موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

يريدها من بغداد مع هدايا كثيرة ، وأن هذا السفير إن أعيد خاليا فسوف تضبط ديار الكرد قسرا بواسطة أمير سنة وعبد الرحمن باشا ، ولم يكتف حينئذ بهذا بل سوف يهدد بغداد فتكون عرضة للأخطار ، وقال أخبره بذلك أحد أقاربه.

إن الاعتقاد بصحة أمثال هذه الأقوال ليس بصواب ولكن تحقيقه ضروري ، وعندئذ يتوسل بالوسائل اللازمة لدرء الأخطار. وهذا مما يحتاج إلى استطلاع رأي الدولة ولكن الوزير غضب لمعاملة إيران هذه. لذا أصدر أمره حالا بالتأهب للحرب دون أن ينظر في العواقب ، وما ينجم من أخطار ، فلم يستأذن من دولته ، وهذا منتهى الطيش»

توتر العلاقات بين العراق وإيران :

وفي الحال كان رئيس الكتيبة محمد أمين آغا حاضرا فأرسله مع رعيلات الخيالة لإمداد خالد باشا متصرف بابان ، وبعد أيام أكمل أسباب السفر وجمع قوته ونهض من بغداد في ٧ ربيع الآخر ومعه اثنا عشر ألفا من الجنود العراقية الخالصة بين خيالة ومشاة (١)

قال صاحب غرائب الأثر :

«خرج من بغداد الوزير علي باشا بالعساكر وسبب خروجه أن الشاه أرسل إليه يطلب حكم السليمانية إلى عبد الرحمن باشا فامتنع وأصر على القتال فخرج من بغداد في أوائل جمادى الأولى وجمع معه العشائر وطلب من الموصل عسكرا فأرسل إليه محمد باشا الجليلي خمسمائة مقاتل وعليهم كاتب ديوانه أحمد بن بكر الموصلي ولما اجتمعت العساكر سار ...» اه (٢).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٣٣.

(٢) غرائب الأثر ص ٦٨.

٢٠١

وحينئذ عبر ديالى وساق الكتائب نحو شهربان فوافاه خالد باشا متصرف بابان وعبد الفتاح باشا متصرف درنة وباجلان وحسن خان الفيلي فعقد معهم مجلس شورى ، وهؤلاء تحادثوا في الأمر ، وكانوا يعلمون الخطر ويتوقعون نتائجه. ولكنهم رأوا أن الوزير مصر وأن رغبته فيه قوية ، ولم يجسر أحد على معارضته فاقترحوا لزوم أخبار الدولة بما وقع فوافق ورافقوه إلى قزلرباط ، فاستراحوا بضعة أيام ، وتواصلت في هذا الحين بعض العشائر والبقايا العسكرية فتلاحق الكل فنهض الوزير واتخذ زهاو (زهاب) مضرب خيامه.

وهناك انتظر بضعة أيام للاستراحة ولكنه في الحقيقة يترقب جواب دولته ، وكان يعتقد أنها سوف تأذن له ، ولذا تحرك من المنزل المذكور وعلى هذا ولما كان الطريق وعرا أمر بتعديله وتنظيمه ، وأرسل إلى رئيس الكتيبة أن يلتحق به مع بيارق الخيالة فوصلوا إليه وتمت تسوية الطريق وتقدمت عقيل وبأثرها المدفعية فمضت من طريق (پاي طاق) وكان الوزير متأهبا للمضي في عقبهم وجاءه الجواب من الدولة عما عرضه عليها مع التاتار (البريد السريع) وخلاصته أن السلطان لا يرضى أن تنقض المعاهدات المعقودة مع إيران ، للآن لم يشرع بالحركة فعليه أن يعدل عنها وإلا فمن المحل الذي تصل فيه هذه الأوامر ، والدولة آنئذ ليس لها من القدرة ما تحارب الثورات الناشبة عليها فضلا عن الدول المجاورة.

ولذا أمر الوزير أن تعود العساكر والمدفعية في الحال امتثالا للأمر السلطاني (١).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٣٥.

٢٠٢

إمداد خاند باشا لسليمان الكهية :

رجع الوزير عن القتال ولكن في خلال إقامتهم في (پاي طاق) تقدمت بعض العشائر واجتازت الطاق فتخطت الحدود وأغارت على ناحية (مايدشت) وانتهبت بعض رعايا الإيرانيين واستولى الرعب على الأهلين في كرمانشاه خوفا من سطوة الوزير وتسلطه وفر بعضهم إلى همذان ، وأن الأهلين تأهبوا للحيطة واتخذوا التدابير اللازمة.

وهذه الأخبار توالت على الشاه ، ولذا أمر أن تحافظ الحدود وإذا كانوا اجتازوها أن يدافع عن المواطن المتباقية فأرسل ابنه محمد علي ميرزا مع مقدار وافر من الجيش لجهة كرمانشاه وبعث بفرج الله خان ليكون قائدا على أنحاء سنة وحاكمها (أمان الله خان) ويخمن الجيش بخمسة آلاف أو ستة. أما عبد الرحمن باشا فإنه خرج من سقز وتمكن في محل قريب من السليمانية وكان ينتظر أن تظهر نتيجة.

