موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

رتبة ميرميران لعلي الكهية :

نال الكهية منصب كتخدا وصاهر الوزير كما سبق. ثم التمس أن توجه إليه رتبة ميرميران فعرض الأمر على الدولة فأجابت ملتمسه فوجهت إليه الرتبة ووصل الفرمان في ١١ جمادى الثانية. ومن ثم صار يلقب بـ (باشا) (١).

عشيرة البرشاوية :

إن البرشاوية من عفك (٢) وردوا إلى أطراف شط الكار في (أبو حمّار) وصاروا يغيرون على الأطراف ويعيثون في الأمن. فأرسل الوزير كتخداه للوقيعة بهم فأغار عليهم ولم يبال بالسموم والحر فاغتنم منهم نحو اثني عشر ألف رأس من الغنم وألفي رأس من البقر وأدبهم. وكانت هذه أول غارة له ثم عاد. وفي هذه الغارة قتل عبد الفتاح آغا من آل النقشلي الكركوكي (٣).

جامع الأحمدية : (جامع الميدان)

هذا الجامع ينسب إلى أحمد باشا الكتخدا السابق. عمره فلم يتمه. وأن أخاه عبد الله بك أتمه ووقف له وقوفا كثيرة من تركته (٤).

حوادث ١٢١٢ ه‍ ـ ١٧٩٧ م

الخزاعل وحمد الحمود :

إن حمد الحمود شيخ الخزاعل ما زال ينتهز الفرص لمناوأة الحكومة. فجهز الوزير عليه كتخداه بعساكر عظيمة. وفي ٢٦ ربيع الأول

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣٦٤.

(٢) عشائر عفك ذكرتهم في عشائر العراق.

(٣) دوحة الوزراء ص ٣٦٥ وآل النقشلي أسرة معروفة ببغداد.

(٤) التفصيل في كتاب المعاهد الخيرية من تآليفنا الخطية.

١٤١

خرج من بغداد ، فورد الديوانية فرآه متحصنا بالأهوار في (عادلات) محاصرا في سيباية بجموعه ولم يبال الكتخدا وعبر إليه وضيق عليه من جوانبه ولكنه راعى الحيلة للنجاة فأرسل النساء والشيوخ للدخالة وطلب العفو ولكن الكتخدا لم يلتفت وأمر بمهاجمتهم من جميع الأطراف فاضطربوا وتفرق شمل جموعهم ، فانهزم الشيخ حمد الحمود مجروحا ولم ينج إلا بشق الأنفس فضبطت ديارهم وعاد منصورا.

وحينئذ دعا الكتخدا شيخ الشامية محسن الغانم وشيخ الجزيرة سبتي المحسن فاحضرهما إليه وطلب من كل منهما أن يؤدي من الشلب ألف تغار عدا النقود المطلوبة فتعهد بذلك. وجعل (سبتي المحسن) شيخا على الخزاعل في الجزيرة ، ونصب محسن الغانم شيخا على خزاعل الشامية واكساهما الخلع واستوفي منهما الغلال والنقود والميري ثم قفل راجعا إلى بغداد في ٢٦ جمادى الثانية.

هذا وإن صاحب الدوحة كان مع الكتخدا فنظم قصيدة تركية مدح بها الوزير فنالت الجائزة. والملحوظ أن محسن المحمد شيخ الخزاعل توفي في هذه السنة (١).

البابان ـ عزل ونصب :

إن إبراهيم باشا امتدت عزلته. فأراد الوزير أن ينعم عليه فأمر بنصبه متصرفا على بابان فطلب عبد الرحمن باشا أولا لبغداد. وكان منحرف المزاج جيء به في تخته روان. وبعد أن وصل واستراح شفي من مرضه فعزله من لواء بابان إلا أنه أبقى في عهدته كوى وحرير. ووجه لواء بابان وحده إلى إبراهيم باشا فذهب إلى السليمانية (٢).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣٦٣ ومجموعة عمر رمضان ص ١٧٣.

(٢) دوحة الوزراء ص ٣٦٦.

١٤٢

الجوازر ـ السعيد وربيعة :

إن عشيرة السعيد (من زبيد) كانت مقيمة في أنحاء (صلنية). وهناك عاثت بالأمن وكذا شيوخ ربيعة وجب عزلهم وتبديلهم بغيرهم فانتدب الوزير كتخداه علي باشا ليقوم بهذه المهمة. فنهض من بغداد في ٨ ذي الحجة فأدب العصاة من السعيد وأبعدهم وانتهب منهم مواشي عظيمة.

ثم توجه نحو الجوازر ديار ربيعة فنظم أمورها وأنهى الغوائل وحصل منهم على ستين ألف رأس من الغنم وعلى مقدار كبير من الجاموس. وبهذا أكمل مهمته من النهب والسلب وعاد إلى بغداد فدخلها في ١٣ صفر سنة ١٢١٣ ه‍ (١).

حوادث سنة ١٢١٣ ه‍ ـ ١٧٩٨ م

الأحساء ـ الوهابيون :

كانت الأحساء في تصرف أمراء بني خالد إلا أن الأمير عبد العزيز ابن محمد السعود حاربها مرارا. فكانت تذعن مرة وتنتفض أخرى. وكان آخر أمرائها من بني خالد وهو براك بن عبد المحسن يقوم بإدارتها نيابة عن الأمير عبد العزيز.

