موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

حوادث سنة ١١٩٤ ه‍ ـ ١٧٨٠ م

وزارة سليمان باشا :

إن الوزير وصل إلى العرجاء. وحينئذ وافى لاستقباله إسماعيل الكهية ومن معه من العثمانيين فلطفهم وأكرمهم على مراتبهم والتفت إليهم كثيرا إلا أنه أثر ذلك أمر بإلقاء القبض على إسماعيل ومعتمديه صاري محمد آغا ، وصوفي اسماعيل آغا ، وقره يوسف ونحو ستة آخرين فأعدم إسماعيل الكهية وحبس الباقين ثم أرسلهم محفوظين إلى البصرة ونصب سليمان آغا القره ماني متسلما على البصرة وأكساه خلعتين. وأخذ معه مهرداره أحمد آغا.

وبعدها وصل إلى كربلاء وحينئذ رخص الشيخ ثوينيا وأعاده مكرما. ثم زار مرقد الإمام الحسين وتوجه إلى بغداد فلحق به سليمان الشاوي مع خيالة العبيد قرب الحلة فأكرمه وأعزه غاية الاعزاز لما أبداه من الاخلاص من أول الأمر إلى آخره فوصل إلى (المسعودي) واتخذه منزلا فاستقبله سليمان باشا ابن أمين باشا الجليلي محافظ بغداد والقائممقام والعلماء والأشراف. أما وكيل الكتخدا نعمان أفندي فقد عبر دجلة بلا رخصة من الوزير وذهب إلى بيته. لذا غضب عليه وعزله من ساعته وحبسه في داره ونصب عبد الله بك آل محمد وكيل كتخدا فأقام الوزير يومين رتب خلالها بعض الأمور اللازمة.

وجاء إلى بغداد من استنبول بعض الرجال في أواخر أيام حسن باشا مثل باش چوقدار. وكان الدفتري محمد بسيم أفندي انقضت مدته. وآغا الينگچرية ، وكذا سليمان باشا والي الموصل الذي لم يرق له كلامه. وأذن لهؤلاء كلهم أن يذهبوا إلى مواطنهم ، ولكنه لم يشأ أن يدخل بغداد دون أن يقضي بعض الأعمال. وفي اليوم الثالث توجه نحو بغداد فعبر هو وبعض حاشيته من ناحية المنطقة بزورق خاص وأما

١٠١

الجيش فعبر من الجسر بشوكة ومهابة. مر من وسط المدينة إلى باب الأعظمية ثم نصب خيامه في الباب الشرقي (قراكوقپو) ، وضرب الوزير سرادقاته هناك وبات ليلة فيها. وفي اليوم التالي عزم على التنكيل بالثائرين ، فنهض نحو ديالى وكذا جاء المدد من محمود باشا متصرف لواء بابان وكوى وحرير نحو خمسمائة فارس تحت قيادة ولده الأكبر عثمان بك فانضم بمن معه إلى الجيش. وحينئذ عبر الجسر إلى الجانب الآخر من ديالى وقرر استئصال أهل البغي. وهؤلاء لم يبالوا بقوة الجيش فرتب كل فريق صفوفه واشتعلت نيران الحرب بينهما. فتبين النصر في جانب الوزير على عدوه. وفي هذه المعركة قتل أحمد آغا ابن محمد خليل وغيره من عمدة رجالهم. وفرت البقية الباقية مشتتة. أما محمد الكهية فقد انهزم إلى إيران مع بعض الخيالة ممن كانوا معه وتركوا اثقالهم وسائر أموالهم فصارت غنائم.

وفي كل هذه الحرب لم يكن مع الوزير أكثر من أربعة آلاف فارس ضمنهم أهل دائرته والعثمانيون والعشائر التي تلاحقت وفرسان الأكراد في حين أن مناوئيه كانوا يبلغون العشرة آلاف محارب. وبعد هذا الانتصار أكرم الوزير من كان معه على مراتبهم لما قاموا به من خدمات. ولما أبدوه من شجاعة شاكرا سعيهم وإخلاصهم لا سيما ما رآه من عثمان بك من الشجاعة فأنعم عليه برتبة باشا.

ثم إن الوزير بقي في تلك الأنحاء مدة شهر نظم في خلالها القرى والنواحي ونسق مصالحها لما نالها من التخريب وما أصابها من الدمار والتشوش ووجه أنظاره إلى الإصلاح. وكذا اهتم بأمر العشائر فأخاف بعضها وأنب الأخرى وهكذا راعى مقتضيات السياسة واتخذ الإدارة القويمة في تدبير الأمور فصار الكل منقادين له (١).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٨٥.

١٠٢

العودة إلى بغداد :

عاد الوزير إلى بغداد في أوائل شهر رمضان بكمال الأبهة وسر به الأهلون رغبة في الراحة. وكانت البشرى وردت إليه بتوجيه إيالة بغداد يوم الخميس ١٥ شوال سنة ١١٩٣ ه‍ وخرج من البصرة في أول ربيع الأول ووصل المسعودي في أواخر جمادى الثانية وقضى نحو الشهر في قمع الغوائل.

وكان من أكابر وزراء المماليك والساعين لتقوية نفوذهم ويسمى (سليمان باشا الكبير) والحق أنه مقتدر عارف بسياسة المملكة وطد الإدارة ، واكتسب الفخر. أرضى بعض الأهلين وقضى على كل من أحس منه بقدرة وماشى الدولة إلا أن الطاعة لها كانت اسمية.

