موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

وفي هذه نرى عمر باشا حينما علم بهجوم ايران من ثلاث جهات تيقن بالخطر وأنه لا يسعه الدفاع ولا امداد هذه المواطن الثلاثة ومعاونتها فطلب المساعدة من دولته لتمده بما تستطيعه خشية أن يتفاقم الأمر. ونعلم من ناحية أخرى أن الدولة ليس في وسعها الامداد ولكنها أفرغت المسألة في قالب آخر فلم تصدق الوزير في أقواله إلا أنها علمت الحقيقة من كتاب الباليوز (المقيم البريطاني في بغداد) ولذا أرسلت لهذا الغرض وهبي أفندي بوظيفة سفير إلى ايران.

ثم إن الإيرانيين حينما وصلوا إلى (دربندكي) مع محمد باشا مكثوا بضعة أيام ثم انسحبوا إلى الوراء أما القائد فإنه أقام في كركوك مع ثلة من الجند لمحافظة المدينة. وفي هذه الأثناء شاع خبر عزل عمر باشا ممن جاؤوا من الموصل. ولذا تفرق عسكر القائد (الحاج سليمان آغا) وبقي وحيدا ليس معه إلا بعض أتباعه. خالفه تمر باشا متصرف كوى وحرير وتصدى للذهاب إلى مقره فلم يوافقه القائد في رأيه هذا ولم يأذن له بالذهاب إلا أنه لم يصغ لقوله وحاول الخروج فألقى القائد القبض عليه وعرض الأمر على عمر باشا فعزل تمر باشا ووجه لواء كوى وحرير مع إربل إلى أحمد باشا ضميمة إلى القنطرة (آلتون كوپري) وأن أحمد باشا ومحمود باشا توجها مع القائد وضبطوا كويسنجق ولكن القائد لم يجد البقاء فيها موافقا. فعاد بعد أيام إلى كركوك.

وفي هذه الأثناء عزل الوالي متصرف كركوك تيمور باشا ووجهت المتصرفية إلى سليمان باشا ابن أمين باشا الجليلي متصرف الموصل برتبة الوزارة فجاء وباشر إدارة الشؤون.

وكذا ورد وهبي أفندي وذهب إلى شيراز فالتقى بكريم خان الزندي وبلغ سفارته ومن هناك توجه إلى استنبول ولم تظهر نتائج هذه المفاوضة.

٦١

ومن ثم حاصر جيش كريم خان البصرة. أما الدولة فإنها في الظاهر أعانت عمر باشا ولكنها كانت تضمر له نوايا. فأرسلت والي ديار بكر أوزون عبد الله باشا وأتبعته بالحاج مصطفى الاسبيناقجي جاء عبد الله باشا ومعه نحو الثلاثة آلاف جندي فوصل إلى كركوك. ثم بعد استراحة بضعة أيام رافقه القائد الحاج سليمان آغا إلى بغداد ونزل في ميدان السلق.

ثم جاء بعد أيام قلائل الحاج مصطفى والميرميران كپكي عبدي باشا ومعهما نحو ألفين وخمسمائة جندي. ونزلوا خارج الباب الأبيض ثم ورد والي كركوك سليمان باشا الجليلي ومعه نحو ألف فكان جيشا معاونا ونزل خارج البلدة (١).

ويلاحظ أن هذه الحوادث ابتدأت من سنة ١١٨٧ ه‍ ، وانتهت بسنة ١١٨٨ ه‍.

في سنة ١١٨٨ قتل الكارجي وإسماعيل آغا وإسحاق آغا (٢).

وفيات :

١ ـ السيد عبد الله الفخري :

سنة ١١٨٨ ه‍ توفي السيد عبد الله الفخري. وله (تاريخ نشاطي). وكان كاتب الديوان من أيام الوزير أحمد باشا وهو أديب وشاعر بالعربية والتركية وعندي مجموعته الخطية فيها شعره العربي وما قيل فيه وله رسالة في الهيئة عندي مخطوطتها وشرح بانت سعاد مخطوطة أيضا ورثاه الشيخ كاظم الأزري بقصيدة (٣).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٦٦.

(٢) عن مجموعة عمر رمضان مخطوطة بخط المؤلف.

(٣) التفصيل في التاريخ الأدبي.

٦٢

حوادث سنة ١١٨٩ ه‍ ـ ١٧٧٥ م

محاصرة البصرة :

إن صادق خان أخا كريم خان الزندي توجه نحو البصرة لمحاصرتها والاستيلاء عليها. ولما وصل إليها كان متسلمها سليمان آغا. وكان مقداما هماما. فلم يصبه تزلزل ولا بالى بالإيرانيين وإنما سكن روع الأهلين فحثهم على الدفاع وراعى لوازم الحصار.

أما الإيرانيون فإنهم أحاطوا بها من كل صوب وشرعوا بالحرب فطالت المحاصرة. وأشكل الأمر بسبب الهجوم من جانبين فالوزير نظرا لقلة جيشه لم يستطع إرسال قسم إلى جهة أنه كان يبعث الأمل ويحرض على الدوام في القتال والمصابرة ويخبر بأن الدولة أرسلت جيشا وأنه سيوافي عن قريب. وصل إلى المحل الفلاني ويقول : ثابروا على الدفاع. إن بغداد بعثت كذا مقدارا من الجيش لمعاونتكم وإنه واصل لا محالة.

