موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

حوالي إربل فيصيب السكان وأبناء السبيل منها أضرار جمة فاقتضى تأديبهم من جانب الوزير بل استئصال غائلتهم فجهز عليهم جيشا عظيما ونهض من بغداد في ٨ شوال وتوجه إليهم. وفي اليوم السادس من حركته وصل إلى قنطرة الذهب كما أنه أوعز إلى إبراهيم باشا أن ينكل بمن في جهته منهم. ولما سمعوا بالخبر بادروا إلى إنقاذ أنفسهم من الهلاك ففروا بأهليهم ولجأوا إلى الجبال فاستولت الحكومة على أموالهم ومواشيهم ولا يكاد يحصيها عد. وأوقع إبراهيم باشا بمن في ناحيته وعلم الوزير أنه مضى إليهم من ناحية السليمانية فاستأصلهم نهبا وقتلا وغنم منهم غنائم كثيرة جدا فساق أغنامهم ومواشيهم وجاء بجيوشه إلى الفيلق. فحصل على إكرام الوزير له.

وفي هذه المرة غنم منهم أكثر من ستين ألف شاة وما يتجاوز ألفي رأس من البقر والفا من البغال فبيعت إلى الأهلين في كركوك وإربل وقنطرة الذهب. وبقي الجيش مدة شهر ، ثم عزم على الذهاب إلى بغداد ، وهذا ديدن الوزراء حينما يتولون الإيالة بالهجوم على بعض العشائر فأحيا تلك البدعة (١).

حرب اليزيدية :

كان العزم مصروفا إلى العودة إلى بغداد ولكن الوزير علم أن اليزيدية في جبل سنجار طغوا وتزايد ضررهم ، فرأى أن يزحف عليهم فتحرك من إربل إلى سنجار ، ونكل بهم (٢).

__________________

(١) مر في المجلد الخامس مثل هذه الوقعة.

(٢) تاريخ اليزيدية ص ١٣٧ ودوحة الوزراء ص ٢٢٥.

١٨١

حوادث سنة ١٢١٨ ه‍ ـ ١٨٠٣ م

العمادية والجيش :

إن حاكم العمادية مراد خان طلب الوزير منه أن يأتي بنفسه أو يرسل جيشا كبيرا فاعتذر عن الحضور وأرسل نحو ثلاثمائة بندقي لا غير وتهاون في إرسال قوة كبيرة. لذا عزله الوزير ونصب (قباد باشا). بعد أن أتم حرب اليزيدية. ثم إن الوزير حطّ ركابه قرب تلعفر.

قتلة محمد بك الشاوي وأخيه :

في أوائل المحرم بعد أن رحل الوزير من سنجار غضب على محمد بك وعبد العزيز بك آل الشاوي فأمر بخنقهما فخنقا (١). قالوا : إن آغا بغداد (أحمد آغا المقتول) كان قد ارتكب مفاسد كثيرة ، وظهر للوزير أن آل الشاوي سعوا له في الخفاء واشتركوا معه ، وأنهم من أول الأمر كانوا يحركون أهل الفساد على القيام والشقاق ، فانهمكوا في الأمر. كل هذا تبين له عيانا.

وكذا في هذه السفرة من حين حركتهم إلى اليوم قد قصروا في واجبات الخدمة ومراسيمها وارتكبوا أحوالا رديئة لا تحصى فألقى القبض عليهما في المنزل المذكور وأمر بقتلهما لساعتهما. وكان معهما ابنهم الصغير والحاج أحمد بك ابن الحاج سليمان بك الشاوي فإنهما حبسا واستصحبا مقيدين ، وعاد الوزير إلى بغداد في ٢٢ صفر. وكانت مدة سفره أربعة أشهر واثني عشر يوما» اه (٢).

هذا ما أبدوه في تبرير فعلة الوزير.

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٣٢.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٢٦.

١٨٢

ترجمة الأخوين :

قال عثمان بن سند : «كانا كندماني جذيمة فتفرقا ، وأصبح كل منهما وحيدا في لحده مع أن كلّا منهما نسيج وحده ، ولكن الحمام مورود ، والأجل محتوم معدود ، والبقاء في الدنيا مستحيل ، والعبد فيها على جناح رحيل ...

أما محمد بك فكان في أيامه من ملوك العرب ، وأهل النجابة والبراعة منهم والأدب ، ومن الدهاء وإصابة الرأي في المكان الذي لا يجهل ، ومن الحلم والرزانة بحيث لا يسأل ، ومن لين الجانب للأصحاب والأجانب بحيث لا يوجد له مناظر ، ومن الغوص على النوادر بحيث ضرب المثل السائر ، ومن ايراد النكت واللطائف بحيث لا يدع مقالا لقائل ، ووصفا لواصف ...

قرأ على علماء أجلاء. خدم ملوكا ووزراء وعاشر أمثالا وكبراء ، واعتمدوا عليه في الأمور الصعاب ، وشاوروه فأشار وكشف عن وجه الرأي النقاب. وأن حسن باشا اعتمد عليه في أشياء مهمة ، وأرسله إلى العجم فجلا تلك الإشكالات المدلهمة. وأما سليمان باشا فصدره صدارة ما عليها مزيد بحيث شاوره في أمر الحاضر والبادي واسترشد به في الخفي والبادي ...