ولما تبينت وظيفة فرج الله خان وأمان الله خان بهذه الصورة أراد عبد الرحمن باشا جذبهم إليه وتعهد لهم بأطماع وفيرة وجلبهم إلى محل قريب منه. وحينئذ علم خالد باشا بالخبر ولكنه لم يستطع أن يعمل عملا دون استشارة الوزير فعرض الأمر عليه وطلب منه أن يرسل إليه قائدا قديرا ليشاوره في الأمر ويتخذ الحيطة ، وأن يزود بقوة من الجند.

ولا يزال الوزير في (پاي طاق). ورد إليه الخبر من الباشا فأرسل إليه سليمان باشا متصرف كوى وحرير وبعض العشائر الموجودة وصنوف كركوك العسكرية والسباهية وبعض الأفراد من أهل القرى فتجمع نحو ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف نفر وجعل هؤلاء تحت قيادة سليمان الكهية وسيره لجانب خالد باشا وعاد هو بباقي الجيوش وجاء إلى (شروانة) التابعة لقضاء كفرى فأقام فيها ، وكان يترقب الأخبار عن الجيش الذي أرسله.

٢٠٣

أما الكتخدا فإنه مقدام وهمام ، ذو شجاعة ولكنه لم يكن ممن زاول جسام الأمور ليقوم بعمل مثل هذا. وعلى كلّ إن الكتخدا حسب أن عبد الرحمن باشا وجيوش إيران كعشائر العرب التي حينما تسمع بجيش الحكومة تفر من وجهه فاعتقد أنها سوف تنهزم بهذه الصورة.

ولذا تقدم بجيشه ومضى من پاي طاق فقطع الجبال الصعبة والطرق الوعرة فطوى مقدار خمسة منازل أو ستة في يومين وورد شهرزور وتحرك مع جيش خالد باشا وهذا أراد إقناعه في البقاء للاستراحة بضعة أيام لينظر نوايا إيران ويتحقق أوضاعهم ، فلم يلتفت ، ولم يتدرع بالحزم الذي هو شرط الشجاعة ولا راعى الاحتياط ، أغار على ايران ، ولم يستقر في موطن للاستراحة حتى بلغ الحدود بل تخطاها واجتاز (زير باري) في مريوان من أعمال سنة ، فصادف جيش إيران.

وكان جيش الكتخدا رأى عناء شديدا في اجتياز هذه الجبال والوهاد ولم ير راحة أو استراحة فقطعها في ثلاثة أيام أو أربعة فلم يستطع الباقون اللحاق به ولم يجد مجالا ليرتب الجيش ويراعي تعبيته بالوجه المطلوب. وحينئذ قابل العدو فوقع القتال بين الفريقين فلم يقصر في الشجاعة والحرب ولكن رغم الجلادة التي أبداها كسر (١).

قال في غرائب الأثر : «كان فيه هوج وحمق ... فسار إلى أن وصل معسكر عبد الرحمن باشا ومن حمقه باشر القتال والخيل والفرسان في تعب من بعد الطريق وقاتل سليمان بك بنفسه فأسر وتفرقت عساكره وقتل منهم أكثر من ألف ، ومن سلم سلبت ثيابهم وسلاحهم وملكت خيامهم وأثقالهم ...» اه (٢).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٣٥.

(٢) غرائب الأثر ص ٦٨.

٢٠٤

أحاطت بالكتخدا الجيوش من كل صوب. فألقي القبض عليه وعلى من معه فأسر وأرسل إلى الشاه في طهران.

وصل خبر هذه الواقعة إلى الوزير وهو في شروانة ، وفي عين الوقت جاء خبرها إلى محمد علي ميرزا وكانت مهمته أن يحافظ على الحدود ولكن الميرزا مشى من زهاو بلا سبب وجاءت طلائعه إلى قزلرباط وأغارت على بعض الرعايا فانتهبها واتخذ ذلك فرصة ، وحينئذ تحول الوزير من شروانة إلى كفرى وعاد الإيرانيون إلى مواطنهم الأولى وأن الوزير لمجرد تطمين السكان وإزالة الخوف عن الرعايا بقي أياما.

وفي هذه الأثناء أظهر عبد الرحمن باشا الطاعة وطلب أن يجاب ملتمسه فجاء رسول منه بذلك. وحينئذ وجه الوزير إليه البيورلدي والخلعة فجاء إلى بغداد في سلخ رجب. ومدة هذا السفر ثلاثة أشهر وثلاثة وعشرون يوما (١).

وأما صاحب المطالع فإنه قال :

«ولما وصل خبر أسره الوزير خاله ، ساءه ما دهمه وغير حاله ، فرجع القهقرى إلى أن نزل بعسكره في مأمن ، وفي ذلك المأمن نزل عليه حمود بن ثامر وصار نزوله على الوزير نعمة اقتضت من الوزير إكرامه وتعظيمه ، كيف وقد ورد عليه إبان هزيمته ولين شكيمته ، وبسالة فرسانه كالعدم ، ورجالته تقول أفلح من انهزم.

ولما سكن بورود حمود اضطرابه ... أقام في ذلك المكان ... إلى أن صلح بسعي السفراء بين الفرقتين والتئام شمل ذات البين فدخل بغداد ... فأفاض على حمود كل نعمة ... فرجع شاكرا أنعامه ...» اه (٢).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٣٧.

(٢) مطالع السعود ص ١٧٨ و ٣٠١. بتلخيص.