وردت الأخبار إلى بغداد بأن الأمير عبد العزيز أرسل ابنه سعودا سنة ١٢١١ ه‍ على الأحساء فاستولى عليها عنوة وضبط جميع مضافاتها إلى ساحل البحر حتى وصل إلى القطيف والعقير (العجير) واكتسح كافة القرى والنواحي هناك. وقتل في الأحساء نحو مائتين من علمائها ، أذيع ذلك للتشنيع عليه (٢).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣٦٧.

(٢) تاريخ جودت ج ٦ ص ١٢٠ ودوحة الوزراء ص ٣٦٧.

١٤٣

أثر هذه الوقعة :

وفي هذا التاريخ وصل الخبر إلى ثويني وهو في البصرة فأراد أن يذهب إلى محله إلا أنه أوعز إليه بالذهاب لاستخلاص الإحساء وكانت الدولة حرضت الوزير مرارا فلم تدخر وسعا في التدابير. ومما بعث الأمل ركون قبيلة بني خالد إلى العراق ورئيسها براك بن عبد المحسن الذي انتزعت منه الأحساء ومعه محمد بن عريعر. ولم يتخلف من هذه القبيلة سوى فرع (المهاشير) (١).

اتخذ الوزير الوسائل لتقويته وأمر أن يلتحق به البندقيون من موظفي البصرة وهم (البلوج) وخمس قطع من المدافع وأحمد آغا الحجازي من آغوات الخارج ... وجمع هو عشائر المنتفق والزبير والبصرة ونواحيها وعشائر الظفير وبني خالد. فأخذ العدد وتوجه نحو الأحساء. قال في المطالع وكان ذلك عام ١٢١١ ه‍ ونزل (الجهرا) الماء المعروف قرب الكويت. فأقام نحو ثلاثة أشهر وهو يجمع العشائر والعساكر والمدافع وجميع آلات الحرب من البارود والرصاص والطعام مما يفوق الحصر. وأركب قسما من عساكره في السفن من البصرة ومعهم الميرة تباريه في البحر ، وقصدوا القطيف. وكانت له قوة هائلة.

فلما بلغ ذلك الأمير عبد العزيز أمر الأنحاء التي يحكم عليها من أهل الخرج والفرع ووادي الدواسر والافلاج والوشم وسدير والقصيم وجبل شمر فاجتمعوا واستعمل عليهم محمد بن معيقل أميرا فساروا ونزلوا (قرية الطف) الماء المعروف من ديار بني خالد ، وأمر عبد العزيز بما لديه من العشائر من مطير وسبيع والعجمان والسهول وغيرهم أن يقصدوا ديار بني خالد ويتفرقوا في أموالهم وينزلوا ويثبتوا في وجوه هؤلاء الجنود. فحشدوا واجتمعوا فيها.

__________________

(١) عنوان المجد ج ١ ص ١٠٩ وفيه تفصيل.

١٤٤

ثم حشد سعود بأهل العارض واستلحق غزوا من البلدان ونزل (التنهات) الروضة المعروفة عند الدهناء. أقام فيها ثم رحل ونزل (الحفر) الماء المعروف بحفر العتك فأقام أكثر من شهرين.

وأما ثويني فاجتمع عليه جنوده وبواديه كلها (بالجهرا). ثم رحل منها وقصد ناحية الأحساء فلما علمت عشائر ابن سعود برحيله ظعنوا عن قرية ثم ظعنوا عن الطف وانحاز إلى أم ربيعة لوجود المياه المعروفة في تلك الناحية واشتد عليهم الأمر وساءت الظنون ونزل ثويني بالطف.

وكان سعود أرسل جيشا من الحصر مع حسن بن مشاري بن سعود واستعمله على من كان مع ابن معيقل وصاروا ردءا للعشائر تثبيتا لها.

ثم إن ثويني رحل من الطف ونزل على الشباك الماء المعروف في ديرة بني خالد فلما قصد ثويني ذلك الماء كثر الخلل في عشائر الأمير ابن سعود.

وفي هذه الأثناء حدث الرعب في قوم ابن سعود وحصل اليأس إلا أنه وقع ما لم يكن في الحسبان فإن عبدا اسمه (طعيس) من عبيد (جبور بني خالد) قتل الشيخ ثوينيا ضربه بحربة كان فيها حتفه وقتل العبد من ساعته وحمل ثويني إلى الخيمة.

وكان بين براك وبين حسن بن مشاري مراسلة لأنه ندم على السير مع ثويني لأنه رأى وجهه وإقباله لأولاد عريعر. فعرف أنه إن استولى على الأحساء لم يؤثر عليهم أحدا. فلما قتل ثويني انهزم براك إلى حسن ابن مشاري وكذا من معه من عسكر ابن سعود فوقع التخاذل والفشل في جنود ثويني وألقى الرعب في قلوبهم فارتحلوا منهزمين فتبعهم قوم ابن سعود وعشائره وقتلوا منهم كثيرا وغنموا غنائم عظيمة واستمروا في سوقهم إلى قرب الكويت يقتلون ويغنمون وحازوا منهم أموالا عظيمة من

١٤٥

الإبل والغنم والزاد والمتاع وغير ذلك. وأخذوا جميع المدافع والقنابر ووضعت في الدرعية وتفرقت تلك الجموع البرية والبحرية. كان قتل ثويني في ٤ المحرم سنة ١٢١٢ ه‍ وسميت هذه الوقعة سحبة (١).

