موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

غائلتهم فرضخوا وتعهدوا بأداء الميري مع حق الخدمة (١). فمضت عليهم سنة أو سنتان فنسوا ذلك ...

ولما طلبت الحكومة حقوقها تهاونت في الأداء. أنذروا عدة مرات ونصحوا فلم يلتفتوا. وكانوا يميلون إلى الانقياد إلا أنهم بسبب غلبة الجهل رجحوا الاستمرار على غيهم. ولهذا تطاولوا وأشعلوا نيران الفتنة فسير الوزير جيشا عظيما عليهم تحت قيادة محمد الكهية فتحرك من بغداد في ٢٧ ربيع الأول يوم الخميس.

وعند ما قرب الجيش من شيوخهم نصحهم الكهية فلم يرجع من شيوخهم الأربعه إلا ضامن الصاروتة (السازوتة) فإنه فارق جماعته وأذعن. ولذا أمر بالرحيل وأسكن في أنحاء الزنبرانية (٢).

وباقي شيوخهم وعشائرهم التجأوا إلى الغابات والأماكن المنيعة. ومنهم من فر إلى الحويجة المسماة (سيره) المتفرعة من نهر الفرات. أرسل إليهم بعض الجواسيس للاطلاع على الحالة فعلم أنهم عازمون على الحرب ، وأن حويجتهم محاطة بغابات لا يمكن الوصول إليها لحصانتها بالأشجار الملتفة ...

تقدمت الجيوش إلى مكان يبعد نحو ربع ساعة منها. وفي ١٠ ربيع الثاني عند طلوع الشمس تقدمت بكامل تعبئة وتصادم الفريقان واشتركت الخيالة والمشاة وأمطرت المدافع والبنادق بنيرانها وتضاربوا من الضحى إلى المغرب فتبينت المغلوبية في عشائر الدليم فهاجم

__________________

(١) بدل الكلفة. كان يأخذها أكبر موظف كما كان يأخذها الجندرمة ببغداد ويسميها الناس (الخدمة) أدركنا أواخرها. ألغيت في عهد المشروطية (الدستور) وهذه تدفع إلى الموظف باسم إكرامية. ويأخذها الجندرمة بالقوة.

(٢) مجاورة أراضي ختيمية على نهر اليوسفية. مقاطعة معروفة. والآن يسكنها قسم من عشائر الجبور.

٣٠١

العسكر جموعهم فقتل أكثرهم وولوا الأدبار فلم يبق لهم مجال أن يلتفتوا إلى أولادهم وعيالهم وإنما ألقوا بأنفسهم على المعبر من الفرات فغرق أكثرهم. وحينئذ ألقي القبض على نحو خمسمائة من ذراريهم وعيالهم وخرج الباقون إلى الصحراء إذ لم يجدوا منجى لهم في الغابات فأبلى فيهم الجيش (١).

هذا ، وإن مؤلف الدوحة قدم التفصيلات بقلمه إلى الوزير بإمضاء الكتخدا فشكره على ما أبدى وأمره يبقى بضعة أيام لتكون سطوته أكبر وأعظم.

عشائر زوبع :

بقي الكتخدا بضعة أيام ثم قصد عشيرة (زوبع) ، ومن بقي من عشائر البو عيسى والجميلة إذ إنهم كانوا متفقين مع الدليم إلا أنهم انحازوا إلى جانب ، ولما لم يؤدوا الميري تيقنوا بالخطر فتركوا ديارهم ونهجوا إلى الفيافي والقفار. وإن (البو عيسى) و (الجميلة) تعهدوا ببعض النقود بسبب انفصالهم وطلبوا العفو ومن ثم فوض بعض من باشر التحصيل منهم (٢).

وأيضا ندم أهل شفاثا على المخالفة وتعهدوا بأداء الميري فأغمض الكتخدا عينه عنهم وفوض عليّا موظف (المصرف السابق) ليقبض ما بذمتهم ونظم بعض المهام وطلب الإذن بالعودة فعاد بجيوشه في ٢٨ ربيع الآخر.

وحين عودته ألبس الخلعة وأكرم باقي موظفيه واحتفل بهذا النصر وتقدمت القصائد في مدح الوزير والكتخدا ومن جملة من مدح الوزير

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٣٦.

(٢) عشائر العراق الريفية ج ٣ فيه تفصيل عن هذه العشائر وزوبع في المجلد الأول.

٣٠٢

صاحب الدوحة بقصيدة باللغة التركية (١) فأنعم عليه وزاد في مرتبته. ثم عظم شأنه أكثر بتقديم (دوحة الوزراء) إليه. وأودع هذه القصيدة تاريخه. وجعلها كخاتمة له.

محمد باشا بن خالد باشا الباباني :

سكن أولاد خالد باشا أمير بابان سابقا في كركوك بأتباعهم إلا أنهم كانوا يؤذون القرى فشكا منهم الأعيان للوزير فكتب إلى محمد باشا أن لا يدع مجالا لهذه الأحوال وأن يردع أعوانه ، ثم تكرر الطلب منه مرارا فلم يفد التنبيه فأصدر الوزير أمرا إلى متسلم كركوك (موسى آغا). في القبض على محمد باشا وسجنه (٢).