٢٠٥

نعمان باشا الجليلي :

وفي ١٦ جمادى الأولى توفي الوزير محمد باشا الجليلي والي الموصل ودفن في جامع الشيخ محمد الزيواني فتسلم البلد ولده محمود بك ، وفي غرة شوال ثارت فرقة من الينگچرية ... ثم صالحوهم فسكنت الفتنة وفي ٢٦ منه اعتزل الأمير أسعد بك ابن الوزير الحاج حسين باشا الجليلي وعزم على محاربة أقاربه ... ومن ثم انسحب محمود بك فتسلم الموصل نعمان بك ابن الوزير سليمان باشا الجليلي في ٧ ذي القعدة ثم ظهر في ٢٢ منه فساد من أتباع أسعد بك فطلبه نعمان بك فهرب ... وبتوسط من الجليليين خرج أسعد بك إلى إربل ... وفي المحرم سنة ١٢٢٢ ه‍ ورد الفرمان بولاية نعمان باشا فسكنت الموصل (١).

الوهابية ـ سفرة إلى الحلة :

إن الوزير حينما عاد من سفر (پاي طاق) حدثت وقعة سليمان الكهية فشغلت فكره. وفي هذه الأثناء شاعت قضية الوهابية ... فأقام ببغداد نحو الشهرين وهو في حيرة وفي ٥ شوال تحرك من بغداد بما لديه من جيش إلى الحلة وبث العيون في كل صوب حذرا من المفاجأة. وبوجوده لم يستطع الوهابية أن يتقدموا فلم تظهر لهم حادثة وأما التدابير المتخذة لخلاص سليمان الكهية فقد كانت نتائجها حسنة. بقي في طهران نحو ستة أشهر ثم رخص الشاه بانصرافه فورد بغداد فاستراح بضعة أيام ثم ذهب إلى الحلة لملاقاة الوزير. ولما لم يبق حذر من الوهابية ، عاد الوزير إلى بغداد فدخلها في ٢٢ المحرم سنة ١٢٢٢ ه‍ ومدة سفره هذه بلغت ثلاثة أشهر و ٢٨ يوما (٢).

__________________

(١) غرائب الأثر ص ٧٠.

(٢) دوحة الوزراء ص ٣٣٧.

٢٠٦

وبهذا وجه الأستاذ سليمان فائق اللوم على الوزير من جراء خرقه في سياسته بهجومه على إيران ومعاملته عبد الرحمن باشا (١).

حوادث سنة ١٢٢٢ ه‍ ـ ١٨٠٧ م

رتبة ميرميران للكهية :

إن سليمان الكهية كانت أعماله مرضية للوزير فالتمس من دولته أن تنعم عليه برتبة ميرميران فورد الفرمان ونال لقب (باشا) (٢).

جمل الليل في بغداد :

ورد البصرة فبغداد العالم أبو عبد الرحمن زين العابدين المشهور بجمل الليل ، وفي البصرة أخذ عنه عثمان بن سند المؤرخ المشهور. وفي بغداد روى عنه الأكابر والأصاغر طلبا لعلو الإسناد ، أما الوزير فزاد في إكرامه ولكنه فاجأه الأجل فحال دون الوفاء بما وعد من عزمه على شراء أملاك يقفها في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلّم. وأمره الوزير سليمان باشا بعد ما توفي خاله أن يقرأ البخاري ... ثم رجع من بغداد على طريق البصرة في سنته هذه ولم ينل مطلوبا. وتوفي في حدود سنة ١٢٣٥ ه‍ (٣).

قتلة علي باشا :

جاء قبل ثلاث سنوات مدد بك من أعيان باطوم إلى الوزير فأكرم مثواه ، إلا أنه كفر النعمة ، فاتفق في الخفاء مع مصطفى الأبازة وأمثاله وهم ثمانية أو تسعة تحالفوا على اغتيال الوزير وصاروا ينتهزون الفرصة.

وفي ٢٤ جمادى الثانية ليلة الثلاثاء كان الوزير حسب المعتاد

__________________

(١) مرآة الزوراء.

(٢) دوحة الوزراء ٢٣٧.

(٣) مطالع السعود ص ١٧٨ و ٣٠١.

٢٠٧

يؤدي صلاة الصبح عند طلوع الفجر مع الجماعة ، وبينا هو في السجدة الثانية من الركعة الأولى إذ فاجأه مدد بك بضربة خنجر وآخر ضرب عباس آغا المهردار في بشتاو (بشتاوه) فأرداه. وفي الحال كسر (السراج) وأطفىء الشمع فخرجوا وذهبوا إلى دار نصيف آغا كتخدا البوابين. أما المهردار فإنه توفي في آنه ولكن الوزير بقي ساعة فمات.

أما سليمان باشا الكهية فإنه حينما سمع بالخبر وافى إليه في حالة النزع. فعهد لبعض الأغوات بالقيام بما يلزم لتكفينه ودفنه وعاد هو إلى مكانه لضبط الإدارة ورعاية منصب الحكومة ثم دفن الوزير في مدرسته قرب السراي بإجلال وعظمة. والملحوظ أنه لم تعرف له اليوم مدرسة باسمه.