ودفن ثويني في جزيرة العمائر (٢).

وفي الدوحة أن الضارب حينما ضرب نادى (الله أكبر!). ضرب ثوينيا بصدره حتى خرج السنان من ظهره ... وقال : اضطربت الآراء في القاتل فلم يقطع بعضهم في أنه عربي وآخرون أبدوا أن براكا ومحمدا العريعر طمعا في الانفراد بالأحساء ولما شاهد براك أن ثوينيا تقرب منها وأحس أن النية مصروفة إلى أن الأحساء سوف تعطى إلى محمد العريعر يئس من نيل مرغوبه فكان القاتل من عربه وأن الغدر كان بترتيب منه.

إن حدوث هذه الوقعة أدى إلى رجعة الجيوش والعدول عن السفر إلى الأحساء فصارت سبب الخذلان. ولما عادوا نحو مرحلتين شاهدوا براكا يقود عساكر عظيمة من جيوش الوهابية ...

ولذا ترك إخوة ثويني وأعيان المنتفق المدافع وعسكر البلوج واكتفوا بحماية أهليهم وعيالهم ورجعوا ، وأن عساكر الوهابية قتلوا عسكر البلوج وغنموا المدافع وأخذوها إلى الدرعية.

وثويني هذا هو ابن عبد الله بن محمد بن مانع القرشي الهاشمي ، العلوي ، الشيبي. تولى مشيخة المنتفق كما تولاها أبوه وجده وكان أحد أجواد العرب ومن وقائعه المشهورة (يوم دبّي) مع قبيلة كعب وكانوا غزوا أخاه صقرا فأبلى في هذه الوقعة البلاء الحسن وانتصر عليهم. ومن أيامه اليوم المسمى (بضجعة) المعروفة بلفظ (جضعة) وهذه مع بني خالد

__________________

(١) عنوان المجد ج ١ ص ١٠٩ وفيه تفصيل.

(٢) مطالع السعود ص ١٣٩.

١٤٦

حينما استنصره عبد المحسن بن سرداح على شيخ بني خالد سعدون بن عريعر ومن وقائعه (يوم التنومة) (١) بنجد حاصرها. وكان قاصدا حرب ابن سعود ولكنه بدا له أن يرجع فعاد. وحاصر البصرة فكان ما كان.

فورد خبر هذه الوقعة في سنة ١٢١٣ ه‍.

مشيخة المنتفق :

وحينئذ وجهت مشيخة المنتفق إلى حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع الشبيبي ابن أخي ثويني لأمه وابن عم له. وهو مشهور بالأناة لحدّ أنه بلغ به درجة الوسواس. وصاحب المطالع يذم كاتبه.

ومن وقائعه المشهورة (يوم الرضيمة) وهو يوم لسعدون بن عريعر على ثامر (٢).

ومنها (يوم أبي حلانة) على محمد علي خان الزندي. ومنها يوم سفوان علي ثويني ومصطفى آغا الكردي متسلم البصرة ، ومنها (يوم علوي) ماء قريب من البصرة القديمة. وله ذكاء وبصيرة. وعمي في أواخر أيامه. استمرت إمارته الأخيرة هذه من سنة ١٢١٢ ه‍ إلى سنة ١٢٤٢ ه‍.

وأطنب صاحب المطالع في الثناء عليه ... وبين أنه في مدة إمارته هذه أطاعه البادي والحاضر ...

مهاجمة سعود ابن الأمير عبد العزيز :

في شهر رمضان سنة (١٢١٢ ه‍) سار سعود بن عبد العزيز بن

__________________

(١) قرية مسماة باسم الشجرة التي تنبت في تلك الأرض وبها الآن عين ماء تسمى (عين ابن فهيد) لأنه السبب في اظهارها. مطالع السعود ص ١٤٤.

(٢) مطالع السعود ص ١٤٧. ودوحة الوزراء.

١٤٧

محمد بن سعود بجميع نواحي نجد وعشائرها وقصد الشمال وأغار على أنحاء المنتفق (سوق الشيوخ) فصبح القرية المعروفة (بأم العباس) وقتل منهم كثيرا ومنهم من فر ومنهم من غرق. وكان حمود في البادية فلما بلغه الخبر جد في السير ليدركه فلم يظفر به.

ثم سار سعود بعد أن رجع ووصل إلى أطراف نجد عطف وأغار في سنته على تلك البادية وقصد جهة السماوة وأتاه عيونه وأخبروه بعربان كثيرة مجتمعين في الأبيّض الماء المعروف قرب السماوة فوجه الجيوش وأغار عليهم. وكانت تلك العشائر كثيرة منهم شمر ورئيسهم مطلق بن محمد الجرباء الفارس ومعه عدد من قبائل الظفير وآل بعيج والزقاريط وغيرهم. فحصل بينهم قتال شديد وطراد خيل. ثم حمل عليهم قوم ابن سعود فدهموهم في منازلهم وبيوتهم فقتل عدة رجال من فرسان شمر والظفير وغيرهم ...

وقتل ذلك اليوم مطلق بن محمد الجرباء. وكان على جواد سابق وهو يقلبها يمنة عدوه ويسرته فعثرت به فرسه في نعجة وأدركه خزيم بن لحيان رئيس السهول فقتله وغنم قوم ابن سعود أكثر محلتهم وإبلهم ومتاعهم.