تمكن المتسلم من القبض عليه وسجنه. ولم تمض بضعة أيام حتى هجم أتباعه بثلاثمائة خيال أو مائتين على دار الحكومة ليلا وهربوه من السجن. وعلى هذا أمر الوزير بإلقاء القبض على والدهم خالد باشا وكان ينوي الفرار إلى إيران فسجن الاثنان في (باش أسكي) إلا أن محمد باشا بعد أن هرب من السجن ندم على فعلته فلم يذهب إلى جهة أخرى ، وإنما مكث في الجهة العليا من كركوك يبعد أربع ساعات أو خمس في (شواه) (٣) وعرض أمره على الوزير طالبا العفو وقبول معاذيره ...

وعلى هذا أصدر أمره بالعفو على أن لا يضر اتباعه بأحد فعاد إلى أنحاء كركوك. وحينئذ عفا عن والده خالد باشا. وأما سليمان باشا بن إبراهيم باشا ابن عمه فقد أخذت منه أيمان مغلظة على أن لا يخون مرة

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣١٢ و ٣١٧ ومطالع السعود ص ٢٣٦.

(٢) موسى آغا الجد الأعلى لكامل بك وكمال بك أولاد حسن بك بن أحمد آغا بن موسى آغا من (الكولة من) أو الموالي.

(٣) الظاهر شوان.

٣٠٣

أخرى فاعتمد على أقواله وأطلق سراحه أيضا وعين لهما ما يعيشون به (١).

ختان :

وفي هذه السنة ختن الوزير ابنه طورسون يوسف بك لبلوغه سبع سنوات وكان ذلك باحتفال كبير وبهذه المناسبة أنفق الوزير على الفقراء ما لا يحصى وختن نحو ألف من الأيتام معه. وخلع على العلماء والأشراف حللا بديعة الأوصاف ، وبنى خيمة جميلة في دار الإمارة وبسطت الموائد للقاصي والداني ...

وهنأه الشعراء بقصائد ومدائح فاكتفى صاحب الدوحة بنشر قصيدة فوزي ملا محمد أمين المنفصل من كتابة المصرف فنالت قبولا (٢). وممن مدحه الشيخ صالح التميمي بقصيدة مطلعها :

ربيع ولا سحب تسح وتنطف

وخصب ولا نبت لسعدان يعرف

إلى آخر ما قال (٣).

وممن هنأ الوزير بقصيدة عبد الله البصري فنقدها صاحب المطالع كما نقد شعر التميمي وأورد هو قصيدة.

المقيم البريطاني وتجولاته :

في آذار سنة ١٨٢٠ م ـ ١٢٣٥ ه‍ عزم كلاديوس جمس رچ Claudius Jamcs Rich المقيم البريطاني Resident أن يتجول في ديار

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣١٨ ومطالع السعود ص ٢٣٧.

(٢) دوحة الوزراء ص ٣١٨.

(٣) ديوان التميمي ومطالع السعود ص ٢٣٧.

٣٠٤

الكرد. وصل إلى بعقوبة في ٢٨ آذار ، فذهب إلى قصر شيرين وعاد في ٨ نيسان ثم إنه في نهاية نيسان سنة ١٨٢٠ م ـ ١٢٣٥ ه‍ اصطحب زوجته ماري وسكرتيره (بليّنو) وهو ألماني من أصل ايطالي ، وأحد الأطباء والسيد محمد المنشي البغدادي وسماه السكرتير الفارسي مع حاشية كبيرة من الخدم والحرس. وكان معه (ميناس) الأرمني. وهو جد ميناس الأرمني المتوفى سنة ١٩٤٨ م وكان الترجمان الأول للمقيمية. فأصدر الوالي أمره بلزوم العناية بهم إلا أنه ندم على ما فعل ، فأوجس خيفة من هذه الرحلة وأن يجوسوا خلال الديار وفسرها بأنه يريد اثارة الفتن والقلاقل وفي ١٢ آذار سنة ١٨٢١ ه‍ ـ ١٢٣٦ م عاد إلى بغداد. فاشتد الخلاف بين الوزير وبينه إذ منع التجار من إصدار الأموال وجلبها أو أنه أمر السفن أن لا تذهب إلى الهند ولا تأتي منها فاتخذ الوالي التضييق عليه حتى أحرجه على الخروج من بغداد. ولم يأذن له بهذا الخروج حتى تعهد بأنه ذهب باختياره ومن تلقاء نفسه. وكانت جنود الوزير محيطة بالمقيمية معلنا أنه يقصد سلامة المقيم حذر أن يناله من التجار الهائجين ضرر.

دونت رحلة المقيم البريطاني في مجلدين وفيها تفصيل أحوال الكرد وما مر به من مواطن (١). كما أن السكرتير الفارسي السيد محمد ابن السيد أحمد الحسيني كتب رحلة بذلك أيضا وكانت مختصرة وفيها ما يزيد من بعض الوجوه على رحلة المقيم البريطاني (٢).

__________________

(١) نقلها معالي الأستاذ بهاء الدين نوري إلى العربية وطبع المجلد الأول منها سنة ١٩٥١ م في مطبعة السكك الحديدية ببغداد.

(٢) هذه رحلة المنشي البغدادي كتبها بالفارسية ونقلتها إلى العربية. طبعت بتعليقات سنة ١٣٦٧ ه‍ ـ ١٩٤٨ م في مطبعة شركة التجارة والطباعة ببغداد.