ترجمة الوزير :

قال صاحب الدوحة : «إن هذا الوزير عمر نحو ٤٥ سنة. وأيام حكومته مع مدة القائممقامية خمس سنوات وثلاثة أشهر و ١٩ يوما. وهو من مماليك سلفه سليمان باشا ، رباه ، فحفظ القرآن الكريم ، وهو ذو دين وورع ، يحب الصلحاء ، والعلماء ... وكان خفيف الروح ، أديبا ، سخي الطبع ، شجاعا ، صعب المراس ، ذا هيبة ووقار وصاحب غضب وحدة ومناقبه كثيرة ...» اه (١).

وقال صاحب مرآة الزوراء :

«تولى علي باشا بعد وفاة سليمان باشا فوجد كل شيء في مصلحته. وهو جريء جسور ، لذا أخاف الناس إلا أنه سريع الغضب ولم يكن له من الدراية ما يكفي مما دعا إلى حروب ومخاصمات كان في غنى عنها ، منها ما كان قبل أوانه ، ومنها ما لم يحسن عمله. فلم

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٣٩.

٢٠٨

تتقدم الإدارة في أيامه بل انحطت وأدت إلى ضعف إلا أن ذلك كان زمن شباب (المماليك) فلم يشعر بالضعف في حينه ...» اه (١).

ويعرف بـ (أبي غدارة). لأنه كان يحمل الغدارة وهي نوع سيف له حدان ، وليس فيه انحناء ، وإلى وقت قريب تستعمل الغدارة (٢).

وأوضح صاحب مرآة الزوراء أنه بعد وفاة سليمان باشا خلفه كتخداه علي باشا. وهذا كأنه حصل على الثروة بطريق الإرث فصار يهب إنعامات كبيرة لأدنى أمر فيمنح الألف ليرة وما يزيد فاشتهر بين العوام ، فأسرف حتى في الإكراميات وأمثالها. فكان إذا توفي أحد من العلماء ، أو من رجال الحكومة يمنح أسرته ما يحتاجون من أطعمة ، وما يكفيهم من حبوب ودراهم ويخصص لهم مخصصات. وهذا وإن كان من الأمور المستحسنة إلا أنه لم يوزن بمقياس صحيح. وكذا راعى أقوال بعض المغرضين فسفك الدماء أيام وزارته فأفرط» اه (٣).

وهذه الوقائع لا ننسى منها قتل آل الشاوي وغيرهم. أراد أن يمشي مشية سليمان باشا في قهره وسطوته فخاب فالخرق في أعماله ظاهر ، وأراد أن يتحكم في إمارة بابان ففشل وقتل خالدا الكهية دون تحقيق بل لمجرد الواهمة ، وجهز جيشا على الوهابية فخذل. وهذه الوقائع فضحت أمره ، والدين براء منه ، لسوء أعماله وقسوته.

وكان المماليك عصبة لم يؤثر فيهم خرق أمير أو وزير وإلا فإن أعماله هذه كافية لهدم صرحهم. وإن صاحب الدوحة أثنى عليه إلا أنه

__________________

(١) مرآة الزوراء.

(٢) تقرير درويش باشا النسخة التركية ص ٣٧ الهامش. وهذا التقرير نقل إلى اللغة العربية وطبع في مطبعة الحكومة ببغداد سنة ١٩٥٣ م ص ١٩ النسخة العربية. ووصفت النسخة التركية في كتاب عشائر العراق ج ٢ ص ٨.

(٣) مرآة الزوراء. ومثله في تاريخ الكولات ص ١٢.

٢٠٩

لم يستطع أن يستر خطله. وقال : التف حوله بعض من لا خلاق له فسفك الدماء ... (١)

سليمان باشا الكهية :

إن الذين غدروا بالوزير غيلة ذهبوا إلى دار نصيف آغا ، ورأى في نفسه الكفاءة فجمع له جموعا وصار يدعو لنفسه ، فمضى إلى دار الحكومة ، ولكن عامة الأهلين حينما سمعوا بالأمر قالوا لا نريد غير سليمان ، أذعنوا له بالطاعة من تلقاء أنفسهم ، فاختاروه (قائممقاما) قبل أن يتحرك نصيف آغا بحركة ، ولما جاء نصيف آغا بجمعه إلى قرب السراي واطلع على ما وقع تفرق شمله وذهب إلى جانب الكرخ فاختفى.

أما مدد بك ومصطفى آغا الإبازة وأعوانهما فقد ألقي القبض عليهم الواحد بعد الآخر فنالوا عقوبتهم وكذا من شايعهم وأجريت التحريات الشديدة على نصيف آغا فألقي القبض عليه في الكرادة. وقبل أن يصل إلى (القائممقام) صادفه أغوات الداخل في جانب الكرخ فقطعوه إربا إربا (٢) ...

وقائع :

١ ـ إن متصرف بابان عبد الرحمن باشا وصل إليه خبر هذه الوقعة فنهض في الأثر وتوجه إلى كوى وحرير للاستيلاء عليهما ، ولكن متصرفهما سليمان باشا ثبت للمقاومة فلم ينل منه غرضا وعاد.

٢ ـ إن خالد باشا متصرف بابان سابقا كان مهجورا في كركوك.

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٣٨ ومرآة الزوراء ص ١٤.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٣٩. وفي غرائب الأثر ص ٧٢ مثله تقريبا.

٢١٠

وحينئذ جاء إلى بغداد ونزل الميدان لمناصرة سليمان باشا وأجرى مراسم الخدمة والإخلاص له.