كل هذا تقوية للقلوب وبعث الأمل في حين أنه لم يرسل إليهم ولا وصل إليهم مدد.

ثم أرسل الوزير كتخداه عبد الله الكهية مع مقدار من الجيش فلم يتمكن أن يجتاز الخزاعل. وصل إلى جليحة لقتالها. فتغلبت عليه. فبقي الوزير في اضطراب وحيرة. وكذا الأهلون في بغداد كانوا في كدر وحزن.

وفي تحفه عالم :

«إن والي بغداد اتخذ سلوكا رديئا نحو سكان العراق لا سيما زوار العتبات وساكنيها من القزلباشية (١). كان يأخذ منهم الأموال الوافرة

__________________

(١) يراد بهم الجيش الإيراني أو الإيرانيون مطلقا.

٦٣

بحجة أن هذه تعود إلى موتى الطاعون ، فكان يصادر بعض أموالهم يداعي أنهم استولوا على متروكات الموتى فوصل خبر ذلك إلى الشاه فتأثر. فعهد بأمر دفع هذا الظلم إلى (حيدر قلي خان) أمير زنگنة. اختاره لهذا الغرض حيث إنه كان ممن عاش لدى الصفويين وكان من أمراء ايران المعروفين فهو مجرب كامل بسبب سفراته وسياحاته العديدة في الاقطار ، وكان عالما بالعلوم المتداولة. يجيد أكثر اللغات الغربية فضلا عن أنه كان مفوها ، منطيقا. أرسله إلى بغداد فأخذ ينصح الباشا ويحذره العواقب. فكان جواب الباشا يتضمن مواعيد واهية فأذن للرسول بالانصراف.

واستمر في ظلمه وقسوته أكثر بحيث إنه قبض على جماعة من سكان الكاظمية وعذبهم بالضرب بالعصى فأدى ذلك إلى وفاة واحد منهم.

ولما جاء هذا الخبر إلى الشاه لم يهدأ ولا قر له قرار فأرسل أخاه محمد صادق خان الزندي وأحد أبناء عمه نظر علي خان وكانت لهما اليد الطولى في قيادة الجيش وحسن إدارته ففوض إليهما أمر الاستيلاء على البصرة. فوردا إلى شوشتر ومنها ذهبا إليها.

وكان متسلمها إذ ذاك سليمان آغا وهو ذو شجاعة ورأي سديد. قام بالواجب في حراسة المدينة وأظهر ثباتا ، وأما جيش القزلباش فإنه أحاط بها واستمر الحصار أربعة عشر شهرا فوصل حال المدينة إلى حد أنهم من شدة القحط أكلوا لحوم الحيوانات التي لم يألف الناس أكلها كلحوم الكلاب والقطط وهلك خلق كثير (١) ...» اه.

__________________

(١) تحفه عالم ص ٨٧.

٦٤

عاقبة الوزير :

في هذه الأثناء ورد الوزراء إلى بغداد متواليا وكل واحد معه بضعة آلاف فتجمع في بغداد نحو سبعة آلاف أو ثمانية آلاف جندي وبهذا زال الاضطراب عن الوزير وذهب البؤس عن الأهلين وقوي الأمل في استخلاص البصرة.

قضوا بضعة أيام للاستراحة ثم كلفهم الوزير بالذهاب إلى مواقع الحرب فلم يصغوا واعتذر كل منهم بعذر وماطلوا في الذهاب.

وبعد أيام أشاعوا عزله وأظهروا الفرمان. بينوا أن عمر باشا كانت معاملته سيئة مع ايران وأنه حرك الساكن ، فلو عزل سكنت الفتنة ولم يبق لها أثر. كتبوا إلى استنبول بهذه البيانات وكانت بعكس ما كان يكتبه الوزير عمر باشا فعلمت الدولة أن أقوال هؤلاء صحيحة وأن الخلاف بين الوزير وايران هو منشأ توتر العلاقات. وعلى هذا عزلته الدولة (١).

تواتر أن أعمال هذا الوزير كانت منفّرة. فلم يرض العشائر ولا الكرد ولا الداخل. وقتل عبد الله بك الشاوي إلا أن العاقبة صارت وخيمة عليه وحصلت البغضاء منه في كل الأنحاء ، وكان المثير لحروب ايران ، فلم يحسن السياسة فالدولة لم ترض عنه ولا عن المماليك. واعتقد أن ذلك كله كان بسبب موافقته لرغبة سليمان آغا متسلم البصرة.

أرادت الدولة أن تستفيد من هذا الوضع. وأن تتخلص من المماليك وهم أشد خطرا عليها من ايران فكانت مهمة الجيش القضاء على هذه الغائلة وترجيحها على ايران. استغلت نفرة الأهلين من هذا الوزير ومن أوضاع ايران. وأمراء الكرد فتخلصت بخير طريقة. فكان تفسير المماليك للوضع تبعيدا للمغزى السياسي.

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٦٧.