وقتل من قوم ابن سعود نحو خمسة عشر رجلا من بني خالد منهم براك بن عبد المحسن رئيس بني خالد ومحمد العلي رئيس المهاشير (١).

هذا وإن صاحب المطالع عد الوقائع المذكورة في سنة ١٢١٢ ه‍ على أنها مما وقع عام ١٢١٣ ه‍ وفي هذا وافق صاحب عنوان المجد في تاريخ نجد وخالف صاحب الدوحة.

__________________

(١) عنوان المجد في تاريخ نجد ج ١ ص ١١٢ ومطالع السعود ص ١٤٨.

١٤٨

حرب الوهابية والتأهب لها من جديد :

كان لوقعة ثويني شيخ المنتفق تأثيرها في الحكومة لا سيما وقد تلتها وقعة سوق الشيوخ ووقعة الأبيض وقتلة مطلق الجرباء ... ولذا اهتموا للأمر وعهدوا إلى الكتخدا علي باشا بالقيادة. وكان سمع الخبر في الجوازر فتألم للمصاب ورغب في الحرب. فلما رأى من الوزير عين الرغبة هيأ ما يلزم من وسائل السفر. وحينئذ فتح الوزير خزائنه وبذل ما في وسعه من الاهتمام.

ولم تمض بضعة أشهر حتى تمكن من إعداد العدد لسفر عظيم. وعلى هذا وفي ٢٢ من شهر ربيع الآخر سنة ١٢١٣ ه‍ تحرك الكتخدا من بغداد وتوجه نحو الوهابية. وانتظر في الدورة تسعة أيام لتتلاحق بقايا الجيوش وفي اليوم العاشر تحرك منها ، فكان يتوقف في بعض المنازل خمسة أيام أو أكثر إلى العشرة وفي بعضها يمكث يومين أو ثلاثة ثم يتحرك حتى واصل سيره ووافى البصرة ، ونزل في باب الرباط.

وأعدت له الأرزاق في البصرة عدا ما أحضره معه من بغداد وأحضرت السفن كواسطة بحرية لنقل المؤونة كما أنه هيئت الإبل للنقل برّا. فاستكمل مقتضيات السفر وبعد أن أقام فيها نحو عشرة أيام تحرك منها متوجها نحو الزبير فنزل بالقرب منها في محل يقال له دريهمية وتقع في شرقي الزبير. وجهز من النجادة نحو خمسة آلاف بندقي استؤجروا لهذا الغرض (١) ... وسارت معه عشائر المنتفق مع رئيسهم حمود الثامر وآل بعيج والزقاريط وآل قشعم وجميع عشائر العراق ، وكذا عشائر شمر والظفير. وسار معه أهل الزبير ومن يليهم فاجتمعت جموع كثيرة حتى

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٤٣٦ مخطوطتي.

١٤٩

قيل إن الخيل التي يعلق لها ثمانية عشر ألفا. فسار علي باشا الكتخدا بتلك الجموع وقصد الأحساء (١).

نهض الجيش من هناك. وكان يجب أن يتوجه إلى الدرعية من طريق الأحساء لأنها أقرب وفيها عبد العزيز وابنه سعود إلا أن الكتخدا عول على هذه الطريق إلى جهة الآبار مورد الفيلق لا سيما أن الآبار في طريق الأحساء يبعد الواحد منها عن الآخر نحو عشرين ساعة وبينهما منزلتان وهذه لا يتيسر للجيش قطعها حتى يحصل على الماء. وأيضا أن طريق الدرعية غير صالح لأن مسافة الماء فيه ما بين المنزلتين تبعد مسيرة ثلاثة أيام بلياليها. فالجيش أثقاله كثيرة ومدافعه ضخمة ومعه ألوف مؤلفة من الجنود والعشائر والأهلين والعيال والإبل والحيوانات الأخرى فلا يستطيع الصبر والاستغناء عن الماء.

وأيضا لو اتخذ طريق الدرعية وسلك الجيش منه لما تمكن من نقل أرزاقه وأمتعته وسائر لوازمه ، ولحرم من الاستفادة من طريق البحر. ولكان اكتفى ببعض العشائر والخيالة ومقدار قليل من الإبل في حين أن عدة الإبل ووسائل النقل كبيرة جدا وأن الإبل وحدها تبلغ نحو ثلاثين ألفا. وهذا من الصعوبة بمكان.

فهذه القوة لا يمكن إدارتها بلا وسائط النقل المذكورة. وكذا لا يتيسر النقل من البحر إلى الدرعية فلا يطيق الجيش قطعها إلا أن يكون وحده أو العشائر بأنفسهم ...

لذلك كله رجح قائد الجيش الرأي القائل بلزوم نقل الذخائر والأمتعة من البحر إلى الأحساء ومنها إلى الدرعية فعدل عن الذهاب إلى الدرعية رأسا فمضوا في طريق الأحساء حتى وصلوا (سفوان) ومنه وفي

__________________

(١) عنوان المجد ج ١ ص ١١٨.

١٥٠

اليوم التالي نهض الجيش فوصل (الروضتين). وذمها صاحب الدوحة وقال إن اسمها على خلاف مسماها. ومنها توجه إلى (الجهرة) فنزلها وكانت مياه آبارها ملحا أجاجا.