ورث الرئاسة عن أبيه وجده ، ومن أجلّ ما فيه أن جلساءه العلماء ، وندماءه الأكابر والعظماء ، وأنه كثير الصدقات الخفية خصوصا لمن تعلق بالأسباب العلمية.

وأما أخوه عبد العزيز بك : «فمنطيق ألمعي ، غاية في التمييز ، قرأ على علماء قطره ، واستضاء من شموس عصره ، وتشبث بأسباب الديانة ، وأعرض عن كل ما يشين ، ولازم الجماعات في المساجد ، ونادم كل ناسك ، وصار لا يباشر من الأسباب الدنيوية ، إلا ما كان من الأمور الضرورية.

١٨٣

وقد شاهدته في الليالي المظلمة ، يمشي إلى المساجد ، يتصدق في ممشاه ، إليها على بعض من ماشاه ، إلا أنه لما أرسله إلى الوهابية سليمان باشا الوزير عنّ له من اعتقادهم ما عنّ ، وظن أنه الحق ولبئس ما ظن ، مع أنه رحمه الله ما اعتقد منه إلا ما كان حسن الظاهر ، ولو اطلع على باطنه لكان له أعظم نافر ، والذي تحققت منه أنه لا يعتقد معتقد أولئك الأقوام ، ولكنه يستحسن أشياء منهم تقبلها في الظاهر الأفهام ، مع أنهم توصلوا بها إلى أمور مستقبحة عند الخاص والعام ، ولكن لما عرف ميله إلى هذا المذهب ناس ، أظهروه في المحافل واحتجوا لصحته بالكتاب والسنة والإجماع والقياس ، وصاروا في ذلك أشد من أهل العارض ...».

وابن سند كان له عداء مع الوهابية ، وماشى الدولة في إظهار النفرة ، وأن عبد العزيز بك كان أول من بشر بمذهب السلف في العراق لما رآه من حسن عقيدتهم ، وتابعه في بغداد خلق كثير. وشاهدهم صاحب المطالع عيانا ورأى من صحة العقيدة منهم ما لم يره في سائر البلاد الإسلامية ... والآلوسيون تلقوها عن هؤلاء وقوّوها بكتب ابن تيميّة وأنصاره. ولنعد إلى تتمة ترجمة هذين الأخوين. قال ابن سند :

«ولما أمر الوزير علي باشا بقتل الأخوين لأمر كل منهما برىء منه دفنا في موضع قريب من الموصل رحمهما الله وإيانا. وقد رثيتهما بمقطوعة مرتجلة قضاء لحق الصحبة ... قضيا نحبهما في أول المحرم من سنة ١٢١٨ ه‍» (١).

وبقي الأثر السيّىء لهذه الوقعة في نفوس الأهلين وفي نفوس آل الشاوي وظهر في شعر عبد الحميد بك الشاوي.

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٧٢.

١٨٤

الطاعون في بغداد :

ولما أوقع الوزير بذينك السريين بقي أياما في البرية بسبب الطاعون وكان بدت آثاره في بغداد في شوال سنة ١٢١٧ ه‍ ودام إلى أوائل سنة ١٢١٨ ه‍ وبعد زواله عاد الوزير إلى بغداد في ٢٢ صفر سنة ١٢١٨ ه‍ (١).

الوزير في بغداد :

«وبعد ما دخلها الوزير اشتد غضبه على أناس من الأجناد ، فصيرهم شذر مذر ، فتك بقسم ونفى آخرين ، وهرب قسم ومنهم من اختفى ونجا من العطب» اه (٢).

وفي هذا ما يشير إلى السخط منه.

قبيلة العبيد والملية :

كانت بين والي الرقة تمر باشا الملي وبين العبيد عداوة سابقة. فلما حدثت وقعة سنجار وقتل محمد بك الشاوي وعبد العزيز بك لم يتيسر الحصول على جاسم بك أكبر أولاد محمد بك وإنما مال إلى عشيرته.

فاتخذ تيمور باشا ذلك وسيلة للانتقام من العبيد من أجل عدائه القديم (لا شك أن ذلك بإيعاز من علي باشا) فانتهز الفرصة وهاجم عشيرة العبيد ، وفي نتيجة المعركة كسر جيش تمر باشا شر كسرة وانهزم وتغلب جاسم بك والعبيد عليهم وغنموا ما لديه من نقود مخفية وأموال بارزة مما لا يحصى وعادوا إلى الخابور فأقاموا فيه. فكان لغلبة العبيد شأن يذكر.

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٧٤.

(٢) مطالع السعود ص ١٧٥.

١٨٥

سمع الوزير بذلك فعزم على تأديب هذه العشيرة فتوجه إليها بنفسه ومعه قوة عظيمة. وفي ٦ رجب نهض من بغداد ووصل إلى ناحية دجيل. وحينئذ علمت بوصوله فقامت من مواطنها وعبرت إلى الشامية. وحينئذ حول عزمه إلى جهة الفلوجة.