٣٠٥

حوادث سنة ١٢٣٦ ه‍ ـ ١٨٢٠ م

ورود مدافع ومهمات حربية :

وردت بغداد مدافع ومعدات حربية من استنبول مع أفراد مدفعيين وعرباتيين نظرا لما رأته من الضرورة لحراسة العراق سواء في حدوده وثغوره ، أو غيرهما. وذلك أن الدولة أرسلت خمسة عشر مدفعا سريعا مع مدفعيين وعرباتي واحد وأفراد آخرين يصلحون للعمل ومعدات كثيرة وأدوات وافرة ولوازم وافية ... جاءت بصحبة مصلح الدين أحد رجال السلطان محمود فوصلت في غرة صفر فأجري لها الاحتفال وأذيع أمرها (١).

قصر الوزير :

أمر الوزير باتخاذ حديقة في الفريجات من ناحية الأعظمية غرس فيها من الأشجار المتنوعة واتخذ فيها قصرا فخما جامعا للطافة والزينة على أبدع أسلوب معماري. وكتب صاحب الدوحة قصيدة في تاريخ بنائه باللغة التركية (٢).

تعمير باب السراي :

أمر الوزير بتعمير باب السراي لأنه عاد لا يليق وجعله واسعا ، وجعل عن يساره برجا فمدح صاحب الدوحة الوزير بقصيدة تركية (٣).

عمل مضخة :

ورد امرؤ من إيران يدعى ميرزا عبد المطلب فأبدى أنه عمل

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣٢٠ ومطالع السعود ص ٢٤٢.

(٢) دوحة الوزراء ص ٣٢١.

(٣) دوحة الوزراء ص ٣٢٣.

٣٠٦

طلومية (مضخة) ترفع المياه وتغني عن الكرود والبكرات المعتادة فعرض القضية محمد المصرف على الوزير فأمر أن يقوم بأعمالها. ولما تم العمل أخبر الوزير فشاهدها الكل فعجبوا من هذا الصنع. وعلى هذا نال خلعة وأنعم عليه بإكرام جزيل وأن يقيم في بغداد ليتعلم سائر الناس منه وأجرى له راتبا.

سميت هذه الطلمبة إضافة لنجل الوزير طورسون يوسف فسموها (چرخ يوسف) أي دولابه ونظم صاحب الدوحة قصيدة تبين تاريخ عملها (١).

تعمير السراي :

أمر الوزير بتعمير السراي مراعيا فيه النقوش والتزيينات والإتقان المعماري. فدامت التعميرات نحو ثلاثة أشهر فتم بالوجه المرغوب فيه فأجريت مراسيم الافتتاح وفرش بأنواع الفرش وجلس فيه الوزير وتقدم الشعراء في وصفه وأرخوا بناءه. وصاحب الدوحة ممن أرخه. ومن ثم صار (ناظم التواريخ) ...

وقائع أخرى :

١ ـ إن محمد باشا ابن خالد باشا بعد العفو عنه داخلته الوساوس فجمع أعوانه وفر إلى إيران إلى الشهزاده. ولما علم الوزير أن ذلك كان بإغراء من والده خالد باشا وأنه ينوي اللحاق به ألقى القبض عليه وحبسه.

٢ ـ سبق أن يحيى آغا الخازن خذل في حرب الصقور ولوحظ أن ذلك لم يكن نتيجة إهمال وغفلة وإنما أشيعت عنه اشاعات غير مقبولة

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣٢٥.

٣٠٧

فعزل ووجهت إليه مقاطعة (تازة خورماتي) في أنحاء كركوك وأماكن متعددة في أطراف بغداد ، ونال انعامات وفيرة. وبالرغم من ذلك ارسل الشهزاده إليه من يغريه ويحضه فنزل من الطاق باسم الصيد فجاء إلى أطراف زهاو (زهاب) وباديتها وتجول فيها تنفيذا لنواياه. وكان يترقب الخازن الفرص وباح بسره لبعض محبيه فأخبر الوزير خفية فأمر بإحضاره وإلقاء القبض عليه وكان من المحتمل أن يكتفي بحبسه ولكنه حينما أخذ للحبس وكان في ساري الكتخدا سل خنجره وجرح بعض الموكلين بالمحافظة عليه فلم يجد طريقا للخلاص فزج في السجن هو ومن ساعده اثناء الحادثة فقتل. ومن أراد الوزير الوقيعة به اختلق له الأسباب.

٣ ـ أظهر الوزير الذهاب إلى قصره في الفريجات ومن هناك أبدى أنه عازم على الصيد ونصب خيامه بعد منزل واحد فأرسل أحمد بك مع ألفي جندي إلى إربل لنشر آثار سطوته هناك.

سمع الشهزاده بالخبر وفي الحال ابدل طوره وأراد أن يخفي حاله فأبدى خلاف ما عرف عنه وأظهر أنه مخلص للوزير وأرسل بعض التحف إليه توددا وصداقة. ثم لوى عنان عزمه وعاد لمقره. وحينئذ قضى الوزير بضعة أيام في الصيد وأخفى هو أيضا نواياه ثم رجع (١) ...

٤ ـ إن سليمان باشا بن إبراهيم باشا متصرف بابان سابقا كان يرعاه الوزير والظاهر أنه كان بينه وبين يحيى آغا موافقة في الخفاء لذا حذر أن ينكشف أمره فانهزم إلى الشهزاده. أما خالد باشا فقد دققت أحواله فظهر أن لا دخل له في القضية فعفا عنه الوزير وأكرمه وأطلقه من السجن.