٦٥

صراف عمر باشا :

هو اليهودي ميخائيل. ولهذا أخ اسمه أبراهام فلما حدثت واقعة الوالي حبس الاثنان ، وبقيا في الحبس حتى طلب بعض النساء من أهلهما إطلاق سراحهما (١) ..

توالي الوزراء :

وعلى هذا وجهت الدولة إيالة بغداد والبصرة إلى أمين باشا الجليلي ، ووجهت إيالة كركوك والموصل إلى ابنه سليمان باشا. ثم إن أمين باشا توفي فعهدت بإيالة بغداد إلى أحد الوزراء المبعوثين إلى بغداد وهو مصطفى باشا. وأوضح في الفرمان الوارد أن عمر باشا إذا تمرد وعصى ولم يطع الأمر فليعامل بما يستحقه. وهذا أيضا يبين نوايا الدولة نحوه وأما الايعاز الشفهي أو التحرير السري فحدث عنه ولا حرج.

أما الوزير فإنه حينما سمع بالفرمان امتثل الأمر وسلم مقاليد الحكم إلى خلفه وعبر هو إلى جانب الكرخ وضرب خيامه في المنطقة وتأهب لما يقتضي له من اللوازم السفرية إذ لم يكن يعلم بذلك ليتأهب.

ثم ولي مصطفى باشا الوزارة بموكب وأبهة ودخل بغداد بلا مزاحم ولا معارض وباشر أمور الإدارة إلا أن مبغضي عمر باشا استفادوا من توقفه فحملوا تأخره على محمل آخر وأغروا الوزير مصطفى باشا بقتله. فأصدر أمره لجميع الجيوش أن يهجموا عليه ليلا.

وحينئذ أخلى عمر باشا وحاشيته المخيم واحتمى بنفسه ودافع إلى الصباح وأبدى من الجلادة ما لا يوصف. ولما انكشف الصباح ترك الحرب وتوجه منهزما ولكن الجيش عقب أثره وضيق عليه كثيرا فاضطر إلى المقاومة والدفاع ثم أرخى العنان للنجاة. وسلك طريق الموصل من

__________________

(١) مجموعة تركية خطية.

٦٦

جهة الإمام موسى الكاظم (رض) ولما غادر أرض المنطقة عثر به فرسه فسقط وانكسرت رقبته. ولم يعلم به أحد من أعوانه فتوفي. صادفه أحد اللوندات ممن عقبوا أثره فقطع رأسه وقدمه إلى الوزير مصطفى باشا. وهذا أرسله إلى الدولة.

وهذا الوزير عاكسته الاقدار. ومع هذا كافح الاعداء بالرغم من أنه لم يصل إليه مدد. وإن أول وزارته عام ١١٧٧ ه‍ وقتل غدرا في أوائل سنة ١١٩٠ ه‍ ومدة وزارته بلغت ١٣ سنة.

وكانت أيام حكومته مطردة إلى أيام الطاعون. ثم تشوشت ونالها خلل. وكان إسماعيل آغا كتخداه. وأما كاتب الديوان فإنه إسماعيل المكي ، وكان خطاطا معروفا. وهو ابن ولي أفندي كاتب الديوان أيام أحمد باشا. وتوفي سنة ١٢٢٨ ه‍. وكان من أساتذة الخط وله معارف جمة. وأصله من كركوك. وله إخوة (١).

إن عمر باشا في حد ذاته كان مفكرا ، صائب التدبير. شجاعا مهيبا ، وأديبا وقورا. رضيت عنه الدولة وكان مطيعا لها منقادا لاوامرها ونواهيها. مبديا لها الاخلاص ، ولم يكن له دخل في قضية ايران ، وأن الفرمان الذي صدر في حقه لم يكن قطعيا وإنما علق بحالة تمرده وعصيانه. وإنما فعل مصطفى باشا ما فعل بتسويل من ذوي الاغراض ثم ظهر للدولة إخلاصه إثر حدوث وقعته وحين وصول رأسه إلى الدولة أبدت تأسفا كثيرا. ومن أجله غضبت على مصطفى باشا (٢).

ولا أعتقد أنه عمل مأثرة للدولة أو للأهلين. وإنما أراد أن ينفع المماليك فأضرّ بهم. عادى بين الأهلين وبينهم. وأن الدولة أرادت

__________________

(١) تذكرة شعراء بغداد وأدبائها أيام داود باشا ص ٣٨.

(٢) دوحة الوزراء ص ١٦٨.

٦٧

القضاء على هؤلاء اغتناما لهذه الفرصة ولكن رجالها لم يقووا على الأمر وليس فيهم من الكفاءة ما يسهل ذلك.

وجاء في تقرير الحاج علي باشا والي طربزون وسماه (تاريخ جديد) أو (يادگار تاريخ) كتب في ١٣ شوال سنة ١١٩٠ ه‍ أن الدولة نشأت فيها أحوال ناجمة من قلة التدبير. فعددها. وقال : من أهمها وقائع بغداد ، كانت في حالة توتر بينها وبين إيران. وأن اعتداء كريم خان الزندي كان صريحا إلا أنه قيل إن ذلك متولد من جراء ما اتخذه عمر باشا والي بغداد من أوضاع ضد رعايا ايران. فأيد مبغضو الوزير ، وبينوا أنه لو عزل لما بقي ما يدعو للخلاف.

