موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

بك الميراخور الثاني بالفرمان. وردت البشرى مع التتار كما وصل جوقدار دار السعادة في اليوم نفسه. وردوا من الدجيل فدخل الوزير الخيمة ونزل الجيش في خيامه ، وأن الوزير قرأ قوائم آغا دار السعادة مع مير اخور الدولة في ديوانه ، فأظهر الأفراح.

وأما محمد باشا فإنه حينما سمع بحركة الوزير سليمان باشا من الحلة اتخذ في جانب الكرخ متاريس في الأزقة ، وأمر أن تحاصر بغداد ، وعيّن أو جقلية (١). فاتخذ وسائل الحصار. وحينئذ جاء أحد چوقدارية محمد باشا والي كركوك وهو أوشار أوغلي ، وبعض الأشخاص إلى بغداد بالبشرى على حين غرة وبينوا أن سليمان باشا صار واليا ، وأبدوا أن محمد باشا أرسلهم فأخبر الوالي بأن هؤلاء جاؤوا ليوقعوا فتنة ومن ثم قتل أوشار أوغلي وخمسة أشخاص معه. ونبه الوزير بأن من ذكر اسم سليمان باشا قتل.

وفي مساء ذلك اليوم في ١٨ شوال ورد عثمان آغا آل يوسف آغا بالقوائم إلى بغداد مرسلا من محمد باشا ، وفي اليوم التالي أرسل أحمد آغا بربرباشي سلحشور السلطان ، مع تتار إلى الوزير محمد باشا ، وأن كاتب خزانة المرحوم أحمد باشا أرسل لاستقبال الميراخور الثاني مصطفى بك إلى الموصل ، وفي يوم الأحد جاء كل من مصطفى الدفتري وآغا الينگچرية ، وبعض الأشخاص إلى الوزير سليمان باشا ، وكذا علي آغا كتخدا الوزير وأبدوا أنه نصب علي آغا قائممقاما ، وأن هؤلاء أرسلوا مع كتخدا محمد باشا السابق وهو عبد الرحمن بك إلى بغداد.

وفي ٢١ منه يوم الاثنين بعد العصر تحرك الوزير سليمان باشا من المحل المذكور ، ونزل حديقة المرحوم (أحمد باشا). وفي يوم الثلاثاء أرسل عثمان الجنباز إلى البصرة بالبشرى. وفي ٢٥ منه الجمعة أرسل

__________________

(١) نوع من الجند. وكانوا يسمون (قوجقلي) بلسان العوام.

٢١

كل من عبد الله آغا من أغوات الداخل ، وعثمان آغا تفگچي باشي ، فأركبوا السفن ليأتوا بحرم الوزير ، فذهبوا إلى البصرة وأن أحمد أفندي عين متسلما ، وعمر آغا المطرجي نصب آغا القرنة. وفي غرة ذي الحجة الأربعاء توجه إلى بغداد الميراخور الثاني مصطفى بك. فوصل إلى الموصل ، وركب كلكا وسار نحو بغداد ، فمضى لاستقباله أحمد آغا إلى الدجيل بأمر من الوزير. وفي ٦ منه يوم الاثنين دخل الوزير بغداد من باب الإمام الأعظم. وفي ٧ منه الثلاثاء ورد مصطفى بك المير اخور الثاني شريعة بلد ، وشرف خيمة أحمد آغا. وفي مساء ذلك النهار ورد مع نحو ٢٠ من أتباعه من طريق البر مع أحمد آغا متوجها إلى بغداد. وفي ٩ منه ليلا وصل إلى ناحية الإمام الأعظم. وفي اليوم التالي دخل بغداد باحتفال مهيب. وفي ١١ منه أظهر الأهلون أفراحهم بورود الوزير مدة أربعة أيام ، لما نجاهم به الله تعالى من الغوائل وقطع دابر النزاع.

وفي ٢٧ منه ورد الأمر بتفويض منصب مير اخور أول للمير اخور الثاني مصطفى بك (١).

حوادث سنة ١١٦٣ ه‍ ـ ١٧٥٠ م

حرم الوزير :

وفي ٣ المحرم سنة ١١٦٣ ه‍ ورد الخبر بأنها تحركت من البصرة. وفي ١٦ ذي الحجة الخميس سار أحمد آغا من بغداد. وفي ٢٣ منه الخميس وصل إلى العمارة ، وأن الحرم أيضا وردت شط العمارة وبقيت سبعة أيام. وفي ٢٥ منه السبت تحركوا منها.

__________________

(١) تاريخ نشاطي.

٢٢

٢٣

وفي ٢٩ منه الأربعاء وردوا ناحية سلمان پاك (رض) وأن الوزير ذهب إلى هناك ، وفي غرة صفر الجمعة ساروا ويوم السبت نزلوا الميدان الجديد بخيامهم ، وفي المساء دخلوا بغداد (١).