وفي سنة ١٢٣٤ ه‍ مرّ أن عبد الله باشا متصرف بابان سابقا كان

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣٢٦.

٣٠٨

اتفق مع محمود باشا وأرسل إليه على أن يوليه كوى وحرير ولكن لم يوافق مصلحته أن يجعله بعيدا عنه. لذا لم يعطه اللواء المذكور وخصص له عائدات توازي هذا اللواء وامتزج معه لبضعة أشهر إلا أن عبد الله باشا ظهرت منه علائم الخيانة وتبين منه ميل إلى الفرار لجهة الشهزاده فاضطر محمود باشا إلى إلقاء القبض عليه وسجنه.

وبعد أن بقي شهرين أو ثلاثة في السجن رق عليه أخوه فأطلق سراحه بعد أن أخذ منه العهود والأيمان المغلظة وخصص له بعض المحال الكافية لإدارته. ولكن لم تؤثر فيه الأيمان ولا راعى المواثيق. فحينما خرج من السجن كاتب الشهزاده فاختلس فرصة وفر بنحو مائة أو مائتين من أتباعه لجهة ايران (١).

تجاوز إيران حدود العراق :

مال قسم من امراء ديار الكرد إلى إيران وهم محمد باشا بن خالد باشا وسليمان باشا بن إبراهيم باشا ، وعبد الله باشا أخو عبد الرحمن باشا فاجتمع هؤلاء في كرمانشاه لدى الشهزاده فتولد فيه أمل التسلط على أنحاء مهمة من العراق. لذا سير هؤلاء ما عدا سليمان باشا إلى ناحية زهاو وتجاوزوا الحدود فأشعلوا نيران الفتنة ، وأن الشهزاده توجه نحو أبيه إلى طهران ليخفي هذا العمل فيما إذا عاتبه الوزير.

وإن محمد باشا بعد أن وصل إلى زهاو أغار على جهة قولاي وخانقين وعلي آباد فدمر الأهلين هناك وانتهب أموالهم ومواشيهم وأضر بهم أضرارا كبيرة ثم عاد إلى جهة زهاو.

فلما سمع الوزير بالخبر سير مقدارا من الجيش فحاول اللحاق به ولكن المسافة كانت بعيدة جدا فلم يتمكن من الوصول إليه وعاد.

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣٢٧.

٣٠٩

وعلى هذا عرض الوزير الأمر على الدولة وأطلعها على ما وقع وطلب الترخيص فيما إذا تجاوزت إيران الحدود واعتدت على العراق وطلب قوة تساعده وأنه في الحال الحاضر مثابر على محافظة الثغور ... ومن جهة أخرى أمر (بلوك باشي بيارق الخيالة) عبد الفتاح آغا أن يرجع من بني لام حالا ويسير إلى جهة زنگباد مع البيارق التي معه ...

وكان الوزير في تبصر من جهة العراق وإيران ، ويتوقع ما سيحدث ، وأنه في انتظار أمر الدولة.

ولما وصلت عريضته إلى استنبول اهتمت الدولة للأمر إذ إنه مما لا يجوز التساهل أو التهاون فيه. ولذا صدر الفرمان بلزوم محافظة الثغور والتأهب للطوارىء ، وأن تجهز الجيوش وتعد القوى ...

وأول ما قام به الوزير أن سير (البلوك باشي) إلى أنحاء زنگباد ومعه نحو ١٥٠٠ من الخيالة ومكث في هذا المحل ...

وعلم أن الشهزاده عاد من طهران إلى جهة كرمانشاه وحينئذ وجه إيالة ديار الكرد إلى عبد الله باشا وأنه شرع في إخراج محمود باشا من السليمانية باتخاذ ما يجب من الأعمال.

وردت رسائل من محمود باشا ومن غيره من الأنحاء الأخرى تنبئ بذلك مما بلغ حد التواتر ... أما الوزير فقد رشح محمد الكهية لتجهيز الجيوش وجعله قائد الحملة على ايران. وحينئذ تعين أن يقيم في زنگباد ويتخابر مع محمود باشا وأن يعاضد الواحد الآخر ، ويأتي بسرعة لإمداده.

وعلى هذا نهض الكتخدا من بغداد بمهمات كثيرة وجيش جرار في ١٣ رمضان فالتقى (بباش آغا) في مقاطعة (كوكس) من زنگباد. ثم تلاحقت العساكر ونصب خيامه في (شيروانه) (١) أربعين يوما.

__________________

(١) قلعة واقعة على ديالى معروفة بهذا الاسم والآن ناحية من نواحي كفرى.

٣١٠

وفي هذه المدة اتخذ الشهزاده جميع المكائد لعزل محمود باشا ونصب عبد الله باشا وسيره إلى السليمانية وجهز معه أربعة آلاف جندي أو خمسة آلاف أما محمود باشا فإنه استمد بالكتخدا وطلب أن يوافيه. ولذا تحرك من (شيروانة) وتوجه إلى ديار الكرد فوصل إلى (بازيان) إلا أن عبد الله باشا منعه أن يعبر ديالى ويوافي (خواجايي) من أعمال گلعبر (حلبجة) الواقعة في منتهى حدود شهرزور. فتمكن من تشتيت شمل القرى كما أنه استطاع أن يجذب (أمير الجاف) كيخسرو بك إليه في حين أنه كان بمثابة قوة الظهر لمحمود باشا ، وكذا تمزق باقي أتباعه فانحل نظام جماعته.