مدحه الشيخ حسين العشاري بقصيدة مهنئا له بالوزارة ، وأثنى على سليمان باشا الجليلي وعلى سليمان الشاوي ، وهي قصيدة مهمة في حوادث بغداد والفتن التي اشتعلت فيها ويشاهد عدم الاتصال بين أبياتها (١).

حوادث سنة ١١٩٥ ه‍ ـ ١٧٨١ م

الخزاعل :

إن أمور العراق لم تنتظم من أيام الطاعون فالولاة لم يستقر لهم حكم بسبب الاضطرابات والعشائر لم تذعن ، والداخل في هرج ومرج ، فالوزير بعد أن قضى على أعداء المماليك وانتصر نظم أمور الجيش والإدارة فلم يترك تدبيرا ناجحا إلا فعله ، ولذا تمكن من السيطرة.

أما العشائر فلم يذعنوا لشدة أو عنف. وإنما يفرون من وجه الحيف والقسوة ، ويعيثون بالأمن. وطريق الملاطفة تجعلهم في غرور. فلما جاء الوزير من البصرة ووصل إلى السماوة حضر إليه حمد الحمود

__________________

(١) ديوان العشاري ص ٣١٦ ودوحة الوزراء ص ١٨٥.

١٠٣

شيخ الخزاعل وقدم له الهدايا. أما الوزير فقد أظهر حسن القبول واللطف ، ومنحه مشيخة الخزاعل وأكرمه إكراما لائقا به. أما هو فلم يبال بل خرج من الطاعة وحينئذ عزله الوزير ونصب الشيخ محسنا وعزم على التنكيل به فنهض من بغداد حتى ورد الحسكة واستقر الجيش في جانب الشامية على ساحل الفرات تجاه الديوانية مقر ضباط الحكومة ، وأن عشائر الخزاعل (الحمد) و (السلمان) اتحدوا وتبعتهم عشائر أخرى. فصاروا تحت قيادة حمد الحمود. وتحصنوا في قلاعهم ويسمونها (سيبايه). وهذه محاطة بالأهوار فلا يتيسر الوصول إليها فظهرت موانع أشكلت أمر التقرب منهم. فوجد الوزير خير تدبير أن يسد الفرات من ناحيتهم. فاشترك جميع الجيش حتى الوزير نفسه حمل التراب واشترك مع العمال تشويقا لهم في العمل نقلوا الأحطاب وقاموا بكل المقتضيات. وفي مدة شهرين تمكنوا من سده سدا محكما سنة ١١٩٦ ه‍ (١) .. وكان يظن أنه لا يتم بأقل من سنة فرأى الخزاعل أن لا مجال لهم وسوف ينقطع عنهم ماء الشرب ، وأن الأهوار سوف تنحسر مياهها ويبقون بلا ملجأ. فندم حمد الحمود على ما بدر منه وأرسل النساء والأطفال إلى الوالي يرجون العفو عنه فعفا الوزير وأعاد إليه المشيخة مرة أخرى. ومن ثم قضى الوزير بعض المهام ثم عاد.

ويلاحظ أن الوزير ربما قام بهذا الأمر إرضاء للمنتفق لما رأى من مساعدة فلم ينجح وتساهل (٢).

في سنة ١١٩٥ قتل محمد آغا ابن محمد خليل ، وجرى سد شط الخزاعل (٣).

__________________

(١) مجموعة خطية عندي.

(٢) دوحة الوزراء ص ١٨٧.

(٣) عن مجموعة رمضان.

١٠٤

حوادث سنة ١١٩٦ ه‍ ـ ١٧٨٢ م

بابان :

ساعد محمود باشا الوزير حينما ورد بغداد فأرسل ابنه عثمان باشا وأظهر له الطاعة ، وقام ببعض الخدمات الأخرى.

وهذه لم ترق للوزير بل اعتبرها أمورا ظاهرية. وحاول أن يتغاضى عما يتطلبه الولاة قبله عند ما يشعرون بقوة. وجل أمله أن يغزوه سنة ١١٩٥ ه‍ ولكن رجح وقعة الخزاعل على قضية بابان.

وبعد أن أتم أمر الخزاعل توجه نحو بابان ، وكان قبل هذا أخرج الوزير حسن باشا من بغداد فوجهت الدولة إليه إيالة ديار بكر. وبعد أيام مرض وتوفي. أما كتخداه عثمان الكهية فإنه نصب قائممقاما برضى البغداديين. وأن الوزير سليمان باشا في تلك الأثناء وجهت إليه بغداد ولذا لم يرغب أن يكون عثمان الكهية بعيدا عنه فشوقه أن يجيء إليه فلما جاء وجه إليه مقاطعة مندلي فبقي فيها مدة. ولكن إيرادها لم يكف لمصروفه فعرض الأمر على الوزير. ولذا فوض إليه متسلمية كركوك. فذهب إلى منصبه الجديد إلا أنه رغب في وظيفته الأولى كهية بغداد. ولما لم ينلها صار ينتظر الفرصة لايقاع الفتنة. وأن محمود باشا كان كارها للوزير وخائفا منه فاستولت عليه الواهمة فاغتنم المتسلم عثمان الكهية الفرصة للمفاوضة مع محمود باشا فصادف أن خابره عثمان باشا خفية في الأمر ففرح. وحينئذ حصل اتفاق وعهد بينهما.