ومن جهة أخرى أن الدولة أرادت أن تتخذ ذلك وسيلة ، فأرسلت إلى بغداد جملة وزراء منهم مصطفى باشا ، وعبدي باشا ، وعبد الجليل زاده ، وأوزون عبد الله باشا ، ومصطفى باشا ، ومصطفى باشا خليل باشا چراغي. ذهب هؤلاء الوزراء إلى بغداد ، وكانت مهمتهم حرب الإيرانيين ولكنهم اهتموا بأمر الوالي ، فعزلوه ، ثم قتلوه ، واختلفوا على سلبه ، صار كل واحد يميل إلى ناحية من الأهلين ، فاضطربت الحالة ، ولم يبق أمل في صيانة بغداد ، والاحتفاظ بها ، أو أن الأهلين فسروا اختلافهم بذلك ، فاحتقروا أمرهم.

وهل يصح أن يقال : أن عمر باشا كان مقصرا في علاقات ايران ، وهل إن دعوى الإيرانيين صحيحة؟ ذلك ما لا يعقل ، فهل جاء سفير من ايران؟ أو هل صدر هذا القول من مصطفى باشا نكاية بعمر باشا؟ ذلك ما لا يعلمه سوى الدولة إلا أن الواقع بخلافه ، فإن عمر باشا عزل ، وقتل ، فهل كان ذلك سببا لانسحاب جيش كريم خان من البصرة؟ وهل من اللائق قتل وزير مثل هذا؟.

أبدى ذلك صاحب التقرير. والحال أن رغبة الدولة كانت مصروفة

٦٨

إلى الاستيلاء على بغداد ، وانتزاعها من أيدي المماليك ، وأن تكون تابعة لها رأسا. فاتخذت هذا التدبير وسيلة إلا أنها كما جاء في هذا التقرير كانت في أسوأ الأوضاع. أصابتها الضربة من الروس سنة ١١٨٢ ه‍ وحدثت هذه الغائلة ، ولا تدري ما ستجر إليه. وبغداد لم تكن في حالة تدعو للارتياح لما فيها من فتن لا تستطيع قمعها.

وقال : أرى أن الدولة أضاعت التدبير ، فأربكت هذه الفتن أمرها ، وكل ما نعلمه أن كريم خان مد يد البغي ، ولم يكن مضطرا لما قام به كما أعلن ، أو كما أبدى أعداء عمر باشا فالدولة لم تتثبت ، وتقف على جلية الأمر لتكون على يقين.

وأن الموما إليه بيّن لدولته في تقريره أن قضية بغداد لم تكن الوحيدة في بابها ، بل هناك قضية القريم ، وقضية مصر. فإذا لم تتخذ الدولة تدابير ناجعة ، فإن هذه الممالك تضر بالدولة أكثر مما تنفع. لأن الغائلة تستدعي مصاريف بالغة ، فإذا تجمعت جملة غوائل كانت المصيبة أعظم.

وخير تدبير للعراق أن يقضي على غوائله ، وأن يكون هناك جيش يستطيع محافظته ، وأن يزول سوء التفاهم بين والي بغداد عبد الله باشا وبين حسن باشا. فإن رفع ذلك من أصعب المصاعب ، إذ قتل الوالي السابق عمر باشا كان بتسويل من أعداء الدولة. وأن الأمراء من المماليك لا يخاطرون ، فإنهم يرون أنفسهم عاجزين عن مقاومة العدو ، فلا يستطيعون الاشتباك معه ، وإلا دمروا قطعا أو أنهم لو تغلبوا على عدوهم فلا شك أنهم يجزمون بهلاكهم أيضا لأن أمراء الروم متأهبون إلى ضبط مناصبهم ، فيكون ايراد المملكة خالصا لهم دون المماليك. وهكذا الأهلون يذهبون هذا المذهب. وهذا ما كان يختلج في أذهان القوم بسبب واقعة عمر باشا ، وأنه قتل بغير وجه حق.

٦٩

وللوصول إلى حل صحيح يجب أن ترفع الوحشة من أذهان الأهلين ، ويتوسل بالتدابير الناجعة ومن أهمها أن يرسل جيش قوي فيزيل غائلة ايران ، ثم ترفع النفرة بين الأمراء وبين الأهلين. وما ولدته قتلة عمر باشا من سوء تأثير. والعراق في هذه الحالة بين غوائل التسلط من ايران ، وبين عشائر العرب ، وعشائر الكرد فأخطاره متوقعة ، ويخشى من حدوثها في كل حين. فمن الضروري امداد بغداد بقوة وإلا فإن حسن باشا وعبد الله باشا لا يستقر بينهما الأمر. ولا تهدأ الحالات الأخرى. هذا مع العلم بأن التضييق على ايران من جهة بغداد من أشق الأمور وأكثرها صعوبة ، وإنما المهم أن يكون ذلك من جهة أرزن الروم.

والأمر لا يقتصر على بغداد وحوادثها بل الضرورة تدعو إلى ترقب الأحوال الأخرى ، فيخشى من ظهور وقائع جديدة مما يدعو فيه الأمر إلى الالتفات ، ويستدعي الأخذ به للحيطة والتدابير الضرورية فلا يغفل عنها. ولا شك أنه يرمز إلى لزوم مهادنة المماليك وترك أمل القضاء عليهم ... هذه خلاصة ما في التقرير (١).