وفي مجموعة مخطوطة عندي جاء أن (العبيد) كانت تقطن قصبة البصيرة ولها مخابرات مع الوهابية ، فعاثت بالأمن. وأن والي الموصل محمد باشا أراد التنكيل بها وبمن معها من عشائر الجبور والعقيدات والبقارة إلا أن هذه العشائر مالت إلى الدخالة ، واستولى على العبيد الرعب فتركوا أغنامهم وإبلهم ومضوا إلى الجنب الآخر من الفرات ، وأن القصبة المذكورة أذعن علماؤها وكبارها بالطاعة ، فاقتضى نصب شيخ على هؤلاء وهو شيخ الخرنينة (علي الفضلي) فنصب وكانت الدير وعانة بيد الأغيار فلم يستطع أن يصل إليها أحد. فاستولى والي الموصل عليها.

وفي هذه الأثناء جاء (عبد الله العظم) إلى الوزير فاستشفع به لدى السلطان وكان غضب عليه ، ولذا راعى الوزير جانبه وأبدى له الاحترام اللائق وتعهد أن يستشفع له. وحينئذ عبر جسر الفلوجة وضرب خيامه في الجانب الآخر ومكث بضعة أيام ، ثم حدثت في بغداد بعض الغوائل وولد بعض المتنفذين مثل ملا خليل وأعوانه الشغب فأحدثوا اضطرابا فلما اطلع القائممقام درويش آغا اهتم للأمر ولم يمكّن أحدا من ايقاع أي خلل وألقى القبض على قسم منهم وعرض الأمر على الوزير فكتب إليه أن اقتل من يستحق وبعّد الآخرين عن ديارهم. وحينئذ قتل الملا خليل وأعوانه مثل موسى البيرقدار ، والحاج خليل البيرقدار ، والحاج حسين هبّة ، وخلف البقال ، وجواد بن حمزة ونفى آخرين.

مكث الوزير بضعة أيام في أنحاء الفلوجة ثم عاد إلى بغداد ورحل

١٨٦

إلى جهة الشامية ومنها نزل قرب المشهد (النجف). وهناك رتب جموعا من عثمانيين وكرد وعرب وجعلهم تحت قيادة فارس الجرباء وأمرهم بالذهاب إلى جبل شمر. وفي هذه الأثناء أعلم فارس الجرباء بأن جمع الوهابيين وافى إلى هذه الجهات فأغار فارس بجموعه نحوهم بقصد الظفر بهم فلم يروا أثرا لهم وقضوا ليلتهم قرب قصر الأخيضر فوق شفاثا. وبينما هم في استطلاع الأخبار إذ جاءت الأنباء بأنهم وصلوا إلى غربي المشهد إلى القطقطانة (طقطقانة) فقاموا من ساعتهم فأغاروا عليهم ولم يصلوها إلا وقت المغرب فوجدوا أثرا ولكنهم لم يعثروا عليهم وعادوا بيأس لأنهم علموا مؤخرا أن الوهابيين رجعوا إلى ديارهم. ثم عادوا إلى الجيش ووصلوا إلى الحلة وأقيم عبد الله باشا العظم في دار خاصة تليق بمكانه وأعد له ما يقتضي لإيفاء واجب الضيافة. وعاد الوزير إلى بغداد في ٤ شهر رمضان من هذه السنة (١).

غزو الأمير سعود البصرة :

كان في بغداد رجل أفغاني الأصل يدعى ملا عثمان عزم على قتل عبد العزيز السعود فتوجه إلى الدرعية. وصل إليها بصفة درويش وأظهر التنسك والزهد ، فأكرمه عبد العزيز السعود ، وكان يضمر اغتياله ، فوثب عليه وطعنه فقضى عليه ، وجرح عبد الله أخاه فبايع القوم لسعود بن عبد العزيز. وقيل إن القاتل من أهل كربلاء ، واستبعد صاحب عنوان المجد أن يكون من أهل العمادية كما نقل ، وكان القتل في العشر الأواخر من رجب سنة ١٢١٨ ه‍ (٢).

وبعد أن تمت للأمير سعود الإمارة سار في نفس السنة إلى

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٢٧.

(٢) عنوان المجد : ابن بشر الحنبلي ص ١٣٠.

١٨٧

العراق ، فكانت غزوة البصرة. هدم قصر الدريهمية مشرب أهل الزبير وقتل من كان فيه. وذلك أن سعودا أمير نجد سار من الدرعية وقصد ناحية الشمال حتى نزل التنومة عند القصيم فعيّد فيها عيد النحر. ثم رخص عربان الشمال من الظفير وذكر لهم أنه يريد الرجوع وكان حذرا أن يخبروا أهل البصرة والزبير ومن في جهتهم إذا رجعوا إليهم. قفل حتى يبغتهم من حيث لا يعلمون وكانت عادته إذا كان يريد جهة ورّى بغيرها.

فلما رحل عنه عشائر الشمال من التنومة قصد الدرعية فسار نحو يوم أو يومين فوصلت العشائر وأخبرت من في ناحيتها بقفوله.

ثم إن سعودا رجع عائدا إلى البصرة. فلما أتى قربها وافق كتيبة من خيل المنتفق رئيسهم منصور بن ثامر السعدون فأغار عليها وقتل منهم قتلى وأخذ منصورا أسيرا. أراد الأمير سعود أن يضرب عنقه ثم عفا عنه فأقام عنده في الدرعية نحو أربع سنين ثم أذن له بالرجوع إلى أهله.

