موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

٤١

نهر الشاه بعدته وعديده. وفي هذا تهديد وإرهاب (١).

قبيلة كعب :

إن الوزير بعد أن جلس في منصبه جاءه رؤساء القبائل يهنئونه فنالوا كل إكرام منه وكان فيه نوع استبداد. وفي أيام متسلميته البصرة كان أصناف الأهلين من غني وفقير وقاص ودان راضين عنه وشاكرين له إلا شيخ كعب سليمان العثمان. قام ببعض ما لا يليق وفي أيام وزارته لم يجسر أن يأتيه خشية أن يبطش به. فاستولى عليه الخوف فلم يأت إلى بغداد. ولذا بدرت منه بعض البوادر مما دعا الوزير أن يدخله تحت الطاعة.

وعلى هذا قام الوزير بما يلزم فسار من بغداد على طريق الحلة بجيش جرار وعدد كاملة. فوصل الوردية ثم أخّر بعض الاثقال الزائدة في الحلة ومنها جعل وجهته مجهولة وأشيع أن الجيش أغار على بني لام فتوجه إلى شط دجلة قاصدا الكوت ومن هناك عبر الشط. ثم إنه سير الجسر منحدرا معه. وبعد أن قطعوا ما بين العمارة والكوت عبر أيضا وغرضه الايهام وأن لا يقطع بجهة في تعيين صوب عزيمته.

وصل إلى نهر كارون وحينئذ بدت نواياه وظهرت سطوته وسمع الشيخ المذكور بخبر مجيئه. وحينئذ وجد نفسه أنه لا يطيق القتال فأرسل إلى الوالي طالبا العفو عما بدر ، وأنه لن يخرج عن الطاعة.

أما الوزير فقد عفا عنه وأخذ هداياه. وفي طريقه قام ببعض المهام ونظم الأمور. ثم عاد إلى بغداد (٢).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٥١.

(٢) دوحة الوزراء ص ١٥١ وذكرنا عشائر كعب في المجلد الرابع من عشائر العراق وهو مخطوط عندنا.

٤٢

الخزاعل :

ذكر سليمان بك الشاوي في قصيدة له أن الخزاعل تغلبوا عليه في حربه لهم مع أننا لم نجد إشارة في دوحة الوزراء إلى هذه الواقعة.

بابان :

إن سليمان باشا متصرف بابان ابن عم سليم باشا. كان في حد ذاته متدينا ، شافعي المذهب يتجنب المنقصة وهو زاهد ، ذو صلاح. ولي إمارة بابان وكوى وحرير ، ولواء إربل ومقاطعات كوپري وقره حسن وزنگباد وجسّان. فحكمها من سنة ١١٦٤ ه‍ إلى سنة ١١٧٤ ه‍ بلا مزاحم ولا معارض. فعصى أيام علي باشا ولم يفد معه نصح.

لم يبق للوزير أمل فيه فسار لمحاربته وحين سمع استعد للحرب وكانت قوة الوزير كبيرة نحو خمسة آلاف أو ستة آلاف من الخيالة ونحو سبعة آلاف أو ثمانية آلاف من المشاة وكان جيشه مجهزا بالمدافع وسائر العدد والعتاد. وتحرك سليمان باشا من (قلعة چولان) (١) فعبر قنطرة نارين لمنازلة الوزير فأقام في (جبل حمرين) (٢) لمنع جيوش الوزير وبنى سناكر في جانبي عقبة الجبل المسماة (صقال طوتان) ووضع فيه عسكرا كثيرا. وبذلك سد المرور وقطع الطريق.

ولما وصل جيش الوزير إلى دلي عباس (ناحية المنصورية) ألقى الرعب في جيش البابانيين فلم يستطيعوا البقاء بل رجعوا ومن ثم عبروا جسر نارين وعادوا من حيث أتوا.

__________________

(١) ويلفظها الكرد (قلاجوالان) فظن البعض أنها (قره جوالان) والصواب قلعة جولان على ما جاء في الدوحة.

(٢) سماء في الدوحة (جبل قشقة). وهو اسمه الكردي والتركي. وكذا في رحلة المنشي البغدادي ص ٥١.

٤٣

ثم توجه الوزير نحوهم فتقهقروا. وصلوا إلى كفرى فظنوا أنه المحل الواقي وهم في حالة اضطراب فلم يصبروا على حربه فضاق عليهم المجال وحينئذ التقى الفريقان في محل يقال له (كوشك زنگي) أي قصر زنكي بين كفرى وقرية الاثني عشر إماما. وكل منهما رتب صفوفه للنضال فكانت النتيجة أن انتصر الوزير وفر عدوه. وأن سليمان باشا لم يتمكن من إنقاذ نفسه إلا بصعوبة فاستولت الحكومة على خيامه ومدافعه ومهماته.