وحينئذ وصلت السفن التي سيرت من البصرة حاملة المؤونة إلى أن جاءت إلى مكان تجاه (الجهرة) من البحر. ولكن الغربان (نوع سفن) لم تستطع الوقوف هناك ولا التقرب إلى الساحل. فاستشكل الأمر وصعب إلا أنه بواسطة شيخ الكويت استكريت بعض السفن الصغيرة. و (البتيلات) فسهل ايصالها إلى مكان قريب من الأحساء يقال له العقير (العجير) فنقلت المؤن والمهمات بواسطتها وجيء بها إلى العجير وأعطيت الأجرة إلى شيخ الكويت.

ومضى الجيش نحو عشرة أيام حتى وصل إلى (بلبول) الواقع في ساحل البحر ومشت السفن إليه واستصحب الجيش أرزاقه ليصل إلى (بلبول) حملوها على ظهور خمسة آلاف بعير استكروها من العشائر التي معهم. فاضطروا للتوقف في الجهرة ومنها ذهبوا إلى (بلبول).

ولما وصلوا إليها انتهت الأرزاق المصحوبة معهم. ووصلت السفن حين قربوا من بلبول. وفيه أقاموا عشرة أيام وأخذوا من السفن أرزاق شهر. حملوها على ظهور الإبل ونهضوا من هذا المنزل ساروا عشرة أيام إلى أن وصلوا إلى قرية (نطاع) من قرى الأحساء. وهناك أقاموا نحو عشرة أيام استراحوا خلالها.

ثم قطعوا الفيافي والقفار حتى قربوا من الأحساء ، وحينئذ دعوا أهليها إلى الانقياد والطاعة إلا أن في الإحساء قلعتين إحداهما يقال لها (المبرز) والأخرى تدعى (الهفوف). وفي هاتين القلعتين حاصر قوم من الوهابية بأمر من عبد العزيز وفيهما كل من سليمان الماجد والحاج إبراهيم بن عفيصان أما سليمان بن محمد بن ماجد فهو من أهل بلد

١٥١

ثادق. وكان في قلعة المبرز. حاصر حصار الأبطال. ويسمى القصر المحصور (صاهود) وأما إبراهيم بن سليمان بن عفيصان فقد حاصر في (قصر الهفوف) وحاولوا الهجوم عليهم مرارا عديدة فلم يحصلوا على المراد.

فهؤلاء تحصنوا وأبوا أن يسلموا ... حتى رفع الحصار عنهم. فاتخذ الجيش كل الوسائل ، فلم يفلح في اكتساح القلاع (١).

اتخذ الجيش الوسائل العديدة للاستيلاء على القلعتين واستعمل المدافع ... فلم يتيسر له الأمر ، وقوي أمل المحصورين وغابت آمال الجيش ، وقلت المؤن ، وماتت الإبل ولم يبق منها إلا القليل. ولذا ألح الجيش في العودة. وإن الإبل لم تستطع أن تجر الأثقال والمدافع ، فاضطروا على الرجوع بلا زاد ، فانصرفوا من محلهم في ٧ ذي القعدة وتركوا الأحساء وأبقوا أمتعتهم وأموالهم في محالها (٢).

وفي اليوم الرابع عشر من رحيلهم وصلوا إلى المحل الذي قتل فيه ثويني وهو المسمى (بالشباك) ولذا حاروا في أمرهم من فقد الزاد والطعام وقلته من جهتهم ومن جهة دوابهم ومواشيهم ونالهم اضطراب شديد ويئسوا من الرجوع إلى مأمنهم ولكنهم على كل حال مضوا في سبيلهم ...

وفي هذه الأثناء ساقهم الله إلى مراع خصبة اهتدوا إليها. فما بقي لديهم من الدواب رعت بضعة أيام ورتعت في هذه المواطن فلم يحتاجوا خلالها إلى (العليق) أو العلف ليطعموا دوابهم فاضطروا إلى النزول ولكنهم أضاعوا الخيام فتحروا عنها.

__________________

(١) عنوان المجد ج ١ ص ١١٨ وفيه تفصيل.

(٢) عنوان المجد ج ١ ص ١١٨ وفيه تفصيل. ودوحة الوزراء ص ٤٤٣ مخطوطتي.

١٥٢

وفي الحين هبت رياح موحشة وصواعق مدهشة فأمطرت السماء بوابلها ... وكل واحد من العسكر ماسك بعنان فرسه صابر على هذا البلاء ولا يدري ما سيصيبه في ليلته. وقضوها ولم يغمض لهم جفن في حالة لا توصف فلم يبق لواحد منهم أمل في الحياة ...

وعند الصباح حينما طلعت الشمس جاء البشير فأخبر بوجود الخيام فاستعاد الجيش حياة جديدة وانتعش بالعثور على خيامه ... ولكن الطعام نفد ولم يبق زاد يعيشون به فارتبكوا من هذه الجهة وحاذروا من الهلاك ...!

وفي اليوم التالي من استراحتهم اخبروا أن بضعة قطع من السفن (الغربان) وصلت إلى جزيرة العماير في ساحل البحر فعينت بعض الخيالة مع مقدار من الإبل لجلبها وإيصالها إليهم. ولما وصلت ظهر أنها قسط يوم واحد فقسمت على العسكر. فمن أصابه رطل شعير فكأنما ربح كل الغنى ...