نزل الأمير سعود على الجامع المعروف قرب الزبير فنهض جيشه إلى البصرة فدهموا جنوبها ونهبوها وقتلوا من أهلها كثيرين وحصروا أهلها ، ثم رجعت تلك الجموع وحاصرت أهل الزبير وهدمت جميع القباب والمشاهد خارج سور البلد ، ولم يبقوا لها أثرا. ثم أعيدت قبة طلحة والحسن (البصري رضي الله عنهما) بعد هدم الدرعية.

ثم إن سعودا أمر جموعه أن يحشدوا على قصر الدريهمية فهدموه وقتلوا أهله. فلما كان وقت غروب الشمس أمر سعود مناديه أن يثور كل رجل بندقيته فثوروها دفعة واحدة. قال لي رجل من أهل الزبير : لما ثارت البنادق في الأرض والجو وأظلمت السماء ورجفت الأرض بأهلها ، وانزعج أهل الزبير انزعاجا عظيما وصعد النساء في رؤوس السطوح ووقع فيهم الضجيج وأسقطت بعض الحوامل. فأقام محاصرهم

١٨٨

نحو اثني عشر يوما. حصد جميع زروعهم ، ورجع قافلا» (١).

وذكر هذه الواقعة عثمان بن سند في حوادث سنة ١٢١٩ ه‍ قال ما ملخصه :

«حاصر سعود بن عبد العزيز البصرة وقتل ونهب وحرق وزأر وأرعد وأبرق. ومتسلم البصرة إذ ذاك إبراهيم آغا فصبر وصابر ، ورجع حمود إليها بعد ما سافر عنها وشد للمتسلم عضده.

وكان ابتداء غزوه في آخر السنة التي قبلها وهي التي قتل فيها أبوه» اه (٢) ....

ساد الاعتقاد في نجد أن القتل جرى بإيعاز من حكومة العراق فأراد أن يشفي غليله بالانتقام لوالده.

حوادث سنة ١٢١٩ ه‍ ـ ١٨٠٤ م

غارة الوهابية :

علم الوزير أن الوهابيين توجهوا نحو العراق فقام من بغداد في ١٩ المحرم حتى وصل إلى أبي عوسجة فتبين أن الركب مضى إلى البصرة فلم ينل مرغوبه ، وكان حاصر قرية الزبير تسعة أيام وعاد جيشهم فلم يظفر ببغية ، مضوا من جهة جنوبي البصرة إلى ديارهم. ورجع الوزير في ٢١ صفر.

تجهيزات على الدرعية :

إن الحكومة العراقية لم تنل مرغوبها من سفرها السابق تحت قيادة

__________________

(١) عنوان المجد ج ١ ص ١٣٠.

(٢) مطالع السعود ص ١٣٦.

١٨٩

علي باشا وعادت بالخيبة والدمار. ولكن الدولة ألحت في لزوم القضاء على غائلة الوهابية وعهدت بذلك إلى الوزير علي باشا في حين أن الواقعة السابقة لا زال يرن صداها في الآذان. وأن الحكومة العراقية عالمة يقينا بأنها لا تستطيع القيام بسفر مثل هذا.

قرر الوزير السفر لمجرد طاعة الأمر السلطاني وتأهب لإعداد ما يجب القيام به. وفي ٩ شعبان خرج من بغداد. وتوجه نحو الحلة وعبر جانب الشامية فوصل الجيش إلى حوالي النبي أيوب (ع). وهناك مكث نحو أربعة أشهر ونصف في خلالها نشر سطوته في تلك الأنحاء ، وأعد جمعا قويا من العساكر وأكمل معداتهم وعين عليهم ابن أخته أمير لواء إربل سليمان بك قائدا وسيره إلى جبل شمر.

سفر الجيش :

إن هذا القائد تجول في جبال نجد ووهادها واجتاز مصاعبها ، ونكل بكل من صادفه من جموع الوهابيين فنال غنائم وافرة من نعم وشاء وعاد. والأصح أصابه ما أصاب علي باشا قبله من العناء والعطش وأن الحرارة أثرت على الكثيرين فكف بصرهم ، ونالهم الصمم وبعضهم اعترتهم خفة العقل. ولم يصلوا إلى مواطنهم إلا بعد مدة (١).

الخزاعل :

في هذه الأيام انحرف شيخ الشامية عن الطاعة ، فجرد الوزير عليهم خيلا وأغار عليهم إلى هور شلال ، فسمع الشيخ بالخبر قبل الوصول إليه ففر إلا أنه خربت دياره ، وأتلفت زروعه. وحينئذ عاد الوزير وأخر خالدا الكهية ، ورئيس الكتيبة (باش آغا) ، وعبد الرحمن

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٧٤.

١٩٠

باشا ، ومحمد باشا متصرف كوى في الحلة للمحافظة وعاد هو إلى بغداد في ٢٢ ذي الحجة. وطالت هذه السفرة أربعة أشهر وأحد عشر يوما.

قبيلة الظفير :

أغار الأمير سعود على الظفير ، ولم يبق لهم من شاة ولا بعير. ورؤساؤهم (آل سويط) وهذه الواقعة دعت الظفير أن يميلوا إلى العراق ويتوطنوا فيه. وكان رأى آل سعود منهم مخالفات آووا أعداءهم وأن أناسا منهم غزوا مع أولئك الأعداء ، فخالفوا السمع والطاعة (١).