وحينئذ وجهت إيالة (بابان) إلى أخيه أحمد باشا فألبس خلعة الإمارة وأذن له أن يذهب إلى مقر إمارته ورجع الوزير منتصرا ظافرا (١).

ذكر الشيخ عبد الرحمن السويدي هذه الواقعة ، ومدح الوزير علي باشا.

وفي هذه الأحوال تراعي الحكومة الحيطة بجلب بعض أقارب الأمراء ليشوشوا الداخل ويقوموا بما يجب من مساعدة فتم الانتصار بأن يجعل النزاع مقصورا على الأمير وأعوانه ويسلم الباقون.

قتلة محمد خليل :

في هذه السنة قتل محمد خليل كما جاء في المجموعة الخطية وهو آغا الينگچرية.

المدرسة العلية :

هذه المدرسة عمرها الوزير علي باشا. وما جاء في التعليق على تاريخ مساجد بغداد من الاشتباه فيها كان غير صواب. فإن تاريخ بنائها كان سنة ١١٧٦ ه‍. وهذه المدرسة صارت مدرسة صنائع ثم مجلس أمة.

والتفصيل في كتاب المعاهد الخيرية.

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٥٢ مكررة.

٤٤

حوادث سنة ١١٧٧ ه‍ ـ ١٧٦٣ م

قتلة علي باشا :

كان هذا الوزير سخي الطبع ، سليم الاخلاق ، مقبول الخصال ، وهو لبيب عاقل شجاع ومدبر ، كما أنه صاحب انصاف وعدل. في وزارته لم يظهر منه سوء معاملة ، وكل الأهلون راضين عنه ، يلهجون بذكره. إلا أن إرضاء جميع الناس من المحال لا سيما أرباب الاطماع.

سبق أن الكهيات كانوا ستة ما عداه. فلما توفي الوزير سليمان باشا صار يطمح كل واحد منهم في الحصول على الوزارة دون غيره فلما توجهت إلى علي باشا يئسوا فأخفوا حقدهم عليه.

أما الوزير فلم يقصر في ارضائهم إلا أنهم صاروا يكتمون له العداء ويتخذون الوسائل للقضاء عليه حتى أنهم حاولوا اغتياله في (الدورة) إثر عودته من حرب كعب فلم يتمكنوا من تنفيذ خطتهم.

وفي هذه المرة أطمعوا أهل الشغب وأغووا البسطاء وأعدوا أسباب الفتنة فملأوا القلعة الداخلية بأهل الفساد ووجهوا المدافع على دار الحكومة وأوقدوا نار الحرب. ضيقوا على الوزير فأخرجوه طوعا أو كرها. فاتخذ له خياما خارج البلد في جانب الكرخ وصار يراعي الوسائل للخديعة ويعوّل على لطائف الحيل ليجري اللازم وأغرى القاصدين قتله بالأموال وأمالهم نحو جانبه فأظهروا الندم والتمسوا أن يدخل البلد.

أما الوزير فقد عاد ودخل المدينة بعد بضعة أيام وقام بالإدارة مرة أخرى إلا أنه كان ينبغي أن يكون متأنيا فعجل في القضاء على من قام بهذا الأمر من الينگچرية الواحد بعد الآخر. أما الكهيات فقد أحسوا بالخطر فأوقدوا نيران الفتنة من جديد وبادروا بالعصيان. اجتمعوا في محل وتعاهدوا فاختاروا عمر باشا وزيرا على أن لا يتعرض لأموالهم

٤٥

وممتلكاتهم فتحالفوا جميعا على هذا بأيمان مغلظة وأبدوا حينئذ أن الوالي يريد السوء بالأهلين فأغووا أعيان المملكة وأمالوهم لجهتهم ، وفي الحال أعلنوا النفير العام وضجوا في المدينة فتجمعوا كأنهم في يوم المحشر وفتحوا باب المقارعة وطال الجدال واتخذ كل واحد ما تيسر له عمله.

وفي هذه المرة نصحهم الوزير وحاول اقناعهم من طريق المسالمة لإطفاء لهيب الفتنة فلم ينجع فيهم تدبير فاضطر أن يخرج من دار الحكومة مرة أخرى بتبديل لباسه وأن يفر من أيدي الثوار فاختفى بدار قريبة فلم يحترم صاحبها الدخالة فأخبر أنه عنده فأخرجوه وحبسوه في القلعة وفيها قتل في أواسط سنة ١١٧٧ ه‍.

وكان من مماليك سلفه سليمان باشا. ومما اشتهر به أيضا الإقدام والغيرة وطهارة المشرب ، والديانة ، وأنه لم يكن خائفا كما نبزه أعداؤه. فهو وزير عالي الهمة (١).