بينا كانوا في هذه الحالة إذ داهمهم العدو تحت قيادة سعود بن عبد العزيز ومعه أهل اليمن والعارض وجبل شمر فاغتنم الفرصة من حالة الجيش وجاءهم على حين غرة. علم أن الجيش عاد عن الإحساء وأنه تفرق لقلة الأرزاق وتشتت شمله وأنه لم يبق سوى علي باشا وشرذمة قليلة معه فرجع فارا. ولذا انتهز الفرصة بناء على أخبار ابن عفيصان كتب إلى الأمير عبد العزيز وهذا أرسل ابنه سعودا.

ولما سمع علي باشا سر كثيرا وعزم على محاربتهم. فأعد الجيش ومشى على سعود المذكور ، وهذا أيضا بناء على إغراء ابن عفيصان عجل بالموافاة وأن لا تضيع هذه الفرصة من أيديهم. وعند وصوله للمحل ومقاربته منهم رأى الجيش متأهبا للكفاح ، ولذا نزل في محل يقال له (محنات) واتخذ المتاريس فيه ، وتحصن.

١٥٣

وعند ما شاهد ذلك علي باشا نزل في محل يقال له (ثاج) (١) وهو ماء في ديرة بني خالد ونصب خيامه هناك وطول نهار ذلك اليوم تطارد خيالة الطرفين في ميدان الحرب حتى المغرب فقتل بعض أشخاص معروفين من الوهابيين ومن جيش الحكومة قتل أخو حمود وهو خالد الثامر.

وحينئذ رأى قوم ابن سعود الرعب والهلع وقلت همتهم. ولذا رغبوا (٢) في الصلح فأرسلوا رقعة يسترحمون فيها رغبتهم في الصلح. وهذه صورة كتابهم :

«من سعود العبد العزيز إلى علي ،

أما بعد ما عرفنا سبب مجيئكم إلى الإحساء وعلى أي منوال جئتم. أما أهل الإحساء فهم أرفاض ملاعين ونحن جعلناهم مسلمين بالسيف. وهي قرية الآن ليس داخلة في حكم الروم بعيدة منكم ولا يحصل منها شيء بسوى تعبكم. ولو أن جميع الإحساء وما يليها تؤدي لكم دراهمها ما تعادل مصارفكم التي عملتموها في هذه السفرة ولا كان بيننا وبينكم من المضاغنة قبل ذلك إلا ثويني فهو كان معتدي ولقي جزاءه. فالآن مؤمولنا المصالحة فهي خير لنا ولكم والصلح سيد الأحكام.» اه.

ومن هذا استدل صاحب الدوحة بضعف مقاومة سعود ، وأن الجيش كان راغبا في المقاومة إلا أن العليق (العلف) قد قلّ ، والمياه

__________________

(١) في عنوان المجد أن جيش سعود نزل الثاج. وأن علي باشا نزل الشباك الماء المعروف قرب الثاج ثم إن علي باشا لما سمع بمجيء سعود زحفت جيوشه من الشباك ونزلت ثاج ... (ص ١١٩).

(٢) وفي عنوان المجد أن الباشا هو الذي طلب الصلح والمكافة من الطرفين (ص ١١٩).

١٥٤

الموجودة لا تكفي لسد الحاجة. ومن جهة أخرى أن الأعداء كانوا يعرفون أنواع المياه. ولذا انحازوا إلى المياه العذبة وتركوا الجيش في المياه المالحة والقليلة الموارد. وأيضا قد حفر الجيش نحو خمسمائة بئر وكلها ماؤها أجاج فلا يسيغ المرء بلعه إلا بمشقة.

وأن أخذ الماء منهم يحتاج إلى مقاتلتهم وإزاحتهم عن مواقعهم ، وأن تستعمل المدافع ضدهم ، ولكن المدافع كانت عاطلة. لأنها دفنت لوازمها في جهة الإحساء لعدم القدرة على حملها.

يضاف إلى ذلك أن الدوام على مقاومة هؤلاء والوقيعة بهم أو منازلتهم يؤدي إلى نفاد الذخائر والأطعمة. فالجيش ليس لديه إلا قوت يومه ويخشى أن يهلك ويضمحل بنفاد زاده ...

وعلى كل حال فاختيار أحد الشقين وهو الاستمرار على المنازلة يؤدي إلى نتائج وخيمة وليس من المصلحة ارتكاب هذا الخطر. لذا تذاكر علي باشا مع أعيان الجيش فكتب الباشا كتابا هذا نصه :

«من علي باشا إلى سعود العبد العزيز :

أما بعد فقد أتانا كتابك وكلما ذكرت من أمر المصالحة صار معلومنا.

لكن على شروط نذكرها لك فإن أنت قبلتها وعملت بها فحسن وإلا فإننا ما عاجزون عنك ولا من طوائفك بعون الله وقوته. وعندك الخبر الصحيح إذا اشتدت الهيجا ، وانشقت العصا فحسبك الضحاك والسيف المهند حيث لنا مقدار أربعة أشهر في بلادك نجوب الفلا ونستأسر أهل القرى ما قدرت تظهر من مكانك غير هذه الدفعة. وبهذه الدفعة أيضا اغتررت بقول ابن عفيصان. فأما الشرط الأول هو أن الإحساء لا تقربها بعد ذلك. والثاني الأطواب التي أخذت من ثويني أنك ترجعها ، والشرط الثالث تعطينا جميع ما صرفناه على هذا السفر ، والرابع أن لا تتعرض للحجاج التي تجيء إليك من العراق ولا تتعرض

١٥٥

لأبناء السبيل وتكف عن غزوك العراق وتكون معنا كالأول فهذه الشروط التي أخبرناك بها والسلام على من اتبع الهدى.» انتهى.