حوادث سنة ١٢٢٠ ه‍ ـ ١٨٠٥ م

جاسم بك الشاوي والعبيد ـ آل بابان :

إن علي باشا عاد إلى بغداد وتأخر خالد الكهية ، وباش آغا ، وعبد الرحمن باشا ، ومحمد باشا في الحلة. وبعد مرور شهر ونصف طلب خالد الرجوع إلى بغداد ، وبقي رفاقه وبعد سبعة أيام أو ثمانية أمروا بالعودة فعادوا واستراحوا ثلاثة أيام أو أربعة. وفي هذه الأثناء علم الوزير أن جاسم بك الشاوي عبر بعشيرة العبيد من الشامية إلى الجزيرة وتمكّن في جهة الخابور ، فعاثوا هناك. لذا عين الوزير عبد الرحمن باشا ومحمد باشا لتبديد شملهم وأمر أن يتوقف عبد الرحمن باشا حوالي كركوك لإعداد ما يلزم من معدات وأن يذهب محمد باشا إلى لواء كوى كذلك ، ثم يتلاحق الاثنان ويذهبا إلى أنحاء الخابور لإنهاء المهمة فأطاعا الأمر وذهبا ولكن العداء القديم كان مستحكما بين الاثنين فيتربص الواحد الفرصة للوقيعة بالآخر.

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٣٦. والتفصيل في عنوان المجد في تاريخ نجد ج ١ ص ١٣١ والظفير في عشائر العراق ج ١ ص ٢٩٥.

١٩١

وكان عبد الرحمن باشا أثناء سفر الوزير تظهر منه بعض المعاملات خلاف ما كان عليه أسلافه من حسن الطاعة كما أنه رأى من محمد باشا أوضاعا زائدة في مراعاة جانب الوزير. ومن جراء ذلك صار عبد الرحمن باشا يترقب الفرص للوقيعة بمحمد باشا ويلتمس الوسائل للعصيان.

وفي سفرتهما هذه وصلا إلى منزل (البط) (١) فانتهز عبد الرحمن باشا الفرصة وقتل محمد باشا وألقي القبض على جميع أتباعه ونهب معسكره وجيشه وكتب بذلك عرضا إلى الوزير أخبره به عما جرى وذهب توا إلى كركوك.

وهذا ما لا يصح السكوت عليه إلا أنه تعهد أن يقوم بالخدمة ، ويراعي الإخلاص والصداقة. وكانت المصلحة تدعو إلى مراعاة جانبه والسكوت عنه لأجل ، لذا كتب إليه يعزره وينصحه وبالنتيجة يعفو عنه ، ولزيادة تطمينه أرسل إليه خلعة وأمرا ووجهت إليه ألوية كوى وحرير.

ولما ورد موظف من قبله أرجع إلا أنه حينما وصل إلى داقوق عاث عسكره بالزروع والقرى ونهب وسلب. فأخبر متسلم كركوك الوزير بكل ذلك وجاءت الأخبار من أماكن أخرى تنذر بخطره فتظاهرت خيانته فلم يطق الوزير التغافل عنه.

وكان الوزير يحسب أن خالدا الكهية متفق معه في الخفاء هو وبعض ندمائه. لذا ألقى القبض عليه وعلى الحاج عبد الله آغا متسلم البصرة سابقا وأعوانهما وسجنهما في القلعة الداخلية وفي هذه أتهم محمد الفيضي بن لطف الله كاتب الديوان وكان خطاطا معروفا (٢).

__________________

(١) رحلة المنشىء البغدادي هامش ص ٦٣ وفيه تفصيل. والبط هو (البت) ويراد به هنا نهر العظيم.

(٢) شعراء بغداد وكتابها ص ٢٧ و ٤٥.

١٩٢

وعين مكانه ابن أخته سليمان بك وكيل الكهية وعزل الكهية ، ووجه إيالة بابان إلى خالد بك ابن أحمد باشا وكان أرسل قبل شهر مأمورا إلى جهة العمادية لمعاونة قباد باشا وأن يكون قوة ظهره. ومنحه الوزير رتبة باشا ووجه ألوية كوى وحرير إلى سليمان بك ابن إبراهيم باشا برتبة باشا وألبس الخلعة من بغداد وأرسلت إلى خالد باشا خلعة ليلبسها في المحل الذي هو فيه وصدر أمر العزل بحق عبد الرحمن باشا وأعطي إلى رسوله. وأمر الوزير بما يلزم للسفر وأن يقضي على هذه الغوائل.

رأى الوزير أنه لا يأتلف بقاء خالد الكهية والحاج عبد الله آغا محبوسين حذر أن يتولد ما لا تحمد عقباه ، ولذا قتل خالدا الكهية (١) في الحال وأمر بنفي الحاج عبد الله آغا. وحينئذ نهض في ٥ شهر ربيع الأول للانتقام من عبد الرحمن باشا وساق الكتائب متوجها إلى ديار الكرد.