لذا ذهب إلى عثمان باشا في لواء كوى. وكذا قام محمود باشا من (قلعة چولان) ومضى إليهما فاجتمع الثلاثة في لواء كوى فتأهبوا في تجهيز العساكر. فتحقق للوزير أنهم يضمرون آمالا ويدبرون أمرا فرأى وجوب سفره إلى محمود باشا. ولعلهم ارتابوا منه وعلموا مقاصده فأبدى أنهم خرجوا عن الطاعة. فعزم الوزير على القتال وتوجه إلى بابان فوصل كركوك واتخذ ضواحي المدينة مضربا لخيامه.

١٠٥

أما محمود باشا وعثمان الكهية وعثمان باشا فإنهم جمعوا نحو خمسة آلاف أو ستة آلاف من المشاة والخيالة وتحركوا من موطنهم ، ونصبوا خيامهم في (مضيق بازيان) فحفروا المتاريس في جوانبه. وفي هذه الأثناء كان يتحرى الوزير عمن يليق أن تعهد إليه إمارة بابان وشرع في ذلك. ولذا قام من كركوك ووجه جيوشه نحو الدربند ولما وصل إلى منزل (خان كيشه) فارق حسن بك جماعته منتهزا الفرصة والتحق بجيش الوزير بمن معه من جيوش واتباع. وهذا ابن خالد باشا المقتول آل سليمان باشا أكبر إخوة محمود باشا. وفي الحال عزل الوالي محمود باشا ووجه لواء بابان إلى حسن بك برتبة باشا ، وألوية كوى وحرير إلى محمود باشا ابن تمر باشا. ولتفريق سربهم وجه جيوشه نحوهم ، فتمكن من افساد ما بينهم.

سمع محمود باشا خبر عزله فاضطرب وأصابه قلق عظيم. ولذا توسل بالصلح وتهالك في أمره ووسط العلماء والمشايخ وبين لهم أنه يقبل بكل شرط ما عدا العزل. ولذا قبل الوزير معاذيره ونزل عند رغبة المصلحين على أن يبعد عنه عثمان الكهية ويكف يده عن كوى وحرير ويتنازل عنهما ويقدم ثلاثمائة كيس من النقود ، وأن يسلك طريق الطاعة ، فيقدم أحد أولاده رهنا مع عياله. فأرسل إليه الحاج سليمان بك الشاوي نائبا عنه لتقرير أمر هذا الصلح.

فتفاوض معه فقبل بكل الشروط وأن يترك كوى وحرير ويطرد عثمان الكهية ، ويقدم ابنه سليم بك مع أهله ليكونوا رهنا عنده ، ويتعهد بإرسال المبلغ دون تأخير.

فلما رأى الوزير أن جميع مطاليبه نفذت قبل التعهد وأبقى لواء بابان في عهدته وأرسل إليه الخلعة ورخص محمود باشا ابن تمر باشا أن يذهب إلى أنحاء كوى ليحكمها. وعاد إلى بغداد.

١٠٦

نقض العهد :

إن الوزير حينما رجع من (خان كيشة) ذهب الروع عن أتباع محمود باشا وسولوا له أن يمتنع عن القيام يتعهداته كما أنه جهز جيشا على محمود باشا ابن تمر باشا بقصد الاستيلاء على لواء كوى قسرا وحاصروه وسط القلعة وضيقوا عليه. فلما سمع الوزير أرسل خازنه مصطفى آغا ، وكتخدا البوابين خالد آغا مع مقدار من العسكر لإمداد متصرف لواء كوى بوجه السرعة ، فوردوا كركوك وعند ذلك سمع محمود باشا فندم على ما فعل. ولذا رفع عسكره عن المحاصرة وعرض الأمر على الوالي فأرسل معتمده وتشبث ببعض الوسائل واستشفع بذوات من أهل المكانة ملتمسا أن تعطى له ألوية كوى وحرير بأنواع التعهدات.

وللمصالحة وجهت إليه مرة أخرى على أن لا تعطى لابنه عثمان باشا وأن يعهد بها إلى إبراهيم بك ابن أحمد باشا وهو ابن أخيه. وجلب محمود باشا ابن تمر باشا إلى بغداد. وافق محمود باشا أن يعهد بإيالة كوى وحرير إلى إبراهيم بك دون ابنه عثمان باشا.

حوادث سنة ١١٩٧ ه‍ ـ ١٧٨٣ م

محمود باشا في المرة الأخرى :

كانت أعيدت إلى محمود باشا ألوية كوى وحرير على أن يثابر على الطاعة ولكنه اختبرت أحواله في خلال السنتين أو الثلاث فتبين أنه لم يقف عند عهد ولم يستقر على قول فعزم الوزير على تبديله لكنه لم يجد في أمراء الأكراد من هو مستجمع الأوصاف فصبر مدة للاستطلاع والتلوم. وفي الأثناء رأى إبراهيم بك ابن أحمد باشا فاشترط الوزير أن توجه إليه ألوية كوى وحرير فوافق محمود باشا وفي الخفاء أرسل إليه الوزير فاستماله فوجده راغبا في مفارقة محمود باشا وأيضا أن محمود باشا لم يقم بما تعهد به ولم تبد منه استقامة بل ظهر منه بعض ما لا يرضيه.

