موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

إلى ربوع الكرد فلما ملكا قياد الأمر ، وتوليا زمام بغداد سافر من الدورق وفر إلى أبي شهر ليتقاضى منهما ما أسدى إليهما من جميل فلما وصل إلى بغداد وعلما منه المطالبة بالوزارة من حالت أفندي حذرا منه ولم يذكرا الجميل فأمر الوزير بقتله فقتل (١).

وقائع أخرى :

جاء عبد الرحمن باشا بترغيب من حالت إلى جهة بغداد بالوجه المبسوط ، واستصحب معه عبد الفتاح باشا متصرف درنة وباجلان إلا أن هذا أبدى إهمالا وظهرت منه خيانة على ما أشيع فبعد دخول عبد الله باشا واستقلاله بالحكم عزل عبد الفتاح باشا ووجه الولاية إلى خالد باشا الباباني تنفيذا لرغبة عبد الرحمن باشا ابن عمه كما أن عبد الرحمن باشا ساعد الوزير ومكنه من الحكم وعزم أن لا يترك جانبه ما لم يأت منشور التوجيه إليه.

وكان لسليمان باشا نوع انتماء ضمني إلى شاه ايران. لذا لم يوافق الشاه أن يقوم بسفر عليه. وبسبب وقعته المعلومة تكدر مما جرى. وعلى هذا زال المانع بوفاته ومن ثم ولما كانت سردشت المعروفة بـ (كلاس) من مضافات (صاوق بولاق) وصارت في تصرف العراق منذ ثمانين أو تسعين عاما. ودخلت في حوزة حكام بابان فقد عزم أمير صاوق بولاق وهو بوداق خان على ضبطها وسير له الشاه جيشا فاضطر عبد الرحمن باشا إلى الاستئذان من عبد الله باشا للذهاب فأذن له وفي ١١ صفر عاد إلى دياره.

وفي ٢١ ربيع الآخر ورد منشور الوزارة المتضمن التوجيه بواسطة

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٩٣.

٢٤١

علي بك الخاصكي فأجريت المراسيم والاحتفال المعتاد.

ثم إن عبد الفتاح باشا عزله عبد الرحمن باشا فالتجأ هو وابنه عبد العزيز بك وتوابعهما إلى إيران مضوا إلى كرمانشاه إلى محمد علي ميرزا. وهذا كتب إلى عبد الله باشا يرجو منه أن يعيد عبد الفتاح إلى محله. وكان عبد الرحمن باشا آنئذ في بغداد فاعتذر الوزير فلم يشأ أن يخالف عبد الرحمن باشا ...

وبعد ذهاب عبد الرحمن أعاد الميرزا الرجاء وألح في الطلب وحينئذ كتب الوزير إلى عبد الرحمن باشا فلم يصغ وكتب الميرزا مرة أخرى فأبدى عبد الرحمن باشا اصرارا.

وكذا أمره الوزير بمطالب أخرى فلم يصغ. لهذا كله انقلب الحب بينهما إلى بغض إذ تحقق الوزير أنه مبتن على أطماع ، ولم تمض مدة حتى تولدت البرودة وانقلبت إلى كدورة فصار كل ما يأمر به الوزير لا يصغي إليه ، وكل ما أراد تمشيته عرقله بخلاف مطالب عبد الرحمن باشا فإنها كانت تروج.

هذا ما دعا أن يتغير عليه عبد الله باشا تغيرا تاما. ولذا عزل آغا الينگچرية قاسم آغا ونصب السيد علي آغا قبطان شط العرب سابقا آغا بغداد (١).

وبعد أيام عزل الكتخدا الحاج عبد الله بك ونصب وكيلا مكانه الحاج محمد سعيد الدفتري السابق. وبعد شهر نصب طاهر آغا الخازن كتخدا مستقلا.

فكانت هذه التبدلات في الإدارة تشعر بما يضمر لعبد الرحمن باشا.

__________________

(١) آغا بغداد ، أو الآغا ، هو آغا الينگچرية ، أو رئيس الينگچرية.

٢٤٢

عزل عبد الرحمن باشا :

أصر محمد علي ميرزا أن يمكّن عبد الفتاح باشا في زهاو ولذا أصر عبد الرحمن باشا على أن لا يلتفت إلى أوامر الوزير ولا إلى محمد علي ميرزا ... حتى أنه لم يكتف بذلك بل تسلط على بعض الأماكن من سنة مما يجاور شهرزور.

وحينئذ عزم الطرفان على تأديب عبد الرحمن باشا. فوافق الوزير أن يكون بدله خالد باشا الموجود في زهاو. وساق عليه محمد علي ميرزا نحو ستين ألف مقاتل وعلى هذا تأهب عبد الرحمن من السليمانية لمقابلته بعد أن جعل ابنه سليمان بك إلى جهة الوزير. وظن أن قوته مع قوة خالد باشا كافية لصد الإيرانيين. ثم تبين لعبد الرحمن باشا ولم يدر بالاتفاق عليه وأن تكون ديار الكرد لخالد باشا ولما وصل الميرزا إلى محل قريب من زهاو سارع خالد باشا لاستقباله بناء على ايعاز من الوزير وتابعه بعسكره فحينما سمع عبد الرحمن باشا بذلك خاب أمله ولم تبق له قدرة فعاد من المحل الذي هو فيه بأتباعه وأسرته إلى لواء كوى وهناك أعد للحصار عدته وأحكم المواطن وتأهب للنضال.