وفي هذا الحين قدم عبد الرحمن باشا عرضا يلتمس فيه العفو والرأفة به وتوالت العرائض منه ولكنه لم يعدل عن غيه ، وأنه لا يزال جادا في عمله. جلب لجهته ضامن المحمد شيخ العبيد ، وحمد الحسين شيخ الغرير وبقوا في كركوك بضعة أيام لا سيما أنه نصب خيامه في (قره حسن) ، وأرسل أخاه سليمان بك بنحو خمسمائة فارس فدمروا (زهاو) مقر متصرفية درنة وباجلان فهرب منها حاكمها عبد الفتاح باشا. ثم إن خالد باشا عبر إلى الجانب الآخر من الزاب فوصلت إليه الخلعة مع الأمر المتضمن التوجيه ومن ثم عاد إلى إربل ، وصار يترقب ورود الوزير فجمع جموعا من الإربليين والموصليين فأغتر بهم وجاء إلى قنطرة الذهب.

__________________

(١) شعراء بغداد وكتابها ص ٢٧ وفيه تفصيل. وفي ص ٤٥ الكلام على عبد الله آغا.

١٩٣

وعلى هذا جهز عبد الرحمن باشا أكثر من ثلاثة آلاف فأغار على خالد باشا بوجه السرعة قبل أن تصله القوة ، ولما قرب من القنطرة صادف خالد باشا ومعه نحو ثلاثمائة أو أربعمائة من خيالته فخرجوا عليهم من القنطرة وتأهبوا لمكافحتهم فنصب خيامه خارج القنطرة واتخذ المتاريس فلم يمهلهم عبد الرحمن باشا وإنما هاجمهم بكافة جموعه فقابله خالد باشا مدة قليلة فرأى أنه لا يستطيع الدوام على محاربته نظرا لقلة عسكره وضعفهم فانكسر جيشه ورموا بأنفسهم في الماء ، فلم يجدوا نجاة بل غرق أكثرهم ، وانتهبوا ما لديهم من أموال وغنائم. وأن خالد باشا نجا بنفسه مع بعض أعوانه بشق الأنفس فانهزم إلى إربل موليا الأدبار ، وأما أخوه عبد العزيز بك فإنه خرق جيش عبد الرحمن باشا بنحو مائة فارس وذهب توا إلى علي باشا وأخبره بما وقع.

هذا وأن عبد الرحمن باشا هاجمت جيوشه بلدة آلتون كوپري وانتهب أهليها ثم عاد رأسا إلى (قره حسن) وأقام فيها. وأن عبد العزيز بك ذهب بتلك الحالة من طوز خورماتي إلى ناحية البيات فوصل إلى علي باشا ، ولذا سارع الوزير لملاقاة عبد الرحمن باشا ومقارعته فتوجه إلى جهة كركوك ولكن عبد الرحمن باشا لم يعتقد أن الوزير سيتوجه إليه ولم يعلم بمجيئه نحوه.

وبينما هو في حالة الدفاع إذ فاجأه الوزير بغتة فلم يقدر على البقاء فعاد إلى الوراء وحاصر في مضيق (بازيان). وأن شيوخ العبيد وشيوخ الغرير كانوا معه ففروا منه والتمسوا النجاة ، مالوا إلى أنحاء سنجار ومنها إلى الخابور ثم عبروا إلى الشامية.

ولما أن علم الوزير بذلك وجه شمر ورئيسها فارس الجرباء لاقتفاء أثرهم وكذا قبيلة عقيل ليقطعوا مرورهم ويمنعوهم من العبور إلى جهة

١٩٤

الشامية. وأخذ الوزير معه أمراء الكروية (١) وعساكر إربل لاستئصال المذكورين والقضاء عليهم ، ومن الغريب أنهم حينما حاولوا العبور باغتتهم القبائل وأحاطت بهم من كل صوب فقتلوا كثيرا بينهم ضامن المحمد شيخ العبيد وغنموا منهم غنائم كثيرة فجاءت البشرى إلى الوزير وهو آنئذ في كركوك.

وأن خالد باشا جمع له جموعا أخرى قدر المستطاع ووصل إلى كركوك فتحركوا جميعا منها وضربوا خيامهم في الجانب الآخر من وادي (قزل دره) ويبعد نحو نصف ساعة عن المضيق ، أما عبد الرحمن باشا فإنه أحكم سد المضيق.

وصار يفكر الوزير في طريق يسهل الذهاب إليه فبقي نحو أربعة أيام ، وفي هذه الأثناء كتب عبد الرحمن باشا إلى الشاه يستمده ويطلب منه إنقاذه ، ولذا التمس شاه إيران من الوزير أن يشفعه فيه في العفو عنه فجاء سفيره بكتاب منه.

أما الوزير فألزمه الحجة بوجه معقول. وفي ضحى اليوم الخامس صف الجنود ونظم الكتائب وشرع بالحرب فهاجم المضيق وكان محكما. اتخذ فيه عبد الرحمن باشا سناكر (٢) متعددة ووضع في كل واحد منها مقدار ألف بندقي من خيار جنوده ، وإخوته سليم بك وسليمان بك وخالد بك وسائر مشاهير رجاله جعلهم خارج المضيق وبقي هو مددا لهم وقت الضرورة ، وحينئذ صالت جيوش الوزير فنال جيش عبد الرحمن باشا اضطراب فانكسر البندقيون والخيالة. فروا إلى داخل المضيق فقتل منهم الكثير ، وألقي القبض على آخرين منهم. وانتهب

__________________

(١) الكروية من قبائل قيس.

(٢) يلفظ صنكر وجمعه صناكر وهو محل يتخذ للحصار ومعروف في العامية. ويقال له مفتول أيضا.