١٠٧

وهذا ما دعا أن يجهز الوزير جيشا جرارا ونهض من بغداد مع أن هذه الأسباب لا تبرر الحرب. وحينئذ وصل إلى كركوك. وكان في أمل محمود باشا وابنه عثمان باشا أن يتأهبا للقراع فجمعا ووصلا إلى (مضيق بازيان) فاتخذا متاريس فيه وسدّا المضيق. وعلى هذا راسل الوزير إبراهيم بك رأسا وطلب منه أن يحضر ليقوم بمهمته. كما أن الوزير ذهب بنفسه إلى جهة المضيق. وأن إبراهيم بك وصل إليه بجميع إخوته ، وحسن خان ، وحسن بك آل شير بك وأمراء آخرين ممن لهم مكانة. جاؤوا جميعا بمن معهم فعزل محمود باشا ووجه ألوية بابان ، وكوى ، وحرير إلى إبراهيم بك برتبة (باشا) وفي الحال توجه نحو المضيق.

أما محمود باشا فقد تفرق عنه من كان معه من جيوش وأمراء والتحقوا بإبراهيم باشا ، ولذا قوض خيامه وذهب بمن بقي معه إلى إيران. وبذلك قوي أمر إبراهيم باشا وذهب بأبهة إلى محل منصبه. ومن ثم رجع الوزير بعساكره إلى بغداد ظافرا منصورا (١).

حوادث سنة ١١٩٨ ه‍ ـ ١٧٨٣ م

قتلة محمود باشا :

وصل محمود باشا إلى (باين چوب) من مضافات سنة (سنندج) فأرسل ابنه عثمان باشا بهدايا إلى شاه إيران (علي مراد خان) بأصفهان. ثم ذهب إلى قصبة (باغچة) القريبة من سنة لبث فيها مدة وصار يترقب أخبار ولده. وبوصوله إلى أصفهان التجأ إلى الحكام وشوقهم على افتتاح (بلاد بابان) والتسلط عليها.

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٩١.

١٠٨

أما الشاه فقد رحب به كثيرا ونال حظوة عنده. ووجه بلدة (صاوق بولاق) (١) إلى والده محمود باشا وأرسل إليه (رقيما) (٢) فأخذه محمود باشا وقدمه إلى الحاكم هناك وهو بداق خان إلا أن الشاه لم يكن مسلطا على جميع أنحاء إيران سيما أنه لم يستول على آذربيجان. ولذا اضطر أن يسلم إلى حاكمها مقاليد الحكم. وهذا اتفق مع أمراء مراغة وسلماس وخوى فشدوا أزره وأمدوه بنحو عشرة آلاف محارب وعاونوه فعلا ليخالف هذا الأمر.

وفي هذه الحالة لم يكن مع محمود باشا سوى خمسمائة فارس ، فلم يرغب في الحرب إلا أن ابنه عبد الرحمن بك ألحّ عليه. ولذا فرق جيشه إلى قسمين تعهد هو قسما فكان قائده ، والقسم الآخر جعله تحت قيادة ولده عبد الرحمن بك ، وحملوا على الإيرانيين حملة صادقة ولم يبالوا بكثرتهم وأوقعوا فيهم قتلا. فكسر عبد الرحمن بك (بداق خان) ومضى في تعقيبه ، وكذا محمود باشا أراد القضاء عليهم فمضى بنحو عشرين خيالا فهاجم الطرف الآخر وحاول تمزيق شملهم أيضا. فجاءته طلقة أردته قتيلا وفر من كانوا معه وأن الإيرانيين في هذه الحالة ألقوا القبض عليه وذبحوه. وحينئذ حلوا مكانه.

أما عبد الرحمن بك فإنه عاد من تعقب أثر عدوه وحين رجوعه شاهد الإيرانيين ضربوا خيامهم مكانه فخرق جانبا من جوانب العدو وذهب إلى سقز (ساقز) فاستراح بها وكتب إلى عثمان باشا بما وقع. وهذا عرض القضية على الشاه.

وعلى هذا جهز الشاه جيشا لأخذ الثأر وجعل عثمان باشا قائدا له ورخصه أن يحارب (بداق خان) فجاء عثمان باشا بعسكر إيران إلى سقز

__________________

(١) وبعضهم يلفظها صادق بولاق وهي من مملكة اردلان.

(٢) هو الفرمان أو الأمر السلطاني.

١٠٩

فخرج حاكمها عباس قولي خان لاستقبالهم. وكان فكره مصروفا إلى أن يدعوه إليه لكنه أخبر أن تجاوز بداق خان كان بتسويل منه. ولذا ألقى القبض عليه وقتله وأغار على سقز فانتهبها. ولما اعترض عليه الجيش وأمراء إيران قال لهم : إن عمله كان بأمر من الشاه. وعلموا أنه القائد من جانبه فسكتوا ولم يخالفوه وأخبروا الشاه بذلك سرّا.