وكان سليمان بك الشاوي تحامل عليه وهذا لا يخلو من انتصار لعمر باشا وذكر قتلته في كلام طويل. وأصل هذا التحامل التنافس على الوزارة (٢).

وفي هذه المرة وبالرغم من الاختلاف لا يزال التساند بين المماليك قويا جدا لم يطرأ عليه خلل. فهم على الخارج إلب وقوة. لذا لم تتمكن الدولة أن تستفيد من هذا الاضطراب. تحالفوا واختاروا واحدا منهم فلم يؤثر عليهم غيرهم.

وإذا نظرنا إلى حالة العثمانيين علمنا أن المسهلات متوفرة لبقاء

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٥٣.

(٢) سكب الأدب على لامية العرب. عندي مخطوطة.

٤٦

الوضع. فالدولة كانت في شغل من حروب روسية والمغلوبيات المتوالية الأخرى فليس لها من الوقت ما تتمكن به أن تلتفت إلى داخليتها. لذا نرى حوادث ايران مهملة بل إن وجودها مما دعا أن لا يقع تدخل.

وزارة عمر باشا

إن الكهيات السابقين اتفقوا على الوقيعة بالوزير وبعد قتله اجتمع الأعيان فوافقوا على ترشيح عمر باشا وزيرا على بغداد والبصرة فكتبوا محضرا جاء فيه أن علي باشا له ميل إلى ايران. يراعيهم في أكثر الأمور. اتفق على تسليم بغداد لهم. فلم نصبر على اغماض العين المستلزم للخيانة العظمى كما أن عاقبة ذلك وخيمة. ولو أرسلنا خبرا إلى الدولة خشينا من فوات الفرصة وأن يحدث أمر أكبر بحيث لا يتيسر تدارك الخطر فلزم الإسراع فاضطررنا لاتخاذ الإجراءات الفعلية. والآن رأينا عمر الكهية صادقا للدولة وأن كل عمل من أعماله موافق لإرادتها ، وأن وزراء الخارج لا يستطيعون ضبط المملكة وحسن ادارتها ، فتتمنى أن تعهد إليه الوزارة.

أما رجال الدولة فكانوا يعلمون أن هذه النسبة محض اختلاق ، لكن نظرا لمحضر الوجوه وترشيحهم لعمر الكهية وجهت إليه وزارة بغداد والبصرة وجاءه الفرمان بذلك. فنال أقصى أمانيه وبادر في رؤية المصالح والأمور.

وفرمانه يتضمن أن قطر العراق يستدعي العناية أكثر ، فهو مهم جدا ، فأودع إلى لياقتك وبعد نظرك ، وتدبيرك القويم ، ولا شك أن همتك تظهر في حراسة الثغور ، ومراعاة الحدود ، والخدمات اللائقة كما هو المأمول. وهذا ما أجزم به وانتظره بفارغ الصبر. وأنا مترقب منك جليل الأعمال لاكتساب التوجهات الحسنة ومزيد التلطفات. فأودعت إليك هذه الأمانة إيالة بغداد والبصرة ، والمطلوب أن تضبط وتدار بالوجه

٤٧

المقبول ، وتحفظ من أيدي الاغيار العابثة. فالتبصر واليقظة هما شأنك ، والحكمة ديدنك (١) ...

أرسل هذا الفرمان مع الميراخور الأول للركاب الهمايوني. أوصاه بما يجب عمله ، وحضّه على السكينة والرأفة والعدل.

وممن مدحه حين ولي بغداد سليمان بك الشاوي بقصيدة جاء تاريخها :

«وقمت بالعدل والإحسان يا عمر» (٢)

ومدحه الشيخ عبد الرحمن السويدي بقصيدة كل شطر منها يتضمن تاريخا.

العيدروسي :

توفي الشيخ أبو الفتوحات بهاء الدين با علوي السيد عبد الله العيدروسي العدني ثم البغدادي القادري البدري السهروردي الشافعي الأشعري. في ١٧ رمضان سنة ١١٧٧ ه‍. فصّلت عن العيدروسي وطريقته في كتاب (التكايا والطرق).

حوادث سنة ١١٧٨ ه‍ ـ ١٧٦٤ م

الخزاعل :

لم يعد يسمع شيخ الخزاعل حمود الحمد أوامر الحكومة فاقتضى تأديبه ولذا جهز عليه الوزير جيشا لجبا. أما هو فتأهب للمقابلة وجمع عشائره وعشائر أخرى فتقابل الجمعان ودامت الحرب بينهما إلى أن تمكن الوزير منه بحيث وصل جيش الوزير إلى متاريس الخزاعل

__________________

(١) الفرمان في مجموعة مخطوطة عندي.