ولما جاء خبر ذلك إلى بغداد وجهت إيالة بابان وكوى وحرير إلى خالد باشا وأرسلت إليه الخلعة مع الأمر (البيورادي) بصحبة أحد الآغوات أحمد جلبي ، وأن محمد علي ميرزا ذهب إلى كوى لمحاصرة عبد الرحمن باشا. ففهم الوزير أن الميرزا سوف يؤثر على الأهلين تأثيرا سيئا فيما إذا استولى على عبد الرحمن باشا كما أنه خاف منه على ديار الكرد لا سيما كركوك والأماكن الأخرى. لذا ندم على ما فعل فأوعز إلى العشائر هناك لمناصرة عبد الرحمن باشا بحيث لا يدع مجالا لإيران في التوغل ...! ومن ثم اطلع الميرزا على نوايا الوزير وخشي أن يقع ما لا يحمد ...

٢٤٣

وعلى هذا طلب المصالحة مع عبد الرحمن باشا على أن تكون له كوى وحرير ، وأن يكون لواء بابان لخالد باشا ، وأن يكتفي منه ببعض الهدايا وفي خلال الخمسة عشر يوما التي حاصر بها عبد الرحمن باشا لم يؤثر ذلك التأثير الملحوظ فقفل راجعا إلى كرمانشاه ولم يتمكن من قهر عبد الرحمن باشا. لأن رجال عبد الرحمن باشا يقدرون بسبعين أو ثمانين من البابانيين فأبدوا من البسالة والشجاعة ما لا يوصف (١).

حوادث سنة ١٢٢٧ ه‍ ـ ١٨١٢ م

عبد الرحمن باشا :

وجهت إلى عبد الرحمن باشا ألوية كوى وحرير ، وإلى خالد باشا لواء بابان ثم عاد الميرزا فأقام خالد باشا في السليمانية وقنع عبد الرحمن بما في يديه إلا أنه بعد ثلاثة أشهر تحرك بتسويل من بعض مقربي الميرزا فقام من لواء كوى إلى ما بين السليمانية وكوى باسم أنه يتصيد ومضى إلى أنحاء السليمانية بغتة فسمع خالد فتوهم أن ذلك كان بإذن من الميرزا كما أنه لقلة جموعه لم تكن له قدرة على الحرب. فترك السليمانية وتوجه نحو زهاو ومنها ذهب إلى مندلي وأخبر بغداد بما وقع.

ومن ثم عزم الوزير في الحال على السفر وجهز جيوشه. أما عبد الرحمن باشا فإنه دخل (سرچنار) فمكث فيها وعرض القضية على الوزير فرأى الوزير أن السفر مخاطرة وفيه مجازفة ويخشى العاقبة فتحاشى لا سيما الموسم موسم الشتاء والبرد القارص وأن من المصلحة العدول عن الحرب ومساعدة معروضاته والسكوت عن أعماله فأبدى الرضا والقبول منه وأضاف إليه السليمانية ضميمة إلى لواء كوى وجلب خالد باشا إلى

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٥٣.

٢٤٤

بغداد وخصص له مندلي لإدارته (١).

سفر الوزير على عبد الرحمن باشا :

أخذ عبد الرحمن يتمادى في أعماله ويتجاوز على بعض القرى وعلى الرعايا حتى أنه حاول الاستيلاء على إربل وقراها وتطاول على قرى كركوك ، لذا عزله الوزير ووجه لواء بابان إلى خالد باشا وجعل ألوية كوى وحرير إلى سليمان باشا وتأهب للسفر عليه فنهض من بغداد في ٢١ جمادى الأولى وسار نحو لواء السليمانية. أما عبد الرحمن باشا فإنه أبدى تجلدا فتلاقى الفريقان في محل قريب من (كفري). رتبا صفوفهما واستعرت الحرب وضاق الأمر.

وفي ساحة القراع بدا الانكسار في العشائر وبعض العثمانيين ولم يبق سوى جيش الوزير وأعوانه ، والمدفعية والبندقيين من عقيل وبعض البابانيين الموجودين. وفي هذه المعركة أبدى داود الدفتري من البسالة ما يفوق الوصف ، وقام يحرض القوم ويحضهم على المصابرة. ولم تمض مدة حتى ظهرت علائم الفوز في جيش الوزير فتغلب على عبد الرحمن باشا.

وقتل في هذه الحرب خالد بك من إخوة عبد الرحمن باشا وكثيرون وتفرقت سائر الجيوش واستولت الحكومة على الخيام وسائر الأموال والمعدات.