ثم إن الباشا ذهب بالعسكر على (صاوق بولاق) وحاصر بداق خان في القلعة وشرع في التضييق عليه. وفي هذه الأثناء وصل الخبر إلى الشاه فندم على ما فعل وكتب رقيما إلى أمرائه أن ينتهزوا الفرصة فيلقوا القبض عليه ويأتوا به أو يقتلوه. وكان أمره هذا خفية مع رسوله أحد الأمراء المعتبرين. وحينئذ لقيه عبد الرحمن وألقى القبض عليه وأخذ الكتاب منه ففضه واطلع على مضمونه. ولذا أخبر توّا وبلا امهال عثمان باشا بالخبر.

ولما وقف على جلية الأمر اتخذ من لطائف الحيل ما سهل له الخروج من هذا المأزق الحرج وفارق إيران. وذلك أن عشائر بلباس جاؤوا لإمداد بداق خان فوصلوا إليه فأخبرهم بحقيقة الأمر. وحينئذ أبدى له البلباس من الحمية ما لا يوصف. رأى الإيرانيون أنهم لا يستطيعون المقاومة. ولذا عادوا. ثم إن عثمان باشا أنقذ أمتعته وأهله من سقز ومعه عسكر البلباس فتوجه نحو رواندز فأسكن أهله وحاشيته فيها وذهب إلى بلباس فأقام هناك. ومنها ذهب إلى العمادية ، فأقام فيها في (ناوكر). وحينئذ عرض على الوزير ما جرى عليه وعلى والده مفصلا وطلب أن يعفو عما بدر منه ، فعفا الوزير وأعطاه الرأي والأمان بواسطة مصطفى آغا السلحدار.

وبوروده إلى العراق حصل للوزير أمان من الغوائل. وتوجه عثمان باشا إلى بغداد ونال لطفا وإكراما. طيب الوزير خاطره. وبعد أن بقي بضعة أيام وجه إليه مقاطعات قزلرباط وخانقين وعلي آباد.

١١٠

الخزاعل ومحسن شيخ الشامية :

إن الشيخ محسن شيخ الشامية عصى بلا موجب ونهب فلما تحقق منه ذلك سار إليه الوزير بنفسه لقمع غائلته. أما الشيخ فقد تحصن في قلعته (السيباية) واعتمد على رصانتها وعلى أتباعه للنضال. بقي الوزير بضعة أيام يحاول نصحه فلم ينتصح ، فاضطر للهجوم عليه من كل صوب فاشتد عليه الأمر. ولما لم يجد في نفسه قدرة على المقاومة فر بمن معه وتركوا أموالهم وأمتعتهم غنائم ونجوا بأرواحهم فضبطت ديارهم.

هذا ، وكل ما يبغيه الوزير أن يحصل على الغنائم فاتخذ التهاون منه في أداء الرسوم عصيانا. ومن ثم أبدى أن حمد الحمود كان موافقا له وأهلا للقيام بالمشيخة فأضاف إليه مشيخة الشامية ضميمة على مشيخة الجزيرة ونظم تلك النواحي ثم عاد إلى بغداد.

حوادث سنة ١١٩٩ ه‍ ـ ١٧٨٤ م

الخزاعل وحمد الحمود :

منح حمد الحمود مشيخة الشامية والجزيرة معا فكان ينتظر منه الوزير أن يقوم بخدمات جلى فلم يفعل فأظهر الوزير أنه عصى وسلك طريق البغي. ولذا جهز جيشا لجبا وذهب بنفسه للوقيعة به وسلك طريق الشامية ، فوصل تجاه الديوانية ونصب جسرا على شط الفرات وعبر إلى جانب الجزيرة فوصل إلى محل يقال له (لملوم) وكانت الخزاعل محتشدة قريبا منه. فأحاطت بهم الخيول من كل جانب إلا أن الانهار منعت من الزحف عليهم. ولذا حط الجيش رحاله في الجانب الآخر من الگرمات (القرمات وهي الأنهر الفرعية) ولا تزال معروفة بهذا الاسم. فحاول الجيش العبور إليهم فلم يتيسر له نظرا لعمق المياه. فبقوا بضعة أيام لدرس الوضع وليتمكنوا من مراعاة الوسائل الناجعة.

١١١

وفي هذه الأثناء رأى العشائر أنهم سوف ينالهم ضنك وأدركوا وخامة العواقب. فكسروا الكرمات التي يعلمون أنها مضرة بالجيش فأحدثوا عليه سيلا عظيما وشوشوا الاوضاع فاضطر أن يرفع خيامه لكنهم كانوا يعيثون في جوانب الجيش فيدافع ويصدّ الهجمات فذهب الجيش وتوقف في الحسكة.

ولما لم يتمكن الجيش منهم لأن العشائر كانت أدرى بشعابها اتخذ معهم طريقة سد الفرات من المحل الأول ، فأجهد الوزير العمال. ولم تمض مدة حتى أحكموه أكثر من الأول. وحينئذ عزم على حربهم وتأهب للوقيعة مع العلم أنها غير مثمرة فشاع أن عجم محمد الكهية دخل العراق وجاء إلى الخزاعل بعد أن تجول في بلاد الكرد وإيران فحذر منه وفكر أن الدوام على هذه الحرب لا يأتي بفائدة بل ربما ولدت نتائج مزعجة ، وحينئذ جاءت دخالة من الشيخ حمد الحمود وطلب العفو فوافق الوزير مراعاة للمصلحة فأبقى المشيخة في عهدته وألبسه خلعة الإمارة وعاد (١).