حوادث البصرة

وكان الوزير سليمان باشا نهض من البصرة إلى أنحاء الحسكة. وفي هذه الأثناء كانت المنازعة مع محمد باشا وهذا الباشا كتب إلى قبودان باشا ، وإلى منيخر أن يضبطوا البصرة ، وبموجب أمر محمد باشا اتفق منيخر مع القبطان (القبودان) عند ما كان الوزير في الحسكة فأراد رئيس العرفاء علي آغا أن يعود بمبلغ أربعين ألف قرش من البصرة علوفة للوندات إلا أن القبودان ضبط هذه المبالغ ، وفي شهر رجب ذهب حسين آغا متسلما إلى البصرة فألقى منيخر القبض عليه وحبسه ، فذهب الأغوات إلى منيخر ، وأعطوه مقدارا من الدراهم فأطلق حسين آغا ، فصار قائممقاما في البصرة ، ثم توفي.

وفي ٤ شعبان جاء خبر الانتصار ، فدخل الشيخ موص البصرة ، فصار أحمد أفندي قائممقاما بأمر من الوزير. وفي شهر رمضان سلط القبطان الأهلين على دار الحكومة (السراي) ، وعلى بيوت الموظفين لينهبوا ما وجدوا ، وصار الناس يهاجمون بالبنادق والطبنجات من أول الليل إلى الصبح ، ولا تخلو الوضعية من المقاتلة فنهبت بيوت الكثيرين بالقوة ، وأن أحمد أفندي اتفق مع أعيان البلدة فكانوا يحافظون السراي. وفي ٢ ذي القعدة يوم الأربعاء أرسل محمد باشا فرمانا بتعيين القبطان متسلما على البصرة ، فوصل خبر ذلك ، فتابعه بعض الأعيان ، وبواسطة نحو أربعة آلاف أو خمسة آلاف هاجموا الكتخدا وهذا بمن معه من

__________________

(١) كذا.

٢٤

أتباع نحو ٥٠ من أغوات رانجة ، و ١٥٠ (بندقيا) ، وبراتليا ، ومائة تابع من أغوات ، ويبلغون نحو خمسمائة ، اتخذوا متاريس ، في ١٩ موقعا ، وشرع في حرب الباشا المذكور ، وعدا ذلك وضعوا مدفعا في نهر العشار لمحافظة حرم الوزير ، ومدفعا آخر مع متاريس لمحافظة الكمرك من أطرافه وهكذا وضعوا المدافع في عدة أماكن ، وحاصروا ومن المحال التي كان يصل إليها مرمى المدفع (جامع إياس) وقطعوا العشار من محلة السيمر ، وقطعوا الجسر ، فكانت المحاصرة تسعة أيام بلياليها ، فلم يظهر خبر عن الوزير سليمان باشا ، فيئس العسكر ، وفي ١٠ ذي القعدة رفع الناس من المتاريس ، وأن الاتباع بأجمعهم صاروا إلى السراي فتجمعوا فيه ، وأن قبطان باشا نفى عمر آغا المطرجي وآخرين إلى القرنة ، وطالب بعضهم بديون على الوزير سليمان باشا ، وأن الكتخدا السابق أحمد والمتسلم السابق عليّا وأحمد آغا موظف الكمرك حبسوا في السراي.

وفي ٢٩ ذي القعدة وصل إلى البصرة عثمان الجنباز فقالوا : إن كتبه مكذوبة وحاولوا قتله ، ولكن ظهر له في الينگچرية بعض المصاحبين ، فأبعد إلى القرنة.

ثم إن عثمان آغا تفنگچي باشي (رئيس البندقيين) ورد خبره أيضا مشعرا بأن ولاية بغداد عهدت إلى الوزير سليمان باشا ، فتحققوا ذلك ، ومن ثم أطلقوا من الحبس ٣٩ شخصا من الأغوات الذين سجنوا.

وفي ٢٧ ذي الحجة ركبت حرم الوزير في سفينة وأرسلت إلى بغداد ، وأن البصرة وجهت أيضا إلى الوزير ، وأن أحمد آغا الداماد صار رئيس البوابين (في الولاية) ، وأن چوقدار آغا دار السعادة علي آغا ورد في ١٥ صفر ، وفي ٢٥ منه حبس في القلعة مصطفى الدفتري ، وطويق زاده بكر آغا ، وأن آغا الينگچرية أحمد آغا حبس في قلعة كركوك ، وفي ٩ ربيع الأول عاد الميراخور الأول مصطفى بك إلى استنبول ، وفي ١٣

٢٥

منه قتل مصطفى الدفتري ، وفي ٧ ربيع الآخر فر من البصرة كل من شيخ درويش والسيد رمضان.

وفي ٢٢ منه عين حسين آغا متسلما للبصرة ، وفي ٢٧ منه عزل الوزير علي آغا من الكتخدائية فحبس في القلعة الداخلية. وفي ١٧ جمادى الأولى ورد محمد أفندي ويودة ماردين سابقا برخصة من الدولة فجاء بغداد فعين كتخدا للوزير ، وفي غرة رجب فوض لواء ببه (بابان) إلى سليم باشا ، فوجهت إليه الإمارة ، وحاربه سليمان باشا وعثمان باشا فكسر وفر إلى سنة.

وفي ٢ شعبان يوم الاثنين أرسل مع الشيخ درويش (من آل باش أعيان) والسيد رمضان جماعة السكبانجية ، وعشرة من سردنكجدي مع بيرق (رعيل خيالة) ، فذهبوا معهما إلى البصرة ، وأن عثمان آغا المطرجي سابقا أرسل معهم أيضا (١).