إن الوزير بقي هناك مدة ثلاثة أيام ثم توجه نحو كركوك. فاتهم بالخيانة كلّا من متسلم كركوك خليل آغا آل صاري مصطفى آغا ، وقاضيها عبد الفتاح ، ومحمود بك الزعيم (ميرالاي) ، وقاسم آغا وكان آغا بغداد وثلاثة من أعيان شمر وشيخهم (شاطي) وكان مد يده على

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٥٤.

٢٤٥

مؤونة الفيلق يوم المعركة. وعلم أنهم اتفقوا في الخفاء مع عبد الرحمن باشا فألقي القبض عليهم ونالوا ما يستحقون من عقوبة.

ثم سار الجيش من كركوك إلى جهة إربل ، وإن والي الموصل سعد الله باشا كان قد أمر بفرمان أن يتابع الوزير وأن يكون بصحبته فتخلف وتحقق أنه كاتب عبد الرحمن باشا في السر. لذا عزم الوزير أن يذهب إلى الموصل من أجل ذلك فجاءه بهدايا وطلب العفو منه واجهه في (نهر الضرب) (١) وقدم معاذيره فعفا عنه ثم أعاده إلى الموصل. ورجع هو إلى بغداد.

ولما وصل الوزير منزل كفري جاءه خالد باشا متصرف بابان بهدايا فأذن له بالعودة. أما عبد الرحمن باشا فقد فر إلى كرمانشاه.

وفي هذه المرة التزم محمد علي الميرزا جانبه فوصل كتابه فلم يصغ إليه الوزير وأجابه بجواب موافق للحالة. ولما وصل الجديدة ورد خبر فرار سعيد بك بن سليمان باشا الكبير. خاف من الوزير على نفسه وأشاع أنه ذهب لاستقباله. وبهذه الوسيلة مال إلى المنتفق.

وعلى كل دخل الوزير بغداد في ٢٩ (٢) رجب. ومدة هذه السفرة شهران وعشرة أيام (٣).

حركة محمد علي ميرزا :

إن الميرزا رعى جانب عبد الرحمن باشا. ورجا مرات من عبد الله باشا أن يعاد فلم يصغ فنهض من كرمانشاه وتوجه نحو قزلرباط فانتهب بعض الأماكن وشتت الأهلين من ديارهم.

__________________

(١) كذا في الدوحة وهو (نهر الزاب) فجاء غلط ناسخ ص ٢٥٥.

(٢) في مطالع السعود دخل بغداد في ١٩ رجب.

(٣) دوحة الوزراء ص ٢٥٦.

٢٤٦

أما الوزير فقد عزم على مقارعته إلا أن سعيد بك بن سليمان باشا الكبير قد ذهب إلى المنتفق فخشي أن يكون للدولة يد في خروجه. ولذا عدل عن عزمه واضطر إلى قبول تكاليف الشهزاده وصالحه فعزل خالد باشا وسليمان باشا ووجه ألوية بابان وكوى وحرير إلى عبد الرحمن وتعهد بمقدار من المبالغ للشهزاده حتى يعود وأدى منها النصف وأعطى سندا بالباقي.

وجاء في تاريخ ذلك كما نطق بها الشيخ علي الموسوي :

(كل من تلقاه يشكو دهره)

فكان سنة ١٢٢٧ ه‍.

وعلى هذا عاد الشهزاده. ومن ثم دعا خالد باشا وسليمان باشا إلى بغداد وأعطى لخالد باشا مقاطعات مندلي وخانقين وعلي آباد ولسليمان باشا مقاطعات شهربان وبلدروز (١).

المنتفق ـ سعيد بك :

أوضح أن سعيد (٢) بك بن سليمان باشا استولى عليه الرعب من الوزير وخشي أن يصيبه منه ضرر ففر إلى المنتفق. وذلك حينما بلغ الوزير الجديدة فأقام لدى شيخ المنتفق ، ولم يكن له مطامع وإنما أراد أن يتخلص من الغائلة التي توهمها.

أما الوزير فإنه حمل ذلك على محمل آخر فكان ذلك داعية التساهل مع ايران ... فقرر لزوم القبض عليه فنهض من بغداد بجيش

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٥٦.

(٢) سعيد بك جاء عنه أنه أسعد ولعل أصل اسمه أسعد ثم اشتهر بـ (سعيد). وعلى هذا صاحب الدوحة والمطالع وعلى الأول صاحب غرائب الأثر وتاريخ شاني زاده ج ٢ ص ١٨٨ و ٣٠٦.

٢٤٧

عظيم في ٢٧ شوال. وفي مطالع السعود أنه سار في أول ذي القعدة (١).

قال في الدوحة : ولما كانت في ذمة عشائر الدليم مبالغ وافرة من الميري ذهب لاستحصالها فبقي في الفلوجة بضعة أيام واستوفي منهم ما تمكن ثم توجه نحو الحلة ، ومنها إلى الحسكة وأن قلة الزاد والأرزاق مما أدى إلى اضطراب الجيش فمكث بضعة أيام ليتدارك الأمر فظهرت المخاطر من جهات عديدة فحاول رجال الوزير والمقربون إليه عذله عن سفره فلم يفلحوا. وإنما نهض نحو المنتفق (٢).