(٢) سكب الأدب على لامية العرب.

٤٨

فحصلت المعركة وتمّ له النصر فاستولى على خيامهم واغتنم غنائم كثيرة ثم رجع إلى بغداد باحتفال باهر.

إن هذه الوقعة انتهت في سنة ١١٧٩ ه‍ (١). يدل على ذلك القصائد التي مدح بها الوزير عند عودته .. ومنها قصيدتان لسليمان بك الشاوي.

وفي هذه الوقعة يشير الشاوي إلى أن علي باشا تغلبت عليه الخزاعل في حربه قبل هذه الوقعة وكان رئيسهم حمود مع أننا لا نجد إشارة من المؤرخين إليها فلم يذكروا إلا الانتصار.

حوادث سنة ١١٨٢ ه‍ ـ ١٧٦٨ م

المنتفق :

بعد وقعة الخزاعل ذاع صيت الوزير ونفذت احكامه على القاصي والداني فدخلت العشائر في الطاعة.

وفي هذه السنة تعرض شيخ المنتفق الشيخ عبد الله لبعض المقاطعات في البصرة وتسلط عليها وحدثت بينه وبين متسلم البصرة الحاج سليمان آغا نفرة فأرسل الوزير إليه عبد الله بك الشاوي ليعذله وليؤلف بينه وبين المتسلم.

ولما وصل إليه تفاوض معه وجمع الطرفين في قصبة الزبير ليتداولا في مسائل الخلاف فأبدى الشيخ عبد الله الموافقة وقبل الصلح.

ثم عاد عبد الله بك الشاوي إلا أنه بعد عودته رجع الشيخ إلى

__________________

(١) وقعت سنة ١١٧٨ ه‍. وذكرت في المجموعة الخطية الموجودة عندي. وفيها أن قرنوصا ومانعا قتلا في هذه السنة. والظاهر أنهما من الخزاعل ... إلا أن الشيخ عبد الرحمن السويدي ارخها في سنة ١١٧٩ ه‍. وفي دوحة الوزراء ذكرها في سنة ١١٧٨ ه‍ ص ١٥٤.

٤٩

حالته الأولى. وحينئذ استعد له الوزير ، فنهض بنفسه فلما وصل إلى قريب من العرجة (العرجاء) وتبعد ١٦ ساعة عن البصرة إلى محل يقال له (أم الحنطة) علم الشيخ بمجيء الوزير فوجد أن لا قدرة له على المقاومة فاضطر إلى ترك الديار (١).

وفي هذه الواقعة مدح الشيخ حسين العشاري الوالي بقصيدة وبها ذم المنتفق (٢).

حوادث سنة ١١٨٣ ه‍ ـ ١٧٦٩ م

قتلة عبد الله بك الشاوي :

أرسل الشاوي من جانب الوزير لإصلاح ذات البين وتسوية المشاكل بين متسلم البصرة والشيخ عبد الله فقال صاحب الدوحة : إنه قام بما ينافي الصدق والسداد وخان في القضية وتحرك خلاف رضا الوزير. والحال أنه لما شعر بقوته وهزم شيخ المنتفق أراد أن يقضي على أكبر متنفّذ لديه وكانت لعبد الله بك مكانة في قلوب العشائر والأهلين لا في زمنه بل في زمن أحمد باشا. ولذا بعد انهزام الشيخ قبض عليه في (أم الحنطة) وقتله ولعل المتسلم أغراه بقتله بقصد التشويش على الوالي أو أنه لم يتحمله. وبقي هناك مدة للقيام ببعض المهام.

وفي هذه الأثناء ورد بغداد خبر قتل عبد الله الشاوي فنهض أولاده الحاج سليمان وسلطان وغيرهما وجميع أفراد قبيلة العبيد اتفقوا معهم واعتضدوا بهم واحتشدوا في الدجيل وكانوا قوة مهمة

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٥٦.

(٢) ديوان العشاري ص ١٣٩.

٥٠

تستخدمهم الحكومة لتأديب العشائر فشوشوا الوضع على الوزير وقطعوا الطرق وأحدثوا اضطرابا قويا.

ولما سمع الوزير سارع للعودة إلى بغداد. وبالنظر لكثرة الجيش وأثقاله كان ينبغي أن يصل في مدة عشرين يوما فقصرها في سبعة أيام أو ثمانية. وصل بغداد بغتة ونزل في المنطقة من جانب الكرخ وركبوا خيولهم جريدة ليلا بعد العشاء فأطلقوا الأعنة فوصلوا كالبرق الخاطف ، إلى المحل المطلوب فوجدوا قبائلهم ففرقوهم شذر مذر وأخمدوا غائلتهم. وحينئذ وجد سليمان بك فرصة للفرار فانهزم ، وأما سلطان بك فألقي القبض عليه وجيء به إلى الوزير فلم يسكن غضبه عليه إلا بضربه بيده في خنجره وقتله. ثم عاد الوزير إلى بغداد (١).