وبهذا تمت الوزارة لسليمان باشا ، وانقادت له الأمور ، كما أراد ، فظهر منتصرا.

أيام وزارته في بغداد

نظم الوزير الأمور مراعيا حسن الإدارة في كل أحواله ، مما عزز سلطة الحكومة. كما أنه نكل بأرباب الزيغ والفساد. فصارت بغداد غبطة البلاد وتتمنى أن تكون مثلها (٢)

والحق أنه موفق في إدارته. قام بخدمات كبيرة في تأسيس النظام. وهو المؤسس لحكومة المماليك.

__________________

(١) تاريخ نشاطي. وانفرد بالتفصيل.

(٢) دوحة الوزراء ص ١٢٤.

٢٦

المماليك في بغداد :

حكم هؤلاء نحو المائة سنة وسلطة العراق بأيديهم. وكان الوزير حسن باشا نشأ في البلاط الملكي وأتقن الإدارة هناك فجعل له مؤسسات شبيهة بما تتألف منه العاصمة ، واتخذ لكل من هذه دوائر خاصة للتدريب بما هو أشبه بالمدارس ، وعين لها تقاليد. كان يشتري غلمانا كثيرين يهتم بأمر تربيتهم وتدريبهم للخدمة والانتفاع منهم لوظائف الحكومة. بل زاد على ترتيب حكومته لعلمه بخطر الينگچرية فاختار هذا التدبير. للقضاء على سلطة اولئك. ولم يستعن بالأهلين.

إن حسن باشا راعى هذه الطريقة في بغداد وبذر البذرة الأولى. درّب هؤلاء على الخدمة فتدرجوا على الرتب والمناصب ، وائتلفوا مع الأهلين وعاشوا معهم ، فكانوا أعرف بهم.

ثم اقتفى أحمد باشا أثر والده وزاد فكان أمراء بغداد في الإدارة والجيش منهم فسيطروا على القطر. ومن جهة أخرى جلبوا الأهلين لجانبهم ، فلم يستوفوا من الضرائب أكثر من المقرر ، ولم يظلموا الرعايا فهم أشبه بأتابكة الموصل ، فخلدوا ثقافة وآثارا مشهودة تثبيتا لمكانتهم.

أهمل الولاة التالون هذه الطريقة بل حاولوا القضاء على رجالها لما شعروا به من خطر على كيان الدولة.

ولما ولي بغداد هذا الوزير أحيا هذه الطريقة من جديد كما أن أخلافه مشوا على نهجه واقتدوا به إلى أن انقرضت حكومتهم عام ١٢٤٧ ه‍.

نال سليمان باشا الحكومة بقوة هؤلاء المماليك الذين تأسسوا أيام أحمد باشا المؤسس الحقيقي وإن كانوا صنيع والده استكثر منهم ووسع نطاقهم وقدر أن يستخدمهم لوظائفه ويستغني بهم عن الأهلين وعن الينگچرية وعن موظفي الدولة.

٢٧

وجعلت لهم دوائر خاصة في كل منها نحو المائتين من الصبيان ، ومن اجتاز منهم درجة نقل إلى أخرى ، وبهذه الطريقة أعدوا للخدمة وصاروا تحت التمرين ثم كانوا يترفعون إلى أغوية الداخل.

ولكل معهد من هذه المعاهد أو مدرسة من تلك المدارس على اختلاف درجاتها لالاوات (مربون) ومعلمون وأساتذة. وهؤلاء يعلمون القراءة والكتابة ، والرمي بالبنادق ، والتعود على الإصابة باتخاذ هدف. والممارسة على ركوب الخيل ، وعلى استعمال الأسلحة وأضراب هذه الأمور مما تدعو الحاجة إليه في أشغالهم حتى أنهم يعلمونهم فن السباحة في مكان يتخذ أمام دوائرهم.

وهؤلاء كانوا يفوقون أبناء زمانهم لما يمرنون عليه فهم أشبه بالدارسين في مدارس اليوم ، بل يفضلونهم. فكانت الحكومة تستخدمه لغرض التوظيف والخدمة في مصالحها. وتلقنهم كل ما تحتاجه.

وكانوا متآلفين متضامنين تجمعهم رابطة هذه التربية أكثر مما نشاهده في غيرهم. نراهم رفقاء سلاح وأصدقاء مدرسة ، تتزايد المفاداة بينهم وتتولد عصبية قوية متينة فأدى ذلك أن يتغلبوا ويستولوا على كافة أمور الحكومة من حل وعقد ... بل انحصرت وظائف الحكومة بهم فهم قوة على غيرهم وعصبة شديدة على مناوئيهم والمعادين لهم ، وسلطة قاهرة على الأهلين.

لم يهدأ الأهلون من ثورات عليهم. رأوا ما لم يكونوا رأوا. لأن شدة الوطأة دعت العراق أن يتذمر منهم كالترك إلا أن وجهات النظر مختلفة وأهم ما هنالك أن هؤلاء ليسوا من الأهلين.

تولى هؤلاء الواحد بعد الآخر فوجدوا مناصرة من الباقين.