حوادث سنة ١٢٢٨ ه‍ ـ ١٨١٣ م

تمام الوقعة :

ومن ثم اجتازت الجيوش البراري والقفار وقطعت الأنهار واقتحمت المخاطر حتى وصل الوزير إلى قريب من المنتفق فسمع أن حمود الثامر أيضا توجه لمقارعته ، فجمع نحوا من عشرين ألفا بين فرسان ومشاة فنهض من محله ونزل بعيدا عن سوق الشيوخ بنحو ساعتين منتظرا وصول الوزير.

اتخذ طريق العذل والاستعفاء عن التقصير بإرسال السفراء وتلطف في رسائله فلم يلتفت الوزير. وفي غرة صفر تقدم على شيخ المنتفق وصف صفوفه فاضطر الشيخ على الدفاع ... فتقاربوا إلى محل يقال له (غليوين). وحينئذ ترامى الفريقان من الضحى إلى وقت الظهر بالمدافع والبنادق وسائر الأسلحة النارية وكل فريق تأهب للهجوم على الآخر.

ونظرا لما أثاره الوزير من النيران الحامية تفرق شمل المنتفق ، وانتثر عقدهم ، وانهزمت جموعهم الواحد بعد الآخر ... ولم يبق إلا

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٩٥.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٥٧.

٢٤٨

القليل ومعهم سعيد بك تجاه الوزير. وكانت طائفة من العثمانيين في خدمة والده سابقا فأرادت أن تقوم بمساعدته تجاه انعامات والده لها. فراسلته لتكون معه فمالت إليه ولحقت به. وكذا العشائر ممن كانوا مع الوزير. اغتنموا بها الفرصة فانتهبوا أثقال الجيش. وذهبوا ولم يبق مع الوزير إلا نحو مائتين من اتباعه ومعه كتخداه طاهر الكهية ، فبقي محتارا في أمره وندم على ما فعل.

لذا عزم الوزير على العودة ولكن المنتفق انتشروا فأحاطوا به فلم يجد له مخرجا. وحينئذ ظهر أخو حمود وهو محمد السعدون مع نحو مائة فارس فصاحوا بالوزير :

لك الرأي ، لك الرأي ...!

أخذ الوزير مع كتخداه إلى خيامهم الحربية وبعد ليلة أتوا بهما إلى سوق الشيوخ. وبعد يوم أو يومين مات برغش بن حمود الثامر وكانت اصابته جراح في المعركة فادعوا أن سليمان (١) آغا كهية البوابين جرحه فأخذوه من سعيد بك وأرسلوه إلى سوق الشيوخ وقتلوا الثلاثة هناك. فجاؤوا برؤوسهم إلى سعيد بك (٢).

وفي مطالع السعود : كان مع الوزير في هذه الحرب الشيخ مشكور شيخ ربيعة. وهذا التقى مع صالح بن ثامر من المنتفق فقتل في المعركة.

وكان قبل هذا عزل حمودا من إمارة المنتفق ونصب مكانه نجم ابن عبد الله بن محمد بن مانع أخا ثويني.

ولما قتل الشيخ مشكور زحف الوزير بعسكره وكان قادة الجيش قد وجهوا همهم نحو سعيد بك ثم حمل كل منهما على الآخر وانهزم كثير

__________________

(١) هو جد سالم بن محمد آغا.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٥٧ ومطالع السعود ص ١٩٧ وفيه تفصيل.

٢٤٩

من أتباع حمود وصدق الحملة برغش بن حمود بن ثامر فطعنه بعض الفرسان من عسكر الوزير وحمل على ابن ثامر ويقال إنه هو الذي قتل نجم بن عبد الله المنصوب من جانب الوزير شيخا على المنتفق.

ولما كادت عشيرة حمود تولي الأدبار أدبر آل قشعم من جماعة الوزير فسقط في يد الوزير وطاهر كهية ومن معهما فطلبوا الأمان من حمود فأعطاهم ولم يف لهم بالأمان فإن عشيرته نهبت العسكر ولم تبق لواحد منهم ما يستر عورته وأسر الوزير وطاهر كهية ومعهما ثالث (سليمان آغا) وذهبوا بهم إلى سوق الشيوخ. فلما مات برغش من تلك الطعنة خنقهم راشد بن ثامر وبعد ما قبروا أخرجوا فقطعت رؤوسهم (١).

ترجمة عبد الله باشا :

كان من مماليك سليمان باشا الكبير اشتراه أثناء متسلميته البصرة ، وكان أميا ، بسيطا إلا أنه جواد كريم وشجاع. كان بذل جهده لإرضاء الدولة ومراعاة مصالحها (٢) ...

لامه المؤرخون على ارتباكه من فرار سعيد بك فلم يهدأ له قرار وحاذر أن يقوم عليه في حين أن حالت أفندي بذر هذه البذرة للتفرقة. وكان ذلك لغرض سياسي أهم من الوزارة فأراد أن يتناحر المماليك ليتيسر للدولة القضاء على حكومتهم بسهولة.