وهذا شأنهم حينما يشعرون بقوة فلا همّ لهم إلا قهر الأهلين لا سيما العناصر الفعالة ، وكلما رأوا ضعفا مالوا للتفريق واستخدام البعض على البعض.

جاء في ديوان العشاري أنه قتل في شهر رجب سنة ١١٨٣ ه‍ ورثاه بقصيدة ، وكان مدحه بأخرى هنأه بوقعة المحمرة (٢).

في سنة ١١٨٣ قتل محمود الكهية (٣).

حوادث سنة ١١٨٤ ه‍ ـ ١٧٧٠ م

حوادث سنة ١١٨٥ ه‍ ـ ١٧٧١ م

وفي هاتين السنتين لم يحدث ما يستحق الذكر (٤).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٥٧.

(٢) مجموعة خطية عندي وديوان العشاري ص ١٤٨ و ٢٠٠ عندي مخطوطته مقابلة على نسخة بخط المؤلف.

(٣) عن مجموعة عمر رمضان ـ (مخطوطة بخط المؤلف).

(٤) دوحة الوزراء ص ١٥٧.

٥١

في سنة ١١٨٥ حدث الطاعون (أبو خنجر) وامتد إلى السنة التي بعدها (١).

حوادث سنة ١١٨٦ ه‍ ـ ١٧٧٢ م

الطاعون :

حدث الطاعون فاستولى على المملكة فلم ينج منه رجل ولا امرأة. فتك فيهم فتكا ذريعا فهدم معالم وقضى على بيوت فعادت بغداد يبابا ونالها الخراب.

دام الطاعون من أوائل شعبان إلى أواخر المحرم لسنة ١١٨٧ ه‍. دهش الناس من ألم هذه الوقعة وذهلوا ففروا بلا اختيار ولا روية إلى جهات أخرى.

وكان الوزير اتخذ الخيام فنزلها في مقابل قصبة الإمام الأعظم وبالقرب من المدينة فمال عنه الأعوان والحشم وسائر الموظفين.

وللعشاري قصيدة يرثي بها أوضاع بغداد لما أصابها من هذا المرض الفتاك فبدل من أحوالها (٢).

ثم انقطع المرض فتراجع الناس وعادوا إلى مواطنهم واكتست المدينة حسنا بالسكان نوعا. وهذا الطاعون فل من عزم الوزير وشوش من إدارته (٣).

وفي تحفه عالم (٤) : «حدث سنة ١١٨٦ ه‍ مرض الطاعون في

__________________

(١) مجموعة عمر رمضان ـ مخطوطة بخط المؤلف.

(٢) ديوان العشاري ص ٢٨٧.

(٣) دوحة الوزراء ص ١٥٧.

(٤) رحلة لعبد اللطيف بن أبي طالب الموسوي الشوشتري الجزائري. ولد في ٩ ذي الحجة سنة ١١٧٢ ه‍ في شوشتر. وحصل العلوم الكثيرة. ثم مال إلى السياحة فكتب هذه في أواسط جمادى الأولى من سنة ١٢١٦ ه‍. ـ ثم ألحقها (بذيل التحفة) بدأ به في جمادى الأولى سنة ١٢١٦ ه‍.

٥٢

العراق جاءه من استنبول وانتشر في أنحاء العراق. هلك فيه خلق لا يحصي عددهم إلا الله. وفي مدينة بغداد مات في اليوم الأول بهذا المرض سبعون ألفا ، وفي اليوم الثاني والثالث لم يحص عدد المصابين. وأن العتبات العاليات كان فيها أفاضل العلماء. ذهبوا ضحية هذا المرض إلا نفرا معدودا فروا اتقاء منه وكان في أجلهم تأخير. وأن المؤرخ السيد محمد السيد زينا الذي هو من أدباء ذلك العصر نعت في تاريخه هذا المرض (بالطاعون العظيم).

سرى إلى البصرة وبوشهر بحيث هلك القسم الأعظم من سكان البلاد المشهورة والقرى والبوادي (١) ...

حوادث سنة ١١٨٧ ه‍ ـ ١٧٧٣ م

الحالة بعد الطاعون :

بعد حادثة الطاعون رجع الأهلون كل إلى مكانه. وأن المدينة ظاهرا انتظمت أمورها لكنها لم تتكامل وبقيت في حالة تشوش. لأن الذين كان يعول عليهم في الإدارة وحسن النظام ماتوا ولم يبق من يقوم بشؤون الحكومة من أهل الكفاءة وولي الأمور من لم يكن أهلا للقيام فانحلت أمور الديوان فاضطر إلى ترغيب الاكراد والعربان سكان البوادي. ولقلة خبرتهم بالإدارة تشوشت الأمور وانحلت.