كانوا آبازة وگرجا وهم مماليك. وكانت الدولة في شغل شاغل فاستفاد هؤلاء من الوضع فتكونت منهم حكومة خير حارس للملك

٢٨

سيطرت عليه باسم الدولة ، ولا يخلو الأمر من إصدار فرامين وتعيين قضاة واشتراك في أفراح وما ماثل. فهم ولاة بالاسم. يعاملون كغيرهم في ولكن لا يتيسر للدولة أن تعين غيرهم للخوف من احداث غائلة هم في غنى عنها. اللهمّ إلا إذا اضطروا للتدخل أو شعروا بقوة ، أو أحسوا بخطر داهمهم. وقضايا النصب والعزل ودرجة التدخل بعينها ما سنراه من وقائع وزاراتهم في بغداد.

خان سنة وبابان :

ورد خان سنة مع سليمان باشا آل بابان في ٢٤ شعبان سنة ١١٦٣ ه‍ ومعه نحو عشرة آلاف أو اثني عشر ألفا من الجند ، فهاجم كتخدا الوزير وعثمان بك وسليم بك آل بابان فانهزم آل بابان هؤلاء وثبت الكتخدا ، ففر من وجهه جيش ايران فغنم ما لديهم ، واستولى على نحو عشرين زنبركا ، وأربعة مدافع. وفي ١٥ ذي القعدة عاد إلى بغداد بالغنائم (١).

حوادث سنة ١١٦٤ ه‍ ـ ١٧٥٠ م

اضطراب في البصرة :

حاول الوزير سليمان باشا بأنواع الاستمالة أن يعيد إلى البصرة النظام فلم يفلح. وأبدى رعاية عامة لقبطان شط العرب مصطفى باشا الميرميران وكذا لمتسلم البصرة. داراه جهده ولان للأهلين فلم يجد ذلك نفعا. ففي أيام انشغال الجيش في أنحاء الكرد للقيام ببعض الأعمال انتهز القبطان الفرصة فأثار الأهلين وعصى فأشعل نيران الفتنة.

اتفق مع عربان المنتفق ، فسلطهم على البصرة ، وتحصن هو في (المناوي) ، وساعده أهل الجزائر فنال بهؤلاء قوة ، وحاول التسلط على

__________________

(١) تاريخ نشاطي.

٢٩

البصرة ، وقام بوسائل الحرب. أما المتسلم والأهلون فقد كتبوا محضرا بما جرى وأعلموا الوزير ، وطلبوا أن يمدهم بجيش على جناح السرعة لئلا يفرط الأمر من اليد.

وفي هذه الأثناء عاد الجيش المرسل إلى الكرد. وكان أكمل مهمته بنجاح فأرسل الوزير كتخداه ، وسيره إلى البصرة بعجل وفي تاريخ نشاطي أن الكتخدا ورد بغداد في ١٥ ذي القعدة سنة ١١٦٣ ه‍ ، وفي ٢٠ منه أمره بالذهاب إلى البصرة فسار بعجل. وفي ٢٤ منه نصب إبراهيم باشا قبطانا. وحينما وصل الكتخدا العرجة فر الشيخ منيخر إلى البادية وكان جمع على رأسه العربان ومن ثم أعاد المشيخة إلى الشيخ بندر ، وشرع في محاربة القبطان السابق مصطفى باشا وحتى المتسلم حسين آغا وأهالي البصرة وقطع نهر العشار إلا أن المتسلم ضبط فم العشار وأن القبطان هدم البيوت والاسواق وحرّق فيها وكاد يقضي عليها. وأن المتسلم حسين آغا أخبر الكتخدا بكل ما جرى. وعلى هذا مضى الكتخدا بسرعة فوصل إليها في ٥ صفر سنة ١١٦٤ ه‍. ونصب خيامه في باب رباط (١). وكانت عشائر المنتفق سدت المنافذ والمعابر ومنعت من الوصول إلى البصرة ، وجمعت جموعا كثيرة للدفاع والتأهب للقتال. ولما ورد الجيش علموا أن لا طاقة لهم به ، واستولى الرعب عليهم فتشتتوا ، وبعضهم مال إلى الأهوار وركنوا إلى طلب الأمان والعفو.

وعلى هذا نصب الكتخدا عليهم شيخا جديدا ، وأعاد إليهم النظام القديم فاستقرت الحالة ، فتوجه الجيش نحو البصرة ، فحاصر (المناوي). وكان القبطان قد تحصن به ، ثم ان الكتخدا نصحه ، وعذله ليدخل في الطاعة ، فلم يجسر أن يعود. وفي الوقت نفسه قطع بأن ليس له قدرة المقاومة ، فاتخذ الليل جنة فهرب وترك القلعة ومن فيها. ومنهم من

__________________

(١) تاريخ نشاطي.

٣٠

ركب السفن من الاسطول وفروا إلى ثغر البحر.

أخبر الكتخدا بذلك فسارع للأمر وحاصر القلعة فاستولى عليها وعلى من بقي فيها. فانتقم منهم. وفي الثغر تعقبوا الفارين فتمكنوا من اللحاق بهم. أما القبطان فإنه هرب بزورق يقال له (كلبت) أو (جلبوت) وأخذ بعضا من رفاقه معه فذهب إلى بندر بوشهر واستولى الجيش على جميع الاسطول ورجعوا فرست السفن تجاه المناوي ، وعوقب الثائرون بما يستحقونه فاستأصل الكتخدا بذور الفساد وأعاد النظام إلى نصابه ورتب الاسطول كما كان.