الإمام إبراهيم :

أمر الوزير عمر باشا بتعمير ضريح الإمام إبراهيم وهو بقرب الحيدر خانة. ومدح حسين العشاري هذا الوزير بقصيدة يثني فيها على هذا العمل المبرور (٢).

__________________

(١) تقرير الحاج علي باشا عندي مخطوطتان منه إحداهما بخط ابنه الحافظ عبد السلام مؤرخه سنة ١١٩١ ه‍. والأخرى بخط محمد الوصفي الخطاط المعروف مؤرخة في سنة ١٢٢٦ ه‍.

(٢) ديوان العشاري ص ٢٧٢ وكتاب المعاهد الخيرية.

٧٠

مصطفى باشا :

ثم رخص مصطفى باشا بعد أن استقر في حكومته كلّا من أوزون عبد الله باشا وكپكي عبدي باشا وسليمان باشا الموصلي. أرجعهم مع عساكرهم بداعي أنه تصالح مع ايران وأنقذ البصرة وكتب لدولته. والحال أن ذلك كان خدعة من إيران. أما البصرة فكانت في حالة اضطراب وضيق. وكذا لم يعتد بموظفي عمر باشا وأتباعه ولا ائتلف معهم. وكانت الحكومة كلها منهم فلم يرغب فيهم بالرغم مما كان يراه منهم من خدمة وما يتقربون به من ألفة ظاهرية فكان ينتهز الفرصة للوقيعة بهم الواحد بعد الآخر ويبعدهم عنه. كل هذا ظهرت بوادره. ولم تحصل لهم طمأنينة منه. وهذا يفسر مخالفاتهم له.

وأول من ظهر عليه بالمخالفة عبد الله الكهية. خرج عن طاعته فالتحق به العثمانيون في بغداد والتفوا حوله. فروا من الوزير واحتشدوا فبدأ بالخصومة. وحاول مصطفى باشا أن يقضي على أعوان الكتخدا ويفرق شملهم فلم يتمكن وبقي في ارتباك من أمره. فالحكومة تألبت عليه فلم يفلح في السيطرة على الموقف (١).

سقوط البصرة

إن الأهلين والمتسلم في البصرة كافحوا كفاح الأبطال وبذلوا من الحمية والهمة ما لا يوصف فلم يبد منهم تهاون ولا قصّروا في أمر من وسائل الدفاع وأن مدة الحصار دامت ١٤ شهرا انقطعت خلالها السوابل برا وبحرا ونفدت الأرزاق داخل المدينة ولم تبق فيها أقوات حتى اضطر الأهلون إلى أكل اللحوم المحرمة لسد الرمق بسبب ما نالهم من ضنك

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٦٩.

٧١

العيش إلى أن وصلوا إلى درجة لا تطاق ولم يبق لهم صبر على مقاومة الجوع.

وفي زمن عمر باشا استمدوا فلم يقطع أملهم وحرضهم على الصبر والدوام على الحرب إلى أن يأتيهم المدد. فوعدهم بوعود مفرحة يقوي بها قلوبهم في رسائله التي كان يبعث بها ثم استغاثوا بمصطفى باشا وطلبوا المدد فلم يرد منه ما يسرّ الخواطر أو يشجع على الدوام ثم إنه كتب إليهم بأنه لا يسعه أن يمدّهم لا سيما بعد أن رأى المماليك كلهم إلبا عليه والفتنة في بغداد مشتعلة كما أن الإيرانيين أوهموه بالصلح أو أن المماليك اختلقوا ذلك ليرفع الجيش عنهم ولذا قال : أرضوا ايران بقسم من المال ليرفعوا الحصار عنكم وإلا فخذوا منهم عهدا بأن يحافظوا على أموالكم وأعراضكم وسلموا إليهم المدينة.

وعلى هذا شاور المتسلم سليمان آغا الأعيان بما ينبغي أن يتخذوه نظرا لما قطع به الوالي من آمالهم فلم يروا وسيلة غير التسليم. ولذا خابروا قائد ايران صادق خان أن يؤمنهم على أعراضهم وأموالهم ويسلموا المدينة فوافق.

وفي آخر أربعاء من صفر سنة ١١٩٠ ه‍ دخل صادق خان بجيشه ، وألقى القبض على المتسلم والدفتري وصاحب الكمرك وسائر الوجوه والأعيان فاستولى على جميع أموالهم الظاهرة والخفية وأرسلهم أسرى إلى كريم خان الزندي في شيراز. ثم إنه أراد أن يأخذ الأموال الأخرى من البصرة فتعدى وتجاوز بظلم وعسف وسلب الأهلين من أعيان وأداني فلم يذر أحدا إلا غرمه وانتهبه وصار أهل الثراء لا يستطيعون الحصول على قوت يومهم وإنما كانوا يمدون يد الاستجداء إلى غيرهم وصاروا في فقر مدقع وحاجة شديدة.