أما العشائر العربية فكانت تنتظر وقوع أمثال هذه الأمور لإثارة الفتن (٢).

__________________

واستمر إلى سنة ١٢١٩ ه‍. وطبعت في حيدر آباد سنة ١٣١٧ مع الذيل.

(١) تحفة عالم ص ٨٦.

(٢) دوحة الوزراء ص ١٥٩.

٥٣

بابان :

في حوادث سنة ١١٨٧ ه‍ تغلب علي باشا على سليمان باشا متصرف بابان ووجه لواء بابان إلى أخيه أحمد باشا ، ووجهت ألوية كوى وحرير إلى تيمور باشا من آل عثمان باشا من أمراء كوى (١) ، وأن سليمان باشا استند إلى كريم خان الزندي فتحارب مرارا مع آزاد خان الأفشاري وانتصر عليه كما استولى على سنة اعتمادا على قوة كريم خان فوجه حكومتها إليه.

ثم إن علي باشا الوزير عزم في السنة التالية على محاربة كعب فاستصحب معه أحمد باشا مع عسكره وأناب هذا أخاه محمود باشا في قلعة چولان وترك أخاه الآخر مصطفى باشا في عسكر قليل.

أما سليمان باشا فإنه اغتنم الفرصة فجاء من سنة بعسكر كثير وطرد محمود باشا وأتباعه وضبط لواء بابان. ولما عاد علي باشا من سفرة كعب سمع بالوقعة في منزل (نهر عمر). وبوصوله إلى بغداد رخص أحمد باشا منصوبا على بابان وعين معه عسكرا جرارا وعند ذلك لم يقاومه سليمان باشا. وكان الموسم موسم شتاء وثلج فأخذ سليمان باشا جميع أرباب الحرف والصنائع وأهل المقدرة والقوة وساقهم قهرا معه وذهب إلى (سنة) وأقام في حكومتها معولا على كريم خان.

وبعد عام واحد توفي علي باشا وصار عمر باشا واليا. وكان هذا الوزير مغبرا من أحمد باشا وكانت له حقوق قديمة مع سليمان باشا. لذا عزل أحمد باشا ووجه لواء بابان إلى سليمان باشا وكذا كوى وحرير وإربل وكوپري وقره حسن وزنگباد وجسّان وبدرة وأرسل إليه خلعة إلى سنة.

__________________

(١) من الصورانيين ولم يكونوا من بابان.

٥٤

أما أحمد باشا فإنه لم يعارض وانسحب هو وأتباعه إلى العمادية. أسكن حاشيته هناك وذهب هو إلى الموصل. بقي فيها مدة.

وتوجه سليمان باشا إلى ديار الكرد وتمكن فيها ، وأن عمر باشا لم ير من المصلحة إبقاء أحمد باشا في الموصل. بل جلبه إلى بغداد إلا أنه لم ينل منه توجها. واستولى سليمان باشا على سنة وعلى جميع ديار الكرد وإربل والمقاطعات الأخرى بلا معارض ولا مزاحم. مضت على ذلك مدة سنة. وكان قد عاقب بعض الأشخاص هناك وهو (فقيه إبراهيم). وهذا نزل ليلا على دار (سليمان باشا) وقتله بخنجره انتقاما منه.

إيالة بابان توجه إلى محمد باشا :

وافى الخبر عمر باشا. وأن أحمد باشا كان في بغداد ، أما أخوه محمد باشا فقد كان هناك وهو أكبر من أحمد باشا وأصغر سنا من سليمان باشا فوجهت إيالة بابان إليه بناء على تعريف عمر آغا المطرجي له وتنويهه بذكره لحقوق قديمة كانت بينهما فأرسلت الخلعة إليه. ولعل التعريف كان مبنيا على أنه عازم على الحرب فيما إذا لم توجه إليه فتتولد فتنة جديدة.

مضت مدة سنة فأراد الوزير عمر باشا السفر إلى الخزاعل فطلب محمد باشا للذهاب معه فجاءه بألفي جندي من خيار الجند فأدى واجب السفر ورسوم الخدمة وعند العودة إلى بغداد أقام بضعة أيام. وفي هذه الأثناء رأى من عمر باشا بعض التكاليف الشاقة .. مما لم يكن يأمله فذهب إلى مقر حكومته على أن لا يعود مرة أخرى وأضمر أن لا يرى هذا الوزير ثانية.