ومن ثم كان من الضروري اختيار قبطان لائق للمهمة فوقع ذلك على القبطان السابق إبراهيم باشا. وهو ميرميران أيضا ومعروف بالكفاءة والاخلاص أنهى له بذلك فوافقت الحكومة على هذا الاختيار فأودعت إليه قيادة الاسطول ، فقام بها خير قيام. وعاد الكتخدا في أوائل صفر (الظاهر أواخر صفر). ووصل إلى بغداد في ٢٨ ربيع الأول (١).

عزل ونصب :

عزل أمير الخزانة عبد الله باشا ونصب مكانه سليمان بك آل يحيى. ووجه الوزير لواء بابان إلى سليمان باشا ، ولواء درنة إلى عبد الله باشا. وعزل محمد الكتخدا ونصب مكانه أحمد الكتخدا السابق في ٢٣ رجب.

البابان ـ سليم باشا وعثمان باشا :

إن حوادث ايران وتشوشها العظيم مما ألفت نظر الوزير فاغتنم الفرصة للوقيعة بالبابانيين. فإن متصرف بابان سليم باشا من أيام نادر شاه كان عاصيا ولا يزال يعد نفسه تابعا لايران أو أراد أن يكون بنجوة من السلطتين. دعاه الوزير للطاعة فأبى أن يرضخ بل اتفق مع عثمان

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٣٠ وتاريخ نشاطي.

٣١

باشا متصرف لواء كوى وحرير وصاروا يعيثون في أنحاء بغداد. مدوا أيديهم إلى زنگباد وأطرافها اتخذ الوزير ذلك وسيلة للوقيعة فجهز جيشه وتقدم للتنكيل بهم بنفسه. نصب خيامه في الميدان الجديد.

مضى الوالي إلى المرادية في ٢١ شعبان سنة ١١٦٤ ه‍ ومنها إلى الراشدية. وفي ٢٤ منه وصل إلى (دوخلة) (١). ومنها قطع منازل عديدة حتى وصل إلى قنطرة (دلى عباس) في ٢٦ شعبان سنة ١١٦٤ ه‍. ومن ثم كتب امرا إلى ألوية بابان وكوى وحرير ودرنة وإربل وزنگة خاطب بها العلماء والصلحاء والأعيان والأمراء والرؤساء وشيوخ القرى وسائر الأهلين يدعوهم فيها إلى الصواب ، وأن مخالفة صاحب الأمر ، وركوب مركب الشر يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه ، فدعاهم إلى الطاعة وأن لا يشقوا عصا المسلمين. وحذرهم عاقبة أمرهم.

وكذا كتب إلى كل من سليم باشا وعثمان باشا. وكلها تتضمن التهديد ولزوم الإخلاد للطمأنينة وأن لا يكونوا سبب إثارة الفتنة. كتب ذلك كله بقلم كاتب الديوان نشاطي.

ثم سار إلى نهر نارين. فمضى إلى قره تپه. ومنها صار إلى (كوك دپه). فهرب الثوار من وجهه ، وتمزق شملهم ، فكتب الوزير إلى قائممقام بغداد (٢) بذلك موضحا أن هؤلاء هربوا إلى كوى ليحتموا بالجبال ، فلم يسعهم الوقوف والحرب في ولاية الوالي. وأن سليم باشا فر هاربا إلى قره چولان (قلعة چوالان) فتبعثروا.

__________________

(١) تاريخ نشاطي. ووقف عند هذا فبقي ناقصا. والموجود منه مهم جدا. كشف عن صفحة. ولعل الأيام تظهر نسخة كاملة منه. كتبه نشاطي وهو السيد عبد الله الفخري كاتب الديوان مخطوط عندي باللغة التركية.

(٢) نائب الوزير يلقب بـ (قائممقام). وفي تشكيلات أصل الدولة كل من ينوب مناب الصدر الأعظم يلقب بهذا اللقب. ومن آل القائممقام المرحوم درويش بك. ومثل ذلك من ينوب مناب السلطان يقال له قائممقام أيضا.

٣٢

وصل الجيش في ٤ شهر رمضان إلى (قره تپه) وفي الخامس منه وصل إلى (اينجه صو) القنطرة المعروفة بـ (چمن). ومنها مضوا إلى (كفري العتيقة) وهي (اسكي كفري). وفي هذا المنزل وردت الاخبار باضطراب حالة الكرد وتشتت شملهم.

ثم سمع الجيش بتأهّب القوم ، فاستعد للقاء ، فنهض من كفري. وكان يترقب وقوع المعركة في كل لحظة ، فانتشر في الصحراء ، وذهب في طريقه حتى جاء إلى (طوز خورماتي) فنصب خيامه. وأما الأكراد فصاروا لا تحويهم البقاع ولا الجبال.

وفي اليوم التالي عبر الجيش (چاي طاووق) ونزل قرب القرية. وجاءت الأخبار بأن الكرد استولى عليهم الرعب فتفرقوا. وأن سليم باشا وعثمان باشا شاهدا الحالة فركنا إلى الهرب ، فإن سليم باشا ذهب إلى جهة (بانة) و (سنة) ، وعثمان باشا بعث بعائلته إلى كوى بأمل أن يتحصن بها ، فلم ير الجيش لهم عينا ولا أثرا.