ثم إن صادق خان ترك من أمرائه محمد علي خان حاكما في

٧٢

البصرة وأبقى عنده نحو عشرة آلاف من الجند وعاد بالباقين ومعه الغنائم والأموال الوفيرة ورجع إلى شيراز (١).

وقال صاحب تحفه عالم عن حادثة سقوط البصرة إن العثمانيين توصلوا بالأمان وجعلوا واسطة هذا الأمر (السيد نعمة الله) وكان من المحصورين أرسلوه إلى صادق خان للمفاوضة معه في الصلح وكيفية تسليم المدينة فقام بما أودع إليه وذهب إلى صادق خان فأخذ منه المواثيق أن لا يتعرض للنفوس والأعراض. فبلغ هذا الأمر إلى سليمان آغا وسائر أمراء الجيش.

وفي اليوم التالي دخل أفواج القزلباش إلى المدينة فتنفس الصعداء كل من كان في ضيق من القحط وأخذت تتلى الخطبة الاثنا عشرية وصار يكرر على رؤوس المنابر ومآذن المساجد الأذان الجعفري وضربت النقود بأسامي الأئمة الاثني عشر وأن السردار استحصل من الناس ذهبا كثيرا وأرسل سليمان آغا وجماعة من أعيان البصرة بمن فيهم من مسلمين ويهود وأرمن بمعية ابنه علي نقي خان إلى شيراز فكتب إليّ أخي كتابا يوصيني فيه بحسن المعاملة للأسرى. وكنت آنئذ مقيما في شوشتر (تستر) فدعوت سليمان آغا مع بعض أخصائه إلى منزلي فقمت بالواجب وبما يدعو للتسلية. فوجدت سليمان آغا ذا رأي متين وعزم قوي.

ثم توجه بعد بضعة أيام إلى شيراز ولقي من الشاه كل اعزاز واحترام. وبعد وفاة الشاه عاد سليمان آغا ثم نال منصب وزارة بغداد (٢).

وقال صاحب التحفة : إن أخي بعد حادثة البصرة قصد الذهاب إلى

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٦٩.

(٢) تحفه عالم ص ٨٦.

٧٣

العتبات إلا أن افواج القزلباش كانت محيطة بتلك الأنحاء وكان أمر بغداد مجهولا ، وأن السردار امتنع من اعطاء الرخصة بالسفر. وكانت الإقامة بالنظر إليه صعبة. لأن أعمال القزلباش وأهل الأهواز كانت غير لائقة ومما لا يطاق تحملها والبقاء عليها. تلك الأعمال المنافية لرأيه والتي تأثر منها. وأعجب من ذلك أن العثمانيين يعزون هذه الحركات إليه ويعدونه منشأها. ومن جملة ذلك أن السردار أمر بهدم مرقد الزبير (١) (رض) وهو من العشرة المبشرة. وبقعته تبعد عن البصرة أربعة فراسخ فأسرع بالذهاب إلى السردار حينما علم بالأمر وبيّن له سوء هذه الفعلة وما ينجم منها من العواقب الوخيمة بالنسبة إلى رعايا ايران والقزلباش وسعى جهده حتى ثنى السردار عن عزمه ، وفي هذه الأثناء توفي كريم خان في شيراز (سنة ١١٩٣ ه‍) ودخل في فكر السردار طلب السلطنة لنفسه فترك البصرة وأسرع في الذهاب إلى شيراز وحينئذ لم ير (السيد نعمة الله) صلاحا في بقائه في البصرة ، أو ذهابه إلى العتبات إذ إنه أحس بالنفرة التي ولدها عمل السردار والقزلباش بالنسبة إلى الروم فتوجه نحو بوشهر فأقام فيها (٢).

وحكى ابن سند حادثة البصرة :

«سنة ١١٨٨ ه‍ : فمن أعظم ما وقع فيها محاصرة الزندي للبصرة زحف إليها بزحوف وكان متسلمها ... سليمان أحد من آل إليه أمر بغداد. فإنه صابر مصابرة الضرغام. والوزير إذ ذاك عمر باشا. ولم يمد متسلم البصرة بمدد. فامتد الحصار ... وأكل للسغب الهر والكلب واستغيث ولا مغيث. فحضر ثامر بن سعدون ، وثويني بن عبد الله أول المحاصرة. فلما ضاق الخناق نجوا على النواجي إذ ملّا المصابرة.

__________________

(١) رحلة المنشىء البغدادي ص ٩٣ وكتاب المعاهد الخيرية.

(٢) تحفه عالم ص ٩٠.

٧٤

وسليمان الضرغام لا يهجع ولا ينام وعمر باشا يستمد من الدولة ولا يمد ، ويستصرخ ولا يسمع صارخه فيغيثه أحد. لأن ملك العجم شكا عليه عند السلطان. ولما تحقق صدق الوزير أمده. مع أن الوزير عمر باشا قبل قدوم الامداد. لم يزل يكاتب متسلم البصرة ويعده جيوش النصرة.