قال في الدوحة :

«إنه من مماليك سليمان باشا الكبير. وعاش بنعمته ، وأن عمره نحو الخمسين عاما ومدة وزارته مع أيام قائممقاميته سنتان وخمسة أشهر وثمانية عشر يوما.

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٥٣.

(٢) تاريخ الكولات ص ١٧.

٢٥٠

وهو عارف كامل وعالم فاضل وله وقار وهيبة ، كان جسورا ، لا يلحقه أحد في الجود والكرم» اه (١).

وزارة سعيد باشا

أيامه إلى حين وزارته :

هو ابن سليمان باشا الكبير. ولد سنة ١٢٠٥ ه‍ وعمره حين وفاة والده (١٢ عاما). ولم يكلفه بعمل ما نظرا لصغر سنه. ومن وفاة والده إلى أيام عبد الله باشا اختار الراحة في داره ، وإن الوزراء بناء على أنه ابن الوزير لم يقربوه لمناصب الحكومة ، ولم يطمح هو إليها.

وبعد وفاة سليمان باشا القتيل تولى القائممقامية بترغيب من فيض الله الكهية لمدة يوم أو يومين ثم نفض يده منها وقعد في بيته كالأول. ولم يخطر بباله تعهد رئاسة ، أو رغبة في الحكومة. ولكن بعد ميل الأهلين واختيارهم له مع فيض الله توجهت الأنظار إليه فصار محل التهمة ومظنة الرغبة في الرئاسة. لذا شاهد من عبد الله باشا سوء قصد نحوه. ولمجرد انقاذ حياته وخلاصه من هذه الورطة خرج من بغداد وفر إلى المنتفق ...

لذا قام عبد الله باشا وجهز جيشا على المنتفق فوقع ما وقع. فالتحقت الجيوش بسعيد بك ومالت نحوه فتابعه الكل فقبل الرئاسة ضرورة نزولا عند رغبة هؤلاء وصار يناضل جهده فبقي هناك إلى نهاية صفر ثم تحرك في أوائل ربيع الأول سنة ١٢٢٨ ه‍ وتوجه نحو بغداد بصحبة حمود الثامر. وكان في بغداد آغا الينگچرية السيد عليوي وهو معروف بالتحريكات لا يهدأ له أمر ولكن القائممقام درويش محمد آغا كان صاحب تدبير ، لذا دبره مدة وطمأنه.

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٥٨ ومطالع السعود ص ١٥٢.

٢٥١

قائممقاميته :

وعند وصول سعيد بك إلى الدورة فرح الأهلون به فاستقبله العلماء والأعيان فدخل بغداد في ١٥ من شهر ربيع الأول بأبهة عظيمة وجلس في منصب القائممقامية.

وحينئذ كتبت عريضة ودون محضر في ترشيحه للوزارة. ولما وصل المحضر والعرض وجهت الدولة إليه وزارة بغداد والبصرة وشهرزور رعاية للحقوق القديمة فوردت إليه البشرى مع الحاج حسين آغا التوتونچي باشي لكتخدا الباب في غرة جمادى الثانية ، وفي ١٥ شوال ووردت الفرامين والتشريفات مع محمد آغا معتمد حالت محمد سعيد فسر بذلك وأجرى الاحتفال المعتاد (١).

تبديل بعض المناصب :

إن الوزير حينما انحاز إليه الجيش في وقعة (غليوين) وتابعه أبقى كلّا من أرباب المناصب في محله وقرر أن يكون داود الدفتري وكيلا عن الكتخدا ، وعمر آغا الملي الباش آغا السابق كهية البوابين ، وعزل رستم آغا متسلم البصرة ونصب السيد سليمان الفخري مكانه.

قال في الدوحة : إن داود حين ورد بغداد قدم استقالته لما تفرس في الوزير أنه سوف لا يتمكن من تدبير الحالة ، ولا يتصرف تصرفا قويما كما استدل من بعض القرائن فعين وكيلا بدله بعد أن دخل بغداد درويش محمد آغا آل الحاج سليمان آغا وباشر في وظيفته (٢).

وجاء في تاريخ الكولات أنه من حين تولى الإدارة عهد بالكتخدائية لزوج أخته داود وهذا قبض عليها بكليته فلما وصل إلى

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٥٩ وتاريخ شاني زاده ج ٢ ص ١٨٨ و ٣٠٦.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٥٩.

٢٥٢

بغداد عزله بلا سبب ظاهري وأبعده عن الإدارة والصواب أن والدة الوزير ألحت عليه بلزوم عزله وأصرت فاضطر أن يعزله. وقالت : هؤلاء اعدائي من أيام والدك (١).

وذكر أنه أبقى أهل المناصب كلّا من منصبه ممن كان زمن عبد الله باشا ولكنه عزل خليل آغا الخازن وعين لطف الله آغا مكانه نظرا لحقوقه القديمة حينما كان في المنتفق كما أنه عين خليل آغا متسلما لكركوك. وكان أيضا وعد السيد خضر آغا الموصلي الذي هو آغا القرنة فجعله (آغا بغداد) نظرا لإخلاصه له ولما رآه منه في وقعة (غليوين). ورأى من المصلحة عزل السيد عليوي ولكنه لم ير من المناسب عزله حين دخوله بغداد فأرجأ أمر ذلك إلى وقت آخر. أما السيد عليوي فإنه فضلا عن أعماله السابقة صار يتفوه ببعض الأقوال ويندد بالوزير وأعماله. تحقق ذلك منه فعزله حالا وأجلاه إلى البصرة وعين مكانه السيد خضر آغا الموصلي (٢).