أما سعود فإنه قبل بالشروط التي تمكن على إنقاذها وكتب كتابا آخر هذه صورته

«جاءنا كتابكم وفهمنا معناه. أما عن حال شروط المذكورة فأولا الأحساء هي قرية بعيدة إلى دياركم وخارجة عن حكم الروم وما تجازي التعب ولا فيها شيء يوجب الشقاق بيننا فهذا حالها. وأما الأطواب فهي عند والدي بالدرعية إذا صدرت إليه أعرض الحال بين يديه. والوزير سليمان باشا أيضا يكتب له فإن صحت المصالحة وارتفع الشقاق من الطرفين فهي لكم وأنا كفيل بها إلى أن أجيبها إلى البصرة. وأما مصارفكم فإني لم أملك من هذا الأمر شيئا والشور في يد والدي. والذي عندنا فهو يصلكم. وأما ما ذكرتم عن الطريق وعدم التعرض للحجاج المترددين ما لهم عندنا غير الكرامة والتسيار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.» اه.

كان اعتذار الموما إليه عن قبول بعض الشروط ظاهرا له مبرر. ولذا أمضيت المصالحة طبق الشروط الأخرى وقبل بها الطرفان (١). ثم إن سعود ابن الأمير عبد العزيز رجع قاصدا الإحساء فنزل عليه ورتب حصونه وثغوره وأقام فيه قرب شهرين واستعمل عليه أميرا سليمان بن محمد بن ماجد. ثم رحل إلى وطنه قافلا راجعا (٢).

وعلى هذا نهض الجيش أيضا من محله وبألف صعوبة وأنواع المضايقات من جهة الأرزاق وسائر الاحتياجات جاب الصحارى والقفار

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٤٤٧ ونصوص هذه الكتب في مطالع السعود أيضا ص ١٥٣ مخطوطتي.

(٢) عنوان المجد ج ١ ص ١١٩.

١٥٦

وقطع المهامة والفيافي حتى وصل إلى البصرة بنفسه الأخير. وحينئذ نزلوا في (باب الرباط) فأخذوا الذخائر وما يحتاجون إليه وبقوا مدة خمسة عشر يوما للاستراحة ثم نهضوا منها وتوجهوا نحو بغداد.

فدخلوها في ٤ صفر سنة ١٢١٤ ه‍.

ودامت السفرة تسعة أشهر وخمسة وعشرين يوما.

ويلاحظ هنا أن الجيش أصابته مخاطر جليلة في ذهابه وإيابه وضاقت عليه الأرض بما رحبت ونالته أنواع الشدائد ، فالطريق مجهولة ، والوسائط غير كافية ، والتأهبات زائدة ... وكان يتوقع اضمحلاله وهلاكه. فإن كل مشكلة أصابته كانت كافية لإفناء الجيش بتمامه ... ومع هذا نجا في آخر نفس وكاد يفارق الحياة. فالسفر من بغداد إلى الأحساء ، أو إلى الدرعية صعب المنال ولا يتيسر لكل أحد بسهولة وهذه الوقعة تبين نبذة منه وتعرف بالحالة ...

ولذا قيل إن مثل هذه الحرب لا يستطيع وزير أن ينهض بها ويقوم بمهماتها لأنها ليس مما يدخل تحت طاقته واستطاعته. أما سليمان باشا فإنه كان قد اكتسب في خلال تسع سنوات من سنة ١١٩٤ ه‍ إلى سنة ١٢١٣ ه‍ مبالغ وفيرة. وهذه كلها صرفت على هذا السفر ولم تكمل مؤنته ولا سدت احتياجاته ...

وليس لدينا قيود ثابتة ولا وثائق صحيحة تبين مصروفات هذه السفرة بصورة كاملة إلا أنه عرفت بعض الأقلام عن المصروفات وذلك أن النجادة مثلا كانوا من زوائد الصنوف العسكرية استكريت إبلهم فبلغت شهريتها مائة ألف غرش كما أن قيمة عليق الفرس للجيوش بلغت من حين مجيئه من إربل إلى أن وصل إلى بغداد فالبصرة ليرة عثمانية ذهبا ما أمكن تحقيقه. وليقس على ذلك سائر اللوازم والمصروفات الأخرى مما

١٥٧

لم يذكر وهو أكثر بكثير ما سبق بيانه (١) ....

وفي مطالع السعود معارضة للدوحة ونقل منها :

«وما ذكره المؤرخ التركي ـ صاحب الدوحة ـ من أن العسكر أصابه ضرر من قلة العلف والزاد فلا أصل له بل الذي اشرف على الهلاك عسكر سعود من قلّة الزاد وما معه. ولقد والله خدع الكتخدا في تلك المصالحة ... وأن حمود بن ثامر أبى المصالحة إلا أن يعطيه الكتخدا كتابا في أن المصالحة عن اختياره. وقد رمى في ذلك محمد بن عبد الله بن شاوي. وهو بريء. لكنه اعتمد على من سبق ذكره. ولو سأل غيره وتروى لكان قتال العدو هو الأولى لكونه على غاية من الوهن ...» اه ص ١٥٥.