حوادث سنة ١٢٠٠ ه‍ ـ ١٧٨٥ م

سليمان بك الشاوي :

علم الوزير بخدماته فلم يقصر في أمر تكريمه تجاه مساعيه المبرورة وأعماله المرغوب فيها فراعى جانبه أكثر من جميع الوزراء وكان مظهر الاحترام والرعاية.

وذلك ما دعا أن يتجاوز حدود الخدمة ، ولم يبال بالرسوم المرعية

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٩٤. ومطالع السعود ص ٥٧.

١١٢

وإنما كان خشنا فظ الطباع ، تتغلب عليه حدة وغضب مما توصل به حساده لإبعاده فبلغوا ما أرادوا (١).

وزادوا أنه ناله غرور وظن أنه في استغناء فلم يعرف قدره. وفي خلال وزارة الوزير كان يدخل عليه ويتكلم بما يخدش خاطره وكان في وسعه أن يتخذ وسائل تأديبية قاسية فاكتفى بأن صرح له تارة ، ولمح أخرى أن يكف فلم ينتبه. حتى أنه وبخه فلم يبال. ومن ثم نفر منه ومع هذا لم يبدر منه ما يخالف وإنما استعمل الحلم والرفق معه.

ومن جانب آخر أن الشاوي خاصم أحمد آغا المهردار وناصبه العداء مع علمه بخدمته للوزير وأنه ربي في أحضانه فكان يحتقره في أكثر الأحيان فيتحمل منه. فاشتدت المناوشات بينهما وتوترت العلاقات العدائية (٢). قال صاحب المطالع : إن الشاوي لم يعده في عير ولا نفير.

ويلاحظ أن الوزير جعل كل أموره في يد مهر داره واتخذه معينا له وكاتم أسراره. وفي هذه المرة أراد أن يعينه كتخدا له ففاتح الشاوي بذلك ولما كان أحمد آغا ابن خربنده (مكاري الجيش) ونظرا لحسن صوته وصورته استخدمه الوزير. ولذا قبح الشاوي أن يكون كتخداه.

ذلك ما مكن الخصومة بينهما حتى انقلبت إلى عداء. ولما كان الاثنان ممن يودهم الوزير اجتهد أن يؤلف بينهما وسعى لإزالة ما بينهما فكان تماديه على هذه الحالة مما كرّه الوزير عليه.

هذا هو السبب الظاهري الذي أريد إشاعته مع العلم أن الأمر بيّت ليلا فاتخذ المخالفة بين أحمد آغا والشاوي وسيلة للتنكيل بسليمان وأن يكون بعيدا عن بغداد. أراد الوزير أن تكون الإدارة خالصة للمماليك

__________________

(١) مطالع السعود ص ٥٨.

(٢) مرآة الزوراء.

١١٣

ووطد الوضع بالقضاء على نفوذ الينگچرية والعشائر العربية والإمارات الكردية ربى مماليك آخرين فتمكنوا من الإدارة والتسلط على الوضع (١).

ومن هذه التدابير إقصاء الشاوي. أراد أن يقضي على كل عنصر فعال من العناصر الأهلية وهذه كانت سياسته في الخفاء فالوقائع وما قام به من الأعمال أظهرت مكنون سره فلم يطلع على فكرته سوى مهر داره (٢).

ذهب سليمان الشاوي بأتباعه وخرج من بغداد نحو هور عقرقوف فاستقر هناك قليلا والتفت حوله عشائر العبيد والعشائر الأخرى وصار يشاع أنه يحشد الجموع لايقاع الاضطراب وأنه سلك طريق البغي فصارت هذه العصبة أم البلاد. وابن البلاد يعدّ عاصيا وحينئذ عزم الوزير على دفع غائلته فجلب إبراهيم باشا متصرف ألوية بابان وكوى وحرير بجيوشه وجهز جيوشا عديدة من بغداد وجعل أحمد آغا قائدا لمحاربته ، فلما سمع بذلك رحل إلى (وشيل) في شمال تكريت.

نهض الجيش من بغداد بسرعة ليلتحق به إلا أنه انتبه لذلك قبل أن يصلوا إليه فعلم أن لا طاقة له بهم فترك أثقاله وسارع إلى أنحاء الخابور وهذا هو المطلوب فصارت أمواله غنائم ورجعوا إلى بغداد (٣).

إخوة سليمان الشاوي :

لما خرج سليمان من بغداد لم يتابعه إخوته حبيب بك ومحمد بك ، وعبد العزيز بك. فالكل اختاروا البقاء وأن يكونوا في خدمة الوزير. والظاهر أنهم لم يدركوا الغرض وحينئذ خوفهم بعض المغرضين

__________________

(١) مرآة الزوراء ودوحة الوزراء ص ١٩٦.

(٢) مرآة الزوراء.

(٣) دوحة الوزراء ص ١٩٦.