أما الجيش فقد بقي بعيدا عن السليمانية بمسافة ثلاث ساعات من جانبها الآخر في محل يقال له (تپه رش) (١) قرب بازيان. وبهؤلاء قوي الأمل وثبتوا. وتقدم الجيش إلى جهة السليمانية ببعد ساعة ونصف قريبا من قرية (باريكة) (٢) في الجانب الآخر من وادي (تاجرود) (٣). وأن محمود باشا وعد أنه يأتي بسبعة آلاف جندي أو ثمانية آلاف إلا أنه لم يحضر إلا مقدار خمسمائة من الخيالة ومائتين من المشاة. جاء بهم بعد أسبوع ونصب خيامه في الجانب الآخر من النهر تجاه الجيش.

ثم إن عبد الله باشا لم يقف عند حده وإنما توجه نحو السليمانية إلا أنه حينما وصل إلى (خواجائي) لم يجسر أن يتقدم إلى الأمام ومكث في محل منيع هناك وأبدى عجزا. وعندئذ استغاث بالشهزاده ليمده فجهز نحو خمسة عشر ألف خيال وخمسة آلاف راجل وعلى حين غرة انحدر

__________________

(١) للشيخ محمود الزعيم الكردي المعروف.

(٢) قريتان بهذا الاسم إحداهما تابعة حلبجة والأخرى تابعة سرجنار. وأصلها سرجنار الغربي والشرقي. ويقال للأولى سرجنار وللأخرى تانجرو. وهما من ملحقات السليمانية.

(٣) ويلفظ تانجرو. نهر يبعد ساعة عن السليمانية.

٣١١

من پاي طاق ومضى إلى زهاو ومنها عبر إلى ديالى وانتهب (قرا الوس) (١) من زنگباد وبقي هناك بضعة أيام يتجاوز على القرى والأطراف وتفرق الأهلون. ومنهم من سار إلى جهة كركوك.

وصل الخبر إلى بغداد. ويأمل تثبيت الأهلين في مواطنهم نهض أحمد بك أخو الوزير على وجه العجلة بمقدار من الجيش ، وعلى أثره عزم الوزير أن ينهض بنفسه ليقف الشهزاده عند حده ، وكتب إلى الكتخدا وأكد إليه أن يلتحق به في طريقه ...

خبر موحش :

وفي هذه الأثناء ورد أن الجيش نزل في (باريكة). وهذا حرارته شديدة في النهار وبرودته زائدة ليلا وفيه وخامة. وبعد بضعة أيام من جراء هذا التأثير وسوء الأكل والشرب استولى على الجيش مرض كأنه الوباء إذ سرى على الجميع لدرجة أن الألف لم يبق منه إلا الخمس وهؤلاء لا يستطيعون القيام والنهوض ولازموا مضاربهم ولم يقدروا على الخروج من مخيماتهم فحدثت فيهم وفيات بين خمسة عشر أو عشرين يوميا.

وإن الاصحاء استولت عليهم الواهمة ونالتهم الحيرة والاندهاش فعادوا لا يبدون حراكا ولا يدرون ماذا يعملون ...

وكان عبد الله باشا مع الجيوش الإيرانية في (خواجايي) وتحصن فيه وهو بعيد عن الجيش بنحو اثنتي عشرة ساعة في حدود ايران ، وأن العساكر العراقية لم تطق الصبر على هذه الحالة ولم يقر لها قرار فعزمت على الفرار فانعكس الأمر إلى عبد الله باشا فنشط وسار نحو جيش الكتخدا فوصل إلى (قره طاغ) (٢) ببعد تسع ساعات وورد إلى الطريق

__________________

(١) عشائر العراق ج ٢ ص ١٨١ وتلفظ قرا ألوس. والآن في مندلي.

(٢) الآن ناحية وتبعد عن السليمانية سبع ساعات تقريبا ويقال لها (قره داغ).

٣١٢

المسمى (كوره قلعة) (١) فورد ثغر الطريق وتمكن فيه.

فالجيش بحالته هذه لم يستطع الحرب والمقاتلة ولم تبق فيه قدرة بسبب الأمراض الفتاكة فكان الرأي أن يميلوا إلى جانب ويتحصنوا في مكان منيع. وعدا هذا إن الشهزاده في نية التقدم إلى جهتهم كما يستفاد من الكتاب المرسل إلى الكتخدا ، فكتب الوزير إليه أن يأتيه بالعسكر سريعا.

كتب الكتخدا جوابا للوزير يتضمن بعض المعاذير والتهاون عن المجيء ورمى بالجيش فجعلهم طعمة باردة للعدو وخاطر بهم مخاطرة عظيمة فعذله الأمراء ورؤساء الجيش فلم يتعذل وقال إني أريد أن أقهر جيش عبد الله باشا ...

نسب صاحب الدوحة ذلك إلى خيانة منه وأنه اتخذ أمراض الجيش وسيلة لإظهار نواياه بخدمة إيران ولم ينظر إلى أن الوزير كان يرعاه خمس سنوات تقريبا ... فلم يؤثر فيه ذلك كله ...!!