٣ ـ نهض عبد الرحمن باشا من جهة لواء كوى فأراد أن يولد اضطرابا في أنحاء بغداد فمر بكفرى حتى وصل إلى قريب من الخالص. وكان رئيس الكتيبة في شهربان مع بيارق الخيالة واللوندات فسير إليه عبد العزيز بك أخا خالد باشا وبعض العشائر والعقيليين وثلاثمائة من خيالة (بابان) ليكونوا قوة له فلم يجسر عبد الرحمن باشا أن يوقع أي ضرر وإنما بقي بضعة أيام ثم رجع.

٤ ـ في هذه الأثناء ظهر من كاتب الديوان (محمد أفندي بن لطف الله أفندي) (١) بعض الأوضاع منها أنه نفّر متسلم البصرة سليم آغا كما أنه حث عبد الرحمن باشا على المجيء. فلما تبينت منه هذه الأوضاع ألقي عليه القبض ونال جزاءه داخل القلعة ونصب مكانه (ولي أفندي) (٢) فصار (رئيس الديوان) وهو كاتب بليغ ومنشىء قدير ، أعجوبة في البلاغة والفصاحة ، قلمه سيال ، وكتابته رائقة جميلة.

__________________

(١) تذكرة الشعراء ص ٢٧ وأبوه لطف الله أفندي ص ٤٩ منها وهذا هو ابن ولي أفندي كاتب الديوان أيام أحمد باشا ولمحمد أفندي من الأولاد عبد الحميد وعبد الله وعبد الرحمن وأسماء. فعبد الرحمن أعقب هيبت زيور. وهذا تزوج بهيبت خاتون وتوفي عن ابن اسمه أمين وهذا له ابن هو الأستاذ عبد الرحمن زيور المحامي. رأيت عنده وثائق تؤكد القربى.

(٢) تذكرة الشعراء ص ٣٤ وتوفي سنة ١٢٤١ ه‍. وله ابن اسمه نائل عمر وتوفي بالطاعون سنة ١٢٤٦ ه‍ وأعقب من الأولاد حاجي سعيد ، وولي وعبد القادر وأسماء.

٢١١

حوادث سنة ١٢٢٣ ه‍ ـ ١٨٠٨ م

وزارة سليمان باشا :

لم يرق المحضر للدولة للخيانة التي أدمجها كاتب الديوان السابق محمد أفندي ولذا وجهت الإيالة إلى يوسف باشا وبقيت في عهدته ثلاثة أشهر أو أربعة. ومن ثم شنعت الدولة على سليمان باشا لمحاولتها القضاء على المماليك.

ثم إنه بعد أن عين ولي أفندي لرئاسة الديوان دبج عرضا ومحضرا آخر وأرسل مجددا إلى الدولة يلتمس فيه التوجيه وبوصوله ورد الفرمان بإجابة ما طلب فرفعت الوزارة من يوسف باشا ووجهت إلى سليمان باشا الكهية في المحرم بواسطة معتمد كتخدا الباب محمد أفندي (١). والسبب في هذا لم يكن كاتب الديوان وإنما هو السياسة وفيها توجيه للمعذرة وانتحال تدبير.

وجاء في تاريخ الكولات :

«لما علم الباب العالي بوفاة الوزير علي باشا وجهت إيالة بغداد إلى يوسف ضيا باشا الصدر السابق وكان واليا على أرضروم (أرزن الروم) مع القيادة العامة في الجبهة الشرقية. وهذا بعث فيض الله أفندي متسلما من قبله ، وكان سير إلى بغداد ، أما سليمان باشا فإنه حينما سمع بذلك جهز جيشا بقيادة أحمد بك أخيه من الرضاعة وزوده بتعليمات خاصة وبعثه إلى ماردين التي لا تزال تحت سيطرة ولاة بغداد وفي هذا الحين وبينا كان فيض الله أفندي متوجها إلى جهة بغداد إذ علم أن الجيش المذكور ورد ماردين فلم يتمكن من الذهاب إليها. ولذا عدل إلى كركوك فوصل إليها ، وحينئذ ألقي القبض عليه متسلم كركوك وتحرى عما

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٤٠ وغرائب الأثر.

٢١٢

لديه فوجد عنده أمرا من يوسف ضيا باشا يتضمن متسلميته وعلى هذا وقفه ومنع أن يتصل بأحد.

ومن ثم قام سليمان باشا بأعمال عدائية ، وتأهب للعصيان فيما إذا أصرت الدولة. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى بذل لها الأموال ، وأبدى الإخلاص ، وتعهد في المحضر الأخير أنه يؤدي مخلفات سليمان باشا واستعمل اللهجة اللائقة في محضره ، وطلب أن توجه إليه إيالة بغداد وسائر ما يلحق بها من البصرة وشهرزور» اه (١).

وفي غرائب الأثر أبدى أعماله العدائية للدولة وبذلك كله انجلى ما أبداه صاحب الدوحة من تعمية عن حقيقة الواقعة مما مر به سريعا وبإيجاز.

لم تر الدولة بدّا من قبول ما عرض ، رأت الجيوش في إيالة ماردين ، وأن المتسلم قبض عليه ، والأموال بذلت ، ومع هذا أبدى الوزير الخضوع وأظهر الطاعة ، فلم تر الدولة مبررا يدعو لرفض الملتمس فقبلت ذلك خصوصا بعد ورود المحضر والعرض الأخيرين لما في لهجتهما ما يستدعي القبول بخلاف الأولين فقد كانا شديدي اللهجة ومما لا يرضى التفوه بهما.