١٩٥

الجيش جماعته وغنم أموالهم. وكانت الخسائر في النفوس فادحة والغنائم وافرة.

وعلى هذا كسا الوزير كلّا من خالد باشا وسليمان باشا خلعة مجددا ورخصهما في الذهاب إلى مقر حكومتهما.

ثم إن الوزير أراد أن يقضي على البقية الباقية من قبيلة العبيد فتحرك نحو الخابور وساق عليهم كتائبه. ولما وصل إلى قرية (أزناور) في سفح جبل (اشتبه) نكل بخلف آغا وأولاده الذين كانوا ألفوا نهب القوافل وقطع الطرق فأخذ منهم مؤونة عظيمة ومبالغ وافرة من النقود فأذعنوا له بالطاعة ثم توجه نحو الخابور فسمع العبيد بذلك فعبروا نهر الفرات بأنواع الكلفة والعناء وتركوا زروعهم فحل الجيش محلهم ورتعت خيوله فيها إلى أن أتلفها ، مكث بضعة أيام ثم عاد إلى بغداد فدخلها في ٤ رجب. ودامت هذه السفرة أربعة أشهر وعشرين يوما.

سليمان بك يوجه إليه منصب كهية :

ولما دخل بغداد أنعم على سليمان بك بمنصب كهية اصالة وألبسه الخلعة لما رأى فيه من المقدرة والكفاءة (١).

الوهابيون ـ غارتهم :

إن الوهابيين صاروا يشنون الغارات على أنحاء العراق ، وشاع في هذه الأيام إرسالهم السرايا على العراق ، ولا تزال ركبانهم تترى ، فتأهب الوزير فخرج بنفسه من بغداد في غرة شهر رمضان وجاء إلى الحلة فنزل الوردية ، وبث العيون لاستطلاع الأخبار (٢).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٢٨.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٣٢.

١٩٦

وقال صاحب عنوان المجد :

«وفيها ـ سنة ١٢٢٠ ه‍ ـ بعث سعود سرية جيش أميره منصور بن ثامر وغصاب العتيبي يترصدون ركبان العراق لئلا يغيروا على طوارف (قوم ابن سعود) وعشائرهم. فسار الجيش المذكور وصادف غزوا لأهل الجزيرة رئيسهم روخي بن خلاف السعدي الظفيري وراشد بن فهد بن عبد الله السليمان بن سويط ومناع الضويحي رؤساء الظفير. وأكثر هذا الغزو منهم ومن رؤسائهم. وهم في فليج في الباطن قرب الحفر فاستأصلوا جميع الغزو قتلا ولم يسلم منهم إلا الشريد قدر عشرة رجال والقتلى يزيدون على المائة.

ورجع منصور ومن معه غانمين سالمين.

ومنصور هذا هو الذي أخذته خيل سعود أسيرا في غزوة الدريهمية كما تقدم» اه (١).

غزوة النجف :

في هذه السنة سار سعود بجيوشه ، ونازل المشهد ، وفرق جيشه عليه من كل جهة وأمرهم أن يتسوروا الجدار على أهله ، فلما قربوا منه فإذا دونه خندق عريض عميق فلم يقدروا على الوصول إليه وجرى بينه وبينهم مناوشة وقتال ورمى من السور والبروج فقتل من جيش سعود عدة قتلى فرجعوا عنه.

ثم رحل سعود فانحاز على الزملات من غزية فأخذ مواشيهم ، ثم ورد الهندية المعروفة ثم اجتاز بحلل الخزاعل وجرى بينه وبينهم مناوشة قتال وطراد خيل ، ثم سار وقصد السماوة وحاصر أهلها ونهب نواحيها ودمر أشجارها ، ووقع بينهم رمي وقتال ثم رحل منها وقصد جهة البصرة

__________________

(١) عنوان المجد ج ١ ص ١٣٤.

١٩٧

ونازل أهل الزبير ووقع بينه وبين أهله مناوشة قتال ورمي ، ورحل منه إلى وطنه (١).

بنو لام ـ ربيعة :

إن شيخ بني لام عرار العبد العال تمنع عن أداء الميري ، ولا تزال بقايا أميرية لدى ربيعة لم تؤد بعد فاقتضى استيفاؤها كما أن محلا يقال له (وادي) كان مقر أهل العيث وقطاع الطريق يرتكبون فيه أنواع الأضرار والسرقات فأخبر الوزير عن هؤلاء أيضا.

لذا أمر أن يؤدب هؤلاء ، وأن تحصل الأموال الأميرية فسير كتخداه سليمان بك إلى بني لام من بغداد ليلا واستصحب عليق خيوله معه لمدة يومين وأغار بسرعة حتى وافى ال (وادي). فلم يجد أحدا إذ أنهم علموا بالأمر ففروا قبل الهجوم عليهم. وحينئذ سلبوا نحو سبعمائة رأس من الجاموس ونزلوا من ال (شبّاب) (٢) للاستراحة وهو قريب من شط دجلة إلى أن تأتي أثقالهم. ولما كان الوقت أيام الشتاء ، والهواء باردا لم يصل الثقل بسرعة ونال الجيش من جراء ذلك عناء شديد وكان في هذا المنزل فرقة من بني لام يقال لها (الرحمة) وشيخها (حاشي) ، عزل وعين مكانه (مهنّا الجساس). ومن هذه الغارة فرّ عرار شيخ بني لام فنصب مكانه عباس الفارس وكتب له أمر بالحضور فتوقف الجيش منتظرا ورود الجواب فتبين أن عباس الفارس متفق مع عرار. ولما لم تكن لأحد رغبة في المشيخة ولم يجرأ على المواجهة فالموظف المرسل لجلبه وصل إلى منزل يقال له (طيب) (٣) ، بقي فيه بضعة أيام أخروه

__________________

(١) عنوان المجد ج ١ ص ١٣٦.