وصاحب المطالع متحامل على آل سعود فلا يؤمل أن يكون محايدا.

الأحساء إلى هذا التاريخ :

مر في المجلد الخامس أن آل حميد من بني خالد استولوا على الأحساء في سنة ١٠٨٠ ه‍ وأولهم براك بن غرير ومعه محمد بن حسين ابن عثمان ومهنا الجبري ، وقتلوا عسكر الباشا الذي في الكوت (٢) وذلك بعد أن قتلوا راشد بن مغامس رئيس آل شبيب ونهبوا عشائره وطردوهم عن ولاية الأحساء.

وجاء تاريخ ذلك (طغى الماء) قال أحد أدباء أهل القطيف :

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٤٤٨ مخطوطتي. وفي تاريخ نجد وعلاقته بالعراق تفصيل. ومطالع السعود ص ١٥١ مخطوطتي.

(٢) الكوت محلة في الأحساء.

١٥٨

رأيت البدو آل حميد لما

تولّوا أحدثوا في الخط ظلما

أتى تاريخهم لما تولوا

كفانا الله شرهم (طغى الما)

ودامت ولايتهم إلى سنة ١٢٠٨ ه‍ وكان آخرهم زيد بن عريعر ثم استولى عليها براك بن عبد المحسن في تلك السنة نائبا عن الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود فزالت ولاية آل حميد.

وجاء تاريخ زوالهم (وغار). وذيّل بعض الأدباء على البيتين المذكورين بقوله :

وتاريخ الزوال أتى طباقا

(وغار) إذ انتهى الأجل المسمى

ولهؤلاء وقائع مهمة ولكن حصل انشقاق فيما بينهم أدى إلى أن يميل براك إلى آل سعود ويستولي على الأحساء بالنيابة عن الأمير ابن سعود ثم ثار الأهلون عليه فاكتسح سعود ابن الأمير عبد العزيز المدينة فصارت خالصة لآل سعود سنة ١٢١٢ ه‍ (١) وأن وقائع ثويني ، وعلي باشا الكتخدا وما يليها ، كانت من جراء براك المذكور وانفصاله مؤخرا عن ابن سعود ، وكانت تأمل الدولة الاستيلاء عليها بقوة سليمان باشا الوزير. فخذل.

حوادث سنة ١٢١٤ ه‍ ـ ١٧٩٩ م

قبائل عنزة :

كانت مواطن عنزة سورية ، وهي من عشائرها ، ومن أمد يأتون للاكتيال ، ولما انحدروا هذه المرة نزلوا مقاطعة الطهماسية التابعة للحلة

__________________

(١) كانت الوقعة في ذي القعدة سنة ١٢١١ ه‍ ودامت إلى سنة ١٢١٢ ه‍.

١٥٩

وتطاولوا على عشائر العراق ، كما أنهم أغاروا على عشائر الدليم فانتهبوا منهم أموالا كثيرة وأضروا بهم. وكان أمل الحكومة أن توجه إليهم جيشا تؤدبهم به ولكن صادف أن جاء شيخهم (فاضل) إلى بغداد فأكرمه الوزير وأظهر له اللطف والاحترام وألبسه الخلعة. ثم نبهه أن يعيد خلال عشرة أيام المنهوبات من الدليم ، وأن يكفوا عن الأعمال المضرة بالأمن ، المشوشة للراحة فتعهد الرئيس بذلك وعاد لمحله.

انقضت مدة المهل ولم تظهر نتيجة. لم يطعه قومه في أداء المنهوبات كما أن قبائله استمرت في إضرارها بالقبائل وبقيت عابثة بالأمن لذا سير الوزير الكتخدا علي باشا للتنكيل بها والقضاء على غوائلها فذهب بجيش جرار وأغار على مواطنها. وفي منتصف الليل وصل جسر الهندية فاستخبرت عنزة. ولما لم يكن لها طريق للفرار سوى المرور من ذلك الجسر التجأت إلى قبائل قشعم ، والأسلم والرفيع فأخفوهم بينهم بمقتضى الشيمة العربية. وعند طلوع الفجر استقبل شيوخهم ورؤساؤهم العسكر وأسرعوا لملاقاته فتضرعوا في العفو وقدموا أن أموالنا أموالهم وأعراضنا أعراضهم ونحن رعاياكم ، فشفعوا فيهم وقالوا ثلاثة آلاف بعير وخمسين حصانا والتمسوا قبول العفو وعلى هذا راعى الكتخدا جانب المذكورين فقبل ملتمسهم وأقام هناك نحو عشرة أيام فاستوفى تعهداتهم في خلالها وأرسلها إلى الوزير ثم أعطاهم مجالا للعبور فعبروا (١).

التوجه إلى الحلة :

ثم إن الكتخدا توجه إلى الحلة فشكا الأهلون من ضابطها (علي چلبي) فعرض الكتخدا الحالة على الوزير فصدر الأمر بعزله وأقام مكانه

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٥٦ ودوحة الوزراء ص ٢١٢ المطبوعة.

١٦٠