وعندي رسالة فيها قصائد مرتبة على حروف الهجاء في مدح الوزير. جاء في مقدمتها كلام على انتصاره على أعدائه ... وسماه محمد سعيد باشا بن سليمان باشا وأن هذه الرسالة للسيد (سعدي) جد (آل السعدي) المعروفين في بغداد كما أن للأستاذ علي علاء الدين الموصلي قصيدة مدحه بها.

وفاة عبد الرحمن باشا بابان :

تواترت الأخبار بوفاة عبد الرحمن باشا فكان المأمول أن يعين مكانه أحد الباشوات الموجودين في بغداد من البابانيين وعقب هذه

__________________

(١) تاريخ الكولات ص ١٨ وفيه تفصيل.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٥٩.

٢٥٣

الإشاعة جاء رسول خاص يخبر بوفاته وأنه في ساعة وفاته أجمع عموم البيگات والآغوات وجمهور المشايخ والسادات والعلماء والعشائر وسائر الرؤساء ومختاري القرى على اختيار ابنه محمود بك وقلدوه الرئاسة. وأنهم يلتمسون توجيه إيالة ديار الكرد إليه وعلى هذا وجهت ألوية بابان وكوى وحرير إليه برتبة (باشا) وأرسلت إليه الخلعة والأمر (البيورلدي) (١).

الخزاعل :

كان شيخ الخزاعل من مدة مصرا على العصيان وأن جوره بلغ حده. ولذا عزم الوزير على التنكيل به فجهز عليه الجيوش. وفي ١١ ذي الحجة سار فوصل إلى الحلة ولكن المعدات لم تكن متناسبة مع حالة الخزاعل ولا قام بكل ما يجب إعداده فنصب خيامه في الحلة.

حوادث سنة ١٢٢٩ ه‍ ـ ١٨١٤ م

الخزاعل أيضا :

تبين للوزير نقص المعدات فتوقف في الحلة ولكن النقص لم يكن مقصورا على عدد الجيش ، أو نقص في المتاع وإنما هو نقص في حسن الإدارة. ولذا عزم على العودة وغرضه التوقف إلى أن يظهر ما يدعو فيتخذ وسيلة فأقام في الحلة.

أما الكتخدا وسائر (أهل الحل والعقد) فقد أرادوا أن يستروا عيوب الوزارة فاتخذوا الروية وراسلوا شيخ الخزاعل. ساقوه إلى أن يتعهد بالميري وأبدوا للوزير السطوة فأظهر الطاعة وتعهد بأداء الميري ،

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٦٠.

٢٥٤

فاكتفى بهذا منه ورجع إلى بغداد فدخلها في ٢٢ صفر. ومدة سفره شهران و ١٢ يوما (١).

وقائع مختصرة :

١ ـ إن الوزير عزل داود أفندي من الدفترية ونصب مكانه محمد سعيد الدفتري كذا في الدوحة. والصحيح ما مر في تاريخ الكولات وأما الباقون فإنهم توصلوا بطرق مختلفة إلى الوظائف.

٢ ـ إن عبد الرحمن باشا تسلط على بغداد زمن وزارة عبد الله باشا وبسبب ذلك تفرق جمع المقربين أيام علي باشا وسليمان باشا حذرا من بطش الوزير فاختاروا الجلاء عن وطنهم ... ومن جملة هؤلاء محمد آغا الكتخدا السابق. ذهب إلى بلاد الروم ، وكذا أحمد بك الأخ من الرضاعة للوزير ... فإن هؤلاء حينما سمعوا بوفاة عبد الله باشا أمنوا شره وعادوا إلى بغداد الواحد بعد الآخر إلا أنه كان الواجب على الوزير أن يبالغ في إكرام محمد آغا أكثر من أحمد بك نظرا لمقدرته وكفاءته لكنه توجهت ألطافه إلى أحمد بك دون محمد آغا إذ إنه خصص له راتبا أكثر ورعاه رعاية زائدة جدا وعين راتبا لمحمد آغا بصورة اعتيادية ...

٣ ـ كان علي باشا قد نفى متسلم البصرة سابقا الحاج عبد الله آغا ثم اغترب متوجها إلى بندر أبي شهر فبقي بضع سنوات فلما سمع بأن ابن سيده ولي الوزارة في بغداد زال عنه الخوف فاستأذن في العودة إلى بغداد فأدخله الوزير ضمن ندمائه والتفت إليه وسره.

٤ ـ ورد بغداد كل من عبد الله بك وأحمد بك وعمر بك إخوة عبد الرحمن باشا. فارقوا محمود باشا فتوجهوا بأتباعهم إلى بغداد تاركين عائلاتهم (٢).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٦٠.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٦١.