والحال أن صاحب مرآة الزوراء يطعن في الدوحة وينسب المغلوبية إلى الأمراض من جهة وإلى الموقع الحربي وأنه غير مساعد من جهة أخرى وأن الكتخدا كان متصلبا في رأيه غير مدرب للحرب الدولية ورأى من العار عليه أن يرجع دون أن يشفي غليله من عدوه فأصابه ما أصابه.

وفي ١٤ ذي الحجة يوم الثلاثاء تحرك من منزل (باريكه) وتقدم بالعسكر بالرغم من أمراضهم وهم في حالة لا يرجى منها فائدة وأقام بين المنزلتين بعد أن قطع سبع ساعات وتقدم إلى مقربة من العدو. وصل إلى قرية (بيستان سوار) (٢). جاءها يوم الخميس فنزل (قره گول) (٣) ويبعد

__________________

(١) تلفظ كورة قلا بتفخيم اللام قرية من (بازيان) وكذا (زرده لي كاوه).

(٢) قرية تابعة حلبجة.

(٣) قره كول قرية تابعة تانجرو (سرجنار الشرقي).

٣١٣

عن المضيق (الدربند) الذي نزله عبد الله باشا نحو ساعتين وأمر الجيش بعمل المتاريس وعزم أن يهاجم عبد الله باشا.

وفي يوم الجمعة تقابل الجيشان وغرضه أن يقضي على جيش عبد الله باشا حتى إذا رجع لا يعيث هؤلاء بالأنحاء. ولكن يوم السبت والأحد أرسلت الرسل والرسائل من الجانبين في التدخل بمفاوضات صلح كاذبة وأشغل العسكر بها وغرض عبد الله باشا أن يوافي الشهزاده بجيوشه الجرارة ... وهذه المفاوضات كانت بتدبير من عبد الله باشا لا خيانة من الكتخدا وهو حريص على نجاحه ...

وفي يوم الاثنين رتبوا الصفوف وتأهبوا للقتال ... فوافى جيش الشهزاده ويبلغ نحو خمسة وعشرين ألفا في حين أن جيش الكتخدا لا يبلغ أكثر من ثلاثة آلاف من الخيالة والمشاة ... وبهذه القوة الضعيفة وقفت صفوفهم تجاه الأعداء واشتبك القتال ودام إلى الضحوة الكبرى فلم يقصر الجيش في النضال والصبر على الحرب ودافع بقدر ما أوتيه من قوة فكان جيش إيران مشرفا على الهزيمة ولكن الكتخدا منع جيشه من التقدم على العدو وردعهم من الهجوم عليه فأدى ذلك إلى كسر الجيوش (١) ...

قال صاحب الدوحة : وهذه خيانة. والحال أن الجيش الذي قوته وعدده ما ذكر لا يستطيع أن يهاجم خمسة أضعافه فالمحافظة على القوة ومداراتها تدبير ضروري ... فسلمت المهمات والمدافع والخيام وكافة معدات الجيش إلى الأعداء فاستولوا عليها ورجع جيش الكتخدا إلى كركوك مكسورا ليلة الأربعاء.

أقام ستة أيام. وفي اليوم السابع ليلة الاثنين ذهب الكتخدا وأخوه

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣٢٨.

٣١٤

علي آغا واثنان من اتباعه خفية إلى الشهزاده ، فالتجأوا إليه. خافوا من العقوبة ففروا. ولم تقع خيانة (١).

وجاء في ناسخ التواريخ قسم القاجارية : إن الدولة العثمانية أرسلت ألفي جندي إلى الوزير ومعهم عشرة مدافع وجلبوا محمود باشا لجهتهم فأرسل الوزير عشرة آلاف جندي بإمارة محمد الكهية فالتحق به محمود باشا قرب ماء شيروان.

وإن محمد علي ميرزا حاكم كرمانشاه كان معه خمسة عشر ألفا من الجند المشاة والفرسان ، فتأهب في العشرة الأولى من ذي الحجة ومعه عشرة مدافع والتحق به حسن خان والي الفيلية بثلاثة آلاف جندي.

وفي هذه الأثناء أرسل كل من حسين خان من أهالي خمسه ، ومحمد باقر خان المافي من طريق سنندج بأمر من الشهزاده (٢).

وفي ١٨ ذي الحجة وصلوا قرب شهرزور.

أما محمد كهية ومحمود باشا فقد نظما متاريس في (ياسين تپه). وهذا محل يتصل من ثلاث جوانبه بالمياه ومن جهته الأخرى بالبر ورتبوا خمسة عشر مدفعا أمام متاريسهم. وفي هذا الأوان أرسل محمود باشا رسلا إلى الشهزاده فحواها أنه إن أمنه وعفا عنه فإنه غدا عند المعركة يلتحق به متظاهرا بالفرار وفي الحال يحارب محمدا الكهية متفقا مع الشهزاده جنبا لجنب. أما الشهزاده فإنه لم يثق من كلامه ولم يحمله على الإخلاص فأبدى موافقته وأجاب جوابا ملائما. وقضى الشهزاده ليلته. وفي اليوم التالي تأهب للقتال وأمر (مسيو دوده) المعلم الانجليزي (كذا. وهو فرنسي) مع جماعة من العسكر وهم بين مشاة وفرسان

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣٢٨ ـ ٣٣٣ ومرآة الزوراء.

(٢) ما في عشيرة كردية. (رحلة المنشىء البغدادي ص ٤٦ و ٤٧).