ومن ثم أرسلت البشائر إلى بغداد. وأن عشائر الزنگنة مالوا إلى الجيش. وأن أمير درنة سليمان بك ذهب فارا مع سليم باشا. والباقون سلموا أنفسهم إلى الجيش فطلبوا الأمان. ومن بقي فر إلى بازيان. وأن متصرف بابان سليمان باشا صار يتعقب أثر الفارين ، وذهب إلى مركز لوائه قلعة چولان فضبطها. ولم يدع لسليم باشا فرصة. وأن متصرف درنة عبد الله باشا ذهب إليها أيضا.

ثم إن الوزير بعد أن أتم ترتيباته وتمكن من السيطرة مال إلى كركوك فبقي فيها بضعة أيام في تعقّب فلول الهاربين وكتب إلى بغداد بالأخبار السارة ، وأمر أن تعلن في جميع الانحاء ، وفي العشائر.

وأن سليم باشا لم يستطع البقاء فمال إلى ايران. وأن سليمان باشا ضبط لواء بابان فاستقر به. وأما عثمان باشا فإنه لم يستقر له قدم في

٣٣

كوى. وإنما صار إلى (أوه كرد) وهي قلعة حصينة بأمل أن يبقى فيها ويدافع عن نفسه. ولما علم الوزير بذلك أمر كتخداه أحمد باشا والي كركوك أن يذهب في أثره ويحاصره في قلعته.

وأما الوزير فإنه في ١٥ شهر رمضان نهض من كركوك إلى (كوك تپه) ومنها إلى (آلتون كوپري) فعبر القنطرة. وفي اليوم التالي ذهب إلى (بوستان) ، ومنه صار إلى (دربند) فحط ركابه.

ثم سار إلى إربل ، وبعث أمرا خاطب به العلماء والأعيان وسائر الأهلين طالبا منهم (قوج باشا) أخا عثمان باشا. وأضاف أنه يعطيه الأمان إذا سلّم إلا أنهم أبدوا المخالفة وفي ١٦ شوال هاجمهم الجيش ، وحاصرهم من جميع جوانبهم. ولم تمض إلا مدة نحو تسعة أيام حتى استولى على المدينة ، وقبض على قوج باشا وأعوانه وعلى عثمان باشا وإخوانه إبراهيم بك وسليمان بك وعلى ابنه حسن بك في القلعة المذكورة في عيد الأضحى فأمر الوزير بقتلهم ، فكانوا ضحية العيد.

وعلى كل حال علمنا أن الوزير تمكن من هؤلاء. ونصب سليمان باشا متصرفا للواء بابان. وهو ابن عم سليم باشا. فعاد الوزير إلى كركوك ومنها إلى بغداد. وللشيخ عبد الرحمن السويدي قصيدة طويلة في هذه الوقائع. واعتمدنا على التقارير الرسمية وما في أبياتها من تاريخ.

ولوالده الشيخ عبد الله السويدي أيضا قصيدة تحوي تاريخا. وبذلك واستفادة من انحلال أمر ايران تمكن أن يسيطر الوزير على ديار الكرد ، فصارت تحت سلطة الحكومة. استغل الوضع فنجح. ويعدّ عمله هذا فتحا جديدا لأنحاء الكرد (١).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٣٤ والمحررات الرسمية. عثرت عليها في مجموعة خطية عندي. وفيها من التفصيل ما ليس في الدوحة.

٣٤

حوادث سنة ١١٦٥ ه‍ ـ ١٧٥١ م

الهدايا واستردادها :

إن الهدايا التي أرسلتها الدولة والتي أرسلها نادر شاه سبق ذكرها.

وبقاء هذه في بغداد لا ضرورة له. فصدر الفرمان بلزوم إعادتها. ولذا أحضرها الوزير سليمان باشا بمشاهدة جماعة من الأعيان والأكابر. فدونوها بدفتر خاص صدقوه وسلموها بيد الموكل بأخذها محمد آغا من سلحشورية الخاصة. ومن بين الهدايا المهمة ما أرسله نادر شاه وهو عرش سلطنته وكان من عمل الهند قدمه إلى السلطان ولا يزال موجودا في متحف استنبول إلا أنه نسب إلى الشاه إسماعيل الصفوي غلطا (١).

أحوال ايران :

كانت أحوال ايران من تاريخ وفاة نادر شاه إلى هذه الأيام في اضطراب عظيم كثر فيها دعاة السلطنة. وحاول بعض رجالها أن يستغل الوضع ، فاستعان بالدولة العثمانية إلا أن هذه لم تشأ التدخل. ومن هؤلاء سفير نادر شاه مصطفى خان. وهذا ما أدى بولاة العراق أن يلتفتوا إلى أمر اغتنام الفرصة لتنظيم شؤونهم بالقضاء على المتغلبة. وأن يتأهبوا لما يتوقع لتأمين السيطرة.