٢٥٥

الحلة ـ الخزاعل وحسكة :

مضى أن سعيد باشا لم يتجاوز الحلة ، وأنه لم يعد العدة ولم يقدر أن يقوم بالسفر على الخزاعل. وهذا مما أدى إلى خذلانه وقلة سطوته وعدم التأثير على العشائر الأخرى فصار عشائر الجزيرة والشامية يتعرضون بالمارة فازداد البغي والعتو من كل صوب.

ومن هؤلاء زبيد والخزاعل وسائر العشائر ولم يؤدوا الرسوم الأميرية. وكذا عشائر (الجرباء) ، و (الظفير) ، و (الرولة) ... فعاثت بالقرى والقصبات المجاورة لها مثل (الحلة) وكربلاء والنجف فضج الناس من كل صوب ... لحد أن النهب والسلب وصل إلى القصبات المجاورة مثل الكاظمية وحوالي الكرخ فصار الناس في خوف على نفوسهم وأموالهم ...

وفي هذه الأثناء اتفق أن أربعين ألف زائر من الإيرانيين كانوا في قصبة كربلاء علمت بهم العشائر فتوجهت إليهم من كل صوب وصارت تنتظر خروجهم للوقيعة بهم ، وأحاطت بالمدينة من أطرافها فلم يجد الزوار طريقا للخروج.

بقي الزوار محصورين وكان فيهم حرم الشاه وفي صحبتها بعض الخانات وأن خدام الحضرة عرضوا الأمر مرارا على الوزير فلم يصغ ولم يتخذ أي تدبير.

كان التهاون بأمثال هذه مما فضح سياسة الوزير وأظهر عجزه ، وولد سمعة سيئة. ولذا ألح أهل الحل والعقد على الوزير للقيام بتدبير ناجع فأحال القضية إلى داود الدفتري السابق فجعله قائدا وعين بصحبته مقدارا من الجيش وفوض إليه رفع أمر الغوائل.

جهز داود جيشه وسار من بغداد بتاريخ ١٤ ذي القعدة نحو الحلة فوصل إليها. وكانت آنئذ كربلاء والنجف مزدحمة بالعشائر في كافة

٢٥٦

أنحائها وحواليها ... وأن كثرتها كانت تعادل أضعاف أضعاف الجيش فلم يبال بكثرتهم.

مكث في الحلة بضعة أيام للاستراحة فذاع أمره فاستولى الرعب على العربان النازلة في تلك الجهات. لذا لم يحتج إلى المحاربة فحذرت العشائر منه وتفرقت دون أن يجرد سيفا وإنما أرسل مقدارا من الجيش لتخليص الزوار المحصورين فجاء بهم إلى الحلة ثم ذهبوا إلى النجف ومنها عادوا إلى الحلة ، ثم توجهوا إلى بغداد دون أن ينالهم خوف أو يصيبهم ضرر.

وحينئذ نهض داود من الحلة يريد الحسكة ولكن علم أن زبيدا في أنحاء الحلة تولدت منهم أكثر المفاسد من قطع طرق ونهب وسلب ... لذا عزل شيخهم ونصب مكانه (شفلح الشلال) وتعهد بتأمين الطرق وحراستها.

وإن عشيرة جبور الواوي سلكت عين ما سلكته زبيد فألقى القبض على شيوخها وأغار على عشائرها. وكانت متحصنة في ناحية (شكرى) بين الأنهار والغابات فعزموا على النضال سوى أنهم لم يطيقوا المثابرة فانهزموا وتقدم الجيش فانتهب أموالهم واغتنم مواشيهم وسائر ممتلكاتهم.

وحينئذ حط داود خيامه تجاه الديوانية محل (ضابط الحسكة) وهناك أبدى سطوته (١).

حوادث سنة ١٢٣٠ ه‍ ـ ١٨١٥ م

الخزاعل :

أما الخزاعل فإنهم من زمن علي باشا لم يذعنوا لسلطة بسبب ما

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٦٢.

٢٥٧

أصاب الحكومة من غوائل ألهتها فصاروا ينظرون إليها بنظر الاستغراب. فلما جاءهم داود رأوا كصاعقة اصابتهم ، واضطروا إلى الانقياد والطاعة وتعهدوا بالميري وقدموا الهدايا ...

أما القائد داود فمراعاة للمصلحة عاملهم بالحسنى ثم رجع بناء على أمر الوزير ونظم الاشغال لكنه قبل أن يتمها صدر الأمر بعودته فعجل بالرجوع حذر أن يحمل عمله على محمل آخر.

وإن أكبر شيوخ الخزاعل محسن الغانم جاء إليه وأبدى الطاعة فراعى جانبه وأحسن إليه واستصحبه إلى بغداد وحصل على واردات جسيمة وأبدى سطوة.

وفي سلخ صفر عاد. ومدة سفرته ثلاثة أشهر و ١٦ يوما (١).