(٢) يعرف اليوم بالجباب وهو مجرى ماء قوي تأتي مياهه من جبال إيران ويصب في دجلة وعليه الآن قنطرة.

(٣) نهر يتكون من مياه إيران ويمضي حتى يصل إلى قرب العمارة ويصب في دجلة.

١٩٨

عندهم ليذهبوا إلى مسافة ثلاث مراحل أبعد كما تبين من كلام الرسول حين عودته.

وحينئذ أخبر الجيش بأن هناك بعض العربان يبعدون بضع ساعات فأغار عليهم صباحا فأحاط بهم فاغتنم منهم نحو اثني عشر ألفا من الغنم ورجع إلى مخيمه الأصلي. ثم استطلعوا أخبارا عن بني لام فتبين أنهم عبروا نهر (دويريج) (١) فكانت المسافة بعيدة ، لذا ترك الجيش أثقاله في محلها وهاجم بما لديه خفافا فأصبحوا منزل (طيب) وعبروا إلى الجانب الآخر فنزلوا ببعد ساعتين عنه ، فمضوا إليهم فصبحوا نهر (دويريج). وحينما عبروا هذا النهر لم يجدوا أثرا للعربان ولكنهم عثروا بالقرب منهم على عرب المقاصيص (٢) وكانوا أيضا من نوع من سبق فأخبر الجيش بذلك فذهب نحوهم فدمرهم وغنم منهم نحو اثني عشر ألف شاة فأرسلت إلى بغداد من طريق جسّان.

في هذه الأثناء أرسل الكتخدا إلى عرار أمرا بتأمينه مع بعض الموظفين فلم يجسر أن يأتي للمواجهة ولكن بعد بضعة أيام طلب عباس الفارس الدخالة فقبلت منه ومن ثم وجهت إليه مشيخة بني لام وألبس الخلعة ثم أغار على بعض المعدان واغتنم مقدارا من الأغنام والمواشي وأخذت الرهائن من شيخ ربيعة. وعاد الكتخدا إلى بغداد (٣). وهكذا كانت الغاية النهب والسلب فتحققت.

شيخ زبيد :

أقام الوزير مدة في الحلة خلالها رأى من الشيخ حطاب الشلال

__________________

(١) وهذا أيضا نهر يتكون من مياه قرب إيران ويصب في دجلة من لواء العمارة.

(٢) من ربيعة.

(٣) دوحة الوزراء ص ٢٣٢.

١٩٩

شيخ زبيد ما يغاير المطلوب فعزله ونصب مكانه ابن عمه حسين البندر شيخا ، وأغار الوزير على حطاب فلم يظفر به. ثم عاد إلى بغداد فدخلها في ٢٤ من المحرم. وكانت مدة سفره أربعة أشهر وأربعة وعشرين يوما.

حوادث سنة ١٢٢١ ه‍ ـ ١٨٠٦ م

إيران وبابان :

كان عبد الرحمن باشا انهزم بأتباعه إلى إيران فوصل إلى (سنة) ، وبواسطة أميرها (أمان الله خان) عرضت قضيته على الشاه.

ولما كان رجال إيران يرغبون في تنفيذ آمال أمثاله تعهدوا أن يؤازروه وخصصوا له محلا في سقز ومع هذا أرسل أمان الله خان كتابا إلى الوزير يلتمس فيه العفو عنه ، وأن يعاد إلى بلاده.

أما الوزير فلم يرق له هذا الملتمس لوجوه عديدة اقتصر منها على بيان مساوىء عبد الرحمن باشا وكتب جوابا أرسله مع الرسول ، وعقب ذلك أرسل السيد سليمان بك الفخري ، فرجع بعد بضعة أشهر حاملا الجواب وأوصاه بوصايا شفهية مآلها أنه قبل اعتذاراته وأنه راغب في الصداقة والمصافاة ، ثم إن سليمان بك حينما كان في طهران أحضر الشاه له عبد الرحمن باشا وبيّن له أن الوالي مشغول في حروب الوهابية ، وأن كل تكليف يقع من جانب الشاه يضطر إلى قبوله فيما إذا حصل من حضرة الشاه إصرار ما.

وأرسل الشاه سفيرا آخر يؤكد فيه لزوم توجيه إيالة الكرد إلى عبد الرحمن باشا بعد عودة سليمان الفخري بنحو شهرين.

وفي الأثناء كان أحد التجار الإيرانيين متوطنا قصبة الكاظمية فطلب مرة مواجهة الوزير وأخبره أن شاه إيران يزيد على توجيه إيالة الكرد إلى عبد الرحمن باشا طلب مبلغ مائتين وخمسين ألف تومان

٢٠٠