١١٤

وحينما (١). سمعوا أن سليمان بك ذهب إلى جهة الخابور التحقوا به واتفقوا معه

نصب أحمد آغا كتخدا :

كان أحمد آغا متحليا بحلية العلم. وله دراية كافية فهو فطن. جمع السداد والاستعداد مما دعا الوزير أن يرغب فيه منذ الصغر لما ظهر من آثار مواهبه. يضاف إليها حسن القوام والهندام (٢). أذعن له الكل. لذا رغب الوزير في تقريبه قبل أن يكون متسلم البصرة فرباه عنده ، وكل ما عهد إليه قام به أحسن قيام فتوضحت له أحواله وتبين إخلاصه فأبرز من المقدرة ما لا يدع قولا لقائل. فتمكن من إبداء أكبر المواهب في الخطوب الجسام وملك الحظ الأوفى لا سيما القدرة التي أبداها في حرب سليمان الشاوي والانتصار عليه إذ عدها أم المسائل

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٩٦.

(٢) مرآة الزوراء.

١١٥

وأكبر الأعمال فتزايدت الرغبة فيه لذلك كله أنعم عليه بمنصب كتخدا وألبسه الخلعة (١).

القحط في بغداد :

وفي ربيع الثاني من سنة ١٢٠٠ ه‍ لم يقع مطر ولا حصل نبت فتولد القحط فبلغت قيمة وزنة الحنطة سبعة قروش أو ثمانية. ووزنة الشعير خمسة أو ستة. لكن الضعفاء لم يتيسر لهم الشراء فنالهم عناء كبير ومات أكثرهم جوعا. ودام سنتين ونصف السنة. وفي آخرها صار الطاعون وفي هذه الحادثة وزع الوزير على الأهلين مخازن الأطعمة بأقل من السعر المقرر ولم يبق إلا ما يكفي للحاجة. ومع هذا هاجت الناس وماجت في كل أنحاء بغداد في الحلة والحسكة والأطراف الأخرى فحصل ضيق وزاد الخطر. فلا يمضي يوم إلا والغلاء في ازدياد فصار الناس يأكلون الكلأ ويمتصون الدماء ويتناولون ما هو منهي عنه لما نالهم من السغب وأصابهم من الضعف.

شغب من سغب :

وفي هذه المرة هاج لفيف من الناس لما نالهم من سغب فحمل ذلك على البغي والعدوان ، وعدوا هؤلاء القائمين بقية من أولئك المناوئين أيام عبد الله باشا وحسن باشا. والحال أنهم قاموا من جراء الجوع الذي أصابهم وما نالهم من ضجر ، فحملوا علم الشيخ عبد القادر الكيلاني وأشعلوا الفتنة وهجموا بغتة على دار الحكومة وقالوا :

إن عباد الله ماتوا جوعا ، انقذونا بتدبير ناجع عاجل!!

ولما وصلت مقدمة هذا الجمع إلى قرب سراي الكهية خرجت

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٩٧.

١١٦

عليهم ثلة من الخيالة في الحال وبناء على أمر الوزير صدهم آغا المطرجية فقابلوا الأهلين وحملوا عليهم. ولم تمض طرفة عين إلا وكسروهم وشتتوا شملهم وقتلوا بعضهم وألقي القبض على البعض الآخر واختفى الباقون ومن قبض عليهم صلبوا في الحال ليكونوا عبرة. وكذا قبض على باقي من كانوا فجلد بعضهم بالعصي ثم أبعدوا إلى جهة البصرة (١).

وفيات :

١ ـ توفي أمير الحلة عبد الكريم بك يوم الاثنين ١٨ جمادى الأولى. وهو من أسرة عبد الجليل بك أمير الحلة.

حوادث سنة ١٢٠١ ه‍ ـ ١٧٨٦ م

عودة الحاج سليمان الشاوي :

مضى الحاج سليمان بك إلى جهة الخابور في العام الماضي فأمضى أوقاته بضعة أشهر فجمع شمله والتفت حوله العبيد وجاء إلى (سحول) التابع إلى (عانة) فأقام فيه. وعلى هذا أصدر الوزير أمره وأرسل قوة بقيادة كتخدا البوابين خالد آغا فوصل إلى الفلوجة ومكث بضعة أيام لترتيب الجسور والعبور إلى صوب الشامية.

أما الشاوي فقد سبر قوته فتحقق أن لا قدرة لها. لذا أرسل ابنه أحمد بك إلى الفلوجة ، فالتقى الجمعان فانتصر جيش أحمد بك على جيش خالد آغا وقتل في هذه المعركة بكر باشا من أهل كوى وكثيرون وألقي القبض على أسرى لا يحصون وبين هؤلاء قائد السرية خالد آغا ، ومعه محمود باشا ابن تمر باشا متصرف كوى سابقا فجاؤوا بهم إلى

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٩٨.

١١٧

الحاج سليمان الشاوي في (أبي قير) و (الاخيضر) من أنحاء كبيسة. وحينئذ أمر بأن يعاد إلى محمود باشا فرسه ومسلوباته وأرجعه مكرما. وأما خالد آغا فقد أخره عنده ..