وكان مع العساكر ثلاثة وزراء عبد الله باشا ، وعبدي باشا ومصطفى. فابتسمت من بغداد ثغور المسرات. وأظهروا مع ما سلف عزل عمر. وولي الوزارة مصطفى. فكتب إلى متسلم البصرة سليمان أن المدد لكم بعيد. فإما أن تصطلح مع العجم ، وإما أن تسلم البلدة لهم. فلما ورد على سليمان ما أرسله مصطفى وقرأه على أهل البصرة أيقنوا بالهلاك. فخرج جماعة من الأعيان طالبين من صادق خان الأمان للنفوس والاعراض. فدخل البصرة ولم يبق مآثم ومظالم إلا ارتكب منها المتون وعمل من فنون الظلم ما لا تتصوره من غيره الظنون ، وقبض على سليمان وجماعة من الأعيان. فضاق من أهلها ساحة الصبر. وهرب العلماء ومن عز انخذل وأضحى كل مسجد دارس ، وموضع العلم بلا معلم ودارس. والأكابر ترسف بالأداهم ، والأعناق مطوقة بأطواق المغارم ، وبدّل من الانبساط العصي والسياط ، كم مخدرة تنادي وا ويلاه ، وحرة تقول واطول ليلاه.

ولامتداد يد بغيهم عليها كتب البليغ الأديب عبد الله بن محمد الكردي البيتوشي الخانخلي الآلاني كتابا إلى سليمان بن عبد الله بن شاوي الحميري العبيدي. لكونه إذ ذاك صدرا في العراق يستصرخه فيه لنصرة البصرة وتخليصها قائلا : فكيف تترك ـ البصرة ـ تحت اضراس العسف ، وتوطأ بمناسم الذل وتسام الخسف ، أفنسيتم ما لعلمائها من المناقب ، ولكرمائها من الأيادي والمواهب ... (وذكر أبياتا في مدح الشاوي).

٧٥

لكن لما وصلت المالكة سليمان ووقعت منه موقع السلسال من الغيمان رام النصرة فلم يكن له بها يدان (١).

وجاء في مقدمة (طريقة البصائر إلى حديقة السرائر في نظم الكبائر) للبيتوشي أنه قدم البصرة سنة ١١٨٩ ه‍ وأنه لبث يسيرا بين أهليها فأقبل عليها صادق خان الزندي بعسكر جرار ، وهجم بأمر من أخيه كريم خان والي شيراز ... فحاصرها ، ومضت عليها السنة في المحاصرة ، ولم يأت امداد من بغداد ، فكتب هذا الكتاب وهو نظم (تراجم الزواجر عن اقتراف الكبائر) لابن حجر الهيتمي المتوفى سنة ٩٧٤ ه‍ نظمه مع زوائد وهو في هول المحاصرة. ثم عنّ له أن يشرحه وسماه بما ذكره أعلاه. وسمى النظم (حديقة السرائر في نظم الكبائر) (٢) ، وأتمّ الشرح سنة ١١٩٥ ه‍ في الأحساء. وفيه أن الحصار وقع سنة ١١٨٩ ه‍ وبهذه الواقعة أعاد الزنديون إلى الأذهان حوادث الصفويين ونادر شاه.

عزل مصطفى باشا :

كان خروج عبد الله الكهية على مصطفى باشا ومعه ثلة كبيرة وفي هذه المدة كتب إلى استنبول يلتمس توجيه ولاية بغداد والبصرة إليه ، وأن مصطفى باشا عجز عن مقاومته والقضاء عليه ولذا شكا الأمر إلى الدولة ، ومن الأولى أن لا يقدر على حرب دولة مناوئة مثل ايران قوية الشكيمة ، وحذرت الدولة أن يستولي الكهية على بغداد قسرا. وصارت تخشى أن يشوش الحالة أكثر ، فعزلته ووجهت إيالة بغداد والبصرة إلى الوزير عبدي باشا آل سرخوش علي باشا.

__________________

(١) مطالع السعود ص ٣٣ مخطوطتي.

(٢) نسخة منه في خزانة الأوقاف العامة برقم ٣٥٩١ كما في الكشاف عن مخطوطات خزائن الأوقاف للأستاذ الدكتور محمد أسعد طلس. ص ١٤٣.

٧٦

ولاية عبدي باشا

خرج مصطفى باشا حين ورود فرمان العزل ، وولي عبدي باشا أمور الإدارة وأن مصطفى باشا وقف في ديار بكر. وفي ذلك الحين ورد خبر أن البصرة استولى عليها الإيرانيون بسبب اهماله وتراخيه وأن مكاتيب الباليوز في بغداد الواردة إلى استنبول أيدت ذلك كما فهمت التفصيلات أيضا من معروضات مصطفى آغا الميراخور الثاني وكان أرسل بوظيفة رسمية. والظاهر أنها بعثته للاطلاع على حقائق الأمور. فأبلغها أن يد المماليك لا تزال قوية ، وأن مصطفى باشا لم يقدر على التغلب عليهم وإنما غروه في أمر الصلح مع ايران بغرض رفع الجيش وتسليم البصرة. ومن ثم قام عبد الله الكهية لعلمه أن نوايا الوزير مصروفة إلى تنفيذ رغبة الدولة في القضاء على المماليك وإعادة سلطة الدولة إليها فأرادت أن تتكتم في الأمر فأصدرت أمرا بإعدامه مبدية غضب السلطان عليه وأعلنت أنه نال العقوبة التي استحقها من جراء الغدر بعمر باشا. فاتخذ ذلك وسيلة لتبديل الوضع الإداري.