حوادث سنة ١١٦٦ ه‍ ـ ١٧٥٢ م

اليزيدية في سنجار :

استغل الوزير اشتغال بال ايران ، فقضى على بابان وجعلها خالصة له منقادة. وفي هذه المرة رأى أن اليزيدية في سنجار اتخذوا الجبال

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٠٣ و ١٣٦ والجزء الثالث والجزء الخامس من هذا الكتاب.

٣٥

معقلا لهم ، فصاروا يقطعون السبل ، ويمتنعون من دفع الضرائب.

اعجزوا ولاة بغداد. وثاروا مرات ، فلم تنقطع غوائلهم. لذا عزم الوزير على دفع غائلتهم واستئصال شرتهم. سار عليهم من بغداد ، فوصل إلى كركوك. ومن ثم جاءه بعض رؤسائهم يطلبون الأمان فقبل هؤلاء فأسكنهم ماردين. والباقون أصروا على عنادهم. فنهض من كركوك إليهم ، فاقتحم جميع المصاعب. وكانت النتيجة أن انتصر عليهم ، وقتل أكثر رجالهم ، وأسر نساءهم ، واتخذت منارات من رؤوسهم المقطوعة وقبل أمان من أذعن. وعاد إلى بغداد منتصرا. فجاءه الفرمان والخلع السنية له ولمن معه من كرد وعرب.

نهض الوزير من بغداد يوم الخميس ٢٢ جمادى الآخرة سنة ١١٦٦ ه‍ وقضى على هذه الغائلة في ٢٠ شعبان. وكتب الكتب إلى دولته وإلى أمراء المنتفق وسائر العشائر في ٢١ من شعبان (١).

حوادث سنة ١١٦٧ ه‍ ـ ١٧٥٣ م

في شوال ورد الفرمان بإبقاء بغداد والبصرة بعهدة الوزير لما قام به من الأعمال الجليلة وضبط أمور المملكة مما دعا إلى رضا السلطان. فأعلن ذلك واحتفل به احتفالا باهرا وأذيع للقاصي والداني.

حوادث سنة ١١٦٨ ه‍ ـ ١٧٥٤ م

في ٢٨ صفر سنة ١١٦٨ ه‍ توفي السلطان محمود فخلفه السلطان عثمان. فأقر الوزير في إيالة بغداد والبصرة بفرمان فأجرى الاحتفال بذلك. وأرسل قاضي بغداد نسخا من الفرمان إلى الأنحاء العراقية (٢).

__________________

(١) تاريخ واصف ج ١ ص ٢١ وكتاب تاريخ اليزيدية المعد للطبعة الجديدة وفيه نصوص منقولة من محررات رسمية.

(٢) دوحة الوزراء ص ١٤٥.

٣٦

حوادث سنة ١١٦٩ ه‍ ـ ١٧٥٥ م

قبيلة شمر :

كان بكر الحمام رئيس زوبع من قبائل شمر عاث في الأمن وتجاوز على المارة حتى أنه انتهب بعض الإبل قرب (تربة السيدة زبيدة). وهي تعود لرجل يدعى (عبد للو) فلما سمع الوزير تعقب أثره بنفسه فأدركه في أنحاء الفرات فلم يسعه العبور والهرب ولم يتمكن إلا أن يفر بنفسه وترك أهليه. ولما وصل إليهم الجيش صار ينتهب أموالهم وكان عيال بكر الحمام قرب الوزير فاستغاثوا به فأغاثهم واسترجع الإبل وعاد.

ولما وصل بغداد أرسل بكر الحمام أهله إليه يلتمسون العفو له. وبعد أيام وصل هو أيضا فطلب العفو فعفا عنه. ومن ذيول هذه الحادثة وقائع الدليم والجبور وغيرهما (١).

حوادث سنة ١١٧٠ ه‍ ـ ١٧٥٦ م

في أوائل الشتاء قضى الوزير ثلاثة أشهر في أنحاء الفلوجة بعياله للاستراحة وفي السنة نفسها ورد الفرمان بإقراره في وزارته ببغداد والبصرة (٢). ويتجدد الفرمان في غالب السنين.

حوادث سنة ١١٧١ ه‍ ـ ١٧٥٧ م

مسجد عبد الله الكتخدا :

من المساجد القديمة. كتب على بابه بعد البسملة آية «إنما يعمر مساجد الله ...» ثم جاء :

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٤٦ وقصيدة الشيخ عبد الرحمن السويدي وعشائر العراق ج ١ ص ١٩٣.

(٢) دوحة الوزراء ص ١٤٧.

٣٧

«قد عمر هذا المسجد صاحب الخيرات عبد الله كتخدا والي بغداد سليمان باشا أيده الله بالنصر ، ورحم الله من دعا له بالخير آمين في رجب سنة ١١٧١ ه‍» اه.

عمره قبل وزارته. والتفصيل في كتاب المعاهد الخيرية.

حوادث سنة ١١٧٣ ه‍ ـ ١٧٥٩ م

١١٧٤ ه‍ ـ ١٧٦٠ م

قدم الوزير شكوى إلى الدولة بأن آغا الينگچرية السيد خليل آغا كان من أوائل وزارته يتحرك بأوضاع غير لائقة. فطلب عزله من بغداد وإنقاذ الناس مما أوقعه من اضطراب في الجيش (١).