لذلك كله وجهت الإيالات وقبلت المعذرة حسب التعهدات المارة وجاء المنشور فأجريت المراسيم المعتادة ... وصلت صورة المنشور في منتصف شوال سنة ١٢٢٢ ه‍ وفي ذي الحجة قدم إلى بغداد سلاحشور السلطان ومعه أصل المنشور والخلعة فتلقاهما بفرح وزال عن بغداد الهمّ وضربت طبول البشائر (٢).

__________________

(١) تاريخ الكولات ص ١٣.

(٢) دوحة الوزراء ص ٣٤٠ وفيها أن التوجيه جرى في ٤ المحرم.

٢١٣

عبد الرحمن باشا متصرف بابان :

أذعن للوزير بالطاعة جميع الأنحاء والعشائر إلا متصرف بابان. وظهرت منه بعض الأوضاع التي لم يصبر الوزير على تحملها. فجمع ما لديه من جيوش وجماعات فسار عليه في ٣ ربيع الآخر. وحط رحاله في محل يبعد نصف ساعة عن مضيق بازيان.

أما عبد الرحمن باشا فقد استعد للقراع وسدّ المضيق ببناء محكم جدا وأعد نحو أربعة أو خمسة آلاف من الجند المشاة والفرسان وبدأ الخصام ، فصار الوزير يلتمس طريقا آخر أو ممرا من يمين المضيق أو يساره. وذلك لمدة يوم أو يومين ، فعثر على ممر في يمين المضيق صالح لمرور المشاة. وفي ليلته جهز (أو جقلية) كركوك وبندقيين من إربل وبعض الكرد من المشاة جعلهم مع محمد بك آل خالد باشا وبقيادة محمد بك الآخر كهية الوزير. وأمرهم أن يجتازوا من الممر المذكور ويحتلوه.

وأن سليمان باشا متصرف كوى ورد إلى مضيق خطيبان فأمر بالذهاب إلى الجهة اليسرى من مضيق بازيان.

صعد هؤلاء الجبال ليلا فصاروا في أعلاها فعرف ذلك عند الصباح ، وأن الوزير هاجم أيضا من جهة نفس المضيق فكان عبد الرحمن باشا قد حوصر من فوق ومن أسفل ، فلم يستقر له قرار وتزلزلت منه الأقدام واضطرب جمعه فولى الأدبار. وأن خالد باشا وسليمان باشا تعقبوه وساروا في أثره إلى قزلجة المحادة لإيران وأن أكثر أتباعه مالوا إلى جهة خالد باشا.

وبعد بضعة أيام عاد الموما إليهما إلى فيلق الوزير رابحين المعركة. ومن ثم وجه الوزير لواء بابان إلى سليمان باشا وعهد بلواء كوى إلى محمد بك آل خالد باشا وكان وعده الوزير بمتصرفيته ، وكساهما الخلع وسيرهما إلى مواطن حكمهم.

٢١٤

أما الوزير فإنه عاد إلى بغداد منتصرا فدخلها في ٢٨ جمادى الأولى (١).

الوهابية ـ والوزير :

في هذه الأيام جاءت الأخبار أن عبد الله بن سعود جمع جموعا كثيرة ، وغزا العراق ، فتأهب الوزير وتوجه نحو الحلة فتحقق أن الوهابيين لم يأتوا فعاد إلى بغداد. وكان سفره من بغداد في ١١ جمادى الأولى ورجوعه إليها في ٢٢ منه.

متصرفية بابان :

استند عبد الرحمن باشا إلى شاه إيران فعده ركنا ركينا له. ولذا عزم الوزير أن يسير عليه ، وجرى ما جرى.

ومن ثم مال أتباعه إلى خالد باشا فكانت المصلحة تقضي أن يعطى لواء بابان إلى خالد باشا فلم يعطه بل لم يوجه إليه حتى منصب لواء كوى فيطيب خاطره به ولم يكتف الوزير بكل هذا وإنما نسب المغلوبية الأولى إلى تقصير منه ولم يعين له راتبا ، ليقتات به وأقعده في كركوك. وكذا سكن عبد الرحمن باشا في أراضي (سنة) فقدم عرائض إلى الشاه يطلب فيها قبول دخالته وأن يساعده.

وفي هذه المرة أرسل رسولا ومعه كتاب يلتمس فيه من الوزير العفو عنه ويرجو أن يعينه. وبعد التوقف لبضعة أيام أرسل الوزير رئيس كتيبة الخيال (باش آغا) ومعه البيارق إلى ديار الكرد ليكونوا قوة لسليمان باشا ، ومن جهة أخرى أن خالد باشا نظرا لما ناله من اليأس لم يبق له أمل في البقاء. فراسل عبد الرحمن باشا ولكنه أبدى أنه يريد السفر إلى

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٤٢.