٣١٥

بالتأهب وزودهم بالمدافع وبآلات نارية أخرى من زنبرك وغيره فساروا في طريقهم بين التلول وصاروا كمينا. قصدوا مفاجأة العثمانيين من خلفهم ، والشهزاده رتب الميمنة والميسرة وبعد ذلك صعد إلى تل عال وتضرع إلى الله طالبا أن يؤيده بالنصر وبكى بكاء تضرع. فظهر في وسط العسكر وابتدأ الحرب وثارت المدافع والبنادق ومن ثم اشتبك القتال بين الطرفين بحرارة فأسفرت النتيجة أن العثمانيين لم يروا مجالا للدوام على الحرب فولوا الأدبار. أما محمود باشا فأنه باتفاق مع الكهية توجها إلى أطراف كركوك بأنفسهما فتيسر للشهزاده أن يستولي على جميع معداتهم من الخيام والمدافع. ثم نزل السليمانية. فلما رأى الكهية هذه الحالة وكان يخجل أن يرجع إلى بغداد بهذه المغلوبية التجأ إلى الشهزاده حرصا على حياته.

وفي هذه الأثناء ولى الشهزاده عبد الله باشا عم علي باشا والي ديار الكرد حكومة شهرزور. وأن الشهزاده بقي أيام المحرم في السليمانية وعرض هذه القضية إلى مسامع الشاه.

وفي أول صفر خيم خارج السليمانية وكان يقصد زيارة العسكريين فتوجه إلى بغداد» اه (١).

وفي هذا ما يؤيد براءة محمد الكهية من الخيانة ويوضح الوقعة أكثر ببيان قوة إيران آنئذ ... ومطامعها في العراق ولكن أمل الفتح والاستيلاء قد انقضى بوفاة نادر شاه. وفي هذه الأيام تجددت فكرة الاستيلاء على العراق وعلى أنحاء أرضروم من عباس ميرزا فكانوا على اتفاق ولم تكن غائلة محصورة في أمور بابان. وبوفاة هذا الميرزا انقطع الأمل فلجأوا إلى طريق السياسة (٢).

__________________

(١) ناسخ التواريخ ـ قسم القجارية. وهو خال من أرقام صفحات.

(٢) رحلة المنشي البغدادي ص ٩.

٣١٦

الهواء الأصفر : (الهيضة):

في أوائل هذه السنة سنة ١٢٣٦ ه‍ ـ ١٨٢٠ م ظهر مرض لم يسمع باسمه (قوليرا) أو الهواء الأصفر أو الهيضة يفتك في النفوس فتكا ذريعا. سماه ابن سند بالوباء وقال هو طاعون ظهر في ديار الهند وأصاب الكثير من أهل بومبي. ومنها سار إلى بلاد الهند الأخرى. وازداد شره ومشى كالسيل الطامي حتى وصل إلى البصرة ، واستمر فيها من آخر شوال إلى آخر ذي القعدة وأن شدته في أول ذي القعدة سنة ١٢٣٥ ه‍ ـ ١٨١٩ م إلى الثاني عشر منه. يشتد تارة ويخف أخرى إلى ٢٢ منه ثم خف إلى أن زال وقد مات من أهل البصرة خمسة عشر ألفا وأكثر فاضطرب منه الأهلون وابتهروا من فعله وصاروا يفرون إلى القرى والضياع في الأطراف ... وأول ما وقع في البصرة هبت الشمال العظيمة نهارا وليلا (١) ...

ثم إنه ذهب بؤسه فصار يتعاود الأهلون ويرجعون إلى مواطنهم ولكنه توجه بعد البصرة إلى جهة سوق الشيوخ ، والعرجة ، والسماوة حتى استولى على أكثر أهل الجزيرة وبعض عشائر الشامية ثم جاء إلى الحلة وكربلاء ومكث في هذه الأماكن مددا تتراوح بين عشرة أيام وعشرين يوما.

ثم إنه سرى إلى بغداد ولكنه كلما تصاعد وطالت مدته قل ضرره وخفت وطأته ... فبقي مدة خمسة عشر يوما وفي بعضها أصاب الواحد والاثنين ... ثم زال.

ومنها سار حتى وصل كركوك ودام هناك نحو ٢٠ يوما. فتوفي نحو ألف نفس ولكنه لم يتماد في سيره فاندفع بسرعة وسار إلى ديار

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣٣٣ ومطالع السعود ص ٢٠٣.

٣١٧

الكرد فانتقل إلى السليمانية ومن حين وصل إلى البصرة وورد خبره إلى بغداد أوقع رعبا في النفوس.

وفي هذا المرض استشير أطباء الانجليز فكتبوا على أدوية تجلب من ديارهم فجاءت إلى الوزير ووصلت إلى وكيل متسلم البصرة. قالوا : وإن أطباء الانجليز وجدوا دواء لهذا المرض وكتبوا رسالة بلغتهم في المعالجة والتداوي. وفي هذه الرسالة أن هذا المرض ثلاثة أنواع أو أربعة ، وأنه سرى إلى البصرة في سنة ١٢٣٦ ه‍. وذكر صاحب الدوحة ترجمة الرسالة من العربية. فلم نر اليوم حاجة لسردها بالنظر إلى معلومية هذا المرض وتجدد الفن وتبدل الأدوية والتدقيقات ...

وذكر ابن سند من علامات هذا الداء القيء والإسهال المفرط ولكن صاحبه لا يبول فمن بال سلم وقد لا يسلم.