وإلى هذه الوقعة أشار الشيخ صالح التميمي بقصيدة مطلعها :

أمدبرا قطر الممالك بعد ما

عجزت ولاة الأمر عن تدبيرها (٢)

تبدلات في الموظفين :

وقبل عودة داود كان قد عزل الوزير وكيل الكتخدا درويش آغا ونصب مكانه متسلم البصرة السابق الحاج عبد الله آغا وكيل الكتخدا. وهذا مما لا شك في مقدرته قام بأعباء جسيمة. أبدى فيها كفاءة فهو مجرب للأمور. ولكن الأحوال كانت مختلة. ولو نصب غيره أيضا لما أمكنه التنظيم. ولهذا اكتفى داود بالدفترية حبّا في برودة الرأس من الغوائل (٣).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٦٣.

(٢) ديوان الشيخ صالح التميمي ٣١.

(٣) دوحة الوزراء ص ٢٦٣.

٢٥٨

وقائع متفرقة :

١ ـ إن سعيد باشا في سفره إلى الحلة في سنة ١٢٢٨ ه‍ استصحب معه خيالة خالد باشا متصرف بابان سابقا فرأى تهاونا. أما عبد الله بك أخو عبد الرحمن باشا فقد ذهب بصحبة داود إلى الخزاعل. فظهر سعيه وبدت نتائج أعماله. ولذا تغير الوزير على خالد باشا وحبسه في داره وسلب منه مقاطعة مندلي وخانقين وعلي آباد وأعطى حاصلاتها إلى عبد الله بك. ثم عفا عنه إلا أنه لم يعد إليه مقاطعاته.

٢ ـ إن متصرفي الكرد من أواسط أيام علي باشا كانوا يتوصلون إلى الإدارة بواسطة الشاه إلا أن نفوذ الوزراء في الحدود بتعيين موظفين لا يزال باقيا ، وأن إيران تخشى أن تتعرض بهم ... ولذا كفت يدها من كوى وحرير ، ومن درنة وباجلان.

٣ ـ كانت يد إيران في بابان لا تزال عاملة في الخفاء ، والمصارحة وكانت ترضي الوزير بالمواعيد والآمال ...

٤ ـ بناء على بعض التعهدات وجهت كوى وحرير إلى سليمان باشا متصرف بابان سابقا.

٥ ـ إن متصرف درنة وباجلان محمد جواد باشا جاء إلى بغداد وألبس من الوزير خلعة إمارته.

٦ ـ إن وكيل الكتخدا الحاج عبد الله آغا نظم أمور وكالته مدة خمسة أشهر ولأمر طفيف عزل ، ونصب درويش محمد آغا بالوكالة.

٧ ـ لاحظ ضابط الحلة أن زرع المقاطعات ممن يعيث بالأمن ليس من المصلحة وأبدى لزوم اتخاذ تدبير لذلك ، فطلب من خالد باشا متصرف بابان سابقا مقدارا من العسكر فأرسل ابنه محمد بك ومعه نحو خمسمائة فارس إلى بغداد. ولما لم تكن بعهدته مقاطعة تقوم بمصارفه

٢٥٩

أعطي خمسين ألف قرش ليدبر بها أموره وأرسل إلى نهر الشاه (١) ...

الخزاعل :

إن الخزاعل لم يبد منهم ما يبرر القيام بمخاصمة وإنما ذهب جاسم بك الشاوي إلى الخارج أيام عبد الله باشا في بعض المصالح وفي طريقه مر بشيخ الخزاعل سلمان المحسن. ولما لم ير منه توجها وحفاوة فقد اضمر له الغيظ. وفي هذه الأثناء ورد كتاب من شيخ الخزاعل عباس الفارس ينطق بأن سلمان المحسن عاث بالأمن ، وأنه لا يزال على سوء الأحوال فكانت هذه نعم الوسيلة لتبريد غلته ، فأبدى للوزير حاله وشوقه للسفر عليه بأمل تقوية النفوذ وجلب الإيراد.

تأهب الوزير وفي ٨ شوال نهض من بغداد نحو الخزاعل. ولما وصل إلى الحسكة اضطرب شيخ الشامية مغامس الشلال فترك دياره وضرب في الصحارى ، وإن عباس الصقر جاء ليعرض اخلاصه ...

أما سلمان المحسن فإنه ثبت وتمكن في (لملوم) ولكنه لم يطق الدوام فرحل إلى الأهوار واستقر في السيباية في محل يقال له (المدينية). فضرب الوزير اللملوم وأتلف زروعه فرعتها الخيل ووطأتها. ومن هناك ضرب خيامه بمقربة من السيباية وساق عليه الجنود فضيق لبضعة أيام ومشى على السيباية مرات حاول الاستيلاء عليها فاستعصت ولم يتمكن من الوصول إليها. فاضطرب الشيخ لحاله أن يتركها فتفرق جمعه في الأهوار الصعبة المرور ...

ولما علم أن لا طريق لتعقيبهم مضى الوزير إلى جليحة لتحصيل الميري وجعل وجهته اليوسفية فتوقف بضعة أيام وتبين له أن لا طريق لاستحصال الميري منهم فقام بلا نتيجة ورجع. وفي طريقه زار النجف

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٦٤.

٢٦٠