٢١٥

بغداد وجمع له نحو خمسمائة أو ستمائة خيال وتحرك من كركوك. ولما وصل إلى ما بين كفرى وقره تپه أمال عنان خيله إلى ناحية زهاو (زهاب) فالتحق بعبد الرحمن باشا في محل يقال له مريوان (مهربان) فورد خبر ذلك إلى الوزير وحينئذ لم ير بدّا من توجيه لواء بابان إلى عبد الرحمن باشا وأرسل إليه خلعة وعزل سليمان باشا وجلبه إلى بغداد فخصص له ولإدارته مندلي وخانقين وعلي آباد (علياوة) المقاطعات المعروفة (١).

إيالة الموصل :

إن أحمد بن بكر الموصلي كان آباؤه وأجداده لدى ولاة الموصل بأنواع الوظائف ومنهم رؤساء الديوان والكهيات ، ويتولون المناصب حسب مقدرة كل منهم ويعيشون برفاه وسعة عيش ، ولهم المكانة المعتبرة (٢).

وفي غرائب الأثر :

«في ٢٠ المحرم ـ سنة ١٢٢٤ ه‍ ـ ولي مدينة الموصل أحمد باشا ... سعى له بالحكم والي بغداد لبغضه لآل عبد الجليل ... كان جدّ أحمد باشا يونس فقير الحال وله أدب وحسن خط فاستخدمه بعض أتباع الوزير الحاج حسين باشا الجليلي ، ثم تقدم وخدم ولده أمين باشا ، ونال لديه مكانة لحسن سيرته وفرط أدبه حتى جعله كاتب ديوان الإنشاء وسافر معه إلى الجهاد ، ولما خرج أمين باشا من الأسر جعله كتخداه فكان محمود السيرة إلى أن توفي أمين باشا وكان ولده الوزير سليمان باشا قد جعل كاتب ديوان إنشائه بكر بن يونس وحظي عنده وكثرت دولتهم ونمت نعمتهم وعزت كلمتهم. ولم يزل بكر متصلا بخدمة مواليه

__________________

(١) دوحة الوزراء ٢٤٣.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٤٤ وتذكرة الشعراء وفيها ترجمة أحمد باشا ص ٢٢.

٢١٦

صادقا في خدمتهم وصار له أولاد فاستخدمهم سليمان باشا وقربهم إلى أن استعفى من الحكم وولي مكانه أخاه الوزير محمد باشا فجعل بكر أفندي كتخداه وولده المترجم أحمد باشا كاتب ديوان إنشائه وباقي إخوته من أجل أتباع الوزير محمد باشا. ولما مضت برهة من الزمان توفي بكر فأقام أولاده في عز وكرامة. فلما ولي الموصل نعمان باشا ابن سليمان باشا بعد وفاة محمد باشا قرب إليه أحمد وجعله كتخداه فازداد عزا ونمت دولتهم واشتهر ذكرهم إلى أن عرض لنعمان باشا مرض الفالج فحدثت أحمد نفسه بالحكم فأرسل إلى والي بغداد وتعهد له بذهاب دولة آل عبد الجليل ... لعلمه أن والي بغداد يعاديهم طمعا في ملك الموصل لنفسه ... فجعل أحمد يتراسل خفية مع والي بغداد ... ثم خاف من مواليه أن يطلعوا على أفعاله ... فعزم على المسير إلى بغداد ... فنصب أشراك الحيلة لتكون لإخراجه من الموصل وسيلة حتى يجتمع بوالي بغداد ويحرضه على الفساد فجعل يطوف على مواليه ويجتمع بواحد واحد ويحرضهم على طلب الحكم ... فباحوا له بأسرارهم ... فسار إلى بغداد واجتمع بواليها ... وجعل يقدح بمواليه حتى رفضهم والي بغداد ... ثم إن والي بغداد عرض على الدولة يطلب حكم الموصل لأحمد فأجيب إلى ما طلب ...» اه (١).

ولنعد إلى الدوحة قال :

وفي هذه الأيام أيضا كان كاتب الديوان لدى نعمان باشا الجليلي متصرف الموصل إلا أن ميله كان في إدارة الحكومة ورغبته مصروفة إليها بكلية زائدة ، وأنه عهد إليه لمرة أو مرتين قيادة عساكر الموصل ، وأن الموما إليه كان مع سليمان باشا في سفر دربند فهو بمعية سليمان باشا وأظهر له من الإخلاص والتفادي ما لا يوصف ، والحق أنه ذو لياقة

__________________

(١) غرائب الأثر ص ٨٢.

٢١٧

وكفاءة وأبدى في كل أحواله سواء في الحل والترحال والإدارة من المهارة ما استوجب الثناء العاطر ورضا الوزير التام بما أبداه من المقدرة والتعقل. فالوزير راض من كل عمل من أعماله.

وأن نعمان باشا كان مبتلى بعلة الفالج وليس له من المقدرة ما يمكنه من القيام بأعباء الحكومة وأن الموما إليه كان قدم رقيما (قائمة) من نعمان باشا حين وروده إلى سفر دربند يوصي به الوزير أن يعينه بناء على سؤاله ، وأبدى للوزير ما في ضميره وأفشى له سره وعرضه عليه.

لذا التزم جانبه والتمس من الدولة أن تمنحه الموصل برتبة مير ميران (باشا) ، فكانت الدولة تروّج مطالب ولاة بغداد في عزل والي الموصل ونصب غيره. وبهذه الصورة قبل رجاء الوزير ووجهت إيالة الموصل إليه برتبة مير ميران.