حوادث سنة ١٢٣٧ ه‍ ـ ١٨٢١ م

مجيء الشهزاده إلى ناحية دلي عباس :

إن الجيش رجع مغلوبا إلى كركوك. فأقام فيها بضعة أيام ثم التجأ الكتخدا إلى الشهزاده. ولكن الأهلين استمروا على المقاومة. أما الشهزاده فقرب منهم بمسافة ثلاث ساعات وأقام حواليهم بضعة أيام يرغبهم من جهة ويرهبهم من أخرى فحاول بكل وجه اقناعهم ودعوتهم إليه للتسليم فأبوا واتفق الكل على الدفاع ... ولذا رحل عن كركوك ووصل (داقوق) (١). بقي أكثر من عشرة أيام ، ومنها توجه نحو (طوز خورماتي) فنزلها وبقي فيها بضعة أيام جال في خلال جيشه في الأنحاء وعاث ونهب.

__________________

(١) ويقال لها طاووق والصواب (دقوقا).

٣١٨

ومنها ذهب إلى (كفرى) ثم توجه إلى قره تپه (قره دپه) ومنها وصل إلى ناحية (دلي عباس).

عرض الوزير القضية بحالها على دولته وطلب الإمداد منها إلا أنها لم يكن لها أمل في الحرب ولا كان لديها من المعدات ما يكفي والأمل مصروف إلى أن الشهزاده سوف يرجع من كركوك إلى بلاده ولكنه جاء إلى كفرى فلم يرجع حتى وافى (دلي عباس). وحينئذ أشعل نيران الفتنة في الأطراف وألقى التشويش فنزل بين خان چبق وبين قرية هبهب وعين عساكر على العشائر القاطنة هناك فانتهب منهم نحو عشرة آلاف (١) رأس من الغنم والمواشي وأوقعوا أضرارا كبيرة بالأثمار فمدوا أيديهم وخربوا الكثير من القرى.

أما الحكومة فإنها خشيت من الذين يميلون إلى إيران فاتخذت التدابير بسد الأبواب الثلاثة وأبقت لها حرسا من الآغوات المعتبرين توقعا لما يخشى منه ووضعت المدافع ، لحراسة العاصمة والتأهب لما يخشى وقوعه وأقيم الحرس من الينگچرية وصنوف الجيش الأخرى ...

وفي هذه الوقائع وذيوعها لم يبد الأهلون ما يخل بالأمن ، ولا ما يخالف الوضع. صبروا وانقادوا لولاة الأمر فكانوا على وفاق ، وكذا الشأن في الصنوف العسكرية وأكابر موظفيها فإنهم أدوا ما عليهم من الخدمة وبذلوا ما استطاعوا من راحة ...

وجاءت العشائر زمرا ووافقت على ترتيبات الحكومة وسلطتهم على السرايا والهجومات المختلفة وصاروا يهاجمونهم ويصولون عليهم من كل ناحية ووقفوا لهم بالمرصاد ، وإنهم حينما رأوا محمدا الكهية وأعوانه في الجهة التي بين خان چبق وبين قرية هبهب صاروا يشنون

__________________

(١) في مطالع السعود ألف رأس من الغنم.

٣١٩

الغارة عليه وعلى أعوانه ومعهم العثمانيون فأوقعوا بهم خسائر كبيرة فاضطر إلى العودة إلى فيلق الشهزاده ولم يتمكن من البقاء هناك ...

وقعة صفوق :

ثم إنه سار الكتخدا إلى دلتاوه (الخالص) مرة لتحصيل ميرة منها فلاقاه جمع كبير يتجاوز الألف مع شيخ شمر الجرباء صفوق الفارس وعشرة من بلوگباشية اللاوند قرب القرية فانتهزوا الفرصة وصالوا عليهم بهجوم عظيم وقتلوا أكثرهم وأسروا قسما وتفرق الآخرون وفروا ...

وبعد بضعة أيام لم ير فائدة من البقاء فاضطر أن يترك هذه السفرة وكتب خفية إلى المجتهد المقلد عندهم الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر (كاشف الغطاء) ليتدخل في أمر الصلح بين الفريقين وأرسل إليه رسولا فأبدى ميله إلى الصلح من تلقاء نفسه ورغب فيه ... وفي تواريخ إيران أن الوزير هو الذي أرسل الشيخ موسى للمفاوضة ... والصواب أن المرض الشديد دعا إلى هذا الصلح ، فأراد أن لا يرجع بلا سبب.

وحينئذ أرسل إليهم الوزير محمد آغا ابن أبي دبس من ندمائه ومحمد أسعد ابن النائب الكركوكي من المدرسين وبعد وصولهم إلى معسكره أخبروا الوزير أن الشهزاده راغب في الصلح إلا أنه علق أمر الصلح على أن يوجه لواء بابان إلى عبد الله باشا ، وألوية كوى وحرير إلى محمد باشا بن خالد باشا ، وأن ترسل إليهم البيورلديات والخلع وأن يعفى عمن التجأ إلى إيران من الأشخاص وأن لا يسألوا ...

ولما شاور الوزير العلماء والأعيان رجحوا جانب الموافقة على أن لا يبقى الشهزاده في محله وأن يرجع حالا إلى بلاده ولم تقبل جهة العفو عمن التجأ إلى إيران واشترط أن تعاد العشرة آلاف رأس من الغنم التي نهبت من أنحاء الخالص.

٣٢٠