كانت عهدت الدولة إلى مصطفى باشا بولاية بغداد في أوائل سنة ١١٩٠ ه‍ وبلغت مدة حكومته ثمانية أشهر وعلى رواية تسعة. وفي هذا الوقت ورد خبر سقوط البصرة ، وأن الوزراء الذين عينتهم الدولة بصحبة عمر باشا توجه عليهم اللوم من جراء أنهم لم يخبروا عن تفاقم الخطر (١).

وزارة عبد الله الكهية

وفي الوقت نفسه تحقق للدولة أن وزراء الروم لا يستطيعون ضبط العراق وأن يد المماليك قوية فلا تريد أن تزيد في الطين بلة. فأظهرت

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٧٠.

٧٧

٧٨

أنه لا تصلح إدارة العراق المضطرب إلا لعبد الله الكهية لا سيما أنه ورد عرض منه إلى استنبول يلتمس فيه توجيه الولاية إليه ، وعرّف به سليم أفندي فوجهت إليه بغداد والبصرة كما وجهت كركوك إلى حسن باشا أحد كهيات سليمان باشا وهو ويودة ماردين برتبة وزارة بتاريخ ١١٩١ ه‍ وسبق بيان ما أبداه أحد وزراء الدولة الحاج علي باشا من مطالعة في تقريره المسمى بـ (تاريخ جديد). وبذلك زاد شأن المماليك وأمر السلطان بلزوم إخراج الإيرانيين من البصرة.

ولما وردت البشرى بإيالة عبد الله باشا فتح الطريق لعبدي باشا ، فخرج من بغداد. ونظرا لسجلات الحكومة أنه دامت إدارته ١٧ يوما وعلى قول بلغت ٤٠ يوما ، أو ٤٥. وعلى كل كانت في نهاية سنة ١١٩٠ ه‍ (١).

ومن ثم اهتمت الدولة كثيرا بأمر البصرة وكتبت إلى أمراء بغداد وشهرزور تحثهم على استعادتها وعلى دفع غائلة الإيرانيين بموجب الكتب المؤرخة في ١١ من شوال سنة ١١٩٠ ه‍ وفي ١٧ ذي القعدة سنة ١١٩٠ ه‍ وما بعدها. وكل هذه لم تجد نفعا (٢).

حسن باشا وإيران :

إن حسن باشا تمكن من جلب متصرف كوى وحرير أحمد باشا ومتصرف بابان محمد باشا وجعل بصحبتهم نحو ألفي جندي فجهز أحمد باشا جيشه من جهة زهاو متوجها نحو كرمانشاه ، ومحمد باشا من ناحية قلعة چولان نحو سنة ، وأن يقوم بالمساعدة وما تحتاج إليه الأسفار فسلم لكل منهما أربعين ألف دينار مع مائة كدك ، وجعل بصحبة كل

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٧٠ والمجموعة الخطية التركية.

(٢) المجموعة الخطية التركية وفيها نصوص المحررات.

٧٩

منهما ثلة من عسكر الروم وعين بمعية محمد باشا سباهية كركوك فسار هؤلاء على ايران.

أما أحمد باشا فقد نفر من حسن باشا من جراء ما رأى من معاملات منه لم ترق له. ولذا لم يبال بما عهد إليه. فأقام في محل يقال له (دز كره) من أعمال زهاو لمحافظة حدود تلك الأنحاء. ولكن محمد باشا توجه نحو سنة (سنندج). فقام بما أودع إليه.

وكان كريم خان أرسل خسرو خان ومعه اثنا عشر ألفا من الجند فتوجه إلى ديار الكرد. فوقف في الحدود في (كدوك سطرنجان) ويبعد نحو نصف ساعة عن الحدود. وحينئذ التقى الجمعان وحمي وطيس الحرب فطالت المعركة واكتسبت شدة فدارت الدائرة على خسرو خان فأخبر حسن باشا بذلك وبعث إليه برؤوس كثيرين منهم إلى كركوك كما وصلت الأنباء إلى بغداد. ولذا سيّر عبد الله باشا كتخداه إسماعيل آغا لمجرد سد باب الاعتراض مع مقدار من الجيش وعهد إليه بمحافظة دشخرو (١) في مندلي.

ولما علم كريم خان بكسرة خسرو خان جهز مرة أخرى جيشا قدره اثنا عشر ألفا بقيادة (كلب علي خان) فمشى على ديار الكرد للوقيعة بمحمد باشا وكان مع هذا الجيش أحمد باشا فأحسّ محمد باشا بعجزه فانسحب إلى كوي وأقام لدى متصرفها تمر باشا فكتب حسن باشا يستمد من عبد الله باشا أن يرسل إليه إسماعيل الكهية الذي هو في دشخرو فاعتذر.

وحينئذ لم يجد عسكر ايران من يقاومه أو يقفه عند حده فتوغل وسحق القرى والرعايا وأسر ما لا يحصى إلا أن أحمد باشا لم يطق

__________________

(١) لعل أصله (دشت دوخران) فخفف فإن (دوخران) معروف. أو أن أصله (دشت حزام) فصارت دشحزو إلا أن اللفظ جاء بالراء.

٨٠