ويلاحظ أن أحمد باشا في خلال هذه المدة اضطرب كثيرا ولم ينل رعاية لدرجة أنه ضجر الحياة ورجح الموت على البقاء على هذه الحالة.

٥٥

ولما علم محمد باشا بهذا أشفق على أخيه ، وكذا أراد تنفيذ نواياه فاتخذ المراسلة والعهد للترغيب فجلب أخاه إليه ، ففرح أحمد باشا بذلك فاطلع عمر باشا على الأمر والتفت حينئذ إليه وأمله بأنه سوف يوجه إليه ديار الكرد وعزم على نصبه فلم يوافق. ولذا خرج وذهب إلى أخيه وحين وصوله وجه إليه أخوه محمد باشا لواء كوى وقره طاغ. وداموا سنين على خير ألفة ووفاق.

ثم دخل بينهما أهل النفاق. فزال الاعتماد بل تمكن الخصام. وبسبب ذلك حذر أحمد باشا فرحل من قره طاغ وذهب بمن معه إلى جهة زنگباد فوجه إليه الوزير مقاطعات بدرة وجسان ومندلي وفي هذه الأثناء حدث الطاعون ، فأراد محمد باشا تنظيم بعض المصالح اللازمة ، وتوجه من قلعة چولان إلى كويسنجق. ونظرا لحادث الطاعون زال الربط والنظام وكل واحد ذهب لشأنه.

أما أحمد باشا فقد استفاد من هذا نظرا لما علمه من قلة العدد والقوة في أنحاء كويسنجق ، فاغتنم الفرصة فعزم على استئصال محمد باشا ، وأغار على كويسنجق ، وعند وصوله إلى قنطرة الذهب (آلتون كوپري) حدثت أمطار غزيرة فلم يتمكن من العبور. فلما سمع محمد باشا بالخبر أخذ ما لديه من الجند وتقدم نحوه فتقابل الطرفان. فكان أحمد باشا في الجانب الأيسر ومحمد باشا في الجانب الأيمن. وفي هذه المدة تناقص الماء ووصل المدد إلى محمد باشا من قبائل كويسنجق من خيالة ومشاة. فتلاحق ورودهم فصاروا يلتمسون معبرا.

رأى محمد باشا أن قوته تكاملت فعبر وتقدم ، لكن العلماء والصلحاء والسادات والشيوخ توسطوا في البين رافعين المصاحف فأصلحوا بينهما ، وأطفأوا نيران الحرب.

وفي هذه المرة خصص محمد باشا إلى أحمد باشا كويسنجق وقره

٥٦

طاغ. أعطاهما له وذهب هو إلى قلعة چولان وبقوا على هذه الحالة سنة واحدة. ثم زال اعتماد محمد باشا على أخيه أحمد باشا بسبب ما حدث من فتنة وشقاق حتى دعاه إليه من قره طاغ إلى قزلجه وحينما جاء حبسه. ولتأمين القبض على أخيه الأصغر محمود باشا وهو بمثابة جزء غير منفك منه أغار على قره طاغ إلا أن محمود باشا سمع بالأمر في حينه ففر هاربا إلى بغداد.

أكرم الوزير عمر باشا مثواه وأعطاه مقاطعة قزلرباط (السعدية) فسكن فيها. ولكن الوزير ـ بسبب الطاعون ـ لم يتمكن من الإدارة. ولذا ترك محمد باشا الطاعة وكان يعتذر ببعض الاعذار من تنفيذ أوامره. وفي الوقت نفسه كان يخابر كريم خان الزندي ويبدي الانتماء إليه. فعرف الوزير ذلك فأراد ضبط ديار الكرد والسيطرة عليها وإرهاب العشائر وتأمين انقيادها فعزل محمد باشا وكان أحمد باشا لا يزال محبوسا فنصب محمود باشا وجعله متصرفا على بابان. فجهز الحاج سليمان آغا وعين برفقته باش آغا وهو أحمد آغا ابن محمد خليل مع مقدار خمسين بيرقا من اللوند وسباهية كركوك ولونداته ومقدارا من خاصته (أوجقلو).

إن هذا القائد توجه نحو المهمة المطلوبة وتلاحق معه محمود باشا أيضا أثناء الطريق وألبسه خلعته والتحق بهم جيش كركوك فوصلوا ديار الكرد.

أما محمد باشا فلم يستطع المقاومة لعلمه أنه لا قدرة له فاختار الذهاب إلى ديار ايران. فتمكن قرب سنة وعرض الأمر على كريم خان الزندي واستطلع رأيه. وأن القائد مع محمود باشا دخلا بلا ممانع قلعة جولان وتمكنوا بها وأنقذ أحمد باشا من السجن ، وأن محمود باشا حين وصوله ترك الأمر لأخيه أحمد باشا بطوعه وفوض إليه المتصرفية وقام هو بخدمته وأن يكون معه فيما يختاره.

