيها من أهل البلد من سل صارمه فيها وسنه ، ونجا من وجد للهرب سبيلا ، وأما الرئيس فقد كاد يكون قتيلا ، فرجع إلى ما رامه عبد الرحمن الكردي ووزيره إذ ضاق خناقه وذل نصيره فاستقرت الأمور لعبد الله باشا» اه (٢).

وبعد ثلاثة أيام أو أربعة من نصبه وزيرا هيأ الوزير لحالت أفندي أسباب السفر وسيره إلى استنبول مكرما معززا. خاف أن يحدث غائلة أخرى.

متصرف الموصل :

وبعد دخول العسكر بغداد ببضعة أيام انحرف مزاج محمود باشا متصرف الموصل فتوفي في ١٨ شوال ودفن في تربة بجوار قبر الوزير

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٥١.

(٢) مطالع السعود ص ١٩٤.

٢٣٩

علي باشا كان أعدها سليمان باشا له.

كانت مدة حكمه في الموصل سنة وبضعة أيام ، وعمره ٣٣ سنة.

فوجهت إيالة الموصل إلى سعد الله بك ابن الوزير الحاج حسين باشا الجليلي برتبة وزارة. وصار متسلم الموصل. حكم في منتصف ذي الحجة وجاءه البشير بذلك في ١٣ المحرم سنة ١٢٢٦ ه‍ (١).

غرائب الأثر :

في هذا التاريخ انتهت وقائع غرائب الأثر لمؤلفه ياسين بن خير الله الخطيب العمري والنسخة التي بخطه موجودة في خزانة البلدية في الاسكندرية ومخطوطتي منقولة منها. وغالب حوادثه مما يتعلق بالموصل خاصة فهو مهم. فطبعه الأستاذ الدكتور السيد محمد صديق الجليلي في الموصل سنة ١٣٥٩ ه‍ ـ ١٩٤٠ م.

حوادث سنة ١٢٢٦ ه‍ ـ ١٨١١ م

قتلة سليم آغا والبصرة :

إن الوزير سليمان باشا أبعد كلّا من عبد الله آغا وطاهر آغا إلى البصرة فسعى سليم آغا متسلم البصرة آنئذ في انقاذ حياتهما. وحينما ورد الأمر بقتلهما شفع لهما فعفا الوزير.

قتل ظاهر الكهية

في سنة ١٢٢٦ ه‍ قتل ظاهر الكهية وسليمان آغا كتخدا البوابين (٢).

ثم أضمر سليم أن يقوم على الوزير فأعطاهما مالا جمّا وسيرهما

__________________

(١) غرائب الأثر ص ١٢٣ من المطبوعة.

(٢) مجموعة عمر رمضان.

٢٤٠