ومن ثم نال أقصى ما تمنى وحصل على رتبة (باشا) وبعد بضعة أيام أذن له الوزير بالذهاب إلى وظيفته ، وعلى الأثر رشحه إلى السفر إلى جهات ماردين لتأديب بعض العشائر ، وكذا عين بمعيته أمير كوى محمد بك مع بندقيي لوائه. فورد الموصل في ٢٠ المحرم سنة ١٢٢٤ ه‍ ومن ثم تأهب لإعداد جيشه وتدارك اللوازم المقتضية له ثم سارع للجهة التي أمر بالذهاب إليها (١).

قبيلة العبيد :

صالح الوزير قبيلة العبيد واستخدمها كما أنه قرب قاسم (جاسم) بك الشاوي منه ونفر من آل الجرباء لما رآه منهم في وقائع الموصل (٢). وتم ذلك في سنة ١٢٢٤ ه‍.

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٤٤.

(٢) غرائب الأثر ص ٧٩.

٢١٨

حوادث سنة ١٢٢٤ ه‍ ـ ١٨٠٩ م

اليزيدية ـ الظفير :

إن عشائر الظفير كانوا في تلك الأيام يقطنون أراضي الرها (أورفة) ويسكنون الخيام ولم يحصل تجاوز منهم على أحد وكذا قبيلة الدريعي من عنزة. وكان بين فارس الجرباء وبينهم عداء قديم فأبدى للوزير أن لديهم غنائم كثيرة ومن السهل الحصول عليها فسول له أن يسير عليهم ، وكان الأولى به أن لا يلتفت إلى تنفيذ مآرب الآخرين تشفية لغليلهم ممن لهم العداء معهم ولكنه لم يدرك هذه الأمور ولم يراع المصالح الحقيقة (١).

وأن السبب الذي بينه صاحب الدوحة لم يذكره صاحب المطالع وإنما قال لتأديب هؤلاء والظاهر أنه بسبب توجهه إلى ماردين وتلك الأنحاء سخطت عليه الدولة ، وهو يعد نفسه صاحب الحق في التسلط عليها إذ إنها بيد ولاة بغداد إلى ذلك الحين فجعل صاحب الدوحة ذلك سببا في المضي في حين أن السبب الحقيقي المحافظة على أملاك الحكومة وساحة حكمها (٢) ...

لذا تحرك برغبة الشيخ فارس الجرباء لتأديب عشيرة الظفير وقوم الدريعي من جهة والتنكيل بأشقياء سنجار من جهة أخرى ، فخرج من بغداد في ٢٥ من المحرم متوجها إلى تلك الأنحاء.

قال صاحب غرائب الأثر :

«عزم والي بغداد على السفر إلى جهة ماردين وأمر العساكر بالمسير أمامه لتعديل نظام تلك الجهات فقدم والي كوى محمد بك

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٤٦.

(٢) مطالع السعود ص ١٨٩.

٢١٩

بالعساكر إلى الموصل وسار إلى ماردين ، ثم قدم عسكر كركوك وزعماؤها ، ثم عسكر إربل ، ثم عسكر مندلي ، ثم عسكر زهاو ، ثم عسكر تكريت ، ثم عرب البو حمدان ، والبو سلمان ثم عرب طيىء الذين في شمامك ، ثم عرب العبيد (البو حمد). ولم يزالوا يتواردون أفواجا ويتوجهون إلى جهة ماردين.

خرج الوزير سليمان باشا من بغداد بعساكر تسدّ الفضاء ... وسار إلى مدينة تكريت فجاء الخبر أن عرب الظفير والدريعي كثر بغيهم فسار من تكريت إلى جهة (الحضر) وهي خرائب ثم توجه إلى جهة جبل سنجار ونهب مدينة بلد من أعمال سنجار ثم نهب قرى المهركان وقطع أشجارهم وخرب ديارهم ، وأعمى آثارهم ، ثم نزل على جهة الشمال من سنجار وحاصرها أياما ، ثم رحل وتوجه إلى جهة الخابور فبلغ عرب الظفير والدريعي خبر قدوم العساكر فهربوا وعبروا نهر بليخ ، ونهر الفرات. وكان عرب الجرباء والملية على شاطىء الفرات محاصرين لهم. وأرسل والي بغداد لهم إمدادا اثني عشر ألفا من العساكر ، ونزل سليمان باشا بمن معه عند رأس الخابور محاصرا الظفير.

وإن والي الموصل أحمد باشا أمر الزعماء بالسفر ، وكذا وجوه أهل الموصل من الينگچرية وخرج من الموصل في أواخر صفر وأخذ معه جماعة من بني عبد الجليل ممن كان زعيما وتوجه إلى جهة ماردين واجتمع بوالي كوى محمد بك فنزلوا على قرى ماردين ونهبوها ثم نزلوا على قرية ديرك وهي على جبل وأهلها شرفاء وحاصروهم والتحم بينهم القتال عند رأس الشعب فأظهر أهل الديرك أنهم انكسروا فتبعهم عسكر الموصل وعسكر محمد بك فرجعوا عليهم وقتلوا من عسكر الموصل سبعة عشر رجلا واحد منهم من زعماء الموصل وسلبوا منهم أربعين رجلا وقتل من عسكر العراق ستون وسلب منهم خمسون ورجع العسكران بالخيبة إلى خيامهم.

٢٢٠