٥٧

ثم إن التجاء محمد باشا إلى ايران واحتماءه بكريم خان أدى إلى أن ينتظروا هناك مدة. أما كريم خان فإنه عاضد محمد باشا وطمع في الأمر بسبب الضعف والفتور اللذين استوليا على الأهلين من جراء الطاعون ، وبما أصاب العراق من نقص في الجيوش فأقره في محله وجهز معه جيشا يبلغ نحو عشرة آلاف جندي بمعداتهم وكامل أسلحتهم ومدافعهم. فوافى الجيش الايراني تحت قيادة علي مراد خان متفقا مع محمد باشا فدخلوا حدود الكرد. وحينئذ تفرق جيش الوزير شذر مذر لكن القائد سليمان آغا مع أحمد باشا تمكنوا من جمع ثلة معهم وخرجوا من قلعة چولان وتأهبوا للنضال في سفح جبل (سر سير) فلاذوا بكهف منه وقاوموا أشد المقاومة حتى أنهم بالرغم من قلتهم انتصروا على عدوهم.

وفي هذه المعركة استولى جيش الوزير على (علي مراد خان). قبض عليه أسيرا وكسر الايرانيين وقتل منهم نحو أربعمائة أو خمسمائة وبقوا في تعقبهم إلى ثلث الليل ونالوا غنائم كثيرة.

وحينئذ دعا الحاج سليمان آغا (علي مراد خان) إليه ولطفه وبقي عنده بضعة أيام ثم أرسله إلى عمر باشا في بغداد. وصل خبر انكسار الجيش الايراني إلى كريم خان فحار في أمره.

ثم تصدى لأخذ الثار وتحركت النخوة فيه. وأن عمر باشا حينما جيء إليه بعلي مراد خان أكرمه وأبدى له من الاعزاز ما يستحق. وبقي عنده بضعة أيام ثم أرسله إلى كريم خان مكرما معززا ولكن كريم خان لم يسكن غضبه بل جهز أخاه صادق خان بجيش يناهز العشرين ألفا ، وسير مع شقي خان نحو اثني عشر ألفا ، ومع نظر علي خان ما يقارب الثمانية آلاف.

٥٨

أما القائد الحاج سليمان آغا وأحمد باشا فقد صاروا في انتظار ما سيفعله كريم خان وتطلعوا إلى أخبار الايرانيين إلا أن ديار الكرد ليس في قدرتها الدوام على إدارة الجيوش لأمد طويل ولا قدرة لها على إعداد الأرزاق ولذا توجه الحاج سليمان آغا بعسكره إلى جهة كركوك.

ثم إن الجيوش التي عينها كريم خان توجه كل منها إلى جهة ، فإن صادق خان توجه نحو البصرة فحاصرها ، وإن الفرق الأخرى ذهبت إلى أنحاء الكرد فوردت إلى محل قريب من الحدود. ولما شاع أمر ذلك استولت الواهمة على الأهلين وأصابهم الرعب على البعد حتى أنها أثرت على جيش الحاج سليمان آغا فتفرق أعوانه ولم يبق معه سوى الباش آغا (أحمد آغا ابن محمد خليل) وبضعة خيالة من أعوانه وأتباعه. فتيقن أحمد باشا أن لا طريق لإمداده كما أن عمر باشا عزل أحمد باشا تنويما للعداء بينه وبين الإيرانيين وعين محمد باشا لولاية بابان وإربل والقنطرة (آلتون كوپري) وجاء محمود باشا وسائر أتباعه إلى كركوك فأقاموا هناك وجاء معهم تمر باشا متصرف كوى. وهذه التدابير لم تكن الدواء الناجع بل قوت عزم الإيرانيين وبعثت فيهم همة ونشاطا فطمعوا في الأمر. ولذا تحرك نظر علي خان من كرمانشاه وتوجه إلى ديار الكرد فضبط درنة ، وباجلان فوصل إلى قرى (پير حياتي) ، و (جبّاري) ، و (قره حسن) وهذه مأوى العشائر الكردية وتسمى بأسماء قاطنيها فانتهبوا هذه المواطن ورجعوا.

وأما شقي خان فإنه زحف على الكرد من جهة (سنة) وانتهب أيضا كل ما لقي من قرى ونواح فتوقف هو ومحمد باشا في موقع يقال له (دربندكي). وحينما وصل الخبر إلى كركوك تقدم أحمد باشا بقصد الانتقام منهم إلا أن الإيرانيين بعد أن عملوا ما عملوا رجعوا فلم يسعه اللحاق بهم ومحاربتهم.

٥٩

٦٠