حوادث سنة ١١٧٥ ه‍ ـ ١٧٦١ م

وفاة الوزير :

إن هذا الوزير متصف بمكارم الاخلاق ومحامد السجايا. وقد مرت بنا حوادثه.

وعمره نحو ٦٦ سنة اعتراه المرض في أواسط سنة ١١٧٤ ه‍ فلازمه نحو ستة أشهر وتوفي في أوائل سنة ١١٧٥ ه‍.

هذا. وللمرحوم سليمان بك الشاوي بيان واف في مآثر هذا الوزير (٢).

أما السنون الأخيرة من سنة ١١٧٢ ه‍ إلى سنة ١١٧٤ ه‍ فإنها مضت براحة وطمأنينة ولم يحدث ما يستحق الذكر.

__________________

(١) مجموعة خطية فيها محررات رسمية بالتركية عندي أصلها.

(٢) دوحة الوزراء ص ١٤٨ سكب الأدب عندي مخطوطتها.

٣٨

حوادث سنة ١١٧٦ ه‍ ـ ١٧٦٢ م

وزارة علي باشا :

إن الوزير السابق نال الوزارة على خلاف رغبة الدولة. والحادث لا يزال وقعه في النفوس فولد الأمل في المماليك فصار يطمح رجالهم في نيلها.

فلما توفي الوزير سليمان باشا كان له سبع (كهيات) عمر ، وعبد الله ، وإسماعيل (١) ، ورستم ، ومحمود ، وعلي ، ويقال لهم (أصحاب الداعية) فكل هؤلاء كانوا في بغداد إلا علي الكهية متسلم البصرة وضابط حسكة.

كان يضمر كل واحد من هؤلاء أن يكون ولي الأمر فلم يقع الاختيار على واحد منهم. حدثت بينهم المنافسة وبقيت بغداد بلا وال. فأوقد أرباب الزيغ نيران الفتنة ، وابتدأ الخلاف ، واستولى الخوف على السكان فتدخل العلماء والأعيان في الأمر ونصحوا القوم في تسكين الغائلة.

اجتمعوا وكتبوا محضرا بوفاة سليمان باشا وبينوا أن كهياته سبعة. كل واحد منهم لائق أن يكون وزيرا وأمضى الجميع المحضر حتى أنهم ذكروا بصورة متأخرة متسلم البصرة وضابط حسكة (علي الكهية) والتمسوا توجيه الوزارة لأحد هؤلاء إلا أن خبر انحلال الولاية وصل إلى الدولة قبل أن يصل المحضر. ولما كانت بغداد والبصرة مجاورتين

__________________

(١) إسماعيل الكتخدا كان في أيام عمر باشا. ولما توفي صار ابنه أحمد آغا كتخدا.

ومن أحفاده اليوم إسماعيل حقي وإبراهيم زهدي أولاد أحمد عزت بن سليمان بن أحمد بن إسماعيل الكتخدا. ومن هؤلاء سليمان كان قائممقاما في (مندلي). ولا يزالون يعرفون بـ (آل الكتخدا) وفي كتاب (شعراء بغداد وكتابها) جاء ذكر عبد اللطيف آغا بن أحمد آغا سابقا في هذا الجزء.

٣٩

لايران وأن المصلحة تقضي أن توجه الإيالة إلى والي الرقة الوزير سعد الدين باشا بجامع القرب والعلاقة اللسانية فلم يستقر له الأمر.

وإنما كان ذلك ترشيحا ، وفي الأثناء ورد المحضر بوفاة الوزير سليمان باشا وترشيح أحد السبعة من الكهيات.

ومن هؤلاء علي الكهية شهد الصدر الأسبق محمد راغب باشا بأهليته وكفاءته وكمال وقوفه على مجاري الأحوال فكانت هذه الشهادة عرّفت به وبصرت بحالته .. وأيضا وردت منه عريضة يلتمس فيها التوجيه إليه ، وأن ينال الرعاية واللطف.

وعلى هذا وجهت إليه إيالة بغداد والبصرة برتبة الوزارة وأرسل إليه المنشور مع الطوغ و (اللواء) وكان ذلك في أول المحرم سنة ١١٧٦ ه‍ (١).

ثم إنه بعد أن قدم ملتمسه تحرك من حسكة وجاء إلى محل قريب من الحلة. ورد (نهر الشاه) فمكث منتظرا الأمر. ولما وردت إليه البشرى استقبلوه باحتفال مهيب. وبعد قراءة الفرمان توجه نحو بغداد فوصل إليها باحتفال من الوجوه والأعيان وأرباب الديوان ففرح فريق واغتم فريق آخر.

مدحه الشيخ عبد الرحمن السويدي بقصيدة حين نال الوزارة وبأخرى أرخ بها وزارته (٢).

وتوجيه هذه الوزارة اكتسب حالة الاعتياد ، وصار طريقة متبعة. فلا أمل للدولة في أن توجه هذا المنصب إلى وزير من غير المماليك. وهنا أوضح سليمان بك الشاوي طريقة توصل هذا الوزير إلى منصبه عند بيان قتله. والتحامل ظاهر منه إلا أننا نجده قام من محل وظيفته وجاء إلى

__________________

(١) مجموعة مخطوطة عندي.

(٢) دوحة الوزراء ص ١٥١.

٤٠