هجوم الشاوي على بغداد :

بعد المعركة في الفلوجة بنحو شهر ورد الحاج سليمان بغتة وقت الظهر إلى شريعة الإمام موسى الكاظم ودخل جانب الكرخ بعد الغروب إثر قتال عنيف فنزل مقام الحلاج. فلما سمع الوزير بادر الدفاع ولكنه أحس بالخطر حتى ضاق خناقه ووهت منه قوى التدبير فعين مشاة لدفع الموما إليه وتبعيده فمشوا عليه من كل صوب فحاصروه وضيقوا عليه. والصحيح أن هؤلاء كانوا من عقيل حفظوا الجانب الغربي وأنقذوا الوزير من خطر هذا الحادث. ورفعوا الحصار عن بغداد فانكسر ابن الشاوي وفارقته جماعته. أما إخوانه فقد نفروا منه ولهم رغبة في الاستئمان من الوزير فوجدوا مجالا فاضطروا للانفصال فحصلوا ما أرادوا وزيادة أما سليمان بك فقد رأى انفصال إخوته عنه فلم يبق له أمل في البقاء. اشتغل جيشه بالنهب والسلب فناله من عقيل ما ناله وحينئذ تفرقت حاشيته فرجع بمن معه إلى جهة الدجيل فعبروا إلى الشامية وذهبوا إلى أبي قير ، وأبيرة من أراضي شفاثا فنزلوا فيها.

أراد الوزير القضاء على غائلتهم تماما فأرسل أحمد الكهية للهجوم فعبر من المسيب وتوجه نحو أبيرة وهناك وقعت مقاتلة خفيفة وقبل أن يعلم الغالب من المغلوب انفصل الواحد عن الآخر ورجع أحمد الكهية بعسكره إلى بغداد وذهب الحاج سليمان إلى المنتفق (١).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٩٩ ومطالع السعود ص ١٠٨.

١١٨

الحاج سليمان والمنتفق والخزاعل :

ثم إن الحاج سليمان الشاوي ذهب إلى ثويني شيخ المنتفق فناصره وكتب إلى حمد الحمود شيخ الخزاعل أن يتفق معهما فوافق. ولذا أمر ثويني أن تتجمع العشائر وتتأهب للحرب فأعدوا للأمر عدته. فتقدموا نحو البصرة وتسلطوا على مقاطعاتها وأرسل ثويني أخاه للاستيلاء عليها فضبطها وألقى القبض على متسلمها إبراهيم أفندي وأخذوا كافة أمواله ووضعوه في سفينة وساقوه إلى جهة مسقط فأقعد ثويني أخاه في البصرة فتمكن في الحكم.

قال صاحب المطالع في متسلم البصرة إنه «كان قبل استيلاء ثويني عليه ، واحتوائه على ما في يديه ، أقام للفسوق ، نافق السوق ، وتنافس في أيامه بترقيص الأولاد ، والقينات في كل محفل وناد ، فما ترك بابا من الفسوق إلا فتحه ، ولا زندا إلا أوراه وقدحه ، فعاقبه الله على فعله ، فأبعده عن مقره وأهله ...» اه.

أما الوزير فإنه أراد القضاء على آمال هؤلاء فاهتم للأمر وصار يجهز الجيوش وكتب إلى إبراهيم باشا متصرف بابان وكوى وحرير وإلى عبد الفتاح باشا متصرف درنة وباجلان أن يوافوه بجيوشهم وأن يحضروا بأنفسهم للحرب (١).

عزل ونصب :

إن الموما إليهما امتثلا الأمر إلا أنهما لم يتخذا الأهبة الكاملة من ذخائر ومهمات ولم يفكرا في بعد الشقة. فاتخذ الوزير ذلك سببا فحين ورودهما عزلهما ووجه متصرفية كوى وحرير إلى عثمان باشا ابن محمود باشا ، ومتصرفية درنة وباجلان إلى عبد القادر باشا عم عبد الفتاح باشا

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٩٩ ومطالع السعود ص ١٠٨.

١١٩

وكساهما الخلع. أما عثمان باشا فقد انتظر في بغداد وأذن لأخيه عبد الرحمن بك أن يأتي بالجيوش المطلوبة من ديار الكرد فيكمل جيشه وأكد له في الاستعجال والمجيء بسرعة (١)

السفر على الخزاعل والمنتفق :

إن عبد الرحمن بك حينما وصل إلى ديار الكرد قام بالمهمة. فجاء بالجيش على أتم عدة وانتظام ووصل إلى بغداد فأضاف جيشه إلى الموجود من عساكر عثمان باشا ، وأكثر هم مدرعون وبأيديهم الأتراس وكانوا نحو الألفين من النخبة أما الطوائف الأخرى فقد تأهبت أيضا.

وفي هذه الأثناء ورد إلى الوزير حمود بن ثامر السعدون ومعه نحو مائة من قومه ، لذا ذهب الوزير بنفسه ومعه قوة كافية العدة والعدد وتوجه نحو الخزاعل والمنتفق ، وحينما وصلوا حسكة وجدوا الخزاعل متأهبين للنضال وفي مقدمتهم رئيسهم حمد الحمود بعشائره ، فتقدم الوزير عليهم ، فساق الكتائب وضيق عليهم الحصار في قلاعهم (سيبايه) وأحاط بهم من جميع جوانبهم فلم يطيقوا صبرا وقتل أكثرهم وتشتت شملهم وأن رئيسهم لم ينج إلا بشق الأنفس (٢).

حوادث سنة ١٢٠٢ ه‍ ـ ١٧٨٧ م

حرب المنتفق :

ثم إن الوزير سار في طريقه على المنتفق حتى وصل إلى (أم العباس) وهناك ضرب خيامه ، وأن شيخ المنتفق والحاج سليمان بك وحمد الحمود شيخ الخزاعل كل هؤلاء حشدوا جيوشا وافرة ، فكان

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٩٩.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٠٠.

١٢٠